شعار نبراس

تركته لأجلك! – الحلقة 37

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

أخذت نور تلتقط أنفاسها بصعوبة، بعد عدة مناورات استطاعت فيها تلافي هجمات عامر المسددة نحوها بقوة، لقد كاد أن يصيبها في مقتل!! ماذا لو لم تتمكن من تفادي الضربة في اللحظة المناسبة، هل كان سيؤذيها حقا!!
مهما يكن دافعه ونواياه هذه المرة؛ لم يعد أمامها بدا من الدفاع عن نفسها باستماتة، فلا ضمان للعواقب أبدا على ما يبدو!!
هذا ما شعرت به، وهي تستجمع قواها من جديد، أمام نظراته الحادة المتأهبة!!
ولم تكد تستقر في وقفتها حتى عاجلها بهجوم آخر، استطاعت صده بمهارة فائقة، لتتوالى عليها بعد ذلك ضرباته الهجومية بلا هوادة، فيما استمرت هي بأخذ دور الدفاع فقط! ورغم الانهاك الذي شعرت به، إلا أن الموقف الذي وجدت نفسها فيه زادها اصرارا وعزيمة على التصدي له مهما كلفها الأمر، مما زوّدها بطاقة إضافية مكنتها من الصمود لفترة أطول..
أخذت تحاول جاهدة الحفاظ على طاقتها كي لا تُهدر عبثا، وهي ترى بوضوح وجه عامر الذي لم يَبدُ عليه أدنى أثرٍ للتعب بعد!!
أهذه هي شخصيته التي حذرها منها أيام الخطبة!! لقد قال لها وقتها:
– سأكون صادقا معك يا نور، إنني صعب المراس أحيانا خاصة عند الغضب، رغم انني أحاول جاهدا السيطرة على نقاط ضعفي هذه؛ إلا أنني قد لا أنجح في ذلك أحيانا، وقد تجدين مني شدة في بعض المواقف، فإن استطعتِ أن تعذريني فسأكون شاكرا لك..
يومها أجابته بصراحة:
– من الجيد أنك أخبرتني، فأظن أن أمرا كهذا لا يمكن السكوت عليه! فإنني لا أستطيع ضمان قدرتي على التحمل في ذلك الوقت!
فنظر اليها بتساؤل:
– ما الذي تعنيه!! أنا لم أقصد انني لن أحاول السيطرة على نفسي، من أجل أن يرضى الله عني على الأقل!!
– لقد كنتَ صادقا معي وأحببتُ أن أكون صادقة معك أيضا! لا يمكنني ضمان شيء!!
فما كان منه إلا أن ابتسم برضا:
– هذا يعني أننا متفِقَين! يسعدني أن تكوني قوية، فهذا أفضل بالنسبة لي من زوجة ضعيفة..
يومها فاجأها كلامه، غير أنه دخل قلبها بسرعة لم تتوقعها أبدا، وقد استطاعت بعد ذلك أن تكوّن له صورة واضحة في ذهنها، شخص له مساوءه كغيره من البشر، ويحاول تهذيب نفسه بتقوى الله! رغم أنها لم تر منه أي شيء مناف لحسن الخلق خلال الشهور الثلاثة التي قضتها معه، حتى كادت أن تنسى ما أخبرها به عن نفسه، أما اليوم وبلا أدنى شك؛ هاهي نفسه قد بدأت تتكشف أمامها بوضوح، ولكن.. ما الذي أغضبه تحديدا!!
كان هذا أكثر سؤال يلح على نور في تلك اللحظة، وهي تضع ذراعيها بوضع متعاكس أمام صدرها لصد ضربات عامر الشرسة، متراجعة للخلف في حركات تحاول من خلالها تجنب هجماته، حتى كاد التعب أن يقتلها، فيما بدا عامر مستعد للاستمرار في هجومه إلى ما لا نهاية!
وإذ ذاك تعثرت قدمها فكادت أن تسقط على ظهرها، لولا أنها تداركت ذلك بالإرتكاز على يديها، لتُفاجأ بعامر وهو يسارعها بضربة من قدمه كادت أن تصيبها في خاصرتها، لولا التفافها حول نفسها متفادية ذلك في اللحظة الأخيرة، لتسمع بعدها صوت ارتطام كعب قدمه بالأرض بقوة!! لقد راعها ذاك وأرعبها بشدة.. كاد أن يقتلها بالفعل! لكنها سرعان ما هبّت واقفة لتواجهه من جديد، وهي تستجمع ما تبقى لها من طاقة.. مقنعة نفسه بانها لم تكن لتنتظر شفقته عليها، فهذه فرصتها لتختبر قدراتها الحقيقية!! وهكذا.. لم تعد تراه أبدا الزوج الودود عامر، بل رجلٌ غريب عليها التصدي له بكل ما اوتيت من قوة، حتى لو اضطرت لأذيته!!
الهجوم خير وسيلة للدفاع.. هذه هي القاعدة التي يعرفها الجميع، ولا تحتاج لبديهة خاصة لاستنتاجها، غير أنها لم تخطر ببال نور إلا في وقت متأخر..
من يبدأ أولا سيفوز غالبا.. وهكذا تمكنت أخيرا من تسديد أولى ضرباتها نحوه في حركة مفاجئة، بدلا من أن تقف لالتقاط انفاسها كما كانت تفعل بعد كل جولة التحامية حامية بينهما، غير أن عامر تفادى ضربتها ببراعة، لتعاجله هي بضربات أخرى متوالية، تارة من يدها وتارة بقدمها، دون أن تُلقي بالا لحالة الاجهاد التي تمر بها، فلا وقت للتفكير في ذلك..
ورغم المهارة المذهلة التي أبدتها نور مع قوة التحمل طوال تلك الجولة، إلا أنها لم تتمكن من لمس عامر أبدا عوضا عن إصابته، حتى استنزفت قوتها بالكامل، فوقفت للحظة تحاول اعادة شحن طاقتها، إلا أن عامر عاجلها بهجمة لم تجد أمامها بدا من العودة إلى الدفاع لتلافي ضرباته من جديد، حتى وجدت نفسها محصورة في زاوية بين جدارين، وقد وصل الاجهاد بها إلى الحد الأقصى، فارتكزت على الجدار خشية السقوط وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة شديدة، فيما أخذ عامر يتقدم نحوها بخطوات ثابتة، أشبه ما تكون بخطوات تهديدية!
تلاقت عيناهما.. مازالت نظراته حادة.. ومرعبة!! شعرت بأن دقات قلبها تكاد تخترق صدرها كالخناجر، هل يُعقل أن يكون هذا رجلا آخر بالفعل!! ربما رجل متنكر بزي عامر.. ولم تلبث أن أوغلت بها تلك الأفكار المرعبة إلى حد لم تجد معه بد من تسليم أمرها لله بالكامل، فأغمضت عينيها لتفتحهما بذعر؛ بعد أن سمعت صوت دوي ارتطام قبضته القوية بالجدار إلى جانب أذنها اليمنى، كان الصوت أشبه ما يكون بدوي انفجار مزلزل هائل!!
الحمد لله أنها لم تكن موجهة الى وجهها وإلا لهشمته بالكامل!! هذا أول ما خطر ببالها.. فتمتمت في سرها:
– يارب الطف بي..
غير أنها ما أن فتحت عينيها حتى كادت أن تفلت منها صرخة فَزِعة، وهي تصطدم بنظرات عامر المثبتتة عليها على بعد أُنملة!! فأغمضت عينيها مجددا لتفاجأ بنقرة قوية من إصبعه على جبهتها، تأوهت إثرها تلقائيا، فيما سمعت صوته الذي تعرفه:
– أظن أن هذا يكفي!!
لم تصدق نور أذنيها، أبعد أن وصلت إلى مرحلة جزمت من خلالها أنه شخص آخر؛ يتبين لها أنه عامر!!
أخذت نور تحدق بعامر لتستوثق مما سمعته، فابتسم معلقا:
– هل ترغبين بالمتابعة أم ماذا!!
فتنفست نور الصعداء وجلست على الأرض أخيرا مُركزة ظهرها للجدار، وهي تتحسس جبهتها:
– هذا مؤلم جدا!! لقد أخفتني حقا!
فأجابها عامر- بعد أن أحضر كرسيا وجلس عليه قبالتها:
– تستحقين أكثر من ذلك..
وبما أن جلسته تلك لم تعجبها، فقد حاولت النهوض لتحضر كرسيا آخر مثله، إلا أنها لم تجد في نفسها القوة لفعل ذلك، فاكتفت برفع رأسها نحوه بتساؤل، وقد شعرت بأنها كالتلميذ المخطئ الذي يجلس بين قدمي أستاذه طالبا لعفوه!! ورغم أن تلك الفكرة أزعجتها؛ لكنها لم تجد مفرا من الاستماع لوجهة نظره! وأمام صمته، بادرته السؤال بنوعٍ من الحدة:
– ما الذي تعنيه بقولك يا حضرة الاستاذ عامر!
فتأملها عامر للحظة قبل أن يقول مبتسما:
– مهما حاولتِ التعبير عن غضبك بتلك النبرة، إلا أن هذا لن يجعلني أسامحك بسهولة..
شهقت نور بدهشة:
– ماهذا الذي تقوله!! ما الذي فعلته لك؟؟ هل أنت جاد!!!!
فأومأ عامر برأسه مؤكدا:
– وهل تظنينني أمزح!! إنني جاد بالطبع!
حاولت نور تذكر ما قد يكون صدر عنها دون أن تدري، فلا يعقل أن يعاملها عامر بتلك الطريقة دون مبرر! لكنها أخفقت بالعثور على إجابة شافية، فنظرت نحوه مرة أخرى قائلة:
– لا أذكر أنني أخطأتُ بحقك أبدا، بل على العكس تماما، لقد أعددتُ كل شيء على أكمل وجه من أجل استقبالك، أم أنك لم تلاحظ ذلك؟؟
فعقّب عامر على كلامها بلهجة جادة:
– وعقلك في مكان آخر!!
عندها شعرت نور ببعض القلق، مالذي يقصده بقوله! لكنها أسرعت تقول:
– إنني لا أفهمك! ما الذي تقصده؟؟
فتنهد عامر:
– أشك بأنك لم تفهمي ما أعنيه، إلا إن كنت تعتقدين أن انشغالك عن زوجك الغائب ونسيانك له؛ يُعدّ أمرا طبيعيا!!
ارتبكت نور قليلا وقد فهمت ما يقصده، لكنها ردت عليه بقولها:
– لم أتعمّد تجاهل مكالماتك وقد أخبرتك…
فتابع عامر:
– كنتِ شاردة قليلا!! أليس هذا ما قلتيه!!! إن هذا ما يُطلق عليه العذر الأقبح من ذنب..
لم تستطع نور مجاراته أكثر، فقالت بحزم:
– عامر.. لا يحق لك أن تحاسبني بهذه الطريقة، فأنا بشر وقد شردتُ بالفعل، حتى أنني لم أسمع نداء أمي!!
أطبق صمت ثقيل بينهما للحظات، قبل أن يقطعه عامر بسؤاله:
– وما هو ذلك الشيء الذي أشغلك عنا جميعا؟؟
كان هذا هو أسوأ شيء تتوقع نور سماعه، وتمنت لو أن الأرض تنشق وتبتلعها قبل أن تضطر للإجابة، ما الذي ستجيبه به!! حاولت أن تفكر بأي شيء تقوله دون جدوى، حتى راعها عامر بقوله:
– أهو شيء يتعلق بالفن؟
شعرت نور بأنها تلقت الضربة القاضية أخيرا، إلى أي مدى تصل معلوماته عنها!! لقد افتُضح أمرها بلا شك!!
يارب.. هذا أمر لا أحب أن يتطلع عليه أحد!!
وكأن الله استجاب لدعائها، فقد شعر عامر بنوع من التفهم وهو يتفحص معالم وجهها بتمعن:
– لن أطلب منك أكثر من ذلك، فربما من الأفضل أن لا تخبريني..
والتقط نفسا قبل أن يتابع:
– حتى لو كان أمرا من الماضي، فإنني لا أحتمل أن يستحوذ أي شيء على تفكيرك ويشغلك عني يا نور!
اكتفت نور بالصمت دون أن تنبس ببنت شفة، فأطلق عامر تنهيدة طويلة:
– على كل حال جزاك الله خيرا لحسن استقبالك، رغم أنني لا أريد منك أن تقومي بشيء من أجلي، وكأنك تؤدين واجبا لا أكثر!
ورغم أن تغيير الموضوع أراحها قليلا، إلا أنها شعرت بغصة حقيقية لسماع ذلك منه، فردت عليه بقولها:
– لكنني كنت سعيدة…
ولم تستطع إكمال جملتها إثر تلك النظرة المثبتتة على عينيها، فأرختهما بسرعة وقد شعرت بخفقان في قلبها، واحمرار شديد في خديها لم تشعر بمثله من قبل، فما كان من عامر إلا أن نهض من كرسيه، واقترب منها ليجلس قبالتها على الأرض، متناولا يديها ليضمهما إلى صدره بحنان:
– أرجو المعذرة منك يا نور..
لم تستطع نور احتمال الموقف أكثر من ذلك، فتظاهرت بالغضب ورمته بنظرات عاتبة:
– ماذا لو لقيت حتفي بسببك!!
فابتسم عامر بمودة:
– لكنني كنت حريصا أن لا يصيبك مكروه!!
ففتحت نور عينيها عن آخرهما وهي تقول باستنكار:
– لا تقل لي أنك كنتَ متساهلا معي طوال الوقت!!
فلم يملك عامر نفسه من اطلاق ضحكة صغيرة:
– وهل كنتِ تظنين أنني نازلتك بجدية!!
كان كلامه صدمة حقيقية لها، فقد قدّمت أقصى ما لديها من مهارات، إلا أن عامر أسرع يطييب خاطرها بقوله:
– أنت قوية بالفعل يا نور، لا أظن أن هناك فتاة أخرى ستصمد مثلك..
فابتسمت نور أخيرا باستسلام:
– حسنا لا بأس.. عليّ أن أرضى بالواقع، فمن الحماقة أن أقارن نفسي بالحائز على المركز الأول في الكاراتيه على مستوى الوطن…
لم تكد نور تتفوه بكلماتها تلك، حتى على التجهم وجه عامر، فأفلت يديها قائلا:
– لقد قلت لك سابقا.. لستُ الأول…
فقالت نور بتفهم:
– حسنا حسنا فهمت.. لا زلتَ تصر على تواضعك الغريب هذا، رغم أن المحكّمين…
فما كان من عامر إلا أن قاطعها بلهجة لا تخلو من ضيق:
– أرجوك يا نور.. أخشى أن أكون من الذين يحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا…
عندها وضعت نور يدها فوق يده وضغطت عليها برقة:
– أتفهّم موقفك يا عامر، ولكن رفض ذلك الشخص من الظهور في الواجهة، هو الذي جعل المحكمين يقلدونك وسام المركز الأول، أي أنك تستحقه بنظرهم..
فتنهد عامر ولم يقل شيئا، فيما سرحت به أفكاره بعيدا كما بدا لنور، فقالت له:
– أرجوك يا عامر لا تجعل هذه الوساوس تسيطر عليك، استعذ بالله من الشيطان الرجيم، وبإذن الله لن تكون أبدا من اولئك القوم..
فنظر اليها عامر بصمت، قبل أن يطرق رأسه مرددا:
– أرجو ذلك..
همت نور بأن تضيف شيئا، لكنها أمسكت عن ذلك بسرعة، وقد لاحظت أن لدى عامر ما يقوله:
– كلما تذكرتُ ذلك الشاب، راودني شعور غريب، كان غامضا جدا ولطالما شعرتُ بأنه يخفي أمرا في غاية الخطورة! كان قويا ومتمرسا بما يكفي لسحق عشر رجال أشداء بنزال واحد! ورغم أنني كنت أقرب الموجودين إليه إلا أنني لم استطع فهمه ولا مرة واحدة، لكنني لم أتوقع أن يصل به الحد إلى إعلان انسحابه أمامي بتلك الطريقة…..
أخذت نور تُنصت له باهتمام، وهي تتمنى أن تعثر على طريقة تساعده فيها للتخلص من نقطة ضعفه تلك، شخص يظن الجميع أنه الأول على مستوى البلاد؛ بينما يعلم هو يقينا بأنه في المركز الثاني بسبب شخص غامض.. قد لا يكون موضوعا كهذا ذو أهمية، لكنه يعني الكثير لعامر.. إذ لم يكن يمقت شيئا أكثر من مقته لحصوله على شيء لا يستحقه!!
كانت نور تجلس على ركبتيها قبالته وهي تمسك بيده غارقة في تفكير عميق، عندما فاجأها بقبلة خاطفة على جبينها، أخرجتها من أفكارها عنوة، فأرجعت رأسها للخلف بعفوية، فيما ابتسم عامر قائلا:
– لا داعي لأن تشغلي نفسك بالتفكير في هذا الأمر، سأكون بخير ما دمتِ مهتمة بي هكذا! فهذا ليس أشد ايلاما عليّ من ذلك الشرود الذي يُشغلك عني!!
فخفق قلب نور بقلق، وقد عادت مخاوفها لتحدثها:
– لا.. !! ليس مرة أخرى.. أما زال يذكر ذلك..
فضحك عامر لمشهدها وقد خمّن أين وصلت بتفكيرها:
– لا تقلقي يا عزيزتي، فلن أسألك عن ذلك مرة أخرى..
وصمت قليلا قبل أن يتابع:
– حتى وإن أردتِ إخباري فسأوقفك بنفسي..
فنظرت إليه نور بتساؤل وجِل:
– هل تعني أنك غاضب مني؟
فابتسم عامر بلطف:
– كلا لست غاضبا، ولكن بالتفكير الجاد في الأمر، من الأفضل أن لا أعرف بذلك أبدا، فإني طبيب يلِج عليه الكثير من المرضى، ومسلم قبل ذلك، وأخشى أن يكون وراء شرودك شخص ما، فلا أستطيع مسامحته أبدا، بل ربما أفقد سيطرتي على نفسي إن التقيته يوما ما، فالدنيا صغيرة كما تعلمين..
غاص قلب نور إلى أسفل قدميها، إذن.. هو يتوقع أن وراء ذلك شخصٌ ما أيضا!!!!
غير أنها استدركت بسرعة:
– لقد نسيتُ شيئا مهما..
وابتسمت بحبور وهي تنهض بحماسة قائلة:
– انتظر قليلا لو سمحت..
فأومأ عامر برأسه وهو يتأملها بابتسامة مماثلة:
– حسنا..
وما أن غابت عن ناظريه، حتى أعاد ترتيب الصالة إلى ما كانت عليه، وهو يشعر بنوع من الندم على ما فعله بها عند عودته:
– من الجيد أنني لم أتسبب ببكائها مع تلك القسوة، أو ربما كانت تكابر..
وزفر بألم.. لماذا فعلتُ ذلك معها!!
وعادت به ذاكرته إلى ذلك الحوار مع والدته، قبل أربعة أشهر فقط! سبحان مقلب القلوب ومغير الأحوال!!! يومها كان يتوسل إليها بالعدول عن رأيها في تعجيل زواجه:
– ارجوك يا أمي، انني لا أفكر بالزواج الان، لدي الكثير من الابحاث التي أرغب بالقيام بها، ولن أكون متفرغا لحقوق الزوجية!!
– لكنها فتاة لا تعوّض، انها تناسبك تماما..
– لا أظنني امتلك من الرفق ما يكفي لأعامل زوجة، أفضل البقاء عازبا على الاخلال بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم في الرفق بالقوارير، أنت تعرفين الفتيات يبكين لأدنى سبب..
– قلت لك انها مختلفة وذات شخصية قوية جدا، لا أظنك ستجد صعوبة في تعاملك معها، ثم انك ان لم تكن تمتلك مقدارا جيدا من الرفق فمن باب أولى أن تبتعد عن مجال الطب!! فلا تدّعي التورع! هذه طبيعة الحياة فلا تكن عنيدا يا عامر!!
– حسنا استسلمت، إذا كانت كما تصفينها فلا بأس، رغم انني أفضل الارتباط بطبيبة أو ممرضة لتساعدني في الأبحاث..
لولا أن أمه حدجته بنظرات ذات معنى:
– لقد قلت لك، لن تجد فتاة تناسبك أكثر من هذه الفتاة! ثم ان لديها الحزام الاسود في الكاراتيه، لذا لن تجدها ضعيفة أبدا.. أقول هذا لطمأنة ورعك الزائد، رغم انني لست مقتنعة بما تقول أبدا..
فاستسلم عامر لها بابتسامة ودودة:
– حسنا ما دمتِ ترينها كذلك وقد أحببتيها بهذا الشكل، فلا شك أنها ستعجبني..
من الجيد أنه كان يؤمن تماما بنظرية (البوصلة)*، التي تساعده كثيرا في بر أمه، فما دامت أمه تراها مناسبة له فلا شك أنها كذلك، وهذا ما تأكد منه بنفسه في فترة الخطوبة، لقد دخلت قلبه منذ الجلسة الأولى معها، رغم أنها كانت صريحة جدا في التعبير عن رأيها:
– انت الرجل وأنت من بيده القوامة، فلا تتوقع مني احتمال أشياء لا يمكنك احتمالها بنفسك!!
كما قالت أمه، انها قوية بما يكفي ليطمئن على نفسه معها، فقد كان أكثر ما يخشاه الارتباط بفتاة ضعيفة مستكينة، قد يُسيء اليها دون أن يدري! لم يكن مستعدا ليتحمل اثمها امام الله..
لذا كان أكثر ما أعجبه في نور أنها لم تكن من النوع الذي يصنف ضمن الفتيات الحسّاسات كأخته، والتي ما أن يرتطم بها ولو بطريق الخطأ حتى تصرخ متأوهة!! لقد سببت له عقدة حقيقية من الارتباط بأي فتاة؛ حتى خُيّل إليه أنه لو وكز أي فتاة لقضى عليها!! ربما كان متأثرا جدا بقصة سيدنا موسى عليه السلام، وربما كان شيئا آخر.. لكن النتيجة النهائية كانت واحدة..
ورغم أنه لم يشكّ لحظة واحدة بأن نور ستعجبه كما قالت أمه، إلا أن آخر ما كان يخطر بباله هو أن يهيم بها حبا، وهو الذي يعدّ نفسه رجلا عمليا بدرجة كبيرة! كل ما يهمه هو ابحاثه وكتبه، بعد أن سيطر عليه ولعه الشديد بالعلم والأبحاث الطبية الجديدة!!
حتى بعد الزواج، لم يتوقع أن تتطور مشاعره نحوها بذلك الشكل، وهو الذي كان حريصا على توضيح كل الامور المتعلقة بطبيعة عمله لها؛ حتى لا يثير لديها الغيرة بأي شكل من الأشكال! كانت متفهمة جدا أكثر مما توقع، ولم يجد منها تصرف امتعاض واحد تجاه ذلك!! بل إنه لا يذكر أنها قامت بمهاتفته خلال فترة عمله أبدا، لقد تقبلت طبيعة عمله بسرعة، ولم تكن من النوع المتشكي بأي شكل، رغم انه لم يتمكن من قضاء شهر العسل معها كما يُتوقع من عروسين!!
إما انها صبورة جدا ومتفهمة لأبعد الحدود، أو أنها تثق به تماما وتقدر موقفه، أو انها لا تبالي به مطلقا!!
وكان ذلك الاحتمال كفيل بتعكير مزاجه!
 
………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
Tags: No tags

إضافة تعليق

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني *الحقول المشار لها بنجمة هي حقول إلزامية