عن القصة:
سمير شاب عاطل عن العمل، يحاول جاهدًا الحصول على عملٍ دون جدوى..
حتى اكتشف في النهاية سر هام!!
التصنيف: علمي، مغامرات، كوميديا
مضت نصف ساعة بالتمام والكمال؛ وسمير مرابط أمام مكتب مدير أكبر الشركات في مدينته! كان شاباً يافعاً قرر تغيير حياته للأفضل، لعله يتخلص من اللقب الذي التصق به كوصمة عار لا تفارقه “عاطل عن العمل!”
مرت نصف ساعة أخرى، وسمير لا يزال مصراً على موقفه، وهو يخاطب السكرتير بصرامة:
– لن أغادر هذا المكان قبل أن أحصل على “شغل”!
وأمام عناده المستميت، وجد نفسه وجهاً لوجه أخيراً؛ أمام مدير الشركة!
كان رجلاً في الخمسين من عمره، لا تشي ملامحه بأي شيء على الاطلاق!
لم يكترث سمير لمظهره كثيراً؛ بل أسرع يعرض هدفه بحماسة:
– أريدك أن تجد لي “شغلاً” هنا، أي “شغل”.. أي “شغل” من فضلك!
تفحصه المدير باهتمام؛ قبل أن يحرك شفتيه بصوتٍ لا يكاد يُسمع:
– لا توجد لدينا وظائف شاغرة..
غير أن سمير أعاد طلبه باستماتة، وكأنه لم يسمع ما قيل:
– أقول لك من فضلك أي “شغل”.. أي “شغل” يخطر ببالك، أو لا يخطر ببالك، وسأكون على استعداد تام للقيام به.. أرجوك.. أريد أن أصبح مشغولاً، ولو لمرة واحدة في حياتي!
لاذ المدير بالصمت لوهلة، قبل أن ينهض من مكانه، مشيراً لسمير كي يتبعه..
قطع المدير الممر الطويل، وصعد الدرج، متجهاً نحو غرفة في الطابق العلوي، فيما تبعه سمير بهدوء تام، رغم أن الشكوك كادت أن تقتله! إلى أين سيأخذه المدير يا ترى!! ولماذا هو صامت هكذا!! لكنه خشي أن ينبس بكلمة تفقده أي عمل محتمل!!
فتح المدير باب الغرفة بمفتاح خاص في جيبه، ليُفاجأ سمير ببَهوٍ واسع جداً، خالٍ من أي شيء يُذكر، إلا من مجموعة صناديق مكومة فوق بعضها البعض، في أحد زوايا ذلك البهو!!
التفت المدير نحو سمير، مستفهماً:
– قلتَ بأنك تريد أي “شغل” لتقوم به، أليس كذلك؟
أومأ سمير رأسه بذهول:
– أجل..
فتابع المدير كلامه بابتسامة غريبة:
– حسنا.. عليك أن تزيح هذه الصناديق من مكانها، وسأعطيك ثمانية ساعات كاملة للقيام بهذه المهمة، وإذا عدتُ ولم أجدك قد قمت بهذا الشغل، فلا ترني وجهك مرة أخرى.. أما إن نجحت فيها… فاعتبر نفسك موظفاً في المنصب الذي تختاره، منذ صباح اليوم التالي! أما راتبك؛ فسيكون بمقدار “الشغل” الذي بذلته..
وقبل أن ينطق سمير بحرف واحد؛ كان المدير قد اختفى!!
لم يبرح سمير مكانه لبرهة! هل حقاً حصل على “شغل”!!
غير أن الشكوك سرعان ما نهشت عقله:
– لا بد أن في الأمر خدعة ما!
واستدرك فجأة:
– ولكن إلى أين سأزيح الصناديق!! لم يخبرني المدير بالأمر!! ثم لماذا سأحتاج ثمانية ساعات للقيام بمهمة كهذه!!!
لكنه قرر الاستسلام للواقع، فسيبدأ بإزاحة الصناديق كما قال المدير، ثم ليكن ما يكون…
لم يستطع سمير في البداية مقاومة فضوله، وهو يتساءل عن محتوى هذه الصناديق الخشبية، فقد بدت ثقيلة الوزن، لكنه حدث نفسه محفزاً:
– قد يكون هذا جزء من الاختبار، ربما يريد المدير التأكد من أمانتي.. لذا عليّ تنفيذ مهمتي فقط..
مضت الساعة الأولى؛ وسمير مستغرق تماما في إزاحة الصناديق من مكانها بحماسة، لم يكن الأمر سيئاً في النهاية..
وبعد الساعة الثانية؛ كان قد كومها فوق بعضها في مكان آخر، من البهو الواسع..
ولم يكد يلتقط أنفاسه من جديد، حتى وجد أنه لا يزال أمامه أكثر من خمس ساعات قبل عودة المدير، وبدأ الفضول حول محتوى الصناديق يراوده من جديد، فقرر إشغال نفسه بإزاحة الصناديق مرة أخرى، فربما لم يكن هذا هو المكان الأفضل، الذي يرضي المدير!
وهكذا انقضت الساعة الثالثة والرابعة؛ مثل الساعتين الأولى والثانية..
حتى سمع صوت الأذان، لا بد أنه وقت صلاة الظهر..
فكر مليا.. كيف فاته سؤال المدير عن أمر هام كهذا!! أين الحمام؟ حتى وإن كان على وضوء، فأين القبلة!!! ثم هل سيفوته أجر الجماعة، ويصلي منفرداً!! غير أن الهواجس سرعان ما تبخرت من عقله، إثر استماعه لجلبة في الخارج، تلاه صوت طرق على الباب..
أطل عليه السكرتير مبتسماً:
– مصلى الشركة في آخر هذا الممر، ستقام الصلاة بعد قليل، يمكنك المجيء للصلاة معنا جماعة- إذا أحببت- قبل أن تتابع شغلك..
الجملة الأخيرة، كانت أكثر ما علق بذهن سمير.. “أتابع شغلي!!”، هذا يعني أنه من المفترض أن الشغل لم ينتهي بعد!! ترى هل إزاحتي للصناديق بهذا الشكل؛ غير كاف!! وهمّ بالاستفسار من السكرتير أكثر، لكنه خشيَ أن يؤثر هذا على تقييمه!
ما أن قُضيت الصلاة، التي لم يستطع سمير الخشوع في أي ركعة منها كما يجب؛ حتى هرع مباشرة إلى البهو، وقد تذكر تلك العبارة الجوهرية “سيكون راتبك بمقدار الشغل الذي بذلته”! لا يزال أمامه متسع من الوقت لبذل شغل أكبر! لا وقت للراحة الآن، كلها ساعات معدودة؛ ويحصل على وظيفة الأحلام الوردية!! كانت هذه الأفكار تداعب مشاعر سمير طوال الساعات المتبقية، وهو يزيح الصناديق من مكان إلى مكان، بهمة ونشاط..
وأخيراً، قَضيت الساعات الثمانية، ودخل المدير إلى البهو في الوقت المحدد تماماً، فيما ارتسمت نشوة الانتصار على وجه سمير، الذي كان يتقاطر عرقاً..
لقد فعلتها!!
غير أن المدير رمقه بنظرة ذات معنى، قائلاً بهدوء:
– كما اتفقنا… لا ترني وجهك مرة أخرى!!!
لم يستطع سمير تمالك نفسه من هول الصدمة، فصرخ بفزع:
– مستحيل!!! ما الذي تقوله يا رجل!! لم أبذل في حياتي كلها شغلاً؛ كما بذلته اليوم!! لا شك أنك تمزح…. بل إنها مزحة سخيفة لا يمكنني احتمالها أبداً..
وعلى صوت تلك الجلبة، هرع السكرتير برفقة عدد من الرجال نحو البهو، ليجدوا سمير في حالة هيجان لا تصدق! لقد وصل به الحال أن أمسك بتلابيب ثوب المدير، ليهزه بشدة في حالة من الهيستيريا!!!!!
لم يدر سمير ما الذي جرى بعد ذلك، فقد كانت الصدمة أقوى من أن تحتملها ذاكرته، حتى وجد نفسه أخيراً في قاعة المحكمة!
انتبه على صوت مطرقة القاضي..
– هيا تكلم… قل ما لديك..
وبدون تردد؛ وجد سمير نفسه يسرد كل ما حدث معه منذ البداية، وختم حكايته المؤثرة بقوله:
– أبعد ثماني ساعات من الشغل المتواصل، يأتي هذا الرجل ليتبجح بقوله أنني لم أبذل شغلاً!! أي عقلٍ يصدق هذا الهراء!!
ورغم أن المدير لم يكذّب شهادة السكرتير- الذي اعترف بأنه رأى الصناديق مزاحة إلى مكان مختلف، عندما جاء لينبه سمير بخصوص وقت الصلاة- إلا أنه أصرّ على موقفه قائلاً:
– بعد ثمانية ساعات كاملة، عدتُ لأرى الصناديق في مكانها الذي تركته.. وهذا يعني أن المدعو سمير؛ لم يبذل أي شغل في النهاية!
كاد سمير أن ينقض على المدير ليقطعه إرباً إرباً، لولا أن أمسك به الرجال، ليمنعوه من الحركة، فيما وجّه القاضي كلامه لسمير الهائج:
– هل صحيح أن المدير عندما عاد، وجد الصناديق في مكانها الأول؟
لم يستطع سمير إنكار ذلك، لكنه قال بانفعال:
– ربما أعدتُ الصناديق إلى مكانها الأول دون قصد، ولكن هذا لا يعني أنني لم أبذل شغلاً!! لقد استنفذتُ قوتي كلها، وآثار الصناديق على أرضيه البهو؛ تشهد أنها لم تترك شبراً واحداً إلا ومرّت به، ثم يأتي هذا المعتوه ليقول؛ أنني لم أبذل شغلاً في النهاية!! هذا ظلم… ظلــم.. ظلــــــــــم…
تنهد القاضي قبل أن يطرق بمطرقته من جديد، معلناً بحزم:
– بحسب قانون الشغل المعروف، فإن….
وخيّم السكون على القاعة بترقبٍ لاستماع حكم القاضي الفاصل، ترى.. ماذا كان الحكم؟
وكيف ستتصرفون لو كنتم مكان القاضي؟
وما هو رأيكم بهذه القضية بشكل عام؟؟
إضافة تعليق