شعار نبراس

عاطل عن العمل – الجزء الثاني

عن القصة:

سمير شاب عاطل عن العمل، يحاول جاهدًا الحصول على عملٍ دون جدوى..
حتى اكتشف في النهاية سر هام!!

التصنيف: علمي، مغامرات، كوميديا

كان سمير لا يزال يتجرع مرارة ذلك الموقف الأليم، الذي لم يستطع نسيانه طوال الأشهر الماضية، فرغم الظلم الذي شعر به؛ إلا أنه استسلم مرغماً للقانون في النهاية، والأمرّ من هذا كله؛ أنه طولب بتقديم تعويض مجزٍ للمدير عن الإهانة التي وجهها له!

كانت تجربة مريرة بمعنى الكلمة، لكنه حاول أن يلملم شتات نفسه من جديد، فقد قرر أن يتغير للأفضل، ولن يجعل أي عقبة تعيقه عن تحقيق هدفه، خاصة بعد تلك المحادثة التي أجراها مع صديقه الفيلسوف -كما يحب أن يطلق عليه دائماً- والذي قال له مواسياً:

 – هذه ليست آخر الدنيا! احمد الله أنك لا تزال على قيد الحياة، ويمكنك المحاولة من جديد… لا يهم كم من “المسافة” قطعت؛ إذا لم تحقق “الازاحة” المطلوبة! تخيّل لو أنك انتقلت إلى عالم الآخرة، ثم اكتشفت أن كل الجهد الذي بذلته في الدنيا كان هباء منثورا.. كيف سيكون شعورك حينها؟؟ ألم تسمع عن الاخسرين أعمالا؟ (الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا!!)… لو كنت في ذلك الموقف (لا قدّر الله)؛ وقتها ستتمنى لو أنك قمت بإزاحة بسيطة على الأقل في حياتك (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز)! وعندها (لا قدر الله) يحق لك أن تبكي وتنتحب كما تشاء- رغم أن هذا لن يفيدك بشيء- إذ لن تكون هناك فرصة أخرى… أما الآن، فيمكنك البدء من جديد، ولا تنسَ أن أقصر طريق يوصلك لهدفك؛ هو الخط المستقيم!! لذلك كان طريق الجنة هو الصراط المستقيم! (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبع السبل فتفرق بكم عن سبيله).. تذكر هذا جيدا..

   حسنا… لم يكن هذا الصديق الفيلسوف؛ سيئاً في مواساته في النهاية، رغم أنه تمنى- مجرد أمنية- أن يجد له عملاً أيضاً؛ بدل الاكتفاء بإلقاء المواعظ!! ولكن لا بأس.. شيء أفضل من لا شيء!!

وهكذا.. استأنف سمير حياته من جديد، فتصفح اعلانات الوظائف كالعادة، حيث أصبحت هذه عادته؛ منذ أن التصقت به وصمة العار المستفزة “عاطل عن العمل!”

وبينما كان يحتسي فنجان من القهوة، وهو يطالع العناوين الرئيسية ببرود؛ لفته إعلان بالخط العريض:

 “وظيفة شاغرة براتب ممتاز جداً، للأقدر على القيام بالشغل المطلوب..”

شعر سمير بحماسة كبيرة لهذه الوظيفة، فبعد كل ما جرى له، سيكون الأقدر على تحمل عناء أي شغل، لا سيما وقد عرف القانون أخيراً! “قوةٌ في إزاحة”، هذا كل ما في الأمر! ولم يستغرق منه الأمر مزيداً من التفكير، إذ سرعان ما حسم أمره، وذهب إلى المقابلة فوراً ليصل في الوقت المحدد تماماً..

 كان هناك أربعة غيره يستعدون لدخول اختبار القبول، حيث قام المسؤول عن الاختبار بإعلان المهمة المطلوبة بقوله:

– ستدخلون الآن إلى هذه القاعة، حيث تجدون خمسة صناديق خشبية متشابهة في أحد جوانبها، والمطلوب من كل واحد منكم؛ أن يزيح أحد هذه الصناديق إلى أي مكان يختاره، والأقدر على انتاج هذا الشغل؛ سيتم ترشيحه للوظيفة فوراً..

 ابتسم سمير لنفسه:

– إنها خدعة الصناديق مرة أخرى.. من الجيد أنني مررت بتلك التجربة، فلن ألدغ من جحرٍ واحدٍ مرتين!

  وقبل أن يباشر الجميع المهمة، تساءل أحد المتقدمين قائلاً:

– ماذا إن حصل تعادل في انتاج الشغل؟

فأجاب المسؤول بثقة:

– الهدف من هذا الاختبار هو أن نوظّف الأقدر على انجاز الشغل المطلوب، فإذا تعادل اثنان في المركز الأول؛ فسيتم توظيفهما معاً على أن يكون الراتب بينهما مناصفة! والشيء نفسه سيتم تطبيقه في حالة تعادل ثلاثة أو حتى خمسة! في جميع الأحوال الراتب المخصص للمركز الأول؛ لن يتم تغييره!

 لم يجد سمير صعوبة في التعرف على منافسيه، فأحدهم كان طويلا بشكلٍ واضح، وكان يُدعى نخلة! ربما كان هذا لقباً اشتهر به وحسب، لكن سمير لم يهتم لذلك كثيراً! أما الثاني.. فقد كان قصيراً نوعاً ما، وكان يُدعى عُقلة، والثالث كان له من اسمه نصيب كبير، فقد بدا شاباً وسيماً جداً، وكان اسمه وسيم، أما الرابع- واسمه حمدان- فلم يكن به شيء مميّز!

دلف الجميع إلى القاعة، بعد أن اخبرهم المسؤول بآخر ملاحظاته:

– هناك كاميرات مراقبة سترصد تحركاتكم، ليكون التقييم عادلاً.. وسأعود إليكم قبيل أذان الظهر إن شاء الله، لأعلن لكم النتائج..

كانت القاعة دائرية الشكل، تبدو فارغة تماماً من الوهلة الأولى، فيما قبعت الصناديق في أحد جوانها إلى جانب الجدار!

وما أن خرج المسؤول وأغلق الباب خلفه، حتى هرع المتنافسون باتجاه الصناديق، وكل واحد منهم بدأ بإزاحة، صنوقٍ من مكانه! أما سمير فقد كتك ضحكة كادت أن تفلت منه، وقد ذكره منظرهم بما حدث معه في تلك الشركة!

ابتسم لنفسه بثقة:

– سأسلك أطول خط مستقيم يفصلني عن نقطة البداية، وبهذا فقط؛ سأحقق أكبر إزاحة ممكنة! وهذا يعني أنني سأزيح الصندوق بخطٍ مستقيم إلى الجهة المقابلة لهذا الجدار.. باختصار بما أن القاعة دائرية، فإن المسافة بين أي نقطة على هذا الجدار، والنقطة على الجدار الذي تقابله ستمثل قطر هذه القاعة، وهي أكبر إزاحة ممكنة في هذا المكان!

 كان سمير يشعر بالفخر الشديد والثقة العالية بنفسه لهذا التحليل الذكي، خاصة وهو يرى “نخلة” يحرك صندوقه باتجاه اليمين ملاصقا للجدار، وخمن أنه ينوي السير بمحاذاة جدار القاعة ليسلك مسار محيط الدائرة حتى يعود إلى نقطة البداية، فيما كان عقلة، يفعل مثله ولكن باتجاه اليسار! أما وسيم فقد كان يسلك طريقا عشوائيا داخل القاعة! لقد ذكّره بنفسه سابقاً بشكل كبير! ورغم أن سمير شعر بالشفقة عليهم، لكنه اقنع نفسه:

– هذه منافسة بيننا، وسأكتفي بالتركيز على هدفي.. لقد آن الأوان كي أتصرف بذكاء هذه المرة، فالقانون لا يحمي المغفلين..

وأخيراً بدأ سمير بإزاحة صندوقه، باتجاه النقطة المقابلة من الجدار، ليجد حمدان أمامه وهو يسير بذلك الاتجاه..

ورغم الارتباك الذي شعر به سمير من الوهلة الأولى، لكنه طمأن نفسه قائلاً:

– لا بأس.. حتى ولو فطن إلى الحيلة، وفهم القانون مثلي، فيمكننا أن نتعادل في انجاز هذا الشغل.. ستكون مناصفة الراتب بيننا نحن الاثنين؛ فكرة لا بأس بها..

 وكتم ضحكة صغيرة كادت تفلت منه، وهو يتخيل خيبة أمل حمدان، الذي ربما يظن نفسه الوحيد الذي فطن إلى هذا الأمر!

لكن صدره انقبض قليلاً، إثر فكرة أخرى خطرت بباله..

 ماذا لو انتبه الجميع إلى هذه الخطة! هذا يعني أن الراتب سيصبح زهيداً جداً في النهاية!! من الأفضل أن يتظاهر بأنه سيذهب إلى مكان آخر، حتى لا يثير انتباه الآخرين إلى ذلك المكان أيضا! أو ربما يتلكأ قليلاً في الحركة، فإنجاز الشغل يعتمد فقط على القوة والازاحة، وبما أن الصناديق متطابقة تماماً؛ فقوة دفعها ستكون واحدة، وهذا يعني أن العامل الوحيد الذي سيؤثر في مقدار الشغل المُنجز- في هذه الحالة- هو الازاحة فقط!

اطمأن سمير لهذه الفكرة، لا يزال أمامه متسع من الوقت قبل أذان الظهر، لكنه سرعان ما تذكر قصة الأرنب والسلحفاة، وخشي أن تغفو عينه فيفوته الفوز في النهاية، وهكذا بدأ بالتحرك باتجاه الهدف، فيما كان حمدان قد اقترب فعلاً من تلك النقطة..
   وأخيراً.. حانت اللحظة الحاسمة، ودخل المسؤول إلى القاعة في الوقت المحدد تماماً..

كان سمير يقف إلى جانب حمدان مع صندوقيهما، في الجهة المقابلة لنقطة البداية، أما عقلة ونخلة فقد عادا إلى نقطة البداية؛ بعد أن سلكا مسار محيط القاعة الدائرية بأكمله! في حين كان وسيم؛ يقف مع صندوقه في وسط القاعة!

 ورغم الشفقة الكبيرة التي شعر بها سمير تجاه الثلاثة، إلا أنه كان سعيداً جداً لانجازه هذا الشغل على أكمل وجه، لم يتبق عليه سوى الاستماع لاسمه واستلام وظيفته..
   ولكن.. ويا للصدمة، نطق المسؤول باسم الفائز قائلاً:

– حمدان.. تفضل معي لمقابلة المدير واستلام وظيفتك!

تعالت أصوات الاحتجاج في القاعة، فقد اعترض نخلة وعقلة على النتيجة، ووصفوها بالظلم الكبير، إذ أنهما لم يستريحا ولو للحظة واحدة، حتى يسلكا أطول مسافة ممكنة! فيما بقي وسيم صامتاً، أما سمير فقد ارتسم الذهول على وجهه بشكل واضح:

– لماذا!!! ألستُ متعادلاً مع حمدان!!! ألم يبذل كلانا الشغل نفسه!!
وبينما حاول المسؤول شرح قانون الشغل لعقلة ونخلة، استعاد سمير ثقته بنفسه، فاتجه نحو المسؤول بحزم قائلاً:

– اسمعني أيها المسؤول.. إنني أعرف جيداً هذا القانون، بل لقد حفظته عن ظهر غيب! فهل تنكر أنني تعادلتُ مع حمدان في انجاز هذا الشغل؟؟ ألا يعتمد الشغل على القوة والازاحة فقط! وبتساوي أوزان الصناديق، مما يعني أن قوة دفعها في النهاية ستكون واحدة، فهذا يعني أن الازاحة هي التي ستحكمنا في هذه الحالة.. وبما أنني وحمدان قطعنا الازاحة نفسها، فهذا يعني أننا متعادلين في الشغل!

كان المسؤول يستمع لسمير بهدوء، حتى إذا ما أنهى كلامه، أجابه بقوله:

– أولاً قوة دفع كل واحد منكم للصندوق لا تعتمد على وزن الصندوق! فوزن الصندوق متجهاً للأسفل باتجاه مركز الأرض، وأنت تدفع الصندوق باتجاه افقي- أي عامودي على اتجاه وزنه- وهذا يعني أن قوة وزن الصندوق لا تنتج شغلاً أبداً في الاتجاه الأفقي (سيكون هذا صحيحاً لو أنكم ترفعون الصناديق إلى أعلى)، بالطبع يؤثر وزن الصندوق على قوة الاحتكاك المعاكسة لقوة الدفع الأفقية، لكن بشكل عام لا يمكننا اعتبارها تؤثر في انجاز شغل افقي، خاصة لو تجاهلنا قضية الاحتكاك!.. ومع ذلك يمكننا تجاهل هذه القضية بأكملها في الوقت الحالي، ويمكننا القول مجازاً؛ أن قوة دفعكم للصندوق كانت متساوية، في هذه الحالة..  أجل كلامك صحيح.. أنتما متعادلين في انجاز هذا الشغل!

كاد سمير أن يفقد صوابه مما سمعه، ورغم أنه لم يفهم ما قصده المسؤول بالاتجاه العمودي والافقي، والاعلى والاسفل والاحتكاك،.. الخ؛ لكنه تشبث بقشة الأمل الأخيرة (يمكننا تجاهل هذا كله)! فقال بحزم:

– ما دمت تعترف بأنني وحامد أنجزنا الشغل نفسه؛ فلماذا اخترتموه وحده إذن؟

فقال المسؤول بهدوء:

– صحيح أنكما بذلتما الشغل نفسه، على افتراض أن قوة دفعكما كانت متساوية، لكن الاختبار كان لاختيار “الأقدر” على انجاز هذا الشغل.. وللأسف يا أخي، هناك عامل هام آخر يدخل في حساب القدرة (غير القوة والازاحة)، ويبدو أنك أهملته تماماً، رغم أهميته الكبيرة!!

**
ترى.. ما هو ذلك العامل الهام؟

**

Tags: No tags

إضافة تعليق

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني *الحقول المشار لها بنجمة هي حقول إلزامية