تركته لأجلك! – الحلقة 35

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

لا تذكر تماما ما الذي حدث بعد ذلك، فقد كانت شبه غائبة عن الوعي وكأنها في حلم، كل ما تذكره أنها انطلقت بسرعة كمن تفر من الجحيم!! حتى إذا ما وجدت نفسها خارج المبنى دون أن يلحظها أحد ترقرقت عيناها بالدموع شكرا لله، وما لبثت أن شعرت بتهالك شديد!! تهالك أشعرها بألم لا يطاق، ليس في جسمها.. بل في قلبها!! كيف آلت الأمور إلى هذا الحال!! كانت على وشك تقديم رسالتها في تلك اللوحة!! لكنها لوحة لم يقدّر الله لها الاكتمال!!
لم تعد إلى البيت مباشرة.. فلم تكن قدماها تقويان على الرجوع.. بل اتجهتا بتلقائية نحو حديقة عامة؛ وجدت لأحزانها مكان فيها تحت ظل شجرة..
وترقرقت عينا نوربالدموع وهي تذكر تلك الكلمات التي خرجت مع آهات قلبها بعد ذلك، فقد اتخذت قرارها، قرارا لا رجعة فيه ولا هوادة، قرارا تطرح من خلاله عاطفتها جانبا، حتى ولو اضطرت لسحق مشاعرها سحقا!!
لم تكن شاعرة، ولم تكن خواطرها المتناثرة مما يصح اطلاق اسم الشعر عليه، غير أن ما جادت به مشاعرها المحطمة آنذاك؛ كان أشبه ما يكون بترانيم حزينة لقلب مكلوم!


إلهي لا تعذبني فقلبي لن يطق صبرا
ظننتُ بداية أني محنّكة وبي الفخرا
فإذ بي ربي مخلوقٌ أصاب غروره الكبرا
فأعمته الغشاوة عن حقيقة نفسه المُرّا
وها أنا يا إله الكون أشهد أنني صفرا
وأشهد أنك الرحمن رب الأرض والشعرى
فهل لي يا رجاء الخلق بعد جنايتي عذرا
فإني في معاناة تفجر أدمعي نهرا
وضاق الصدر بالالام والاحزان وانفطرا
وصار الهم يجري في عروق النفس مستعرا
أحيي الصحب باسمة ولا يدرون بي قهرا
ولكني أرى يأسي من الغفران كالكفرا
فلولا أن لي ربا له يسرٌ يلي عسرا
وأنه سامع النجوى وسري عنده جهرا
وأنه كاشف البلوى مجيب دعاء مضطرا
لما طابت لنفسي العيش في دنيا بها كدرا
ولا صاحبت إخوانا ولا حادثتهم خبرا
ولا سمعت لي الآذان شدو بلابل السحرا
ولا ذقتُ الطعام ولا نعمتُ بأنعمٍ تترى
.
.

– نور.. نور ألا تسمعينني!!
انتبهت نور على صوت والدتها أخيرا، فنهضت من مكانها بسرعة وهي تشعر بالذنب، إذ كان من النادر أن لا تلبي نداء والدتها من المرة الأولى:
– آسفة يا أمي لم انتبه لندائك، هل تريدين شيئا؟؟
فرمقتها أمها بقلق وهي تلاحظ شرودها الغريب:
– ما الذي أصابك يا ابنتي، هل حدث شيء؟؟ عامر يحاول الاتصال بك؛ لكنك لا تردين على هاتفك، فاتصلَ بي، سوف يعود الليلة إن شاء الله..
فهتفت نور بدهشة:
– حقا!! علي أن أعود إلى منزلي وأقوم بنفضه فورا!!
وقبل أن تهم بمعاودة الاتصال بعامر بعد أن رأت ثلاث مكالمات منه، رن هاتفها فردت عليه فورا بلهجة مرتبكة:
– اعذرني يا عامر، فلم انتبه لاتصالك.. لقد أخبرتني أمي الآن وسأنتظرك في المنزل إن شاء الله..
غير أن صوته بدا قلقا بعض الشيء وهو يسألها باهتمام:
– هل أنت بخير يا عزيزتي؟؟
كان سؤاله مباغتا بالنسبة لحالتها فلم تعرف كيف تصيغ إجابة مناسبة، فاصطنعت ابتسامة مرحة بسرعة:
– لا شيء مهم، كنت شاردة فقط، فلا تقلق!!

***

انتبهت سوسن لنداء سيدة أخذت تهتف باسمها من وسط الجمع المحيط بها أمام لوحاتها في المعرض العالمي، فالتفتت نحوها لتجد العجوز التي التقتها في غرفة المصلى سابقا تلوح لها بابتسامة عريضة، فأسرعت نحوها لتحييها بابتسامة مماثلة:
– مرحبا بك يا خالة، لقد افتقدتك أمس وظننتك لن تأتي!
فاعتذرت لها العجوز بضحكة مرحة:
– ها أنت ترينني أمامك الآن يا ابنتي، لقد أخذنا الوقت البارحة ولم نتمكن من العودة لرؤية زاويتك، لذا ألححتُ على حفيدي أن يحضرني اليوم خصيصا لرؤيتها قبل أن يغلق المعرض أبوابه..
فابتسمت سوسن برقة:
– هذا لطف كبير منك يا خالتي، ويسعدني سماع رأيك عنها..
غير أن العجوز بدت قلقة وهي تلتفت يمنة ويسرة فسألتها سوسن بتوجس:
– هل تبحثين عن شيء؟
فتمتمت العجوز بصوت خفيض بالكاد سمعته سوسن:
– غريب.. أين اختفى ذلك الولد! لقد كان يقف إلى جانبي قبل لحظات..
وبتلقائية انتقلت عدوى القلق لسوسن، وكأنها تستمع لحادثة ضياع طفل صغير لم يبلغ سن التمييز بعد! لكن وجه العجوز سرعان ما تهلل بشرا وهي تشير بعينيها إلى شاب ملتح وقف يتأمل اللوحات بعيدا عنهما، فنادته العجوز بعفوية:
– مهند.. ما الذي تفعله عندك؟ لقد قلقتُ عليك يا ولد!
فرد عليها الشاب بأدب، متحاشيا النظر إلى سوسن:
– لا تقلقي يا جدتي إنني أنتظرك..
فضحكت العجوز وهي تخاطب سوسن:
– لا عليك.. لقد أقلقتك معي دون مبرر، فحفيدي خجول بعض الشيء وأخشى عليه الضياع أحيانا..
ورغم احمرار وجنتي سوسن من مفاجأتها برؤية ذلك الشاب الناضج الذي يظهر عليه سيماء التدين والالتزام، والذي ذكرها لوهلة بعامر زوج نور، إلا أنها شعرت برغبة عارمة باطلاق ضحكة كادت أن تفلت منها، وهي تحدث نفسها:
– أهذا هو الطفل الذي تخشى عليه الجدة من الضياع!!!
لكن العجوز لم تتركها لأفكارها كثيرا إذ سرعان ما انخرطت بالسؤال عن أدق التفاصيل في كل لوحة، فيما أخذت سوسن تشرح لها بحماسة منقطعة النظير، أما أيهم الذي عاد للتو من دورة المياه، فلم يخفى عليه ملاحظة ذلك الشاب الواقف بهدوء إلى جانب لوحات سوسن..
أخذ يراقبه بتمعن وقد شعر بأنه رآه من قبل دون أن يذكر أين!! لسبب ما شعر برغبة قوية في مراقبته بتفحص أكثر، وملاحظة نظراته دون أن يشعر، غير أن النتيجة التي حصل عليها كانت واحدة..
لم يره ينظر ولا مرة واحدة نحو سوسن!!
كان هذا هو أكثر ما شغل بال أيهم في تلك اللحظات!! بينما أخذت يده توقع بحركة آلية على دفاتر المعجبات اللاتي اجتمعن حوله، غير أنه انتبه لصوت سيدة عجوز تخاطبه:
– أنت أيهم خطيب سوسن إذن! أنت محظوظ حقا بها يا بني..
فابتسم لها أيهم مجاملة وقد سره ظهورها الذي أراح يده قليلا من كثرة التواقيع؛ بعد أن تحوّلت الانظار نحوها باستفهام غريب، وقبل أن يهم بالرد عليها ولو بكلمة، كانت قد نادت حفيدها قائلة:
– هذا هو أيهم خطيب سوسن، تعال وسلم عليه يا مهند قبل أن نذهب..
وبمنتهى البساطة قامت الجدة بمهمة التعارف بين الشابين، دون أن تبدو أدنى غضاضة على وجه مهند الذي أخذت الجدة تتحدث نيابة عنه كالطفل الصغير، فيما قام هو بمصافحة أيهم بابتسامة بشوشة:
– سررتُ بمعرفتك، أرجو أن لا يكون هذا قد أزعجك؛ فجدتي تعد الجميع إما ابناءها أو أحفادها..
فيما تابعت الجدة كلامها بابتهاج:
– مهند طبيب حاذق جدا ما شاء الله يمكنك استشارته في أي أمر تشاء..
والتفتت نحو مهند قائلة:
– ربما لو أعطيته بطاقتك فسيكون هذا أفضل يا بني..
وبانصياع تام أخرج مهند محفظته وتناول منها بطاقة ناولها لأيهم بابتسامة ودودة:
– يسعدني اتصالك في أي وقت..
وبمجاملة تامة تناول أيهم البطاقة وهو يبتسم باقتضاب:
– شكرا لك..
فيما بقيت نظراته معلقة بذلك الشاب الذي لم يرق له مظهره، حتى توارى عن ناظريه وسط الجموع، فتنهد ملتفتا لسوسن التي أخذت تبلل حلقها من قارورة ماء:
– شاب غريب حقا!! ألا يذكّرك بشخصٍ ما!
همت سوسن أن تجيبه؛ لكنها تداركت نفسها فأمسكت عن الإجابة، فيما تابع أيهم طرح أسئلته بتفحص:
– ما رأيك فيه؟
فوجئت سوسن بسؤاله، هل هو فخ ما، ويُفترض بإجابتها أن تكون على نسق معين!!
فصمتت قليلا قبل أن تقول بعد إلحاحه الشديد:
– إنه شاب مهذب!!
فرمقها أيهم بنظرات ذات معنى:
– أهذا كل ما لديك؟؟
فنظرت اليه سوسن بتعجب، مما جعله يتوجه لسؤاله التالي:
– وكيف استنتجت ذلك؟
فأجابته بعفوية:
– لم يكن ينظر نحوي مطلقا على عكس غيره من الرجال!
فسألها بسرعة كمن يوجه الضربة القاضية:
– وكيف عرفت ذلك؟؟
بوغتت سوسن من ذلك السؤال ولم تجد ما ترد به عليه، فتابع أيهم كلامه:
– يبدو أنك أنتِ من كان ينظر إليه يا سوسن!! أظن أنه النوع الذي بات يستهويك من الرجال!!
فاحمرت وجنتاها بنوعٍ من الغضب، وهي ترد بحدة:
– ما الذي تعنيه بكلامك؟؟ أيهم.. لم أعد أفهمك!!!!
فتدارك أيهم نفسه بسرعة:
– لا تسيئي فهمي يا عزيزتي، كان مجرد تعليق عابر..
وتناول يدها بحركة خاطفة ليقربها من شفتيه هامسا:
– آسف لتعكير مزاجك يا حبيبتي في آخر يوم لك في هذا المعرض..
ولأول مرة لم تفلح تلك الطريقة في امتصاص غضبها، بل زادت من امتعاضها لا سيما وقد أصبحت مركزا لأهداف العيون المحدقة بهما من كل جانب، فسحبت يدها قائلة:
– لا بأس.. كما قلت؛ فاليوم هو آخر أيام المعرض..
وأخذت تنظر في ساعتها قبل أن تتابع:
– لم يبق أمامنا سوى أقل من ساعة…
غير أن أيهم قاطعها وهو يقف أمامها مباشرة معترضا حركتها:
– لا تزالين غاضبة مني أليس كذلك؟؟
فحملقت فيه سوسن لوهلة فيما تابع كلامه بنبرة ودودة:
– حقا إنني أعتذر يا سوسن، لم أقصد ذلك..
والتقط نفسا عميقا قبل أن يقول:
– لا أعرف كيف أبرر ما قلته لك سابقا، لكنني..
وصمت قبل أن يتابع بتردد أكبر:
– لقد شعرتُ بالغيرة فعلا!
خفق قلب سوسن على حين غرة بمجرد سماعها تلك الكلمة وبتلك النبرة!! كان جادا تماما وهو يقولها هذه المرة، فنظرت إليه بابتسامة مطمئنة:
– أيهم.. أنت أكثر من يعلم بأنه من المستحيل على قلبي أن يهتم برجل آخر غيرك..
غير أنها سرعان ما انتبهت للجماهير التي تحلّقت حولهما كالجراد، وكأنهم بصدد مشاهدة عرض مسرحي على الهواء مباشرة، ولم يخف عليها ملاحظة الأيادي التي أخذت تلتقط الصور بحماسة، فالتفتت نحو لوحاتها محاولة تجاهل ما يجري، بينما كان الدم يغلي في عروقها لأقصى درجة، لا شك أن الصور ومقاطع الفيديو ستنتشر عبر جميع الوسائل الاعلامية كانتشار النار في الهشيم بلمح البصر، وعضّت على شفتيها بضيق محدثة نفسها بألم:
– أهذا يعجبك يا أيهم!! ستزيد شعبيتك بالتأكيد!!
كانت تشعر بأنها واقعة تحت ضغط كفيل بسحق أقسى أنواع الصخور المعروفة على وجه الأرض! اختناق كبير لحد الموت، تمنت معه لو أن الأرض تنشق وتنهيها من الوجود! كم تمقت هذا النمط من الحياة…
وقبل أن تغرق في المزيد من تلك الأفكار المظلمة؛ انتبهت على صوتٍ يهتف بإسمها بلطف شديد، فالتفتت نحوه لتفاجأ بسامر وهو يناولها منديلا معطّرا مع ابتسامة رقيقة:
– تبدين منهكة جدا يا سوسن..
وبدلا من أن تجيبه بأي شيء أو تتناول المنديل منه ببساطة، شعرت بارتباك مفاجئ أفقدها توازنها؛ فالتفتت بسرعة تبحث بعينيها عن أيهم، لتجده غارقا وسط معجبيه حتى النخاع!!!

………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

تركته لأجلك! – الحلقة 34

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

تنهد سامر وهو يصحو من سيل ذكرياته تلك ليجد نفسه واقفا كما هو أمام لوحات نور في المعرض العالمي، غريب أمر القدر!! لماذا يصر على تذكيره بها كلما ظن أنها خرجت من حياته للأبد!! لوحة الوردة الحمراء تحديدا.. انها الوردة نفسها بلا شك.. تلك التي وقف يتأملها طويلا قبل عامين بعد تلك الحادثة، آخر لوحاتها في معهده.. لوحة لم تكتمل، كانت تلك هي آخر رسائلها إليه!!
ما زال يذكر تفاصيلها وكأنها أمامه..
وردة حمراء يحيط بها جدار منيع له باب وحيد، وأيادي تحاول الوصول إليها عبر النوافذ الضيقة لكنها تنزف وتتقطع قبل أن تتمكن من لمسها…
الرسمة لم تكتمل ولن تكتمل، فقد غادرت نور معهده بلا رجعة!! لكنه فهم مغزاها!! لم يعد يشك بأنها موجهة له شخصيا!! يومها أخذ يتأملها كمن يراها للمرة الأولى، بدت لوحة يتيمة على (مسندها الخشبي)، بعد أن فقدت أمّها قبل الفطام!! منذ متى بدأت برسمها!! هل كانت تحاول منذ البداية ايصال تلك الفكرة اليه! لم يكن متأكدا من هذه النقطة بالذات! لو كانت كذلك فعلا، فهذا يعني انه احتل جزءا من تفكيرها وهو لا يدري!
لقد أوشك على انهاء عقده الثالث دون أن يعثر على فتاة يرضاها شريكة له، كان ذوقه صعب الارضاء، فلم تفلح أي واحدة من قريباته بترشيح من ترضاها روحه!!
أما نور فقد كانت الوحيدة التي تمكنت من التربع على عرش قلبه، وكأنها الفتاة المنشودة التي طالما انتظر ظهورها في عالمه، لولا ذلك الاختلاف بينهما!! أسلوبها المتحفظ الذي لا يناسب أسلوب حياته! ومع ذلك.. كان يرغب في ردم تلك الفجوة بينهما.. لولا ذلك الحادث!! لقد أصبح الوصول إليها مستحيلا! حاول أن ينساها ولكن دون جدوى، لا سيما وأن لوحاتها لم تزل صامدة في معهده! وحتى أن فكّر في إزالتها، فهي محفورة على جدران قلبه!! كانت هذه هي المشكلة الحقيقية، لقد ارتبطت نور بأوثق عالم يخصه.. عالم الفن الذي لا حياة له من دونه! نسيان نور، يعني نسيان عالم الفن، وهذا هو المستحيل بعينه!!
كان يحاول معرفة أخبارها، وتتبع آثارها بين الحين والآخر، حتى جاء اليوم الذي سمع فيه اسوأ خبر يتوقعه، يومها غامت الدنيا في وجهه، وشعر بحزن فاجأه!! لم يكن يتوقع أن تكون ردة فعله ازاء خبر زواجها مؤلما إلى هذه الدرجة!! لم يكن يراها، كما لم تكن بينه وبينها أي وسيلة اتصال خلال سنة ونصف تلت آخر يوم رآها فيه، فما باله يكترث لخبر زواجها بهذا الشكل!! هل كان يحبها حقا!! لو كان كذلك، فلماذا لم يتقدم لخطبتها مباشرة! لماذا لم يبذل أي جهد للمحاولة من أجلها!! ما الذي كان ينتظره!! لقد عرف وقتها معنى الندم لأول مرة في حياته!!
عجيب أمر هذه الحياة.. وعجيب أمر هذا القلب!!
هل كتب عليه أن يعيش مأساة جديدة في أقل من ثلاثة أشهر!!
لقد نجح في تخطي تلك الأزمة، (خبر زواج نور!) بعد أن أقنع نفسه بأنها لم تكن الفتاة التي تناسبه، واكتفى باعتبارها مجرد ذكرى جميلة تركت أثرا حسنا في معهده، وانخرط في عالمه الفني من جديد، مستعيدا حماسته وحيويته، خاصة وقد أصبح مشغولا بالاعداد والتنظيم للمعرض العالمي، حيث تم تعيينه مسؤولا مباشرا عن تقييم اللوحات المشاركة..
حتى ذلك الحين.. لم يكن يؤمن بنظرية الحب من النظرة الأولى!!
لكن رؤية سوسن كان كفيلا بتغيير تلك العقيدة..
لقد دخلت قلبه بلا استئذان ومن النظرة الأولى!! حتى إذا ما كذّب ظنه، جاءت المتواليات بعد ذلك تثبت له أنها هي الفتاة المنشودة هذه المرة، كان ذلك هو احساسه دون أن يجد دليلا واحدا يثبت كلامه!! لسبب ما شعر بأنها نسخة من (نور) في حلة جديدة تناسبه تماما، وكأن ما تفرّق من (نور) قد اجتمع فيها، فغدت مثالا كاملا لما كان يفتقده!! ليكتشف فيما بعد أنها صديقتها! أفيعقل أن يكون هذا هو سبب حبه لسوسن من النظرة الأولى!! هل أدركت روحه ذلك قبل أن يدركه عقله وتبصره عينه!!
لكن الحياة أبت إلا أن تسخر منه مجددا..
فلئن كانت الفتاة الأولى محافظة يصعب التفاهم معها، فالثانية مخطوبة يستحيل الوصول إليها!!
انها مرتبطة بشاب.. تهيم في حبه!!
حاول تجاهل ذلك بداية، حتى إذا ما رأى تلك اللوحة التي أبدعتها أنامل نور، كاد أن يغشى عليه من وابل الذكريات التي انبثقت في وجهه فجأة!! أما زال طيف نور يصر على ملاحقته أينما ذهب!! لقد فهم الرسالة للمرة الثانية.. فلم يستطع البقاء أكثر وقتها!!
تنهد سامر وهو يتأمل اللوحة التي حوت الوردتين مرة أخرى، كالواقفين على الأطلال! اليوم هو اليوم الأخير في المعرض العالمي، وسينتهي كل شيء!!
ما باله يذكر خيبة أمله مع نور في هذه اللحظات بالذات!! هل سيكرر التاريخ نفسه!! لقد حوت اللوحة تحذيرا مبطّنا لسوسن، فهل أقنعتها!!
وأخذ ينفض الفكرة من رأسه خشية أن تؤثر على قلبه فيؤمن بها، وهو يقنع نفسه باستماتة:
– كلا.. سوسن مختلفة.. إنها تشبهني أكثر، ولن يتكرر الموقف مرتين.. فلئن خسرتُ نور إلى الأبد، فهذا لأنها لم تكن (النصف الذي يكملني)، ولا المثال الذي أرجوه! لن أتراجع هذه المرة، سأصارح سوسن بحبي مهما كلفني الثمن، قد لا أرتبط بها ولكن يكفيني إزاحة هذا العبء عن كاهلي، فلن أندم مرتين!!

***

لم تكن نور في حالة جيدة صباح ذلك اليوم، فقد تركت مكالمة سوسن ليلة أمس أثرا أكبر مما تخيلته على نفسها، الاستاذ سامر!! لقد مر على ذلك وقت طويل..
هل كانت تتخيل أن تمر بتجربة كتلك التجربة من قبل!! كان جل تركيزها منصبا على هدف واحد.. فكيف حادت الأمور عن هذا المسار فيما بعد!!
نور.. الفتاة المشهورة بالتزامها الشديد، والتي ما غامرت بدخول معهد الفن الحديث إلا بعد أن علمت بانتساب العديد من الفتيات إليه مما طمأنها لاستحالة وجود أي خلوة محتملة.. فقد كان هدفها ابتغاء رضى الله فيما تسعى لتحقيقه، ومحال أن تسلك طريق لا يرضاه الله لتحقيق ذلك الهدف!
“الدعوة عن طريق الفن”.. حلم راودها لزمن طويل، غير أنه كان ينقصها الخبرة لتتقن لوحاتها بشكل يليق بذلك الهدف السامي، كانت بحاجة ماسة لمرشد يأخذ بيدها، وقد كان الاستاذ سامر ذلك المرشد!! لقد كان بارعا.. فنانا محترفا، شغوفا بعمله ومهتما به، وفوق ذلك كله، كان مثالا لحسن الخلق والذوق في التعامل والاحترام، رغم عدم التزامه الشرعي الواضح..
كان هذا هو انطباعها عنه بداية، ولا زالت تذكر اليوم الذي تمكنت فيه من إنجاز أول لوحة بإتقان، يومها دعت له من أعماق قلبها وهي تشعر بامتنان شديد نحوه.. ومع ذلك؛ كانت حريصة أشد الحرص أن لا يتطور الحديث بينهما إلى أي موضوع جانبي، لا سيما وأنه لم يكن ملتزما من الناحية الشرعية، متحررا بطبعه، ولا يجد أدنى حرج في مصافحة الفتيات وحتى مصادقتهن!
كانت جادة جدا في تعاملها معه، ولم يخطر ببالها أن تأخذ اهتمامه بها على محمل الجد، فقد كانت تلك طبيعته برأيها ولا شيء خاص!! لكن ملاحظة إحدى الفتيات جعلتها تنتبه قليلا:
– الاستاذ سامر مهتم بك يا نور، بل أظنه معحب بك أيضا..
وقتها تمكنت من اخفاء ارتباكها بصعوبة، وهي تحاول اصطناع ابتسامة لا مبالية:
– أي أستاذ يعجب بتلاميذه المجتهدين، هذا كل ما في الأمر!
لكن الفتاة أصرت على رأيها:
– لا أظن ذلك، فدائما ما يسترق النظر إليك خلسة وباهتمام واضح، بل إنه يحرص أن يكون في المكان الذي تجلسين فيه، من الغريب أنك لم تلاحظي ذلك!!
لم تستطع أن تحدد وقتها طبيعة المشاعر التي غلبت عليها إثر تلك الملاحظة، أهو الضيق والخوف أم السرور والفرح!! هل شعرت بسعادة لأنها حازت على ذلك الاهتمام من جانبه!! هل رأى فيها شيئا مميزا يجذبه اليها! هل من الممكن أن يتغير بسببها!! العديد من الاسئلة راودتها، لتكتشف بوضوح أنها تكن له مزيجا من المشاعر، أكثر مما يكنه التلميذ لمعلمه!! غير أن التزامها وخُلُقها كانا يقفان حاجزا أمامها دائما، لا يمكنها التساهل بأي تجاوز مهما كان!!
فأقنعت نفسها بأن ذلك لم يكن إلا وهما، وحاولت ألا تأخذ تلك الملاحظة على محمل الجد، غير أن ما حدث بعد ذلك جعل لتلك الملاحظات أكبر الأثر في قلبها، خاصة وقد بدأت تربط الأحداث ببعضها.. يوم أن لمس يدها أول مرة ليتناول الريشة، هل هي مصادفة حقا!! يومها كادت القشعريرة التي سرت في جسدها أن تلقي بها مترين إلى الوراء!! فهل هذا المكان آمن!!
عندها.. كان عليها أن تواجه نفسها بوضوح.. هل أصبح ذهابها للمعهد من أجل هدفها أم من أجله هو!! لقد اختلطت عليها الأمور بعد أن لم تعد تنكر في نفسها ميلها الشديد إليه!!
لقد أحبته ولكن ما من وسيلة تدعوها للتعبير عن ذلك، فهي ملتزمة وتعرف حدودها جيدا!! يومها شعرت بمعاناة كل فتاة تقع في الحب!! إنه ليس بالأمر الهيّن أبدا!!
إنه ليس من نوعها ولا هي من نوعه، فلماذا استحوذ على تفكيرها!! لماذا أصبحت مهتمة به إلى هذا الحد!! كان قلبها يؤلمها بشدة.. ماذا لو تقدّم لخطبتها رسميا، هل سترضى به!! هل يصلح لأن يكون شريكا لبناء أسرة صالحة!! إنه معلمها ومرشدها لتحقيق حلمها، فإن كان معجبا بها حقا، فلم لا تكون سببا في هدايته!! لمِ لا يتشاركان الحلم سويا، ويعملان معا في نهضة الأمة!! لو تحقق هذا فقط؛ فستكون أسعد فتاة على وجه الأرض..
كان قلبها متشبثا بهذه الفكرة وبشدة.. لو أنه تقدّم رسميا فقط، لربما أعادت التفكير في ارتباطها بشاب لم تكن لِتوافق عليه من قبل مطلقا!!
غير أن شيئا من ذلك لم يحدث، إنه لا يزال يحوم حولها دون أن يطرق الباب، فيما أصبحت سيطرتها على مشاعرها أشد صعوبة من ترويض فرسٍ هائج!!
كان هذا هو أصعب محك وجدت نفسها فيه!! عليها أن تجيب السؤال بوضوح وصدق؛ أين أنتِ من دينك يا نور؟؟ هل أنت حقا تسيرين في طريقٍ يرضي الله!! أم أنه الهوى والشيطان والنفس الأمارة بالسوء!!
أصبح بكاؤها كل ليلة أمرا حتميا، وما زالت تذكر دعواتها في قيام تلك الليالي:
– ” يارب اغفرلي وارحمني.. يارب لا تحملني ما لا طاقة لي به، فإن كان فيه خير فقرّبه مني، وإن كان غير ذلك فأخرجه من قلبي..”
لا تدري كيف خطر لها بعدها تنفيذ تلك اللوحة..
سيفهمها بالتأكيد.. لو أراد ذلك!!
(وادخلوا البيوت من أبوابها..)
أخذت تعمل في تلك اللوحة بكامل أحاسيسها ومشاعرها، بل هي من أشعلت فيها جذوة حماستها القصوى للفن من جديد، فهي أملها الأخير..
حتى جاء ذلك اليوم الرهيب..
هل يُعقل أنه كان صادقا معها فيما حدثها به من أمر إغلاق الباب!! هل يعقل أن تحدث جميع تلك الأمور بلا قصد منه، وبمحض الصدفة البحتة!!! لا يوجد صدفة في هذه الحياة، فهل هي قدر أزلي لا دخل له به!! يومها كادت أن تدفع بها تلك الأفكار إلى الجنون! ماذا لو كان قد رتّب لحدوث ذلك فعلا!! ما الذي سترجوه بعدها من رجل فقدت الثقة به تماما!!!
إنه أسوأ يوم في حياتها بلا شك!!
قاعة كبيرة مغلقة تجد فيها نفسها وحيدة مع شاب تكن له من مشاعر الحب ما الله به عليم!! أي ترتيب شيطاني دفعهما إلى هذا الحال!! تخيّلت وقتها شياطين الكون مجتمعة في تلك القاعة تمرح وتضحك وتبارك لبعضها ذلك الجمع المأفون!!
كانت تحاول تهدئة نفسها بصعوبة وهي تردد ما تحفظه من آيات وأدعية، إلا أن توترها بات واضحا رغم حرصها الشديد على إخفائه أمامه.. إنه محترم ولن يخطر بباله أي شيء سيء بلا شك، هذا ما كانت تقنع نفسها به، غير أن الأجواء كانت تفرض سيطرتها رغما عن الجميع! الخلوة هي الخلوة!! هل كانت تتخيل أن نظراته لها لم تكن طبيعية! هل كان يحاول التعبير لها عن مشاعره في ذلك الجو المخيف!! ماذا لو أنه فكّر في…!! أولو هم بـ….!!
يا إلهي .. ما هذه المصيبة…!!
بل وماذا لو رآهما أحد على تلك الحال!!!
حتى السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها لم تنجو من حديث الافك!! فبرأها الله من فوق سبع سماوات، فماذا عنها هي!!
كان ذلك جزء بسيط مما خطر ببالها في تلك اللحظات العصيبة، وهي تحاول إعمال فكرها جاهدة للخروج من تلك الورطة، يومها خانتها كل الوسائل المتاحة؛ حتى بطارية هاتفها، كانت فارغة!! أيعقل أنه هو أيضا وراء ذلك!!! ولكن.. حتى لو تمكنت من استعمال هاتفها في ذلك الوقت، ما الذي كانت ستقوله!!!
كانت دقات قلبها تردد وبلا توقف:
– “يارب احفظني واسترني واغفرلي الذنب الذي أدى بي إلى هذا الحال..”
فيما كانت الأفكار المرعبة تتوالى عليها بشدة، حتى لو استطاعت الدفاع عن نفسها في أسوأ الاحتمالات، فكيف سيكون موقفها أمام من سيفتح لهما الباب!!
كانت كل لحظة تمر عليه كأنها سنة من الأفكار المروّعة، حتى عندما انشغل باللوحة أمامه، خُيّل إليها أنه يخطط لأمر ما، ماذا لو أن معه مخدّر!! ربما يكمّم فمه وأنفه قبل أن يفتح عبوة منوّمة لتستنشقها هي!! كانت حريصة على مراقبة تحركات يديه خصيصا، إضافة لحرصها على الابتعاد عن مجال رؤيته وهي في أشد حالات التأهب!! ولكنها قد تكون واهمة فقط، فربما كان منشغلا فعلا بلوحته، أعطاها ذلك شعور بالطمأنينة لبعض الوقت؛ فجلست تستعرض الأفكار المحتملة.. كل شيء كان سيئا!! لو جاء أحدهم لفتح الباب ورآهما على ذلك الحال فهذا سيء، ولو لم يأتِ أحد فهذا أسوأ!!! وتسارعت نبضات قلبها مع تلك الفكرة!! هل يمكن أن لا يقوم الحارس العام بتفقد الطابق الرابع قبل إغلاق البوابة الرئيسية للمبنى!! ستكون تلك الكارثة الكبرى!! أخذت تدرس المنافذ المحتملة، النوافذ مغلقة فهي لا تستخدم للتهوية، وهي من الزجاج القاسي، ولو حطمتها فربما تأذّت بالشظايا لتجد نفسها في موقف لا تحسد عليه، وتزيد الطين بلة! حتى لو نجحت في ذلك فهي على ارتفاع أربعة أدوار، ولا يمكنها المجازفة بالخروج عن طريقها والسير على حافتها للانتقال من طابق إلى طابق، إضافة إلى أن منظرها سيكون مريبا وملفتا للانظار بشكل كبير! وربما تصبح موضوعا للصفحات الاولى في صحف الغد ولمدة شهر كامل!!
ماذا عن الباب!! إنه من الخشب المتين وذو دفتين، تُفتح الأولى فقط في العادة، في حين تثبّت الأخرى على غرار أبواب المراكز والمعاهد.. ولكن هل يمكنها كسره من الضربة الأولى!! فهي لم تكن ترغب ببذل جهد يستنفذ طاقتها دون نتيجة تُذكر، وربما تسبب حركتها تلك بإثارته فيقوم بتصرفات غير مبررة!!
لم تكن واثقة من قدرتها على كسر الباب، رغم أنها حطّمت ألواحا من الخشب أثناء تدريباتها المتقدمة في الكاراتيه!! كان عليها تفحّص الباب جيدا، ومن لطف الله بها أنه لم يكن من الأبواب التي تُصنع لتزويد المكان بحماية رئيسية، فقد كان المعهد في مركز مزوّد بحماية خارجية..
كانت مشغولة تماما بالتفكير في أمر الباب عندما فاجأها بسؤاله الغريب على حين غرة، لحظتها شعرت بالخطر الحقيقي!! هل هذا هو الوقت المناسب لسؤال كهذا!!!
لم تذكر ما الذي أجابته به في ذلك الوقت، فقد أصبح جلّ تركيزها منصبا على طريقةٍ للخروج، وبقرارٍ سريع وجدت نفسها تدق الباب لعل أحدهم يسمعها بعد أن لم يعد أمر الفضيحة يهمها في شيء!! غير أن شعورها به خلفها، كاد أن يفقدها صوابها!! ما الذي يخطط له!! وبلا وعي منها قفزت بسرعة خاطفة على طريقة اللاعبين المحترفين، ومن ثم استخدمت أسلوب التمويه الذي تتقنه، فقد وقفت خلفه تماما دون أن يشعر، لم تكن تتوقع أنها ستستفيد مما تعلمته من تلك الأساليب يوما ما للحفاظ على نفسها، حتى إذا ابتعد مسافة كافية عن الباب لم يكن أمامها سوى خيار واحد!! أغمضت عينيها وهي تستشعر افتقارها الشديد لعون الله لها في تلك اللحظة، وبسرعة اتخذت الوضعية المناسبة وحددت مكان الهدف، قفل الباب الذي يفصل بين الدفتين!! استجمعت طاقتها وبكل ما أوتيت من قوة ركلته بقدمها ركلة اهتز لها الباب بل والمكان كله، وقبل أن يكون هناك مجال لأي ردة فعل؛ أتبعتها بركلة أخرى كانت كفيلة بفتح الباب على مصراعيه!!

………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

تركته لأجلك! – الحلقة 33

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

في ذلك اليوم.. غادر معظم الملتحقين بمعهده باكرا، لحضور إحدى الحفلات الغنائية التي ذاع صيتها في المدينة، وبالطبع لم يكن هذا من اهتمامات نور بأي شكل من الأشكال، فلم تكترث للأمر كله منذ بداية الحملات الاعلانية، وقد تزامن ذلك مع أول معرض يسعى معهد الفن الحديث لإقامته، مما جعل طلبه منها بإنجاز عدد من اللوحات يبدو طبيعيا جدا، كانت مستغرقة تماما في لوحاتها دون أن تنتبه لخلو المعهد تماما من سواهما، فقد غادر الجميع باكرا جدا دون أن تنتبه، كما توقع تماما، بل كان حريصا أشد الحرص أن لا تشعر بذلك من الأساس، وزاد على ذلك بترتيب أمر خروج الحارس المكلف بإغلاق الباب عادة، بحجة أنه لم يبق أحدا في معهده وسيقوم هو بنفسه بإغلاقه! لم يكن سامر متأكد من الدافع الحقيقي الذي حدا به لاتخاذ مثل هذه الخطوات الجريئة جدا، لكنه كان مصمما على تنفيذها بشكل غريب!! وما أن وقعت عيناه على نور المنهمكة في عملها بعد أن أحكم إغلاق الباب، حتى تسارعت نبضات قلبه بشكل عنيف، إنهما وحدهما في هذا المكان المعزول، راودته مشاعر غريبة لم يعرفها في نفسه من قبل، لم يشعر بقدميه وهما تتجهان نحوها بتلقائية، وكلما اقترب خطوة منها، زاد غليان الدم في عروقه!! ما الذي سيفعله الآن!! أهذه هي خطته أم ماذا!! هل هو مجنون بها إلى هذه الدرجة، أم أن هذا ما يمليه الجو عليه!!!!! إنها تبدو له جميلة جدا بهيأتها تلك، فكيف بها وهي من دون حجابها؟؟
وأخيرا وجد نفسه واقفا خلفها تماما، وقبل أن تستقر يده على كتفها، قفزت من مكانها بتلقائية كما هو متوقع منها، لتواجه الموقف الرهيب للمرة الأولى..
لقد رأى ذلك في عينيها القلقتين وهما تجوبان المكان الذي خلا إلا منهما، بل وسرعان ما لاحظ عينيها المثبتتين على الباب الذي تم إغلاقه، كان يقرأ ما يدور برأسها بسرعة وهو يتابع تحركاتها بصمت، لقد بدأت بتجهيز أشيائها للمغادرة ولا شك أنها بصدد اختلاق عذر أيضا، ليس هذا غريبا عليها، ولكن ما هي ردة فعلها عندما تكتشف حقيقة إغلاق الباب!!!
– أظن أن هذا يكفي لهذا اليوم، سأكمل اللوحة غدا إن شاء الله..
غير أن سامر الذي لم يحوّل ناظريه عنها، ظل صامتا، هل يتركها تذهب لتكتشف الحقيقة بنفسها، أم يخبرها بذلك وكأنه اكتشف الأمر قبلها!!
لم يستغرق الأمر أكثر من ثوان معدودة كانت كفيلة بتصعيد التوتر عند نور لأقصى درجة، وهي تحاول تكذيب ما تراه، فقالت بصوت بذلت جهدها كي لا يبدو مرتبكا:
– أرجو المعذرة، لكن الباب مغلق يا أستاذ!
عندها تظاهر سامر بالمفاجأة أيضا وهو يقترب من الباب بهدوء، حتى وضع يده أخيرا على المقبض ليجرب فتحه متظاهرا بمعالجة قفله، فيما ابتعدت هي عنه مسافة كافية، ليقول بعدها كمن استدرك أمرا:
– ربما أغلقه الحارس وغادر دون أن ينتبه لوجودنا، فاليوم كما تعلمين حفلة غنائية كبيرة للمشاهير، وعادة ما يحرص الجميع على حضورها!!
فأسرعت نور تقول بعفوية دون أن تترك له مجالا للتفكير:
– بإمكانك الاتصال عليه يا أستاذ، أليس كذلك؟
كان يرمقها بنظرات ثابتة لم يستطع هو نفسه تفسيرها، لكنه انتبه لنفسه فأجابها مصطنعا الجدية:
– حسنا دعيني أرى..
وذهب نحو مكتبه حيث يضع هاتفه عادة، فتناوله وأخذ يبحث فيه، شاعرا بعينيها المثبتتين عليه، قبل أن يقول بخيبة أمل مصطنعة بالتأكيد:
– يبدو أن الارقام مُسحت من هاتفي بالخطأ..
فسألته نور بقلق لم تستطع إخفاؤه:
– ألا تملك نسخة أخرى من المفتاح يا أستاذ؟
فنظر اليها متأملا فيما صرفت بصرها عن الالتقاء المباشر بعينيه، قبل أن يقول مستدركا:
– كنت أمتلك واحدا بالفعل!! لكنني لا أعلم أين هو الآن!!
وشرع بالبحث في أدراج مكتبه، وقد راوده شعور بالسعادة لنظراتها وهي تتابع تحركاته باهتمام واضح، لم يكن ليحظى بكل هذا الاهتمام من جانبها من قبل!! لذا كان بوده أن يعرف فكرتها عنه في تلك اللحظات، هل تراه شابا جذابا يستحق الاعجاب!! بماذا تفكر الان!!!
ورفع رأسه ملتفتا إليها مجددا، كانت حريصة على أن لا تترك فرصةً لالتقاء أعينهما بأي شكل من الأشكال، ما الذي تخفيه في داخلها يا ترى؟؟ أما زال مجرد أستاذ بالنسبة لها لا أكثر!!
لكن سؤالها قطع عليه حبل أفكاره:
– ألم تجد المفتاح يا أستاذ؟
فتنهد وهو يعتدل في وقفته:
– كلا!! لا أظنه معي الآن!!
عندها فقط سادت لحظات صمت، حاول من خلالها استشفاف ما يدور بخلد تلك الفتاة التي أخذت تحاول جاهدة الابتعاد عن مجال رؤيته، ما الذي عليه فعله الآن!! هل يصارحها بما في نفسه!!
ومرة أخرى لم تتركه لأفكاره، إذ سرعان ما قالت:
– لو أننا طرقنا على الباب ونادينا بصوت مرتفع فربما يسمعنا أحد!!
وهمت باتخاذ هذه الخطوة غير أنه استوقفها بقوله:
– لا فائدة، فلا أحد في الطابق الرابع والأخيرغيرنا، فهو خاص بمعهد الفن الحديث، أنت تعرفين هذا جيدا!!
بدا الارتباك عليها بوضوح أكثر هذه المرة، لقد فقدت السيطرة على نفسها بلا شك، فسألته بصوتٍ متهدج:
– ألا يوجد طريقة أخرى يا أستاذ؟؟ ما الذي علينا فعله الآن!! انني مضطرة للذهاب بسرعة!!
عندها كان لا بد له من إبداء بعض الجدية بالموضوع هو الآخر، فتظاهر بالتفكير العميق قبل أن يقول:
– علينا الانتظار..
فقاطعته بانفعال:
– إلى متى سننتظر!! هذا مستحيل!!
وتناولت هاتفها المحمول بعصبية واضحة، فيما أخذ يرمقها بنظرات استغراب، ما الذي تنوي فعله تلك الفتاة!! بالتأكيد لن تجرؤ على محادثة أهلها في مثل هذا الوقت!! ما الذي ستقوله لهم!! الوضع حرج جدا بالنسبة لفتاة مثلها، هي والاستاذ محبوسان في مكان معزول لوحدهما!!
خطرت بباله فكرة للاقتراب منها أكثر، لكنه لم يجرؤ على ذلك وهي في مثل تلك الحالة المتوترة، قد يكون هذا خطيرا بالفعل!! ربما عليه الانتظار قليلا.. فالتقط نفسا عميقا قبل أن يقول:
– هدئي من روعك يا نور، لن يطول انتظارنا، فبمجرد انتهاء وقت الدوام الفعلي لجميع معاهد المركز، سيأتي الحارس العام للمبنى لتفقد الطوابق قبل إغلاق البوابة الرئيسية في الأسفل، عندها بلا شك سينتبهون لنا..
لم يبد على نور أنها استمعت لبقية كلامه، إذ أسرعت تنظر لساعتها قبل أن تقول:
– ما زال أمامنا ساعتين على ذلك، لا يمكنني الانتظار كل هذا الوقت!!
فحاول سامر طمأنتها بقوله:
– لا تقلقي.. سيكون كل شيء على ما يرام، فوقت الدوام الفعلي للمعهد لم ينتهي بعد، ولم تكوني لتغادري قبل انتهاء وقت الدوام في العادة، لذا لن يقلق أهلك، ومن الأفضل أن تتابعي العمل في لوحتك اغتناما للوقت، ويمكنك تأجيل مواعيدك الطارئة الأخرى..
كان سامر يدرك تماما أن جملته الأخيرة تلك كانت مجرد محاكاة لحجتها التي لم تقصد من خلالها سوى تجنب الخلوة معه! ترى هل أدركت هي ذلك أيضا!! سيكون عندها كمن يخدع نفسه أثناء اللعب بأوراق مكشوفة!!
لكنه لم يجد من نور سوى الصمت، صمت كصمت الأموات، هل انهارت حقا أم ماذا!! كان بوده الاقتراب منها أكثر، غير أنه اكتفى بقوله:
– لا يستحق الأمر كل هذا القلق، فأنا معك..
أخذ يشدد على كلماته الأخيرة بوقع مختلف، وهو حريص على متابعة أثرها عليها، لكن ما رآه من ردة فعلها كان شيئا لا يمكن تفسيره، أهو الحرج أم الغضب!! أهو الارتياح أم الضيق!! أو ربما انفراج لأسارير الحب والسعادة أخيرا!!
لقد اختلطت عليه الأمور لوهلة!!
لكنها فرصته على أية حال! ولكن فرصة ماذا!! كان يود التأكد فقط مما سمعه.. يرغب برؤية ردود أفعالها.. فهذه الفتاة تبدو عالما غريبا بالنسبة له، وهو يرغب باكتشافه وحسب! أليس من حقه التعرف على من ستكون شريكته يوما ما!! لم يكن يقصد أكثر من ذلك!! هذا ما كان يبرره لنفسه طوال الوقت! كانت كلمات خالته لا تزال تدوي في أذنيه حتى تلك اللحظة:
– كنتما ثنائيا رائعا!!!
ربما عليه إعادة الكرة، فالتفت نحوها، حيث ابتعدت عن مجال رؤيته مجددا، دون أن تعطيه ظهرها لمرة واحدة، إنها متيقظة بالفعل!! اقترب منها بخطوات واسعة هذه المرة، لكنها كانت حريصة جدا على ترك مسافة كبيرة بينهما، كلما اقترب هو خطوة، تراجعت هي خطوتين، وكأنهما في لعبة مطاردة!! لقد أصبحت أوراقهما مكشوفة تماما الآن، فلم المراوغة والتظاهر بالغباء!!!
فافترت شفتاه عن ابتسامة فاترة وهو يحدق بها بنظرات ذات مغزى، ليسألها بوضوح:
– هل أنت خائفة مني يا نور؟؟
كان سؤاله صريحا ومباشرا حتى أن وقع المفاجأة على وجهها لم يخفى عليه، إلا أنها آثرت الصمت، فقال لها بلهجة رقيقة:
– أخشى أن يكون صمتك هذا دليل الموافقة..
وأمام اصرارها على الصمت، تابع بلهجة أكثر رقة:
– أرجوك لا تقلقي، فأنا لن أوئذيك أبدا يا عزيزتي..
كان يرغب برؤية وقع تلك الكلمة عليها، والتي استخدمها للمرة الأولى.. ومن أعماق قلبه..
إلا أنها بقيت هادئة وكأن ما قيل لا يعنيها، بدت كالصنم الأصم تماما!!
– هكذا إذن!!
قال جملته تلك وتظاهر بأنه سينشغل بالرسم، ولم تقل هي شيئا!! بقيت صامتة وباردة كالثلج!!
اتجه نحو أدواته ومرسمه الخاص، ليعطيها ظهره، فيما بقيت واقفة بسكون على حالها، حتى لم يعد يشعر بوجودها مع مرور الوقت، بل شك فيما إن كانت لا تزال موجودة معه في القاعة نفسها!! هل تبخرت مثلا!!! كان يحاول استراق النظر إليها بين الفينة والأخرى، لكنها كانت دائما خارج نطاق رؤيته، لا شك أنها اختارت الوقوف خلفه تماما، ربما كانت نظراتها مركزة عليه الآن، تراقبه فيما يفعل، ربما قد أُعجبت به أخيرا! ألم يكن شهما معها ولم يمسها بسوء!! لقد شعر بأنها أمنت جانبه تماما.. لكن من ناحية أخرى؛ راودته رغبة ملحة للالتفات نحوها من جديد.. ما الذي تفعله، هل رضخت للأمر الواقع واستكانت أخيرا!! هل تبادله أي مشاعر في هذه اللحظات!! ربما عليه أن يتأكد من ذلك بنفسه، فلن يتوقع من فتاة مثلها مبادرته بشيء!
لم يعد يحتمل المزيد من الانتظار، لقد انتقلت له عدوى التوتر هو الآخر!! ما هذا الهراء الذي يفعله! لِمَ أعد خطته تلك!! أليجلس أمام مرسمه هكذا وحسب!! ما الذي سيقوله الناس الآن!! الحارس سيخبر الجميع بأنه هو من طلب منه الذهاب، وستتضح الأمور عاجلا أم آجلا!! ستكون فضيحة بلا شك!! ومن أجل لا شيء!! هل هذا ما خطط له حقا!!!
المفتاح معه، فهو من أغلق الباب بنفسه، ولكن هل سينهي الامر بهذه السهولة، دون أن يحصل على أي نتيجة!! بل وقد تكون أسوأ نتيجة يتوقعها، ما الذي ستظنه به نور عندئذ!! رجل كاذب ومخادع!! لم يحتمل تلك النظرة منها، ولن يستسلم بسهولة، ما زال هناك أمل! سيتظاهر بأنه عثر على المفتاح في مكان ما! ولكن.. عليه أولا أن يتأكد من حقيقة مشاعرها نحوه..
لم يتوقع سامر أن تصل به الجرأة إلى ذلك الحد، نهض من مكانه دون أن يعمل حسابا لأي حماقة قد يرتكبها بتهوره ذاك، وما أن التفت نحوها بشكل مباشر، حتى نهضت من مكانها بتلقائية، فقد انتهت استراحتها كمحاربٍ مرابطٍ على الثغور!
أخذت خطواته تقترب منها بشكل مريب، فيما تأهّبت هي للمواجهة كمقاتلٍ متمرس بالمناورة، فبادرته بسؤالها مباشرة:
– أستاذ.. هل عثرتَ على طريقةٍ للخروج!
كانت جملتها تلك كفيلة بإعادته لرشده، لكن صبره كان قد نفد أخيرا، فسألها باهتمام:
– نور.. أجيبيني أرجوك، فأنا أريد أن أعرف ما الذي أعنيه لك بصراحة؟؟
وبدلا من إجابته قالت بتجاهلٍ تام لسؤاله:
– استاذ.. يبدو أن هناك أصوات في الخارج، هل نطلب منهم المساعدة؟
عندها شعر برغبة جامحة بتلقينها درسا لا تنساه، لكنه اكتفى بالنظر في ساعته، لا يزال الوقت مبكرا، فأعاد سؤاله عليها بجدية أكبر:
– سألتك يا نور أولا.. ماذا أعني لك؟؟
فجاءه صوتها أخيرا لتجيبه بلهجة حملت في طياتها معانٍ غريبة لم يفهما إلا فيما بعد:
– كنتُ أحترمك يا أستاذ!
قالت جملتها تلك واتجهت نحو الباب تدق عليه بكل قوتها، غير أنها سرعان ما التفتت نحوه قبل أن يقترب منها، لم يعرف كيف ابتعدت بسرعة بعد أن كان على وشك إحاطتها بذراعيه من الخلف، وكأنها شبح اختفى من أمامه فجأة!
كان يرغب هذه المرة بالامساك بها دون أن يعرف سببا حقيقيا يدفعه لفعل ذلك.. ولكن بلا شك كان غائبا عن وعيه تماما في تلك اللحظة!! هذا ما أدركه فيما بعد!! ما الذي كان يريده بالضبط! ولماذا!!!
أجال بصره في المكان!! إنها ليست هنا! هل اختبأت خلف شيء ما!! ما الذي يمكنها الاختباء خلفه!! لوحات.. مقاعد.. مكاتب..!! لا يبدو أن شيئا من ذلك يصلح للاختباء، ولا يمكن لشيء هنا أن يخفيها بسهولة! هل ستفاجئه بضربة قاضية تكسّر فيها أضلاعه مثلا!! ربما.. لم يعد ذلك مستبعدا!! أخذ يبحث عنها بفضول ولهفة، لقد أصبحت اللعبة واضحة الآن، انه الصياد وهي الطريدة!!
ابتعد عن الباب أخيرا وهو يبحث عن المكان المحتمل لاختفائها بتلك الغرابة، ربما خلف الستائر!! هل ستفكّر بتهشيم زجاج النافذة والقفز منها على طريقة أهل الكاراتيه!! ليته يعرف بماذا تفكر الآن، لكن ما سمعه بعد ذلك كان كفيلا بإثارة دهشته بالكامل، وهو يلتفت نحو الباب بسرعة.. ما الذي تحاول فعله تلك الفتاة! لم يلزم الأمر أكثر من ركله أخرى سددتها نور بمهارة نحو مركز القفل، حتى كان الباب قد فتح عنوة على مصراعيه!! حدث ذلك كله في لمح البصر قبل أن يتمكن هو من التفكير بالتقدم خطوة أخرى نحوها!
هل هذا هو ما كانت تخطط له طوال الوقت!!
ما هذه القوة الهائلة!! إنه يحلم بلا شك!! لقد رأى حركة لاعبة الكاراتيه المحترفة أخيرا، فهل سره ذاك!!
وجاءه صوت نور أخيرا ليعيده إلى واقعه:
– أرجو المعذرة يا أستاذ على ما سببته لك من إزعاج، علي الذهاب الآن وسأقوم بتعويض مبلغ إصلاح الباب إن شاء الله..
واختفت من أمامه قبل أن يرد بحرف واحد! لتكون تلك هي المرة الأخيرة التي يراها بها!! وكل ما وصله منها بعد ذلك ظرف يحوي مبلغا من المال أكبر بكثير من أن يكون كلفة إصلاح باب وحسب! لقد حكم بنفسه على أي علاقة محتملة بينهما بالفشل، حتى قبل أن تبدأ!!
 
………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

تركته لأجلك! – الحلقة 32

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

لطالما أثارت ذاكرتنا عجب الباحثين والمتأملين، خاصة وهي تتصرف كمسجلٍ دقيقٍ لأحداث جرت منذ زمن، لتعرضها عليك في وقت ما، بمجرد وجود أدنى محفز لذلك..
وهكذا.. انفصل سامر عن واقعه لبرهة من الزمن ليجد نفسه في معهد الفنون الحديث، الواقع في الطابق الرابع من مركز المعاهد الرئيسي في تلك المدينة، حيث تمكن من افتتاح معهده الخاص أخيرا..
كان فنانا بطبعه، بل مغرما بالفن وعالمه، فبرع في فرع لا يتقنه الكثيرون، الفن السريالي الحديث، ولشدة ولعه به، قرر إنشاء ذلك المعهد..
إلا أن الاحباط كان نصيبه في البداية؛ لقلة المواهب الفنية المنتسبة لمعهده، لا سيما وقد بدأ يشعر بأن معظم الفتيات اللاتي زاد عددهن مؤخرا، لم يكنّ على تلك الموهبة التي تسمح لهن بالاستمرار معه، وكأنهن ما جئن إلا لمرافقته في موعد غرامي لا يمت لعالم الفن الذي يرجوه بصلة..
حتى جاء ذلك اليوم الذي رأى فيه تلك الفتاة الملتزمة أول مرة قبل سنتين تقريبا، كان الوقت عصرا، إنه يذكر ذلك تماما، فهي مشغولة في الصباح كما أخبرته، بدت جادة جدا وهي تعرّف بنفسها وتعرض هدفها الذي ترغب في تحقيقه من خلال التحاقها بالمعهد:
“لدي أفكار أرغب في إيصالها عن طريق الفن، لذا أسعى لاتقان المهارات الرئيسية بشكل أكبر، حتى أتمكن من خدمة ديني وعقيدتي، فيرضى الله عني..”
رحب بها منذ البداية بلطفه المعهود، إذ لم يكن يمانع في التحاق أي أحد بمعهده، مهما كان فكره ومظهره، ما دام يمتلك الموهبة الفنية اللازمة..
لكنها فاقت توقعاته تماما، كانت هبة الدهر بالنسبة له، وضربة الحظ الموفقة التي طالما انتظرها، لا سيما بعد أن أعادت لمعهده نشوة الفن بلوحاتها المذهلة، كان انجازها أروع مما قد يخطر بباله، حتى أنه كان يقضي معظم وقته في مناقشة لوحاتها وكأنها الطالبة الوحيدة لديه، كان معجبا بها كتلميذة نشيطة مجتهدة، تطبق كل ما تتعلمه باهتمام وجد، لكن اعجابه ذاك لم يقف عند ذلك الحد..
ورويدا رويدا بدأ اهتمامه بها شخصيا يزيد تدريجيا، فهي إلى جانب كونها أفضل من التحق بمعهده من الناحية الفنية على الاطلاق، وأكثرهم جدية في عملها، لديها شخصية فريدة، لم يرَ مثلها بين الفتيات الذين قابلهم على الأقل! وكأي معجب، بدأ يهتم بمعرفة كل شيء عنها، من خلال أسئلة عامة يوجهها بين فترة وأخرى على أعضاء معهده، أو أوراق يدعوهم لتعبئتها بغرض إكمال التسجيل، وهدفه الوحيد هو التعرف عليها بشكل أكبر! هذا إضافة لمحاولاته الجاهدة في التركيز في أي حديث قد يدور بينها وبين إحدى الزميلات، حتى اكتملت صورتها لديه تقريبا..
إنها الفتاة الوحيدة التي لم تخالط أي شاب في المعهد، ولم تفتح لأي واحد منهم مجالا للحديث معها، إلا نادرا جدا وفي حدود الضرورة، ولولا أنه (الاستاذ) لما كلمته أيضا!! كانت فتاة ملتزمة ومثقفة لأبعد حد، ذات شخصية قوية ونافذة، في الواحد والعشرين من عمرها، طالبة جامعية في قسم الآداب، السنة الثانية في تخصص اللغة الانجليزية، من عائلة مرموقة، فوالدها رئيس شركة كبيرة ومعروفة، إضافة لكونه أحد كبار المساهمين في أول مصرف اسلامي في المدينة، لديها أخ وحيد يكبرها بثلاث سنوات..
تلك كانت أعهم المعلومات التي تمكن من معرفتها بطرق غير مباشرة، والأهم من ذلك، كانت على قدر كبير من الجاذبية، فلطالما استرق النظر اليها بل وحاول الاقتراب منها، دون أن تلحظ ذلك، بل لم يكن يشعر أنها تهتم به أصلا، فقد كان مجرد استاذ بالنسبة لها وحسب، دون أن تترك مجالا لتجاوز أي حديث معه، مما جعله يعيد النظر في فكرته عن نفسه، بعد أن كان يدرك تماما مقدار تأثيره على قلوب الفتيات، فهو الشاب الوسيم الأنيق، ذو الابتسامة الساحرة، واللطف الآسر، كانت تلك هي طبيعته اللتي لا يختلف عليها اثنان، إذ لم يكن يصطنع شيئا من ذاك، فما بال تلك الفتاة تقف أمامه كالسد المنيع، رغم أنه فتح أمامها مجالا لم يفتحه لغيرها، وأبدى بها اهتماما لم يُتَح لسواها!! ما بالها تتجاهله خلافا لبقية الفتيات اللاتي ما فتئن يحاولن استدرار عطفه واعجابه!!
ولم يعد يطيق الانتظار أكثر، خاصة وأن الإجازة تقترب دون أن تتطور العلاقة بينهما قدر أُنملة! كانت فرصة مواتية بالنسبة له، فالكل مشغول بلوحته، وهي غارقة تماما في لوحتها ومنسجمة معها لأبعد حد، ولأول مرة لم يركّز فيما ترسمه، بل كان جل اهتمامه منصب عليها شخصيا، كانت تجلس بقامتها المنتصبة أمام لوحتها كالعادة، فيما وضعت ألوانها على منصة صغيرة في الجانب الأيمن، بدت غارقة في التفكير وهي تمسك الفرشاة بيدها اليمنى، لتتخذ قرارا مناسبا بشأن الخطوة التالية، فلم تنتبه له وهو يقرّب كرسيا إلى جانبها من الناحية اليسرى، ويجلس عليه، وبحركة سريعة خاطفة وضع يمناه فوق يمناها كمن يحاول الامساك بالريشة، غير أنه ما كاد أن يلمسها حتى انتفضت من مكانها مذعورة، فنهضت وهي تسحب يدها كمن أصابه مس كهربائي، فلم يكن أمامه سوى التظاهر بأنها حركة غير متعمدة، فأخذ يغمس الريشة- بعد أن استقرت بيده- في الأوان أمامه، وهو يعلّق على رسمتها وكأن شيئا لم يكن:
– بعض اللون الأحمر القاني هنا سيعطي معنى أعمق للوحة…
لم يعرف ما الذي فكّرت به وقتها، لكنه لم يخف عليه ارتباكها الملحوظ بعد ذلك، مما جعله يوازن تصرفاته أكثر معها، حتى نجح في إعطائها شعورا يقينيا بأنها حادثة غير مقصودة أبدا، ولم تكن هي لتستغرب ذلك منه، فقد كان متحررا بطبعه، إلا أن محاولاته المتفرقة للتلميح لها أكثر من مرة؛ لم تتوقف، فقد كان يرغب بالتأكد من حقيقة مشاعرها نحوه، لا سيما وأنهما على النقيض في أمور كثيرة، باستثناء ما يتعلق بـ (الفن)!! لكنها أصبحت أكثر حذرا ولم تكن لتتيح له فرصة البقاء معها وحده، بل إنها كانت حريصة جدا على أن لا يحدث ذلك أبدا، ففي اليوم الذي تغادر فيه الفتيات باكرا؛ تسارع بحزم أغراضها حتى وإن كانت تود البقاء أكثر من أجل لوحتها!! وعندما حاول مناقشتها في بعض الامور الفنية ذات مرة، متحينا فرصة خلوّ المعهد في آخر الدوام، بدت مشتتة الذهن تماما وهي تتابع خروج الفتيات، فاعتذرت بأن لديها أمر هام، وأسرعت بالخروج قبل أن تعيد وضع أدواتها الخاصة في خزانتها على غير العادة، كمن تلوذ بالفرار!!
كان يرغب في التقرب منها أكثر، غير أن هذا بدا مستحيلا بالنسبة لها، مما أشعره بنوع من الإحباط، حتى جاءت خالته الكبرى لزيارته في المعهد على حين غرة، كان وقتها يناقشها في بعض الخطوط التي أضافتها للوحتها، فيما أخذت هي تجيبه باهتمام واضح، فقد كانت حريصة على إبراز فكرتها بالصورة المثلى، فلم ينتبه لوجود خالته إلا بعد أن عاد إلى مكتبه، حيث جلست تحدّق بها بتأمل عميق، وقبل أن يبدي اندهاشه بقدومها المفاجيء، أو يقوم بالترحيب بها بكلمات مناسبة، فاجأته بقولها:
– كنتما ثنائيا رائعا!!
يومها خفق قلبه لأول مرة، وحلّق به خياله الحالم لأبعد حدود قد يصلها، ولم تتركه خالته ليفكّر بجملتها كثيرا، إذ سرعان ما أمطرته بوابلٍ من الأسئلة:
– ما الذي تنتظره حتى الآن!! لماذا لم تتقدم لخطبة تلك الفتاة بعد؟؟ كانت فكرة صائبة أن آتي لمعهدك وأتفقّد الفتيات بنفسي، تخدعنا طوال الوقت بأنك لم تجد الفتاة المناسبة، وأمامك هذه الجوهرة!! لقد طفح الكيل معك فعلا!!!
كان صوت الخالة يعلو قليلا مع انفعالها، مما سبب بعض الحرج لسامر الذي حاول جاهدا إفهام خالته مراعاة المكان الذي تفتح فيه مواضيعها، ومن لطف الله به أن مكتبه في أول القاعة الكبيرة، ويبعد مسافة كافية لإخفاء تفاصيل حديثها عن الموجودين، هذا إن كان تركيزهم منصبا على عملهم وحسب! فيما تابعت هي حماستها في الكلام دون أن تعير ملاحظاته أدنى اهتمام:
– عليك أن تحدد الموعد المناسب لنا لزيارتهم، هل هذا مفهوم!
غير أنه حاول توضيح الأمر لها بقوله:
– إهدئي قليلا يا خالتي أرجوك، الأمور ليست كما تتخيلين، فلا يوجد شيء بيننا!!
فحدجته بنظرات نارية:
– وما الذي تنتظره من فتاة محافظة أيها الأحمق!! هل تتوقع منها أن تصارحك بمشاعرها أم ماذا!!!!!
شعر سامر وقتها بأن عليه أخذ دور المحامي الحاذق للدفاع عن نفسه أمام سيل الاتهامات المسددة نحوه بمهارة، فيما تابعت خالته كلامها:
– نصحتك بأن تلتزم بالصلاة على الأقل، لعلي أجد شيئا ذا قيمة يشفع لك عند أهلها، عندما يسألون عنك..
فلم يملك سامر نفسه من اطلاق ضحكة خافتة:
– لقد أوغلتِ بخيالك كثيرا يا خالتي، هذا يكفي أرجوك..
– بل عليك أن تفكر جيدا فيما أقوله، فقد حان الاوان لتأخذ الأمور بجدية، أم أنك تنوي البقاء عازبا لمدى الحياة!!
فتنهد سامر:
– خالتي أرجوك، لقد أصبحتُ رجلا ناضجا بما يكفي، لتكفي عن معاملتي كالأطفال، أستطيع تدبر أمري بنفسي فلا داعي لهذا كله..
فقاطعته بقولها:
– بل إن كلامك هذا لا يدل على أي نضج على الاطلاق!!
ثم سألته بنبرة جادة:
– ما اسمها الكامل؟
وكالمحاصر في مصيدة لا يمكنه الافلات منها أجابها هامسا باستسلام:
– نور عبد الكريم سالم..
فابتسمت برضى:
– حسنا..
قالت كلمتها تلك، وهي تمسك بحقيبتها استعدادا للذهاب، بعد أن وضعته بين المطرقة والسندان!!
يومها لم يغمض له جفن أبدا، هل حقا لديه الجرأة الكافية ليتقدم لها رسميا!! إنها بالفعل تحتل مساحة كبيرة من قلبه وفكره، كما لم يحدث مع أي فتاة من قبل، فهل هذا سبب كاف يدفعه للارتباط بها! الارتباط بها يعني أشياء كثيرة، أبسطها أن يقوم بتغيير نظام حياته بأكمله، فهل هو مستعد لذلك من أجلها!! لم يكن واثقا من مقدرته تلك، وهذا ما أبقاه مترددا طوال تلك الفترة من فتح أي موضوع بطابع رسمي معها، كان يرغب في التقرب منها أكثر وحسب (ليطمئن قلبه)! وها هي خالته قد نجحت مجددا في إعادته ليعيش تلك اللحظات القاسية، لحظات صراع حقيقية بين عاطفه ملتهبة تدفعه للإقدام، وعقلٍ يملي عليه الاحجام!! هل من الممكن أن يحكم على أسلوب حياته المتحرر بالاعدام، من أجل فتاة محافظة ملتزمة كـ ( نور)!! هل المشاعر وحدها تكفي!! هذا إن كانت تبادله المشاعر على الأقل!! وماذا عن الصلاة!! هل سيلتزم بها من أجلها فقط! لم يكن واثقا من شيء.. حتى غلبه النعاس أخيرا في ساعة متأخرة قبل الفجر!!
بعد ذلك اليوم، بدأت نظراته لنور تأخذ منحى آخر، لقد شعر بانجذاب كبير نحوها وبدأت فكرة خطبتها تتبلور في رأسه أكثر من ذي قبل، لا سيما وأن خالته قد وضعتها في رأس جميع أفراد العائلة تقريبا، وقامت بتحرياتها الخاصة بشأن ذلك!! لم يبق أمامهم إلا التقدم الرسمي برأيهم!! أما هو، فقد كان يود كسب المزيد من الوقت للتعرف عليها والاحتكاك بها أكثر عن كثب، إذ لم يكن يرغب بزواج تقليدي يُحرج فيه نفسه دون أي طائل برأيه!
كانت فكرة الارتباط بها تبعث في نفسه نوعا من الحبور كلما نظر إليها، دون أن تتوقف المفاجآت التي يكتشفها عنها بين الحين والآخر، ولعل من أبرزها تلك المعلومة التي أذهلته، كان ذلك عندما احتاجت إحدى زميلاتها بطاقة شحن لهاتفها بشكل طاريء، فأخبرتها نور بأنها تملك واحدة، ولأنها كانت مشغولة بلوحتها كالعادة، فقد أرشدتها لمكان وجودها في حقيبتها، وبدلا من أن تقوم الفتاة بأخذ البطاقة وحسب، صدرت منها صيحة انفعال صغيرة:
– بطاقة عضوية في نادي الكاراتيه!! ما هذه المفاجأة!! هل تتقنين فن الكاراتيه حقا يا نور!!
ولم تتوانى فتاة ثالثة عن الانضمام اليهما للمشاركة في ذلك الحديث المثير:
– لماذا لم تخبرينا من قبل!
– منذ متى وأنت تتقنين هذا الفن؟؟
– وفي أي درجة من المهارة وصلت؟؟
– هل لديك الحزام الأسود حقا!!
– نريد أن نرى مهارتك في القتال، يبدو هذا رائعا!!
وهكذا انهالت الأسئلة على نور، دون أن يُخطئ سامر التقاط الأجوبة باهتمام ليسجلها في ذاكرته، فقد كان الأمر مفاجئا له أيضا، بل ومثيرا لأبعد الحدود!! لن تتوقف هذه الفتاة عن إثارة إعجابه على ما يبدو!! ومع نهاية ذلك الحديث كانت الصورة قد اكتملت لديه حول هذا الموضوع:
– التحقت نور وهي في الخامسة من عمرها بنادي الكاراتيه الذي سجل به أخوها، فقد كانت مولعة بمرافقته وتقليده منذ الصغر، ولم يجد والداها بدا من تسجيلها معه!! حتى إذا ما بلغت العاشرة من عمرها، كانت قد قطعت شوطا كبيرا في التدريب، لتكون أصغر من يحصل على الحزام الأسود في النادي، لكنها لم تستطع الاستمرار بعد ذلك إذ كان عليها التوقف؛ فاكتفت بممارسة الرياضة لوحدها أو مع أخيها في المنزل، فلم تكن مراكز تدريب السيدات قد فُتحت بعد…
وقتها راود سامر شعور غريب بل ورغبة جامحة لرؤية تلك الفتاة المتزنة، وهي في خضم التدريب! هل هي لاعبة كاراتيه حقيقية!! سيكون ذلك مذهلا لو تمكن من رؤيتها بأم عينه! ومرت الأيام دون أن تفارق تلك الفكرة رأسه، حتى جاءت اللحظة المناسبة، والتي أعد من أجلها الكثير من الجهد والتخطيط، دون أن يفكر بعواقب ما قد يُقدم عليه..
 
………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

تركته لأجلك! – الحلقة 31

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

لم تشعر سوسن برغبة جامحة للاستزادة من علوم الدين كما شعرت ذلك اليوم، بل وكانت حماستها لمحادثة نور في أوجها خاصة بعد تلك المحاضرة، فما أن وصلت المنزل حتى أسرعت لغرفتها، وبدون تردد تناولت هاتفها لتحادثها، كانت سعيدة بسماع صوتها المبتهج مما يبشر بأن صحة والديها بخير، فدخلت معها بالحديث الذي اتصلت من أجله بسرعة..
– لقد كانت لوحاتك محل اهتمام معظم الجماهير اليوم، بعد أن ألقى الأستاذ سامر محاضرة عن الفن السريالي متخذا منها نموذجا له، وقام بإبداء آرائه الخاصة عليها، حتى أنه طلب مني- بصفتي صديقتك- مشاركته في تقديم العرض لأجيب عن تساؤلات الجمهور، كانت فرصة رائعة لنشر أفكارك النبيلة يا عزيزتي، فقد أخبرتهم بكل ما حدثتيني به، عن النية والايات القرآنية والأجواء الروحانية التي تستلهمين منها مواضيع اللوحات….
انتبهت سوسن إلى أنها تحدثت لفترة طويلة بحماسة دون أن تسمع شيئا من نور، فظنت أن الاتصال قطع بينهما بعد أن اختفى صوتها فجأة على ما يبدو، فنادتها لتتأكد:
– نور.. هل تسمعينني؟؟
أعادت جملتها مرتين قبل أن يأتيها صوت نور:
– أجل أسمعك يا عزيزتي.. جزاك الله خيرا على ما فعلتيه وجعل ذلك في موازين حسناتك..
فأشرق وجه سوسن من جديد:
– الحمد لله، في الحقيقة الشكر كله للاستاذ سامر فقد كان هذا لطف كبير منه فعلا..
وساد صمت من جديد حتى أن سوسن شكّت بوجود مشكلة في خطوط الهاتف، فنادت مرة أخرى:
– نور.. الا زلت تسمعينني؟؟
فجاءهه رد نور واهن هذه المرة:
– أجل..
عندها شعر سوسن ببعض القلق:
– هل أصابك شيء يا عزيزتي؟ هل أنت بخير؟؟
وأخيرا قالت نور:
– سوسن يا حبيبتي انتبهي لنفسك، فقد يكون الرجل اللطيف أحيانا أخطر على الفتاة من الوحش المخيف!
شعرت سوسن برعشة سرت في جسدها كتيار من الكهرباء، فسألتها بتوجس:
– تقصدين الأستاذ سامر؟؟ هل تعرفينه من قبل؟!!
غير أن نور أسرعت توضح كلامها:
– انني أتحدث بشكل عام يا سوسن ولا أقصد أحدا بعينه!
إلا أن كلامها ذلك لم يطمئن سوسن أبدا، فسألتها بقلق:
– أرجوك يا نور كوني صريحة معي، هل شعرت بشيء مما أخبرتك به يثير الشكوك؟؟
فأجابتها نور بوضوح:
– أرجو أن لا تسيئي فهمي يا سوسن، ولكن من الواضح أن هذا الاستاذ يحاول التقرب منك على ما يبدو!! لا أستطيع الجزم بذلك طبعا، ولا يوجد لدي دليل أيضا، تستطيعين أن تعتبرينه مجرد احساس لا أكثر، وبالطبع لا اتهمه بشيء استغفر الله، فقد يكون بريئا من ذلك كله، كل ما طلبته منك هو أن تنتبهي لنفسك يا عزيزتي لا أكثر!
أسقط في يد سوسن وانقبض قلبها وقد بدأت ذاكرتها تسترجع تعليقات أيهم بداية، وكلام الزوار بعد فراغ العرض نهاية:
– شكرا لكما، لقد تعلمنا الكثير عن الفن السريالي
– الشرح كان واضحا
– أبدعتما بشكل مذهل
– هل يمكنكما إعادة العرض في أوقات أخرى
– كنتما ثنائيا رائعا
-………………
فيما تابعت نور كلامها في محاولة لتلطيف الجو:
– كما قلت لك عزيزتي، كلامي كان عاما فهذا قد يحدث بين أي رجل وامرأة مهما كانت ظروفهما، انها الطبيعة البشرية التي جاءت الشريعة متوافقة معها ويحاول البعض انكارها للأسف.. بينما تجدين المنصفين حتى من غير المسلمين لا يعارضونها!! أجاثا كريستي مثلا.. كثيرا ما تجدينها تشير للطبيعة البشرية في رواياتها..
كانت ملاحظتها تلك كفيلة بلفت نظر سوسن التي سألتها باهتمام:
– هل تقرئين لها أنت أيضا!!
فابتسمت نور:
– أجل.. في الحقيقة تعجبني طريقة تفكيرها كثير، بغض النظر عن بعض الأمور التي تأتي بناء على طبيعة مجتمعها.. ورغم ذلك فهي من أكثر الكتاب الذين قرأت لهم انصافا للفطرة السوية والواقعية، ثم انها سيدة محافظة بشكل كبير.. هل تصدقين.. لقد أشارت في احدى رواياتها لضرورة تواجد الام لرعاية بناتها المراهقات اكثر من الاطفال.. مؤكدة على خطر ترك الفتيات من دون توجيه ورعاية!! ولديها افكار أشعر أحيانا أنها تستقيها استقاء مباشرا من الدين الحنيف.. خاصة فيما يتعلق بالعلاقات بين الرجال والنساء! انها الفطرة السوية، ( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله)..
عندها قالت سوسن:
– رغم انني قرأت لها كثيرا، إلا أنني لم ألاحظ أي شيء مما ذكرتيه في السابق، ما شاء الله؛ لديك قدرة على ربط الأمور ببعضها بطريقة عجيبة يا نور.. ليتني أتعلمها!!
فردت نور:
– هذا بفضل الله أولا وأخيرا، ثم إن أي شخص يزيد من ثقافته الدينية، تزيد قدرته على الملاحظة والتحليل بإذن الله، فالعلوم الدينية بوابة لفهم هذه الحياة وقراءة ما بين سطورها، ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين..
وأطلقت ضحكة مرحة:
– انني أتحدث وكأنني عالمة العصر أستغفر الله، بالطبع ما زلت في البداية وأسأل الله أن يزيدني علما..
فابتسمت سوسن لملاحظتها تلك:
– على الأقل بالنسبة لي يا نور؛ أنت عالمة العصر فعلا..
فجاءها رد نور بلهجة جادة:
– وما أدراك يا عزيزتي.. سأكررها مرارا، ليست العبرة بمن سبق، إنما العبرة بمن صدق، وأنت صادقة في مبتغاك يا سوسن بإذن الله..
فتنهدت سوسن:
– أرجو ذلك..
والتقطت نفسا قبل أن تقول:
– ليتني أتعلم كل شيء وأعرف كل شيء بسرعة لأعوّض عن تقصيري، أفلا يوجد كتاب جامع يعلمني كل شيء مرة واحدة يا نور؟؟ بالطبع بدأت أقرأ القرآن وأحاول قراءة التفسير أيضا، ولكنني..
وبترت جملتها بعد أن احتارت في اختيار التعبير المناسب، فابتسمت نور:
– أفهمك يا سوسن، ولكن لا تستعجلي، فبالتدريج تنالين كل شيء بإذن الله فالعلم والمعرفة حصيلة تراكمية، ومن عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم..
ثم استدركت فجأة:
– هل قرأت كتاب (تعريف عام بدين الاسلام) للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله؟؟ أظنه كتابا مناسبا..
فأطلقت سوسن ضحكة صغيرة:
– يكفي أن عنوانه مناسبا، فانا كحديثي العهد بالاسلام لا أعرف عنه شيئا!
فقالت نور:
– لا تستغربي إن ما قلت لك بأنني شعرت بالشيء نفسه عندما قرأت الكتاب أول مرة، لقد شعرت وقتها أنني أول مرة أعرف ما هو الاسلام حقيقة!
واستطردت متابعة:
– للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أسلوب فريد في عرض الأفكار، كتاباته تبهرني دائما، إنها من النوع السهل الممتنع الذي يأسر الألباب، ثم إنني أعده من أكثر العلماء الذين ساهموا في بناء تصوري عن هذه الحياة، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته..
فرددت سوسن بتأثر:
– رحمه الله، للأسف لم أسمع عنه من قبل وسأحاول قراءة الكتاب في أقرب فرصة إن شاء الله..
***
اليوم هو آخر أيام المعرض العالمي..
ترددت تلك الكلمات في أذنيه كوخزات إبر على غشائي طبلتيه، حتى كادتا أن تتمزقا من شدة الألم!! .. لن يراها مرة أخرى.. هذا مؤكد.. وأسوأ ما في الأمر أن هذا لن يعني لها شيئا!!
هذا ما كان يعتمل في ذهنه وهو يجر قدميه جرا لينتقل بين أرجاء المعرض كمن يودع الأطلال التي جمعته بــ سوسن..
تنهد سامر بألم:
– ما الذي أعنيه لها؟؟ مجرد أستاذ لا أكثر!!!
كان قلبه يتمزق:
– لماذا يحدث هذا لي!!! لماذا علي أن أكبت مشاعري!! فقط لو أن الظروف مختلفة.. عندها..
وجد نفسه أمام لوحات نور مرة أخرى، لماذا تصر قدميه على توجيه مسيرته إلى هناك؟؟
“كنتما ثنائيا رائعا”
وعادت به ذاكرته لعامين كاملين، يوم أن التقى نور أول مرة في معهد الفن الحديث..
 
………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

نبراس (ون شوت)


نبراس

احتفالا بمرور سنة على إطلاق مجلة نبراس المانجاكا، هذا الون شوت يحكي قصة المجلة، والعقبات التي واجهتها ومراحل تطور الحلم وتحقيقه بفضل الله.

تأليف: محمد نجيب
رسم: لونا


قد يهمّك: عالم مسن (ون شوت)

متاهة الصحراء الكبرى

عن السلسلة

يعلن العالم عبد القادر نوح أخيرا مفاجأته للعالم العربي، بالكشف عن مشروع فريد من نوعه، وغير مسبوق في العالم كله! حيث تمكن بعد أبحاث دامت لأكثر من ربع قرن، من دمج الاشارات العصبية والحركات الجسدية للانسان بنظام فائق الحساسية يمكنه من التقاط تلك الاشارات مهما كانت ضعيفة، وترجمتها إلى واقع مادي محسوس، باستخدام تفاعلات كيميائية معقدة، وتقنيات حديثة ومطورة.

وبالتعاون مع خبراء من شركات أجنبية وعالمية معروفة، أسس لبناء أكبر منطقة ترفيهية في العالم، تستهدف الاطفال والمراهقين العرب، واختار “الصحراء الكبرى” مكانا لها. فكيف سيكون اثر ذلك على الجميع؟

تأليف: زينب جلال
رسم و تصميم الشعار: سوسي ميليسة

التصنيف : خيال علمي/ أكشن.



عالم اخر

عن السلسلة

مؤلف مغمور يسعى للعالمية، غير أنه يشعر دوما ان قصصه لا تناسب سوى الأطفال فيقرر التخلص منها، دون أن يدرى أنها ستقود أطفالا لعالم آخر على ظهر “خيال”

التصنيف : مغامرات، غموض، درامي.

تأليف: زينب جلال
رسم: لونا


الوعد المحتوم


عن السلسلة

لطالما حلمت شذى أن تتخصص في قيادة الطائرات غير أن الظروف لم تساعدها، ولم يكن أمامها خيار سوى أن تصبح ممرضة! ثم تقودها الأقدار لخوض مغامرة خطرة لم تخطر لها ببال، فكيف ستتصرف؟!

تأليف: زينب جلال
فكرة و رسم: أمل مصطفى
تظليل و إخراج: أحمد الهمالي

التصنيف : مغامرات، غموض، درامي.


عالم مسن – الفصل الأول


عن السلسلة

يجد يعقوب نفسه امام مسؤولية رعاية رضيع سرا في عالم لا يوجد به سوى الكهول والمسنين، ماذا سيحدث لو علم الناس بذلك؟ وهل سينجح يعقوب في ابقاء الامر سرا؟ وكيف سيعتني بالرضيع في ظروف عالمه الصعبة؟…

تأليف: محمد نجيب
تدقيق: زينب جلال
رسم: أكيرا عبد الرحمن
تلوين واخراج: شو

التصنيف: خيال علمي، شريحة من الحياة، درامي، غموض.


قد يهمّك: عالم مسن (ون شوت)