شعار نبراس

تركته لأجلك! – الحلقة 40

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

أغلقت نور هاتفها وهي ترخي رأسها على مقعد الطائرة، بعد أن تفحصته للمرة العاشرة لعلها تجد شيئا من سوسن، وتحاول اقناع نفسها مهدئة:
– خير إن شاء الله..
مسترجعة آخر حديث دار بينها وبين سوسن قبل يومين، عندما سألتها عن بعض الأمور الفقهية في الطهارة والصلاة، بعد أن أنهت قراءة كتيب في الفقه الميسر نصحتها به سابقا، كما حدثتها عن إنهائها لكتاب الشيخ علي الطنطاوي “تعريف عام بدين الاسلام” ومدى تأثرها به وإعجابها بأسلوبه، أخبرتها بالكثير مما قرأته وتخطط لقراءته..
فابتسمت في سرها مستبشرة:
– إن سوسن تتقدم باستمرار ما شاء الله، لن أتعجب إن فاجأتني بخبر حجابها قريبا..
غير أنها سرعان ما تذكرت الظروف المحيطة بها، فرددت من أعماقها:
– يارب.. ثبتها على الحق والدين، واهدها الصراط المستقيم، ووفقها لما تحب وترضى يا كريم وطمئن قلبي عليها يا أرحم الراحمين..

***

لم تشعر سوسن بعذاب كالذي شعرته في ذلك الوقت.. كانت تقنع نفسها جاهدة بأن الأمور لن تتجاوز ذلك الحد- الأليم بحد ذاته! فهذا وضع طبيعي في عالم “الفن!!”.. عازف يشارك مغنية.. أو ممثلة وحتى… راقصة!! كلهن سيان… متجاهلة معرفتها المسبقة بنوايا سورا الواضحة تجاه أيهم، والتي تمكنت بصعوبة من تجاوز قلقها بشأنها في الفترة الأخيرة.. لكنها هاهي تصر على إثارة مخاوفها وقلقها من جديد..
حتى ذلك التجاهل لم يعد يجدي نفعا أمام ما تراه الآن أمام عينيها، وتشهد عليه بنفسها..
لقد باتت الأمور واضحة لها الآن ولا شك في ذلك..
لم تكن سورا لتغيب عن الساحة مؤخرا إلا لهدف.. وها هي قد أحكمت قبضتها، وربحت الجولة!!!
وكأن تلك الحركات المتعمدة لاستمالة أيهم لم تكن كافية لطعن سوسن في صميم قلبها، فما زالت على قيد الحياة وما زال بإمكانها احتمال المزيد على ما يبدو، إذ راعها انضمام أيهم فجأة لمراقصة سورا بإيحاء منها، في حركة أثارت انبهار الحضور، فتعالت صيحات الاعجاب والتصفيق الحار، أمام تجاوبه معها بتلقائية، كمن يتبع إشارات (مايسترو) محترف، فينفذها تماما كما يريد ومن دون نقاش!!
تمنت سوسن لو انهى قضت نحبها قبل أن تسُقها قدماها لحضور مشهد كهذا! ولم يعد بإمكانها استحداث حجج واهية أخرى تهدئ بها نفسها من أن أيهم ما فعل ذلك إلا مجاملة لها، وأنه لم يكن ليرفض طلبها أمام تصفيق الجموع وتشجيعهم، بل بدا لها مغيبا تماما وهو يغرق في عالم سورا وحدها!!
لم يلتفت نحوها وهي خطيبته الحبيبة كما يقول ولا حتى مرة واحدة منذ أن صعدت سورا المنصة، ولم يبد أنه قد شعر بوجودها في المكان وهو يشارك سورا رقصتها.. بل لقد بدا كمن نسي أن لها وجودا في هذا العالم كله!
كيف لم تنتبه لهذا من قبل!! إنها معزوفة أيهم التي أخبرها ذات مرة، أنها ما كانت لترى النور لولاها! وما حركات سورا الراقصة التي تراها، وانضمام أيهم لها بعد ذلك إلا تجسيدا لمقاطعها، وها هي سورا على وشك تجسيد الفقرة الأخيرة فيها.. “القبلة الأزلية”!!!
كلا.. لا يمكنها مشاهدة المزيد!! ولا يمكنها احتمال البقاء في المكان أكثر، إذ لم يعد في قلبها خلية سليمة يمكن لسهم جديد اختراقها، لقد انفجر المرجل أخيرا..
فجرت خارج القاعة، وهي تجهش ببكاء لم تتمكن من كتم نحيبه، أخذت تجري دون أن تعرف وجهة محددة تذهب إليها، وسياط اللوم تكويها من جهة..
– لماذا لا تتعلمين من أخطائك!! ألم تمري بحالة مشابهة في حفلة سابقة!! إلى متى ستحتملين هذا العذاب ثم تنهارين هكذا فجأة وعلى الملأ!! كان عليك أن تحسبي حساب هذا من قبل!!
وسياط القهر تكويها من جهة أخرى..
– لماذا يا أيهم.. لماذا تطعنني في قلبي وأمام عيني!! لماذا لا تفكر بمشاعري ولو للحظة!! ألم أفعل كل شيء لأرضيك!! حتى حجابي.. تركته من أجلك… كل هذا.. لأنني أحبك.. أفهكذا تدوس على قلبي حتى تسحقه!! أهذا هو الحب العميق الذي سنجتاز به عقبات الحياة!!!
تمنت لو تنشق الأرض وتريحها من هذا العالم، لو أن أمها ما ولدتها، لو أنها…..
ولم تشعر بنفسها إلا وهي بين ذراعين تلقتاها بحنان بالغ، لتضماها بشدة، فيما انخرطت هي ببكاء شديد لم تستطع إيقافه..
ولم تدر كم مر عليها من الوقت وهي على تلك الحال، قبل أن تنتبه لنفسها مرددة:
– أيهم؟؟!!
غير أن صوتا آخر مألوفا لديها أجابها:
– هل أنت بخير يا سوسن؟
فرفعت رأسها نحوه، لتهتف بدهشة:
– الاستاذ سامر!!!
وبسرعة.. انتزعت نفسها منه بصعوبة، وهي تبذل جهدا كبيرا حتى لا تفقد وعيها وهي بين ذراعيه، وتراجعت خطوتين إلى الوراء.. لتقول له دون تفكير:
– لماذا أنت هنا.. أستاذ سامر؟
ورغم سحابة الحزن التي خيمت على وجهه إلا أنه أجابها بابتسامة حانية:
– لأراك.. وأقف إلى جانبك..
غير أن الهتاف الذي علت نبرته من داخل القاعة، أبى إلا أن يذكرها بمأساتها، فالتفتت نحو المنصة البادية من الشرفة، لتراع بما تفضل (لو تُقتل ألف مرة) على رؤيته!! ولم يخفَ على سامر فهم ما بها وهو يرى آخر مشاهد “القبلة الأزلية”، حيث شخصت عينا سوسن، فأسرع يسندها قبل أن تسقط مغشيا عليها من الكرب الشديد، الذي سرى في أنحاء جسدها دون أن يترك فيه شيئا لم يتضرر.. قدماها لم تعودا تقويان على الحراك، ذراعاها ارتختا، وحتى دموعها.. جفت من مآقيها!!
أخذ سامر يهزها من كتفيها برفق وهو يسندها على كرسي أجلسها عليه:
– إنه لا يستحققك أبدا؛ فلماذا تهمّين نفسك من أجله!! أرجوك يا سوسن.. لا تدمري نفسك من أجله، فهناك من يحبك بصدق ومستعد للتضحية بحياته من أجلك… إنني أنا يا سوسن.. أنا سامر الذي لم يستطع العيش لحظة واحدة منذ أن رآك دون التفكير بك.. لقد أتيت هنا لعلي أراك، ولم يكن لي هم سوى ذلك.. أقسم بأنني سأعمل على إسعادك وتحقيق كل ما تريدين.. أرجوك.. فكري بقلب يتعذب في اليوم ألف مرة ببعده عنك.. تماسكي أرجوك.. من أجلي…
لم تكن سوسن تعي ما يقوله سامر، فقد كانت ذاهلة تماما عما يدور أمامها، وقد بدأت تغرق في الظلام الملتف حولها، وهو يمد بأذرعه الأخطبوطية ليخنقها..
ظلام في ظــــــلام في ظـــــــــــــــــــــــــــلام في ظـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام
ألا من بصيص نور ينقذها!!!!!

***

لم تكد نور تفتح هاتفها بلهفة بمجرد هبوط الطائرة، حتى سرّها استقبالها لتنبيه حول اتصالين من سوسن، وقبل أن تضغط على زر إعادة الاتصال بها، أتاها الاتصال الثالث منها فردت عليها بلهفة:
– الحمد لله أنني تمكنت من سماع صوتك قبل أن نغادر البلاد….
فما راعها إلا صوتٌ ذكوري يجيبها:
– عفوا.. أرجو المعذرة يا سيدة نور لاتصالي المفاجئ بك، معك الاستاذ سامر وقد اتصلت للضرورة بناء على رغبة سوسن..
ألجمت الدهشة فم نور، وعقدت لسانها بشدة، وغاص قلبها أسفل قدميها..
الاستاذ سامر؟؟ ما الذي يجري .. ماذا أصاب سوسن، هل هي بخير؟؟؟؟؟ لطفك يارب..
فيما تابع سامر كلامه أمام صمتها:
– إنها في غرفة العناية، إثر صدمة نفسية عنيفة أفقدتها وعيها، لكنها أفاقت قبل قليل وطلبت الحديث معك فورا، لذا أرجو منك أن لا تثقلي عليها بالحديث من فضلك..
أخذ قلب نور يدق بشدة، وآلاف التساؤلات تزدحم في رأسها من جديد حتى كاد أن ينفجر بها..
لماذا سامر هو من يدير لها الاتصال؟ وما هي طبيعة العلاقة التي تربطه بسوسن ليحدثها بهذه الطريقة!! أين أيهم عنها؟؟ هل حدث مكروه؟؟ هل وهل….
وأخيرا جاءها صوت سوسن الواهن بجملة واحدة فاجأتها:
– ما هو الحب يا نور؟
 
………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
Tags: No tags

إضافة تعليق

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني *الحقول المشار لها بنجمة هي حقول إلزامية