شعار نبراس

تركته لأجلك! – الحلقة 32

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

لطالما أثارت ذاكرتنا عجب الباحثين والمتأملين، خاصة وهي تتصرف كمسجلٍ دقيقٍ لأحداث جرت منذ زمن، لتعرضها عليك في وقت ما، بمجرد وجود أدنى محفز لذلك..
وهكذا.. انفصل سامر عن واقعه لبرهة من الزمن ليجد نفسه في معهد الفنون الحديث، الواقع في الطابق الرابع من مركز المعاهد الرئيسي في تلك المدينة، حيث تمكن من افتتاح معهده الخاص أخيرا..
كان فنانا بطبعه، بل مغرما بالفن وعالمه، فبرع في فرع لا يتقنه الكثيرون، الفن السريالي الحديث، ولشدة ولعه به، قرر إنشاء ذلك المعهد..
إلا أن الاحباط كان نصيبه في البداية؛ لقلة المواهب الفنية المنتسبة لمعهده، لا سيما وقد بدأ يشعر بأن معظم الفتيات اللاتي زاد عددهن مؤخرا، لم يكنّ على تلك الموهبة التي تسمح لهن بالاستمرار معه، وكأنهن ما جئن إلا لمرافقته في موعد غرامي لا يمت لعالم الفن الذي يرجوه بصلة..
حتى جاء ذلك اليوم الذي رأى فيه تلك الفتاة الملتزمة أول مرة قبل سنتين تقريبا، كان الوقت عصرا، إنه يذكر ذلك تماما، فهي مشغولة في الصباح كما أخبرته، بدت جادة جدا وهي تعرّف بنفسها وتعرض هدفها الذي ترغب في تحقيقه من خلال التحاقها بالمعهد:
“لدي أفكار أرغب في إيصالها عن طريق الفن، لذا أسعى لاتقان المهارات الرئيسية بشكل أكبر، حتى أتمكن من خدمة ديني وعقيدتي، فيرضى الله عني..”
رحب بها منذ البداية بلطفه المعهود، إذ لم يكن يمانع في التحاق أي أحد بمعهده، مهما كان فكره ومظهره، ما دام يمتلك الموهبة الفنية اللازمة..
لكنها فاقت توقعاته تماما، كانت هبة الدهر بالنسبة له، وضربة الحظ الموفقة التي طالما انتظرها، لا سيما بعد أن أعادت لمعهده نشوة الفن بلوحاتها المذهلة، كان انجازها أروع مما قد يخطر بباله، حتى أنه كان يقضي معظم وقته في مناقشة لوحاتها وكأنها الطالبة الوحيدة لديه، كان معجبا بها كتلميذة نشيطة مجتهدة، تطبق كل ما تتعلمه باهتمام وجد، لكن اعجابه ذاك لم يقف عند ذلك الحد..
ورويدا رويدا بدأ اهتمامه بها شخصيا يزيد تدريجيا، فهي إلى جانب كونها أفضل من التحق بمعهده من الناحية الفنية على الاطلاق، وأكثرهم جدية في عملها، لديها شخصية فريدة، لم يرَ مثلها بين الفتيات الذين قابلهم على الأقل! وكأي معجب، بدأ يهتم بمعرفة كل شيء عنها، من خلال أسئلة عامة يوجهها بين فترة وأخرى على أعضاء معهده، أو أوراق يدعوهم لتعبئتها بغرض إكمال التسجيل، وهدفه الوحيد هو التعرف عليها بشكل أكبر! هذا إضافة لمحاولاته الجاهدة في التركيز في أي حديث قد يدور بينها وبين إحدى الزميلات، حتى اكتملت صورتها لديه تقريبا..
إنها الفتاة الوحيدة التي لم تخالط أي شاب في المعهد، ولم تفتح لأي واحد منهم مجالا للحديث معها، إلا نادرا جدا وفي حدود الضرورة، ولولا أنه (الاستاذ) لما كلمته أيضا!! كانت فتاة ملتزمة ومثقفة لأبعد حد، ذات شخصية قوية ونافذة، في الواحد والعشرين من عمرها، طالبة جامعية في قسم الآداب، السنة الثانية في تخصص اللغة الانجليزية، من عائلة مرموقة، فوالدها رئيس شركة كبيرة ومعروفة، إضافة لكونه أحد كبار المساهمين في أول مصرف اسلامي في المدينة، لديها أخ وحيد يكبرها بثلاث سنوات..
تلك كانت أعهم المعلومات التي تمكن من معرفتها بطرق غير مباشرة، والأهم من ذلك، كانت على قدر كبير من الجاذبية، فلطالما استرق النظر اليها بل وحاول الاقتراب منها، دون أن تلحظ ذلك، بل لم يكن يشعر أنها تهتم به أصلا، فقد كان مجرد استاذ بالنسبة لها وحسب، دون أن تترك مجالا لتجاوز أي حديث معه، مما جعله يعيد النظر في فكرته عن نفسه، بعد أن كان يدرك تماما مقدار تأثيره على قلوب الفتيات، فهو الشاب الوسيم الأنيق، ذو الابتسامة الساحرة، واللطف الآسر، كانت تلك هي طبيعته اللتي لا يختلف عليها اثنان، إذ لم يكن يصطنع شيئا من ذاك، فما بال تلك الفتاة تقف أمامه كالسد المنيع، رغم أنه فتح أمامها مجالا لم يفتحه لغيرها، وأبدى بها اهتماما لم يُتَح لسواها!! ما بالها تتجاهله خلافا لبقية الفتيات اللاتي ما فتئن يحاولن استدرار عطفه واعجابه!!
ولم يعد يطيق الانتظار أكثر، خاصة وأن الإجازة تقترب دون أن تتطور العلاقة بينهما قدر أُنملة! كانت فرصة مواتية بالنسبة له، فالكل مشغول بلوحته، وهي غارقة تماما في لوحتها ومنسجمة معها لأبعد حد، ولأول مرة لم يركّز فيما ترسمه، بل كان جل اهتمامه منصب عليها شخصيا، كانت تجلس بقامتها المنتصبة أمام لوحتها كالعادة، فيما وضعت ألوانها على منصة صغيرة في الجانب الأيمن، بدت غارقة في التفكير وهي تمسك الفرشاة بيدها اليمنى، لتتخذ قرارا مناسبا بشأن الخطوة التالية، فلم تنتبه له وهو يقرّب كرسيا إلى جانبها من الناحية اليسرى، ويجلس عليه، وبحركة سريعة خاطفة وضع يمناه فوق يمناها كمن يحاول الامساك بالريشة، غير أنه ما كاد أن يلمسها حتى انتفضت من مكانها مذعورة، فنهضت وهي تسحب يدها كمن أصابه مس كهربائي، فلم يكن أمامه سوى التظاهر بأنها حركة غير متعمدة، فأخذ يغمس الريشة- بعد أن استقرت بيده- في الأوان أمامه، وهو يعلّق على رسمتها وكأن شيئا لم يكن:
– بعض اللون الأحمر القاني هنا سيعطي معنى أعمق للوحة…
لم يعرف ما الذي فكّرت به وقتها، لكنه لم يخف عليه ارتباكها الملحوظ بعد ذلك، مما جعله يوازن تصرفاته أكثر معها، حتى نجح في إعطائها شعورا يقينيا بأنها حادثة غير مقصودة أبدا، ولم تكن هي لتستغرب ذلك منه، فقد كان متحررا بطبعه، إلا أن محاولاته المتفرقة للتلميح لها أكثر من مرة؛ لم تتوقف، فقد كان يرغب بالتأكد من حقيقة مشاعرها نحوه، لا سيما وأنهما على النقيض في أمور كثيرة، باستثناء ما يتعلق بـ (الفن)!! لكنها أصبحت أكثر حذرا ولم تكن لتتيح له فرصة البقاء معها وحده، بل إنها كانت حريصة جدا على أن لا يحدث ذلك أبدا، ففي اليوم الذي تغادر فيه الفتيات باكرا؛ تسارع بحزم أغراضها حتى وإن كانت تود البقاء أكثر من أجل لوحتها!! وعندما حاول مناقشتها في بعض الامور الفنية ذات مرة، متحينا فرصة خلوّ المعهد في آخر الدوام، بدت مشتتة الذهن تماما وهي تتابع خروج الفتيات، فاعتذرت بأن لديها أمر هام، وأسرعت بالخروج قبل أن تعيد وضع أدواتها الخاصة في خزانتها على غير العادة، كمن تلوذ بالفرار!!
كان يرغب في التقرب منها أكثر، غير أن هذا بدا مستحيلا بالنسبة لها، مما أشعره بنوع من الإحباط، حتى جاءت خالته الكبرى لزيارته في المعهد على حين غرة، كان وقتها يناقشها في بعض الخطوط التي أضافتها للوحتها، فيما أخذت هي تجيبه باهتمام واضح، فقد كانت حريصة على إبراز فكرتها بالصورة المثلى، فلم ينتبه لوجود خالته إلا بعد أن عاد إلى مكتبه، حيث جلست تحدّق بها بتأمل عميق، وقبل أن يبدي اندهاشه بقدومها المفاجيء، أو يقوم بالترحيب بها بكلمات مناسبة، فاجأته بقولها:
– كنتما ثنائيا رائعا!!
يومها خفق قلبه لأول مرة، وحلّق به خياله الحالم لأبعد حدود قد يصلها، ولم تتركه خالته ليفكّر بجملتها كثيرا، إذ سرعان ما أمطرته بوابلٍ من الأسئلة:
– ما الذي تنتظره حتى الآن!! لماذا لم تتقدم لخطبة تلك الفتاة بعد؟؟ كانت فكرة صائبة أن آتي لمعهدك وأتفقّد الفتيات بنفسي، تخدعنا طوال الوقت بأنك لم تجد الفتاة المناسبة، وأمامك هذه الجوهرة!! لقد طفح الكيل معك فعلا!!!
كان صوت الخالة يعلو قليلا مع انفعالها، مما سبب بعض الحرج لسامر الذي حاول جاهدا إفهام خالته مراعاة المكان الذي تفتح فيه مواضيعها، ومن لطف الله به أن مكتبه في أول القاعة الكبيرة، ويبعد مسافة كافية لإخفاء تفاصيل حديثها عن الموجودين، هذا إن كان تركيزهم منصبا على عملهم وحسب! فيما تابعت هي حماستها في الكلام دون أن تعير ملاحظاته أدنى اهتمام:
– عليك أن تحدد الموعد المناسب لنا لزيارتهم، هل هذا مفهوم!
غير أنه حاول توضيح الأمر لها بقوله:
– إهدئي قليلا يا خالتي أرجوك، الأمور ليست كما تتخيلين، فلا يوجد شيء بيننا!!
فحدجته بنظرات نارية:
– وما الذي تنتظره من فتاة محافظة أيها الأحمق!! هل تتوقع منها أن تصارحك بمشاعرها أم ماذا!!!!!
شعر سامر وقتها بأن عليه أخذ دور المحامي الحاذق للدفاع عن نفسه أمام سيل الاتهامات المسددة نحوه بمهارة، فيما تابعت خالته كلامها:
– نصحتك بأن تلتزم بالصلاة على الأقل، لعلي أجد شيئا ذا قيمة يشفع لك عند أهلها، عندما يسألون عنك..
فلم يملك سامر نفسه من اطلاق ضحكة خافتة:
– لقد أوغلتِ بخيالك كثيرا يا خالتي، هذا يكفي أرجوك..
– بل عليك أن تفكر جيدا فيما أقوله، فقد حان الاوان لتأخذ الأمور بجدية، أم أنك تنوي البقاء عازبا لمدى الحياة!!
فتنهد سامر:
– خالتي أرجوك، لقد أصبحتُ رجلا ناضجا بما يكفي، لتكفي عن معاملتي كالأطفال، أستطيع تدبر أمري بنفسي فلا داعي لهذا كله..
فقاطعته بقولها:
– بل إن كلامك هذا لا يدل على أي نضج على الاطلاق!!
ثم سألته بنبرة جادة:
– ما اسمها الكامل؟
وكالمحاصر في مصيدة لا يمكنه الافلات منها أجابها هامسا باستسلام:
– نور عبد الكريم سالم..
فابتسمت برضى:
– حسنا..
قالت كلمتها تلك، وهي تمسك بحقيبتها استعدادا للذهاب، بعد أن وضعته بين المطرقة والسندان!!
يومها لم يغمض له جفن أبدا، هل حقا لديه الجرأة الكافية ليتقدم لها رسميا!! إنها بالفعل تحتل مساحة كبيرة من قلبه وفكره، كما لم يحدث مع أي فتاة من قبل، فهل هذا سبب كاف يدفعه للارتباط بها! الارتباط بها يعني أشياء كثيرة، أبسطها أن يقوم بتغيير نظام حياته بأكمله، فهل هو مستعد لذلك من أجلها!! لم يكن واثقا من مقدرته تلك، وهذا ما أبقاه مترددا طوال تلك الفترة من فتح أي موضوع بطابع رسمي معها، كان يرغب في التقرب منها أكثر وحسب (ليطمئن قلبه)! وها هي خالته قد نجحت مجددا في إعادته ليعيش تلك اللحظات القاسية، لحظات صراع حقيقية بين عاطفه ملتهبة تدفعه للإقدام، وعقلٍ يملي عليه الاحجام!! هل من الممكن أن يحكم على أسلوب حياته المتحرر بالاعدام، من أجل فتاة محافظة ملتزمة كـ ( نور)!! هل المشاعر وحدها تكفي!! هذا إن كانت تبادله المشاعر على الأقل!! وماذا عن الصلاة!! هل سيلتزم بها من أجلها فقط! لم يكن واثقا من شيء.. حتى غلبه النعاس أخيرا في ساعة متأخرة قبل الفجر!!
بعد ذلك اليوم، بدأت نظراته لنور تأخذ منحى آخر، لقد شعر بانجذاب كبير نحوها وبدأت فكرة خطبتها تتبلور في رأسه أكثر من ذي قبل، لا سيما وأن خالته قد وضعتها في رأس جميع أفراد العائلة تقريبا، وقامت بتحرياتها الخاصة بشأن ذلك!! لم يبق أمامهم إلا التقدم الرسمي برأيهم!! أما هو، فقد كان يود كسب المزيد من الوقت للتعرف عليها والاحتكاك بها أكثر عن كثب، إذ لم يكن يرغب بزواج تقليدي يُحرج فيه نفسه دون أي طائل برأيه!
كانت فكرة الارتباط بها تبعث في نفسه نوعا من الحبور كلما نظر إليها، دون أن تتوقف المفاجآت التي يكتشفها عنها بين الحين والآخر، ولعل من أبرزها تلك المعلومة التي أذهلته، كان ذلك عندما احتاجت إحدى زميلاتها بطاقة شحن لهاتفها بشكل طاريء، فأخبرتها نور بأنها تملك واحدة، ولأنها كانت مشغولة بلوحتها كالعادة، فقد أرشدتها لمكان وجودها في حقيبتها، وبدلا من أن تقوم الفتاة بأخذ البطاقة وحسب، صدرت منها صيحة انفعال صغيرة:
– بطاقة عضوية في نادي الكاراتيه!! ما هذه المفاجأة!! هل تتقنين فن الكاراتيه حقا يا نور!!
ولم تتوانى فتاة ثالثة عن الانضمام اليهما للمشاركة في ذلك الحديث المثير:
– لماذا لم تخبرينا من قبل!
– منذ متى وأنت تتقنين هذا الفن؟؟
– وفي أي درجة من المهارة وصلت؟؟
– هل لديك الحزام الأسود حقا!!
– نريد أن نرى مهارتك في القتال، يبدو هذا رائعا!!
وهكذا انهالت الأسئلة على نور، دون أن يُخطئ سامر التقاط الأجوبة باهتمام ليسجلها في ذاكرته، فقد كان الأمر مفاجئا له أيضا، بل ومثيرا لأبعد الحدود!! لن تتوقف هذه الفتاة عن إثارة إعجابه على ما يبدو!! ومع نهاية ذلك الحديث كانت الصورة قد اكتملت لديه حول هذا الموضوع:
– التحقت نور وهي في الخامسة من عمرها بنادي الكاراتيه الذي سجل به أخوها، فقد كانت مولعة بمرافقته وتقليده منذ الصغر، ولم يجد والداها بدا من تسجيلها معه!! حتى إذا ما بلغت العاشرة من عمرها، كانت قد قطعت شوطا كبيرا في التدريب، لتكون أصغر من يحصل على الحزام الأسود في النادي، لكنها لم تستطع الاستمرار بعد ذلك إذ كان عليها التوقف؛ فاكتفت بممارسة الرياضة لوحدها أو مع أخيها في المنزل، فلم تكن مراكز تدريب السيدات قد فُتحت بعد…
وقتها راود سامر شعور غريب بل ورغبة جامحة لرؤية تلك الفتاة المتزنة، وهي في خضم التدريب! هل هي لاعبة كاراتيه حقيقية!! سيكون ذلك مذهلا لو تمكن من رؤيتها بأم عينه! ومرت الأيام دون أن تفارق تلك الفكرة رأسه، حتى جاءت اللحظة المناسبة، والتي أعد من أجلها الكثير من الجهد والتخطيط، دون أن يفكر بعواقب ما قد يُقدم عليه..
 
………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
شعار نبراس

تركته لأجلك! – الحلقة 31

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

لم تشعر سوسن برغبة جامحة للاستزادة من علوم الدين كما شعرت ذلك اليوم، بل وكانت حماستها لمحادثة نور في أوجها خاصة بعد تلك المحاضرة، فما أن وصلت المنزل حتى أسرعت لغرفتها، وبدون تردد تناولت هاتفها لتحادثها، كانت سعيدة بسماع صوتها المبتهج مما يبشر بأن صحة والديها بخير، فدخلت معها بالحديث الذي اتصلت من أجله بسرعة..
– لقد كانت لوحاتك محل اهتمام معظم الجماهير اليوم، بعد أن ألقى الأستاذ سامر محاضرة عن الفن السريالي متخذا منها نموذجا له، وقام بإبداء آرائه الخاصة عليها، حتى أنه طلب مني- بصفتي صديقتك- مشاركته في تقديم العرض لأجيب عن تساؤلات الجمهور، كانت فرصة رائعة لنشر أفكارك النبيلة يا عزيزتي، فقد أخبرتهم بكل ما حدثتيني به، عن النية والايات القرآنية والأجواء الروحانية التي تستلهمين منها مواضيع اللوحات….
انتبهت سوسن إلى أنها تحدثت لفترة طويلة بحماسة دون أن تسمع شيئا من نور، فظنت أن الاتصال قطع بينهما بعد أن اختفى صوتها فجأة على ما يبدو، فنادتها لتتأكد:
– نور.. هل تسمعينني؟؟
أعادت جملتها مرتين قبل أن يأتيها صوت نور:
– أجل أسمعك يا عزيزتي.. جزاك الله خيرا على ما فعلتيه وجعل ذلك في موازين حسناتك..
فأشرق وجه سوسن من جديد:
– الحمد لله، في الحقيقة الشكر كله للاستاذ سامر فقد كان هذا لطف كبير منه فعلا..
وساد صمت من جديد حتى أن سوسن شكّت بوجود مشكلة في خطوط الهاتف، فنادت مرة أخرى:
– نور.. الا زلت تسمعينني؟؟
فجاءهه رد نور واهن هذه المرة:
– أجل..
عندها شعر سوسن ببعض القلق:
– هل أصابك شيء يا عزيزتي؟ هل أنت بخير؟؟
وأخيرا قالت نور:
– سوسن يا حبيبتي انتبهي لنفسك، فقد يكون الرجل اللطيف أحيانا أخطر على الفتاة من الوحش المخيف!
شعرت سوسن برعشة سرت في جسدها كتيار من الكهرباء، فسألتها بتوجس:
– تقصدين الأستاذ سامر؟؟ هل تعرفينه من قبل؟!!
غير أن نور أسرعت توضح كلامها:
– انني أتحدث بشكل عام يا سوسن ولا أقصد أحدا بعينه!
إلا أن كلامها ذلك لم يطمئن سوسن أبدا، فسألتها بقلق:
– أرجوك يا نور كوني صريحة معي، هل شعرت بشيء مما أخبرتك به يثير الشكوك؟؟
فأجابتها نور بوضوح:
– أرجو أن لا تسيئي فهمي يا سوسن، ولكن من الواضح أن هذا الاستاذ يحاول التقرب منك على ما يبدو!! لا أستطيع الجزم بذلك طبعا، ولا يوجد لدي دليل أيضا، تستطيعين أن تعتبرينه مجرد احساس لا أكثر، وبالطبع لا اتهمه بشيء استغفر الله، فقد يكون بريئا من ذلك كله، كل ما طلبته منك هو أن تنتبهي لنفسك يا عزيزتي لا أكثر!
أسقط في يد سوسن وانقبض قلبها وقد بدأت ذاكرتها تسترجع تعليقات أيهم بداية، وكلام الزوار بعد فراغ العرض نهاية:
– شكرا لكما، لقد تعلمنا الكثير عن الفن السريالي
– الشرح كان واضحا
– أبدعتما بشكل مذهل
– هل يمكنكما إعادة العرض في أوقات أخرى
– كنتما ثنائيا رائعا
-………………
فيما تابعت نور كلامها في محاولة لتلطيف الجو:
– كما قلت لك عزيزتي، كلامي كان عاما فهذا قد يحدث بين أي رجل وامرأة مهما كانت ظروفهما، انها الطبيعة البشرية التي جاءت الشريعة متوافقة معها ويحاول البعض انكارها للأسف.. بينما تجدين المنصفين حتى من غير المسلمين لا يعارضونها!! أجاثا كريستي مثلا.. كثيرا ما تجدينها تشير للطبيعة البشرية في رواياتها..
كانت ملاحظتها تلك كفيلة بلفت نظر سوسن التي سألتها باهتمام:
– هل تقرئين لها أنت أيضا!!
فابتسمت نور:
– أجل.. في الحقيقة تعجبني طريقة تفكيرها كثير، بغض النظر عن بعض الأمور التي تأتي بناء على طبيعة مجتمعها.. ورغم ذلك فهي من أكثر الكتاب الذين قرأت لهم انصافا للفطرة السوية والواقعية، ثم انها سيدة محافظة بشكل كبير.. هل تصدقين.. لقد أشارت في احدى رواياتها لضرورة تواجد الام لرعاية بناتها المراهقات اكثر من الاطفال.. مؤكدة على خطر ترك الفتيات من دون توجيه ورعاية!! ولديها افكار أشعر أحيانا أنها تستقيها استقاء مباشرا من الدين الحنيف.. خاصة فيما يتعلق بالعلاقات بين الرجال والنساء! انها الفطرة السوية، ( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله)..
عندها قالت سوسن:
– رغم انني قرأت لها كثيرا، إلا أنني لم ألاحظ أي شيء مما ذكرتيه في السابق، ما شاء الله؛ لديك قدرة على ربط الأمور ببعضها بطريقة عجيبة يا نور.. ليتني أتعلمها!!
فردت نور:
– هذا بفضل الله أولا وأخيرا، ثم إن أي شخص يزيد من ثقافته الدينية، تزيد قدرته على الملاحظة والتحليل بإذن الله، فالعلوم الدينية بوابة لفهم هذه الحياة وقراءة ما بين سطورها، ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين..
وأطلقت ضحكة مرحة:
– انني أتحدث وكأنني عالمة العصر أستغفر الله، بالطبع ما زلت في البداية وأسأل الله أن يزيدني علما..
فابتسمت سوسن لملاحظتها تلك:
– على الأقل بالنسبة لي يا نور؛ أنت عالمة العصر فعلا..
فجاءها رد نور بلهجة جادة:
– وما أدراك يا عزيزتي.. سأكررها مرارا، ليست العبرة بمن سبق، إنما العبرة بمن صدق، وأنت صادقة في مبتغاك يا سوسن بإذن الله..
فتنهدت سوسن:
– أرجو ذلك..
والتقطت نفسا قبل أن تقول:
– ليتني أتعلم كل شيء وأعرف كل شيء بسرعة لأعوّض عن تقصيري، أفلا يوجد كتاب جامع يعلمني كل شيء مرة واحدة يا نور؟؟ بالطبع بدأت أقرأ القرآن وأحاول قراءة التفسير أيضا، ولكنني..
وبترت جملتها بعد أن احتارت في اختيار التعبير المناسب، فابتسمت نور:
– أفهمك يا سوسن، ولكن لا تستعجلي، فبالتدريج تنالين كل شيء بإذن الله فالعلم والمعرفة حصيلة تراكمية، ومن عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم..
ثم استدركت فجأة:
– هل قرأت كتاب (تعريف عام بدين الاسلام) للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله؟؟ أظنه كتابا مناسبا..
فأطلقت سوسن ضحكة صغيرة:
– يكفي أن عنوانه مناسبا، فانا كحديثي العهد بالاسلام لا أعرف عنه شيئا!
فقالت نور:
– لا تستغربي إن ما قلت لك بأنني شعرت بالشيء نفسه عندما قرأت الكتاب أول مرة، لقد شعرت وقتها أنني أول مرة أعرف ما هو الاسلام حقيقة!
واستطردت متابعة:
– للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أسلوب فريد في عرض الأفكار، كتاباته تبهرني دائما، إنها من النوع السهل الممتنع الذي يأسر الألباب، ثم إنني أعده من أكثر العلماء الذين ساهموا في بناء تصوري عن هذه الحياة، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته..
فرددت سوسن بتأثر:
– رحمه الله، للأسف لم أسمع عنه من قبل وسأحاول قراءة الكتاب في أقرب فرصة إن شاء الله..
***
اليوم هو آخر أيام المعرض العالمي..
ترددت تلك الكلمات في أذنيه كوخزات إبر على غشائي طبلتيه، حتى كادتا أن تتمزقا من شدة الألم!! .. لن يراها مرة أخرى.. هذا مؤكد.. وأسوأ ما في الأمر أن هذا لن يعني لها شيئا!!
هذا ما كان يعتمل في ذهنه وهو يجر قدميه جرا لينتقل بين أرجاء المعرض كمن يودع الأطلال التي جمعته بــ سوسن..
تنهد سامر بألم:
– ما الذي أعنيه لها؟؟ مجرد أستاذ لا أكثر!!!
كان قلبه يتمزق:
– لماذا يحدث هذا لي!!! لماذا علي أن أكبت مشاعري!! فقط لو أن الظروف مختلفة.. عندها..
وجد نفسه أمام لوحات نور مرة أخرى، لماذا تصر قدميه على توجيه مسيرته إلى هناك؟؟
“كنتما ثنائيا رائعا”
وعادت به ذاكرته لعامين كاملين، يوم أن التقى نور أول مرة في معهد الفن الحديث..
 
………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
الذبابة-الشريرة

الذبابة الشريرة

عن القصة:

كيف لكلمة أن تثير المشاكل، أو أن تحل خلاف؟!!
راوية وريم وروعة، ثلاث أخوات يعشن بسعادة في ظل والدين كريمبن، فكل واحد يعرف دوره ويقوم بواجبه، حتى حدث أمر لم يكن بالحسبان، فقلب حياتهن رأسا على عقب!
ترى.. ما قصة الذبابة الشريرة، وكيف استطاعت افساد حياة الأخوات الثلاث؟!

قصة للأطفال، نُسِجت بخيوط التسلية والمتعة..

التصنيف: خيال، شريحة من الحياة

كان يا مكان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان، ولا يطيب الكلام، إلا بذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله، خير الأنام (صلى الله عليه وسلم)..

كان هناك مستنقع كبير في إحدى الغابات الكبيرة، يضم مختلف أنواع الحشرات، ورغم أن تلك الحشرات اشتهرت بسوء أدبها وإيذائها للجميع، إلا أن أكثرهم سوءا؛ كانت ذبابة سوداء، لم يسلم من شرها أحد، ولا حتى الحشرات نفسها! إذ كانت دائما ما تثير الفتن والمشاكل بينهم، حتى عقدت الحشرات اجتماعاً طارئاً؛ قرروا من خلاله طرد الذبابة الشريرة من المستنقع، وعدم السماح لها بالسكن قربهم أبداً…

غادرت الذبابة الشريرة المستنقع، وهي تهدد وتتوعد بأنها ستنتقم من الجميع شر انتقام، ولأن الشر يسري في دمها، فقد أخذت تبحث عن مكان جديد، تمارس فيه هواياتها الشريرة!

وفي طرف الغابة، وجدت الذبابة الشريرة ما تبحث عنه، حيثُ عثرتْ على كوخ جميل، تقيم فيه عائلة سعيدة، مكونة من أب وأم وثلاث بنات..

كان الأب حطاباً، يخرج لعمله قبل شروق الشمس، مصطحباً فأسه، ليعود قبيل الغروب مع رزمة الحطب، وفي نهاية كل أسبوع، يذهب إلى المدينة لبيعه وقبض الثمن، في حين تقضي الأم وقتها في الخياطة، حيث تبيع ما تنجزه لأهل المدينة، كما تقوم بشراء الحاجيات الأساسية للمنزل، عند ذهابها إلى هناك..

أما البنتين الكبرى والوسطى؛ فقد تقاسمتا الأعمال المنزلية المطلوبة، إذ تقوم الأخت الكبرى (راوية) بإحضار الماء من النهر، لتملأ الدِلاء في المنزل، وتزويده بحاجتهم من الماء، وتقوم الأخت الوسطى (ريم) بالتنظيف والترتيب، فيما تقضي الأخت الصغرى (روعة) معظم وقتها باللعب مع الدمى؛ فهي لا تزال صغيرة على العمل..

وبالطبع كانوا يجتمعون على العشاء، وأحياناً على الغداء أيضاً، حيث تعد لهم الأم أشهى الوجبات المفيدة والمغذية..

كانت حياة العائلة منظمة، الكل يعرف واجباته، ويقوم بها على أكمل وجه، فكانوا مثالا للأسرة السعيدة الراضية..

لكن الذبابة الشريرة لم يعجبها هذا الوضع من الاستقرار، الذي تنعم به العائلة؛ فقررت التدخل!

ذهبت في البداية إلى الأخت الكبرى (راوية)، وهمست في أذنها قائلة:

– أنتِ تتعبين كثيراً عند جلب الماء إلى المنزل، في حين تنعم أختاك بالراحة، أختك الوسطى تقوم بأعمال بسيطة فقط، وأختك الصغرى تعفيها أمك من المسؤوليات؛ رغم أنها قد كبرت الآن، وهذا ليس عدلاً!

أخذت راوية تتلفّت حولها بتعجب، وهي تتساءل:

– من هذا الذي يحدثني؟

ولكن الذبابة الشريرة كانت ماهرة بالاختباء بسرعة، فلم تدع راوية تلاحظ وجودها، وعندما حاولت راوية تجاهلها، عادت الذبابة من جديد لتهمس في أذنها:

– فكري جيداً بالموضوع، أختك الوسطى مرتاحة في المنزل الآن، وستقوم بسكب الماء الذي تتعبين بإحضاره، لتتظاهر بالتنظيف؛ في حين أنها تتسلى بذلك! أما أنتِ فتتعبين تحت أشعة الشمس!

وأخيراً وقفت راوية للحظة، تفكر بما سمعته، ثم شعرت بالغضب يشتعل في نفسها، فألقت بالدلوِ من يدها، وعادت إلى المنزل غاضبة، وهي تردد:

– لن أقوم بحمل دلاء الماء بعد اليوم أبداً..

وعندما وصلت إلى البيت، وجدت أختها الوسطى (ريم) بانتظارها، وهي تحمل مقشة التنظيف في يدها، لكنها تفاجأت عندما لم تجد دلو الماء معها، فسألتها بدهشة:

– أين الماء يا راوية؟ لقد أنهيتُ ترتيب البيت، لكنني لم أستطع تنظيفه بعد، فقد نَفِد الماء من عندنا!

فما كان من راوية إلا أن صرخت بوجهها قائلة:

– إذا أردتِ الماء فاذهبي وأحضريه بنفسك، بدل اللعب به هنا..

غضبت ريم من طريقة أختها في الكلام، فردت عليها بصراخٍ مماثل:

– ماذا!! هل تقولين بأن تنظيفي للمنزل لعباً!! وما الذي تفعلينه أنتِ إذن! لا فائدة تُرجى منكِ أبداً، ولا تستحقين أن تكوني أختاً كبيرة..

ولم تحتمل راوية إهانة أختها، مما أدى إلى دخولهما في شجار عنيف، حتى أن الأخت الصغرى (روعة) اختبأت تحت السرير من شدة الخوف، إذ لم تعتد على وجود الشجار في منزلهم قبل اليوم..

أما الذبابة الشريرة فقد أخذت تضحك بسعادة، وهي تشاهد ذلك الشجار، لكن عودة الأم أفسدت عليها هذه المتعة!

كانت الأم سيدة حكيمة، فسرعان ما أنهت الخلاف بين البنتين، بعد أن سمعت منهما ما حدث، فأفهمت راوية بأن عَمَل ريم في المنزل؛ لا يقل أهمية عن عملها في جلب الماء، ثم قالت لريم بأنه ما كان عليها أن ترد على راوية بالأسلوب الغاضب نفسه، لتزيد الطين بلة! فاعتذرت البنتان عن فعلتهما، ليعم الوفاق بينهما من جديد..

لكن الذبابة الشريرة لم يهدأ بالها، وشعرت بالغيظ، فأخذت تخطط لفكرة شريرة أخرى، تُفسد من خلالها جو العائلة الهاديء!

وفي اليوم التالي، وبينما كانت الأخت الوسطى (ريم) منشغلة بترتيب البيت، سمعت صوتاً يهمس في أذنها:

– رغم أنك لستِ الأخت الكبرى؛ إلا أن المسؤولية الملقاة عليكِ كبيرة جداً، تهتمين بأمور المنزل، وتعتنين بأختك الصغرى، بينما تخرج أختك الكبرى إلى الغابة بحجة إحضار الماء، فتلعب هناك وتستريح، ولا تعود إلا بعد أن تتأكد من أنك انتهيتِ من الترتيب، حتى لا تساعدك فيه!

التفتت ريم حولها بفزع:

– من هناك؟ من هذا الذي يكلمني هكذا؟

غير أن الذبابة الشريرة اختبأت بسرعة كالمعتاد، فلم تتمكن ريم من رؤيتها، وعندما حاولت أن تستأنف عملها في المنزل، عادت الذبابة لتهمس في أذنها من جديد:

– انظري إلى أختك الصغرى، إنها تلهو بمرح ولا مبالاة، ولا تفكر بمساعدتك أبداً، رغم أنك عندما كنتِ في مثل عمرها؛ بدأتِ بالمساعدة في المنزل، وهذا ليس عدلاً!!

في تلك الأثناء، دخلت روعة مسرعة إلى المطبخ، وهي تحمل دميتها الصغيرة، لتشرب كوباً من الماء، فلم تنتبه للمكنسة التي وضعتها ريم في الطريق، ريثما تُحضر ما تجمع به الأتربة المتكومة على الأرض، فما كان من روعة إلا أن ارتطمت بها، لتتبعثر الأتربة في كل مكان! وفي تلك اللحظة أقبلت ريم، وعندما رأت ما أحدثته روعة من فوضى، ثار غضبها بشدة، فضربتها، وهي تصرخ بها بغضب:

– ألا يكفي أنك مدللة وعديمة الفائدة! لم أعد أحتمل أكثر من هذا أبداً!!

وأخذت روعة تبكي وتنتحب بأعلى صوتها، فيما أثار ذلك غضب ريم أكثر، فأخذت تهزها وتنهرها بشدة:

– اصمتي ايتها المدللة لم أفعل لك أي شيء، هذا يكفي!!

فيما كانت روعة تصرخ وتبكي بإصرار، وهي تدفعها بيديها:

– أنتِ قاسية.. لا أحبك.. لم أفعل لك شيئا لتضربيني.. سأخبر أمي..

وعندما عادت راوية ورأت الشجار بين أختيها؛ حاولت التدخل لحل المشكلة، لكن ذلك زاد الأمر سوءا! إذ سرعان ما وجّهت ريم غضبها نحوها باتهامٍ صريح:

– هل عدتِ من اللعب أخيراً!

وكانت جملتها تلك كفيلة بإثارة غضب راوية، التي ردت عليها بحدة:

– هل تُسمّين جلب الماء تحت أشعة الشمس لَعِباً!!

ولم تتمالك الذبابة الشريرة نفسها، فاستلقت على ظهرها فوق أحد الرفوف، من شدة الضحك!!

وعندما عادت الأم فوجئت بحالهن، فهذه روعة تبكي، وراوية وريم تتجادلان بحدة!!

وكما فعلت في المرة الماضية، حاولت أن تحل المشكلة بينهن بحكمة، حتى هدأت الأمور من جديد..

لكن تكرار المشاكل مرتين متتاليتين؛ أثار ريبة الأم، فعزمت على أمرٍ ما..

في اليوم التالي، خرج الأب إلى عمله كالمعتاد، وخرجت الأم إلى السوق، وذهبت راوية لإحضار الماء، وبدأت ريم بكنس أرضية المنزل، في حين أخذت روعة تلعب بألعابها في الغرفة، عندما سمعت صوتاً يهمس في أذنها:

– لا أحد يحبك في هذا البيت، ولا أحد يهتم باللعب معك أبداً، أنتِ دائماً وحيدة، والجميع يُملي عليك الأوامر فقط! حتى أختك ريم تعاملك بشكل سيء، وأنتِ تطيعينها فقط! عليكِ أن تثبتي لها بأنك حرة ولا دخل لها بك، وليس من حقها أن تحرمك من اللعب بالطين كما تشائين!!

فكّرت روعة بما سمعته، فألقت الدمى والألعاب على الأرض بغير ترتيب، ونهضت من مكانها، وقررت أن تفعل ما يحلو لها، مما أسعد الذبابة الشريرة كثيراً، فأخذت تتبعها، وتحثّها على ارتكاب الأخطاء، وهي تترقب ما سيحدث من مشاكل جديدة، بسعادة كبيرة! ولكن قبل أن تفعل روعة أي شيء؛ دخلت أمها فجأة:

– هل ستستمعين لكلام الذبابة يا روعة؟

نظرت روعة إلى أمها بدهشة، وسألتها بتعجب:

– أي ذبابة يا أمي؟

أما الذبابة فقد كادت أن تموت من الخوف، فلم تكن تعرف أن الأم كانت تراقبهم من النافذة، فحاولت الهرب من المنزل بسرعة، لكن الأم تمكنت من الإمساك بها، ثم وضعتها في علبة زجاجية صغيرة، وأغلقتها عليها بإحكام، فأخذت الذبابة الشريرة تصرخ وتستغيث:

– أخرجوني من هنا… أخرجوني بسرعة..

وضعت الأم العلبة على طاولة المطبخ، ونادت على ريم- التي تفاجأت من عودة أمها من السوق بسرعة- ثم انتظرت راوية ريثما تعود من الخارج، وبعد أن اجتمعت الفتيات الثلاثة حول الطاولة، كما طلبت منهن أمهن، قالت لهن:

– هذه الذبابة هي من كانت توسوس لكم بالأفكار الشريرة، لتثير المشاكل بينكن..

تفاجأت الفتيات الثلاثة مما قالته أمهن، ونظرنَ إلى بعضهن البعض بتعجب، وقد فهمنَ كل شيء!! فقد عرفن أخيراً من كان يهمس في آذانهن بتلك الأفكار!!

فيما تابعت الأم كلامها:

– وقد تكون هناك ذبابات أخرى، فهل ستسمحن لحشرة صغيرة بأن تضحك عليكن هكذا؟

شعرت الفتيات الثلاثة بالخجل من أنفسهن، ووعدن أمهن بأنهن لن يستمعن لأية أفكار سيئة مهما كانت..

في تلك الأثناء عاد الأب من عمله، بعد أن انتهى من بيع الحطب باكراً، ومعه ثلاث هدايا للبنات، فشكرنه ووعدنه بأن يكنّ دائماً عند حسن الظن..

وهكذا… عاشت العائلة بسعادة ورضا من جديد، الكل يعرف واجبه، ويقوم به على أكمل وجه، ويحسن الظن بالآخرين..

***

تمت

ملاحظة ختامية على هامش القصة: قبل بضع سنوات وخلال إحدى الاجتماعات العائلية؛ حدث شجار (أو خلاف طفولي ^^) بين ثلاث فتيات صغيرات من الأقارب، فخطر ببالي حل المشكلة (كالعادة) عن طريق قصة انسجها لهن من واقع الحدث، فجاءت هذه القصة من وحي اللحظة (بإلهام من الله)، ومن فضل الله أن براءة الطفولة تتفاعل مع القصص المَحكِيّة وتأخذها على محمل الجد، مما ترك أثراً إيجابيا على الفتيات والحمد لله في ذلك الوقت ^^
وقد خطر ببالي وقتها أن أقوم بكتابة هذه القصة، وكتبتُ ملاحظة بذلك، ولكن لم يتسنى لي تنفيذ هذه المهمة إلا بعد سنتين تقريبا من تلك الحادثة، وجزى الله خيرا من كان السبب..
بالطبع، أجريتُ تعديلا طفيفاً على القصة من حيث تغيير نوع الحشرة، فوقتها كانت هناك فراشة شريرة تم طردها من مملكة الفراش!! أما عند الكتابة ففضلتُ أن تكون الحشرة ذبابة؛ لنضرب عصفورين بحجر واحد كما يقول المثل (وبالطبع لا أحب ضرب أي عصفور^^)
كما أنني نسيتُ أسماء الأخوات الثلاثة، فأضفتُ أسماء جديدة، وما سوى ذلك؛ فالقصة تقريباً هي هي كما أتذكرها، وقد تم تحويلها فقط لأحرف مطبوعة^^

شيء آخر… عندما حكيتُ القصة أول مرة ورأيتُ تفاعل الفتيات معها (والحمد لله) أخبرتهم بأن عمل الشيطان هو الوسوسة، لذا نحن نتفل عن يسارنا ثلاث مرات ونقول “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم” إذا خطرت ببالنا أفكار شريرة…
وأرجو أن تكون هذه الفكرة ذات فائدة لكل طفل تقصون عليه هذه القصة، فعندما كنتُ صغيرة وكنا نرتكب الأخطاء، كانت جدتي (رحمها الله) تقول لنا عند أي خطأ، أو عندما نشرع بالبكاء المزعج: – الان الشيطان يضحك عليكم وسيذهب لأخذ جائزة من أمه! وطبعا نحن لا نريد لهذا الشيطان أن يضحك علينا ولا نريده أن يأخذ جائزة من أمه، لذلك نكف عن الازعاج^^
(رحمك الله يا جدتي وأسكنك الفردوس الأعلى من الجنة)

وها نحن في هذه الايام الفضيلة من عشر ذي الحجة؛ نجدد نشر هذه القصة مع خلفيتها على نبراس المانجاكا، لعلها تكون نبراساً للصغار وللكبار على حد سواء، بل ونبراسا للمؤلفين والمانجاكا وكل من يسعى لنشر خير او دفع شر، والكلمة الطيبة صدقة ^^

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعا لكل خير، ويجعل أعمالنا وأقوالنا وكتاباتنا صالحة ولوجهه خالصة، ويتقبلها منا بقبول حسن..

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

كلمات

كلمات

عن القصة:

كانت مهيبة تحاول مقاومة المرض بصعوبة وهي تتشبث بدفترها البلوري، مرددة:
– يجب أن أفعل شيئا قبل أن تبتلعه الهاوية!
فيما تطايرت الفراشات حولها بقلق!!
فما هي قصة هذا الدفتر وما علاقته بالفراشات؟

التصنيف: خيال, رمزي

في إحدى قلاع العالم الأسطوري المهيبة؛ تراقصت فراشات مضيئة لامعة فوق أحد الرفوف المكتظة بالأوراق القديمة..
قالت إحداها بقلق:
– أخشى أن تكون حالة سيدة القلعة أسوأ مما نتصور، فهي لم تحرك قلمها منذ اسبوع!
فعلقت أخرى بحزن:
– نحن نبذل جهدنا من أجلها، ولكن ما باليد حيلة! فلا زالت تهذي باسم “الأمين” منذ ذلك الحين، إلى أن فقدت وعيها وهي تكتب في دفترها الخاص! يبدو أن غيابه أثّر عليها كثيرا!
عضّت الفراشة السوداء على أسنانها بغيظ:
– يا له من فتى عديم المسؤولية…
فأسرعت الفراشة الحمراء لتسكتها:
– إياك أن ترفعي صوتك بهذا، فهذا سيؤلم السيدة مهيبة أكثر! أنت تعرفين مكانته لديها، وأجزم أنها تعتبره كابنها!
– بل أتحدى أنه لو كان لديها ابن، لما اظنها أحبته واهتمت به أكثر منه! أخشى أن تعلقها به أثر على صحتها!

**

وفي إحدى الغرف؛ كانت مهيبة مستلقية على مكتبها، فوق دفترها البلوري الخاص، عندما فتحت عينيها فجأة وهي تشعر بحرارة شديدة، فتلفتت حولها محاولة تذكّر ما الذي كانت تفعله! وما أن وقعت عيناها على السطر الأخير، الذي كتبته في دفترها؛ حتى ارتجف قلبها، وبصعوبة حاولت امساك القلم، غير أن أصابعها لم تسعفها، فتهاوت على المنضدة بإنهاك تام، فيما نفرت الدموع من عينيها، وهي تتمتم:
– يجب أن أفعل شيئا قبل أن تبتلعه الهاوية.. يجب أن أقاوم المرض.. يجب أن انتهي من هذا كله قبل فوات الأوان…
غير أن فراشة زرقاء زاهية، قالت لها:
– هوّني عليك يا سيدتي! لا داعي لأن تضغطي على نفسك من أجل شخص مثله، إنه حتى لم يكلف نفسه عناء السؤال عنك…
غير أن مهيبة رمقتها بنظرات كادت أن تحرقها:
– كم مرة عليّ أن أكرر كلامي؟ انا لا يهمني أي شيء من ذلك! ولطالما كررتها.. حتى إن لم أعد أعني أي شيء للأمين، فهو لا يزال يعني لي كل شيء، وأريد منكم جميعا أن تدركوا هذا جيدا، إذا كنتم تهتمون لأجلي حقا؛ فأرجو منكم مساعدته والوقوف إلى جانبه..
وتهدج صوتها بانكسار يغلفه حزن شديد:
– إنني أرجوكم.. إذا كان هناك أي شيء يمكن فعله لأجل الأمين، فلا تترددوا في ذلك..
– ارجوك كوني واقعية! انه ليس ابنك من لحمك ودمك!! لذا توقفي عن معاملته وكأنه كذلك، لأنك عاجلا أو آجلا ستندمين!!
بوغتت مهيبة بتلك الحقيقة، لكنها سرعان ما قالت:
– قد لا يكون ابنا من لحم ودم، ولكنه ابن الروح والقلب، ولن أتوانى عن تقديم كل ما أملك لأجله..
وتنهدت:
– أنا لا اعرف إلى متى ستظل مشاعري نحوه بهذه الطريقة، ولا يهمني أن أعرف، ولكن طالما أنه يعني لي كل هذا، ويحتل كل هذه المكانة لديّ؛ فأنا لا أريد الشعور بالندم لتقصيري نحوه!
لم تحتمل الفراشة السوداء سماع المزيد، فهمست بغيظ:
– ليتني أفهم عقلية مهيبة وكيف تفكر! أشعر أنني لم أعد أطيق الأمين بسببها! فتى عديم المسؤولية، يتلقى كل هذا الاهتمام منها، ونحن بالكاد تلتفت إلينا؟ أشعر وكأنه سحرها…
– أجل.. هذا صحيح.. لقد سحرها حقا وما أنتم سوى جزء من هذا السحر!
تلفتت الفراشات بحثا عن مصدر الصوت بتعجب:
– من يتحدث؟
– لا أظنكم تعرفون الحقيقة، ولا حتى تدركونها.. مهيبة كانت على شفير الهاوية، وكادت أن تفقد آخر معنى لها في الحياة، إلى أن ظهر “الأمين”، فكان سببا لإعادة الحياة لروحها اليائسة!
فقالت الفراشات بصوت واحد:
– هراء! لا نذكر أي شيء من هذا!! نحن صديقات مهيبة… نحن من يلازم مهيبة دوما ويؤنسها.. ونحن الأقرب إلى قلبها.. نحن…..
– وهنا مربط الفرس! ما أنتم سوى كلمات الأمين التي امتزجت بمشاعر مهيبة.

***

أطبق صمت مهيب لم تستطع أي فراشة الافلات منه بسهولة، فيما أخذت فراشات ذهبية جديدة بالتكاثر من مداد كلمات مهيبة، المنسكبة على أوراق دفترها البلوري!
تنهدت الفراشة الزرقاء، وهي ترى سيل الفراشات الذهبية الجديدة المندفعة باتجاه النافذة، والتي لم يشك أحد بأنها تتجه صوب الأمين، بحثا عنه، وإنقاذا له:
– أظنني بدأت افهم ما يجري هنا! فإذا كنا نحن “كلمات الأمين” التي رفرفت حول مهيبة ردحا من الزمن، فهذا يفسر كل شيء!!
غير أن الفراشة السوداء قالت بامتعاض:
– لا أريد أن أصدق بأنني جزء من ذلك الفتى، رغم أنها تبدو الحقيقية! فلا أذكر أي وجود لي قبله!
ثم ابتسمت بسخرية:
– يبدو أنني أمثل الجانب المظلم من كلماته!
– بل أنت الجانب الأكثر اهتماما وصراحة!
لم تنتظر الفراشة الزرقاء ردا على جملتها تلك؛ بل رفرفت عاليا في السماء، لتتبع سيل الفراشات الذهبية، قائلة:
– إذا كانت “كلمات” الأمين سببا في وجودنا هنا؛ فحريٌّ بنا أن نكون أولى من يهب لإنقاذه! وهذا أكثر ما تريده منا “مهيبة” الآن!

*****
تمت
*****

همسة:
قد لا نتصور احيانا مدى تأثير “الكلمات” على النفس، حتى نجرب ذلك بأنفسنا!!!
كلمة واحد قد تصنع فارقا كبيرا، أكثر مما يتصوره العقل والمنطق!
ولذلك ضرب الله بها مثلا!
(مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها)
وقد روي في الحديث:
(إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم)
وإذا كان تأثير الكلمات كبير جدا على الآخرين بشكل عام، فهو ذو تأثير مضاعف بلا شك، على الاشخاص الذين يهتمون لأمرك كثيرا!!!
كلمة واحدة من شخص يهمك أمره، قد تصنع حياتك؛ أو تقلبها رأسا على عقب!
ولأن أكثر من يهتم لأمرنا هم “والدينا”، بل ولن تجد أحد في العالم يحبك ويهتم لأمرك أكثر من والديك؛ فقد كانت لطريقة “الكلمات” معهما أهمية خاصة جدا، لدرجة أن نزلت بذلك آيات عظيمة!
(ولا “تقل” لهما أف)
(و”قل” لهما قولا كرما)
(واخفض لهما جناح الذل من الرحمة و”قل” رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)

***

نسأل الله ان يهدينا لافضل الاقوال والاعمال والنيات، ويوفقنا جميعا لما يحب ويرضى
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

ملكة-النجوم-السعيدة

ملكة النجوم السعيدة

عن القصة:

لم تكن النجمة الزرقاء نجمة عادية، إذ سرعان ما احتلت مكانة خاصة استثنائية لدى “ملكة النجوم السعيدة”
وفي اليوم الذي كانت تخطط فيه الملكة لاطلاعها على سر خطير؛ حدث ما لم يكن بالحسبان!
فهل ستتمكن ملكة النجوم السعيدة من تجاوز ذلك؟!

التصنيف: خيال, نفسي

يُحكى أنه في أحد الكواكب البعيدة، كانت تعيش فتاة وحيدة، تُعرف بملكة النجوم السعيدة..

كانت سماء الكوكب مزدانة بالنجوم الملونة بجميع الألوان والأحجام، وكانت الملكة تحرص أشد الحرص على أن تنعم جميعها بالسعادة، وتبذل جهدها لأجل ذلك..

وذات يوم، لمعت نجمة زرقاء فريدة في سمائها على غير العادة، لتلقي عليها التحية بابتسامة تشع سعادة، قبل أن تقول:

– لم أرَ سماء مليئة بالنجوم كهذه السماء من قبل! تبدو مميزة جدا بشكل خاص، ألهذا سر يا ترى؟

أطرقت الملكة برأسها قليلا، في محاولة للتذكر، ثم أجابت:

– ربما كان لذلك سببا لكنني لا أذكره، المهم أن منظرها يبعث على السعادة وهذا يكفي..

قالت الملكة كلمتها الأخيرة، وهي ترفع ذراعيها عاليا وتفتح كفيها بابتهاج شديد، وكأنها تحتضن السماء، فعلقت النجمة الزرقاء:

– يعجبني تفاؤلك ونشاطك الدائم أيتها الملكة، فمنذ أن رأيتك وأنا معجبة بهمتك، أتمنى أن تظلي سعيدة هكذا دائما، ويشرفني أن أكون بصحبتك..

تأثرت الملكة بكلمات النجمة الزرقاء بشكل غريب، حتى ان دمعة نفرت من عينها، بل إنها لم تستطع الكلام لوهلة؛ فآثرت الصمت، فيما تابعت النجمة الزرقاء كلامها بمرح، وهي تلاحظ توهّج جواهر تاج الملكة:

– أنت حقا محظوظة بامتلاكك هذا التاج الجميل، فجواهره تبدو بهية، خاصة تلك الجوهرة الوردية!

فابتسمت الملكة:

– اعتبريه هدية لك إذا أحببت..

وهمّت الملكة برفع التاج عن رأسها، غير أن النجمة الزرقاء بادرتها بسرعة:

– لا يمكنني أخذ شيء كهذا أيتها الملكة، إنه كنزك الثمين، وما أنا إلا نجمة عادية!

غير أن الملكة أكدت بشدة:

– لستِ عادية أبدا! منذ فترة طويلة لم تظهر في سمائي نجمة مثلك! ولن أمانع أن أعطيك تاجي متى رغبتِ!

شعرت النجمة الزرقاء بالخجل الشديد، فأسرعت تغيّر دفة الحديث بقولها:

– يبدو أنك لم تغادري هذا الكوكب منذ فترة طويلة أيتها الملكة، فما رأيك أن تأتي معي في رحلة ترين فيها سماوات كواكب مختلفة؟

غير أن الملكة ردت بحزم:

– هذا مستحيل! فأنا ملكة هذا الكوكب، ويجب أن اضمن سعادة نجومي السعيدة دائما!

ثم استدركت بسرعة:

– ولكن بالطبع سيسعدني أن تخبريني عن تلك الكواكب وكأنني أراها، فما رأيك؟

وبالفعل انطلقت النجمة الزرقاء تحدث الملكة بكل شيء رأته خلال تجوالها في الفضاء الشاسع، وكانت الملكة تسعد بحديثها، وتأنس بقربها، حتى أنها بدأت ولأول مرة تتحدث عن نفسها، بدل الحديث عن نجومها فقط! ومع مرور الأيام؛ تأكدت الملكة أكثر وأكثر ان الشيء الذي كانت تفتقده طوال الوقت؛ قد وجدته أخيرا في النجمة الزرقاء، مما جعلها تحتل مكانة مميزة لديها، وكأنها جزء من روحها! فبدأت تطلعها على أخبار مملكتها، وأدق أسرارها، وتشاركها اتخاذ قراراتها وتهتم برأيها، ولم تكن النجمة الزرقاء لتبخل عليها بأي نصيحة أو مساعدة، مما ساعد في ازدهار الكوكب أكثر وأكثر..

وذات صباح، وبينما كانت الملكة تستعد لاطلاع النجمة الزرقاء على آخر أسرارها، لعلها تزيح حملا ثقيلا عن رأسها؛ تفاجأت باختفائها من سمائها!

في البداية لم تكترث للأمر كثيرا، فلا شك أن النجمة الزرقاء اشتاقت للتجول في الفضاء كسابق عهدها، وقد تعود لها بقصص جديدة كعادتها! غير أن انتظار الملكة طال كثيرا، وبدأ القلق ينتابها تدريجيا مع مرور الأيام، حتى انطفأت البهجة من عينيها، ولم تعد قادرة على أداء واجباتها، بل شعرت بالمرض يتسلل إلى جسدها، وهي تترقب ظهور النجمة الزرقاء في كل لحظة دون فائدة!

لو أنها فقط تعرف إلى أين ذهت؛ لربما غادرت مملكتها بحثا عنها، ولكن هيهات لها ذلك!!

كان الألم والحزن يعتصران فؤادها عصرا، ولم يكن هناك أحد يمكنه إدراك ما يحل بها، خاصة مع حرصها على الظهور بمظهر الملكة الواثقة أمام نجماتها السعيدة مهما كلفها الأمر، ومع ذلك.. لم يعد باستطاعتها رؤية سعادة النجوم حولها، فتنهدت:

– لماذا أشعر أن السماء أظلمت، وكأن النجمة الزرقاء وحدها من كانت تنيرها؟ ألهذه الدرجة خطفت بصري فلم أعد أرى غيرها، أم أن تلك هي الحقيقة فعلا؟ ليتني أذكر كيف كنت أعيش قبلها! بل هل كنت أعيش أصلا قبلها؟ لم أعد أدري!!

وإذ ذاك سمعت صوتا يصدر من قلبها:

– يبدو أنك نسيت النجمة الزهراء!

اقشعر جسد الملكة لوهلة، وهي تتلفت حولها بتوجس:

– من أنت؟

فجاءها الجواب بنبرة تنبعث من الأعماق:

– أنا ذكرياتك التي قمتِ بدفنها في أعماق نفسك السحيقة..

صمتت الملكة لبرهة من الزمن، لتتنهد بعدها بعمق قائلة:

– فهمت.. أنا لم انس النجمة الزهراء، فقد كانت صديقتي المقربة..

– هل هذا يعني أنها لم تعد كذلك؟

– ليس الأمر هكذا.. فأنا أسعد برؤيتها بين الحين والآخر بلا شك..

– وماذا إن غابت عنك لفترة طويلة؟

– أنا أقدر انشغالها بلا شك، فأنا أيضا قد لا أكون متفرغة لها دائما..

– ولماذا لا تفترضين الشيء نفسه مع النجمة الزرقاء؟

بوغتت الملكة بسماع هذا، فاستدركت بسرعة:

– النجمة الزرقاء مختلفة.. إنني اعتبرها جزء مني. لا يمكن مقارنة غيابها بنجمة أخرى!

– أليس هذا ما كنت تقولينه عن النجمة الزهراء في الماضي؟ يبدو أنك نسيت الأمر حقا!

صمتت الملكة مرة أخرى، وقد بدأت تشعر بصداع خفيف:

– لست متأكدة.. النجمة الزهراء لا زلت اعتبرها صديقتي، ولكن اهتماماتنا أصبحت مختلفة..

– ألا يمكن أن ينطبق الكلام نفسه على النجمة الزرقاء أيضا؟

– مستحيل! أنا والنجمة الزرقاء متشابهتان تماما، وهي أكثر من تشاركني الاهتمامات نفسها، إنها الوحيدة التي يمكنني أن ابوح لها بأفكاري الخاصة، التي بالكاد أواجه نفسي بها! لذلك لا يمكن مقارنتها بأحد!!

– يبدو أنك نسيت كلامك السابق عن النجمة الزهراء!

– لا أدري لم تحاولين اقحام النجمة الزهراء في الموضوع الآن!!

– الدهر كالدهر والايام واحدة…..

فأسرعت الملكة تقطع ذلك الحديث:

– لا.. لا يمكن للنجمة الزرقاء أن تكون مثلها، إنها مختلفة!!

– ألم تكن النجمة الزهراء مختلفة أيضا؟

– ربما كانت كذلك فعلا! لكن.. بالطبع ليست كالنجمة الزرقاء المتفردة..

– أنت حقا بدأت تنسين الماضي بسرعة! هل نسيت ماذا حدث مع النجمة الزهراء؟

– كان سوء فهم بسيط..

– ومع ذلك.. هل نسيت كم استغرقك الأمر حتى تعافيت منه؟ هل تريدين تكرار التجربة؟

– ولكن اليس من المبكر افتراض ذلك؟ لم يحدث أي سوء فهم بيني وبين النجمة الزرقاء، بل كنا متفاهمتين تماما..

– إذن لم أنت حزينة؟

– إنني قلقة عليها وحسب.. فلا أدري ما هو سبب اختفائها بعد، ولا أصدق أنها قد تختفي هكذا دون سبب.. أخشى أن يكون أصابها مكروها!

– وهل لو عرفت أنها بخير ستكونين سعيدة؟

– أجل بالطبع..

– حتى ولو لم تعد لسمائك مجددا؟

خيّم الصمت على الملكة كجبل ثقيل يكاد يقصم ظهرها، إلى أن تساءلت بصعوبة:

– ولم قد تفعل ذلك؟ السنا أصدقاء؟

– هذا ما تفترضينه أنت، ولكن ماذا عنها هي؟؟ قد لا تكوني أكثر من محطة عابرة في طريق رحلتها، فأنت بالنسبة لها ملكة هذا الكوكب، ولك شعبك الخاص! ربما لا تعلم بأهمية وجودها لك..

– هذا مستحيل.. فقد أخبرتها بذلك مرارا وتكرارا، إنها تدرك تماما مكانتها عندي، وتعرف إلى أي درجة قد افتقدها!

– حسنا.. لنفترض أنها تعلم، ومع ذلك لا تهتم.. فماذا ستفعلين؟

تحشرجت الحروف والكلمات في حلق الملكة، حتى شعرت بالاختناق، فيما تابعت تلك النبرة العميقة كلامها بحزم:

– هي ليست مجبرة أصلا أن تكوني محل اهتمامها، فهل ستقتلين نفسك من الهم؟

وبصعوبة خرجت الحروف ببطء شديد من جوف الملكة:

– ربما لو كنت قد أخبرتها بأنـ….

– بدون “لو”!! يجب أن تحذفي هذه القنبلة الموقوتة من قاموسك، فهي أخطر من السم الزعاف..

– وماذا بعد؟

– إن كنت تحبين النجمة الزرقاء حقا؛ فيفترض أن ذكراها الجميلة ستبقى في قلبك، فلا تجعليها عقبة في دربك! تابعي بكل تفاؤل حياتك، وتذكري أن النجوم السعيدة بانتظارك..

بدأت الغمامة تنقشع تدريجيا عن ذكريات الملكة، فهتفت بدهشة وهي ترى تلك اللوحة القديمة بوضوح:

– أجل تذكرت.. لقد اتخذت وقتها قرارا، وكان لا بد من تنفيذه.. السعادة قرار، وها أنا سأقرر مجددا.. مهما حدث.. يجب أن أكون سعيدة!

وأخيرا.. ابتسمت الملكة برضا، فيما انهمرت دموعها كسيل جارف، استحالت قطراته نجوم لامعة، رصعت سماءها بسعادة! وإذ ذاك سطعت من رأسها جوهرة كبيرة، بلون زرقة السماء الصافية، لم ير أحد أكبر منها ولا أروع؛ توسطت جواهر تاجها، طاغية على وجود بقية الجواهر بوهجها، وكأن التاج لا يحمل غيرها..

*********

تمت..

ملاحظة:
خطرت هذه الفكرة ببالي على غرار قصة الامير الصغير على الاغلب! وأيا ما كان السبب، فأرجو أن تحمل في طياتها بلسما شافيا، وسعادة لكل قلب.. ^^
فإذا رايتم النجوم في السماء، فاذكرونا بصالح الدعاء، ونسأل الله أن يرزقنا جميعا عيش السعداء..
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

ضربة-حظ-أم-ضربة-ملاكم

ضربة حظ أم ضربة ملاكم؟!!

عن القصة:

لطالما وجدنا انفسنا غارقين في ادنى مستويات اليأس؛ عاجزين امام صدمات الحياة ولكماتها المباغتة، غير ان الموازين قد تنقلب فجأة بطريقة لا تخطر لنا ببال، فهل هي ضربة حظ، ام ضربة ملاكم؟

التصنيف: قصة رمزية

– من الذي أطفأ الأنوار؟ بل كيف غربت الشمس فجأة!!

نطقت تلك الكلمات بحشرجة مخنوقة لم تتجاوز حلقها؛ ظلمة حالكة هبطت عليها؛ لتغرقها بسوادها القاتم، حتى أطبقت على أنفاسها، دون أن تترك لها بصيص أمل للنجاة!

وبقدر عتمة تلك الظلمة؛ سطع نقيضه ببريق وهّاج مفاجئ، كاد أن يخطف بصرها، فلم تنتبه لتلك الاسطوانة الحديدية الصلبة المندفعة نحوها بكل اصرار ،على شكل كيس ملاكمة قرر الانتقام أخيرا من جميع ملاكمي العالم عبر التاريخ فجأة! كل شيء كان يحدث فجأة.. الشيء ونقيضه فجأة، فكيف لها أن تتدارك الأمر بسرعة فجأة!!

– إنها النهاية بلا شك!

غير أنه في اللحظة الأخيرة، والتي أوشكت فيها تلك الاسطوانة على تهشيم وجهها، لتحيله إلى عجينة بائسة مختلطة بالدماء؛ اندفعت يد قوية من خلفها لتصد الاسطوانة بقوة رهيبة أذهلتها، حتى أنها شكت في نفسها، إن كان ما تراه حقيقيا، أم أنها قد بدأت أولى مراحل الغيبوبة إثر الصدمة!

– لا بأس عليك.. أنت لستِ وحدك في هذه الحياة!

كانت تلك الكلمات كالبلسم الشافي لها بلا شك، غير أن قوة المفاجآت المتتالية؛ لم تسعفها في العثور على كلمات شكر مناسبة!

وبينما كانت غارقة في صمتها، علّها تعثر على شيء تقوله؛ سمعت الصوت محذرا:

– انتبهي.. عليك أن تكوني أكثر حذرا الآن، فهذه الاسطوانة ستعود مرة أخرى ولكن بقوة أكبر، إنه قانون كيس الملاكمة المعروف، والذي يخضع لأحد أكثر قوانين الفيزياء صرامة!! أخشى أن يدي لن تكون كافية هذه المرة!

عندها.. انفرجت شفتاها عن ابتسامة امتنان عميقة، لتخرج كلماتها من حلقها بصوت مسموع أخيرا، وهي تشد على قبضتها بقوة:

– لا بأس.. فهذه المرة ستكون هناك يدان باستقبالها، لتدفعانها بقوة أكبر!

ساد صمت عميق، قبل أن يتكلم الصوت من جديد بنبرة ذات مغزى:

– ولكن هذا يعني أن ضربتها التالية ستكون أقوى وأقوى؛ فمن أين لنا بيد ثالثة عندها؟

فابتسمت وقد أدركت فحوى ذلك السؤال:

– إما أن تظهر لنا اليد الثالثة كما ظهرت يدك فجأة، او أننا سنكون معا أكثر قوة، فالله لم يخلق الناس للناس عبثا، أليس هذا هو فن التعامل مع لكمات الحياة؟!!

***

انتهت

(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)
(رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الرجل-العظيم

الرجل العظيم

عن القصة:

“شاب أسمه #هوتارو فى الـ 20 من عمره يحب فتاه أسمها #هينامى, وقام بخطبتها وكان يحبها حباً شديداً وبعد ان حددوا موعد الزواج، فجأه وصله خبر ان بعض اللصوص قامو باختطاف حبيبته .. ويبدأ هو وقتها رحلته بالبحث عن حبيبته من بلد لآخرى الخ…”

كان ذلك هو نص “★ المسابقه عن صنع قصه رومانسيه★” التي تم طرحها في إحدى مجموعات الأنمي الكبرى عام 2015، وكان من شروطها ان يكون “عدد الشخصيات التى بالقصه من 2 او 3 شخصيات كحد أقصى، ويكون افضل لو لم تكن القصه طويله كثيراً ” بناء على ذلك، وانطلاقا من الاعتقاد الراسخ بأن بامكاننا ادراج ثقافتنا العربية الاسلامية في مجال الأنمي، بما يوافق الذوق السائد للشباب؛ تم اعداد هذه القصة لتكون ردا على كل من يظن أنه لن يكون بامكاننا صناعة قصص أنمي من وحي ثقافتنا، أو أن ثقافتنا العربية قد تقيّد ابداعنا، او ستكون عائقا امامنا! وهكذا جاءت هذه القصة لتكون مثالا عمليا يقطع الشك باليقين، فتفضلوا لقراءة قصة: “الرجل العظيم”!

التصنيف: رومانسي، أكشن

أخذت السفينة تبتعد تدريجيا عن الميناء، فيما ازدحم المسافرون على واجهة السفينة المقابلة له؛ يلوحون لأهلهم وأصدقائهم في مشهد مثير، رغم كثرة تكراره!!

غير أن شاب واحد فقط وقف على الجهة الاخرى، يحدق في الافق البعيد، بعينين يشوبهما الشوق والحنين، لم يشعر بمضي الوقت وهو يقف على حالته تلك، كتمثال نُحت ليؤدي دوره في ذلك المكان، فلم ينتبه إلى صوت الربان وهو يعطي تعليماته، فقد كان غارقا تماما في عالم آخر.. عالم لم يستطع معه الشعور بما حوله، ولا مشاهدة أسراب النورس المحلقة فوقه، عوضا عن سماع أصواتها..

غير أن لفحة باردة من نسيم البحر، أثارت قشعريرة في جسده، وهي تلامس وجهه برقة، ذكرته بها، فأطلق تنهيدة طويلة:

– لقد بدأت الرحلة إذن! هينامي.. انتظريني وكوني بخير.. فأنا قادم..

وترقرقت عبرة في عينه، أثارتها أمواج من الذكريات اجتاحت مخيلته، عادت به إلى ذلك اليوم.. اليوم الذي رآها فيه أول مرة، فلم يعد يرى غيرها..

كان آنذاك فتى هادئا وخجولا في المرحلة الثانوية، يقضي معظم وقته وحيدا، حتى في أوقات الاستراحة، إذ كان يفضل الجلوس تحت شجرة لتناول شطريرته بعيدا عن ازعاج الطلبة، حتى جاء ذلك اليوم الذي لمح فيه تلك الفتاة الفاتنة، وهي تحاول التملص بلباقة من شاب حاول التقرب منها، لتنضم سريعا إلى صديقاتها، متخذة منهن درعا واقيا لها! كانت تلك هي المرة الاولى التي عرف بوجودها في مدرسته، كانت فتاة جميلة، بل فائقة الجمال، ذات شخصية آسرة ولطيفة، ورغم ذلك استطاعت أن ترسم حولها حدودا صارمة منعت المنحرفين من الاقتراب منها! لم يكن يعرف عن طبيعة ذلك الشيء الذي تحرك في قلبه تجاهها، غير أنه لم يجرؤ ولو لمرة واحدة على لفت نظرها لوجوده، ولو بحديث عابر، وآثر مراقبتها بصمت حتى بات يحفظ تحركاتها عن ظهر قلب، ولم يكن شيء يجلب له السعادة، أكثر من أن يوافق تنبؤه بتصرفاتها بما يصدر عنها فعلا، ومع ذلك بقي على مسافة كافية منها، فيما ازداد حبه لها بصمت مكبوت.. لم يدرك طبيعة ذلك الحب حتى جاء اليوم الذي سمع عددا من الطلبة في صفه يتحدثون عنها وعن الطريقة التي تمكنهم الوصول إليها خاصة وانها لم تواعد أحدا بعد، مما أشعره بغضب شديد وكأنهم يتحدثون عن ملكه الشخصي، وقتها همّ بافتعال شجار عنيف معهم لولا دخول المعلم!

عرف أنها تصغره بعام مما زاد من ألمه، إذ كان على وشك التخرج، فيما ستبقي هي سنة أخرى بعده، كان يائسا جدا ومحبطا إذ لم يجد طريقة تناسبه في الوصول إليها، لدرجة أنه بدأ بالتفكير في الاعتذار عن دخول الاختبارات أو التعمد في إهمالها ليتمكن من إعادة السنة، لولا خشيته من أن يزيد هذا من الفجوة بينهما، لا سيما وأنها فتاة مجتهدة، ولن يرضيها بالتأكيد الارتباط بفتى فاشل! كان ذلك هو الدافع الوحيد له ليتقدم نحو الامام، إلى أن حدث ما لم يكن بحسبانه، عندما ذهب لمقابلة المدير بشأن مشكلة حدثت في أوراق تخرجه، وقد فقد الامل تماما من الوصول الى الفتاة الوحيدة التي ملكت عليه فؤاده، فإذا به يراها أمامه وجها لوجه هناك!! شعر وقتها بارتباك مفاجيء كاد أن يفقده توازنه، وهم بالتراجع إلى الخلف وهو يشعر بحرج شديد إذ لم يكن يعلم أن لدى المدير زائرا آخر، غير أنه فوجيء به يناديه:

– هوتارو.. لقد جئت في وقتك يا بني..

والتفت إلى الفتاة الواقفة أمامه بأدب:

– هينامي، هذا من أفضل الطلبة في المدرسة وسيساعدك بالتأكيد على اختيار المراجع التي ستفيدك في السنة الاخيرة..

كانت تلك هي الهبة السماوية التي لم يحلم هوتارو بها أبدا، ولم يدر كيف استطاع تجاوز حرجه الشديد خلال تلك الفترة، حتى تمكن من خطبتها رسميا..

أفاق هوتارو من سيل ذكرياته على الحقيقة المرة التي يواجهها الآن! فقبض يده بشدة وهو يحترق ألما كلما تخيل ما حدث:

– لماذا هانيمي بالذات! لماذا؟؟؟؟

لقد مر أسبوع على ذلك الحادث الذي لم يستطع تصديقه بسهولة، فبعد أن حددا موعد الزفاف، هرع إلى منزلها بابتهاج شديد ليبشرها بنتيجة اختباراته الجامعية لهذه السنة، والتي أهلته للحصول على وظيفة بدوام جزئي قبل تخرجه، غير أنه فوجيء بمظهر والدتها الباكي، وهي تسوق له ذلك الخبر الصادم!!

لقد اختفت هانيمي، وعلى الأغلب أن ذلك كان اختطافا، فقد عثر أحد معارفها على بعض حاجياتها ملقاة على الارض، فيما تحدث بعض الاطفال عن رؤيتهم لرجلين أجبرا فتاة شابة على الذهب معهما!!

خرج وقتها كالمسعور يجري في الشوارع على غير هدى، وهو ينادي باسمها في كل مكان، فيما سُددت نحوه النظرات المتجهمة المستهجنة، بين مشفق ومستنكر، حتى سقط من التعب ينتحب نحيبا يائسا دون أن يدري ما الذي عليه فعله!

مرت أيام عصيبة، حاول خلالها التماسك واستعادة توازنه؛ ليستعيد حبيبته، فيما تولى والدها تبليغ السلطات والمسؤولين في البلاد عن تلك الحادثة..

أحكم هوتارو قبضته على تلك اللفافة في جيبه، وهو يحدق في البحر الممتد أمامه، مسترجعا تلك الكلمات التي ألقاها المحقق الخاص في إذنه:

– انها عصابة لها أهداف منحرفة وقد بدأت نشاطاتها بالانتشار في الاونة الاخيرة، وأظنهم سيتجهون الان نحو هذا الهدف لتسليم بضاعتهم..

وأشار بأصبعه على نقطة محددة فوق الخريطة الممتدة أمامه..

شعر هوتارو بالدم يغلي في عروقه لسماع تلك العبارة، وتلك الكلمة تحديدا!! فصرخ في وجهه بغضب:

– هينامي ليست بضاعة!! سحقا لاولئك الاوغاد سحقا لهم.. سحقا..

أخذ يردد تلك الكلمة وهو يضرب بقبضة يده اليسرى على حافة السفينة بقهر شديد، وقد استعاد كافة انفعالاته المتعلقة بذلك الموقف، وكأنه يعيشه مرة أخرى..

مرت أيامٌ عصيبة؛ حاول فيها هاتوري جاهدا السيطرة على نفسه، والتركيز على هدفه خلال تلك الرحلة الطويلة على ظهر السفينة، فانشغل بدراسة تلك اللفافة جيدا، والتي بين له فيها المحقق طبيعة ذلك المكان المجهول الذي سيزوره لأول مرة في حياته! إضافة إلى محاولته الجاهدة اتقان لغة تلك البلاد، عن طريق تلك الكتب التي ناوله إياها والد هينامي في اللحظة الاخيرة، فرغم أنه لم يخبر والدا هينامي بعزمه على السفر، إلا أنه فوجيء بوالدها يستوقفه قبل صعوده الى السفينة:

– ما الذي ستفعله وحدك يا هاتوري!! أرجوك يا بني لا تقدم على تصرف متهور، فالسلطات العليا ستتولى هذه القضية!

غير أن هوتارو أصر على موقفه:

– لا يمكنني الوقوف مكتوف اليدين بانتظارهم، سأفعل أي شيء من أجل هينامي، فثق بي أرجوك..

عندها ابتسم والدها وهو يقدم له عدة كتب:

– كنت أعلم أنك ستقول هذا، لذا أحضرت لك هذه الكتب لعلها تساعدك على تعلم لغة تلك البلاد..

***

استقرت السفينة أخيرا في ميناء تلك البلاد، وبدأ هوتارو رحلة البحث عن حبيبته دون أن يمتلك خطة واضحة المعالم لذلك، فالمكان كان غريبا جدا بالنسبة له، رغم جميع التوضيحات التي بينها المحقق في اللفافة، هذا إضافة إلى كونها بلاد واسعة مكتظة بالناس ذووي اللباس الغريب، فكان أشبه بالابرة الضائعة وسط كومة قش!

كان حب هينامي الجامح في قلبه، هو دافعه الوحيد للاستمرار في البحث عنها، فمضى في طريقه يحاول التماس الاخبار عن طريق المقاهي والمحلات، لعله يجد طرف خيط يوصله إلى مقر العصابة، فيما أخذت الايام والليالي تمضي تباعا، دون أن يصل إلى نتيجة مرضية! حتى أنهك التعب جسده، وبدأ اليأس يتسلل إلى نفسه، والقهر الشديد يعمل في قلبه عمل الخنجر، وهو يتذكر آخر تلك اللحظات السعيدة التي أمضاها مع هينامي، فيما بقيت كلماتها العذبة تتردد في أذنه:

– كم أنا سعيدة.. أخيرا سنتمكن من العيش معا تحت سقف واحد.. أحبك هوتارو..

ولم تعد قدما هوتارو تحتملان الصمود أكثر تحت ثقل همومه، وهو يرى ما آلت إليه حالهما، فلم يشعر بنفسه وهو يهوي على الارض بعد أن فقد وعيه..

***

احتاج هوتارو لعدة لحظات- بعد أن فتح عينيه- ليتذكر ما حدث معه! لقد كان آخر عهده بنفسه في أحد الشوارع، فما الذي أتى به هنا إلى هذا الفراش الوثير!!

 غير أن صوت أتى من جانبه الأيمن، لم يتركه في حيرته كثيرا، وهنو يقول له بكلمات تمكن من فهمها بصعوبة:

– الحمد لله على سلامتك، لقد كنت فاقد الوعي عندما وجدتك ممددا في الطريق، وأظنك غريب عن هذه المنطقة..

التفت هوتارو إلى محدثه، ليجد أمامه شابا وسيما قد أشرق وجهه بابتسامة حانية، رغم قوة جسده التي استطاع تمييزها من خلال عضلات ذراعيه،

ورغم شعوره بالارتياح نحوه، إلا أنه آثر الحذر مع هذا الغريب، والتزم الصمت لفترة طويلة، غير أن ذلك الشاب بادره بقوله:

– لقد كنت تهذي باسم هينامي طوال الوقت، وأظنها زوجتك التي تبحث عنها، أليس كذلك؟

فوجيء هوتارو من تلك الملاحظة السريعة، غير أن الشاب طمأنه بسرعة:

– يندر وجود الغرباء في هذا المكان، وقد خمنت من طبيعة حالتك التي وجدتك عليها، أنك كنت تبحث عن أحد ما، وعندما سمعتك تردد ذلك الاسم كثيرا خلال نومك، افترضت أنها زوجتك، هذا كل ما في الامر..

ولم ينتظر الشاب سماع رده، بل نهض من مكانه، ليحضر له طبق طعام ساخن بقوله:

– لقد طلبتُ من الطبيب المجيء للاطمئنان عليك، وقد أخبرني بأنك مرهق فقط وبحاجة إلى الراحة وتناول الطعام الجيد، وقد أعددتُ لك هذا الطبق بنفسي..

وأمام صمت هوتارو، استدرك الشاب نفسه:

– أرجو المعذرة، لقد افترضتُ جدلا أنك تفهم لغتي أليس كذلك؟

عندها أومأ هوتارو برأسه مجيبا بكلمة واحدة:

– أجل

فابتسم الشاب:

 – هذا جيد، وإلا لكنت مضطرا لمخاطبتك بلغتك رغم أنني لا أتقنها كثيرا

عندها سأله هوتارو بتعجب:

– وهل تعرف ما هي لغتي؟

فأجابه الشاب بابتسامة مرحة:

– بالتأكيد أعرف، فلدي خبرة كبيرة في تمييز الوجوه وبلادها، فهذا مجال عملي..

واستدرك قائلا بدعابة:

– بالمناسبة، ربما من الأفضل أن نبدأ حفل التعارف بيننا، ما رأيك يا صديقي؟

عندها انفرجت شفتا هوتارو عن ابتسامة صغيرة، شجعت الشاب على متابعة كلامه:

– سأعرفك بنفسي أولا، كما ترى فأنا أعيش في هذه الشقة الصغيرة لوحدي، إذ أن أهلي يقيمون في مدينة أخرى، وقد انتقلت مؤخرا بسبب طبيعة عملي، إذ أنني أعمل في مجال الترجمة وتداول العملات

فعلق هوتارو:

– هكذا إذن، هذا يفسر معرفتك بلغتي..

فابتسم الشاب مؤكدا:

– بالضبط..

ثم تابع كلامه بمرح:

– أظن أن علي أن أبدأ بالاسم أولا أليس كذلك! سأفقد أي وظيفة أتقدم إليها إن بدأت بالتعرييف بنفسي هكذا!!

فضحك هوتارو وقد بدأ يألف الشاب، وكأنه صديق قديم التقاه بعد فترة غياب طويلة، فيما تابع الشاب كلامه:

– اسمي محمد، وهو اسم مألوف جدا في بلادنا..

فأكد هوتارو كلامه:

– أجل لقد لاحظت ذلك فعلا، لقد سمعت هذا الاسم كثيرا منذ وصولي إلى هنا..

فقال محمد:

– هذا لأنه اسم رجل عظيم جدا نؤمن برسالته، غير أن القلة هم من يحفظون لهذا الاسم مكانته..

وتابع وهو يغمزه بعينه:

– وأنا أحاول أن أكون منهم..

كانت تلك البداية المشجعة، كفيلة بجعل هوتارو يتخفف قليلا من همومه، فانفرجت اساريره أخيرا، ليخبر محمد بكامل قصته، ولم يكد ينهي كلامه حتى لاحظ تغيرا كبيرا في وجه محمد، والذي استحال إلى اللون الاحمر من شدة الغضب، مما أربك هوتارو قليلا، وأثار حفيظته، فشعر ببعض القلق، وهو يحدث نفسه:

– ماذا لو كان هذا الشاب متآمرا معهم، أو فردا من تلك العصابة!!

غير أن محمد سرعان ما انتبه لذلك، فطمأنه بقوله:

– لا تقلق، فقد جئت في وقتك تماما، هذا بالفعل من حسن تقدير الله في الامور

لم يفهم هوتارو المقصود بالجملة الاخيرة، غير أن محمد تابع كلامه موضحا:

– اسمعني جيدا، فهذا سر لم أبح به لأحد من قبل.. منذ فترة وأنا أتتبع عصابة شعرتُ بنشاطاتها الخطيرة التي بدأتُ ألاحظها في بلادنا، فهي تسعى لإغواء الشباب والرجال، من أجل نهب أموالهم، فبدؤوا بإحضار الفاتنات من كل مكان، لاستغلالهن في هذا العمل الشنيع، إنها جريمة أخلاقية من كافة الجوانب لا يمكن السكوت عنها..

لم يستطع هوتارو احتمال سماع ذلك فصرخ وهو ينتفض بغضب:

– مجرمون، أوغاد، لن أسمح لهم بمس شعرة من هينامي..

فهدأه محمد بقوله:

– سأبذل جهدي لمساعدتك، ومن خلال تحرياتي السابقة عرفت أن من المشتركين في هذه الجريمة، رجل صاحب نفوذ كبير في البلاد، مما يعني صعوبة الوصول إليهم، ولكنني بالامس فقط، تمكنت من العثور على مخبئهم الذي يستقبلون به ضحاياهم الجدد..

فنهض هوتارو وقد شعر بطاقة نارية تجري في عروقه:

– خذني إلى هناك بسرعة.. أرجوك

***

 مرت اللحظات بصعوبة شديدة على نفس هوتارو، وهو يتخيل في كل لحظة ما يمكن أن يحل بهينامي، فيما كان يراقب ذلك المنزل بصمت مع محمد، والذي أرشده إلى أفضل خطة يمكن اتباعها من أجل النجاة بخطيبته…

وأخيرا استعد هوتارو لتفيذ دوره بعد أن أعطاه محمد شارة الانطلاق، فالتقط نفسا عميقا، ومشى بخطوات ثابتة نحو الباب الكبير، بلباسه الأنيق، وهو يحمل حقيبة سوداء فاخرة، من النوعية نفسها التي يحملها كبار رجال الأعمال عادة. وقف قليلا يراجع دوره بحذر؛ قبل أن يقرع الجرس، ثم انتظر لحظة أو لحظتين، حتى سمع صوت جلبة عند الباب، ليفتحه له خادم استقبال في لباس رسمي من الدرجة الاولى، وبعد أن رمقه الخادم بنظرة فاحصة سريعة، لم يشك فيها لحظة واحدة أنه رجل أعمال من الطراز الأول، سأله بأدب:

– عفوا.. هل من خدمة يا سيدي؟

تظاهر هوتارو بأنه لم يفهم لغة الرجل، فأبدى استنكارا واضحا وهو يتابع بلغته:

– أخشى أنني أخطأتُ العنوان، فقد أخبرني صديقي سيتيكاوا أن لديكم فتاة حضرت مؤخرا، وسترضيني جدا خلال فترة اقامتي القصيرة في هذه البلدة..

لم يكد الخادم يسمع اسم (سيتيكاوا) حتى أبدى اهتماما واضحا بالزائر، وهو يدعوه إلى الداخل معتذرا بلطف، وبلغة هوتارو نفسها:

– أرجو المعذرة، لم أكن أعلم أنك صديق السيد سيتيكاوا شخصيا..

قال الخادم جملته وهو يقوده إلى صالة استقبال ذات أثاث فاره جدا، وبعد أن استقر هوتارو في مقعد وثير، انحنى الخادم نحوه بأدب قبل أن يسرع بالذهاب قائلا:

– أرجو أن تمنحني بضع دقائق سيدي ريثما أعود..

ومع اختفاء الخادم؛ تنفس هوتارو الصعداء، محدثا نفسه:

– من الجيد أن معلومات محمد كانت دقيقة بهذا الشأن، أرجو أن تمر بقية الامور على خير..

أما محمد الذي كان يراقب المنزل عن كثب، تحسبا لأي طاريء، فقد أثارت انتباهه، أصواتٌ هامسة على مقربة منه، فحبس أنفاسه، وسكن في مكانه بين أغصان الشجرة الملتفة، التي اتخذ منها مكمنا له، وحاول ارخاء سمعه قدر المستطاع، حتى تمكن من تمييز بعض الكلمات بلغة اجنبية أخرى غير لغة هوتارو، فحدث نفسه، وقد استشاط غيظا، وهو يتذكر تلك اللغة::

– توقعت أن تكون عصابة متعددة الاجناس، ولكن كيف لم يخطر ببالي أن يكون هؤلاء الأوغاد ضمنهم!! ما الذي أتى بهم إلى بلادنا!! كان علي أن أعرف أن لهم يدا في هذا الأمر البغيض!!!

وحاول التركيز أكثر فأكثر، إلى أن استطاع تمييز صوتين لرجلين يدور بينهما حوار سري للغاية على ما يبدو، كان أحدهما يقول لصاحبه:

– أنت تعلم أن المال ليس هدفا رئيسا لدى قيادتنا العليا؛ لذا لا بأس من زيادة حصتنا منه؛ ما دمنا نحقق هدفهم الأساسي، ولن يلاحظ أحد أبدا عمليات الاختلاس هذه؛ فسنجريها بطريقة منظمة، وستساعدني – بخبرتك- على ذلك..

فرد عليه الاخر:

– ولكن إن كُشِف أمرنا فسنفقد ثقتهم إلى الابد، وربما نلاقي ما هو أسوأ بكثير!

فأجابه بنفاد صبر:

– لا تكن أحمقا، فنحن لسنا وحدنا في المنظمة على أية حال، وهدف القيادة اكبر بكثير من مجرد الحصول على المال كما أخبرتك، ولا أظنك تجهل حقيقة ذلك بالفعل! هل نسيت آخر لقاء لنا معهم؟ لقد كانوا سعداء جدا بالنتائج التي حصدناها، فالعديد من شباب هذه البلاد باتوا منغمسين تماما في بحار الرذيلة، ولن يعودوا للتفكير مجددا باستعادة أمجادهم السابقة، مما يعني زيادة فرص دولتنا في بسط سيطرتها عليهم، حتى لا تقوم لهم قائمة أبدا بعد ذلك..

بدا على الرجل الآخرالاقتناع بكلام رفيقه فعلا، غير أنه قال بعد فترة صمت:

– ولكن ماذا عن السيد ضرار؟ لا أظنه يقاسمهم هذه الاهداف، لا سيما وأن هذه البلاد بلاده!

فطمأنه رفيقه:

– لا تُشغل بالك بهذا الرجل الدنيء، فرغم أنه وزير كبير في هذه البلاد، إلا أن شراء سكوته- إن كَشَف أمرنا- لن يكون صعبا! وفي أسوأ الاحوال قد نضطر لرشوته ببعض المال، فهذا هو أكبر همه!

كان محمد يستمع لهما بصمت قاتل، وهو يحاول جاهدا كبت أنفاسه الغاضبة من الانفجار، غير أن بعض الاصوات المحتدة التي صدرت من جهة المنزل، أعادته إلى رشده، وقد أدرك ما حدث:

– لا شك أن هوتارو فقد السيطرة على نفسه في اللحظة الأخيرة، ولا يمكنني أن الومه!

وبسرعة عزم أمره على التدخل، وهو يرى الرجلين يهرعان ناحية المنزل..

****

لم يستطع هوتارو السكوت أكثر، بعد أن أثار ذلك الرجل حفيظته، فبدلا من أن يحضر له هينامي حسب ما هو متوقع، وجد أمامه فتاة أخرى، أحضرها الخادم معه، فيما تابع الرجل كلامه قائلا:

– أرجو المعذرة، فحتى لو كنت صديق السيد سيتيكاوا المقرب، إلا أن تلك الفتاة التي وعدك بها؛ قد حُجزت لشخص ذا نفوذ كبير ولا يمكننا تجاوزه بأي حال أبدا، مما يعني أن تلك الفتاة لن تتمكن من قضاء الليالي القادمة معك، لذا يمكنك حجزها للاسبوع القادم، وأظن أن السيد سيتيكاوا سيتفهم ذلك بلا شك! ثم إن هذه الفتاة جيدة أيضا، وسترضيك بلا شك!

كان ذلك أكثر مما يحتمل هوتارو سماعه، فانفجر غاضبا، مسددا لكمة قوية بقبضته كادت أن تستقر في وجه الرجل أمامه، غير أنه تفاداها بمهارة فائقة، فيما كان هوتارو يصرخ بغضب:

– هينامي ليست للعبث أيها الأنذال، ولن يحلم أي وغد منكم بمس شعرة منها..

وبسرعة التف هوتارو على نفسه؛ ليعاود الانقضاض على ذلك الرجل، الذي أشار لخادمه ببعض التعليمات، فانسل خارجا بسرعة، فيما اشتبك هوتارو مع الرجل الذي انضم له رجلين آخرين، وقد بدا كوحش هائج يستحيل ترويضه!

في ذلك الوقت لم يجد محمد بدا من التسلسل خلسة عبر أحد النوافذ، مستغلا تلك الجلبة في الأسفل التي أحدثها هوتارو، وأسرع نحو الطابق العلوي الذي خمن وجود هينامي فيه، وهو يدعو في سره أن يجدها بسرعة، رغم أنه لا يعرف شكلها! ولم يكن بحاجة للمزيد من التفكير، إذ لفت انتباهه رجلين يجريان بسرعة نحو غرفة محددة، قال أحدهما للآخر:

– هل أنت متأكد أن هذا هو مفتاح الغرفة؟ أخشى أن نتأخر في هذه الفتاة إلى المخبأ الاخر بسرعة، قبل أن يأتي أحد معاوني ذلك الزائر الغريب!

– اطمأن سيكون كل شيء على ما يرام، فالخادم دقيق جدا في تنفيذ مهامه، ولم يحدث أن أخطأ مرة واحدة من قبل

اختبأ محمد خلف أحد الزوايا بهدوء، منتظرا اللحظة المناسبة، حتى إذا ما دلف الرجلان عبر الباب، بعد فتحه بمفتاحه خاص، انقض عليها من الخلف بسرعة مباغتة، انقضاض الصقر على فريسته، دون أن يترك لهما فرصة التفكير بأدنى حركة للمقاومة، فعاجل الأول بضربة على رأسه أفقدته صوابه، اتبعها بركلة احترافية أسقطت الاخر أرضا، ليَسقط الرجلان فاقدي الوعي دون حراك، فيما انكمشت هينامي على نفسها في زاوية الغرفة، وقد هالها المشهد المفاجيء، وما أن وقعت عينا محمد عليها؛ حتى راعه جمالها الساحر لوهلة، غير أنه سرعان ما صرف بصره عنها، وهو يناولها رداءه الذي استخدمه للتخفي، قائلا لها بلغتها مطمئنا:

– آنسة هينامي، أرجو منك الالتحاف بهذا الرداء بسرعة، حتى نتمكن من الهرب من هنا، فخطيبك هوتارو بانتظارك..

لم تكد هينامي تسمع اسم هوتارو، حتى تهلل وجهها فرحا، فهتفت:

– هل جاء هوتارو هنا حقا! أين هو الان؟؟

غير أن محمد أدار لها ظهره قائلا:

– ستعرفين كل شيء لاحقا، فلا وقت لدينا الان، لذا أرجو منك أن تتمسكي بي جيدا، إذ أننا سنضطر للقفز من النافذة..

ودون تردد أسرعت هينامي لتنفيذ أمره، بعد أن سمعت صوت اقتراب خطوات مسرعة نحو الغرفة، فلفت ذراعيها حول رقبته من الخلف، بعد أن التحفت بردائه تماما حتى لم يعد يظهر منها شيء، فيما أسرع محمد بإحكام رباط حول وسطهما حتى بديا كجسد واحد، وهو يقول معتذرا:

– أرجو المعذرة فلا خيار آخر لدي، جميع المخارج ستكون محاصرة تماما، وهناك سبع رجال في هذا المنزل على الأقل، ولا مجال للمخاطرة..

ورغم الخوف الذي تسلل الى قلب هينامي؛ من رؤية ذلك الارتفاع تحت النافذة، إلا أن أن ثقة محمد بقدرته على فعلها، أشعرتها ببعض الطمأنينة، وفي اللحظة التي دلف فيها رجلين آخرين إلى الغرفة، كان محمد قد قفز من النافذة- دون أن يترك خلفه أدنى أثر- نحو غصن شجرة باسقة، يبعد عنه ثلاثة أمتار، والذي انحنى تحت وطأة ثقلهما المفاجيء، فانتقل منه إلى غصن آخر قبل أن ينكسر، في حركة متتالية لتوزيع الحمل، فيما كان يحاول التركيز على أفضل وضعية للهبوط، دون أن تتأذى هينمامي الملتصقة بظهره، والتي آثرت إغماض عينيها خلال تلك الوضعية الخطرة!

 وأخيرا تمكن محمد من الهبوط بسلام على قدميه، ليحل رباطه بهينامي، منطلقا معها في جري سريع، وهو يتخذ من الأشجار غطاء لهما، قبل أن يلحق بهما أحد..

أما هوتارو الذي دخل في اشتباك عنيف مع ثلاثة رجال دفعة واحدة، فقد كان على وشك السقوط أرضا أمام ضربة كادت تفقده صوابه، لولا دخول الخادم الذي صرخ معلنا:

– لقد اختفت الفتاة يا سيدي! واثنين من رجالنا فقدوا الوعي!!

فصرخ الرجل الذي بدى السيد هنا، بغضب شديد:

– إلا هذه!!!! كيف سمحتم بذلك أيها الحمقى! أين بقية الرجال؟؟؟؟

وهرع إلى الخارج بعد أن أعطى تعليماته بمحاصرة المكان، صائحا بالجميع:

– لا يمكن أن تكون قد ابتعدت كثيرا، إياكم وأن تسمحوا لها بالهرب، وإلا لقيتم حسابا عسيرا من السيد الكبير..

أما هوتارو الذي وقف مشدوها للحظات، يحاول استيعاب ما يجري، فقد  ارتكز إلى قطعة أثاث قبل أن يهوي على الأرض، إذ لم يكن ممن اعتاد الدخول في اشتباكات عنيفة مع الاخرين، ولم يكن يعرف كيف تدفقت في عروقه تلك القوة المفرطة، التي مكنته من مواجهة ثلاث رجال معا! التقط نفسا عميقا يحاول من خلاله استعادة بعض طاقته المستنزفة:

– لا شك أن محمد قد فعلها، أرجو أن تكوني بخير يا هينامي..

ولكن ماذا عليه أن يفعل الان! بالتاكيد عليه الخروج من هنا على الأقل!! لقد كان الاتفاق أن يعود هو بصحبة هينامي إلى منزل محمد، وهناك يقومان بتدبير بقية الامور، ولا شك أن محمد قد اصطحب هينامي إلى منزله الان إن نجح بالفرار، وعليه اللحاق بهما فورا..

كان ذلك هو ما دار بذهن هوتارو، وقبل أن يهم بالخروج من المنزل، اعترضه رجلان بابتسامة متشفية:

– هل تظن بأنك ستخرج من هنا بسهولة بعد كل ما حدث، عليك أن تدفع الثمن أولا أيها السيد المحترم!!

***

استطاع محمد مراوغة مطارديه، وعبور منطقة الخطر بصحبة هينامي بسلام، إلا أنه لم يتوقف أبدا، إلى أن دلف إلى منزله متنفسا الصعداء، فيما ارتمت هينامي على الأرض تلتقط أنفاسها اللاهثة بصعوبة، لكنها سرعان ما التفتت نحوه بعيون متسائلة:

– أين هوتارو؟؟؟؟

***

كان هوتارو قد استنفذ جهده كاملا، خلال محاولاته اليائسة لفك وثاقه المحكم، في تلك الغرفة المظلمة، فسكن في مكانه يلتقط أنفاسه المحطمة، ويستعرض ما حل به وبخطيبته التي أحبها من أعماق قلبه، وكان على وشك اتمام زواجه بها خلال أيام قليلة!! فتنهد بألم شديد، ومرارة البؤس تعتصر فؤاده:

– هل تمكن محمد من انقاذها فعلا!!

عندها لاحت أمامه صورة أسوأ بكثير من كل ما قد يخطر بباله، فهز رأسه بعنف يحاول طرد تلك الفكرة منه، إلا أن تلك الفكرة القاتلة أصرت على التمثل أمامه بإلحاح شديد، كخنجر مسموم اخترق قلبه:

 – ماذا لو.. لو فكّر محمد بهينامي!! إنه شاب يافع وقوي، ووسيم أيضا.. ماذا لو.. لو وجد فيها فتاته المنشودة، وهو يعلم أنني لن أتمكن من النجاة من بين يدي هؤلاء المجرمين!!!!! سيكون ذلك.. سيكون سهلا جدا بالنسبة له!!

إلا أن فكرة أخرى، أخذت تصارع تلك الأفكار باستماتة، وهو يحاول التمسك بها بيأس شديد:

– كلا.. لا يمكن لمحمد أن يفعلها أبدا، فهو يحمل اسم رجل عظيم كما أخبرني، ولا يمكن للرجل العظيم أن يخون من ائتمنه مهما حدث..

***

في ذلك الوقت كان محمد قد تمكن من تحديد وضع هوتارو، أثناء عودته لمراقبة المنزل بصمت، بعد أن طلب من هينامي انتظارهما في منزله ريثما يعودان، وكان قد طمئنها بقوله:

– هوتارو يبذل جهده من أجلك، وستجدين حقيبته في تلك الغرفة، فلا تقلقي.. قد نتأخر قليلا ولكننا بالتأكيد سنعود إن شاء الله، لذا تصرفي وكأنك في منزلك، ولا تقومي بالرد على أحد خلال فترة غيابنا..

وفي اللحظة المناسبة تماما، وخلال اقتياد الرجال لهوتارو نحو العربة لنقله إلى مكان آخر؛ باغتهم محمد بقنبلة دخانية، اربكتهم قليلا، مما أكسبه بعض الوقت لتنفيذ خطته المحكمة، والتي تعتمد بشكل كبير على الدقة وعنصر المفاجأة وسرعة التنفيذ، ولم يشعر هوتارو – الذي أعماه الدخان هو الآخر- إلا بيدين تحلان وثاقه بمهارة، لتقوده بسرعة بعد ذلك خارج المجموعة، وقبل أن يتمكن الرجال من استعادة رباطة جأشهم، وسط صراخهم وتهديدهم المتوعد، كان هوتارو قد اختفى تماما عن الانظار بصحبة محمد..

****

لم يصدق هوتارو عينيه وهو يرى هينامي أمامه، بعد تلك المحنة القاسية، وبينما غرق الاثنان في عناق طويل، تبلله الدموع، استدار محمد بتأثر شديد، لينسل خارج المنزل بهدوء، فقد كانت أمامه بعض الأمور الضرورية وعليه إنجازها بسرعة..

أخذ هوتارو يستمع باهتمام شديد لما روته له هينامي، حول ما لاقته خلال الأيام الماضية، وهو يشعر بالغيظ تارة من اولئك المجرمون، والألم تارة أخرى على فتاته الرقيقة، التي لم تعتد تلك المعاملة الوحشية، حتى إذا ما ذكرت له ما حدث معها ومع محمد، شعر بامتنان شديد نحو ذلك الشاب الشهم، خاصة وهي تعبر عن ذلك بقولها:

– لقد شعرت بأنه أخٌ حقيقي، بل لقد كان كذلك فعلا، لقد كان عفيفا لأبعد درجة، وهذا ما لم أجده في أي شاب آخر من قبل!!

  عندها انتبه هوتارو لغياب محمد، فالتفت نحو هينامي متسائلا:

– ترى أين ذهب؟؟

فهزت رأسها في حيرة:

– لا أدري، فأنا لا أعرف عنه أكثر مما حدثتك به!!

ولم يطل تساؤلهما كثيرا، إذ سرعان ما عاد محمد، وهو يحمل في إحدى يديه تذكرتي سفر، وفي اليد الأخرى سلة طعام بدى ساخنا وجاهزا للأكل، قائلا:

– أرجو المعذرة إن قطعت حديثكما، ولكن من الأفضل أن تغادرا هذه البلاد بسرعة، قبل أن يتمكن المجرمون من الوصول إليكما بطريقة أو بأخرى، وقد استطعت بفضل الله حجز تذكرتين لكما على متن السفينة التي ستغادر خلال ساعتين من الآن.. العربة جاهزة، فهل أنتما مستعدان للذهاب؟

عندها ترقرقت دمعات في عين هوتارو لم يتمكن من حبسها، وهو يشد على يد محمد بامتنان شديد:

– لا أعرف كيف سأشكرك يا صديقي، لذا أرجو أن تقبل مني على الأقل ثمن التذاكر، فهذا كثير جدا علي!

غير أن محمد غمزه باسما:

– ألم أخبرك بأنني أحمل اسم رجل عظيم!! ومن واجبي إكرام ضيفي، لذا لا داعي لشكري أبدا، بل أنا من عليه شكرك لإتاحتك هذه الفرصة لي..

***

صعد المسافرون، ورُفعت الالواح الخشبية، وانتشرت الأشرعة، وعلا صفير المدخنة، وهي تنفث أبخرتها منذرة بالرحيل، لتشق السفينة طريقها بعد ذلك، وتمخر عباب الماء..

 وقفت هينامي إلى جانب هوتارو، الذي ظل يحدق في نقطة محددة، بدأت تتلاشى عن ناظرية تديجيا مع ابتعاد السفينة، فوضعت يدها على كتفه:

– لا زلت شاردا يا هوتارو، فما الذي تفكر به يا عزيزي؟

فانتبه هوتارو إلى نفسه، والتفت إليها بابتسامة مُحِبة:

– كنت أفكر بطفلنا القادم..

فاحمرت وجنتا هينامي، وأسندت رأسها على كتفه بمحبة، فيما تابع هوتارو كلامه، وهو يحيط كتفيها بذراعه، مانعا شعرها المنسدل على ظهرها من التطاير مع لفحات النسيم العذبة:

– هل تمانعين يا حبيبتي في أن نطلق عليه اسم (محمد)؟

عندها رفعت هينامي رأسها تتأمله بدهشة، قبل أن تقول باسمة:

– هل تصدق أن هذه الفكرة قد خطرت ببالي فعلا، لولا أن الاسم سيبدو غريبا في بلادنا، ثم إننا لا نعرف الكثير عن هذا الشخص العظيم الذي اتخذه صديقك قدوة له!

فأجابها هوتارو:

– يكفي أننا التقينا برجلٍ عظيمٍ، يحاول السير على نهجه! وأريد لابننا أن يصبح رجلا عظيما..

وصمت هنيهة قبل أن يضيف:

– إن شاء الله..

فسألته هينامي بتعجب:

– ما الذي تعنيه هذه الجملة؟؟

فأجابها هوتارو وهو يتأمل أطلال الميناء أمامه:

– لا أدري، ولكن محمد كان يستخدمها كثيرا، وأظنها تجلب الحظ الجيد..

فأومأت هينامي برأسها موافقة:

– أجل تذكرت، لقد سمعته يقولها أيضا، إنها جملة تجلب الحظ الجيد بالتأكيد..

وقبل أن يضيف أي منهما كلمة أخرى، انتبها إلى عامل السفينة، الذي قدم نفسه لهما معتذرا بأدب:

– أنت السيد هوتارو أليس كذلك؟

فأومأ هوتارو برأسه إيجابا، فتابع العامل كلامه وهو يقدم له طردا مغلفا:

– لقد ترك أحدهم لك هذا قبل أن تغادر السفينة الميناء، وأرجو منك التوقيع على استلامه هنا لو سمحت..

 فتبادل هوتارو مع هينامي نظرات متسائلة، قبل أن ينفذ ما طلبه العامل منه، ثم قرأ بصوت مرتفع، ما كُتب على البطاقة الملصقة على المغلّف، لتسمعه هينامي:

” العزيزين هوتارو وهينامي..

أدعو الله أن يرزقكما الحياة السعيدة، في الدنيا والاخرة، وأهنئكما مقدما بزواجكما، راجيا أن تتقبلا هديتي لكما بهذه المناسبة، فهي تعني لي الكثير..

محمد “

وبلهفة شديدة أسرع هوتارو بفتح المغلف، ليظهر أمامه كتاب مترجم بلغته، تركزت عليه أنظاره مع هينامي، وهما يقرآن معا عنوان الكتاب:

سيرة الرجل العظيم، خاتم الأنبياء والمرسلين، وخير خلق الله أجمعين

محمد

صلى الله عليه وسلم

*******

وعلى قمة مرتفعة تطل على البحر، وقف محمد يتأمل مشهد السفينة العملاقة، وهي تتوارى خلف الأفق، بسعادة يشوبها الألم، لما آلت إليه حال بلاده، مستشعرا عِظَم المسؤولية الملقاة على عاتقه، في نشر الوعي بين شباب أمته، والتصدي لتلك المخططات الآثمة التي تستهدفهم، فدمعت عيناه، وردد قلبه:

– يارب.. لا حول ولا قوة لنا إلا بك، فاحفظ أمة حبيبك ونبيك سيدنا محمد من الشرور والفتن، ما ظهر منها وما بطن، وردنا إليك ردا جميلا، وارزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى، واجعلنا ممن تقوم على أيديهم نهضة هذه الأمة..

****
النهاية

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

شعار نبراس

تركته لأجلك! – الحلقة 30

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

– لماذا علي التظاهر بحب تلك الفتاة البغيضة التي لا أطيق سماع اسمها!! إلى متى سأبقى على هذا الحال!!! كم هذا مؤلم وقاس جدا.. سوسن … سوسن… كل ما يهمه هو سوسن… فلتذهب سوسن إلى الجحيم..!!!
– هل أنا مجرد آلة صماء بالنسبة له!! لقد ظننت أنني اقتربت منه أكثر فإذا بي اكتشف العكس تماما!! ألهذه الدرجة يحبها!!
– لم تكن تهتم به ولم تكترث لأجله مثلي فلماذا يهتم بها.. لماذا!!!!!!! ألا يدرك أنها لم تحبه ولم تهتم به إلا بعد أن أبدى اهتمامه بها!! أما أنا… فقد أحببته دون مقابل!!!
وأخذت تبكي بحرقة وهي تضرب بقبضتها على مسند سريرها، وقد نسيت العهد الذي أقسمت أن لا تنكثه، فقد كان ألمها أكبر من أن تقيده الوعود..
لم تعرف كم من الوقت مر عليها وهي على تلك الحال في غرفتها، حتى انتبهت لصوت طرقات ملحة على باب غرفتها:
– آنسة سورا.. أرجوك افتحي الباب… إنه أمر هام.. أرجوك..
جففت سورا عينيها بغيظ شديد ونهضت من مكانها بتثاقل وهي تشعر برغبة عارمة في صب جام غضبها على تلك الخادمة، فما أن فتحت الباب حتى صرخت في وجهها بعصبية لا مبرر لها:
– أهذا وقتك أيتها الحمقاء!!! لا يوجد أي أمر هام في حياتي، فلماذا هذا الازعاج!!!
غير أن الخادمة قالت بثقة:
– لديك اتصال من المدير التنفيذي لحفل النجوم، وهو ينتظرك على الهاتف..
وخلافا لتوقعات الخادمة، لم تفلح تلك الكلمات بامتصاص غضب سورا، بل قالت لها بضيق:
– ولماذا لم يتصل على هاتفي الخاص!!
عندها شعرت الخادمة بالارتباك وكأنها المسؤولة عن تصرف المدير، فقالت بتردد:
– ربما.. ربما وجد هاتفك مغلقا سيدتي..
كانت تلك الملاحظة كفيلة بتهدئة سورا لوهلة، غير أنها سرعان ما شعرت بالغيظ من جديد، وقد تذكرت ما فعلته بهاتفها بعد ذلك الاتصال الذي أثار حفيظتها من… أيهم!!
أدارت رأسها حيث ألقت بهاتفها على الأرض وهي في ذروة غضبها، يفترض به أن يكون قد تحول لهشيم تذروه الرياح إثر تلك الضربة، لولا أنه كان محفوظا بغلاف من نوع خاص..
كانت الخادمة تتابع تعبيرات وجه سورا ونظراتها باهتمام، وقد فهمت تقريبا ما حدث معها، فمزاج سيدتها العصبي لا يخفى على أحد في هذا المنزل، ولطالما اضطرت الخادمة للقيام بأعمال اضافية كجمع القطع المبعثرة من تحف فنية أو آواني زجاجية، بعد نوبة من نوبات سورا العصبية!! لكن مزاجها قد ازداد سوءا في الآونة الأخيرة بلا شك!!!
وأخيرا تكلمت الخادمة:
– عفوا سيدتي.. المدير لا يزال على الخط، هل أعتذر لــ…
فقاطعتها سورا بنفاد صبر:
– هذا ليس من شأنك..
غير أنها انتبهت لنفسها أخيرا، فاتجهت نحو الهاتف والدموع تترقرق في عينيها، إذ لم تكن عصبيتها تلك سوى وسيلتها الوحيدة التي تواري فيها ضعفها وإحباطها.. وآلامها التي تصر على البقاء..
ما فائدة خطتها الآن!! لقد خسرت الجولة قبل أن تبدأها.. لم تعد تشعر برغبة في متابعة ما أعدت نفسها من أجله.. حفل النجوم.. كان أملها الأخير.. ولم يعد سوى سراب لا أمل فيه!!
انها كالسجين الذي قضى أيامه ولياليه بالتخطيط للهروب من سجنه، فأخذ يحفر باستماتة حتى إذا ما كان قاب قوسين من تحقيق هدفه وجد باب السجن مفتوحا، ففتحه ليفاجأ بأن العالم في الخارج أسوأ الف مرة من الداخل، فلماذا يتابع الحفر!!!
ولكن لا مجال للتراجع الآن.. فقد ترتب الحفل وها هو المدير بانتظارها على خط الهاتف..!!!
***
استطاعت سوسن أخذ استراحة قصيرة هرعت فيها لغرفة استراحة السيدات، حيث المصلى الخاص بهن، وهناك أخرجت من حقيبتها ملابس الصلاة الخاصة التي تمكنت من شرائها خلسة، بعد أن عقدت العزم على أداء الصلوات في أوقاتها بدلا من قضائها بعد عودتها إلى المنزل كما فعلت في اليومين السابقين، منذ أن بدأت الصلاة..
اتجهت سوسن إلى القبلة وشرعت بأداء صلاة الظهر، وما أن سلمت من صلاتها حتى فوجئت بسعاد ترمقها بنظرات مريبة، لم تكن قد احتكت بسعاد منذ آخر مرة رأتها فيها في دورة المياه مع تلك الزوجة البائسة، ومن دون أن تعرف سببا محددا شعرت سوسن بارتباك شديد من تلك النظرات فآثرت تجاهلها، وتمنت لو أنها تتبخر بسرعة لتجد نفسها فجأة قرب لوحاتها مع أيهم، غير أن سعاد لم تشأ تفويت الفرصة، فعلقت بقولها:
– تصيدين الرجال وتصلين أيضا!! استغفر الله العظيم، ألا تعرفين أنك تسيئين للاسلام بفعلك هذا رغم أنك تؤدين الصلاة!!!
أما سوسن التي انهمكت بطي ملابس الصلاة الخاصة بها لتضعها في حقيبة يدها، فقد شعرت بثقل رهيب في ساقيها، أعجزها عن سرعة الحركة والخروج من هذا المكان، كان بودها لو تدافع عن نفسها، لكن الشلل ألجم لسانها أيضا، ماذا عساها أن تقول!! وشعرت بألم يعتصر قلبها:
– لماذا تصر على نعتي بتلك الصفة البغيضة!! يارب أنا لست كذلك وأنت تعلم..
أما سعاد الذي أغاظها تجاهل سوسن لكلامها، فقد أضافت بلهجة لا تخلو من تشفّي غريب:
– لا حاجة لله بصلاة لا تنهى عن الفحشاء والمنكر، الم تسمعي قوله تعالى (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)!!
في تلك اللحظة تدخلت سيدة مسنة- كانت تؤدي الصلاة قربهما- موجهة حديثها لسعاد مباشرة:
– وهل الصلاة التي تؤدينها يا ابنتي تحثك على جرح الآخرين بكلامك هذا!! الله أعلم بما في قلوب عباده ولم يطلب منا أن ننصّب أنفسنا حكما على عباده!!
التفتت إليها سعاد بدهشة، وهمت بأن تقول لها شيئا تراجعت عنه، لتكتفي بقولها:
– من واجبنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
فأضافت السيدة:
– بالحكمة والموعظة الحسنة، واعذريني يا ابنتي فأنا في مقام امك وأقولها لك صراحة، انتبهي لنفسك، فإنما الدين المعاملة.. هذه نصيحتي لك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
ورغم امتنان سوسن الشديد لهذه المرأة العجوز، إلا أنها لم تكن ترغب بالنظر إلى سعاد وهي في ذلك الموقف الحرج، فلم تر معالم وجهها ولم تعرف طبيعة الأثر الذي تركته تلك الكلمات عليها، خاصة وقد أسرعت بالخروج وهي تتمتم بكلمات لم تركز سوسن في سماعها، إذ كان فكرها مشغولا في أمر آخر أرقها بشدة، لولا أن العجوز بادرتها بابتسامة محببة:
– لا تهتمي لكلام الآخرين يا ابنتي، تبدين مرهفة الإحساس جدا وهذا قد يؤثر عليك مستقبلا لا قدر الله..
فوجئت سوسن من تلك الملاحظة الدقيقة رغم أنه لم يصدر منها شيئا يشير إلى حساسيتها حسب ما تذكر، فسألتها باهتمام:
– كيف لاحظت ذلك يا خالة؟؟
فابتسمت العجوز:
– خبرة الحياة يا ابنتي..
فهزت سوسن رأسها بابتسامة متفهمة، غير أن الأمر الذي كان يؤرقها؛ لم يسمح لتلك الابتسامة بأخذ مساحة كافية على شفتيها، فنظرت إلى العجوز بعينين دامعتين:
– هل حقا لا فائدة من صلاتي يا خالة!!
فوجئت العجوز لوهلة بما سمعته، إذ لم تتوقع أن يكون هذا هو أكثر ما أقلق الفتاة الواقفة أمامها، غير أنها سرعان ما أجابتها بلهجة واثقة:
– بالطبع لا يا عزيزتي، إذا قصّر الانسان في أمر من أمور دينه، فهذا لا يعني أن بقية أعماله تذهب هباء!! ولعل بابا يتركه الانسان مفتوحا بينه وبين ربه، يكون كفيلا بفتح بقية الأبواب له بإذن الله..
واستطردت العجوز بابتسامة محببة:
– لقد ورد في هذا قصة شهيرة عن الامام أحمد والسارق الذي كان يرتاد المساجد ليصلي، وعندما استنكر الامام فعله (ألا تخجل من نفسك سارق وتصلي!! )، فأجابه السارق بأن هذا هو الباب الوحيد بينه وبين الله، فلم يلبث أن رآه الامام متعلقا بأستار الكعبة معلنا توبته، ليكون من أفضل رجال زمانه بعد ذلك..
بالطبع لا أذكر التفاصيل تماما فقد سمعت هذه القصة منذ وقت طويل، وقد كبرت في السن كما تريـ..
غير أنها بترت كلامها فجأة مع شهيق سوسن التي لم تعد تقوى على الوقوف، فجلست على ركبتيها وهي تخفي وجهها بكفيها، لتنشج ببكاء يدمي القلوب، فاقتربت منها العجوز وربتت على شعرها بحنان وهي تناولها منديل:
– هوّني عليك يا ابنتي، فالله كريم..
فيما بذلت سوسن جهدها لتهدئ نفسها وتجفف دموعها بمنديل العجوز التي تابعت كلامها برقة:
– الدين جميل جدا يا عزيزتي حتى في أوامره ونواهيه، المهم أن لا تدعي كلام أمثال هؤلاء الناس ينفرونك منه..
فابتسمت سوسن وهي ترفع رأسها ناحية العجوز وقد فهمت ما ترمي اليه:
– لا تقلقي من هذه الناحية يا خالة، فلست ممن يرفض الخير مهما يكن السبب.. والحمد لله..
فبادلتها العجوز الابتسام وهي تربت على كتفها بإعجاب:
– بارك الله فيك يا ابنتي، هذا ما لاحظته فيك فعلا..
ثم استدركت متسائلة، وهي ترمق سوسن بنظرات متفحصة أثناء نهوضها عن الأرض:
– هل أنت متزوجة؟
فأومأت سوسن برأسها ايجابا:
– تستطيعين قول ذلك، فأنا مخطوبة..
هزت العجوز رأسها بتفهم:
– حفظك الله يا ابنتي فأنت تدخلين القلب بسرعة ما شاء الله، لقد أحببتك من أعماق قلبي ولو لم تكوني مخطوبة، لرشحتك لحفيدي..
احمرت وجنتا سوسن، ولم تعرف كيف تتصرف لتداري خجلها، غير أن العجوز تابعت كلامها بحماسة:
– إنه طيب جدا وقد أصر على اصطحابي إلى هذا المعرض لمعرفته بشغفي بالفن..
بالمناسبة لم أسألك عن اسمك يا ابنتي؟
– سوسن..
فهزت العجوز رأسها بإعجاب:
– اسم جميل فعلا ما شاء الله..
وهمت بإضافة شيء غير أنها اكتفت بابتسامتها المحببة:
– حسنا لن أأخرك أكثر فلا أرغب أن أكون من العجائز الثرثارات..
وأطلقت ضحكة صغيرة:
– أم أنني كذلك يا سوسن؟؟
فلم تملك سوسن أن شاركتها بابتسامة ودودة:
– بل كلامك يثلج القلب يا خالة، لقد أسعدتني فعلا.. شكرا جزيلا لك..
فابتسمت العجوز برضا وهي تهم بالخروج أيضا:
– يسرني سماع هذا منك يا ابنتي، هذا من ذوقك، على كل حال إلى أين ستذهبين الآن؟؟
فأجابتها سوسن:
– في الحقيقة سأذهب لأقف إلى جوار لوحاتي التي شاركتُ بها في المعرض..
عندها شعرت العجوز بنوع من الذنب:
– لم أكن أعرف ذلك، لا شك أنني أخرتك فاعذريني..
فطمأنتها سوسن بقولها:
– لا بأس فخطيبي يقف هناك..
فأشرق وجه العجوز من جديد:
– هذا جيد، سأطلب من حفيدي أن يأخذني إلى زاويتك، فما زلنا في بداية جولتنا، أين تقع لوحاتك؟؟
فأجابتها سوسن بترحيب:
– في الواجهة..
فيما تساءلت العجوز:
– تقصدين عند ذلك العازف المدعو أيهم على ما أظن؟؟
تدفقت الدماء في وجنتي سوسن وهي تجيب بسعادة:
– أجل.. إنه خطيبي..
عندها حملقت العجوز فيها بدهشة:
– هل ذلك العازف المشهور.. خطيبك؟؟؟
تفاجأت سوسن من ردة فعل العجوز ولم تفهم تماما ما الذي أثار دهشتها، غير أن العجوز لم تعلق بشيء بل اكتفت بابتسامة مقتضبة وهي تردد:
– حماك الله يا ابنتي من كل سوء..
***
لم تكد سوسن تصل إلى زاويتها حتى هتف بها أيهم:
– سوسن.. لقد تأخرت يا عزيزتي، قلقت عليك فعلا..
فابتسمت سوسن:
– صادفتني عجوز طيبة..
وهمت بأن تخبره بما دار بينهما من حديث، لكنها أحجمت عن ذلك، فيما علق أيهم باستياء واضح:
– تقضين الوقت مع العجائز؛ فيما كان المعجبون بانتظارك هنا!! لقد جاءت فرقتي الخاصة أيضا لأخذ الصور التذكارية معك لكنك تأخرت ولم يكن بإمكانهم الانتظار أكثر!..
تنفست سوسن الصعداء، وقد شعرت بألم ممزوح براحة عجيبة، وهي تحدث نفسها:
– يا الهي لقد صرف الله عني نظرهم.. الحمد لله.. لقد أجيبت الدعوة.. ولكن..
ولم تستطع إخفاء ذلك في نفسها أكثر، فالتفتت إلى أيهم:
– هل من أجلهم فقط؛ قلقت عليّ.. يا أيهم!!
فحملق فيها بدهشة:
– ما الذي تعنيه!!
عندها فقدت سوسن أي رغبة في الحديث:
– لا شيء..
لكن أيهم بادرها بسؤال آخر:
– هل رأيت سامر؟
فأجابت بلا مبالاة:
– لا..
فتابع أيهم بنبرة توحي بأنه يخفي في طياتها شيئا ذا مغزى:
– كان يحوم هنا، أظنه يبحث عنك.. أو يفتقدك..
انتفض جسد سوسن لتلك الملاحظة التي تعمد أيهم أن يبديها بوقع خاص، فالتفتت نحوه باستنكار:
– ما الذي تعنيه بكلامك يا أيهم!! ربما كان يريد المساعدة في الاعداد للمحاضرة التي سيلقيها بعد ساعتين!
فافترت شفتا أيهم عن ابتسامة باهتة:
– ربما..
وسرعان ما انخرط الاثنان مع الزوار وكأن شيئا لم يكن..
***
………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
شعار نبراس

تركته لأجلك! – الحلقة 29

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

صعدت سوسن إلى جانب أيهم في سيارته، بعد أن أغلق المعرض أبوابه لذلك اليوم، كانت منهكة جدا، فألقت برأسها على وسادة الكرسى، وهي تُرجعه إلى الخلف قليلا، وأغمضت عينيها..
كان يوما طويلا جدا بالنسبة لها، غير أنه كان مختلفا أيضا..
أول يوم تصلي فيه، لا يمكنها نسيان ذلك، لقد كان ولادة حقيقية بالنسبة لها، قد لا يبدو تغيرها واضحا لمن ينظر إليها، فقد ارتدت ملابسها المعتادة، ووقفت أمام لوحاتها كما كانت تفعل من قبل، وأيهم إلى جانبها كما وعدها، لكنها أصبحت فتاة أخرى من الداخل.. أو هذا ما شعرت به على الأقل..
لم تدرك سوسن كم مر عليها من الوقت وهي مسترسلة في خواطرها تلك، حتى انتبهت إلى كونها لم تسمع صوت تشغيل أيهم للسيارة، هل تراها سرحت لدرجة أنها لم تنتبه لذلك، ربما تكون قد اقتربت من البيت الآن!
وما أن فتحت عينيها حتى كادت أن تصرخ بفزع، فيما ابتسم أيهم لها وهو يضع يده على شفتها معتذرا، بعد أن كان يحدق فيها عن قرب:
– آسف يا حبيبتي لم أقصد اخافتك، لكنك كنت كالملاك النائم الذي لم استطع مقاومة النظر إليه، ولو لم تفتحي عينيك فلربما قضينا الليلة كلها هنا..
فاحمرت وجنتا سوسن وهي تضع يدها على قلبها تتحسس نبضاته، قبل أن تعدّل وضع الكرسي:
– ولكنك أفزعتني فعلا!!
فتناول أيهم يدها وطبع عليها قبلة عذبة:
– هل تكفي هذه تعبيرا عن اعتذاري لك يا سيدتي!
لم تجد سوسن ما ترد به عليه أفضل من ابتسامة انطبعت على وجهها بتلقائية، فيما تشبث أيهم بيدها وهو يقربها إليه أكثر:
– لن أتحرك قبل أن تصدري قرار عفوك رسميا!!
فضحكت سوسن وهي تسحب يدها:
– لا داعي لكل هذا يا أيهم، أنت تعلم أنني..
وصمتت بحياء، فلا شك أن أيهم متيقن تماما من مشاعرها نحوه، غير أنه أصر عليها لتكمل جملتها بقوله:
– أعلم أنك ماذا؟؟
قال جملته وهو يميل عليها أكثر، فهتفت سوسن بتوتر:
– أرجوك لا داعي لهذا فنحن ما زلنا في الشارع!!
فضحك أيهم بمرح:
– لا زلت تعملين حسابا للآخرين رغم أنك خطيبتي قانونيا!! هيا.. إذا لم تقوليها الآن، فسأضطر لـ…
فقاطعته سوسن ودقات قلبها تخفق بعنف:
– حسنا إنني .. أحبك.. أحبك ولا يمكنني أن أغضب منك.. وأنت تعرف هذا جيدا..
لم تكد تتم جملتها، حتى أرخي أيهم جسده على كرسيه، وهو يتنهد بعمق:
– ليتني أصدق هذا يا سوسن..
كانت هذه مفاجأة حقيقية لها، أيهم يشك في حقيقةٍ تجدها من المسلمات!! ما الذي حدث!! لقد كانت تظنه واثقا من حبها له بل وتعلقها الشديد به!!
فرمقته بتعجب وهي تلمح تلك التعبيرات الحزينة على وجهه لأول مرة، وبعفوية وضعت يدها على يده قائلة:
– أيهم.. لا تقل لي بأنك تشك في حبي الكبير لك!!..
وترددت قليلا قبل أن تكمل:
– أم أنك تحاول اختباري؟
فنظر إليها أيهم بنظرات جادة كمن يحاول إفهامها أمرا يعجز عن إيضاحه أكثر:
– لقد تغيرتِ كثيرا يا سوسن!
بوغتت سوسن بسماع ذلك منه، فهي تعلم أنها تغيرت من الداخل، ولكنها لم تلاحظ أي تغيرا حقيقيا على تصرفاتها من الخارج، لا زالت كما هي، بل إن قلبها لم يزل يخفق بمجرد ذكر اسمه كما كان من قبل.. لا تذكر أنها فعلت شيئا مختلفا! حتى موضوع الصلاة، لم تجد الوقت المناسب لفتح ذلك معه، رغم أنه حدثا مهما في حياتها، فما الذي لاحظه أيهم عليها!!
لم تعرف سوسن بم تجيبه، فهذا مما لم تعمل له حسابا من قبل!! وأمام صمتها ذاك، أطلق أيهم تنهيدة أطول وهو يضع يديه خلف رأسه ليسنده عليهما بتأمل عميق:
– لا يمكنك انكار ذلك يا سوسن، أليس كذلك؟ لم أعد أهمّك كالسابق..
فقالت سوسن باندفاع عفوي:
– من قال لك هذا يا أيهم!! إنك أكثر شخص أحبه في حياتي وأفكر فيه طوال الوقت، صدقني، إنك أحب إلي من نفسي..
كانت الكلمات تخرج من فمها بسلاسة ودون ترتيب، حتى أن مشاعرها تفاعلت معها تماما، فسالت دمعات ساخنة على خديها وهي تقول بصوت مخنوق:
– أنت الوحيد الذي لا يمكنني تخيّل حياتي من دونه! فدع عنك تلك الأفكار أرجوك..
اعتدل أيهم في جلسته، وتلاقت نظراتهما بصمت لوهلة، قبل أن يضع يده على خدها مجففا دموعها:
– أنت حبيبتي وسأكون لك للأبد..

***
………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
شعار نبراس

تركته لأجلك! – الحلقة 28

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

حانت اللحظة الحاسمة أخيرا في حياة سوسن؛ وهي تقف ملتحفة بغطاء سريرها مستقبلة القبلة، بعد أن اغتسلت وتوضأت، وآلاف الخواطر تمر في ذهنها كشريط ذكريات فُتح مع رفعها يديها لتكبيرة الاحرام.. كم هي نعمة عظيمة هذه الاختراعات الحديثة!! فكيف لها أن تتعلم الصلاة لو لم يكن بإمكانها تحميل ومشاهدة تلك المقاطع!
لا تدري كم من الزمن مر عليها وهي تقف رافعة يديها باتجاه القبلة، بل لقد خيّل إليها أن الزمن قد تجمد عند تلك اللحظة.. ها هي ستصلي لأول مرة في حياتها.. شعرت برهبة شديدة، بل سعادة غريبة، أو مشاعر أخرى لم تعرف ماذا تسميها، مشاعر لا تستطيع كبتها؛ فانسالت على خديها بشكل دموع..
الله أكبر..
كيف لها أن ترددها دون أن تقشعر كل خلية في جسدها!!
“الحمد لله رب العالمين”..
اللهم لك الحمد يارب، لك الحمد يارب العالمين، أن سهلت لي هذا الوقوف بين يديك..
رددتها بدموع قلبها..
“الرحمن الرحيم”..
يا أرحم الراحمين، ارحم ضعفي، ارحم حيرتي، ارحم جهلي وقلة حيلتي، ارحمني يا رحمن يا رحيم..
“مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين”
يارب يا مالك يوم الدين.. أعني على ما لا طاقة لي به..
” اهدنا الصراط المستقيم”
عندها أخذت تجهش بالبكاء وهي ترددها المرة تلو الأخرى..
اهدني يا رب العالمين.. اهدني يا رحمن يا رحيم.. اهدني يا مالك يوم الدين.. اهدني يا الله.. اهدني فقد تعبت كثيرا من هذا الضياع..
بكت سوسن كما لم تبك من قبل، رغم أنها لا تذكر أنه مر عليها وقت لم تبكٍ فيه، بعد خطبتها من أيهم!! بكت كثيرا وشعرت برغبة جامحة تحول بينها وبين رفع رأسها من أول سجدة تسجدها لله على الأرض..
***
افلتت ضحكة خافتة من فم ذلك الرجل البدين الجالس على مكتبه، وهو يتأمل شاشة للمراقبة التلفزيونية، سلطها على بقعة محددة احتشد فيها الناس دون غيرها من الأماكن، ثم التقط نفسا عميقا من سيجارته المشتعلة، وهو يشير إلى عامل المراسلة بطرف اصبعه:
– ألم تخبره؟
فأجابه العامل وهو يضع فنجان القهوة على المكتب بانكسار:
– أجل سيدي إنه قادم..
ولم يكد يتم جملته، حتى دخل سامر مسلما:
– استدعيتني أيها المدير؟
فأشار له المدير بالجلوس إلى كرسي قربه، ثم أومأ بعينه إلى الشاشة بسعادة ظاهرة:
– كانت فكرة اختيار تلك الشابة للواجهة فكرة صائبة جدا، ولكنك لم تخبرني أن النجم أيهم سيكون معها، كان علينا أن نضيف ذلك في الاعلان..
ودون أن يلحظ أثر كلماته على سامر، تابع المدير بمزيد من الرضا وقد انتفخت أوداجه:
– لن تجد أفضل من شاب وسيم، وفاتنة حسناء للترويج عن أي مكان في هذا العالم، حتى ولو كان الجحيم بعينه..
وأطلق قهقهة مجلجلة، عبّرت عن مدى نشوته بما حصل عليه من نتائج فاقت توقعاته، ثم التفت إلى سامر مضيفا:
– أريد نشر المزيد من الاعلانات التي تضم أيهم مع تلك الفاتنة فلم يبق على مـ….
لكنه بتر جملته وهو يتأمل تغير وجه سامر الملحوظ، فسأله باهتمام:
– هل أصابك شيء؟؟
أدار سامر وجهه وهو يضع يده على فمه متظاهرا بالسعال قبل أن يقول:
– لا شيء..
ولأن هذا ما كان يرغب المدير بسماعه، فقد تابع باهتمام:
– حسنا ما قولك في…
غير أن سامر لم يستطع السكوت أكثر، فقاطعه بلباقة:
– عفوا سيدي المدير، ولكنني أرى من غير اللائق استغلال الآخرين هكذا..
عندها حملق المدير فيه بعينين مفتوحتين عن آخرهما:
– ماهذا الذي تقوله يا سامر!! مالذي تقصده بكلامك!!
فأكد سامر كلامه:
– إنني أعني ما أقوله، ليس من اللائق استغلال الآخرين للترويج عما نريده، هذا رأيي..
لم يزد المدير عن الحملقة فيه بعينيه المفتوحتين، حتى إذا ما وصلتا لآخر اتساع لهما، أغمضهما بابتسامة ساخرة، دوا أن ينطق بحرف واحد، ثم رمقه بنظرة ذات مغزى معلقا:
– نسيت أنك لا زلت شابا.. ولكن لا تقل لي أنك ترغب في لعب دور الفارس الشهم الذي يسعى لحماية الحسناء الجميلة!
ولم يتمالك نفسه، فأطلق ضحكة صاخبة، قبل أن يضيف بخبث:
– في عالم المال يا بني، لا مجال للحب..
كانت تلك الكلمة كفيلة بإثارة عواطف سامر، رغم استيائه الشديد من تلك اللهجة الهازئة، فلم يستطع الجلوس أكثر، بل خرج متجاهلا كلام مديره على غير عادته..

………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم