موعد-مع-المغامرة-سر-الآلة-رقم-11

موعد مع المغامرة

عن القصة:

أن ينسى الإنسان محفظة نقوده أو يصاب بالإفلاس لأي سبب؛ لهو شعور مزعج حقًا ويسبب الضيق بلا شك!
ولكن بالنسبة لنجمة فالأمر مختلف! فهذا على رأيها يعني ببساطة أننا على “موعد مع المغامرة”!..
فما هي طبيعة هذه المغامرات التي تخوضها نجمة، وما سر الآلة رقم 11؟!

التصنيف: شريحة من الحياة، مغامرات

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

بدى الوجوم على وجه هبة وهي تبحث في حقيبتها بقلق واضح، عندما لاحظتها نجمة، فسألتها باهتمام:

– خير إن شاء الله؟

فترددت هبة قبل أن تقول:

– يبدو أنني نسيت محفظة نقودي!!

فما كان من نجمة إلا أن هتفت بحماسة:

– هذا يعني أنك على موعد مع المغامرة!

غير أن نظرات هبة المندهشة، جعلت نجمة تبادر للتوضيح قائلة:

– إنني فعلا اتفهم موقفك يا عزيزتي، وأشعر معك، فمن المزعج أن ينسى الانسان محفظة نقوده بلا شك، ولكن هل تدركين كم من المغامرات يمكنك خوضها بسبب هذا!

ولم يخفَ على نجمة ملاحظة الضيق الباد على وجه هبة، وهي تتابع البحث في حقيبتها، فابتسمت مشجعة:

– قد تقولين في نفسك: ما لي ولهذه الفلسفة العقيمة، فأنا ليس لدي الوقت لهذا الآن، ولكن هلا استمعتِ لما حدث معي البارحة فقط؟

عندها رفعت هبة رأسها وتنهدت قائلة:

–  حسنا، لا يمكنني انكار صحة توقعك عما كان يجول بخاطري فعلاً، فهناك الكثير من الأمور التي يجب عليّ إنجازها بعد نهاية الدوام، أما وقد تبين أنني لا أمتلك النقود الكافية لذلك، فما عاد باليد حيلة!

فابتسمت نجمة:

– يمكنني اقراضك المال، فلدي ما يكفي منه الآن والحمد لله، ولكن دعيني أخبرك بما حدث معي أولاً!

فضحكت هبة وقد انفرجت أساريرها:

– بما أنك متحمسة لإخباري بذلك، فلا مانع لدي من الاستماع لك، فأنا مدينة لك بالنهاية لإقراضي النقود..

فما كان من نجمة إلا أن قطبت بين حاجبيها- لتمثل دور الاستياء مما سمعته- معترضة:

– في هذه الحالة، سيكون استماعك لي وكأنه “رِبا” لا يمكنني قبوله، فكل قرض جر نفعا فهو ربا كما تعلمين!!

فطمأنتها هبة بقولها:

– حسنا حسنا.. إنني أرغب بالاستماع لك بكامل ارادتي، حتى ولو لم تقرضيني النقود، لذا أرجوك أخبريني يا صديقتي العزيزة نجمة، بما حدث معك البارحة، قبل أن أموت من شدة الشوق لسماع ذلك!

قالت هبة جملتها تلك؛ وانفجرت الاثنتان ضحكاً، قبل أن تبدأ نجمة قصتها..

***

  بينما كنتُ ذاهبة مع أختي إلى المكتبة العامة، لأستعير كتابا هاماً جدا بالنسبة لي من أجل إتمام بحثي، ولم يكن بإمكاني شراؤه في ذلك الوقت؛ اكتشفنا أننا لا نمتلك سوى دينارين اثنين فقط! في حين أن تكلفة سيارة الاجرة نحو المكتبة تزيد عن ذلك قليلا! وبعدها لن نمتلك أجرة العودة بالطبع!

وهنا كنا أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما، الرجوع إلى نقطة الصفر أو المضي قدما!! وبالطبع اخترنا الخيار الثاني، وقررنا أن نقطع نصف الطريق مشياً على الأقدام، فالرياضة مفيدة لصحتنا قبل أي شيء! فإن كان هناك من يدفع نقوده من أجل ممارسة الرياضة، فنقص النقود قد يُساهم في ذلك أيضا، وكانت هذه الفكرة بحد ذاتها كفيلة بإسعادنا! ورغم أن طريق الذهاب أمامنا كانت منحدرة على الطريق الجبلي، خلاف طريق العودة الصاعد؛ إلا أن شمس الظهيرة التي كانت تراقبنا بحماسة شديدة، وتلوّح لنا بأشعتها الذهبية في السماء؛ شجعتنا على ركوب سيارة أجرة، مرت بمحاذاتنا بإغراء شديد! وبعد أن أعلمنا السائق بوجهتنا، تركّزت أعيننا على لوحة العداد؛ نراقب تقلب أرقامها باهتمام شديد، حتى إذا ما اقترب الرقم من (الدينار) همست أختي:

– الآن!

أجبتها بتوجس وعيناي مثبتتين على الشاشة:

– ما زال أمامنا عدة قروش حتى نبلغ الدينار، علينا استغلال كل قرش، فنحن سندفع الدينار كاملاً على أية حال!

وبدأ التوتر يظهر جليا في نبرة أختي وهي تقول:

– أن نخسر بضعة قروش أفضل من التورط بدفع جزء من الدينار الثاني المخصص للعودة! فربما لن يتمكن السائق من التوقف مباشرة عندما يشير العداد لمائة قرش!!

لم يستغرق هذا الحوار القصير أكثر من دقيقة أو ربما نصف دقيقة أو أقل، لكنه كان حواراً مصيريا بالنسبة لنا، نجح في تأهّب أعصابنا لحالة الطواريء القصوى، بانتظار لحظة الصفر! وما أن لاح الرقم “97 قرش” على العداد، حتى هتفنا:

– عندك لو سمحت، الله يعطيك العافية!

وبسرعة توقف السائق وعلامة استفهام واضحة تعلو وجهه، لكنه لم يعلق بشيء، فربما شعر وكأننا تذكرنا شيئا هاما قبل وصولنا إلى الوجهة التي حددناها له في البداية، وبغض النظر عما جال في خاطره؛ فقد كانت سعادتنا كبيرة بتحقيق الهدف الأول!! دينار واحد لا أكثر!

ثم بدأنا رحلة المشي باتجاه المكتبة، ولم ننسَ التقاط الصور لعدد من المشاهد، التي من النادر أن نتأملها فيما لو تابعنا طريقنا بالسيارة!! وكان من أبرز ما استوقفنا مشهد فتاة شابة تكنس التراب أمام باب متجر لا يبدو مشابها لغيره من المتاجر المنتشرة، بل كان أشبه ما يكون بمنزل أثري، لا سيما وقد تزينت واجهته بالعديد من التحف الاثرية، والقطع الخشبية، والاقمشة الملونة والمنقوشة برموز ذات معنى! فلم أقاوم السؤال بعد أن ألقينا السلام على الشابة:

– هل هذا متجر لبيع الاشياء؟

فأجابتني الشابة بابتسامة مرحبة:

– اجل، تفضلوا.. هذا محل (أنتيك) ولدينا العديد من القطع القديمة والنادرة!

قلتُ لها بدهشة:

– لا أذكر أنني رأيتُ هذا المكان من قبل!

فأجابت الشابة:

– هذا المحل جديد، فلم يمضِ على  افتتاحه أكثر من شهر!

وبينما كنتُ أتجول داخل المتجر، شعرتُ وكأنني دخلتُ في قصة تاريخية، أو انتقلتُ لعالم خيالي، أو أنني سافرت عبر الزمن، لأجد نفسي في منزل أحد القادة أو العلماء أو الفرسان الشجعان!! لقد حملت سيفاً لأول مرة في حياتي!! كان سيفاً حقيقيا، ذو مقبض ذهبي منقوش، وغمد مزخرف، ومطعم بأحجار فضية لامعة، رُصّت معاً لتكوّن شهادة التوحيد!

ويبدو أن صاحب المحل شعر بما يجول بخاطري من أفكار وقصص وخيالات حماسية، فقال مشجعا:

– لم لا تلتقطين صورة وأنت تحملين السيف!

هنا شعرتُ بأنني على وشك التلويح بالسيف بقوة، بعد أن سحبته من غمده قائلة:

–  أنا الفارسة “نجمة”، فهل هناك من سيعترض طريق أحلامي!!

وانتقلتُ من زاوية إلى أخرى، أتأمل كل قطعة فيها بتمعن، فهذه كرة أرضية قديمة كبيرة الحجم نسبيا، دقيقة في تفاصيلها ومعلوماتها، وتلك ساعة خشبية محفورة بنقوش مذهلة، وهناك جهاز التشغيل الاسطواني القديم، كما تصفحت عدد من الكتب القديمة، أعجبني مظهرها فوق الرفوف لتضيف جوا مميزا للمكان، بالاضافة لعدد من الاواني والأدوات التي تجبرك على تخيل القصص التي ارتبطت بها، حتى توقفتُ عند وعاء نقش عليه تاريخ صنعه قبل مائتي عام، بالاضافة لعدة جُمَل نُسخت عليه بخط عربي جميل، استوقتني منها عبارة:

 “القلب يعشق كل جميل”

أجل.. كم هذا صحيح، وإن كانت معلومة بالبديهة، لكنها بدت جملة فريدة، تعبر تماما عما كنت أشعر به في تلك اللحظة بالذات!

وبشكل عفوي سألتُ الشابة:

– كم ثمن هذا الوعاء؟

فأجابتني:

– طقم الأوعية هذا بألف دينار!!

أو ربما قالت ألفين أو أكثر! لم أكن متأكدة من الثمن بالضبط، فعقلي لم يكن ليستوعب تلك الارقام في ظل الظروف الراهنة، رغم أن هذا الثمن يعتبر مناسبا- أو ربما زهيدا جدا- لسلعة كهذه!

ومع ذلك، لم أتورع عن الاستفسار عن أسعار معظم القطع هناك من شدة الفضول أو ربما الاهتمام، فمن يدري.. قد أقتني مثل هذه الاشياء يوما ما! ويبدو أن صاحب المحل تعاطف مع اهتمامي الشديد هذا، فأخذ يقترح علي أسعارا مخفضة:

– يمكنك أخذ الكرة الارضية بثلاثين دينار فقط!

سعر مغري فعلا، ولكن ليس لشخص لا يمتلك سوى دينار واحد لطريق العودة!!

 كان ذلك هو حالي عندما أعادتني أختي إلى أرض الواقع هامسة في أذني:

– هل نسيتي أمر المكتبة والبحث الهام؟

وهنا تذكرتُ وجهتنا الاساسية لهذا اليوم!

صحيح نحن ذاهبون للمكتبة، من أجل كتاب هام!!

وبينما كنا نهم بالمغادرة بعد أن شكرنا الشابة وصاحب المحل، قام الأخير بإهداء “علاقة مفاتيح” منقوشة بآية “قل أعوذ برب الناس”، لكل واحدة منا!!

***

التقطت نجمة أنفاسها، بعد أن صمتت قليلاً، فيما سألتها هبة باهتمام:

– لقد شوقتِني لزيارة هذا المحل، فأين يقع بالضبط؟

ابتسمت نجمة مشجعة:

– إذا قررتِ الذهاب مشياً للمكتبة من هنا، فستجدينه على الطريق!

واستطردت قائلة:

– هذا جزء بسيط مما اكتشفناه في رحلتنا تلك! هل تعلمين أننا عدنا إلى المنزل في النهاية؛ دون أن نصرف الدينار الثاني؟!!

فشهقت هبة:

– ماذا!! لا تقولي أنكم عدتم لمنزلكم من المكتبة مشيا على الأقدام، بما في ذلك صعود الطريق الجبلي؟!!

فضحكت نجمة:

– تلك حكاية أخرى، اكتشفنا فيها شيئا جديدا أيضا!!

بدت هبة متلهفة لسماع ذلك الشيء، فيما قالت نجمة:

 – هذه ليست المرة الوحيدة التي اتعرف فيها على أشياء وأماكن جديدة؛ بعد موعد مفاجيء مع المغامرة!!

فسألتها هبة:

– تقصدين عندما لا يكون معك نقود كافية؟؟

فهزت نجمة رأسها ضاحكة:

– بالضبط.. معظم مغامراتي المثيرة كانت بسبب النقود! أو ربما عندما تطلب مني أمي طلبا مفاجئاً دون سابق إنذار، فأخرج مسرعة لأجد نفسي فجأة أمام اكتشاف مذهل، كما حدث عند جسر الآثار! أو عندما لا تسير الأمور بحسب ما أريد، فتتغير طريقي تلقائيا دون تخطيط مسبق، لأخوض تجربة جديدة ما كانت تخطر لي ببال، كما حدث في مغامرة “جبل القلعة”!

فابتسمت هبة بفضول:

– أنتِ حقاً بارعة في تشويقي يا نجمة! ما قصة “جبل القلعة” هذا؟ وما هو اكتشاف جسر الآثار؟!!

غير أن نجمة تظاهرت بالتثاؤب قائلة:

– ربما في وقت آخر، فقد انتهت استراحة الظهيرة، وسكتت نجمة عن سرد مغامراتها الخطيرة!

***

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

Tags: No tags

إضافة تعليق

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني *الحقول المشار لها بنجمة هي حقول إلزامية