عن القصة:
اللين و اللطف مفتاح للتعامل.. لكن ماذا لو انقلب الأمر و أبدى اللين مفعولا عكسيا؟!
مجموعة من الطلبة المشاغبين يجدون أنفسهم فجأة أمام مدير جديد! قصة واقعية، تسلط الضوء على قضية اجتماعية، وشر البلية ما يضحك!
التصنيف: مدرسي، كوميديا
انتشر الخبر كغيره من الأخبار؛ انتشار النار في الهشيم، في مدرسة صلاح الدين الثانوية للبنين!
– سيتقاعد المدير، وسيأتي مدير جديد!
– ترى كيف شكله؟ هل له عضلات؟
– يقولون أنه يحمل شهادة الدكتوراة من جامعة عريقة وراء البحار!
– سمعت أنه لديه الكثير من الأفكار الحديثة التي يسعى لتطبيقها في مدرستنا!
– هل تعتقد أنه سيكون قوياً جدا؟
– ما هي توقعاتكم.. من أقوى هذا المدير أم المدير الجديد؟
كانت الساحة تعج بالطلبة الذين اصطفوا بنظام منقطع النظير، وهم يستمعون لخطاب المدير الأخير:
– أبنائي، يا طلبة ثانوية صلاح الدين العريقة، سأترككم وكلي ثقة…..
ورغم أن عقول معظم الطلبة كانت مشغولة بتساؤلات كثيرة حول المدير الجديد؛ لكن أحدا لم ينبس ببنت شفة!!
وجاء اليوم الموعود أخيراً، ووقف المدير الجديد أمام الطلبة ببدلته الأنيقة، وابتسامته المشرقة، والقى تحية ودودة على مسامع طلبة الثانوية، معلنا عن قدوم عهد جديد، في تاريخها المجيد!
وفي إحدى الفصول، كان أحد الطلبة يزف خبراً هاماً لزملائه بحماسة منقطعة النظير:
– لقد سمعت جزءا من كلام المدير مع الاساتذة، الضرب ممنوع!
في حين دخل طالب آخر إلى الفصل وهو يهتف قائلا:
– لن تصدقوا ما حدث، لقد صافحني المدير بابتسامة عريضة!
وهنا.. أدرك الجميع تماما أنهم أمام عصر جديد بكل ما تحمل الكلمة من معاني!
لم يستغرق الأمر أكثر من سنتين على تلك الحالة؛ حتى تصدرت ثانوية صلاح الدين قائمة أسوأ المدارس في المنطقة!!
هروب من المدرسة، شجار وعصابات في كل زاوية، الأساتذة لا يمكنهم إنهاء الدروس،،،،
لقد خرج الطلبة عن السيطرة تماما!!
ذاع صيت المدرسة، واشتهرت بين طلبة المدارس الأخرى، حتى باتت وكرا للخارجين عن القانون، الذين يحرصون على ارتيادها من كل مكان!! وإذ ذاك وصل خبرها إلى وزارة التربية والتعليم!
***
التفت عدد من طلبة (الصف العاشر شعبة د)، نحو بسام- المشهور بعضلاته المفتولة- وهو يخبرهم عن آخر بطولاته التي تصدى بها لزعيم صفوف الثاني عشر، في حين كان أستاذ الأحياء يحاول جاهداً أن يطلب منهم الهدوء بشتى الوسائل والطرق؛ حتى يتمكن من إنهاء الدرس دون جدوى، إلى أن أعلن الجرس نهاية الحصة، ليريح ذلك الاستاذ- حديث التخرج، ضعيف البنية- من معاناته اليومية!!
كان بعض الطلبة لا يزالون يستعرضون بعض الحركات القتالية، رغم أن استاذ اللغة العربية دخل إلى الفصل ليعلن بداية الحصة التالية!!
حاول ذلك الاستاذ- الذي كان رجلاً طيبا كبيرا في السن نوعا ما- أن يرفع نبرة صوته أكثر؛ حتى يُعلم الطلبة بوجوده، إلى أن بح صوته، فبدأ الدرس بصعوبة شديدة، على أن أمل أن يريح ضميره على الأقل!
وذات يوم، انتشر خبر جديد في المدرسة..
سيستقيل المدير!!
وبدأ الجميع يتساءل عن هوية المدير الجديد..
– ترى كيف سيكون شكله؟
– هل هو محترم؟
– هل تعتقدون أن المدير الجديد سيكون طيبا؟
وذات صباح، وبينما كان الطلبة يتجاهلون أوامر الأساتذة كالعادة في الانتظام بالطوابير، تقدم المدير الجديد من مكبر الصوت، وألقى التحية على المدرسة معلناً استلامه لإدارتها، وبدافع الفضول فقط، استمع له الطلاب لوهلة؛ قبل أن يتابعوا أحاديثهم المعتادة! أما في طابور الصف العاشر د – الذي نال شهرة واسعة على مستوى المدرسة بكونه حوى أكثر طلابها شغبا ورعونة- فقد كان بسّام يوزّع ابتساماته المعتادة على الجميع، وهو يقف مائلاً بجذعه العريض، في وقفة هازئة، قبل أن يضيف عدد من التعليقات الساخرة!
صمت المدير لوهلة، وأشار إليه قائلا:
– أنت هناك، من الصف العاشر د!
فأشار بسام إلى صدره بتساؤل:
– أنا؟
فأومأ المدير برأسه بالايجاب قبل أن يضف بصرامة عبر مكبر الصوت:
– أجل أنت.. تعال إلى هنا!
خيم الصمت على المدرسة وكأن على رؤوسهم الطير وهم يتابعون خطوات بسام المتجهة بثقة نحو المدير، لعل آذانهم تلتقط أول كلمة سيكلم بها المدير ذلك الزعيم القوي!
وما أن اصبح بسام على بعد خطوتين من المدير؛ حتى دوى صوت صفعة قوية استقرت على وجه بسام، ترنح جسده الضخم على إثرها باهتزاز شديد، كاد أن يطرحه أرضاً، وسط دهشة عارمة جحظت بها العيون، وتجمدت فيها العروق، وتدلت الأفواه يشهقة قوية، كادت أن تُخرج من خلالها الأرواح!
(يقول راوي القصة الأصلي أن صدى تلك الصفعة لا يزال يرن في إذنيه، حتى بعد أن أصبح جدا!!)
ولم يقطع لحظات الصمت تلك؛ سوى صوت المدير وهو يخاطب بسام بنبرة قوية:
– عد إلى مكانك الآن!
وبينما كان الأخير يجر جسده جراً إلى مكانه في الطابور، تابع المدير خطابه وسط هدوء لم تشهده ثانوية صلاح الدين منذ زمن!
لم يكد المقام يستقر بطلبة الصف العاشر د في فصلهم، بعد أن صعدت الطوابير؛ حتى تنفسوا الصعداء- وهم يظنون أنهم قد أصبحوا في مأمن الآن- واخذوا يتندرون على بسام ضاحكين:
– ما الذي دهاك يا رجل؟
– خدك متورم، هل لا زالت تؤلم؟
– لقد كان جسدك يهتز بأكمله!
– أكاد أجزم أن هذا المدير ملاكم بارع!
– لقد فاجأنا يا رجل! كنت أظنه سيتفاهم معه أولاً!
وبطبيعة الحال، لم ينتبه الطلبة لدخول استاذ اللغة العربية، الذي كان يلقي التحية على نفسه، وسط نقاشهم المثير ذاك، إلى أن لاح لهم ظل المدير الذي أقبل على حين غرة، ليقف أمام الباب، سادا الفراغ بجسده!
وكمن ضغط على زر التوقف في شاشة عرض؛ تجمد الطلبة في أماكنهم دون أدنى حركة، كأن الشلل أصابهم فجأة! حتى الشخص الذي كان فاتحا فمه بالكلام، لم يستطع إغلاقه، بعد أن فقد جسده القدرة على التجاوب مع إرادته! فبقي فمه مفتوحا، في حين تبخرت الكلمات منه، وكأن الجفاف قد حل عليه دون سابق إنذار!
اشار المدير لعدد من الطلبة بسبابته قائلا:
– أنتم.. تحركوا الآن نحو مكتبي بسرعة!
كانت تلك الاشارة كفيلة ببث الرعب في نفوسهم، فتحركوا كالآلات دون همس أو حتى نِفِس!
وأمام مكتب المدير اصطفوا كما أخبرهم، دون أن يتبادلوا كلمة واحدة، ودون أن يعرفوا ما الذي سيحل بهم بعد ذلك..
مضت الحصة تلو الحصة، وهم على حالهم، أمام مكتب المدير، فيما كان بعض الطلبة الآخرين يمرون من أمامهم ويتساؤلون عن السبب الذي أوقفهم هنك، أو عن المصير المظلم الذي ينتظرهم!
وبعد أربعة حصص من الانتظار المهين، الذي أودى بما تبقى من جلادة أعصابهم، استدعى المدير أول طالب منهم، وأغلق الباب خلفه!! ليترك البقية في حيرتهم!! ما الذي سيجري في الداخل؟!
بدت غرفة المدير لذلك الطالب- من الوهلة الأولى- اشبه بغرفة تحقيق، غير أن مشهد المدير أمامه وهو يخلع معطفه الرسمي، ويضعه بترتيب على كرسيه بهدوء، ليقف بقميصه الابيض الناصع أمامه؛ جعله يتراجع عن رأيه!! خاصة وهو يراه قد بدأ بثني كم قميصه الايمن إلى منتصف ذراعه، ومن ثم فعل الشيء نفسه بالكم الأيسر!! لقد غير الطالب رأيه بسرعة، فلم تكن تلك غرفة تحقيق أبداً، بل كانت غرفة تعذيب بمعنى الكلمة!!!
وهكذا بدأت اللكمات المتتالية تنهال عليه بلا مقدمة، ولا حتى كلمة!!
وأخيرا.. فُتح الباب أمام العيون المتوجسة المترقبة في الخارج، لتشاهد ذلك الطالب وهو يخرج في حالة مزرية، وكأن لسانه انعقد فخيم عليه صمت مطبق، في حين ارتفع صوت المدير من الداخل:
– الطالب التالي!
**
دخل استاذ اللغة العربية على فصل (الصف العاشر الشعبة د) في اليوم التالي، والقى التحية بنبرة واثقة، وهو ينقل بصره بين الطلبة بابتسامة متشفية:
– كيف حال الرجال اليوم؟
-……………………..
– هل أنتم سعداء الآن؟
ولم تكن الأفواه لتجرؤ على النطق بأكثر من همسة واحدة:
– آه..
أما استاذ الأحياء؛ فلأول مرة منذ تعيينه، تمكن من سماع صوته وهو يشرح الدرس!! بل إنه سمع وقع خطواته ايضاً، في إنجاز غير مسبوق من نوعه!
وفي غضون ثلاثة أيام فقط؛ استعادت مدرسة صلاح الدين الثانوية انضباطها القديم، ونظامها الذي اصبح مثالا يحتذى به في جميع مدارس المنطقة!
******* تمت*******
ملاحظة:
القصة الأصلية سمعتها من أحدهم، (الراوي الأصلي للقصة)، ثم خطر ببالي صياغتها في قصة قصيرة، فكانت هذه هي النتيجة!^^
فما هو رأيكم يا ترى؟
ونسأل الله الهداية والصلاح والتوفيق للجميع
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم