تركته لأجلك

تركته لأجلك! – الحلقة 44

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

كان أيهم يستمع لحديث سوسن – الجالسة أمامه- بصمت مطبق على غير عادته، عندما شعر بيديها تحتضنان قبضتيه المستندتين أمامه، على الطاولة بينهما، فرفع طرفه إليها يتأملها بحجابها لأول مرة منذ أن جلس! غير أنه سرعان ما أرخى عينيه مرة أخرى، متفاديا التحديق في عينيها، أمام إصرارها على موقفها:
– اريد أن أبني معك أسرة سعيدة مستقرة يا أيهم، نربّي فيها أطفالنا تربية صالحة، ونغمرهم بالحب، دون أن يعكر صفوها شيء، هذا هو حلمي، الذي لن يتحقق إلا أن التزمنا أوامر الله..
وترقرقت دمعة في عينها، وهي تتابع بلهجة عميقة صادقة:
– إنني أحبك يا أيهم من أعماق قلبي، وأريد لهذا الحب أن يستمر، وصدقني.. لا أريد شيئا أكثر من أن نبدأ حياة جديدة، تُرضي الله عنا..
وأخيرا تكلم أيهم بصعوبة:
– سوسن.. أنت لا تفهمين موقفي أبدا.. لو كان بإمكاني تلبية طلبك لما ترددت، ولكنه أمر مستحيل!! أنت لا تعرفين كيف وصلت إلى هذه المكانة، التي تطلبين مني التخلي عنها بهذه السهولة، هذا هو عملي، وقد وعدتك بأنني لن أعيد ذلك المشهد أبدا، وسأحرص على تجنب اللقاء بتلك الفتاة من أجلك، أفلا يكفيك هذا يا سوسن؟؟
فبادرته سوسن بقولها:
– لم أقل لك أن تتخلى عن الفن تماما، ولكن هناك طُرق أخرى تستثمر بها موهبتك دون معصية، ولن تكون وحيدا في هذا المجال، فقد بدأ عدد من الفنانين الملتزمين بالظهور على الساحة فعلا، فلم لا تكون واحدا منهم! والتزامك بالصلاة سيساعدك على ذلك بالتأكيد..
ساد صمت بينهما للحظات، لم يقطعه سوى رنين هاتف أيهم، ورغم أنه كان يتجاهل اتصالاته عندما يكون بصحبة سوسن، إلا أنه سرعان ما أجابه هذه المرة، كمن يأخذ متنفسا من أرض معركة؛ يوشك أن يخسرها!
أما سوسن التي أدركت من خلال ردوده أنها مع مدير أعماله، فقد غاص قلبها في الحضيض..
ليس الآن!!
ولم يكد يُغلق هاتفه، حتى رمقها بنظرات عميقة ذات معنى، قائلا بنبرة لا تخلو من ألم:
– قد لا يهمك ما سأقوله الان…
والتقط نفسا عميقا قبل أن يتابع:
– ستُقام حفلة كبيرة غدا بمناسبة حصولي على لقب أكثر نجوم العرب شعبية، ولا يمكنني خذل جمهوري أبدا، فهل يمكنك تقدير هذا؟؟ سوسن.. إنني إحبك كما لم يحب أحدٌ أحدا، ولا أريد أن أخسرك أبدا، ولكن ما تطلبينه مني؛ فوق طاقتي يا حبيبتي..
ولأول مرة منذ تعرفها إلى أيهم، لمحت سوسن دمعات في عينيه، في حين تابع بتأثر واضح وهو يضم يديها بقوة:
– سوسن.. أرجوك، إنني أعشقك ومتيّم بحبك، ولا أريد أن نصل أبدا إلى طريق مسدود لا يكون لنا فيه خيار آخر، أرجوك يا سوسن، بحق الحب الذي بيننا لا تُفسدي ذكرياتنا الجميلة في هذا المكان..
لم تستطع سوسن النطق ببنت شفة، فأرخت عينيها بتأثر شديد، وقلبها يخفق بشدة، إذ أنها لم تشعر بصدق أيهم أكثر مما شعرت به الآن! إنه يحبها بالفعل، ولم تعد تشك في ذلك طرفة عين، ولكن.. ماذا عليها أن تفعل، ألم تتخذ قرارا صارما بأنها لن تتراجع هذه المرة!! فحاولت التجلد لتقول له بهدوء:
– أيهم.. أنت واثق تماما من حبي لك، ولكننا لسنا في قصة خيالية، يُخالف فيها الأبطال سنن الله الكونية، ثم يعيشون بأمان وسلام!! لكل شيء قانون أوضعه الله فيه، والتقوى هي قانون الحب، ومحال أن يدوم بدونها، كالمعزوفة المتناغمة، التي لا يمكن لها أن تكون كذلك؛ إن خرجت عن قانون السلم الموسيقي!! إنها قوانين طبيعية، لا يمكننا أن نخالفها؛ ثم نتوقع نتائج جيدة!!
لم تعرف سوسن كيف نطقت بتلك الكلمات، التي لو أعدّت لها بإحكام، لما خرجت بهذا الانتظام، إنها بالفعل إلهام من الله أجراه على لسانها، مما بث في قلبها نوع من التفاؤل، باستجابة أيهم لها، غير أن تعابير وجهه المنبسطة؛ سرعان ما انقبضت من جديد، ليقول لها بصوت متهدّج:
– الكلام سهلٌ يا سوسن، ولكنك لا تصدقين أنني لا أستطيع فعل ذلك أبدا!! ولو كنت أستطيع؛ لما انتظرت حتى أضعك في هذا الموقف.. فأنت أغلى مخلوق على قلبي، وليس سهلا علي أن أرفض لك طلبا بإمكاني تحقيقه!! أعرف أنني أعيد كلامي أكثر من مرة، فقد قلتُ لك هذا الكلام سابقا.. ولكن هذا بالفعل ما لدي، لذا.. أرجوك.. اعذريني، فأنا لا أستطيع!!
أسقط في يد سوسن، وسالت دموعها بصمت رغما عنها، ولم يستطع أيهم تمالك نفسه أكثر، فنهض من مكانه، وانحنى عليها يحيطها بذراعيه متوسلا:
– لماذا يا سوسن، لماذا لا نتابع طريقنا معا كما كنا دائما؟؟ أرجوك يا حبيبتي، دعينا نتجاوز هذا الأمر، أعطِني فرصة أخيرة، وصدقيني؛ لن تجدي مني ما يسوؤك أبدا، كل شيء فداك يا سوسن إلا هذا الامر، فهو فوق طاقتي واحتمالي، لقد وعدتك بأنني لن أقابل تلك الفتاة مرة أخرى…
غير أن سوسن تكلمت أخيرا:
– أقدّر لك ما تحاول فعله من أجلي، ولكن صدقني، الأمر لا يتعلق بسورا أو غيرها، فما حدث بينكما لم يكن خطؤك وحدك، لقد كان خطئي أيضا، عندما آثرتُ رضاك على رضى الله! إنه أسلوب حياة يا أيهم، وأنا لم أعد أحتمل المضيّ فيه أكثر، لم أعد أطيق مخالفة أوامر الله، ولن أخلع حجابي أبدا بعد الان، مهما كلفني الثمن..
كان كلامها صدمة حقيقية لأيهم، فتراجع إلى الوراء، ليرتكز على الطاولة، إذ لم تعد قدماه تقويان على حمله، فيما التقطت سوسن نفسا عميقا، حاولت معه الحفاظ على رباطة جأشها، حتى لا تنخرط في البكاء، وهي تتابع كلامها بصعوبة:
– إنني متأكدة من أنك ستدرك كلامي هذا يوما ما، وستعلم وقتها… كم كنت أحبك..
ولم تستطع إكمال جملتها التي خنقتها العبرات، فنهضت من مكانها، لتقول كلمتها الأخيرة، التي لم يعد هناك بدٌ منها..
****
ابتسم مهند لتعليقات جدته المعتادة، دون أن يرد بشيء، فيما كان يسندها أثناء خروجها من غرفة التحاليل في المشفى الذي يعمل فيه، غير أنها أعادت كلامها بإصرار أكبر:
– هيا لم تخبرني برأيك يا بني، أليست مناسبة؟؟ لقد كانت ماهرة جدا أثناء إدخالها الابرة، وسحبها للدم، لقد أحببتها فعلا..
فأجابها مهند وهو يكتم ضحكة خفيفة:
– لا أنكر أنها مناسبة تماما كممرضة، فهي ماهرة حقا، ولكن ما علاقة هذا بي شخصيا؟
فوكزته جدته في خاصرته:
– لا تراوغني يا ولد، أظنها ستكون زوجة مناسبة أيضا، فهي جميلة ومؤدبة وخلوقة…
عندها لم يملك مهند نفسه، فضحك قائلا:
– أليس هذا ما تقولينه دائما عن كل فتاة تقابلينها؟ فكم فتاة سأتزوج يا جدتي الحبيبة؟؟
لكن جدته أصرّت على موقفها هذه المرة:
– ولكنني أحببتها من كل قلبي..
فغمزها مهند مازحا:
– كأنني سمعت هذه الجملة من فترة وجيزة فقط، أليس كذلك؟
فما كان منها إلا أن قرصته في أذنه معاتبة:
– أنا أعرف ما أقول، وقد قلت هذه الجملة آخر مرة عن تلك الرسّامة الطيبة، لكنها كانت مخطوبة، وهذا امر مختلف..
فقال مهند وهو يتظاهر بالتأوه من الألم من قرصتها:
– وما أدراك أن هذه الممرضة ليست مخطوبة أيضا؟
فابتسمت جدته، لتقول بثقة:
– وهل تظنني مغفلة لكي لا أعرف ذلك؟ لقد تحريتُ الأمر بطريقتي الخاصة!
فأطلق مهند ضحكة خافتة:
– كان الأحرى بك أن تعملي في سلك التحقيق يا جدتي، فستكون خدماتك محل تقدير هناك بلا شك..
وقبل أن تعلق جدته بكلمة، انطلقت نداءات في المستشفى تعلن وصول حالة حرجة، فاعتذر مهند من جدته بسرعة:
– سأرافقك الى قاعة الانتظار ريثما أنهي عملي، فانتظريني هناك يا جدتي..
غير أنها زجرته بقولها:
– اذهب بسرعة الان ولا تقلق علي، فأنا أعرف الطريق جيدا، ولا أريد أن يكون حفيدي مقصرا في أداء أمانته، هيا اذهب وفقك الله..
ورمقته بابتسامة رضا وفخر، وهو يجري بسرعة نحو الطواريء، مرددة في سرها:
– حفظك الله يا بني، ووفقك لكل خير، ورزقك الزوجة الصالحة، وأقر عيني بك..
****
كان القلق قد استبد بالانسة ناديا مع قرب انتهاء الدوام، عندما دخلت سوسن بحجابها الذي فاجأ الجميع، حتى الانسة ناديا ألجمتها الدهشة لوهلة؛ فنسيت ما كانت تود إخبار سوسن به، فبادرتها الأخيرة بقولها:
– أعتذر لأنني لم أنتبه لاتصالاتك يا آنسة إلا للتو، وأعتذر لتأخري أيضا..
عندها انتبهت ناديا لما تود قوله بسرعة، فقالت بحماسة:
– لقد تم ترشيحك للمشاركة في منافسة عالمية لمحترفي الفن، وقد جاء الاستاذ سامر بنفسه ليسلمك بطاقة الدعوة، وقد أرفق معها جدول الأعمال أيضا بعد أن ناقشه معي، سيكون أمرا مثيرا جدا..
لم تكد سوسن تسمع اسمع سامر، حتى شعرت بوخزٍ مؤلم في قلبها، فصمتت قليلا قبل أن تقول:
– إنني آسفة حقا، فقد أتيتُ اليوم لإبراء ذمتي..
وقبل أن تترك لناديا فرصة للكلام، تناولت محفظتها، لتخرج منها مبلغا من المال، ناولته لها قائلة:
– هذه دفعة تعويضية مقدمة لبقية السنة، إذ أنني سأترك المعهد..
فقاطعتها ناديا، التي أفاقت من صدمتها بسرعة، لتمنعها من إكمال الكلام:
– مالذي تقولينه يا سوسن!! هل ستفوّتين هذه الفرصة النادرة بسهولة هكذا!! ثم إنك قد بدأتِ بلوحة وعليك إتمامها..
فصمتت سوسن للحظة، إلا أنها سرعان ما قالت بثقة:
– حسنا.. سأنهيها الان إن شاء الله..
وقبل أن تنتظر ردا من ناديا؛ اتجهت نحو لوحتها، متجاهلة نظرات الفضول في أعين الفتيات المحدقة بها، حملقت في لوحتها للحظات، فقد نسيت ما كانت تود رسمه، أو أنها لم تعد تعرف كيف تُكمل ما بدأته سابقا!! فما كان منها إلا أن عزمت أمرها، وهي تتناول فرشاة الاساس الكبيرة، فغمرتها باللون الأسود، وشرعت في رسم لوحتها الأخيرة في هذا المكان..
***
من وسط الظلام؛ انبعثت ذراعٌ مبتورة، التفت حولها أشواكٌ وإبرٌ حادة؛ تحاول جذبها إلى الأسفل بقسوة؛ لتمنعها من الخروج، حتى أدمتها الجراح الغائرة، غير أنها قاومت حتى اتجهت بأصابع يدها نحو السماء، حيث انبثق شعاع نورٍ، من فتحةٍ وسط الغيوم، فهي تحاول لمس ذاك الشعاع بأصابعها الممدودة، فيما تقاطرت من طرفها المبتور؛ قطرات دم قانية، انسكبت على شكل بتلات وردٍ ممزقة، ملأت الارض بأشلائها المبعثرة، ليختلط السواد الحالك، بالحمرة الداكنة!
كان مشهدا مهيبا، يبث الرهبة في النفوس، لم تملك معه ناديا سوى التحديق فيه بصمت، وقد اقشعر جسدها، وقبل أن تنطق بكلمة، قالت سوسن:
– لقد أكملتُ التزاماتي نحوكم، وأنهيتُ اللوحة التي بدأتها، فأرجو أن تتفهمي رغبتي يا آنسة في ترك المعهد..
وترددت قليلا، قبل أن تعزم أمرها وتتجه نحو سورا، التي تظاهرت بانشغالها بلوحتها، غير أن اقتراب سوسن منها أربكها قليلا، فنهضت واقفة، خاصة بعد أن مدت سوسن يدها نحوها قائلة:
– مع السلامة..
كانت كلمة واحدة فقط، لم تستطع سوسن إضافة جملة أخرى معها، ولم تعقّب سورا بشيء، فاكتفت سوسن بمصافحتها، كما صافحت بقية الفتيات، وذهبت..
وكأنها ذهبت مع الريح..
***
أخذ يمشي على غير هدى، يترنح بين الحين والآخر كمن أسكره الشراب، وهو يحدث نفسه بذهول..
ألم يعد الحظ يبتسم لي!! هل هذه هي النهاية حقا!! هل كنتُ مخدوعا بحبها طوال الوقت!!!!! أيُعقل أن تكون ثقتي العمياء بحبها لي مجرد وهم!! لقد كنت واثقا تماما ولا مجال للشك بهذا أبدا! كانت تحبني ولا يمكنني تصور غير هذا!! مستحيل أن تفعلها وتتخلى عني بهذه السهولة!! هذا مستحيل.. مستحيل.. إلا…. إلا إن كان هناك أحد!!
وأخذت صورة سامر تتجسد أمامه بخيلاء، لقد كان وسيما حقا، ويشاطرها موهبتها التي تعشقها!!! أفيكون هو السبب؟؟؟؟
بل إن صورة ذلك الطبيب المحترم، الذي قابله في المعرض، لم تسلم هي الأخرى من الاتهام!!!!
وشعر بغليانٍ في صدره كمرجلٍ غاضب، لا بد أنه واحد من أولئك الأوغاد!!!
وعادت كلمات أنيسة لتنتصب أمامه من جديد، غير أنه حاول طردها من رأسه بسرعة، في محاولة يائسة لمواساة نفسه:
– لا شأن لأنيسة بهذا أبدا، فلا بد أنها الان مجرد سيدة بدينة، وأمٌ لعشرة أطفال يقضون وقتهم في اللعب بالوحل والطين، فيما تستمر هي بالصراخ عليهم!! فما الذي يمكن لفتاة بسيطة مثلها أن تكون غير ذلك!!!
إلا أن كلماتها أخذت تتراقص أمامه بوضوح تام، كاللعنة التي كانت تلاحقه، وعثرت عليه أخيرا، وهيهات أن يفلح بالفرار منها بعد الآن!!
” ستذوق طعم هذا الألم… تذكر كلامــ…”
ولم يستطع أيهم الاحتمال أكثر، فسد أذنيه بكفيه، صارخا بيأس:
– كفى!!! تبا لك يا أنسية، وتبا لتلك القبلة التعيسة!!!
ولكن الجملة بقيت عالقة في ذهنه، متشبثة به بإصرار، كالقدر المحتوم الذي لا فرار منه، فأنّى له أن يهرب منها، وكل خلية في جسده باتت ترددها:
” تذكر كلامي جيدا.. عاجلا أم آجلا، ستذوق طعم هذا الألم”
وأمام ذلك الحضور القوي لكلمات أنيسة، عادت به ذاكرته لذلك اليوم، ليسترجع أحداثه جملة وتفصيلا، إنه اليوم الذي أعلن فيه تمرده على عائلته، بعد أن قرر أن يتخذ لحياته أسلوبا جديدا..
يومها فاجأته أنيسة -ابنة الجيران- وهي تعترض طريقه باكية:
– هل حقا ستغادر القرية؟ كيف تذهب وتتركني هكذا بعدما حدث بيننا؟؟ لقد وعدتني…
فما كان منه إلا أن أعرض بوجهه عنها، قائلا بثقة:
– اطمئني فلم يحدث بيننا شيء كبير، ويمكنك نسيان ذلك بسهولة، وبدء حياة جديدة مع شخص يناسبك، فقد عزمت أمري ولن أتراجع أبدا..
لكنها قاطعته بمرارة:
– كيف تجرؤ على قول هذا!!.. لقد…لقد… لقد قبلتني!!
فنظر إليها بضيق:
– وهل تعدّين هذا أمرا كبيرا؟؟ إنه شيء بسيط جدا يمكن تجاهله، ثم إن أحدا لم يعرف بذلك، وهذا لن يؤثر على سمعتك أبدا، فلا تقلقي، إنها مجرد قبلة عارضة، ولا تترك أثرا خلفها..
إلا أن ذلك لم يخفف عنها كما توقع، بل زاد بكاءها حرقة:
– ولكنها محفورة في قلبي!! ولم أكن لأسمح بشيء كهذا لولا أنك وعدتني! ألم تقل بأنه لا مشكلة في وجود قبلة بيننا ما دمنا سنتزوج في النهاية!! ألم تقل بأنك تحبني ولن تتخلى عني مهما حصل؟
فأجابها بنبرة حاول أن يجعلها مقنعة:
– حسنا إنني أعتذر عن هذا بالفعل.. كانت مجرد نزوة، ولم أكن أدرك تبعاتها تماما، ثم أننا لم نبلغ سن الرشد قانونيا بعد، وكل القرارات التي نتخذها في هذه الفترة، لايمكن أن تُلزمنا بشيء!
فأجابته وهي لا تزال تجهش بالبكاء:
– كيف تقول هذا ونحن في الثامنة عشر من أعمارنا!! لقد كنا بالغين فعلا، ومحاسبين على أفعالنا!!
وأمام بكائها المستمر الذي كاد أن يفضحها، رغم خروجها دون علم أهلها، حاول أيهم تهدئتها بقوله:
– أنت فتاة طيبة يا أنيسة، وستجدين من يحبك ويهتم لأمرك بالتأكيد، فلا تفضحي نفسك الآن، ولن يعلم أحد بما حصل!!
فكتمت أنفاسها بصعوبة، وهي تنشج بخفوت:
– ولكننا نحن الاثنين نعلم… والله يعلم، وما فعلته هو الخيانة بعينها!!
فرمقها بنظرات مغتاظة:
– أيتها الساذجة، هذا ذنب صغير جدا، ولا يذكر مع الامور الحقيقية الكبيرة، هناك أمورٌ أسوأ من هذا بكثير قد تحدث، ومع ذلك لم يكن بيننا شيء منها!! يبدو أنك لا زلت صغيرة، ولا تفهمين شيئا في هذه الحياة!!
كان يتعمد إغاظتها لتنفر منه، غير أنها فاجأته بقولها:
– ولكنني أحببتك بصدق ولا زلت أحبك، ولا أتخيل حياتي من دونك، فإذا كنت سترحل فخذني معك..
عندها انفجر فيها غاضبا لأول مرة:
– افهميني يا أنيسة، ولا تكوني عاطفية وحمقاء هكذا، فالحب ليس كل شيء في هذه الحياة، وهناك أمور أكثر أهمية من هذا بكثير، لا يمكنك أن تكوني شريكتي أبدا، فأسلوب حياتك وحياة عائلتك، بل وحياة عائلتي والقرية بأسرها؛ لا تناسبني ولا تناسب أهدافي..
عندها لم تستطع أنيسة الاحتمال أكثر، فقالت كلماتها الأخيرة بقهر شديد:
– لن أسامحك أبدا.. فتذكر كلامي جيدا.. عاجلا أم آجلا، ستذوق طعم هذا الألم!!
وذهبت أنيسة، فيما بقيت كلماتها تلاحقه، حتى تمكّنت منه أخيرا…
ودمعت عينا أيهم ندما:
– مالي ولك يا أنيسة!!! لقد ذقت الالم الان، فهل رضيت؟؟؟
ألا من مخرج… يارب…
وإذ ذاك انتبه لصوت نغمة منذرة بوصول رسالة، وقبل أن يتناول هاتفه بلهفة، سمع نغمة رسالة أخرى، فهرع لفتح الرسالة المذيلة باسم سوسن، وقلبه يخفق بشدة، ممنيا نفسه بأن تكون قد تراجعت عن قرارها المتهور، وحاول أن يتشبث بالامل، فجاهد ليبتسم قبل أن يفتح الرسالة:
” لقد أودعت في حسابك نوع من التعويض عن كل ما قدمته لي أثناء فترة خطوبتنا، فهذا أقل ما يمكنني فعله لك، وثق بأنني سأكون أسعد إنسانة لو قررتَ العودة لي بعهد جديد، فإنني ما أقدمت على فعل هذا كله، إلا ابتغاء مرضاة الله”
*******
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

تركته لأجلك! – الحلقة 43

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

استيقظت سوسن أخيرا على صوت المنبّه، المصرّ على إيقاظها برنينه المتواصل اللحوح، وما أن لمحت الساعة، حتى نهضت بسرعة لتتوضأ وتؤدي فريضة الفجر، إذ لم يتبق لشروق الشمس سوى بضع دقائق!
وعلى سجادة الصلاة، جلست تسترجع في ذهنها أبرز ما علق به من تلك المحادثة، التي قلبت مفاهيمها السابقة رأسا على عقب!!
هل حقا تلك هي حقيقية الحب!!!!
وأخذت كلمات نور تتلخص أمامها بوضوح:
” الحب جندي من جنود الله، لا سلطان لأحد عليه سواه سبحانه، ولا يمكن لكائن من كان أن يجزم بدوامه، أو يعِد بذلك! وهذه الحقيقة على أهميتها؛ يجهلها معظم الناس، فإن استظلوا بظل الحب ردهة من الزمن، وشعروا بصدق هذه المشاعر بينهم، ظنوا أنه ملكهم للأبد، يمكنهم القسم بدوامه مادام حبا حقيقيا!! دون أن يدركوا أنهم لا يملكون ذلك أبدا! ومن قرأ (مجدولين)؛ يدرك ما وصل إليه كاتبها الفرنسي من فهمٍ لهذه الحقيقة!!
تخيلي رجلا وامرأة يسيران في صحراء شاسعة، أنهكهما لهيب شمسها، فإذا بغمامة تظللهما وتقيهما حرها، ثم بقيت ملازمة لهما لبعض الوقت، حتى ذاقا حلاوة ظلها، فهل يملك أحد منهما أن يعد الاخر بأن الغمامة ستظللهما إلى الأبد!! وإن وعد أحدهما بذلك جدلا، وصدّقه الاخر (لجهلهما بطبيعة السحاب)، ثم انكشفت الغمامة بعد ذلك، وتركتهما يصطليان بلهيب الشمس الحارقة، فهل يملك الموعود منهما أن يتهم الواعد؛ بأن تلك السحابة لم تكن سحابة حقيقية!! بالطبع لا، لقد كانت سحابة حقيقية بالفعل، ولكنهما لا يملكان إرغامها على البقاء، فهي سحابة حرة، لا سلطان لهما عليها، وكان الأجدر بهما أن يبنيا أساسا متينا لمصدر ظلٍ دائم..
وهكذا هو الحب!!
لا تُبنى البيوت عليه أبدا، وإنما تزدان به وتزدهر، وتزداد سعادة”
تنهدت سوسن وهي تفكر في ذلك الكلام، هل يُعقل أن حبها لأيهم يمكن أن..
ولم تشأ الاستطراد في تلك الفكرة، إذ لا يمكنها تخيل حياتها من دونه أبدا، ولا يمكن لمخيلتها احتمال يومٍ؛ لا تكون فيه هي المتربعة في قلبه!
غير أن سؤالا لحوحا، فرض نفسه عليها فرضا:
” هل هناك شيء آخر، بينها وبين أيهم، يمكن الاعتماد عليه غير الحب؟؟”
وإذ ذاك تذكرت إجابة نور المترددة، على سؤالها:
– بعد أن سمعتِ تفاصيل قصتي هذه، ما هو المفروض عليّ فعله برأيك يا نور؟؟
لا شك أن صمت نور في ذلك الوقت، كان إشارة كافية لها لتدرك المأزق الذي أوقعت نفسها فيه، فهل يمكنها احتمال سماع الاجابة مهما كانت!! ومع ذلك؛ كانت مصرّة على سماع إجابتها، فأكدت عليها بقولها:
– لا تقلقي يا نور، فلا شك أنك تخافين من أن يأتي يومٌ أحملك فيه مسؤولية ما سيحدث بيني وبين خطيبي، أو يراودني شيء في نفسي تجاهك، ولكن صدقيني، أريد أن أعرف رأيك بصراحة!!
عندها تكلمت نور أخيرا:
– ليس الأمر كما تظنين يا عزيزتي، ولكنني بالفعل لا أعرف!
وصمتت قليلا، قبل أن تتابع:
– كل ما يمكنني قوله لك، هو عبارة أحفظها عن ظهر قلب، وقد اتخذتها شعارا لي في هذه الحياة؛
” من طلب رضا الله بسخط الناس، رضي عنه الله وأرضى عنه الناس، ومن طلب رضا الناس بسخط الله، سخط عليه الله وأسخط عليه الناس”..
التقطت سوسن نفسا عميقا، وهي تستذكر وقع تلك الكلمات عليها في ذلك الوقت، لقد كان أمرا رهيبا بلا شك، فتلك الجملة فسّرت لها كل شيء!!
ومر شريطٌ سريعٌ لأحداث حفل النجوم في مخيلتها، بل منذ أن تركت الحجاب لأجل أيهم، وما تلا ذلك من مرافقتها له بذلك اللباس!! لقد طلبت رضا أيهم بسخط الله بلا شك، فكانت تلك النتيجة الحتمية؛ التي لا يحق لها أن تلومه فيها!!
سالت الدموع على خدي سوسن بانسياب هاديء، وهي لا تزال على جِلستها فوق سجادة الصلاة، وقد بدأت الشمس ترسل أشعتها الذهبية، من بين طيات الستائر المخملية، فيما تابع صدى كلمات نور؛ يتردد في ذاكرتها:
– وكما أن الحب قد يُنتج ردود فعل سلبية، فله ردود فعل إيجابية بالمقابل، بل إنه يكون أحيانا كمخدّر الجرّاح الذي لا يمكن إجراء عملية جراحية من دونه، وهذا من نعم الله على عباده، وإلا لكان التغيير أمرا شبه مستحيل، وما أقصده هنا، هو تغيير المرء نفسه للأحسن، والذي هو بحد ذاته أصعب من إجراء عملية جراحية معقدة! فإن وُجِد حبٌ في هذه الحالة، سيكون بمثابة جرعة تخدير قوية، تُجرى خلالها أقسى عمليات التغيير دون الشعور بالالم! إنه كالطاقة التي تمنح الجسم القدرة على تحمل التغيير، والصعوبات المترتبة عليه! ألم تسمعي قصة الصحابية الجليلة أم سليم التي كانت سببا في إسلام أبو طلحة!! لقد أسلم بداية ليظفر بالزواج منها بعد أن ترمّلت، ومن ثم حسن إسلامه بعد ذلك، وأصبح من فضلاء الصحابة وكبارهم، ناهيك عن قصة ابو العاص ابن الربيع، زوج السيدة زينب ابنة الرسول صلى الله عليه وسلم..
كان هذا أكثر ما بعث التفاؤل في نفس سوسن، في ذلك الحين، بل إن هذا هو الأمل الذي بدأت تبني أحلامها عليه، غير أنها سرعان ما استحضرت كلمات نور بعد ذلك:
” مهما أحببتِ شخصا أو أمرا ما، أو كائنا ما كان؛ فاحرصي أن لا يكون قلبك معلقٌ إلا بالله، فهو خالق الحب وواهبه في القلوب، وما الحب إلا جنديٌ مؤتمرٌ بأمره، وهبة منه ونعمة، فلا تشغلنّك النعمة عن المُنعم، فبالشكر تدوم النعم..
هذا ما أوصتني به أمي قبل زفافي إلى عامر…”
انسكبت الدموع بغزارة أكبر على وجنتي سوسن، وهي تراجع ما عزمت عليه أمرها، ورفعت يديها بالدعاء:
– يارب إن لم تُعنّي، فلا حول ولا قوة لي إلا بك، اللهم يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك، ويا مصرف القلوب اصرف قلبي إلى طاعتك..
وبحرقة أكبر دعت وقد بدأ صدرها ينشج بالنحيب:
– يارب.. اهدِ أيهم..
وانخرطت بالبكاء إذ لم تعد تسعفها الكلمات، وحسبها أن الله مطلع على ما في قلبها، عالم بما تُريد..
لم تدرِ سوسن كم مر عليها من
استيقظت سوسن أخيرا على صوت المنبّه، المصرّ على إيقاظها برنينه المتواصل اللحوح، وما أن لمحت الساعة، حتى نهضت بسرعة لتتوضأ وتؤدي فريضة الفجر، إذ لم يتبق لشروق الشمس سوى بضع دقائق!
وعلى سجادة الصلاة، جلست تسترجع في ذهنها أبرز ما علق به من تلك المحادثة، التي قلبت مفاهيمها السابقة رأسا على عقب!!
هل حقا تلك هي حقيقية الحب!!!!
وأخذت كلمات نور تتلخص أمامها بوضوح:
” الحب جندي من جنود الله، لا سلطان لأحد عليه سواه سبحانه، ولا يمكن لكائن من كان أن يجزم بدوامه، أو يعِد بذلك! وهذه الحقيقة على أهميتها؛ يجهلها معظم الناس، فإن استظلوا بظل الحب ردهة من الزمن، وشعروا بصدق هذه المشاعر بينهم، ظنوا أنه ملكهم للأبد، يمكنهم القسم بدوامه مادام حبا حقيقيا!! دون أن يدركوا أنهم لا يملكون ذلك أبدا! ومن قرأ (مجدولين)؛ يدرك ما وصل إليه كاتبها الفرنسي من فهمٍ لهذه الحقيقة!!
تخيلي رجلا وامرأة يسيران في صحراء شاسعة، أنهكهما لهيب شمسها، فإذا بغمامة تظللهما وتقيهما حرها، ثم بقيت ملازمة لهما لبعض الوقت، حتى ذاقا حلاوة ظلها، فهل يملك أحد منهما أن يعد الاخر بأن الغمامة ستظللهما إلى الأبد!! وإن وعد أحدهما بذلك جدلا، وصدّقه الاخر (لجهلهما بطبيعة السحاب)، ثم انكشفت الغمامة بعد ذلك، وتركتهما يصطليان بلهيب الشمس الحارقة، فهل يملك الموعود منهما أن يتهم الواعد؛ بأن تلك السحابة لم تكن سحابة حقيقية!! بالطبع لا، لقد كانت سحابة حقيقية بالفعل، ولكنهما لا يملكان إرغامها على البقاء، فهي سحابة حرة، لا سلطان لهما عليها، وكان الأجدر بهما أن يبنيا أساسا متينا لمصدر ظلٍ دائم..
وهكذا هو الحب!!
لا تُبنى البيوت عليه أبدا، وإنما تزدان به وتزدهر، وتزداد سعادة”
تنهدت سوسن وهي تفكر في ذلك الكلام، هل يُعقل أن حبها لأيهم يمكن أن..
ولم تشأ الاستطراد في تلك الفكرة، إذ لا يمكنها تخيل حياتها من دونه أبدا، ولا يمكن لمخيلتها احتمال يومٍ؛ لا تكون فيه هي المتربعة في قلبه!
غير أن سؤالا لحوحا، فرض نفسه عليها فرضا:
” هل هناك شيء آخر، بينها وبين أيهم، يمكن الاعتماد عليه غير الحب؟؟”
وإذ ذاك تذكرت إجابة نور المترددة، على سؤالها:
– بعد أن سمعتِ تفاصيل قصتي هذه، ما هو المفروض عليّ فعله برأيك يا نور؟؟
لا شك أن صمت نور في ذلك الوقت، كان إشارة كافية لها لتدرك المأزق الذي أوقعت نفسها فيه، فهل يمكنها احتمال سماع الاجابة مهما كانت!! ومع ذلك؛ كانت مصرّة على سماع إجابتها، فأكدت عليها بقولها:
– لا تقلقي يا نور، فلا شك أنك تخافين من أن يأتي يومٌ أحملك فيه مسؤولية ما سيحدث بيني وبين خطيبي، أو يراودني شيء في نفسي تجاهك، ولكن صدقيني، أريد أن أعرف رأيك بصراحة!!
عندها تكلمت نور أخيرا:
– ليس الأمر كما تظنين يا عزيزتي، ولكنني بالفعل لا أعرف!
وصمتت قليلا، قبل أن تتابع:
– كل ما يمكنني قوله لك، هو عبارة أحفظها عن ظهر قلب، وقد اتخذتها شعارا لي في هذه الحياة؛
” من طلب رضا الله بسخط الناس، رضي عنه الله وأرضى عنه الناس، ومن طلب رضا الناس بسخط الله، سخط عليه الله وأسخط عليه الناس”..
التقطت سوسن نفسا عميقا، وهي تستذكر وقع تلك الكلمات عليها في ذلك الوقت، لقد كان أمرا رهيبا بلا شك، فتلك الجملة فسّرت لها كل شيء!!
ومر شريطٌ سريعٌ لأحداث حفل النجوم في مخيلتها، بل منذ أن تركت الحجاب لأجل أيهم، وما تلا ذلك من مرافقتها له بذلك اللباس!! لقد طلبت رضا أيهم بسخط الله بلا شك، فكانت تلك النتيجة الحتمية؛ التي لا يحق لها أن تلومه فيها!!
سالت الدموع على خدي سوسن بانسياب هاديء، وهي لا تزال على جِلستها فوق سجادة الصلاة، وقد بدأت الشمس ترسل أشعتها الذهبية، من بين طيات الستائر المخملية، فيما تابع صدى كلمات نور؛ يتردد في ذاكرتها:
– وكما أن الحب قد يُنتج ردود فعل سلبية، فله ردود فعل إيجابية بالمقابل، بل إنه يكون أحيانا كمخدّر الجرّاح الذي لا يمكن إجراء عملية جراحية من دونه، وهذا من نعم الله على عباده، وإلا لكان التغيير أمرا شبه مستحيل، وما أقصده هنا، هو تغيير المرء نفسه للأحسن، والذي هو بحد ذاته أصعب من إجراء عملية جراحية معقدة! فإن وُجِد حبٌ في هذه الحالة، سيكون بمثابة جرعة تخدير قوية، تُجرى خلالها أقسى عمليات التغيير دون الشعور بالالم! إنه كالطاقة التي تمنح الجسم القدرة على تحمل التغيير، والصعوبات المترتبة عليه! ألم تسمعي قصة الصحابية الجليلة أم سليم التي كانت سببا في إسلام أبو طلحة!! لقد أسلم بداية ليظفر بالزواج منها بعد أن ترمّلت، ومن ثم حسن إسلامه بعد ذلك، وأصبح من فضلاء الصحابة وكبارهم، ناهيك عن قصة ابو العاص ابن الربيع، زوج السيدة زينب ابنة الرسول صلى الله عليه وسلم..
كان هذا أكثر ما بعث التفاؤل في نفس سوسن، في ذلك الحين، بل إن هذا هو الأمل الذي بدأت تبني أحلامها عليه، غير أنها سرعان ما استحضرت كلمات نور بعد ذلك:
” مهما أحببتِ شخصا أو أمرا ما، أو كائنا ما كان؛ فاحرصي أن لا يكون قلبك معلقٌ إلا بالله، فهو خالق الحب وواهبه في القلوب، وما الحب إلا جنديٌ مؤتمرٌ بأمره، وهبة منه ونعمة، فلا تشغلنّك النعمة عن المُنعم، فبالشكر تدوم النعم..
هذا ما أوصتني به أمي قبل زفافي إلى عامر…”
انسكبت الدموع بغزارة أكبر على وجنتي سوسن، وهي تراجع ما عزمت عليه أمرها، ورفعت يديها بالدعاء:
– يارب إن لم تُعنّي، فلا حول ولا قوة لي إلا بك، اللهم يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك، ويا مصرف القلوب اصرف قلبي إلى طاعتك..
وبحرقة أكبر دعت وقد بدأ صدرها ينشج بالنحيب:
– يارب.. اهدِ أيهم..
وانخرطت بالبكاء إذ لم تعد تسعفها الكلمات، وحسبها أن الله مطلع على ما في قلبها، عالم بما تُريد..
لم تدرِ سوسن كم مر عليها من الوقت وهي على تلك الحالة، حتى انتبهت لرنين هاتفها، فنهضت تجاهه، لتجده يومض برقم أيهم، فتذكرت أنها لم ترد على اتصاله ليلة امس، حيث كانت مشغولة مع نور! ومن حسن حظها أن خاصية هاتفها لا تُشير إلى انشغالها بالحديث مع متحدث آخر، وربما ظنها نائمة في ذلك الوقت وهذا ما ترجوه!! ولسبب ما، ترددت بالاجابة، فقد شعرت بأنها على موعد خاص هذه المرة، وعليها انتقاء عبارات تمهيدية خاصة أيضا، غير أن الرنين المتواصل باستبسال، أعاق عملية التفكير هذه!! وقبل أن تجيب الاتصال، تعالت طرقاتٌ متناغمة على باب غرفتها، بشكل غريب يثير الانتباه، إذ تكتفي الخادمة عادة بطرقة أو طرقتين فقط! مما أثار فضولها، فتجاهلت الاتصال، واتجهت نحو باب الغرفة، وما أن فتحته حتى فوجئت بأوراق الزينة الملونة، والورود اللامعة تندفع نحوها بابتهاج، حيث اصطفت الخادمات على جانبي المدخل، كجنود الاستقبال الملكي، والابتسامة بادية على وجوههن، فيما اندفعت إحداهن نحوها وهي تهتف بسعادة:
– مبارك لك يا ابنة رئيس الوزراء!
****
سارت الطائرة بهدوئها المعهود، الذي يسبق عاصفة الاقلاع، وكأنها تودع مدرّجات المطار، وهي تتهادى على مساراته باختيال، حتى إذا ما حانت اللحظة الحاسمة؛ التقطت أنفاسها مزمجرة بأزيزها المعروف، لتنطلق كالصقر نحو السماء..
ارتخت نور على مقعدها قرب النافذة، بعد أن ربطت حزام الأمان، تتابع المشهد بتأمّل كعادتها، وهي تردد أدعية الركوب والسفر:
– ” سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، الله أكبرالله أكبر الله أكبر، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوّن علينا سفرنا هذا واطوِ عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل والولد”
فيما أسند عامر رأسه على الكرسي المجاور لها، مرددا الأدعية، وهو مغمض العينين في شبه إغفاءة..
ارتفعت الطائرة لتأخذ مكانتها اللائقة في الأجواء، وبدأت المعالم تحتها تختفي تدريجيا..
تنهدت نور وهي تودع أرض الوطن بسكون، فهناك عائلتها، وأقربائها وصديقاتها وأحبتها، فرددت في سرها:
– استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه..
فيما بقيت عيناها محدقتين بآخر المعالم التي لاحت لها من ذلك الارتفاع..
كم أرواحنا بحاجة للتحليق في الفضاء الرحيب!!
ولاحت أمامها صورة سوسن بين الغيوم، فيما طغت كلماتها على أزيز المحركات، لتنسج لحنا حزينا مؤثرا، لم تستطع نور معه حبس دمعاتها:
” لي طلب واحد فقط، أرجوك.. اسألي الله الهداية لي ولأيهم، فإنني أحبه حبا جما، ولا يمكنني تخيل حياتي من دونه أبدا، فهو طيب ولكنه منغمس تماما في عالم النجومية وموقفه صعب، أنت تعرفين عالم النجوم ولا يخفى عليك حالهم، لذا أرجوك، إن كنتُ أعني لك شيئا هاما، فلا تنسي أيهم من دعائك.. هذا هو طلبي الوحيد!”
تناولت نور منديلا جففت به دموعها المنهمرة، كم تشفق على سوسن وهي تشعر تماما بمشاعرها، فهل هناك أصعب من أن يفصل بين المرء ومن يحب حاجز الهداية!! لطالما كانت قصة السيدة زينب ابنة الرسول صلى الله عليه وسلم، تهز مشاعرها هزا، وهي التي فارقت زوجها وأبو أولادها الذي تهيم به حبا؛ لا لشيء.. إلا طاعة لله ورسوله!! لا تذكر أنها قرأت قصة مؤثرة حركت مشاعرها كتلك القصة الحقيقية، والتي هي بحق؛ أغرب من الخيال!! فهل كانت السيدة زينب تعلم بأن زوجها لن ينساها، عندما تركته في مكة مهاجرة إلى المدينة، في زمن لم تكن فيه اتصالات ولا مواصلات سريعة؟!! هل كانت واثقة من أنه سيأتي إليها مسلما، ليسترجعا معا ذكريات حبهما الذي لم يمُت في قلبها أبدا؟!! كيف استطاعت قطع كل تلك المسافة، وبأي قلب ابتعدت عن حبيبها، الذي ما رأت منه إلا كل الخير والحب والمودة، امتثالا لأمر الله!!! لا عجب أن حَفِظ الله لها مكانتها في قلبه، فلم يتزوج بغيرها حتى بعد أن فارقته، في زمن وبيئة اعتاد فيهما الرجال الزواج بأكثر من واحدة!!
إنها بحق، من أعظم قصص الحب التي سمعت عنها عبر التاريخ، ولم تكن لتملّ أبدا من سرد تفاصيلها التي تعرفها على كل من تقابله، كلما سنحت لها الفرصة، كما قصّتها على سوسن ليلة أمس!
وإذ ذاك أدارت رأسها بالتفاتة صغيرة نحو عامر، الذي بدى لها غارقا في التفكير، رغم عينيه المغمضتين! فتأملته للحظة، وكأنها تراه لأول مرة، حتى شعرت بحرارة الحب في قلبها! وبعفوية؛ وضعت يدها فوق يده المستندة على ذراع الكرسي بينهما، وهي تشعر برغبة عارمة في ضمها إليها، وكل خلية في جسدها تردد:
– يارب احفظ زوجي عامر، ولا تفرق بيننا أبدا، واجمع قلبينا دائما على قلبٍ تقيٍّ يخافك ويخشاك ولا يتعلق بأحد سواك، حتى تجمعنا في الفردوس الأعلى..
وإذ ذاك شعرت بيده تحتضن يدها، وتضمها نحو صدره بحب، وكأنه قرأ أفكارها فسبقها إلى التطبيق، حتى أحسّت بنبضات قلبه، فأسندت رأسها على كتفه تستشعر الطمأنينة والسكن، وهما يشبّكان بين أصابعهما في حب ووئام..
عندها قال عامر بابتسامة مُحبّة:
– أظن أنني بدأت أعرف متى يكون الله راضيا عني، وأرجو أن تكون هذه علامة قبول!
فرفعت نور رأسها قليلا، ملتفتة إليه، بعيون متسائلة، فيما تابع عامر كلامه بتأثر واضح:
– كنت أفكر فيما سنقدم عليه، والمسؤولية الكبيرة الملقاة على كاهلنا، خاصة وأنها المرة الاولى التي سنغادر فيها بلادنا إلى بلد أجنبي، نفتقد فيه صوت الأذان، وما اعتدنا عليه من مظاهر ديننا الحنيف، فسألت الله أن يعيننا على أن نكون سفراء له هناك، وأن يثبتنا على الحق ويهدي بنا الخلق، ولا يفتنا في ديننا..
والتقط نفسا عميقا وهو يشد على يد نور بلطف:
– هل تعلمين يا نور.. عندما أستشعر جفاء منك دون سبب، أراجع نفسي فأجدها قد قصّرت في حق من حقوق الله أو من حقوق عباده، فاستدرك ذلك فورا، حتى أصبح هذا مقياسا رائعا اقيّم به تصرفاتي، وأراجع من خلاله حساباتي، إنني بالفعل أحمد الله أن وهبني مثل هذا الميزان الدقيق، وأرجو أن يفيدني هناك..
فابتسمت نور وضغطت بأصابعها على يده، لتقربها من فمها، وتلمسها بشفتيها برقة:
– في هذه الحالة، أسأل الله أن يتقبل منك كل عمل صالح ويزيدك من فضله، يا زوجي الحبيب..
وصمتت للحظة قبل أن تتابع:
– وأنا كذلك.. أشعر بالشيء نفسه، إنه “ميزان الحب” الذي يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية! فالحمد لله الذي أنعم علينا باستشعار هذه المعاني.. لا حرمني الله منك أبدا يا عامر..
فشد عامر على يدها وقربها منه بدوره، ليطبع عليها قبلة عذبة خفق لها قلبها:
– ولا حرمني الله منك يا زوجتي وحبيبتي وقرة عيني ونورها..
ورغم تلك الكلمات العذبة التي انتشت لها كل خلاياها، إلا أن دمعة صغيرة ترقرقت في عينها؛ حاولت إخفائها، وهي تتذكر الآم المعذّبين بالحب، وعلى رأسهم صديقتها سوسن، فهتف قلبها بصوتٍ لا يسمعه إلا خالقها:
– يارب.. لطفك بتلك القلوب المعذبة الحائرة، أنزل رحمتك عليها، واملأها بحبٍ يرضيك، فتتذوق حلاوته في الدنيا، وتؤجر عليه نعيما دائما في جنات النعيم… اللهم احفظ قلوبنا وقلوب المسلمين والمسلمات، ارفق بقلوب بناتهم وشبابهم، فلا تعذبها بالتعلق بغيرك..
وانطلقت دعواتها الصادقة لسوسن وأيهم؛ كالسهام المتلاحقة، التي لا يفصلها عن إصابة الهدف؛ سوى مشيئة الله في الاجابة..
****
لأول مرة بدا الارتباك واضحا في طريقة مشية أيهم وهو ينزل من السيارة، كان قلقه واضحا بشكل كبير عبر قسمات وجهه، ولولا أن المكان يخلو من المارة في مثل هذا الوقت من الصباح، لما تردد عدد كبير من المتطفلين بالتقاط صور له وهو على تلك الحالة، ليتم نشرها عبر جميع قنوات التواصل المعروفة!
وقف للحظات قليلة يلتقط أنفاسه المخنوقة، قبل أن يدلف إلى قاعة المطعم الذي طالما كان شاهدا على ذكرياته مع سوسن، فهنا كان أول موعد لهما بعد الخطوبة، وهنا أسمعها أسطوانته المهداة لها، ولا يدري ما الذي سيشهده عليهما أيضا في هذا اليوم، ليضيفه إلى سجل ذكرياتهما القابعة في أحضانه..
وقف خارجه يسترجع في ذهنه محادثة سوسن معه، في باكورة هذا الصباح، فرغم أنه كان متلهفا لمبادرتها بالتهنئة، بما وصل إليه والدها؛ إلا أن ردها المتأخر، لم يحمل أي نوع من الحماسة لهذا الأمر، وكأنه موضوع عادي لا يعنيها بشيء!! وأخذ صدى كلماتها يتردد في ذهنه، بدويّ يثير الاضطراب:
” سأنتظرك هناك في تمام الساعة السابعة والنصف صباحا، ولا يهمني إن تأخرتُ في ذهابي إلى المعهد هذا اليوم، فلا بد من أن نحسم الأمر!”
وبتردد كبير، حاول أن يخطو خطوته الاولى إلى داخل القاعة، حيث يُفترض بسوسن أن تنتظره، غير أن الثقل الرهيب الذي شعر به في قدمه؛ حال بينه وبين ذلك! بل إن تسارع دقات قلبه، وتقاطر حبات العرق من جبهته، أشعراه بأنه على وشك الدخول في إغماءة طويلة، لا يفيق منها إلى قيام الساعة! حتى كاد أن ينكر نفسه، وهو يحادثها:
لماذا يحدث هذا لي الآن!! هل يُعقل أن تفعلها حقا بعد كل ما ذكرتُه لها!! هل يمكن أن تكون هذه هي النهاية!!! مستحيل، لا يمكنني تصور هذا أبدا!!!
لو أنها أخبرتني فقط بما تريده بالضبط!!
وومضت في ذهنه بارقة خاطفة من الماضي السحيق؛ ارتجف لها جسده!!
أتراها نبوؤة أنيسة!!
” تذكر كلامي جيدا، عاجلا أم آجلا ستذوق طعم هذا الألم!”
لقد مضى على ذلك أكثر من عشر سنوات، فلماذا يستحضر كلامها بكل هذا الوضوح الآن!! وما الذي ذكّره بها في هذه اللحظة بالذات!!
غير أن خروج النادل في تلك اللحظة؛ أيقظه من شروده، فحاول مبادلته الابتسامة، إلا أن ذلك تطلب منه جهدا كبيرا، مما أقلق النادل الذي بادره بقوله:
– هل أنت بخير يا سيدي؟
فانفرجت شفتا أيهم عن ابتسامة مقتضبة:
– أظن ذلك..
فاستدرك النادل بلباقته المعهودة:
– هل تمانع في مرافقتي لك إلى حيث تجلس الانسة، إنها بانتظارك في الركن السابع من القاعة.. تقول إنها أعدت لك مفاجأة..
فهز أيهم رأسه مجيبا بامتنان، رغم أن كلمة “مفاجأة” لم تحمل له شعورا حسنا:
– شكرا لك، سأتدبر أمري، يبدو أنني مرهق قليلا بالفعل..
وبخطوات بطيئة متثاقلة، قطع أيهم المسافة بين مدخل المطعم والركن السابع، كمن يجاهد السير في صحراء قاحلة، فهو يحاول أن يقي وجهه عواصفها اللاهبة من جهة، ويمنع نفسه من الغوص في رمالها المتحركة من جهة أخرى!!
وما أن وقعت عيناه على سوسن؛ حتى خر متهالكا على مقعده، فقد كان هذا آخر ما يرغب برؤيته منها هذا اليوم!!
***
تحلقت الفتيات حول سورا باهتمام واضح، بعد أن حضرت إلى المعهد أخيرا، إثر تغيبها المفاجيء..
– لقد فعلتِها أخيرا أيتها الماكرة!!
فيما غمزتها فاتن قائلة:
– هكذا إذن أيتها المخادعة، كنت تتدربين سرا طوال الوقت!! لقد نجحتِ في التملص مني بمهارة!!
وأطلقت سوسو شهقة حادة وهي تحدق في هاتفها المحمول:
– أكثر من ثلاثة ملايين مشاهدة في مدة وجيزة! لقد أصبحتِ مشهورة يا سورا بالفعل!!
فيما أخذت إحدى الفتيات تسألها بفضول:
– عن ماذا تتحدثين، دعيني أرى..
فتولت جولي الاجابة بحماسة:
– إنه مقطع القبلة الازلية، لقد أصبح من أكثر المقاطع انتشارا في الشبكة العنكبوتية، يبدو أنه سيحطم رقما قياسيا فريدا من كثرة المشاهدات!!
واستدركت ملتفتة إلى سورا:
– لقد كانت حركة جريئة جدا، كيف كان شعورك وقتها؟
وصمتت الفتيات وهن ينتظرن الاجابة بفارغ الصبر، فيما اكتفت سورا بابتسامة هادئة، لتجيب بتواضع، لا يخلو من تصنّع ظاهر:
– كانت هذه طبيعة الرقصة، ولم أكن أفكر إلا بالاداء المتقن، والذي جاء نتيجة الجهد والتدريب، كنت أؤدي دوري بأمانة فقط، هذا كل ما في الامر!!
فحدجتها جولي بنظرة فاحصة:
– هكذا إذن، هذا كل ما في الأمر!!!
وأطلقت فاتن ضحكة ساخرة:
– يا لك من ماكرة فعلا! لقد كنت تتدربين طوال الوقت من أجل هذه القبلة، ونحن في غفلة عن هذا تماما!! لقد نجحت في إحكام خطتك هذه المرة، أنت داهية بالفعل..
فيما تساءلت إحدى الفتيات بفضول واضح:
– ولكن أين كانت سوسن من هذا كله؟؟ ترى كيف هو شعورها الان!! لن أتعجب إذا تغيبت اليوم عن الحضور..
وتعالت الضحكات والغمزات بين الفتيات، بل واستمرت النقاشات بينهن بين هازئة بسوسن، ومدافعة عنها بقولها:
– لا بد أنها مشغولة بأخبار والدها، أم أنكن لم تسمعن أخبار الفرز الاولي للانتخابات!!
وقبل أن تضيف أي فتاة كلمة أخرى؛ عادت الانسة ناديا من جولتها المهنية القصيرة مع الاستاذ سامر، لتطالبهن بالهدوء، والعودة إلى إنجاز أعمالهن في اللوحات، غير أنها استدركت فجأة؛ وهي تقلب عينيها بينهن متسائلة:
– ألم تحضر سوسن بعد؟
………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

تركته لأجلك! – حلقة خاصة (ملخص الأجزاء السابقة (1 … 42)، وعرض سريع للشخصيات)

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

تتحدث القصة بشكل رئيس عن سوسن، الفتاة الشابة التي تمتلك كل ما تحلم به أي فتاة؛ من الجمال والمال والمنصب والجاه والحب والنجاح، فهي من أسرة ثرية مرموقة، وخطيبة للنجم الشهير أيهم، العازف المعروف، إضافة لكونها رسّامة محترفة يشهد لها الجميع بنجاحها في هذا المضمار، غير أن حياتها تتعكر وتبدأ الأحلام المظلمة والخواطر المزعجة تنتابها كثيرا، خاصة مع وجود زميلتها في معهد الفن، سورا، والتي كانت تحاول بشتى الوسائل والطرق جذب اهتمام أيهم نحوها، حيث أنها ترى نفسها الأحق بحبه، فهي مغرمة به منذ زمن طويل قبل أن يلتقي بسوسن!
إلا أن ظهور نور ( الفتاة الملتزمة والتي اتخذت من الرسم رسالة هادفة)، يعيد الطمأنينة قليلا إلى حياة سوسن، بعد أن تتفتح أعينها إلى عالم جديد، وتصبح نور أعز صديقاتها..
غير أن ذلك لم يستمر طويلا، إذ تبدأ الصراعات في حياة سوسن بالظهور من جديد، خاصة وأن أيهم لم يتقبل وجود نور في حياة سوسن بأي شكل، بل مما زاد الطين بلة؛ تلك الرسالة التي وقعت في يد أيهم، واتهمته بالفاسق الذي يعيق سوسن عن المضي في طريق الهداية، وتطلب منه الابتعاد عنها..
تمر سوسن بصراعات نفسية عنيفة، تقرر بعدها أن تسلك طريق الالتزام فتبدأ بالصلاة، وبينما يسافر والديها من أجل الحملة الانتخابية؛ تفاجيء خطيبها بارتدائها الحجاب، إلا أن ذلك يسوءه جدا، مما يجعلها تتراجع في قرارها، فتترك الحجاب لأجله، إلا أن صراعاتها الداخلية تزداد عنفا وحيرة، لتبدأ رحلتها في البحث عن ماهية (الحب)..
وهذا عرض سريع لشخصيات الرواية التي ظهرت لحد الان، وتظهر من خلالهم بعض الأحداث الهامة:
ملاحظة: التعريف بالشخصيات سيكون بناء على ما ورد عنهم في الاجزاء السابقة فقط!
1- سوسن: الشخصية الرئيسة بالقصة، شابة ثرية من عائلة مرموقة ورساّمة ماهرة، خطيبة أيهم؛ النجم الشهير
2- كارم: رجل أعمال كبير مرشح لرئاسة الوزراء، والد سوسن
3- أيهم: خطيب سوسن، وعازف محترف، يعتبر أشهر نجوم الفن على الاطلاق، وله جاذبية خاصة عند الفتيات
4- سورا: زميلة سوسن في معهد الفنون الراقي، تعشق أيهم، وتعتبر سوسن غريمتها إن لم تكن عدوتها الاولى بعد أن ارتبطت بأيهم، وقد تم تسليط الضوء على ماضيها القاسي، اسمها الحقيقي (سليمة)
5- ناديا: المسؤولة عن تقييم اللوحات في معهد الفنون الراقي، حريصة جدا على سمعة معهدها، وهي غارقة تماما في عالم الفنون الجميلة والرسوم وما له علاقة بذلك، وتكاد أن لا تدرك شيئا خارج هذا الاطار!
6- نور: فتاة ملتزمة، تحب الرسم واتخذت منه رسالة سامية وأسلوب دعوة، لها ماضٍ مؤلم مع الاستاذ سامر لا يعرفه أحد غيرهما! (ورد ذلك في الجزء 18)
تتقن فن الكاراتيه، وهي ابنة عبد الكريم سالم رئيس شركة كبيرة ومعروفة، إضافة لكونه أحد كبار المساهمين في أول مصرف اسلامي في المدينة، لديها أخ وحيد يكبرها بثلاث سنوات..
7- عامر: زوج نور، شاب ملتزم، وطبيب بارع، لاعب كاراتيه محترف، ورغم أنه حصل على الجائزة الاولى في الكاراتيه رسميا، إلا أن ذكر ذلك يسبب له ضيقا شديدا، إذ أنه يعلم تماما أنه لم يكن ليحصل عليها؛ لولا رفض منافسه لها، وقد تم تسليط الضوء على شخصيته بشكل واضح في احد الحلقات السابقة.
8- مرزوق: سائق سوسن الخاص، الذي عينه والدها ليكون مرافقا له كنوع من الحماية
9- السيد وائل (نائب الحاكم العام): صديق والد سوسن، ظهر بشكل عارض في الجزء الخامس
10- ابنة وزير العمل: شخصية عابرة يشرف عامر على علاجها إثر حادثة سقوطها في المتحف
11- سامر: أستاذ في الفن ومتخصص في الاسلوب السريالي، يقع في حب سوسن من النظرة الاولى، وله ذكريات مع نور، تم تسليط الضوء عليها في إحدى الحلقات
12- بهجة: تعمل طباخة في منزل السيد كارم والد سوسن، وهي كبيرة الخدم، أرملة محافظة جدا ومتدينة نوعا ما، بذلت جهدها من أجل تربية ولديها، وهي تعاني كثيرا بسبب المشكلة التي وقعت مع ابنتها، تحب سوسن وتعطف عليها كثيرا، حتى أن أم سوسن توصيها بابنتها عندما تغيب
13- ليلى: ابنة بهجة، كان وقوعها في حب غير متكافيء سبب في تعاستها هي وعائلتها
14- سمير: رجل عابر، ناول سوسن بطاقته الشخصية كنوع من التودد لها في احدى الحلقات
15- سعاد: مسؤولة في المعرض العالمي للفنون، سيدة محجبة لكنها سليطة اللسان، تصب جام غضبها على سوسن بسبب معاملة سامر الخاصة لها، واهتمامه بها، وتقول بأن ذلك عائد إلى تبرجها!
16- فاتن: من فتيات معهد الفنون الراقي، تقابل سورا في السوق بعد تغيبها المفاجيء، وتلاحظ عليها أمرا مريبا، فضولية جدا
17- جولي: من فتيات المعهد، لديها تحليلاتها الخاصة على حد قول فاتن
18- سعيدة: طفلة صغيرة باعتها أمها بسبب الفقر، ظهرت في ذكريات سورا في إحدى الحلقات
19- مدير المعرض العالمي: رجل طماع، الغية عنده تبرر الوسيلة، سيرشح نفسه للانتخابات الوزارية المقبلة، ظهر بشكل عابر، حريص على استغلال المواقف لصالحه
20- السيدة العجوز (جدة مهند): سيدة لطيفة ومتدينة، أحبت سوسن وتمنت لو أنها تخطبها لحفيدها الشاب أيهم
21- خالة سامر: كانت حريصة على خطبة نور لسامر غير أن ذلك لم يحدث، وردت في ذكريات سامر
22- مهند: حفيد السيدة العجوز التي أحبت سوسن، طبيب شاب ملتزم، كان ظهوره سريعا
23- الرجل الغامض الذي يرغب بالانتقام من السيد كارم (والد سوسن) ، لم يتم الافصاح عن هويته بعد!
****
ملخص آخر جزء تم عرضه (الجزء 42):
بعد أن تفقد سوسن وعيها في حفل النجوم، إثر رؤيتها لمشهد القبلة الأزلية بين خطيبها أيهم وسورا؛ ينقلها سامر إلى المشفى، ويحاول التقرب منها بشتى الوسائل دون فائدة، فما يكون منه إلا أن يجر أذيال الخيبة بعد وصول أيهم، وابدائه اللهفة على سوسن! يحصل ذلك بينما يكون والدا سوسن في رحلة عمل من أجل الحملة الانتخابية، والتي تحقق نجاحها الباهر بتحقيق السيد كارم انتصارا كبيرا في الجولة الاولى، مما جعل فوزه بمنصب رئاسة الوزراء أمرا مفروغا منه!!
أما سوسن التي بدأت تشعر بضرورة إيجاد حل جذري لمشكلتها، فتهاتف نور في مكالمة مطوّلة، قبل أن تقلع طائرتها بالسفر إلى خارج البلاد، تتحدثان فيه عن حقيقة الحب ومعناه، وتحاول سوسن من خلاله إيجاد فهم أعمق لجملة نور السابقة ” الحب جندي من جنود الله”..
وفي تلك الاثناء يتم تسليط الضوء لأول مرة، على شخصية غامضة تحمل حقدا دفينا على والد سوسن!
وفي الخفاء، تتوعد بالانتقام..
….
نهاية الملخص
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

مدرسة الفروسية – الفصل الخامس (حدود)


عن السلسلة

في عصر الانقسامات والحروب، تناضل مدرسة الفروسية لإنشاء جيل من القادة الأكفّاء. ينضم علاء للمدرسة بعد مأساة دامية مر بها، ونعيش معه طريقه لاستعادة مجد أمته الضائع.

تأليف: زينب جلال و محمد نجيب
رسم: رشا عبد الفتّاح و مصطفى كيوبي

التصنيف: تاريخي، درامي، فانتازيا.


قد يهمّك: “مدرسة الفروسية – مشروع حياة”

ثورة الأطفال – الفصل الرابع


عن السلسلة

عندما يغيب البالغون ويملك الأطفال زمام الأمور في المدينة، تختلط الرغبات الطفولية مع حس المسؤولية وتصبح المدينة مسرحاً لحرب عصابات الأطفال.

تأليف: محمد نجيب
رسم: أكيرا عبد الرحمن
تلوين: توتا كوكو

التصنيف : مغامرات، غموض، درامي.


اغتيال التاريخ -الفصل الثالث (دورك لتعرفي التاريخ الصحيح)


عن سلسلة “اغتيال التاريخ”

ترى هدى حلماً سريالياً يتبعه بعض الومضات الغريبة في الواقع، بينما يتعرض التاريخ العالمي للتشويه ويتأثر الوعي البشري بذلك التغيير، فيصبح العالم مختلفاً.

تقف هدى في صف الرافضين لهذه الأحداث.

هل لذلك الحلم علاقة بالأمر؟ كيف يتغير العالم بتغير التاريخ وما تداعيات ذلك؟ وكيف ستتصرف هدى؟!

تأليف: زينب جلال، محمد نجيب، محمد قمر
رسم: وائل سراج الدين
تلوين وتصميم: نور عمر

تصنيف القصة: خيال علمي، أكشن، درامي، غموض.



قد يهمّك: “نافذة إلى كواليس اغتيال التاريخ: رحلة النجيب في العالم العجيب.”


المؤمن القوي 0

المؤمن القوي – ون شوت (على ثغرة)


عن السلسلة

“محمد” مدربٌ شاب، يفتتح مركزا للفنون القتالية، اطلق عليه اسم “المؤمن القوي”، ليكون أشبه بمدرسة تربوية مرشدة للفتية والناشئين، نحو السبيل القويم..

ومن هنا جاء اسم السلسلة؛ والتي ترافقون فيها بطلنا في مسيرته، من خلال قصص متنوعة، يواجه فيها مواقف مختلفة، افتتحناها بون شوت:”اليتيم”!

تأليف: زينب جلال
رسم: أكيرا عبد الرحمن
الشعار: نور عمر
تصميم الغلاف: ضياء ساما

التصنيف: دراما، مغامرات، أكشن

*ملاحظة: أول ظهور لشخصية البطل “محمد” كان في قصة “الرجل العظيم”

يمكنكم قرائتها عبر الرابط التالي:

https://nebrasmangaka.com/2023/06/the-great-man


المؤمن القوي – ون شوت (يتيم)


عن السلسلة

“محمد” مدربٌ شاب، يفتتح مركزا للفنون القتالية، اطلق عليه اسم “المؤمن القوي”، ليكون أشبه بمدرسة تربوية مرشدة للفتية والناشئين، نحو السبيل القويم..

ومن هنا جاء اسم السلسلة؛ والتي ترافقون فيها بطلنا في مسيرته، من خلال قصص متنوعة، يواجه فيها مواقف مختلفة، افتتحناها بون شوت:”اليتيم”!

تأليف: زينب جلال
رسم: أكيرا عبد الرحمن
تحبير وإخراج: أحمد الهمالي
رسم الغلاف والشعار: نور عمر

التصنيف: دراما، مغامرات، أكشن

*ملاحظة: أول ظهور لشخصية البطل “محمد” كان في قصة “الرجل العظيم”

يمكنكم قرائتها عبر الرابط التالي:

https://nebrasmangaka.com/2023/06/the-great-man


مدرسة الفروسية – الفصل الرابع (الفراق)


عن السلسلة

في عصر الانقسامات والحروب، تناضل مدرسة الفروسية لإنشاء جيل من القادة الأكفّاء. ينضم علاء للمدرسة بعد مأساة دامية مر بها، ونعيش معه طريقه لاستعادة مجد أمته الضائع.

تأليف: زينب جلال و محمد نجيب
رسم: رشا عبد الفتّاح و مصطفى كيوبي

التصنيف: تاريخي، درامي، فانتازيا.


قد يهمّك: “مدرسة الفروسية – مشروع حياة”

تركته لأجلك! – الحلقة 42

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

لم يخفَ على سوسن، أثناء مرافقتها لبهجة نحو المنزل، ملاحظة الألم الكبير المرتسم على وجهها، والمتناغم مع صوتها، مما أشعرها بضرورة مواساتها بدلا من انتظار المواساة لحالتها هي! فقالت لها بلطف:
– أرجوك عزيزتي، إنني بخير ولا داعي لهذا كله!!
غير أن بهجة التي لم تستطع حبس دمعات نفرت من عينيها:
– لا أستطيع مسامحة نفسي أبدا، فقد كان عليّ إخبارك منذ البداية بتحصين نفسك جيدا، لا شك أنها عين حاسدة أصابتك..
فنظرت إليها سوسن بابتسامة رقيقة، ولم تقل شيئا، فيما تنهدت في أعماق نفسها بألم:
– يا لطيبتك يا بهجة!! أبعد كل ذلك السفور الذي لا يُرضي الله حتما، تقولين أنها “عين”!! حتى لو كانت عين؛ كنت سأستحقها وبجدارة!!
وأمام صمتها تابعت بهجة:
– ربما في طبقتكم الراقية، لا تؤمنون بهذا الكلام، ولكن العين حق! وقد ورد هذا عن الرسول صلى الله عليه وسلم..
فأجابتها سوسن:
– أنا لم أنكر ذلك، ولكن العين لا تصيب إلا بأمر الله، وقد كنتُ أستحقها بلا أدنى شك، فلا تجامليني أرجوك.. لقد حاولتُ الخروج إلى الحفلة دون أن تريني، حتى لا تنصدمي بمظهري بعد حديثنا ذاك.. لقد انتقم الله مني حتما..
واختنقت الحروف في حلقها، فانفجرت باكية بنشيج أليم، فما كان من بهجة إلا أن ضمتها إليها وهي تربت على كتفها بحنان:
– إن الله يحبك يا عزيزتي، ويريد لك الخير بالتأكيد..
وصمتت قبل أن تتابع:
– العين حق وكل ذي نعمة محسود، لذا عليك بتحصين نفسك دائما..
ولم تشأ سوسن الدخول في جدل معها أكثر، إذ كانت متيقنة تماما من أنها الشخص الوحيد الملوم في هذا كله، بل كانت ترى أن من العيب في حقها؛ إلصاق ما أصابها على “العين”!!
أما بهجة فقد تابعت كلامها موضحة:
– أذكار الصباح والمساء هامة جدا، على الأقل داومي على الفاتحة وآية الكرسي، وسورة الاخلاص والمعوذتين، ولا تنسي قراءة خواتيم سورة البقرة (آمن الرسول..) كل ليلة، فهي ستكفيك من كل شيء بإذن الله، وإن دخلتِ مكانا فقولي (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)، و(بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم)..
وانتبهت بهجة لنفسها فجأة قبل أن تقول مستدركة:
– المعذرة.. لقد أخذتني الحماسة وأنا أسرد عليك كل ذلك دفعة واحدة!!
فأجابتها سوسن وقد بدا أنها هدأت تماما:
– جزاك الله خيرا، فسأحفظها بالتأكيد إن شاء الله، بل إنني قد بدأت بحفظ بعض الآيات فعلا..
غير أن بهجة أخذت تبحث في جيوبها قائلة:
– أظن أنني أحمل بطاقة أذكار في جيبي.. انتظري لحظة، سأرى إن تركتها في المطبخ..
ما هي إلا لحظة أو لحظتين حتى عادت بهجة وفي يدها البطاقة:
– احتفظي بها، وحاولي الحفاظ على الأذكار دائما فهي حصن منيع بإذن الله يا ابنتي، حفظك الله..
فتناولتها منها سوسن شاكرة:
– جزاك الله خيرا…
واستدركت فجأة:
– كيف حال ابنتك؟
فتنهدت بهجة:
– آمل أن تكون بخير بعد أن تركت ذلك العمل، رغم انها أصبحت تعاني من اكتئاب واضح في الفترة الأخيرة… إنها فتاة مراهقة وعنيدة بالفعل.. لقد أفهمتها مرارا وتكرارا أن ذلك الشخص ما كان ليناسبها أو يسعدها أبدا، غير أنها لا تريد أن تفهم!! ولا زالت تفكر فيه!!! هداها الله.. لساني لا ينفك عن الدعاء لها ليلا ونهارا..
فزفرت سوسن بأسى:
– إنه الحب…
وإذ ذاك تذكرت كلمات نور:
” الحب جندي من جنود الله .. والله لا يحاسبنا على مشاعر لا حيلة لنا بها، وإنما يؤاخذنا على تصرفاتنا وردود أفعالنا التي منحنا فيها حرية الاختيار..”

***

أسرعت نور نحو مقبس الكهرباء لتشحن بطارية هاتفها، فور دخولها غرفة فندق المطار، والتي ستقضي فيها هي وعامر ليلتهما تلك، بعد أن أعلنت شركة الطيران تأجيل الرحلة إلى صباح اليوم التالي..
وبعد أن وضع عامر حقيبة يده الطبية قرب السرير؛ التفت إليها قائلا:
– ما رأيك بعشاء فاخر في مطعم الفندق؟ إنهم يقدمون مأكولات بحرية بطريقة مميزة حسبما قرأت..
غير أن نور- التي انشغل فكرها تماما بأمر سوسن- أجابته بعفوية، وهي تقوم بإعادة تشغيل هاتفها:
– يمكنك الذهاب وحدك إن أردت، فلستُ جائعــ….
لكنها بترت عبارتها مستدركة، وهي تضع الهاتف من يدها:
– شكرا لك.. يبدو عرضا مغريا..
فرمقها عامر بنظرات متفحصة، قبل أن يقول:
– ترغبين بمتابعة حديثك مع صديقتك.. أليس كذلك؟
شعرت نور برجفة خفيفة في جسدها إثر ملاحظته تلك، إذ ليس من الحكمة أن تُظهر ذلك لزوجها، وبكل ذلك الوضوح! فله عليها حق أيضا، ولا شك أنه كان يرغب بمرافقتها، ولم يكن يقصد الطعام بحد ذاته! ولكن ماذا عساها أن تفعل مع قلقها ذاك على سوسن!!
وقبل أن تفكر بطريقة مناسبة لإجابة عامر، بادرها بقوله:
– على كل حال لم يكن صوتك خافتا بما فيه الكفاية، وقد سمعتك تتحدثين عن الحب! فهل أنت واثقة من حسن تعاملك معه؟؟
فاحمرت وجنتا نور حياء- إنه اتهام صريح، فلا شك أنها برأيه آخر من يحق له الكلام في موضوع كهذا!!- فقالت مبررة لموقفها:
– لقد قلت لك إنها فكرة رائعة، فالعرض مغري فعلا!
فابتسم عامر:
– حسنا.. لا داعي لكل هذه المجاملات، فأنت تعرفين أنني لستُ جائعا أيضا، وكل ما في الأمر أنني ظننتها فكرة جميلة لنخرج معا، ولكن بما أنك ترغبين بالحديث مع صديقتك قبل أن نسافر إلى كوكب آخر…
فقاطعته نور بانفعال واضح:
– هذا يكفي أرجوك، فأنت تشعرني بالذنب بكلامك هذا، وسأرافقك إلى أي مكان تريده شئتَ أم أبيتَ…
فأفلتت ضحكة صغيرة من عامر قبل أن يقول:
– هل تقولين هذا من أعماق قلبك، أم لتبرئة ذمتك وحسب؟!!!
وقبل أن يفسح المجال لنور، تابع بلهجة أكثر جدية:
– لا عليك يا عزيزتي فقد أعفيتك، ولكن أخبري صديقتك أن الحب الحقيقي الدائم لا يمكن استمراره بغير “التقوى”.. فالخلة أعلى مراتب المحبة، ومع ذلك إن لم يتحلى الأخلاء بالتقوى، فسينقلب هذا إلى عداوة بلا شك، آجلا أم عاجلا، كما بين الله سبحانه وتعالى في قوله: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين)
وأضاف وهو يرمقها بنظرات ذات معنى:
– لذا.. في ظل شريعتنا، عندما يبحث الرجل الصالح التقي عن الزوجة الصالحة التقية، لا يبحث عنها لتكون شريكته في دنياه حتى مماته وحسب، بل ولتكون شريكته في الجنة إلى الأبد بإذن الله.. هذا هو الحب الحقيقي كما أفهمه..
سرت قشعريرة في جسد نور لسماع ذلك، فرددت بتأثر:
– اللهم اجعلنا من المتقين..
وإذ ذاك فاجأها عامر بقوله:
– من هذا المنطلق يا زوجتي العزيزة، قررتُ التنازل عن الوقت الذي كنت أنوي قضاءه معك، احتسابا لله، لعل كلامك مع صديقتك يكون سببا في…
وصمت قليلا قبل أن يتابع بابتسامة مرحة:
– زيادة حبك لي..
فتوردت وجنتا نور، وهي ترد عليه بابتسامة مماثلة:
– في هذه الحالة لن أنسى معروفك هذا أبدا، وسأعوضك عنه حتما..
فنظر إليها عامر:
– أهذا هو ردك! تعوضينني فقط!! بماذا؟؟؟
فأجابته نور:
– بالخروج في وقت آخر طبعا!
فضحك عامر بملء فيه معلقا:
– وكأنك لستِ من أصرّ قبل قليل على الخروج معي الآن شئتُ أم أبيت!!
عندها ردت عليه نور بانفعالها المعهود:
– كنت أظنك جادا في كلامك عن التنازل أيها الطبيب المحترم!!
غير أن عامر أجابها بلهجة لا تخلو من جدية:
– بالطبع جاد تماما، لكنني أحببت ممازحتك قليلا!! ثم إن طبيعة مهنتي تحتم عليّ مراعاة ظروف الآخرين، وسلامتهم النفسية، ولا شك أن صديقتك بحاجة للحديث معك الآن، فلا تتأخري عليها أكثر..
واستطرد بابتسامة مُحبة:
– أما التعويض.. فيكفيني أن تتذكري أمر اللوحة..
همّت نور بسؤاله عن أي لوحة يتحدث؛ لكنها أمسكت لسانها في اللحظة الأخيرة، وقد تذكرت موضوعها الذي يُفترض أن لا تنساه أبدا!! فاكتفت بابتسامة واثقة:
– بالتأكيد.. إن شاء الله..
فأردف عامر وهو يهم بالخروج من الغرفة:
– سأقوم ببعض الأبحاث على الشبكة، في قاعة الحاسبات…
وغمزها متابعا:
– يمكنك التحدث على راحتك الآن.. وفقك الله..
فابتسمت له نور بامتنان شديد:
– جزاك الله خيرا، وبالتوفيق لك أيضا..
وما أن خرج عامر حتى أصدر هاتفها نغمة استلام رسالة:
” اعذريني يا صديقتي العزيزة، فرغم أنني قرأت رسائلك بخصوص سفرك المفاجيء، ولا شك أنك مشغولة الآن، لكنني بحاجة ماسة لاستوضاح بعض الأمور منك، أرجو أن تتمكني من مهاتفتي قبل إقلاع طائرتك إلى خارج البلاد وجزاك الله خيرا”
وفورا.. ضغطت نور زر الاتصال، سائلة اهلن أن يلهمها الصواب، ويوفقها هي وصديقتها لما يحب ويرضى..

***

أخذت الخادمات في منزل سوسن يرقصن طربا، ويغنين فرحا بكلمات تعبر عن مقدار نشوتهن، إثر رؤية ذلك الخبر الذي انتظره جميع من في المنزل بفارغ الصبر..
حتى بهجة، أصبح اسمها عنوانا لوجهها تلك الليلة؛ رغم ما حل بها أوله!!
وأسرعت إحدى الخادمات لغرفة سوسن؛ لتزف إليها البشرى، غير أن بهجة استوقفتها بقولها:
– لقد دخلت الآنسة غرفتها للتو، ولا تريد إزعاجا الآن، خاصة وأنها تجري اتصالا هاما..
فارتسمت علامات خيبة أمل على وجه الخادمة بوضوح:
– ولكنه خبر هام أيضا! فهو يؤكد تلك المقولات حول ازدياد شعبية والدها في الجولة الانتخابية!! لقد حصد أكثر من نصف أصوات الناخبين في الفرز الأوّليّ، ولم يتبق لنا سوى انتظار إعلان النتيجة النهائية رسميا!!
وتابعت وهي تكاد تطير من الفرحة:
– هل تتخيلين معنى هذا يا كبيرة الخدم!! سنصبح مستخدمات لرئيس الوزراء مباشرة، يا لحظنا السعيد!!
فأومأت بهجة برأسها متفهمة:
– بالتأكيد أفهم هذا يا عزيزتي.. ولكن علينا احترام رغبة الآنسة سوسن، وسيكون بإمكانك اخبارها هذا في وقت لاحق..
وغمزتها باسمة:
– اطمئني.. سأحرص على أن تبلغيها هذه البشارة بنفسك!!
فهتفت الخادمة وهي تقفز بسعادة:
– شكرا لك.. لن أنسى لك هذا المعروف أبدا..
فيما تمتمت بهجة برضا:
– الحمد لله.. فالسيد كارم رجل طيب وكريم، ويستحق كل الخير فعلا..

***

في تلك اللحظة، و في مكان ما، في إحدى زوايا غرفة معتمة، تسلل ضوء القمر من شق النافذة، ليرسم ظلالا مخيفة لشخص غامض، بعد أن أغلق التلفاز الذي كان مصدر النور الوحيد في غرفته!
وبعصبية ظاهرة.. رمى من يده جهاز التحكم بالتلفاز، ليرتطم بطاولة صغيرة، كادت أن تبعثره إلى أجزاء متهشمة..
وبكل ما يعتمل في صدره من حقد وغضب، أطلق ضحكة ساخرة، رددت صداها أرجاء تلك الغرفة الشاحبة:
رئيس وزراء إذن!!!!!!!!!!
أنت تحلم أيها الوغد!!!
سأجعلك تذوق طعم الانتقام، بل وتتجرع مرارته بيدي هاتين، حتى تتمنى الموت ولا تجده!!!!
بل سأجعلك تمقت الساعة التي ولدتك فيها أمك!!!
وستجثو على ركبتيك أمامي، دون أن أرحم توسلاتك الذليلة أيها الحقير..
إضحك كما بدا لك الآن يا كارم.. فقد اقتربت لحظة الانتقام…

………
يتبع ان شاء الله
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم