المؤمن القوي 0

المؤمن القوي – ون شوت (على ثغرة)


عن السلسلة

“محمد” مدربٌ شاب، يفتتح مركزا للفنون القتالية، اطلق عليه اسم “المؤمن القوي”، ليكون أشبه بمدرسة تربوية مرشدة للفتية والناشئين، نحو السبيل القويم..

ومن هنا جاء اسم السلسلة؛ والتي ترافقون فيها بطلنا في مسيرته، من خلال قصص متنوعة، يواجه فيها مواقف مختلفة، افتتحناها بون شوت:”اليتيم”!

تأليف: زينب جلال
رسم: أكيرا عبد الرحمن
الشعار: نور عمر
تصميم الغلاف: ضياء ساما

التصنيف: دراما، مغامرات، أكشن

*ملاحظة: أول ظهور لشخصية البطل “محمد” كان في قصة “الرجل العظيم”

يمكنكم قرائتها عبر الرابط التالي:

https://nebrasmangaka.com/2023/06/the-great-man


almwmn alqwy-ghlaf

المؤمن القوي – ون شوت (يتيم)


عن السلسلة

“محمد” مدربٌ شاب، يفتتح مركزا للفنون القتالية، اطلق عليه اسم “المؤمن القوي”، ليكون أشبه بمدرسة تربوية مرشدة للفتية والناشئين، نحو السبيل القويم..

ومن هنا جاء اسم السلسلة؛ والتي ترافقون فيها بطلنا في مسيرته، من خلال قصص متنوعة، يواجه فيها مواقف مختلفة، افتتحناها بون شوت:”اليتيم”!

تأليف: زينب جلال
رسم: أكيرا عبد الرحمن
تحبير وإخراج: أحمد الهمالي
رسم الغلاف والشعار: نور عمر

التصنيف: دراما، مغامرات، أكشن

*ملاحظة: أول ظهور لشخصية البطل “محمد” كان في قصة “الرجل العظيم”

يمكنكم قرائتها عبر الرابط التالي:

https://nebrasmangaka.com/2023/06/the-great-man


sj_p00

العودة إلى الأرض


عن القصة:

سالي، أمجد ومايا..، في مغامرة لم تكن في الحسبان!
المحبة الصداقة والحنين، مشاعرٌ قد تحكم تصرفاتك حين تكون الأحداث على المحك..
ترى.. هل العودة إلى الأرض هي خيار متاح عندما يكون من تحب هناك في خطر؟!

وكيف ستتصرف لتنقذهم؟!!
مانجا بعمل مشترك من نتاج بذور فعاليات للرسم والتأليف.. وكبرت حتى تحولت لمانجا وشاركت في مسلبقة تيزوكا 2020 في اليابان


تأليف: ضياء ساما، Amina B
رسم: Amina B

التصنيف: خيال، مغامرات، فضاء، أكشن


شعار نبراس

عاطل عن العمل – الجزء الثالث

عن القصة:

سمير شاب عاطل عن العمل، يحاول جاهدًا الحصول على عملٍ دون جدوى..
حتى اكتشف في النهاية سر هام!!

التصنيف: علمي، مغامرات، كوميديا

كانت الصدمة لا تزال تحلق فوق رأس سمير، فهذه هي المرة الثانية التي يسيء فيها تقدير الموقف؛ بعد ظنه أنه فهم قانون “الشغل” جيداً، مما أعمى بصيرته عن التركيز في كلام المسؤول حول مسألة  “القدرة”!!

ورغم مرور أسبوعين على الحادثة؛ إلا أن ذلك المشهد لم يغب عن ناظريه!! فقد تعادل مع حمدان بالفعل في إنجاز الشغل المطلوب، لكنه لم يفطن لعامل “الزمن” الذي منح حمدان الأفضلية، لكونه الأقدر على إنجاز الشغل في زمن أقل!

وأخذ سمير يضغط على رأسه بيديه، وهو يتمتم بإحباط شديد:

– لو أنني فقط كنت أعرف ذلك.. لو أن أحدهم أخبرني فقط بأن القدرة تعتمد على الزمن بالاضافة للشغل!!

لكنه سرعان ما استعاد وازعه الديني، فاستغفر ربه مردداً:

– قدر الله وما شاء فعل، لعله خير..
وبدون تفكير؛ تناول هاتفه ليطلب رقم صديقه “الفيلسوف”- كما اعتاد أن يسميه- فربما يجد لديه ما يخرجه من حالة الصدمة، لكنه تراجع عن ذلك في اللحظة الأخيرة، فلم يكن مستعداً لسماع المزيد من نصائحه وخطبه العصماء! وهكذا.. قرر استئناف عمله المعتاد بتصفح الاعلانات؛ على أمل أن يجد إعلانا جديدا لم يسبق له رؤيته!!

وأخيراً.. حصلت المعجزة، بعد أن وقعت عيناه على إعلان لم يسمع عنه من قبل!!

 وفي غضون ثلاث ساعات فقط، وبلهفة الغريق الذي يبحث عن القشة؛ كان سمير يقف وجهاً لوجه أمام مدير العمل الجديد، والذي رمقه بنظرات متفحصة من رأسه حتى أخمص قدميه؛ قبل أن يقول:

– تقول أنك مستعد لإنجاز هذا “الشغل” بلا كلل أو ملل، فهل أنت واثق من هذا؟

فأجابه سمير بثقة مطلقة، وظهره مشدود تماما، في حين رفع رأسه لأعلى، تاركا يديه منسدلتين باستقامة تامة على جانبيه، في وقفة عسكرية مثالية، تثير الاعجاب:

– بكل تأكيد يا سيدي، فالملل بحد ذاته قد مل مني، ولن يكون مستعداً للمجيء معي إلى هنا أيضاً!

فربت المدير على كتفه بابتسامة ذات مغزى:

– يسعدني سماع هذا.. والآن اتبعني..

سار سمير خلف المدير بحماسة منقطعة النظير، إلى داخل المصنع الضخم، حتى توقف أمام أحد خطوط التعبئة والانتاج، فأشار المدير إلى عربة- تشبه عربات مناجم الفحم الواقفة على سكة حديد- موضحاً:

– الأمر ليس صعباً، ولكنه قد يكون مملاً فقط، فبعد أن تمتليء هذه العربة بالمواد الخام تلقائيا من الأعلى، عليك أن تربطها بإحدى حلقات عصا التحريك المتحركة، حيث ستتكفل العصا بإزاحتها إلى الامام، لأن مسار العربات عندنا ثابت على خلاف بقية المصانع، ثم ستظهر لك عربة أخرى، وهكذا.. أي أن كل ما عليك فعله هو ربط سلسلة كل عربة- بعد امتلائها طبعا- بحلقة من حلقات عصا التحريك، واحرص أن يكون الشغل المبذول أكبر ما يمكن..

وقبل أن يهم سمير بطرح أي استفسار، وهو يتأمل الحلقات المثبتة على عصا التحريك بشكل رأسي؛ كان المدير قد اختفى من أمامه كمن تبخر في الهواء!!

ورغم القلق الذي استبد بسمير من ذلك الاختفاء المفاجيء، الذي لم يتح له السؤال عما يدور بخلده؛ إلا أنه تماسك، وبدأ بمراجعة قانون “الشغل”، محدثاً نفسه بصوت مسموع:

– الشغل هو حاصل ضرب القوة في الازاحة، ولكن القوة هنا ستأتي من عصا التحريك، والتي بدورها ستزيح العربة للأمام!! فأي شغل هذا الذي سأبذله، بربط سلسلة العربة فقط بإحدى حلقات عصا التحريك؟!!

ولكنه سرعان ما تذكر موضوع “القدرة”، فأسرع يربط سلسلة العربة، بحلقة عصا التحريك العلوية، قائلا لنفسه:

– لن أهدر الوقت بالتفكير أكثر، فرغم أن المدير لم يذكر لي أي شيء عن “القدرة” التي تعتمد على الزمن، إلا أنني لن اسمح لنفسي بارتكاب أي خطأ هذه المرة..
ولم تكد عصا التحريك تبدأ بجر العربة، بعد أن أحكم سمير ربطها بالحلقة؛ حتى عمّت المكان أنوار حمراء ساطعة، مع دويّ حاد لصوت صافرة إنذار، حضر المدير على أثرها فوراً، كأنما ظهر من العدم أمام سمير ليخاطبه بلهجة حادة:

– أنت مفصول!

ورغم أن سمير بدا رابط الجأش بشكل غير مألوف، كمن اعتاد الصدمات أخيراً، إلا أنه دافع عن نفسه باستماتة:

– على الأقل أخبرني بالخطأ الذي ارتكبته، فقد ربطتُ سلسلة العربة بإحدى الحلقات كما أخبرتني..

فأجابه المدير بنفاد صبر:

– وتجرؤ على الكلام أيضاً بعد أن أخطأتَ في اختيار الحلقة المناسبة!!

حملق فيه سمير بذهول، قبل أن يقول باستنكار:

– أنتَ لم تحدد أي حلقة من حلقات عصا التحريك عليّ استخدامها في ربط سلسلة العربة، لذا هذا ليس ذنبي..

فرد عليه المدير بصرامة، وهو ينوي إنهاء الحديث:

– بل أخبرتك.. ألم أطلب منك أن يكون الشغل المبذول أكبر ما يمكن؟!

صمت سمير لوهلة، لكنه سرعان ما تساءل بنبرة لا تخلو من اهتمام واضح:

– عفوا سيدي، ولكن ما علاقة اختيار الحلقة بانتاج الشغل، أليس الشغل يعتمد على القوة والازاحة فقط؟

ورغم أن المدير كان غاضباً، لكن لهجة سمير المتلهفة للمعرفة، هدّأت أعصابه قليلا، إذ لم يكن ليكتم علماً عن طالبه، فأجابه موضحاً:

– هذا صحيح، الشغل يساوي حاصل ضرب القوة في الازاحة، ولكنه لن يكون أكبر ما يمكن؛ إلا أن كانت القوة المؤثر باتجاه الازاحة تماما، وإلا فإن جزء من هذه القوة سيضيع، مما سيقلل من قيمة الشغل، وكلما كانت المركبة الأخرى للقوة المتعامدة على الازاحة أكبر، كان إنجاز الشغل أقل!

لم يفهم سمير تماما ما الذي قصده المدير باتجاه القوة ومركباتها،  لكنه شكره بأدب وانسحب بهدوء، وما ان خرج من باب المصنع حتى رن هاتفه، فأجابه بنبرة آلية:

– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ماذا تريد؟

فأتاه صوت صديقه “الفيلسوف” من الجانب الآخر:

– ما هذه اللهجة الجافة يا صديقي، أريد الاطمئنان عليك.. هل وجدت عملاً؟

فرد عليه سمير:

– لم أعد مهتماً بالأمر بعد الآن!

فسمع شهقة صديقه المفزوع من هول ما سمع:

– سمير.. صديقي العزيز، لا تقل أنك استسلمت وسترضى بأن تبقى عاطلاً عن العمل إلى الأبد.. أرجوك أجبني.. أين أنت؟؟

فانفرجت شفتا سمير عن ابتسامة مريرة، وهو يطمئنه:

– لا تقلق.. الأمر ليس بهذا السوء الذي تتصوره.. كل ما في الأمر أنني..
والتقط سمير نفساً عميقا قبل أن يتابع:

– لقد قررت يا صديقي أن أدرس الفيزياء أولاً!

وهكذا توقف سمير عن “البحث عن عمل”، ليبدأ بـ “طلب العلم”، فالجاهل عدو نفسه كما تعلمون!

غير أنه بعد اسبوع واحد من هذا القرار؛ تلقى اتصالا من مدير المصنع، ليعرض عليه فرصة ذهبية، بقوله:

– إن عرفتَ أي حلقة كان عليك استخدامها في جر تلك العربة ولماذا، فسأقوم بتوظيفك حالاً، مع توفير دروس فيزياء خاصة لك، براتب موظف كامل.. فما رأيك؟

دمعت عينا سمير من الفرحة، فقد جاءه الفرج أخيراً، وكل ما عليه فعله الآن هو الاجابة عن سؤال المدير، فهل يمكنكم مساعدته؟؟

وتذكروا.. أنه بناء على إجابتكم سيتحدد مصير سمير، فأنتم من سيقرر إن كان سيظل “عاطلاً عن العمل” أم لا!

وهكذا نكون وصلنا إلى نهاية قصة “عاطل عن العمل”، مع أمنياتنا لكم بعمل مفيد، وعلم نافع، وقل رب زدني علما..

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

شعار نبراس

عاطل عن العمل – الجزء الثاني

عن القصة:

سمير شاب عاطل عن العمل، يحاول جاهدًا الحصول على عملٍ دون جدوى..
حتى اكتشف في النهاية سر هام!!

التصنيف: علمي، مغامرات، كوميديا

كان سمير لا يزال يتجرع مرارة ذلك الموقف الأليم، الذي لم يستطع نسيانه طوال الأشهر الماضية، فرغم الظلم الذي شعر به؛ إلا أنه استسلم مرغماً للقانون في النهاية، والأمرّ من هذا كله؛ أنه طولب بتقديم تعويض مجزٍ للمدير عن الإهانة التي وجهها له!

كانت تجربة مريرة بمعنى الكلمة، لكنه حاول أن يلملم شتات نفسه من جديد، فقد قرر أن يتغير للأفضل، ولن يجعل أي عقبة تعيقه عن تحقيق هدفه، خاصة بعد تلك المحادثة التي أجراها مع صديقه الفيلسوف -كما يحب أن يطلق عليه دائماً- والذي قال له مواسياً:

 – هذه ليست آخر الدنيا! احمد الله أنك لا تزال على قيد الحياة، ويمكنك المحاولة من جديد… لا يهم كم من “المسافة” قطعت؛ إذا لم تحقق “الازاحة” المطلوبة! تخيّل لو أنك انتقلت إلى عالم الآخرة، ثم اكتشفت أن كل الجهد الذي بذلته في الدنيا كان هباء منثورا.. كيف سيكون شعورك حينها؟؟ ألم تسمع عن الاخسرين أعمالا؟ (الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا!!)… لو كنت في ذلك الموقف (لا قدّر الله)؛ وقتها ستتمنى لو أنك قمت بإزاحة بسيطة على الأقل في حياتك (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز)! وعندها (لا قدر الله) يحق لك أن تبكي وتنتحب كما تشاء- رغم أن هذا لن يفيدك بشيء- إذ لن تكون هناك فرصة أخرى… أما الآن، فيمكنك البدء من جديد، ولا تنسَ أن أقصر طريق يوصلك لهدفك؛ هو الخط المستقيم!! لذلك كان طريق الجنة هو الصراط المستقيم! (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبع السبل فتفرق بكم عن سبيله).. تذكر هذا جيدا..

   حسنا… لم يكن هذا الصديق الفيلسوف؛ سيئاً في مواساته في النهاية، رغم أنه تمنى- مجرد أمنية- أن يجد له عملاً أيضاً؛ بدل الاكتفاء بإلقاء المواعظ!! ولكن لا بأس.. شيء أفضل من لا شيء!!

وهكذا.. استأنف سمير حياته من جديد، فتصفح اعلانات الوظائف كالعادة، حيث أصبحت هذه عادته؛ منذ أن التصقت به وصمة العار المستفزة “عاطل عن العمل!”

وبينما كان يحتسي فنجان من القهوة، وهو يطالع العناوين الرئيسية ببرود؛ لفته إعلان بالخط العريض:

 “وظيفة شاغرة براتب ممتاز جداً، للأقدر على القيام بالشغل المطلوب..”

شعر سمير بحماسة كبيرة لهذه الوظيفة، فبعد كل ما جرى له، سيكون الأقدر على تحمل عناء أي شغل، لا سيما وقد عرف القانون أخيراً! “قوةٌ في إزاحة”، هذا كل ما في الأمر! ولم يستغرق منه الأمر مزيداً من التفكير، إذ سرعان ما حسم أمره، وذهب إلى المقابلة فوراً ليصل في الوقت المحدد تماماً..

 كان هناك أربعة غيره يستعدون لدخول اختبار القبول، حيث قام المسؤول عن الاختبار بإعلان المهمة المطلوبة بقوله:

– ستدخلون الآن إلى هذه القاعة، حيث تجدون خمسة صناديق خشبية متشابهة في أحد جوانبها، والمطلوب من كل واحد منكم؛ أن يزيح أحد هذه الصناديق إلى أي مكان يختاره، والأقدر على انتاج هذا الشغل؛ سيتم ترشيحه للوظيفة فوراً..

 ابتسم سمير لنفسه:

– إنها خدعة الصناديق مرة أخرى.. من الجيد أنني مررت بتلك التجربة، فلن ألدغ من جحرٍ واحدٍ مرتين!

  وقبل أن يباشر الجميع المهمة، تساءل أحد المتقدمين قائلاً:

– ماذا إن حصل تعادل في انتاج الشغل؟

فأجاب المسؤول بثقة:

– الهدف من هذا الاختبار هو أن نوظّف الأقدر على انجاز الشغل المطلوب، فإذا تعادل اثنان في المركز الأول؛ فسيتم توظيفهما معاً على أن يكون الراتب بينهما مناصفة! والشيء نفسه سيتم تطبيقه في حالة تعادل ثلاثة أو حتى خمسة! في جميع الأحوال الراتب المخصص للمركز الأول؛ لن يتم تغييره!

 لم يجد سمير صعوبة في التعرف على منافسيه، فأحدهم كان طويلا بشكلٍ واضح، وكان يُدعى نخلة! ربما كان هذا لقباً اشتهر به وحسب، لكن سمير لم يهتم لذلك كثيراً! أما الثاني.. فقد كان قصيراً نوعاً ما، وكان يُدعى عُقلة، والثالث كان له من اسمه نصيب كبير، فقد بدا شاباً وسيماً جداً، وكان اسمه وسيم، أما الرابع- واسمه حمدان- فلم يكن به شيء مميّز!

دلف الجميع إلى القاعة، بعد أن اخبرهم المسؤول بآخر ملاحظاته:

– هناك كاميرات مراقبة سترصد تحركاتكم، ليكون التقييم عادلاً.. وسأعود إليكم قبيل أذان الظهر إن شاء الله، لأعلن لكم النتائج..

كانت القاعة دائرية الشكل، تبدو فارغة تماماً من الوهلة الأولى، فيما قبعت الصناديق في أحد جوانها إلى جانب الجدار!

وما أن خرج المسؤول وأغلق الباب خلفه، حتى هرع المتنافسون باتجاه الصناديق، وكل واحد منهم بدأ بإزاحة، صنوقٍ من مكانه! أما سمير فقد كتك ضحكة كادت أن تفلت منه، وقد ذكره منظرهم بما حدث معه في تلك الشركة!

ابتسم لنفسه بثقة:

– سأسلك أطول خط مستقيم يفصلني عن نقطة البداية، وبهذا فقط؛ سأحقق أكبر إزاحة ممكنة! وهذا يعني أنني سأزيح الصندوق بخطٍ مستقيم إلى الجهة المقابلة لهذا الجدار.. باختصار بما أن القاعة دائرية، فإن المسافة بين أي نقطة على هذا الجدار، والنقطة على الجدار الذي تقابله ستمثل قطر هذه القاعة، وهي أكبر إزاحة ممكنة في هذا المكان!

 كان سمير يشعر بالفخر الشديد والثقة العالية بنفسه لهذا التحليل الذكي، خاصة وهو يرى “نخلة” يحرك صندوقه باتجاه اليمين ملاصقا للجدار، وخمن أنه ينوي السير بمحاذاة جدار القاعة ليسلك مسار محيط الدائرة حتى يعود إلى نقطة البداية، فيما كان عقلة، يفعل مثله ولكن باتجاه اليسار! أما وسيم فقد كان يسلك طريقا عشوائيا داخل القاعة! لقد ذكّره بنفسه سابقاً بشكل كبير! ورغم أن سمير شعر بالشفقة عليهم، لكنه اقنع نفسه:

– هذه منافسة بيننا، وسأكتفي بالتركيز على هدفي.. لقد آن الأوان كي أتصرف بذكاء هذه المرة، فالقانون لا يحمي المغفلين..

وأخيراً بدأ سمير بإزاحة صندوقه، باتجاه النقطة المقابلة من الجدار، ليجد حمدان أمامه وهو يسير بذلك الاتجاه..

ورغم الارتباك الذي شعر به سمير من الوهلة الأولى، لكنه طمأن نفسه قائلاً:

– لا بأس.. حتى ولو فطن إلى الحيلة، وفهم القانون مثلي، فيمكننا أن نتعادل في انجاز هذا الشغل.. ستكون مناصفة الراتب بيننا نحن الاثنين؛ فكرة لا بأس بها..

 وكتم ضحكة صغيرة كادت تفلت منه، وهو يتخيل خيبة أمل حمدان، الذي ربما يظن نفسه الوحيد الذي فطن إلى هذا الأمر!

لكن صدره انقبض قليلاً، إثر فكرة أخرى خطرت بباله..

 ماذا لو انتبه الجميع إلى هذه الخطة! هذا يعني أن الراتب سيصبح زهيداً جداً في النهاية!! من الأفضل أن يتظاهر بأنه سيذهب إلى مكان آخر، حتى لا يثير انتباه الآخرين إلى ذلك المكان أيضا! أو ربما يتلكأ قليلاً في الحركة، فإنجاز الشغل يعتمد فقط على القوة والازاحة، وبما أن الصناديق متطابقة تماماً؛ فقوة دفعها ستكون واحدة، وهذا يعني أن العامل الوحيد الذي سيؤثر في مقدار الشغل المُنجز- في هذه الحالة- هو الازاحة فقط!

اطمأن سمير لهذه الفكرة، لا يزال أمامه متسع من الوقت قبل أذان الظهر، لكنه سرعان ما تذكر قصة الأرنب والسلحفاة، وخشي أن تغفو عينه فيفوته الفوز في النهاية، وهكذا بدأ بالتحرك باتجاه الهدف، فيما كان حمدان قد اقترب فعلاً من تلك النقطة..
   وأخيراً.. حانت اللحظة الحاسمة، ودخل المسؤول إلى القاعة في الوقت المحدد تماماً..

كان سمير يقف إلى جانب حمدان مع صندوقيهما، في الجهة المقابلة لنقطة البداية، أما عقلة ونخلة فقد عادا إلى نقطة البداية؛ بعد أن سلكا مسار محيط القاعة الدائرية بأكمله! في حين كان وسيم؛ يقف مع صندوقه في وسط القاعة!

 ورغم الشفقة الكبيرة التي شعر بها سمير تجاه الثلاثة، إلا أنه كان سعيداً جداً لانجازه هذا الشغل على أكمل وجه، لم يتبق عليه سوى الاستماع لاسمه واستلام وظيفته..
   ولكن.. ويا للصدمة، نطق المسؤول باسم الفائز قائلاً:

– حمدان.. تفضل معي لمقابلة المدير واستلام وظيفتك!

تعالت أصوات الاحتجاج في القاعة، فقد اعترض نخلة وعقلة على النتيجة، ووصفوها بالظلم الكبير، إذ أنهما لم يستريحا ولو للحظة واحدة، حتى يسلكا أطول مسافة ممكنة! فيما بقي وسيم صامتاً، أما سمير فقد ارتسم الذهول على وجهه بشكل واضح:

– لماذا!!! ألستُ متعادلاً مع حمدان!!! ألم يبذل كلانا الشغل نفسه!!
وبينما حاول المسؤول شرح قانون الشغل لعقلة ونخلة، استعاد سمير ثقته بنفسه، فاتجه نحو المسؤول بحزم قائلاً:

– اسمعني أيها المسؤول.. إنني أعرف جيداً هذا القانون، بل لقد حفظته عن ظهر غيب! فهل تنكر أنني تعادلتُ مع حمدان في انجاز هذا الشغل؟؟ ألا يعتمد الشغل على القوة والازاحة فقط! وبتساوي أوزان الصناديق، مما يعني أن قوة دفعها في النهاية ستكون واحدة، فهذا يعني أن الازاحة هي التي ستحكمنا في هذه الحالة.. وبما أنني وحمدان قطعنا الازاحة نفسها، فهذا يعني أننا متعادلين في الشغل!

كان المسؤول يستمع لسمير بهدوء، حتى إذا ما أنهى كلامه، أجابه بقوله:

– أولاً قوة دفع كل واحد منكم للصندوق لا تعتمد على وزن الصندوق! فوزن الصندوق متجهاً للأسفل باتجاه مركز الأرض، وأنت تدفع الصندوق باتجاه افقي- أي عامودي على اتجاه وزنه- وهذا يعني أن قوة وزن الصندوق لا تنتج شغلاً أبداً في الاتجاه الأفقي (سيكون هذا صحيحاً لو أنكم ترفعون الصناديق إلى أعلى)، بالطبع يؤثر وزن الصندوق على قوة الاحتكاك المعاكسة لقوة الدفع الأفقية، لكن بشكل عام لا يمكننا اعتبارها تؤثر في انجاز شغل افقي، خاصة لو تجاهلنا قضية الاحتكاك!.. ومع ذلك يمكننا تجاهل هذه القضية بأكملها في الوقت الحالي، ويمكننا القول مجازاً؛ أن قوة دفعكم للصندوق كانت متساوية، في هذه الحالة..  أجل كلامك صحيح.. أنتما متعادلين في انجاز هذا الشغل!

كاد سمير أن يفقد صوابه مما سمعه، ورغم أنه لم يفهم ما قصده المسؤول بالاتجاه العمودي والافقي، والاعلى والاسفل والاحتكاك،.. الخ؛ لكنه تشبث بقشة الأمل الأخيرة (يمكننا تجاهل هذا كله)! فقال بحزم:

– ما دمت تعترف بأنني وحامد أنجزنا الشغل نفسه؛ فلماذا اخترتموه وحده إذن؟

فقال المسؤول بهدوء:

– صحيح أنكما بذلتما الشغل نفسه، على افتراض أن قوة دفعكما كانت متساوية، لكن الاختبار كان لاختيار “الأقدر” على انجاز هذا الشغل.. وللأسف يا أخي، هناك عامل هام آخر يدخل في حساب القدرة (غير القوة والازاحة)، ويبدو أنك أهملته تماماً، رغم أهميته الكبيرة!!

**
ترى.. ما هو ذلك العامل الهام؟

**

شعار نبراس

عاطل عن العمل – الجزء الأول

عن القصة:

سمير شاب عاطل عن العمل، يحاول جاهدًا الحصول على عملٍ دون جدوى..
حتى اكتشف في النهاية سر هام!!

التصنيف: علمي، مغامرات، كوميديا

مضت نصف ساعة بالتمام والكمال؛ وسمير مرابط أمام مكتب مدير أكبر الشركات في مدينته! كان شاباً يافعاً قرر تغيير حياته للأفضل، لعله يتخلص من اللقب الذي التصق به كوصمة عار لا تفارقه “عاطل عن العمل!”

مرت نصف ساعة أخرى، وسمير لا يزال مصراً على موقفه، وهو يخاطب السكرتير بصرامة:

– لن أغادر هذا المكان قبل أن أحصل على “شغل”!

وأمام عناده المستميت، وجد نفسه وجهاً لوجه أخيراً؛ أمام مدير الشركة!

كان رجلاً في الخمسين من عمره، لا تشي ملامحه بأي شيء على الاطلاق!

لم يكترث سمير لمظهره كثيراً؛ بل أسرع يعرض هدفه بحماسة:

– أريدك أن تجد لي “شغلاً” هنا، أي “شغل”.. أي “شغل” من فضلك!

تفحصه المدير باهتمام؛ قبل أن يحرك شفتيه بصوتٍ لا يكاد يُسمع:

– لا توجد لدينا وظائف شاغرة..

غير أن سمير أعاد طلبه باستماتة، وكأنه لم يسمع ما قيل:

– أقول لك من فضلك أي “شغل”.. أي “شغل” يخطر ببالك، أو لا يخطر ببالك، وسأكون على استعداد تام للقيام به.. أرجوك.. أريد أن أصبح مشغولاً، ولو لمرة واحدة في حياتي!

لاذ المدير بالصمت لوهلة، قبل أن ينهض من مكانه، مشيراً لسمير كي يتبعه..

قطع المدير الممر الطويل، وصعد الدرج، متجهاً نحو غرفة في الطابق العلوي، فيما تبعه سمير بهدوء تام، رغم أن الشكوك كادت أن تقتله! إلى أين سيأخذه المدير يا ترى!! ولماذا هو صامت هكذا!! لكنه خشي أن ينبس بكلمة تفقده أي عمل محتمل!!

 فتح المدير باب الغرفة بمفتاح خاص في جيبه، ليُفاجأ سمير ببَهوٍ واسع جداً، خالٍ من أي شيء يُذكر، إلا من مجموعة صناديق مكومة فوق بعضها البعض، في أحد زوايا ذلك البهو!!

 التفت المدير نحو سمير، مستفهماً:

– قلتَ بأنك تريد أي “شغل” لتقوم به، أليس كذلك؟

أومأ سمير رأسه بذهول:

– أجل..

فتابع المدير كلامه بابتسامة غريبة:

– حسنا.. عليك أن تزيح هذه الصناديق من مكانها، وسأعطيك ثمانية ساعات كاملة للقيام بهذه المهمة، وإذا عدتُ ولم أجدك قد قمت بهذا الشغل، فلا ترني وجهك مرة أخرى.. أما إن نجحت فيها… فاعتبر نفسك موظفاً في المنصب الذي تختاره، منذ صباح اليوم التالي! أما راتبك؛ فسيكون بمقدار “الشغل” الذي بذلته..

وقبل أن ينطق سمير بحرف واحد؛ كان المدير قد اختفى!!

 لم يبرح سمير مكانه لبرهة! هل حقاً حصل على “شغل”!!

غير أن الشكوك سرعان ما نهشت عقله:

– لا بد أن في الأمر خدعة ما!

واستدرك فجأة:

– ولكن إلى أين سأزيح الصناديق!! لم يخبرني المدير بالأمر!! ثم لماذا سأحتاج ثمانية ساعات للقيام بمهمة كهذه!!!

لكنه قرر الاستسلام للواقع، فسيبدأ بإزاحة الصناديق كما قال المدير، ثم ليكن ما يكون…
   لم يستطع سمير في البداية مقاومة فضوله، وهو يتساءل عن محتوى هذه الصناديق الخشبية، فقد بدت ثقيلة الوزن، لكنه حدث نفسه محفزاً:

– قد يكون هذا جزء من الاختبار، ربما يريد المدير التأكد من أمانتي.. لذا عليّ تنفيذ مهمتي فقط..

مضت الساعة الأولى؛ وسمير مستغرق تماما في إزاحة الصناديق من مكانها بحماسة، لم يكن الأمر سيئاً في النهاية..

وبعد الساعة الثانية؛ كان قد كومها فوق بعضها في مكان آخر، من البهو الواسع..

ولم يكد يلتقط أنفاسه من جديد، حتى وجد أنه لا يزال أمامه أكثر من خمس ساعات قبل عودة المدير، وبدأ الفضول حول محتوى الصناديق يراوده من جديد، فقرر إشغال نفسه بإزاحة الصناديق مرة أخرى، فربما لم يكن هذا هو المكان الأفضل، الذي يرضي المدير!
وهكذا انقضت الساعة الثالثة والرابعة؛ مثل الساعتين الأولى والثانية..

حتى سمع صوت الأذان، لا بد أنه وقت صلاة الظهر..

فكر مليا.. كيف فاته سؤال المدير عن أمر هام كهذا!! أين الحمام؟ حتى وإن كان على وضوء، فأين القبلة!!! ثم هل سيفوته أجر الجماعة، ويصلي منفرداً!! غير أن الهواجس سرعان ما تبخرت من عقله، إثر استماعه لجلبة في الخارج، تلاه صوت طرق على الباب..

 أطل عليه السكرتير مبتسماً:

– مصلى الشركة في آخر هذا الممر، ستقام الصلاة بعد قليل، يمكنك المجيء للصلاة معنا جماعة- إذا أحببت- قبل أن تتابع شغلك..

  الجملة الأخيرة، كانت أكثر ما علق بذهن سمير.. “أتابع شغلي!!”، هذا يعني أنه من المفترض أن الشغل لم ينتهي بعد!! ترى هل إزاحتي للصناديق بهذا الشكل؛ غير كاف!! وهمّ بالاستفسار من السكرتير أكثر، لكنه خشيَ أن يؤثر هذا على تقييمه!

ما أن قُضيت الصلاة، التي لم يستطع سمير الخشوع في أي ركعة منها كما يجب؛ حتى هرع مباشرة إلى البهو، وقد تذكر تلك العبارة الجوهرية “سيكون راتبك بمقدار الشغل الذي بذلته”! لا يزال أمامه متسع من الوقت لبذل شغل أكبر! لا وقت للراحة الآن، كلها ساعات معدودة؛ ويحصل على وظيفة الأحلام الوردية!! كانت هذه الأفكار تداعب مشاعر سمير طوال الساعات المتبقية، وهو يزيح الصناديق من مكان إلى مكان، بهمة ونشاط..

وأخيراً، قَضيت الساعات الثمانية، ودخل المدير إلى البهو في الوقت المحدد تماماً، فيما ارتسمت نشوة الانتصار على وجه سمير، الذي كان يتقاطر عرقاً..

لقد فعلتها!!

غير أن المدير رمقه بنظرة ذات معنى، قائلاً بهدوء:

– كما اتفقنا… لا ترني وجهك مرة أخرى!!!

لم يستطع سمير تمالك نفسه من هول الصدمة، فصرخ بفزع:

– مستحيل!!! ما الذي تقوله يا رجل!! لم أبذل في حياتي كلها شغلاً؛ كما بذلته اليوم!! لا شك أنك تمزح…. بل إنها مزحة سخيفة لا يمكنني احتمالها أبداً..

  وعلى صوت تلك الجلبة، هرع السكرتير برفقة عدد من الرجال نحو البهو، ليجدوا سمير في حالة هيجان لا تصدق! لقد وصل به الحال أن أمسك بتلابيب ثوب المدير، ليهزه بشدة في حالة من الهيستيريا!!!!!

 لم يدر سمير ما الذي جرى بعد ذلك، فقد كانت الصدمة أقوى من أن تحتملها ذاكرته، حتى وجد نفسه أخيراً في قاعة المحكمة!

انتبه على صوت مطرقة القاضي..

– هيا تكلم… قل ما لديك..

وبدون تردد؛ وجد سمير نفسه يسرد كل ما حدث معه منذ البداية، وختم حكايته المؤثرة بقوله:

– أبعد ثماني ساعات من الشغل المتواصل، يأتي هذا الرجل ليتبجح بقوله أنني لم أبذل شغلاً!! أي عقلٍ يصدق هذا الهراء!!

ورغم أن المدير لم يكذّب شهادة السكرتير- الذي اعترف بأنه رأى الصناديق مزاحة إلى مكان مختلف، عندما جاء لينبه سمير بخصوص وقت الصلاة- إلا أنه أصرّ على موقفه قائلاً:

– بعد ثمانية ساعات كاملة، عدتُ لأرى الصناديق في مكانها الذي تركته.. وهذا يعني أن المدعو سمير؛ لم يبذل أي شغل في النهاية!

كاد سمير أن ينقض على المدير ليقطعه إرباً إرباً، لولا أن أمسك به الرجال، ليمنعوه من الحركة، فيما وجّه القاضي كلامه لسمير الهائج:

– هل صحيح أن المدير عندما عاد، وجد الصناديق في مكانها الأول؟

لم يستطع سمير إنكار ذلك، لكنه قال بانفعال:

– ربما أعدتُ الصناديق إلى مكانها الأول دون قصد، ولكن هذا لا يعني أنني لم أبذل شغلاً!! لقد استنفذتُ قوتي كلها، وآثار الصناديق على أرضيه البهو؛ تشهد أنها لم تترك شبراً واحداً إلا ومرّت به، ثم يأتي هذا المعتوه ليقول؛ أنني لم أبذل شغلاً في النهاية!! هذا ظلم… ظلــم.. ظلــــــــــم…

تنهد القاضي قبل أن يطرق بمطرقته من جديد، معلناً بحزم:

– بحسب قانون الشغل المعروف، فإن….

وخيّم السكون على القاعة بترقبٍ لاستماع حكم القاضي الفاصل،  ترى.. ماذا كان الحكم؟

وكيف ستتصرفون لو كنتم مكان القاضي؟

وما هو رأيكم بهذه القضية بشكل عام؟؟

عاطل-عن-العمل

عاطل عن العمل

عن القصة:

سمير شاب عاطل عن العمل، يحاول جاهدًا الحصول على عملٍ دون جدوى..
حتى اكتشف في النهاية سر هام!!

التصنيف: علمي، مغامرات، كوميديا

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

عاطل عن العمل!!

قصة علمية قصيرة من ثلاثة أجزاء تفاعلية، توضح مفاهيم فيزيائية (الشغل، والقدرة، والمتجهات)

الفرحة دانية

الفرحة دانية


عن السلسلة

فتاة وحيدة تعاني من الحزن والكآبة بعد وفاة أبويها، تراقب الناس من نافذتها و تفكر بحلولٍ قد لاتكون هي الصحيحة، و لا تعلم أن الحلّ قريبٌ منها… فماذا سيكون؟
وهل ستخرج من العزلة بمفردها أم ستحتاج لمساعدة أحد؟

تأليف: رغد النابلسي
رسم: أكيرا عبد الرحمن
تلوين وإخراج: شو
الشعار: نور عمر

التصنيف: شريحة من الحياة، خيال


موعد-مع-المغامرة-سر-الآلة-رقم-11

سر الآلة رقم 11

عن القصة:

أن ينسى الإنسان محفظة نقوده أو يصاب بالإفلاس لأي سبب؛ لهو شعور مزعج حقًا ويسبب الضيق بلا شك!
ولكن بالنسبة لنجمة فالأمر مختلف! فهذا على رأيها يعني ببساطة أننا على “موعد مع المغامرة”!..
فما هي طبيعة هذه المغامرات التي تخوضها نجمة، وما سر الآلة رقم 11؟!

التصنيف: شريحة من الحياة، مغامرات

قالت هبة:

– لم تخبريني بعد عن الكيفية التي عدتم بها إلى المنزل ذلك اليوم؛ دون صرف الدينار الثاني؟

فغمزتها نجمة باسمة:

– لقد اعتمدنا بشكل رئيس على الآلة رقم 11!

فعلقت هبة:

– أنا اتحدث بجدية يا نجمة!

فردت نجمة بتبرة مشابهة:

– وأنا أتحدث بجدية أيضا، لقد استخدمنا الآلة نفسها التي استخدمها خالي في الماضي!

قطبت هبة بين حاجبيها بتساؤل واضح، في حين بادرتها نجمة بضحكة مرحة:

– دعيني اخبرك عن قصة هذه الآلة أولاً، وعندها ستعلمين بأنني لا أمزح!

***

عندما كنتُ صغيرة، كنا نقضي معظم إجازة الصيف في بيت جدتي رحمها الله، حيث يعتبر منزلها من أوائل المنازل التي بنيت في منطقة خلاء فسيحة، بعد أن قررتْ الابتعاد عن ضوضاء المدينة، لذا كنا نقضي الوقت باللعب فوق الصخور، ومراقبة الاغنام، والقيام بالعديد من المغامرات الممتعة، التي تنتهي عادة بخدوش أو جراح مؤلمة، وملابس ممزقة!

غير أن أكبر أمنياتنا التي لم تتحقق هي مرافقة خالي في مغامراته الخاصة! إذ كنا نستمع لحكاياته بانبهار شديد، والذي يبدأ عادة بجواب على سؤال بسيط:

– خالي، لماذا تستخدم هذه العصا؟

وهنا تبدأ الحكاية!! كان ماهرا بحكاية القصص، بإخراج مسرحي يحبس الانفاس، ولا زلتُ أذكر حتى الآن ما أخبرنا به من مواجهة الكلاب الشرسة، التي كانت تطارده إثناء ذهابه لصلاة الفجر!! فالمنطقة غير مؤهولة، والطريق للمسجد بعيد، وحتى يختصر الطريق كان بسير عبر الجبل المليء بالاشواك بحذر شديد!!

كنا نتمنى أن نتمكن من المشاركة في مغامرة صلاة الفجر المثيرة!!

وذات يوم، ورغم أنني نسيت التفاصيل، لكنني لا زلتُ أذكر لهفتنا الشديدة لمعرفة كيف عاد خالي إلى المنزل ذلك اليوم! لقد قال لنا بثقة بعد أن باءت محاولات تخميننا بالفشل:

– لقد استخدمت الآلة رقم 11!

وهنا بدأت الحماسة تشتعل من جديد، وبفضول الأطفال وخيالهم الواسع بدأت الأسئلة تنهمر على خالي بغزارة:

– أين هذه الآلة؟

– أرنا إياها يا خالي أرجوك!

– كيف شكلها؟

– من أين حصلت عليها؟

– هل يمكننا استعمالها نحن أيضا؟

وبعد معاناة شديدة، قُتل فيها الفضول بداخلنا قتلاً؛ أجابنا خالي باسما وهو يشير إلى ساقيه:

– هاتين الساقين هما أفضل آلة أنعم الله بها علينا، ألا تشبهان الرقم 11؟

وهنا عرفنا سر الآلة رقم 11 أخيراً، ولا زلتُ أقدّر استعمالها بشدة، حتى هذه اللحظة!

***

ضحكت هبة بعد أن انهت نجمة سرد ذكرياتها، قائلة:

– يا لهذه الآلة العجيبة، لقد شوقتيني لاستخدامها أيضاً..

لكنها هتفت فجأة:

– هل هذا يعني أنكم عدتم في ذلك اليوم مشيا إلى المنزل من المكتبة العامة؟؟ مستحيل فالمكان بعيد جدا!!

فابتسمت نجمة:

– لم يكن الأمر كذلك بالضبط، فبعد خروجنا من المكتبة العامة، سلكنا الطريق الذي اكتشفته في مغامرة سابقة تشبه قصة ليلى والذئب! كان الطريق يؤدي إلى “وسط البلد”، وهناك ركبنا حافلة مجانية، اكتشفتُ وجودها في وقت سابق، بكونها تابعة للأمانة العامة! وهكذا نزلنا عند أقرب نقطة قد توصلنا إلى المنزل، على أمل أن نعثر على سيارة أجرة، لتصعد بنا الطريق الجبلي!! وبالطبع كنا سعداء جدا، لأن صعود الطريق الجبلي في سيارة الأجرة لن يكلفنا أكثر من دينار واحد بالعادة، وهكذا ضمنا طريق العودة!!

لكن انتظارنا طال جدا، حتى ازداد ظلام الليل، دون أن تظهر أمامنا سيارة أجرة فارغة!! وهنا اقترحت أختى صعود الدرج الذي لم أكن أعلم عن وجوده سابقا، لكنها أكدت لي:

– أذكر أنني نزلته مع أمي قبل مدة، إنه يختصر الطريق كثيرا!

وبالطبع، ما دمنا قد قررنا أن نفقد الأمل بالعثور على سيارة أجرة؛ فلم يكن أمامنا بد من الذهاب مشيا إلى المنزل، وسيكون الدرج المختصر هو الحل المثالي بلا شك، بدل السير على الطريق الممهد للسيارات، والملتف حول الجبل صعودا إلى قمته!

لا أنكر أنني تحمستُ للفكرة في البداية، فلم أكن قد سمعتُ عن هذا الدرج من قبل، لا سيما وأنه كان شبه مخفي بين البيوت، كما أنه لم يكن عريضا بما فيه الكفاية لتتم ملاحظته بوضوح!

صعدنا الشارع شديد الانحدار بالبداية ونحن نلتقط انفاسنا بصعوبة؛ حتى وصلنا إلى بداية الدرج! ولأن الظلام قد حل، فلم نتمكن من رؤية نهايته، رغم أننا شاهدنا ما يشبه الجدار على مد البصر أمامنا، وقد خمنتُ في البداية أنه سيكون نهاية الدرج الذي سيوصلنا للشارع العلوي!! كانت البيوت على جانبي الدرج مظلمة، حتى شككتُ أن هناك من يسكنها من الانس!! ومما زاد من شكوكي هو رؤيتنا لبيت مهجور قد تهدمت جدرانه على الجانب الايمن من الدرج!! كان الجو يصلح بشكل مثالي لإخراج قصة رعب من الدرجة الأولى! استعذنا بالله من الشيطان الرجيم، وتأكدنا من قراءة اذكار المساء مرة أخرى، وتابعنا الصعود، حتى لاح أمامنا الجدار الأبيض بشكل واضح!! كدت اصرخ:

– لا تقولي أن الطريق مسدود بعد هذا كله؟!! هل أنت متأكدة من أنه الدرج نفسه الذي نزلتيه مع أمي؟ إنه يقطع الانفاس!

فدافعت أختي عن نفسها بحدة:

– بالفعل نزلناه، ولكن حدث هذا من فترة طويلة، ربما أجروا بعض التعديلات عليه!! ثم إن نزول الدرج ليس كصعوده، عليك أن تعلمي هذا بالبديهة!!

كادت الحيرة أن تقتلنا! هل نتايع صعود هذا الدرج المتعب حتى نتأكد بأنفسنا إن كان الطريق مسدودا أم لا؟ أم ننزل الدرج بعد أن قطعنا شوطا كبير فيه، لنسلك طريق السيارات الطويل الملتف!!!

ومن لطف الله بنا، أن شاهدنا امرأة بشرية تنشر الغسيل على سطح احد البيوت في الجانب الأيسر من الدرج، فألقينا عليها التحية بصوت عال، قبل أن نسألها:

– هل هذا الدرج يؤدي إلى الشارع العلوي؟

فطمأنتنا السيدة بإجابتها التي شجعتنا على المتابعة..

الحمد لله، هناك بشر هنا على الأٌقل!!

وصلنا الجدار الأبيض أخيرا بشق الأنفس، فإذا به فتحة مواربة تؤدي إلى بقية الدرجات الصاعدة للأعلى، ويا للهول!! اكتشفنا أننا لم نصعد سوى نصف الدرج فقط!!! يبدو أن الجدار تم بناؤه حتى يُخفي هذه الحقيقة المرة عن الصاعدين، فلا يصيبهم الاحباط من طول الدرج في البداية!!!

شعرتُ بصداع في رأسي، وكأن فرق الضغط الجوي بدأ يؤثر بي (أو هذا ما توهمته في تلك اللحظة، فنحن لا نصعد جبال الهملايا على أية حال!!) أما أختى فقد قررت الجلوس:

– لا يمكنني المتابعة، أكاد أموت من التعب!

ورغم صداع رأسي، لكنني بقيت صامدة باستماتة شديدة:

– ماذا!! هل سنجلس هنا في هذا المكان الموحش! نحن لا نعرف هذه المنطقة، ولا نعرف من قد يخرج لنا من هذه البيوت!! أو من سيفاجئنا على هذا الدرج، والظلام قد اصبح حالكا أكثر!!

غير أن أختي بدت غير مبالية أبداً بكل ما سمعته! ولستُ ألومها، فقد كانت تساعدني في حمل الكتاب الضخم الذي استعرته من المكتبة، ومن واجبي أن أحرص على راحتها، خاصة وأن الخدمة التي تقدمها لي الآن لا تقدر بثمن!!

ومع ذلك.. قررتُ متابعة الصعود على أمل أن تلحق بي، ولعلي اطمئن قليلا برؤية أنوار الشارع! وبينما أنا كذلك، إذ سمعتُ صوت شاب خلفي!

يا إلهي!! ما الذي تفعله أختي! لقد أصبحنا بعيديتن عن بعضنا البعض! ربما كان علي الانتظار إلى جانبها؟ لكنني لم أتوقع أن تبقى جالسة حتى الآن! أرجو أن لا يكون هذا الشاب شريرا، وإلا فالله وحده يعلم ما الذي قد يحل بنا!

حبستُ أنفاسي قليلا، وبدا الشاب مشغولا بالحديث في هاتفه، ولا أظنه انتبه لوجودنا أصلا، الحمد لله هذا أفضل!

توقفت قليلا حتى لحقتني أختى، دون أن يخفى علينا ملاحظة رشاقة الشاب في صعود الدرج ما شاء الله، وكأنه يقفز في الهواء، حتى وصل الشارع قبلنا!! يبدو أن الآلة رقم 11 الخاصة بنا تعاني من بعض الصدأ، وتحتاج لمزيد من التمرين!!

وصلنا الشارع أخيرا والحمد لله، ولكن.. تبين لي أننا لم نقطع سوى ربع الطريق نحو المنزل!! لقد خيّل لي من طول الدرج بأننا إذا وصنا نهايته فسنكون أمام شارع منزلنا!! ولكن الحمد لله، اصبحت الشوارع أمامنا الآن أقل انحدار، وأكثر إيناسا بأنوارها الساطعة، فتابعنا المشي بهدوء!!

كانت تلك هي المرة الأولى التي اعود فيها للمنزل مشيا من هذا الطريق! وبلا شك؛ كانت فرصة مناسبة للرد على تحدي أختي التي قالت لي ذات مرة أن المجيء من هذا الطريق أقرب لمنزلنا من الطريق الطويلة الأخرى!

لا أظنها الآن ستصر على قولها بأن هذا الطريق أفضل!

******

تنفست نجمة الصعداء وهي تنهي قصتها، فيما قالت هبة:

– الحمد لله على سلامتكم!

وابتسمت متابعة:

– لا شك أن أنفاسك تقطعت مرة أخرى وأنت تستشعرين صعود الدرج، لذا سأدعك تستريحين الآن، قبل أن أسألك عن مغامرتك السابقة وعلاقتها بقصة ليلى والذئب؟

فضحكت نجمة:

– يا لك من صديقة كريمة، وهكذا يمكن لنجمة أن تأخذ استراحة من سرد مغامراتها العظيمة!

غير أن هبة استدركت قائلة:

– لحظة لحظة، هل هذا الباص المجاني التابع للأمانة حقيقي؟

فأومأت نجمة برأسها مؤكدة:

– وهل تظنيني انسج قصصا من وحي الخيال! هناك الكثير من الاشياء التي نجهلها عن مدينتنا، حتى متحف القلعة، دخلته مجانا!

فهتفت هبة بحماسة:

– تقصدين تلك المتعلقة بغامرة “جبل القلعة”؟

فتنهدت نجمة منهية الحديث بابتسامة:

– لقد تشعبنا بعد أن كنتُ على وشك الراحة، وهكذا حان لنجمة أن تأخذ استراحة..

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك..

وصل اللهم على سيدنا محمد و على آله وصحبه و سلم

_________________

_______تمت_______