الحب-وحده-لا-يكفي

الحب وحده لا يكفي !

عن القصة:

قصة مدرسية قصيرة، تتحدث عن فتيات مراهقات مولعات بمتابعة القصص الخيالية وقراءة المانجا، يواجهن مشكلة في مفاهيم الحب والحياة.. فكيف ستتصرف المعلمة سلمى؟

التصنيف: مدرسي، شريحة من الحياة

– نغم.. نغم.. ماذا أصابك ألا تسمعينني؟؟؟ إنه وقت الاستراحة، ألن تكملي لنا القصة؟؟ ديمة وروان في الساحة ينتظرونك أيضاً..

التفتت نغم نحو صديقتها المتحمسة بعينين زائغتين، وكأنها لا تفهم ما يجري حولها، فأعادت صديقتها كلامها بإلحاح شديد:

– نغم ماذا أصابك؟؟ لا تبدين بخير أبداً!!! هل كنت منتبهة في الدرس أصلا! لا أظنك لاحظتِ أن الحصة انتهت!! نغم.. أرجوك أجيبيني ولو بكلمة واحدة على الأقل!!

وبدل سماعها إجابة نغم؛ جاءهما صوت المعلمة المناوبة، وهي تصرخ بغضب أثناء مرورها بالطابق:

–  ما الذي تفعلانه هنا!! ممنوع البقاء في الفصول خلال فترة الاستراحة، هيا انزلا للساحة بسرعة.. كم مرة علينا إعادة الكلام نفسه!!! يا لكم من جيل مزعج عديم الفهم.. عديم الفائدة.. عديم النفع…

 وبالطبع لم تستمع الفتاتان لبقية كلامها، إذ كانتا قد اختفيتا عن أنظارها في طرفة عين!

وما أن وصلتا الساحة- بعد نزولهما جرياً على الدرج- حتى وجدتا نفسيهما محاطتان بديمة وروان، وعتابهما اللاذع:

– كأننا نشتم رائحة خيانة هنا!! هل كنتِ تكملين القصة لرنيم وحدها يا نغم!!

لكن رنيم سرعان ما دفعت الشبهة عن نفسها، وهي تلتقط أنفاسها اللاهثة:

– ليتني استفيد شيئاً من خاصية وجودي معها في الفصل نفسه!! أنتم تعرفون اتفاقنا، ونغم لا تحب إعادة القصة مرتين!!

فبادرتها ديمة بالسؤال:

– لماذا تأخرتما إذن؟!! فترة الاستراحة قصيرة بما يكفي..

فزفرت رنيم باستسلام:

– لا أدري ماذا أصابها اليوم، فهي لم تتكلم معي بكلمة واحدة!

عندها التفتت روان نحو نغم قائلة:

 – هيا يا نغم ألن تكملي لنا قصة “ذات الوشاح الأزرق”؟ … نغم.. ألا تسمعيننا؟؟

تبادلت الصديقات الثلاثة النظرات وهن يحدقن بنغم، التي بدت شاردة تماماً، فألحّت عليها روان بقولها:

– أخبرينا ماذا أصابك على الأقل؟؟ هل هناك شيء يزعجك هل تريدين الذهاب للعيادة؟؟

ولم تنتظر ديمة جوابها أكثر، إذ جذبتها من يدها، قائلة:

– سآخذك للعيادة بنفسي، وضعك غير طبيعي أبداً..

لكن نغم أفلتت يدها منها بقوة:

– ألا يمكنكن تركي وشأني!! مزاجي معكر جداً، ولا أريد إيذاء أحد بكلامي.. ولكنكن مزعجات حقا!

عندها انفرجت أسارير الصديقات الثلاثة، معبرين عن ارتياحهن الشديد لسماع ذلك، فقالت روان:

– الحمد لله على الأقل سمعنا صوتك!

وتبادلت ديمة مع رنيم نظرات ذات معنى، قبل أن تقول:

– هل حدث شيء لبطل المانجا التي تتابعينها؟ أنت لم تخبرينا باسمها حتى الآن!

وأمام صمت نغم مع الكآبة التي ظللت وجهها، تم التأكد من الإجابة، فقالت رنيم:

 – نحن نعرف أنك اخفيتِ عنا اسم المانجا التي تتابعينها؛ حتى لا يحرقها أحد عليك كما حدث سابقاً، ولكن ألن تخبرينا باسمها على الأقل بعد انهائها؟ صدقيني هذا سيخفف عنك العبء، سنتناقش بالقصة و…

فقاطعتها نغم بضيق:

– لم أنهيها بعد، ولا أريد إنهائها أبداً، ولا حتى تذكر اسمها.. إنها قصة بغيضة بمعنى الكلمة!! لقد كرهت مانجا الشوجو كلها بسببها!!

فتنهدت روان:

– يبدو أن الوضع أسوأ من المرة السابقة!! على الأقل، ما هو الحدث الذي أزعجك؟ أخبرينا عنه بشكل عام بدون ذكر أسماء…

لكن نغم أجابتها ببرود:

– قلتُ لكم أنني لا أريد تذكر أي شيء عن تلك المانجا، سأحاول أن أنساها..

 فقالت ديمة بنفاد صبر:

– في هذه الحالة لماذا لا تكملين لنا قصة “ذات الوشاح الأزرق”؟؟ ليس من العدل أن تتركينا في منتصف القصة هكذا، لقد وعدتِ بإكمالها.. لا تقولي أنكِ نسيت اتفاقنا بالأمس على تناول الغداء في المطعم بعد المدرسة حتى تكملي القصة، لقد تعبتُ في الحصول على موافقة أبي من أجل ذلك..

بدا على نغم علامات تأنيب الضميرأخيراً، لكنها قالت بأسف:
– حقا أعتذر عن ذلك، بالطبع لم أنسَ موضوع المطعم وقد أخذتُ موافقة أمي وأبي أيضاً، ولكنني لم أعد مهتمة بتلك القصة، ولا أفكر بإكمال تأليفها أبداً…

لم تكد نغم تكمل جملتها حتى انفجرت ديمة بغضب:

– هذه ليست أول مرة!! لن أصدقك بعد اليوم أبداً ايتها الـ…..

غير أن روان ورنيم حاولتا التدخل بسرعة، لتهدئة الأوضاع قبل أن تلتفت الأنظار إليهم، وإلا.. فكيف سيشرحون هذا الموقف الذي لا يفهمه أحد سواهم!!

ومن لطف الله بهم أن جرس المدرسة أعلن انتهاء فترة الاستراحة، فتنفست رنيم بارتياح وهي تمسك نغم من يدها:

– علينا الاصطفاف بالطوابير بسرعة قبل أن نثير غضب المعلمات، يكفينا التوبيخ السابق،  لذا عن إذنكما سنذهب إلى طابور فصلنا..

أما روان، فقد استدركت مخاطبة ديمة:

 – كأننا نسينا تناول شطائرنا اليوم!! أرجو أن نتمكن من التركيز في بقية الحصص..
فأجابتها ديمة وهي لا تزال تتميز غيظاً:

– كله بسبب تلك الـ…..

لكن صوت إحدى المعلمات المناوبات، أعادها إلى واقعها المرير:
– هيا إلى الطوابير بسرعة.. ستبدأ الحصة الرابعة خلال خمس دقائق..
وارتفع صوت المرشدة من خلال مكبرات الصوت:

– أنتن هناك.. التزمن الطابور بسرعة.. يا فتيات كل واحدة في طابورها.. نظــــام… كل طابور بدوره .. إياكن الخروج عن المسار.. هيا بسرعة.. إلى الفصول..

وساهمت فتيات الكشافة في تنظيم سير الطوابير في الممرات، وخلال صعود الأدراج، حتى امتلأت الفصول بطالباتها، لتدخل المعلمات إلى حصصهن، وتُستأنف الدراسة كالمعتاد..

  حاولت نغم التركيز جاهدة في درس الفيزياء، لكن دون جدوى، فتمنت لو أن المعلمة سلمى لا تلاحظها وتتجاهل وجودها، لهذا اليوم على الأقل، غير أن أمنيتها تحققت بشكل عكسي.. إذ لم يكد هذا الخاطر يتبادر إلى ذهنها حتى سمعت اسمها:

– هيا يا نغم تعالي إلى اللوح، وارسمي لنا العلاقة بين “الإجهاد” و”الانفعال” مع تحديد مناطق المرونة على المخطط البياني..

 لم يكن السؤال صعباً، فهذا مراجعة سريعة للدرس الماضي، غير أن نغم شعرت بالارتباك الشديد، وهي تحاول البحث عن عذر مناسب، لتُعفى من الإجابة، ولم يخفَ على المعلمة ملاحظة ذلك، لكنها أصرّت  قائلة:

– هيا يا نغم تعالى إلى هنا بسرعة..

ثم تابعت قائلة، وهي تخاطب الطالبات:

– كما استنتجنا من قانون هوك في الحصة الفائتة، كلما زاد الاجهاد على جسم مرن، زاد انفعاله بشكل طردي، وإذا نقص الإجهاد نقص هذا الإنفعال، وهذا صحيح طالما أننا ضمن حد المرونة، أما إذا تجاوزنا حد المرونة بزيادة الإجهاد على هذا الجسم، فلن يعود إلى وضعه الطبيعي أبداً وسيفقد مرونته، وإذا زاد الإجهاد أكثر فسنصل إلى..
وسكتت المعلمة قليلاً وهي تلتفت إلى نغم، لتفسح لها المجال بالإجابة، فأجابت أخيراً:

– سنصل حد الكسر..

فأومأت المعلمة برأسها موافقة:

– ممتاز، والآن مثّلي هذا على اللوح بيانياً..
وبالفعل استطاعت نغم إتمام الرسم البياني على أفضل وجه، فيما علّقت سلمى قائلة:

– وهذا لا ينطبق على الاشياء وحسب، بل على النفوس أيضاً.. وبالطبع لكل جسم ثابت مرونة يختلف عن الآخر، بحسب طبيعة الجسم، لذلك قلنا سابقاً احذرن الوصول إلى حد المرونة مع أي أحد، حتى مع أنفسكم.. فمعظم مشكلاتنا في الحياة اننا لم نفهم “قانون هوك” بشكل جيد، لذا نتفاجأ أحياناً بأن هناك من خسر علاقته مع شخص ما، بسبب كلمة بسيطة أو فعل لا يستحق الغضب، لكن في الحقيقة أن الشخص الآخر يكون قد وصل حد المرونة بالفعل، ولم يعد يحتمل المزيد، وكما قال المثل: إنها الشعرة التي قصمت ظهر البعير..

فرفعت رنيم يدها تستأذن بالمشاركة، قبل أن تضيف:

– أو كما يقولون في المثل الشعبي يا آنسة (مش على رمانة، على قلوب ورمانة)..
فضحكت الفتيات وابتسمت سلمى:

– أجسنتِ، بالضبط هذا ما يحدث، وكلما ابتعدنا عن حد المرونة أكثر، كلما كان هذا أفضل، لنضمن لأنفسنا مساحة كافية ضمن منطقة المرونة، وهذا يذكرنا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، “الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فمن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه”، فكأن حد الحرام هو حد المرونة، وكلما ابتعدنا عن هذا الحد، كلما ضمنا لأنفسنا السلامة أكثر.. لذا هل عرفتن أهمية فهم الفيزياء في حياتكن اليومية؟ أريدكن فتيات ناضجات ناجحات دائماً، لذا تذكروا هذا القانون دائماً، ولا تنسوا إخبار الجميع به..

لم تستطع فرح منع نفسها من التعليق قائلة:

– فهمنا يا آنسة، والله فهمنا.. الفيزياء جميلة، وسنجعل الجميع يحبون الفيزياء كما تريدين..

فأفلتت ضحكة صغيرة من سلمى، ضحكت على إثرها الفتيات، لكنها سرعان ما أمسكت زمام الموقف، قائلة:

– حسنا.. نعود إلى الدرس، افتحن الكتب على قسم المسائل في آخر الوحدة، ولنبدأ بحل السؤال الخامس، فهو تطبيق مباشر على القانون…
**
دق جرس المدرسة معلناً نهاية الدوام المدرسي، وخرجت نغم برفقة رنيم من الفصل وهي تشعر ببعض الندم:

– أظن أن ديمة لا تزال غاضبة جدا مني، أخشى أنها وصلت حد المرونة بالفعل!!

فطمأنته رنيم قائلة:

– لا عليكِ، ستحل المشكلة بسرعة إذا أخبرتينا بتكملة قصة “ذات الوشاح الأزرق”، عليكِ أن تفي بوعدك..

فتنهدت نغم بألم:

– المشكلة أنني لا أستطيع، أنتن لا تفهمن هذا! لا أعرف كيف أشرح أكثر!!

عندها لمعت عينا رنيم، فهتفت- كأرخميدس عندما “وجدها”- قائلة :

– لماذا لا تخبرين المعلمة سلمى عن هذا الموضوع؟؟ أنا متأكدة انها ستساعدك في تجاوز هذه الأزمة..

فحملقت فيها نغم بذهول:

– هل أنتِ جادة؟؟ وماذا أقول لها؟؟ شرح المشكلة بحد ذاته أكبر من المشكلة نفسها!

فطمأنتها رنيم:

– أظن أن المعلمة سلمى ستفهم هذا بسرعة، فقد سمعتُ أنها تكتب قصص أيضاً، كما أنها مثلنا تتابع الأنيمي..

شهقت نغم:

– أنتِ تمزحين!! من قال لك هذا؟

فغمزتها رنيم بابتسامة ذات مغزى:

– هذا سر!

لكن نغم جذبتها من يدها:

– هيا أخبريني، لا تكوني لئيمة..

فضحكت رنيم:

– هذا هو بالضبط شعورنا عندما ترفضين إكمال القصص، اشعري معنا قليلاً..

فتوسلت إليها نغم باستعطاف شديد:

– إنني آسفة حقا، فلا تستغلي ضعفي الآن.. ألستِ أنتِ من اقترح علي الذهاب للمعلمة..

 وقبل أن ترد عليها رنيم بكلمة؛ تفاجأت الفتاتان بالمعلمة سلمى تلقي عليهما السلام، قائلة:

– ألم تعودا إلى المنزل بعد؟

 ومع هول المفاجأة؛ تلجمت ألسنتهما تماماً، حتى أنهما ردّتا السلام بتلعثم واضح، مما أثار تعجب سلمى، فسألتهما باهتمام:

– هل هناك خطب ما؟

 وبدون مقدمات؛ قالت رنيم كمن خشي فوات الفرصة:

– في الحقيقة آنسة سلمى، نغم لديها موضوع ترغب باستشارتك فيه..

فالتفتت سلمى نحو نغم، التي ألجمتها الصدمة:

– حسناً يا نغم، هل تحبين التحدث في الموضوع الآن؟ يمكننا الجلوس في الساحة الخارجية، سيكون لدينا بعض الوقت قبل إغلاق المدرسة، فهل لا بأس بذلك؟

فأجابتها رنيم بحماسة:

– لا بأس بذلك طبعاً، فنحن سنمر على المطعم في طريق عودتنا، وأهلنا يتوقعون تأخرنا على أي حال، لذا لا بأس بذلك أبداً يا آنسة..

**
شعرت نغم بتوتر شديد، إذ لم تعرف كيف تبدأ الموضوع، لكن رنيم تشجعت وبادرت بنفسها قائلة:

– ساخبرك القصة من البداية يا آنسة سلمى بكل صراحة، فأنا ورنيم وديمة وروان اصدقاء طفولة، ونعرف بعضنا منذ الابتدائية، كنا نتشارك الاهتمامات نفسها، خاصة متابعة الرسوم المتحركة، وقد كانت نغم أحيانا تقوم بتغيير نهايات بعض القصص التي لا تعجبنا، ثم بدأت بتأليف قصص جديدة، وكنا دائما نحب الاستماع لها ونتابعها بشغف، لكن المشكلة أنها أحيانا تمل من إكمال القصص التي تبدأها، فلا تكملها لنا، ثم تفاجئنا بقصة جديدة، ولم نكن نشعر بالضيق في البداية، إذ سرعان ما كنا ننسجم مع القصة الجديدة، وهكذا.. لكن مؤخراً بدأ هذا الموضوع يزعج بعضنا، خاصة وأنها وعدتنا بإكمال آخر قصة..

وسكتت رنيم لتفسح المجال لنغم حتى تكمل الحديث، فقالت أخيراً:

– ربما تبدو لك المشكلة سخيفة يا ىنسة سلمى ولكنني حقا لا أستطيع إكمال القصص…

فقالت سلمى بنبرة جادة:

– أولاً هذه ليست مشكلة سخيفة أبداً، بل مشكلة حقيقية، وكبيرة جداً، فالوعد وعد مهما كان، وإخلاف الوعود ليس من شيم المؤمنين!

شعرت نغم بالحرج الشديد، وحاولت الدفاع عن نفسها، لكن سلمى تابعت كلامها قائلة:

– ثانيا ليس الموضوع أنك لا تستطيعين، بل الفكرة تكمن في أنك لا تريدين ذلك، وهناك فرق كبير بين الارادة والاستطاعة، لكننا كثيراً ما نخلط بينهما، لذا علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا، ونبحث في دواخلنا جيداً عن الأسباب التي أدت بنا إلى هذه الحال..

ثم استدركت قائلة:

– هل هذا هو الموضوع الذي كان سبب شرودك في الحصة اليوم؟

فاحمرت وجنتا نغم، قبل أن تجيب:

– ربما..

لكن رنيم حثتها على الكلام قائلة:

– هناك أمر آخر يزعجها يا آنسة، فقد كان مزاجها معكرٌ منذ الصباح، قبل حدوث المشكلة، وهو السبب وراء امتناعها عن إكمال القصة لنا هذا اليوم على الأغلب، أليس كذلك يا نغم؟

شعرت نغم برغبة عارمة في قرص رنيم حتى يتورم جلدها، لكنها حاولت ضبط نفسها، ولاحظت سلمى ذلك، فابتسمت قائلة:

– لا شيء يدعو للحرج عزيزتي، فحتى أنا احياناً يتعكر مزاجي لأسباب يراها الآخرون تافهة جداً، لذا يمكنك إخباري عن أي شيء بكل راحة.. هل أفترض مثلاً أن هناك قصة لم تعجبك نهايتها مثلاً؟ إذا كانت القصة معك فأعيريني إياها أو اخبريني باسمها وسأحاول قراءتها، لنتناقش فيها فيما بعد، فهذا أفضل.

وغمزتها قائلة:

– فأنا أحب قراءة القصص أيضاً..

وهكذا.. قررت نغم أن تزيح الحمل الثقيل الجاثم على صدرها، فتكلمت أخيراً:

– في الحقيقة يا آنسة هي ليست قصة بمعنى قصة، فهي مانجا.. يعني… يعني هي تشبه…. مممم..

فأومأت سلمى برأسها لتختصر عليها الشرح:

– أجل أعرف أعرف.. فأنا اقرأ المانجا ايضا،..

تهلل وجه نغم:

– حقاً يا آنسة؟؟

فابتسمت سلمى:

– أجل، يمكنك متابعة حديثك..

فقالت نغم:

– حسناً.. في الحقيقة هي مانجا شوجو.. أنت تعرفين تصنيف الشوجو يا آنسة صحيح؟

فهزت سلمى رأسها موافقة، فيما تابعت نغم كلامها بحماسة:

– قبل فترة أنهيت مانجا رائعة من هذا التصنيف وقد أعجبتني جداً، فبحثت عن مانجا أخرى للمؤلفة تفسها، ولكنني عندمابدأتُ قراءتها صدمتُ جدا بما حدث، لم أتوقع من المؤلفة أن تفعل هذا، لقد كرهتُ البطل جدا جدا، فرغم أنه طالب ذكي ومحترم، ولديه صديقة سابقة، لكنه يبدأ بالاهتمام ببطلة القصة، لم أحب الفكرة أبداً..
وبدا التأثر واضحاً على وجه نغم وهي تتابع:

– يُفترض من القصة أن تجعلنا نتحمس لاعتراف البطل لهذه البطلة، بل إنه سيترك صديقته من أجلها…

لكن نغم بترت كلممتها فجأة، وقد انتبهت أنها تحدث معلمة! فاستدركت قائلة:

– طبعاً يا آنسة أنتِ تعرفين أن هذه القصة تعكس بيئة غير عربية، لذلك هذا الوضع مقبول لديهم، يعني هذا ليس قلة أدب عندهم، أو تصرف سيء.. حتى الأهل عندهم لا يمانعون في ذلك… ما أقصده هو أنها تعكس ثقافة مختلفة.. أقصد فكرة الاعتراف وأن تكون هناك صديقة مقربة أو صديق مقرب.. مممم.. يعني يمكنك القول أن هذا يشبه الخطبة عندنا..

فضحكت سلمى قائلة:

– أعرف أعرف، يعني مثل خطبة ران وسينشي في المحقق كونان.. لا تقلقي لن آخذ عنك فكرة سيئة أبداً..

فابتسمت نغم، وضحكت رنيم:

– ألم أقل لك أن المعلمة سلمى ستتفهم..

لكنها أغلقت فمها بسرعة من شدة الحرج، فيما تابعت نغم كلامها، بعد أن دخلت في جو التأثر من جديد:

– المشكلة يا آنسة أن صديقة البطل السابقة تعتبر شخصية ثانوية، لذلك تم تجاهلها في المانجا، رغم أنه بحسب ذكريات البطل فهو أول من اعترف لها، ورغم ترددها في البداية، ومحاوله اقناعها له بأنها مثل أخته فقط؛ إلا أنه أخبرها بأنه يحبها حقا ولن يتخلى عنها أبداً، حتى وثقت به!!

وترقرقت عينا نغم بالدموع، وهي تتابع:

– لم أستطع احتمال ذلك!! لماذا تريد المؤلفة اقناعنا بأن تصرفه صحيح؟؟؟ لماذا سمحت له بأن يحب بطلة القصة؟؟ هل لأنها بطلة القصة فقط!! حتى بطلة القصة كانت مقيتة جدا! فقد ظلت تلاحق البطل وهي تعلم أن لديه صديقة، بحجة أنها لا تريد تجاهل مشاعرها!! هذا مؤلم جدا! والأشد إيلاما من هذا كله، وحتى تريح المؤلفة ضمير البطل؛ جعلت صديقته السابقة تتفهم الأمر، بل وكأنها ترحب في الانفصال!! بالطبع هذا غير مقنع ولكنه ما تريده المؤلفة فقط..

وصمتت قليلاً قبل أن تتابع، فيما كانت سلمى تستمع لها باهتمام:

– هل تصدقي يا آنسة.. أنها أول مرة أقوم فيها بالقفز إلى الفصل الأخير وحرق القصة على نفسي! لم أحتمل الذي حدث وكنتُ أرجو أن يعود لصديقته السابقة، رغم أن رسوم الغلاف واضحة، ومع ذلك.. قفزت للفصل الأخير حتى أتاكد بنفسي!! وللأسف كان البطل والبطلة معا في نهاية سعيدة كما تريدها المؤلفة، ولكنها ليست كذلك ابداً.. فلم يعد لتلك الصديقة السابقة وجود أبدا، فقط لأنها شخصية ثانويةً!! لقد تمت خيانتها تماماً.. لم يكن ليحدث هذا لو أن تلك الصديقة السابقة هي البطلة الاساسية للقصة.. هذا فظيع جدا..

وصمتت نغم بشرود، حتى سألتها سلمى:

– أهذا كل شيء؟

فرفعت نغم عينيها لتواجه عينا معلمتها الثاقبتين:

– آسفة لقد أزعجتك بما يكفي يا آنسة وأنا أعيد وأزيد في الكلام نفسه، ولكنني متألمة جدا من تلك الفكرة، ولا أستطيع تجاهلها! لقد عكرت مزاجي تماماً، فهذا لا يُشعِر بالأمان أبداً..

فطمأنتها سلمى بابتسامة ودودة:

– أتفهم شعورك نغم، ومعك الحق في هذا، حتى أنا كانت تغيظني هذه القصص جداً، ولكن بالتفكير المنطقي في الموضوع، ما حدث هو نتيجة حتمية لمن يبني علاقاته على الحب فقط، لذلك المؤلفة لم تكن مخطئة جداً، فهذا يحدث أحيانا، وهي وصفت واقع موجود.. فلا يوجد ضمان لاستمرار الحب أبداً، القلوب متقلبة….

فاستأذنتها نغم في المقاطعة- بإشارة من يدها- قائلة:

– هذا يعني أنه لا يوجد ضمان أيضاً لاستمرار ذلك البطل وتلك البطلة  بعلاقتهما للأبد، كما توحي لنا المؤلفة في النهاية؟

فأومأت سلمى برأسها موافقة:

– كلامك صحيح، ومن يدري.. ربما يعود لصديقته السابقة بعدها.. كل شيء وارد، ولا يعني وقوف المؤلفة عند تلك النقطة أنها النهاية الواقعية فعلاً..

ورغم الارتياح الذي بدا على وجه نغم، لكنه اكفهر من جديد:

– ولكن هذا لا يُشعر بالأمان.. لا يشعر بالأمان أبداً..

فتابعت سلمى كلامها مطمئنة:

– طريق الأمان موجود دائماً لمن يرغب بعبوره، والحمد لله أننا في بيئة عربية اسلامية محافظة، لا تسمح بوجود مثل تلك العلاقات المؤلمة، ألَستِ سعيدة بأننا لا نمتلك مثل هذه الثقافة في مدارسنا؟

ورغم أن رنيم بدت سعيدة لسماع ذلك، كمن يسمع خبراً سعيداً للمرة الأولى، إلا أن نغم لم يبدُ عليها الارتياح كثيراً، إذ قالت بعد تردد:

– ولكن هذا لا ينطبق على المدارس فقط.. حتى نحن.. ربما بطريقة مختلفة، ولكن هذه المشاكل موجودة..

وسالت الدموع غزيرة على خدي نغم، دون أن تنبس ببنت شفة، فربتت سلمى على كتفيها بحنان:

– أتفهم تفاعلك مع القصص يا نغم، فهذا يحدث لي أحيانا.. ولكن أخبريني بصدق، هل هذا القصة تذكرك بشيء حدث حولك؟

وكأن ذلك السؤال كان الشرارة التي أشعلت الفتيل؛ إذ سرعان ما أجهشت نغم بالبكاء بحرارة، فيما حاولت سلمى تهدئتها:

– لا بأس عزيزتي، هذه هي الحياة، فيها دروس وعبر، ولها حكمة حتى ولو كان الحدث مؤلماً، ولكن ثقي بأن كل شيء سيكون بخير إذا أحسنا التعامل معه، وأنا استمع لك الآن، يمكنك إخباري بما تشائين..

أخذت نغم تلتقط أنفاسها بصعوبة، وهي تحاول تهدئة نفسها حتى قالت أخيراً:

– عندما كنت صغيرة، كنت ألعب دائما في منزل جيراننا، كانت جارتنا سيدة لطيفة جدا، وزوجها رجل رائع، كنتُ أحبهما كثيراً…

ولم تستطع نغم إكمال جملتها، إذ خنقتها العبرات، فيما أخفت رنيم وجهها بكفيها لتخفي دموعها المنهمرة هي الأخرى، وشعرت سلمى بأنها ستشاركهما حفلة البكاء تلك إن لم تتدارك الموقف بسرعة، فقالت:

– مهما حدث بين هذين الزوجين، فربما كان خيراً لهما، أنتِ لا تعرفينهما سوى من الظاهر..

لكن نغم قالت بصوت متهدج:

– كانا يحبان بعضهما كثيراً، جميعنا نعرف قصتهما، لقد أحب الرجل زوجته بشكل كبير، بل وقد كان مستعداً لخسارة الجميع من أجلها، لقد أحبها بصدق من أعماق قلبه، واصر على الزواج منها رغم اعتراض أمه، حتى زوجته لم تكن ستوافق على الزواج منه إلا بعد أن تأكدت من صدق حبه له، وإصراره على الارتباط بها رغم كل الظروف، لقد كانت قصتهما مضرب المثل للحب الصادق، ولكن في العام الماضي فقط، بعد أكثر من عشر سنوات على زواجهم.. لا أدري ما الذي حصل.. لقد كانت صدمة لنا جميعاً.. لقد رحلوا من المنزل فجأة، وسمعنا أن الرجل طلق زوجته ليرتبط بامرأة أخرى.. لم نتوقع أن تكون تلك هي النهاية!

   وأجهشت نغم بالبكاء مجدداً، حتى رنيم علا نحيبها هذه المرة، ودمعت عينا سلمى لمشهدهما، وهمّت بقول شيء؛ لكنها أمسكت لتترك المجال لنغم التي قالت بصوت باك:

– هذه أول مرة أتحدث فيها عن هذا الموضوع أمام أحد، حتى رنيم لم يسبق لي أن تحدثتُ معها في هذا الشأن منذ تلك الحادثة، رغم أنها جارتنا وتعرفهم جيداً، وأظنها تشعر مثلي أيضاً.. بل جميع الجيران.. كلنا نشعر هكذا ولا أحد يجرؤ على الكلام.. لقد تعبتُ يا آنسة من هذا الموضوع.. لماذا حدث هذا لهما.. لماذا.. إنهما شخصان رائعان.. ورغم كرهي للرجل في البداية، لكنني لا أنسى طيبته معي في صغري، والهدايا التي كان يتحفنا بها دائما.. لقد كان طيبا حقاً، ولا يمكنني تصديق ما حدث!!!!!!! كيف يمكننا تصديق أن رجل مثله قد تخلى عنها بعد أن وقفت إلى جانبه في أسوأ الظروف؟؟ لقد رضيت به رغم كل شيء، من أجل الحب الذي بينهما، وفي النهاية.. لا يمكنني أن أصدق ذلك أبداً.. كانت حالتها يرثى لها… لم أكن أريد تذكر هذا…

قالت جملتها الأخيرة بصعوبة، أما رنيم فقد كانت تحاول كتم أنفاسها الباكية، وهي تشهق بشدة، حتى تمكنت من التحدث، لعلها تزيح هي الأخرى ذلك الحمل الجاثم على قلبها دون أن تشعر:

– هذا صحيح يا آنسة، كل ما ذكرته نغم صحيح.. لم اتوقع أننا كتمنا كل هذا الألم في صدورنا طوال تلك المدة.. كنا نهرب من الواقع وحسب! هل تصدقي يا آنسة أن جارتنا تلك كانت تعطي دروساً عن الحب لكل الفتيات المقبلات على الزواج، بناء على طلبهن؟ لقد كانت مثلهن الأعلى في الحياة الزوجية السعيدة..

وتابعت نغم بألم:

– كيف لنا أن نشعر بالأمان بعد هذا كله يا آنسة؟؟ هل الحب مجرد كذبة خُدِعنا بها؟؟ ألا يوجد حب آمن في هذه الحياة!!

التقطت سلمى نفساً عميقاً وهي تحاول الحصول على إجابة شافية، لعلها تخفف بها عن هاتين الفتاتين هذا الألم الذي يصعب احتماله:

– هذا مؤلم جداً بلا شك، إنني أفهم هذا جيداً.. ولكن لا يوجد شيء بلا سبب، وإذا عرف السبب بطل العجب كما يقولون.. لنعد إلى بداية القصة، فرغم أنني لا أعرفهما، ولكن بحسب ما ذكرتِ يا نغم، أن أم الرجل لم تكن راضية على زواجه…

فأسرعت نغم تدافع عن الموقف قائلة:

– لم يكن الأمر كذلك بالضبط يا آنسة، فهو أعطى وعده للفتاة التي أحبها قبل أن يُخبر أمه، وكان مُصراً على الوفاء بوعده لها، وبالطبع عندما عرفت أمه بهذا؛ لم يكن أمامها سوى الرضى..

وتابعت رنيم الكلام موضحة:

 – الأم فقط لم تكن مقتنعة أن تلك الفتاة مناسبة لابنها، ولكنه أثبت لأمه أنه يحبها ولن يرضى بغيرها أبداً، ولم تحاول الأم أن تقف في طريق ابنها أمام إصراره.. صدقيني يا آنسة، ليست المسألة أن الأم لم تكن راضية، فقد تقبلتْ زوجة ابنها بعد ذلك وانتهت المشكلة، حتى أنها ماتت قبل أن تعرف ما الذي حدث مع ابنها وزوجته بوقت طويل.. ربما كانت ستُصدم هي الأخرى؛ لو عاشت لترى ذلك الطلاق بعد أكثر من عشر سنين على زواجهما!!  

هزت سلمى رأسها بتفهم، قبل أن تقول:

– الفكرة تكمن في طريقة تعاملنا مع الحب فقط، فالحب وحده لا يكفي.. إنه مثل النكهات الزكية التي تُضاف على الأطعمة، فهل يمكنكما إعداد وجبة حقيقية باستخدام النكهات فقط؟؟ أليست المكونات هي الأهم؟؟ أما إذا كانت المكونات صحيحة وكاملة، فعندها فقط ستضيف النكهات طعما ألذ واشهى للطبخ،أما الاعتماد على النكهات وحدها، في إعداد طعام جيد؛ فهذا أمر خاطيء لا يختلف عليه اثنان..

وكما ذكرتُ سابقاً، القلوب متقلبة، وما يحبه الانسان اليوم قد يكرهه غداً، والعكس صحيح، لذلك فالزواج الناجح لا يبنى على (الحب) وحده، لأن الحب متقلب ومتغير، وليست هذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها عن  قصص لأناس تزوجوا عن (حب) فقط، انتهت تجربتهم بالفشل الذريع.. لأنه لا يوجد اساس آخر لبناء حياتهم غير (الحب) وهو غير ثابت، فكيف يمكن لأشخاص أن يعلقوا حياتهم على أمر متقلب ثم يتوقعوا الاستمرار!! بينما لو كانت هناك ركائز أخرى غير (الحب) لكانت النتائج أفضل بكثير، (التفاهم، الاحترام، الكفاءة، الاهداف المشتركة، الخ) في هذه الحالة، حتى لو اختفى الحب أو تغير أو زاد أو نقص، لن تتأثر الحياة كثيرا وستستمر غالبا بإذن الله..

 ذلك الرجل، ورغم أنه رجل جيد كما تقولون، ونحن لا نريد ذكره بسوء، ولكنه أخطأ بلا شك في البداية، فقد تسرع عندما أعطى كلمته لفتاة بمجرد أن أحبها، دون أن يُلقي بالاً أمه، أو يهتم لسماع رأيها أولاً، وتلك الفتاة أيضاً اخطأت عندما وثقت به لمجرد حبه لها، دون أن تأخذ بعين الاعتبار أن شخصاً لم يقدر تضحية أمه من أجل الحب، سيسهل عليه عدم تقدير أي امرأة بعد ذلك مهما كانت؛ لو ظهر له حب جديد!

 عندما يفتر الحب- ولا بد للحب أن يفتر في بعض الفترات كما يزيد وينقص- ستظهر الحقائق واضحة، فإن لم تكن هناك ركائز قوية؛ انهار البنيان بطرفة عين!

صمتت سلمى قليلاً، فيما كانت نغم ورنيم تتابعان كلامها بانتباه، قبل أن تستأنف قائلة:

– والان لنضع مكان كلمة (الحب) كلمة (الحماسة) لعمل معين.. لو كانت الحماسة وحدها هي التي تدفعك لانتاج هذا العمل، فمن الصعب ضمان استمراره، لأن الحماسة متقلبة والنفوس تصاب بالملل.. ولكن لو كان هناك ركائز أخرى، فربما ساعدت على استمرار العمل بشكل أفضل

فلو كان لديك هدف كبير جدا لانتاج هذا العمل مثلاً، كمعالجة مشكلة كبيرة في المجتمع من أجل حياة افضل، أو ابتغاء رضى الله بهذا العمل والجزاء الاوفى منه في الاخرة، وما إلى ذلك، أمور كهذه تساعد على استمرار العمل حتى لو فقدتِ الحماسة، فبلا شك سيكون لديك دافع آخر لإكمال العمل..

ثم غزت نغم بعينها قائلة:

– وطبعا هذا العمل قد يكون تأليف قصة مثلاً..

فهتفت نغم بانفعال:

– هكذا إذن!! فهمتُ قصدك يا آنسة!!

وتابعت القول بحماسة:

– إذن سأبدأ بكتابة قصة هادفة تعالج مشكلة….

لكن سلمى استوقفتها قائلة:

– على مهلك يا نغم، عليك الوفاء بوعك أولاً وإكمال تلك القصة التي بدأتها..

فقالت رنيم بابتهاج:

– أجل.. قصة “ذات الوشاح الأزرق”، سيكون هذا رائعاً..

لكن التردد بدا واضحاً على وجه نغم، قبل أن تقول:

– ولكنها ليست قصة هادفة، إنها مجرد قصة عاطفية تشبه مانجا الشوجو..

فقرصت سلمى أذنها بدعابة قائلة:

– يمكنك إكمال القصة مع تعديل مسارها والإضافة عليها كما تريدين، فالمؤلف الحقيقي لا يعرف الاستسلام، أليس كذلك يا نغم؟

وكأن الفكرة راقت لنغم إذ سرعان ما أخرجت ورقة وقلما من حقيبتها، لتدون عليها شيئاًن  فيما تهلل وجه رنيم قائلة:

– لقد جاءتها فكرة على ما يبدو.. شكرا لك يا آنسة، أظن أن المشاكل كلها قد حُلت دفعة واحدة..

في تلك الأثناء، انتبهت سلمى لمرور المديرة التي حيتها، وهي في طريقها لعبور البوابة الخارجية:

– آنسة سلمى! أما زلتِ هنا؟ ستُغلق البوابة، ما الذي تفعله هاتين الفتاتين حتى الآن؟؟

فابتسمت سلمى مطمئنة:

– كانت هناك مشكلة في فهم بعض الدروس، وقد انتهينا الآن والحمد لله..

فضحكت المديرة:

– لا بد أنها دروس الحياة مرة أخرى.. حسناً إلى اللقاء، أراك غداً إن شاء الله، انتبهي لنفسك جيداً..

**
اقتربت رنيم ونغم من المطعم المتفق عليه، فتساءلت نغم بقلق:

– هل تعتقدين أن ديمة وروان سيكونان بانتظارنا هناك؟؟ كان يُفترض أن نلتقي عند بوابة المدرسة، لا أريد العودة قبل حل المشكلة مع ديمة!

فطمأنتها رنيم:

– ربما انتظرتا فعلاً، ولكننا تأخرنا أكثر من المعتاد، إنني واثقة من أن روان ستتصرف، ولن تدع ديمة تعود غاضبة للمنزل بعد ما حدث..

ثم ابتسمت متابعة:

– روان لن تفوت هذه الفرصة، فمن النادر أن يسمح لها والديها التأخر بعد المدرسة، وستقنع ديمة بتناول الغداء معها على الأقل!

وما أن دلفتا إلى المطعم،  وهما تقلبان ابصارهما في المكان، حتى أسرع نحوهما النادل قائلاً:

– هل تبحثان عن صديقتيكما؟ لقد قامتا بحجز طاولة في الطابق الثاني..

فابتسمت رنيم لنغم:

– ألم أقل لك.. روان ستتصرف..
وما أن صعدتا الدرج، حتى لوحت روان لهما بيدها منادية:

– نغم.. رنيم.. نحن هنا..

ثم التفتت إلى ديمة بابتسامة مرحة:

– ألم أقل لك، رنيم ستتصرف..

وبسرعة اتجهن تغم لديمة التي بدت مكفهرة الوجه قليلاً:

– ديمة حقا اعذريني، لقد أخطأتُ فعلاً وسأبذل جهدي للوفاء بوعدي هذه المرة..

فهتفت روان بفرح:

– الحمد لله وأخيراً..

وغمزت ديمة باسمة:

– هيا اعترفي.. جاء دورك..

فتنهدت ديمة وقد احمر وجهها، وهي تخرج كراسة من حقيبتها قائلة:

– حسناً وأنا أعتذر يا نغم، فقد تماديتُ في الكلام.. في الحقيقية لقد كنت متحمسة لقصة “ذات الوشاح الأزرق” كثيراً، حتى أنني جربت رسم شخصياتها بأسلوب المانجا، ولكن لا تضحكي على رسمي فلا زلتُ مبتدئة..

ولم تكد عينا نغم تقعان على الرسومات حتى عانقت ديمة بتأثر شديد:

– لا أعرف مذا أقول يا ديمة.. إنها أروع مفاجأة قد أتخيلها في حياتي.. حقا سامحيني.. أعدك أنني سأكون عند حسن ظنكم دائماً..

فيما هتفت رنيم قائلة:

– بسم الله ما شاء الله!! لم أكن أعلم أنك موهوبة يا ديمة!! أين كنتِ تخفين هذا كله طوال الوقت!! أم أن ينبوع الموهبة انفجر فجأة!!

فضحكت روان:

– الآن أصبح لدينا فريق مانجاكا متكامل، مؤلف ورسام واثنان من المساعدين..

فشاركتها رنيم الضحكة:

– أو اثنان من المشجعين، فلا أظننا نصلح للمساعدة بعد!!

فابتسمت ديمة بعد أن انقشعت الغمامة عنها:

– حسناً أيها الفريق المحترم دعونا نأكل قبل أن يبرد الطعام أكثر، بسم الله…

فيما قالت نغم بنبرتها الروائية المعروفة:

– وهكذا قررت ذات الوشاح الأزرق تناول الطعام مع رفيقاتها، قبل أن تكشف عن السر الخطير الذي بقي لأكثر من ثمانين عام طي الكتمان، في قبو القصر المهجور في جزيرة المرجان،….

**

انتهت..

قوس-جديد

قوس جديد !

عن القصة:

فتى وفتاة شكّلا فريقا لصناعة قصة مرسومة (مانجا) منذ الصغر، غير أن المستقبل لم يكن بالحسبان..

التصنيف: رومانسي، دراما، شريحة من الحياة

     قضت زهرة- ذات التسعة عشر ربيعا- ذلك اليوم بأكمله في منزل أختها الكبرى (نورة)، لتساعدها في استقبال ضيوفها القادمين من الخارج! وبينما كانت منهمكة تماما في غسل الأواني بعد وجبة العشاء، في حين كانت السيدات يتجاذبن أطراف الحديث في الصالة؛ دخلت عليها فاتن- التي تصغرها بثلاث سنوات- وحيتها بلكنتها الأعجمية المميزة، قبل أن تطرح عليها سؤالها المباغت:

– أنت تعرفين زاهر منذ الطفولة، فهل أنتما مقربين لبعضكما البعض كثيرا؟

 ارتجفت يدا زهرة من هول الصدمة، إذ لم تكن مستعدة لمفاجأة كهذه، حتى كاد الصحن أن ينزلق من بين يديها، فيما خفق قلبها بشدة، لتعود بها الذكريات لأكثر من عقد إلى الوراء!!

كانت في السابعة عندما التقت زاهر- الذي يكبرها بعامين فقط- لأول مرة، في حفل زواج شقيقتها الكبرى نورة من شقيقه الأكبر سامر! ورغم أنهما التقيا كثيرا بعد ذلك، خاصة في المناسبات الاجتماعية التي جمعت العائلتين، والتي اكتشفا خلالها الكثير من القواسم المشتركة بينهما، بداية من الاسم وانتهاء بالأفكار المشتركة؛ إلا أنها لا تزال تذكر جيدا ذلك اليوم الذي وطد علاقتهما أكثر، ليصبغها بصبغة خاصة، ضربت جذورها عميقا في نفسيهما معاً!

حدث ذلك بعد مرور عام من لقائهما الأول، عندما وضعت أختها أول حفيد لكلا العائلتين!

لم تستطع زهرة تمالك نفسها، وهي تتأمل ذلك المخلوق الصغير حديث الولادة، الملفوف بقطعة قماش مزركشة، في حضن والدته المستندة على سريرها في غرفة المستشفى! فأخذت تتحسس اصابعه الصغيرة وتهتف بحماسة:

– أصابع صغيرة جدا!! ما شاء الله ما الطفها!! أرجوك أختي.. دعيني أحمله! أرجوك.. أرجوك..

غير أن أمها نهرتها بلطف، وهي تحاول تهدئتها:

– زهرة كوني عاقلة، من الخطر حمل الأطفال في هذا السن!

وقبل أن تعبر زهرة عن اعتراضها؛ طرق باب الغرفة، فعلقت نورة:

– لا شك أنها خالتي أم سامر..
فهرعت زهرة لفتح الباب، لتجد زاهر واقفاً إلى جانب أمه والفضول يلتمع في عينيه، فبادرته بانفعال شديد:

– إنه صغير جدا، مثل الدمية تماما، ولكن من غير المسموح حمله!

فيما نهضت أمها للترحيب بوالدة سامر، التي القت التحية ببشر واضح، وهي تضع باقة زهور كبيرة مبهجة على الطاولة:

– الحمد لله على السلامة..

قبل أن تستدرك قائلة:

– أبو سامر خارج الغرفة الآن، أين سامر وأبو هيثم؟

فأجابتها أم هيثم- والدة نورة وزهرة- وهي تحكم وضع حجابها على رأسها:

– سامحكم الله، لماذا هذه الرسميات، دعيه يدخل، فنحن عائلة وهذه ابنته وحفيده..

واستطردت موضحة:

– سامر ذهب لإحضار بعض الحاجيات ولن يتأخر، أما أبو هيثم فقد جاءه اتصال هام من العمل، وخرج قبل قليل!

وبينما كان الكبار يتحدثون؛ انشغل زاهر وزهرة بتأمل الصغير عن قرب، وكأنهم يتفحصونه تحت المجهر، وهم يطرحون عشرات الأسئلة على نورة، التي كانت تحاول مجاملتهم بابتسامتها المتفهمة بين الحين والآخر!

قال زاهر بأمل:

– ما رأيكم أن تسمونه زاهر؟ فهو يشبهني، وأنا عمه..

لكن زهرة لكزته وهي تهمس بلسان امرأة ناضجة:

– هذا عيب، سيكون اسمه على اسم جده مراد طبعا، ألا تعرف العادات والتقاليد! ثم إنني خالته أيضا!!

فضحك أبو سامر وهو يستمع لهذه الملاحظة الصادرة عن طفلة لم تتجاوز الثامنة، قبل أن يعلق باسما:

– أنا اسقط حقي في ذلك، ولوالديه حرية اختيار اسم مناسب له..

فقالت نورة بنبرة ودودة:

– لقد اتفقنا على ذلك فعلاً أنا وسامر يا عمي، وأنت الخير والبركة، ثم إن “مراد” اسم جميل..

وأردفت امها مؤكدة:

– عسى الله أن يحقق مراده، ويجعله قرة عين لنا جميعا في الدنيا والآخرة..
وأمّن الجميع على دعائها، قبل أن يرن هاتفها، فنظرت إلى الشاشة قبل أن ترد باسمة:

– إنه هيثم، لقد انتهت محاضرته على ما يبدو..

وخلال حديث أم هيثم مع ابنها؛ عاد سامر وهو يحمل بيده عدد من الأكياس، فقبّل يدا والديه، وتبادل مع الجميع الأحاديث المرحة، قبل أن تستدرك أمه وقد تذكرت شيئا:

– ألم يحن موعد النادي يا زاهر؟؟

غير أن زاهر بدى مشغولا جدا بدراسة الوليد الجديد، فأجابها بعفوية:

– يمكنني التغيب اليوم..

فتدخل سامر قائلاً:

– أليس اليوم هو موعد البطولة! ألم تكن ترفض الذهاب إلى أي مكان خلال تدريبات التايكواندو العادية، وتقول بأنها مرتين في الاسبوع فقط! فهل ستتغيب عنها بسهولة الآن؟؟

وأضافت زهرة بجدية، فيما كان زاهر يحدق بالطفل:

– لا تخف يا زاهر، فالصغير لن يطير!

ورغم ضحكات الكبار لتعليقها ذاك؛ إلا أن عينا زاهر التمعت فجأة، فالتف إليها بنظرات ذات معنى:

– ما رأيك أن تأتي معي أيضا؟ هناك الكثير من الفتيات في النادي، ولطالما أردتِ أن تشاهدي تدريباتنا هناك!

غير أن زهرة اعترضت بسرعة:

– ليس اليوم، ربما في وقت آخر..

فغمزها زاهر بمكر:

– ولماذا ليس اليوم؟ فالصغير لن يطير، كما تقولين!

عندها تدخل أبو سامر ليضع حدا لذلك الجدل:

– هيا يا زاهر، ستتأخر.. ألم تقل ان لديك اليوم مباراة هامة، سآتي معك لمشاهدتها..
واضافت أمه:

– وسآتي معك ايضا..
ثم التفتت إلى أم هيثم التي انهت المكالمة للتو، قائلة:

– ساذهب مع أبو سامر لنادي التايكواندو لتوصيل زاهر..

ورغم أن أم هيثم لم تكن قد استمعت للحوار الذي دار قبل قليل؛ إلا أنها قالت لأم سامر:

– هل بإمكانكم أن تأخذوا زهرة معكم؟ فسأكون منشغلة مع نورة خلال…

وقبل أن تكمل كلامها؛ هتف زاهر بسعادة، وهو يقفز راكلاً الهواء بقدمه، معبراً عن انتصاره:

– رااااائع!

ولم تجد زهرة بد من حضور تلك البطولة، التي لا زالت حاضرة أمام ذهنها، وكأنها تشاهدها أمام عينيها مباشرة، حتى بعد مرور تلك السنوات..

كانت زهرة مبهورة تماما برؤية تلك الحركات المذهلة، حتى أنها نسيت الطفل الصغير تماما، خلال تشجيعها لزاهر بحماسة منقطعة النظير! حتى إذا ما حاز على المركز الأول في النهاية؛ شعرت وكأنها هي من أحرزت ذلك الانتصار!

 لم تمضِ سوى أيام قليلة بعد ذلك، حتى اجتمع الاثنان مرة أخرى في بيت سامر ونورة، فاشارت زهرة إلى زاهر أن يتبعها للصالة الداخلية هامسة:

– سأريك شيئاً، ولكن عدني ان لا تضحك عليه!

وأمام رغبة زاهر العارمة بمعرفة ذلك الشيء، أكد لها باهتمام شديد:

– بالطبع لن أضحك! هل هي رسمة جديدة من رسوماتك؟

فأومأت زهرة برأسها باسمة:
– أجل، ولكنها هذه المرة مختلفة..

ثم قالت:
– أغمض عينيك أولاً!

وبعدما نفذ زاهر طلبها؛ أخرجت لوحة من تحت وسادة الكرسي- كانت قد خبأتها هناك- ثم عرضتها أمامه على بعد ذراع واحد من وجهه، قبل أن تقول:

– افتح عينيك الآن!

لم يكد نظر زاهر يقع على تلك اللوحة، التي صورت فيها زهرة إحدى المشاهد القتالية، المستلهمة من حركات التايكوندو؛ حتى هتف بتأثر شديد:

– ما شاء الله!!! مذهل جدا!! انت رائعة يا زهرة!! لقد تطور رسمك كثيرا ما شاء الله! انك محترفة بمعنى المكلمة!

وأخذ اللوحة ليتأملها بحرص شديد:

 – رائعة جدا.. مذهلة جدا.. لا أدري ماذا أقول أكثر!! كأنني اشاهد المقاتل النبيل!

ثم قال فجأة:

– زهرة!! ما رأيك أن نقوم بتأليف قصة مصورة معاً! أنا سأخبرك بأحداث القصة، وأنت ترسمينها، مثل الرسوم المتحركة!

فهتفت نورة بانفعال:

– فكرة رائعة، أنا موافقة طبعا..

ثم صمتت قليلا قبل أن تسأل:

– ماذا سيكون عنوان القصة؟ الفارس النبيل مثلا؟

فرد زاهر:

– كلا، هذا سيكون مشابه للمقاتل النبيل، ثم إن البطل لن يكون فارساً، بل لاعب تايكوندو محترف، يساعد الأخيار ويهزم الاشرار!

بدت الحماسة على وجه زهرة:

– لقد تشوقتُ فعلا لرسم القصة الآن، ولكننا بحاجة لمعرفة العنوان أولا!

خيم صمت عليهما لوهلة، قبل أن يقول زاهر:

– “البطل المغوار”.. سيكون هذا هو عنوان القصة!

فسألته زهرة:
وماذا يعني مغوار؟

فأجابها زاهر:

– يعني شجاع ولا يخاف من الأخطار!

فما كان من زهرة إلا أن ابدت إعجابها الشديد قائلة بانبهار:

– البطل المغوار، لا يخاف من الأخطار، يساعد الأخيار، ويهزم الاشرار.. إنها تبدو كنشيد جميل!

فأوضح زاهر، وهو يستعرض معلوماته الأدبية، قائلاً:

– إنها جمل قصيرة على الوزن نفسه.. وستكون هذه هي البداية.. وسيكون اسم البطل “فارس”، فما رأيك الآن؟

انتبهت زهرة من سيل ذكرياتها تلك على سؤال فاتن، الذي أعادته للمرة الثانية بطريقة أخرى، وبالحاح شديد:

– هل علاقتكما مقربة جدا إلى هذا الحد؟ من الواضح أنك تحبينه، أليس كذلك؟

شعرت زهرة بحرج شديد لسماع ذلك بشكل مباشر، فحاولت تدارك الموقف قبل ان تفلت الأمور من يدها، قائلة:

– ما الذي جعلك تقولين شيئا كهذا؟ نحن مجرد فردين من عائلتين جمعهما النسب، ولا يوجد بيننا أي شيء خاص كما تظنين، فنحن من عائلات عربية محافظة يا عزيزتي، وليس من المعتاد أن تكون هناك صداقة خاصة بين شاب وفتاة! بل إننا نعتبر هذا غير لائق في مجتمعنا!

 حتى إذا صدف والتقينا في أي مكان، فلا يوجد بيننا أي حديث خاص!

أبدت فاتن تعجبها الشديد مما سمعته، متمتمة:

– غريب!!

ثم استطردت قائلة:

– ولكنكما تذهبان للجامعة نفسها، أليس كذلك؟

فأوضحت زهرة:

– هذا لا يغير من حقيقة الأمر شيئاً، فحتى إذا التقينا لأي سبب من الاسباب، فلا يوجد بيننا أكثر من الأحاديث العامة، في حدود الضرورة فقط!

ورغم الارتياح الذي ظهر على وجه فاتن، إلا أنها تساءلت باهتمام:

– هل هذا يعني أن الفتاة التي تحدث أحد اقربائها غير المحارم؛ تعتبر فتاة غير محترمة؟

فاسرعت زهرة تنفي ذلك، قبل أن يحدث سوء فهم غير محمود العواقب:

– كلا، أنا لم أقل هذا ابدا، ولكن هناك حدود لكل شيء!

فتنهدت فاتن:

– أشعر أن هذا نوع من التعقيد الذي لا أفهمه! أنتِ تعرفين أنني سأنتقل للعيش هنا، بعد أن قرر والداي العودة لأرض الوطن! صحيح أنني سألتحق بمدرسة أجنبية، نظام التدريس فيها مشابهة لما اعتدتُ عليه، إلا أنني لا زلتُ أشعر بالغربة هنا! وقد طلبتُ من ابن خالتي زاهر أن ياخذني في جولة لجامعته، لكنه أخبرني أنه من الأفضل أن اذهب معك، فأنت في الجامعة نفسها!

خفق قلب زهرة بقوة لسماع ذلك، ولسان حالها يقول:

– هل قال زاهر ذلك حقاً!!

لكنها سرعان ما استدركت بابتسامة مرحة، لتخفي حقيقة مشاعرها:

– هذا طبيعي يا عزيزتي، فكما أخبرتك، ليس من المعتاد أن يسير شاب بصحبة فتاة هكذا؛ دون أن يثيرا حولهما الشبهات!

  **

شعرت زهرة بمسؤولية كبيرة تجاه فاتن، وكأنها أختها الصغرى التي تحتاج لرعاية حقيقية، قبل أن تغرق في مجتمع لا تعرف عنه شيئاً، خاصة وأنها وحيدة والديها! فحرصت أن تكون جولتهما الاولى ممتعة ومفيدة في الوقتِ نفسه، ولم يخفَ على زهرة الشعور ببهجة فاتن في تلك الجولة؛ مما اشعرها بالارتياح التام، لا سيما وقد انسجمتا تماما، وكأنهما تعرفان بعضهما البعض منذ فترة طويلة! غير أن هناك شيء وحيد كان يؤرق زهرة بشدة! فعلى ما يبدو؛ استطاعت فاتن كسر الحواجز بينها وبين زاهر.. بعفوية وسهولة!

بدت زهرة شاردة الذهن تماما، وهي تحدق بالطريق من خلال نافذة الحافلة، فيما كان عقلها يسترجع حديث فاتن ويحلله، بعد أن أصبح زاهر محور اهتمامها الأول والأخير! فقد أخبرتها فاتن بنبرة لا تخلو من ضيق:

– لقد قال زاهر بأن الحجاب فريضة على كل مسلمة، فهل تعتقدين أنه منزعج مني لأنني غير محجبة؟ ولكنني لا أزال في السادسة عشر من عمري فقط!

وبينما كانت زهرة تستذكر كلام فاتن ذاك بألم؛ طرق سمعها حديث دائرٌ بين فتاتين تجلسان خلفها في الحافلة:

– لا تكوني حمقاء، عليك أن تتخذي خطوة جادة حيال ذلك، حاولي أن توصلي مشاعرك إليه بأي طريقة، قبل أن تسرقه فتاة أخرى، فالفتيات جريئات هذه الأيام ولن تفيدك هذه القيم والمباديء التي تتحدثين عنها! إنه حب حياتك ومن الغباء أن تتجاهلي ذلك.. ستندمين..

عندها.. شعرت زهرة باختناق شديد، وألم حاد في صدرها، ورغبة عارمة بالبكاء، غير أنها جاهدت في كتمان ذلك كله، خشية أن تلفت أنظار الركاب نحوها، فيما رددت بصدق:

– يارب.. استودعتك قلبي، فاحفظني بحفظك، ولا تفتني في ديني..

**

دخلت زهرة إلى غرفتها- بعد أن ألقت التحية على والدتها، وتبادلت معها بضع الكلمات- ثم أخرجت صندوقاً من تحت سريرها، كانت تحتفظ فيه بحاجياتها الثمينة، وتأملت آلة التصوير القديمة، الموضوعة فيه بعناية، فيما انسالت الدموع غزيرة على وجنتيها، بعد أن هجمت عليها موجة من تلك الذكريات..

كانت متحمسة جدا لرسم مشاهد قصة “البطل المغوار” التي ألفها زاهر، لكنها شعرت بصعوبة في رسم خلفية مناسبة لأحد المشاهد، وبعد أن أخبرته بذلك؛ ما كان منه إلا أن طمأنها بقوله:

– لا تقلقي.. يمكنك تأمل الأماكن حولك، واقتباس الخلفية المناسبة مما ترينه! وسأساعدك في ذلك طبعا..

ثم أطرق رأسه وهو يتجول بالغرفة بتفكير عميق، قبل أن يفتح النافذة مشيراً إلى حديقة أحد المنازل، قائلاً:

– ما رأيك بهذه الحديقة؟

فصنعت زهرة إطارا بأصابعها الأربعة- الابهام والسبابة من كل يد- ونظرت من خلالها قائلة:

– ستكون شجرة الليمون في الزاوية اليمنى من الصفحة، يليها المنزل، في حين تغطي الساحة العشبية المقدمة، حيث يقف البطل المغوار، في مواجهة ذلك اللص..

وبدى الرضى على وجهها، فقالت بمرح:

– ممتاز.. أظن أن الخلفية اصبحت واضحة الآن! شكرا لك زاهر، سأستخدم هذه الطريقة من الآن فصاعدا، إنها تشبه النقل من الصور الفوتوغرافية!

ولم يمض على ذلك سوى يومين، حتى فاجأها زاهر بهدية مغلفة، بحجم صندوق صغير، قائلاً لها بابتسامة ودودة:

– إحزري ماذا احضرتُ لك؟

وأمام دهشتها الشديدة، أخرج لها آلة تصوير جديدة، قائلاً بابتهاج:

– ستفيدك هذه كثيرا برسم الخلفيات، فهل أعجبتك؟

أمسكت زهرة آلة التصوير بحذر، وكأنها في حلم تخشى الاستيقاظ منه:

– هل هذه لي؟

 فأومأ زاهر رأسه بالايجاب:

– أجل، الم تعجبك؟

فردت زهرة بسرعة:

– بالطبع أعجبتني، ولكن.. من أين حصلت عليها، وهل أمك تعرف عن ذلك؟ لا شك أنها باهظة الثمن!

عندها ابتسم زاهر بفخر:

– لقد اشتريتها من مدخراتي بالكامل، وأمي لم تمانع بالطبع، فهي تعرف عن مشروعنا المشترك..

كانت زهرة غارقة تماما في سيل ذكرياتها، عندما سمعت صوت طرق على الباب، فدست آلة التصوير في الصندوق بسرعة، وأدخلته تحت السرير، قبل ان تجيب بابتسامة مصطنعة:

– تفضل..

فإذا بابنة أخيها هيثم- ذات السنوات الست- تدخل مندفعة نحوها بحبور:

– عمتي عمتي.. انظري ماذا أعطتني المعلمة..

**

بدت نورة مترددة قليلاً، قبل أن تبدأ حديثها، الذي جاءت خصيصاً من أجله:

– لا أعرف ماذا أقول يا أمي، ولكنني قلقة جدا على زهرة! لقد حاولتُ التظاهر بعدم فهمي لمغزى سؤالها؛عندما حاولت ان تستشف مني علاقة زاهر بفاتن، وإن كان لا يمانع بالحديث معها بحرية!! أخشى أن تصاب بصدمة عاطفية لا قدر الله! حقا لا أدري ما الذي عليّ فعله!

لم تستطع الأم إخفاء قلقها مما سمعته، فسألتها بتوجس:

– هل قالت حماتك أي شيء بهذا الخصوص؟

فهزت نورة رأسها نفياً:

– أكاد أجزم أنها لا تحبذ ارتباط ابنها بفاتن، فلطالما لمّحت لي عن زهرة! المشكلة ليست في الحماة، بل في زاهر نفسه، فعلى ما يبدو أنه قد أصبح مهتما بالفعل بأمر فاتن، ومع ذلك لم أجرؤ على قولها لزهرة بوضوح!!

فتنهدت أمها:

– ليس بيدنا فعل شيء غير الدعاء، وأسأل الله أن يختار لأختك الخير..

**

ما أن رأى زاهر صديقه مقبلاً نحوه في المكان المتفق عليه؛ حتى هب نحوه مرحباً:

– رائد، وأخيراً.. كيف حالك يا رجل، لم أرك منذ فترة طويلة، رغم أننا في الجامعة نفسها!

فصافحه رائد بحرارة:

– الحمد لله، لقد شغلتنا الدراسة فعلاً، وبالكاد أخرج من نطاق كليتي!! ما هي أخبارك أنت، وما هو هذا الأمر الطارئ الذي استدعيتني لأجله؟

 فابتسم زاهر:

– ألا تجلس أولاً يا أخي، فأنا لم أرك منذ قرون! لقد سمعتُ أنك اصبحتَ تعمل مدربا في نادي التايكواندو بدوام جزئي، لقد أعاد هذا لي الذكريات فعلاً..

 وبعد أن تبادل الاثنان الأحاديث العامة، حث رائد صديقه على الدخول بالموضوع الرئيس قائلاً:

– أخشى أن يداهمنا الوقت دون أن نحقق الهدف الاساسي من هذا اللقاء!

فتنهد زاهر ووضع رأسه بين يديه، قبل أن يقول:

– رائد.. أريد أن أسألك سؤالاً شخصياً، ولا أريدك أن تسيء فهمي، فإجابتك هامة جدا بالنسبة لي..

والتقط نفسا قبل أن يتابع:

– هل تذكر تلك الفتاة التي كانت تشاركنا تدريبات التايكوندو عندما كنا صغاراً؟ أظنها ابنة جيرانكم، فقد كنتم تأتون وتذهبون معاً، صحيح؟

فرد رائد:

– تقصد راما؟ أجل كانت ابنة جيراننا، ماذا بشأنها؟ لقد تزوجت قبل شهرين!

لم يكد زاهر يسمع ذلك؛ حتى صرخ بانفعال:

– تزوجت!! هل أنت جاد؟؟ ولكنك كنتَ تحبها جدا! لا يمكنك إنكار هذه الحقيقة، فقد كانت واضحة كالشمس! فلماذا تركتها لغيرك؟!! لماذا يا رائد، لماذا؟؟ أنا متأكد من أنها لم تكن لترفضك أبداً!

وبدت خيبة أمل كبيرة على وجه زاهر، وهو يتابع كلامه بإحباط شديد:

– كنت أريد الاستفادة من تجربتك، فقد توقعت أنك أقدمتَ على خطبتها فعلاً، أو قرأتم الفاتحة على الأقل! لقد كنتَ أنت أول من خطر ببالي، عندما شعرتُ بشيء مشابه!

فأجابه رائد بتفهم:

– أقدر شعورك يا صديقي، كلامك صحيح، لقد أحببتها بصدق حقاً، ولكنني لستُ نادم! فلم أكن مستعدا للارتباط حتى أتقدم لخطبتها! ولم أشأ أن أعلقها بأوهام قد لا تتحقق!  كنتُ أنوي الحصول على عمل مناسب أولاً؛ لتأمين المتطلبات الاساسية، وأكون على قدر المسؤولية، وقد بدأتُ فعلاً بالعمل في دوام جزئي قبل التخرج، لتحقيق هذا الغرض، ولكن قدر الله وما شاء فعل!

فقال زاهر بضيق، وكأنه هو من فاتته تلك الفرصة:

– لو أنك لمّحت لها على الأقل بأنك تنوي خطبتها لانتظرتك بلا شك!

فاعترض رائد بقوله:

– ولماذا أعلق الفتاة؟ لماذا أسبب لها خلافاً مع أهلها؛ إن تأخرتُ عليها أو أتاها شخص مناسب خلال فترة انتظارها لي!! ليس من المروءة فعل ذلك أبداً، بل إنني اراها أنانية صرفة مني، ولن أرضى بأن أكون ذلك الوغد، الذي يتلاعب بمشاعر فتاة دون وجه حق! وكما أخبرتك، لستُ نادما على قراري البتة، فزوجها رجل فاضل كما سمعت، وهي تعيش الآن حياة مستقرة معه، وأرجو لهما السعادة من كل قلبي..

فأطرق زاهر رأسه متمتماً:

– هذه مثالية مبالغ فيها منك، ويستحيل أن أكون مثلك..

وخيّم عليهما صمت ثقيل، قطعه رائد بسؤاله:

– دعك الآن مني، فقد أخبرتك كل شيء، فماذا عنك أنت؟

فزفر زاهر بضيق:

– لا أدري ماذا أقول، فأنا في حيرة من أمري! ولن أحتمل تفويت الفرصة مثلك!

والتقط نفساً عميقا قبل أن يستأنف:

– ربما سأتمكن من إيجاد عمل مناسب بنهاية هذه السنة، فتخرجنا بات وشيكاً، ولكن المشكلة أن الفتاة لا زالت في المدرسة، ولا أدري إن كان الأهل سيتقبلون فكرة الخطوبة..

  بدت الدهشة على وجه رائد، فسأله بتعجب:

– في المدرسة؟؟ حسب ما أذكر أنها تصغرك بسنتين فقط!

فما كان من رائد إلا أن بادله نظرات الدهشة نفسها، متسائلا بتعجب:

– عمن تتحدث؟

فرد رائد:

– ألا تقصد تلك الفتاة التي كانت تشاركك مشاريعك في كتابة القصص المرسومة؟

عندها فهم زاهر قصده، فابتسم قائلاً:

– لا شك أنك تقصد زهرة، شقيقة زوجة أخي، اليس كذلك؟

فأجابه رائد:

– بالطبع، ومن غيرها؟ لقد كنتَ تتحدث دائماً عنها، وعن مشاريعكما، كما أذكر أنها كانت تأتي لتشجيعك في بطولات التايكوندو!

فتنهد زاهر:

– أجل هذا صحيح، كان ذلك في الماضي عندما كنا صغاراً، أما الآن فلا يوجد شيء مميز بيننا، إنني أتحدث الآن عن ابنة خالتي…

غير أن رائد قاطعه بانفعال مفاجيء غير متوقع:

– وماذا عن تلك القصة؟ لقد صنعتم منها عدة فصول حسبما أذكر، فهل اكملتموها؟

فضحك زاهر:

– تقصد قصة البطل المغوار؟ إنها مجرد قصة طفولية، فمن يأبه بها..

غير أن رائد تابع كلامه بجدية:

– ألم تقل ذات مرة بأن لكتابة القصص رسالة وهدف كبير؟

فحملق فيه زاهر لوهلة، قبل أن يعلق باسما:

– هل قلتُ ذلك حقا؟ يبدو أنني كنت مثالياً أيضا!

قال جملته تلك وانفجر ضاحكاً، فيما لاذ رائد بالصمت، إلى أن استأنف زاهر كلامه:

– آسف لازعاجك يا صديقي، ولكنني بالفعل لم أعد مهتما بتلك القصص، ولا اظنها مهتمة بها أيضا! فقد كبرنا..

فقاطعه رائد:

– وما أدراك أنها لم تعد مهتمة بتلك القصص؟ ثم إن الأمر لا يتعلق بالقصص وحدها، فلطالما كنتَ تتحدث عن أخلاقها وأدبها، حتى أنك بدوتَ معجباً جدا بها ذات يوم!

فتنهد زاهر:

– ربما كنتُ معجباً بها.. فهي بالفعل تكاد أن تكون فتاة مثالية من كافة الجوانب، فهي على درجة عالية من الأخلاق بشهادة الجميع، ولكنني لا أشعر نحوها بانجذاب خاص مقارنة بابنة خالتي!

فأجابه رائد بتفهم:

– هذا لأنها فتاة محافظة، فهل كنت تتوقع منها أن تُقدم على تصرفات تثير اهتمامك؛ حتى تنجذب نحوها مثلا؟

وصمت قليلاً قبل أن يتابع:

– لا أريدك أن تندم يا صديقي، أو تتسرع باتخاذ قرار غير محسوب العواقب، فنحن أصدقاء منذ زمن طويل، وأعرفك بشكل كبير، أكثر مما تتخيل!

تأثر زاهر لتلك النبرة الصادقة في لهجة صديقه، فقال بامتنان:

– أقدر اهتمامك يا صديقي العزيز، ولكن قلبي قد تعلق بالفعل بابنة خالتي، وأخشى أن افقد السيطرة على نفسي، أو ارتكب محظورا لا قدر الله، لذلك فكرتُ بأمر الخطوبة!

وبتفهّم كبير وتعاطف واضح، قال رائد:

– كان الله بعونك، ولكن ما كان عليك أن تترك نفسك حتى تصل إلى هذا الحد يا زاهر! وقدر الله وما شاء فعل!! على كل حال، من الأفضل أن تستشر والديك، فلا أظنني أمتلك النصيحة المناسبة لك، وأسأل الله لك التوفيق..

**

رأت زهرة نفسها في ثوب زفاف أبيض، وسط زغاريد العائلة وأهازيجها المبهجة، فيما همس زاهر بأذنها بحب:

– وأخيراً اجتمعنا يا حبيبتي، لطالما انتظرتُ هذه اللحظة بفارغ الصبر! يمكننا إكمال قصتنا الآن بلا قيود، فهل لا زلتِ تحتفظين بالصفحات السابقة؟

 غير أن الواقع سرعان ما تكفل بتمزيق ذلك الأمل إلى أشلاء مبعثرة؛ ليوقظها من أحلامها الوردية على صوته المرير:

“خطوبة زاهر وفاتن؛ تم إعلانها أخيرا، وسيتم تحديد موعد الاحتفال بهذه المناسبة السعيدة قريباً”!

   لم تدرِ زهرة، من أين سمعت الخبر، أو كيف عرفت عنه أول مرة ولأولى، لكنها كانت حريصة أشد الحرص أن لا يبدو عليها أدنى “تأثر” جراء ذلك! فعادت إلى منزلها، وهي تحاول السيطرة على مشاعرها، والتظاهر باللامبالاة المطلقة، فألقت التحية على والدتها بابتسامة زائفة، وهمت بالذهاب إلى غرفتها كالعادة؛ غير أن أمها استوقفتها قائلة:

– لا داعي لأن تغيري ثيابك، فقد سمعت عن افتتاح محل جديد للمشروبات المثلجة، وأريدك أن ترافقيني إليه، فوالدك سيتأخر اليوم في العمل، وستكون فرصة لتغيير الجو من أعباء المنزل!

ورغم أن زهرة لم تكن بمزاج يسمح لها بالخروج؛ لكنها لم تكن لتعارض رغبة والدتها، فوافقت قائلة:

– حسناً أمي، سأصلي العصر فقط، وسأكون مستعدة بعد ذلك، إن شاء الله..

ورغم حرص زهرة، على الظهور أمام والدتها بمظهر طبيعي؛ إلا أنها لم تكد تضع جبهتها على الأرض- في وضعية السجود- حتى سالت دموعها بغزارة، لتبلل سجادة الصلاة، وهي تبثها كل ما يعتريها من حزن وألم..

**

اختارت والدة زهرة طاولة تطل على حديقة ورد متعددة الالوان والأشكال، ثم سحبت أحد المقاعد وجلست إلى جانب زهرة أمام الطاولة، قائلة:

– سبحان الخالق! أليس المنظر بديعاً!

فابتسمت زهرة:

– بالفعل مكان رائع جدا ما شاء الله! سبحان الله!

فتحت الأم قائمة المشروبات، وأخذت تستعرضها مع زهرة بصوت عال؛ قبل أن تشير بإصبعها إلى أحدها قائلة:

– “مشروب الفانيلا المثلج بالكريمة”.. ما رأيك؟ أنتِ تحبين نكهة الفانيلا..

فعلقت زهرة وهي تتأمل القائمة:

– إنه باهظ الثمن بشكل غير معقول!

فضحكت أمها:

– دعينا الآن من التفكير بهذه الأمور المزعجة، فهذه الفرصة لن تتكرر كل يوم! كانت جدتك رحمها الله تقول “ساعة الحظ لا تفوّتها”..

  لم يستغرق إعداد الطلب وتقديمه أكثر من بضع دقائق، تبادلت خلالها الأم وابنتها ملاحظاتهما حول المكان، ولم تكد زهرة ترشف الرشفة الأولى من مشروبها؛ حتى هتفت بانتعاش:

– ما شاء الله!!!! لذيذ جدا!!

فعلقت أمها وهي ترتشف بضع رشفات من كأسها هي الأخرى:

– الحق يُقال، إنه يستحق ثمنه بجدارة!

وبينما هما كذلك، إذ قالت الأم فجأة:

– ما أخبار قصتك المرسومة؟ كنتِ تلتقطين الصور للمناظر المختلفة، من أجل رسمها، وأظن أن هذا المنظر يستحق التصوير، فما رأيك؟

فردت زهرة باقتضاب:

– صحيح إنه منظر جميل..

فعلقت أمها باهتمام:

– لم أرك ترسمين منذ فترة، ألا تنوين إكمال القصة؟

فتنهدت زهرة، وآثرت الصمت، فما كان من أمها إلا أن أخرجت ورقة وقلم من حقيبتها، وكتبت عليها قليلا؛ قبل أن تريها لزهرة، قائلة:

– ما رأيك بهذه؟ هل يمكنك ايجاد الجواب الصحيح؟

تناولت زهرة الورقة، وأخذت تتامل ما كُتب عليها بتمعن:

7) x 4 – 3)] x 2 + (3+2)]}

ثم قالت:

– الأقواس غير مغلقة، ولا يمكنني الجزم بالاجابة!

فأومأت الأم موافقة:

– هذا صحيح، ولو أدخلتِها بالآلة الحاسبة هكذا، لما أعطتك أية نتيجة!

  صمتت الأم قليلاً قبل أن تتابع:

– هذا ينطبق على حياتنا أيضا يا ابنتي، فإن قمنا بفتح الأقواس فقط دون التفكير بإغلاقها، لبقينا معلقين فقط؛ دون إحراز أي نتائج أو إنجازات تُذكر! عليك أن تغلقي الأقواس دائماً حتى تحصلي على الحل، ومن ثم سيكون بإمكانك أن تفتحي قوس جديد!

خيم صمت لوهلة، قطعته زهرة بقولها:

– أفهم ما تعنيه يا امي، ولكن لا يمكنني إكمال القصة وحدي، فقد كان زاهر..

وغصت الكلمات بحلقها، وتهدج صوتها وهي تحاول المتابعة:

– هو من يكتب القصة وأنا أرسمها وحسب!

بذلت الأم جهدا اضافيا في حبس دموعها، وحمدت الله الذي ألهمها الجلوس في ذلك الموقع إلى جانب ابنتها، بحيث لا تواجه إحداهما الأخرى، ثم قالت بهدوء:

– أنا لم أقل أن عليك اكمال القصة وكتابتها، أغلقي قوسها وحسب!

أثارت تلك الملاحظة اهتمام زهرة، فسألتها بفضول:

– وكيف أغلق قوسها؟ ماذا تقصدين يا أمي؟!

فابتسمت الأم:

– اصنعي نهاية للقصة.. ضعي خاتمة فقط!

وصمتت الأم لتترك لها مساحة للتفكير، قبل أن تُخرج من حقيبتها هدية مغلفة، ناولتها لها مشجعة:

– قد تساعدك هذه في المهمة، هيا افتحيها يا حبيبتي..

اغرورقت عينا زهرة بالدموع، وهي تشاهد آلة التصوير الحديثة، التي فاجأتها بها أمها، معلقة:

– لقد أصبحتْ آلتك السابقة قديمة، وهذه آلة رقمية مطورة، وبها مميزات كثيرة..

فما كان من زهرة إلا أن نهضت من مقعدها، وعانقتها بتاثر شديد، وهي تجهش بالبكاء، غير مبالية إن ما كان هناك أحدٌ حولهما:

– أحبك يا أمي.. لا حرمني الله منك أبدا.. وإن شاء الله أكون عند حسن ظنك دائماً..

  وانسابت الدموع غزيرة من عيني الأم وهي تحتضن فلذة كبدها، وقطعة قلبها، هامسة بحب:

– أنت فتاة طيبة يا حبيبتي، وقلبي راضٍ عنك، وأسأل الله أن يرسل لك من يستحقك ويسعدك..

ثم ربتت على كتف ابنتها برفق:

– هيا.. ألن تلتقطي صورة لهذا المنظر الجميل أمامنا؟

مسحت زهرة دموعها، وابتسمت وهي تحاول السيطرة على أنفاسها المتلاحقة أكثر:

– بالتأكيد يا أمي، ولكن قبل ذلك.. أريد أن نلتقط صورة لنا معاً..

**

وضعت زهرة هاتفها في حقيبتها، بعد أن أعلمت والدتها بأنها ستتأخر قليلاً في الجامعة.. 

كانت تشعر برغبة كبيرة في خلوة تقضيها مع الطبيعة، تفكر خلالها بهدوء وعمق، بعد أن عقدت العزم على وضع نهاية لتلك القصة، مهما كلف الأمر! شعرت بانتعاش عجيب، وهي تسير بين أشجار الصنوبر العملاقة، خاصة وقد بدأت ساحات الجامعة وطرقاتها تخلو من الطلبة، مع نهاية الدوام الرسمي..

أخذت تتأمل الأشجار والنباتات حولها، وكأنها تراها لأول مرة، رغم أنها تمر من بينها تجاه كليتها كل صباح! وإذ ذاك أخرجت آلة التصوير الجديدة، وبدأت بالتقاط الصور بسعادة غامرة، حتى عثرت على مقعد خشبي يتماشى مع أجوائها الملهمة، فاسترخت عليه- بعد أن القت حقيبتها إلى جوارها- وأسندت ظهرها ملقية برأسها إلى الخلف، متأملة أغصان الشجرة المتشابكة فوقها، فيما أرخت سمعها لأروع سيموفونية قد تسمعها في ذلك المكان، من اداء تلك العصافير الصغيرة بديعة الالوان!

وبعد أن حلقت في أجواء من السلام النفسي العجيب؛ أخرجت صفحات مرسومة من حقيبتها، وبدأت تتأملها بروية..

لقد تحسن رسمها كثيرا، مقارنة بالمرة الأولى التي بدأت فيها العمل على هذه القصة!

بذلت جهدا كبيرا في استخراج فكرة مناسبة للخاتمة، وأخذت تخط بعض الخربشات على ورقة بيضاء، أسندتها فوق تلك الصفحات المرسومة على حجرها، لكنها لم تعثر على شيء مميز! فتنهدت بضيق:

– لو أنني أعرف فقط كيف كان زاهر يحصل على الأفكار!

وما أن طرق “زاهر” ذهنها؛ حتى شعرت بوخزة ألم في صدرها، سرعان ما طردتها من رأسها بقوة، فتفلت عن يسارها ثلاثاً، مستعيذة بالله من وساوس الشيطان، مذكرة نفسها:

– لقد وعدتُ أمي.. سأضع نهاية لهذه القصة، إن شاء الله.. فيارب.. ساعدني..

ونهضت من مكانها، وأخذت تتمشى قرب المقعد جيئة وذهاباً، ثم حملت حقيبتها على كتفها، فيما أمسكت الأوراق بيدها، وأخذت تسير ببطء وسط غابة أشجار عملاقة، في الجزء الشمالي من ساحة الجامعة المترامية الأطراف..

لم تدرِ زهرة كم قطعت من مسافات؛ قبل أن يطرق سمعها نعيق الغربان.. لم تلقِ بالاً للأمر في البداية، لكنها فوجئت بها وهي تقترب منها دون خوف، محلقة فوق رأسها باهتياج، فأوجست في نفسها خيفة:

– هل يعقل انها ستهاجمني مثلا!

عندها.. حاولت أن تسرع في مشيتها، غير أن الغربان قد بدأت بشن هجومها فعلاً، فأخذت تطير نحوها من كل اتجاه، فيما حاولت زهرة خفض رأسها أثناء جريها، كلما أحسّت باقترابهم منها.. لقد شعرت بالخوف الحقيقي في هذه الجامعة، لأول مرة!

 كانت زهرة تجري بكل قوتها، وهي تلوح بالاوراق في الهواء، خافضة رأسها، لعلها تبعد الغربان عنها، فلم تنتبه للصخرة الصغيرة أمامها، فتعثرت بها لتسقط على الأرض، مرتكزة على يدها اليسرى، لعلها تحمي الاوراق التي تشبثت بها يدها اليمنى بشدة! غير أن ألم السقطة على يدها اليسرى، افقدها السيطرة على نفسها، فتبعثرت الأوراق من يدها على الأرض!!

وكأن الغربان قد تفاجأت من هذا العارض؛ فهدأت قليلاً مرتفعة في الهواء! أخرجت زهرة منديلا من حقيبتها، لتمسح الجروح على باطن كفها الأيسر، وضغطت عليه لتوقف نزف الدماء، فيما حاولت جمع الأوراق المبعثرة بسرعة، قبل أن تستأنف الغربان شن هجومها التالي! وبينما كانت تحاول الاسراع في المشي نحو بوابة الجامعة الشمالية؛ سمعت صوتاً ينادي:

– يا أختي.. يا أختي.. لحظة لو سمحت..

فتوقفت زهرة لبرهة، والتفتت إلى الخلف، لترى شاباً يسرع نحوها، وهو يشير بورقة في يده، فهرعت تتفقد أوراقها، لتكتشف  نقصان واحدة منها! حتى إذا ما اقترب منها الشاب، ناولها الورقة بأدب:

– أرجو المعذرة يا أختي، ولكنها سقطت منك..

تناولتها زهرة الورقة منه، وشكرته بامتنان شديد:

– جزاك الله خيرا..

فيما أضاف الشاب، قبل أن يتجاوزها بالمشي:

 – من الخطر السير في تلك المنطقة، أثناء خلو الجامعة من الناس، فأعشاش الغربان متمركزة فيها بكثرة!

قال جملته تلك ومضى في حال سبيله، في حين التمعت فكرة في ذهن زهرة، أعادت الحماسة إلى نفسها، فحمدت الله على سلامتها، وهي تقترب من بوابة الأمان، بعيدة عن محيط الغربان، وابتسمت لنفسها مشجعة:

– الحمد لله.. وجدتها.. وجدتها..

**

شعرت زهرة براحة كبيرة، وهي تراجع أسئلة آخر امتحان نهائي لذلك العام مع صديقاتها، بعد خروجهن من القاعة:

– الحمد لله.. المهم أن بإمكاننا الشعور بالحرية أخيرا، بعد ذلك الضغط..

فأكدت هديل كلامها:

– حقا..الحمد لله.. والآن دعونا ننسى أمر الاختبارات، ما هي خططكن لهذه الاجازة يا بنات؟

قالت بسمة:

– أظننا ستقضي الاجازة في بيت جدي في الريف..

فيما قالت نوال وهي تتثاءب واضعة يدها على فمها:

– أريد أن أنام وحسب.. كل الخطط يمكن تأجيلها بعد ذلك..

فتندرت عليها الفتيات ضاحكات:

– أحلام سعيدة، يا ملكة النوم..

ثم استدركت هديل، موجهة حديثها لزهرة:

– نسيت أن أخبرك بأنني كتبتُ فصلا جديدا للقصة..

فتساءلت بسمة بفضول:

– عن أي قصة تتحدثون؟ ما الذي تخططون له من ورائنا؟

فابتسمت زهرة:

– ليس ذنبنا أنك لم تكوني منتبهة معنا، عندما تحدثنا عن ذلك أول مرة..

فيما أوضحت نوال قائلة:

– باختصار، زهرة وهديل تعملان على قصة مشتركة عن يوميات طالبة جامعية.. هديل تكتب وزهرة ترسم، وأنا أحلم بالأفكار!

 فلم تتمالك الفتيات أنفسهن من الضحك، رغم محاولتهن الجاهدة لخفض أصواتهن قدر المستطاع..

   عانقت زهرة رفيقاتها بحرارة، قبل أن تودعهن، على أمل اللقاء بهن مجددا في العام القادم، ثم اتجهت نحو موقف حافلات منطقتها، وقبل أن تصل إلى وجهتها، استوقفها صوت ممزوج بحنين الماضي وذكرياته، تعرفه جيدا:

– زهرة.. هل لي بدقيقة من فضلك؟

  لم تصدق زهرة عينيها، وهي ترى زاهر يقف أمامها بشحمه ولحمه! كان هو بعينه، بطوله وعرضه، غير أن مسحة حزن كست ملامح وجهه بوضوح! ورغم هول المفاجاة؛ إلا أن زهرة نجحت في السيطرة على انفعالاتها؛ فقالت بنبرة حازمة:

– خير إن شاء الله؟!

فتنهد زاهر، وقال بنبرة لا تخلو من أسى:

– قد تستغربين حديثي معك الآن، ولكنني وجدتُ نفسي مضطر إليه، وأرجو أن لا أسبب لك أي إزعاج بذلك..

 والتقط نفساً قبل أن يتابع:

– لن أطيل بالمقدمات، فأنا أعلم أنك مستعجلة، ولكن.. لا أدري كيف أقولها.. اشعر أنني خدعتُ نفسي عندما قررتُ الارتباط بفاتن!

لم تعلق زهرة بشيء، وبدت لزاهر غير متأثرة بما سمعته؛ فلم يشعر بتلك الزلزلة حامية الوطيس التي هزت أرجاء جسدها! وأمام صمتها، تابع قائلاً:

– لقد مضت قرابة السنة على خطوبتنا، لم اكتشف خلالها إلا مدى تنافر شخصياتنا وتباعدها، فلا توجد بيننا أي اهتمامات أو أهداف مشتركة، أشعر وكأنني عالق مع طفلة صغيرة، طلباتها لا تنتهي!! لقد وقعتُ ضحية انبهار عابر، لا يغني عن الحقائق شيئاً، ولا أدري إن كان من الحكمة المضي قدما في علاقة كهذه!!

خيم صمت ثقيل على الاثنين للحظة، قبل أن تقول زهرة بلهجة جادة:

– فاتن فتاة طيبة، ولم يجبرك أحد عليها، وقد كنتَ تعرف مسبقاً أنها لا تزال طالبة في الثانوية، كما أنها انتقلت إلى بيئة جديدة لم تألفها من قبل! جميع الأمور كانت واضحة لك منذ البداية، فليس من العدل أن تتنصل من هذه المسؤولية بسهولة! ثم إنها ابنة خالتك، وهي وحيدة والديها، فلا تتهور بالاقدام على خطوة؛ تكون سببا في نشوب خلافات عائلية غير محمودة العواقب! لقد أحبتك ووثقت بك، فإياك أن تخذلها! عليك أن تتفهم ظروفها واحتياجاتها، ألستَ أنت الرجل الذي بيده القوامة؟ لا تظن أن هناك زواج بلا طلبات أو مسؤوليات، ويا حبذا لو التحقت بدورات تأهيل الزواج، فهذا ليس عيب أبداً..

كان زاهر يستمع إليها مطأطئاً بإنصات، وكأن على رأسه الطير، في حين ختمت زهرة كلامها بثقة:

– الزواج مسؤولية كبيرة، وميثاق غليظ، ومن الأفضل أن تستشير والديك في موضوعك هذا، وأسأل الله أن يبارك لكما ويبارك عليكما، ويجمع بينكما بخير..

وقبل أن تهم بالذهاب، استدركت قائلة:

– بالمناسبة، لقد وضعتُ خاتمة لقصة “البطل المغوار”، ونشرتها على الموقع العربي للقصص المرسومة، كما كتبتُ اسمك أيضاً لحفظ الحقوق..

  لم يستوعب زاهر ما سمعه في البداية، وقبل أن يتأكد من زهرة حول ما قالته؛ كانت قد تبخرت من أمامه كطيف عابر!

فأخرج هاتفه الذكي، وتأكد من تفعيل خاصية الاتصال بالشبكة العنكبوتية، ثم ضغط بضع كلمات في محرك البحث، قبل أن تظهر القصة أمامه! وبتصفح سريع، استرجع ذكريات تلك الأحداث التي كتبها من صميم قلبه قبل زمن! فهرع لرؤية الفصل الأخير، ضاغطاً على رابطه،  ليبدأ قراءته باهتمام شديد..

لم يكن الفصل يتجاوز بضع صفحات مرسومة بالكامل، تتخللها كلمات متفرقة، وجمل محدودة، أمكنه تلخيصها بفقرة واحدة:

“بعد أن وجد البطل المغوار نفسه محاصرا من الحيوانات المفترسة، استمات في الدفاع عن نفسه، مستخدما كافة الحركات التي تعلمها في تدريبات التايكوندو دون يأس أو استسلام.. حتى إذا ما كان على شفير الهاوية؛ ظهر فارس شجاع من العدم، فأنقذه من براثن تلك الوحوش الكاسرة، وساعده على العودة لقريته بسلام، ورغم اصاباته البليغة، التي حالت دونه ودون العودة لسابق عهده في حماية القرية، مما أشعر الأهالي بالحزن والاحباط؛ إلا أنه بقي متفائلاً متشبثاً بالأمل، فطمأنهم بلهجته الواثقة القوية:

– حتى وإن خسرتم بطلاً واحداً؛ فسيكون هنالك دائما بطلٌ مغوار..

وهكذا.. أغلق البطل المغوار قوس حياته الماضية، وبدأ حياة جديدة؛ تفرغ فيها لكتابة مذكراته، وإفادة الأجيال القادمة بخبراته..”

**

كانت زهرة على وشك الانتهاء من غسل الأواني في مطبخ أختها، بعد عزومة عائلية كبيرة، احتفالاً بقدوم المولودة الرابعة! وبينما هي تدندن بنشيد ألّفته مع هديل، ليتناسب مع قصتهما الجديدة؛ دخلت عليها فاتن وهي تحمل طفلها النائم، الذي لم يتجاوز العام بعد:

– السلام عليكم.. الله يعطيك العافية..

فردت زهرة عليها السلام باسمة:

– الله يعافيك، كيف حال مراد الصغير الآن؟

فتنهدت فاتن:

– الحمد لله حرارته انخفضت، ولكنني مضطرة لتركه هنا مع خالتي، فلدي مراجعة عند الطبيب..

فطمأنتها زهرة بثقة:

– لا تقلقي، سأكون متواجدة أيضاً، وسأنتبه له جيدا، إن شاء الله، المهم اعتني بنفسك جيداً..

فدمعت عينا فاتن بتأثر:

– حقا لا أعرف كيف أشكرك يا زهرة، لقد أثقلتُ عليك كثيرا هذه الأيام، فأمي مسافرة كما تعلمين، و..

فقاطعتها زهرة بعتاب:

– سامحك الله، لا تقولي هذا فنحن أخوات..

وقبل أن تضيف أي منهما كلمة أخرى؛ رن هاتف فاتن، فقالت:

– هذا زاهر، لا شك أنه ينتظرني في الأسفل..

فجففت زهرة يديها من الماء، ثم تناولت الصغير من أمه قائلة:

– سأضعه على السرير الآن، فكوني مطمئنة، ولا بأس عليك طهور إن شاء الله..

**

انتابت زهرة مشاعر مختلطة وهي تستمع لكلام والديها، حول ذلك الخاطب.. لم تكن تشعر بانها مستعدة بعد لخوض هذه التجربة! ولكنها لا تمتلك أي سبب واضح للرفض! فوالدها بدا مبتهجاً جداً، وهو يصفه بقوله:

– ما شاء الله، لم أتوقع أن أقابل شاب مثله في هذا العصر! إنه رجل رائد بمعنى الكلمة، خلق ودين، وأدب لم أجد له مثيلا من قبل، لقد حاولتُ التحري عنه أنا وهيثم، ولم نجد أي شائبة ضده! كما أن أبو سامر صديق قديم لوالده، وهو يعرفهم جيدا، ووصفهم بالعائلة الكريمة المحترمة..

فيما أكدت والدتها ذلك بقولها:

– لقد ارتحت لأمه أيضا، إنها صريحة مثلي، وقد تناقشنا في كل شيء، فهذه حياة وليست لعبة! أراه كنز حقيقي، وفرصة لا تعوّض، فمن النادر أن تجد شاباً مسؤولاً ومستعداً هكذا  هذه الايام، أكاد أجزم بأنه لا ينقصه شيء ما شاء الله!

عندها قال الوالد مخاطبا ابنته:

– لم يبق سوى تحديد موعد الجلسة الشرعية، وسيكون القرار النهائي لك يا ابنتي، فلا داعي للقلق..

**

كانت زهرة تشعر ببعض التوتر، وهي تهم بالدخول على ذلك الخاطب، الذي ينتظرها في صالة الاستقبال، فيما أخذت كلمات أمها تتردد في ذهنها، مطمئنة:

– اعتبريه زميل عمل، تتناقشين معه حول مشروع مستقبلي، لا أكثر ولا أقل!

التقطت زهرة نفسا عميقا، ثم دخلت الصالة وألقت السلام، وما أن وقعت عيناها على الشاب الذي نهض واقفا، ليرد عليها التحية؛ حتى شعرت بأنها تعرفه منذ زمن طويل! اختارت المقعد المقابل له، فيما ابتدر هو زمام الحديث بابتسامة ودودة، كاسراً حاجز الحرج بينهما، بقوله:

– لا أظنك تذكرينني، فلم نتقابل سوى بضع مرات في السابق، ولكنني أعرف عنك الكثير، لذا.. دعينا نتحدث كالأصدقاء، لعلنا نفتح قوس جديد..

**

***تمت بحمد الله***

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

المنقذ-بلوك-سما

المنقذ “بلوك سما”!

عن القصة:

قد يكون “الآرت بلوك” art block هو اسوأ عدو للفنان، حيث يصاب بالاحباط وفقدان الشغف، ويميل للخمول والكسل..
ولكن.. هل هذه الحالة -والتي قد تُعرف بـ “الفتور”- هي امر سلبي دائما؟!!
تابعوا قصة “المنقذ بلوك سما”

التصنيف: خيال، رمزي

– الرحمة الرحمة.. لم أعد استطيع الاحتمال أكثر.. سأموت..

كانت تلك صرخة الاستجداء الأخيرة، التي اطلقتها إحدى خلايا العضلات المرهقة، وهي في حالة احتضار دامية!

 غير أن أوامر “النفس” الصارمة، لم تكن تحمل في ثناياها أدنى مقدار من الشفقة، بل تابعت باصرار قائلة:

– لا يزال أمامنا الكثير من الأعمال لانجازها، هيا تابعوا العمل حتى النهاية! لا مجال للكسل ولا للتراجع.. إلى الأمام سر..

 لم يكن أمام بقية “الخلايا” سوى الانصياع للأوامر الصارمة، فهم في النهاية مجرد عبيد تحت إمرة سيد قاسي القلب، لا يعرف غير “الانجاز”، والانجاز المستمر فقط!!

كانت الخلايا المتنوعة، على اختلاف قدراتها وأدوارها؛ تتهاوى الواحدة تلو الأخرى، اما “النفس” فلم تكن تبالي بكل ذلك نهائيا!

كانت كلمة “الانجاز” تبدو كالسحر، الذي سرق منها أي شعور آخر تجاه تلك الخلايا المسكينة!

كانت تعاملها بكل جفاء، كالادوات الصماء، لدرجة أنها لم تعد تسمع أي أنين يصدر عنها! ومع زيادة الضغط؛ فقدت تلك الخلايا القدرة على متابعة العمل بالكفاءة المطلوبة؛ مما أغضب النفس عليها بشدة، فأخذت تهددها بسوط الجلاد الذي لا يرحم عبده! 

أخذت الخلايا تستغيث بصوت يقطع أقسى القلوب المتحجرة؛ غير أن النفس لم تعد تمتلك قلبا من أي نوع! فلم يؤثر فيها مشهد خلايا العيون المتورمة، ولا خلايا العضلات المتصلبة، ولا خلايا العظام المتيبسة!

وفي اللحظة التي همت فيها النفس باستخدام سوطها القاسي، لاستنزاف ما تبقى من طاقة تلك الخلايا المتهالكة، لتقودهم نحو الموت والهلاك المحقق؛ ظهر “بلوك سما” في الأرجاء، ملوّحا بتهديده الذي لا يُقهر!

وبطرفة عين؛ أمسك بيد “النفس” المسعورة، وجمدها تماما، ليسقط ذلك السوط من يدها!

– لقد تماديت كثيرا ايتها النفس هذه المرة! هل جننتِ؟؟ اتريدين قتل خلاياك الوفية بدم بارد؟؟؟

نطق بلوك سما تلك الكلمات بقوة مجلجلة؛ جعلت النفس ترتعد من شدة الخوف، لتنتبه لأول مرة لخلاياها البائسة! فاعتذرت قائلة:

– لم أكن أقصد ذلك بالتأكيد، كنت أريدهم أن يشعروا بالفخر بذلك الانجاز الذي سـ..

فقاطعها بلوك سما بحدة:

– أي إنجاز هذا الذي تتحدثين عنه؟؟ هل اصابك العمى ام الصمم؟؟ أي انجاز هذا الذي سيفتخرون به، وهم في المقبرة!

كان كلامه صريحا واضحا بدون ذرة مجاملة، مما جعل النفس تنتبه لتلك الحقيقة المرة لأول مرة! غير أنها حاولت التبرير بقولها:

– يكفي أنهم سيموتون بشرف لأجل ذلك “الانجاز”..

عندها لم يستطع بلوك سما الاحتمال أكثر، فألقى عليها تعويذته السحرية قائلا:

– يبدو أن محاولة افهامك خطورة ما تقدمين عليه هو ضرب من الخيال! لذا فلتنعمي أيتها النفس بما تستحقينه!

وبينما كان التجمد يسري في أوصال النفس، كان لسانها يستغيث بمرارة:

– لحظة لحظة من فضلك.. بلوك سما ارجوك، اعطني فرصة أخيرة.. ليس الآن! لا تحبسني في تعويذة “الارت بلوك” مجددا، فما زال هناك الكثير لإنجازه..

وبالطبع لم تحرك كلماتها تلك ساكنا في جسد بلوك سما، فقد بدا راضيا تماما عما يفعله معها، فلم تجد النفس بدا من الاستجداء بتوسل، قبل أن تجمّد التعويذة لسانها أيضا:

 – بلوك سمااااااا.. اسمعني ارجوووووك.. فرصة واحدة فقط.. على الأقل أخبرني إلى متى سأبقى حبيسة التعويذة.. ارجوك لا تجعلها تطول.. بلوك سمااااااااااااااا

غير أن بلوك سما تجاهل نداءاتها، وهو يتأمل حال الخلايا المزري، فيما بدأت تلك الخلايا تستعيد أنفاسها تدريجيا، وهي تشعر بامتنان كبير لمنقذها الدائم: “بلوك سما”

****

تمت

على هامش القصة:

هذه القصة هي محاولة لتسليط الضوء على ايجابيات “بلوك سما” العظيمة^^

فنحن لا بد من أن نكون منصفين في كل شيء، حتى مع الاعداء!

ومن باب الانصاف، رأيت أنه من الواجب التحدث عن ايجابيات الارت بلوك^^

فكما قال الشاعر:

وإذا كانت النفوس عظاما

تعبت في مرادها الاجساد!

_

لذلك.. حالة “الفتور” أو “الارت بلوك” التي تصيب الانسان، هي ليست نقمة دائما، بل قد يكون في طياتها نعمة كبيرة، ولولا أن الله سخرها لنا، لربما هلكت أجسادنا منذ وقت طويل ????

فالحمد لله الذي له في كل شيء حكمة ورحمة..

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

نحو موسوعة لأفكار عربية مذهلة تميز (قصتك) عن القصة الأجنبية!!!^^

بقلم الاستاذة: زينب جلال

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
نحو موسوعة لأفكار عربية مذهلة تميّز (قصتك) عن القصة الاجنبية وخاصة اليابانية^^

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته(:

قبل كل شيء أود التنويه إلى انني كتبت هذا الموضوع منذ فترة ليست بالقصيرة في أحد المنتديات، وقد قام أحد الاخوة هناك بتنسيقه مشكورا، ولأنني رغبت في أن تعم الفائدة الجميع فقد وجدت أنه من الضروري الاسراع في وضعه في هذا القسم العزيز فنسخته من هناك كما هو تقريبا، وأرجو أن يكون فاتحة خير ونبراسا ينير لكل مبحر في عالم القصص الجميل ^^

**
لذا أرجو أن يكون مرجعا للنقاش بهذا الخصوص ليفيد جميع المهتمين، والله الموفق^^
*********

بداية وكما نعلم جميعا، لا يكاد تخلو مانجا أو انمي ياباني من الاشارة الى عاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم في المأكل والمشرب والتاريخ والمواسم والأماكن والمسميات، وحتى الاعتقادات والاساطير، الخ.

ولأننا تعودّنا عليها عند مشاهدة الانمي أو قراءة المانجا، أصبحنا نظن أنه لن يكون لقصتنا طعم ولا رائحة إذا لم تحتوي على مثل هذه الامور!
ولكننا بتعاوننا مستعينين بالله قبل أي شيء، سنغير هذه الفكرة تماما بإذن الله^^
وكنوع من التحفيز من الجيد أن نسلط الأضواء على بعض الروايات العالمية التي وجدت في الثقافة العربية مصدرا خصبا وجميلا لافكارها
(سأذكر ثلاثة من الروايات التي قرأتها، عوضا عن الأمثلة المعروفة كسندباد وعلي بابا وقصص الف ليلة وليلة بشكل عام)

*(الخيميائي): باولو كويلو، هذه الرواية بها كم لا بأس به من الجو العربي، بل وقد استخدم المؤلف فيها احدى الكلمات العربية بالنص (مكتوب) بمعنى القضاء والقدر Maktoob

* في إحدى روايات اجاثا كريستي ، أظنها (الأربعة الكبار)
استخدم هيركول بوارو عبارة (إن شاء الله) وافتتح جلسته بـ
(بسم الله الرحمن الرحيم)، وكان يقصد من ذلك اشارة محددة

*رواية (صياح الدجاجة) لكاتب اسباني- نسيت اسمه- أشار فيها الكاتب إلى بعض العادات العربية ومنها الرابطة الزوجية عند العرب، بشكل يشير إلى اعجابه بذلك
***

يبقى تنويه أخير حول الموضوع، فقد تجدونه طويلا، وليس الهدف أن تتم قراءته مرة واحدة، فهو أشبه ما يكون بالموسوعة التي يذهب اليها الباحث مباشرة للنقطة التي يريدها، لذا يمكنك تجاوز النقاط اللتي لا تناسبك لتنقل إلى ما ترغب بالقراءة عنه، لذا سأذكر بداية المفردات الرئيسية التي يشتمل عليها الموضوع

وهو ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: حول مفردات عامة لا تكاد تخلو منها أي قصة
وستتناول: كلمات شائعة/ الطعام/ الشراب/ الأماكن/ الأسماء والألقاب/ المواسم والمناسبات/ الملابس/ العادات والسمات المميزة/ العبادات..

القسم الثاني: حول أفكار متنوعة (كرؤوس أقلام) لأصناف مختلفة من المانجا
وسنتناول: خارق وما وراء الطبيعة ورعب وأساطير/ رومنسي/ أكشن وقتال/ تاريخ وغموض/ مغامرات مدرسي وشريحة من الحياة/ رياضة/ خيال علمي

وقبل أن ندخل إلى تفاصيل هذين القسمين، أوضح بأنني سأكتفي بالاشارة إلى القواسم المشتركة العامة بين العرب جميعا، ولن أدخل في تفاصيل الفروقات بين الدول، حيث أن بإمكان كل (مانجاكا) أن يكتب عنها بشكل أفضل على حسب طبيعة بلده(:
ومن هذا المنطلق لزم التذكير بأن أهم شخصية توحدنا جميعا، نحن العرب خاصة والمسلمين عامة هي:
شخصية الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
وللمعلومية فإن بعض العرب من غير المسلمين، يشعرون أيضا بارتباط قوي بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من باب العروبة!! فمثلا قد تجد أحدهم يقول لصاحبه: ” طيب صلّ على النبي” أي هدئ من روعك، وهم يأخذونها من باب الكلمات العربية الدارجة، وهذا شيئ مشاهد ومعروف..
أعتذر عن الاستطراد والاطالة#8#
والآن للننطلق على بركة الله..
——————————-
——————————-

القسم الأول: (مفردات عامة لا تكاد تخلو منها أي قصة)

1- كلمات شائعة ومميزة عندنا نحن العرب (والمسلمين):
ا- طريقة التحية: السلام عليكم، السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يمكننا التنويع في استخدامها، ويكون الرد كما هو معروف بالمثل أو أحسن، أي لا يصلح إن بدأك أحدهم بـ “السلام عليكم ورحمة الله”، أن ترد عليه بـ ” وعليكم السلام” فقط ، وهكذا
*استخدامنا لهذا الاسلوب سيعطينا تميز، وسنجد اليابانيين عندما يترجمون مانجاتنا، يكتبون ملاحظة ليشرحوا فيها هذه النقطة^^

ب- الشكر: إذا كان لدى اليابانيين مصطلح (اوتسكاري ساما بمعنى شكرا لعملكم الشاق)، فنحن لدينا جملة مميزة جدا “جزاك الله خيرا” وهذه نقولها للشخص الذي نعجز عن شكره
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ “

جـ- عندما نريد أن نفعل شيئا:
 يجب أن نقول إن شاء الله، إن أعجبنا شيء: ما شاء الله!! عند التعجب: سبحان الله، والضيق: استغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والحصول على شيء مفرح: الحمد لله، حصول امر عكس ما توقعنا: قدر الله وما شاء فعل،… الخ
*تخيلوا وقع هذه الكلمات على شخص غير عربي ويقرأ مانجا مميزة تحوي جميع هذه التعبيرات الغريبة عليه والتي قد لا يجد لها مرادفا في لغته؟؟ أظنهم سيتعلمونها وسيستخدمونها هم كما فعل هيركول بواروا في احدى روايات اجاثا كريستي(؛

د- نحن نتميز بالبلاغة والتي من خلالها يمكننا التلاعب بالالفاظ لتدل على امور مختلفة، أضيفوا الى ذلك الشعر، لذا من الجميل جدا أن تكون هناك بعض الاقتباسات الشعرية في المانجا، بما يناسب القصة،
يعجبني مركز الزهرة عندما يدخل في الدبلجة بعض الابيات الشعرية على السن الشخصيات، أظنكم تذكرون حسان من سلام دانك عندما طرد من الملعب فقال(لولا الحياء لهاجني استعبار.. ولزرت الملعب والحبيب يزار)، على غرار قصيدة جرير^^
ولا بأس من أن تكون بعض الشخصيات لديها موهبة شعرية^^

2- الطعام: لدينا آداب محددة اتباعا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، قد لا نجدها عند غيرنا
فإضافة لغسل اليدين وهو معروف، هناك التسمية والأكل باليمين، والأكل مما يليك، ولا نأكل واقفين…..الخ
تخيلوا البطل مثلا وهو يكتب بيده اليمنى وأمامه كوب ماء، وعندما يعطش بدلا من أن يشرب باليد اليسرى، يضع القلم من يده ليشرب بيده اليمنى ثم يستأنف الكتابة، حركة بسيطة، لكنها تلفت النظر إذا ما رُسمت وظهرت بإبداع في قصة المانجا العربية^^
ثم إن لدينا جلسة خاصة مميزة، وهي الجلسة التي علمنا اياها الرسول صلى الله عليه وسلم، تثني رجلك اليسرى وترفع اليمنى، بالطبع الان معظمنا يجلس على الكراسي والطاولات لكن هذا لا يعني أننا لا نجلس أحيانا على الأرض خاصة في النزهات وما إلى ذلك^^
تفاصيل دقيقة كهذه، ستثري المانجا وتميزها بالتأكيد#14#
ومن أشهر الأطعمة التي يفترض بجميع العرب أن يعرفوها هي (الثريد) الطعام المفضل عند الرسول صلى الله عليه وسلم،
“هي الفتة وهي عبارة خبز الشعير يقطع لقيمات صغيرة ويسقي بالحساء ثم يضاف عليه اللحم”
وستجدون في هذا الرابط معلومات مفيدة أيضا:
http://www.lakii.com/vb/a-6/a-704490/
وهناك (التلبينة) وهي نوع من الحلوى، أوصى بها الرسول صلى الله عليه وسلم لجلاء الحزن
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%…B9%D8%A7%D9%85)
ولا ننسى أهم الثمار التي تميزنا: ثمار النخلة الطيبة (التمر)
بالمناسبة النخلة موجودة في معظم الدول العربية، من بلاد المشرق الى المغرب، وهي تعد شجرة مميزة جدا عندنا

3- الشراب: هل يوجد عربي (أو مسلم) واحد لا يعرف ما هو (ماء زمزم)؟؟ تخيلوا لو أشرنا الى هذا الماء بشكل مثير؟؟؟
بالطبع لدينا طريقة خاصة في الشرب، فنحن لا نتنفس في الاناء، ونشرب على ثلاث دفعات(؛

4- الأماكن:
نحن جميعا متفقون على أن أهم ثلاث مدن لدينا هي : (مكة والمدينة والقدس) ففيها المساجد التي تشد إليها الرحال
يمكننا استخدام هذه المدن كرموز أو بالاشارة الى الرغبة في زيارتها (كما جاء في رواية الخيميائي لباولو كويلو)، طبعا على حسب طبيعة القصة، وستكون بالطبع مما يميزنا^^
هذا بالاضافة للمساجد، وأماكن الوضوء ( مفردها “ميضأة” )،ولا تنسوا مصليات العيد، كما أن لدينا تقليدا لا يوجد عند غيرنا وهي حلقات المساجد والكتاتيب سابقا
من الممكن أن يتم الاشارة اليها بالمانجات العربية، بشكل جميل وبإبداع..
مثلا يتفق البطل مع صديقه أنه سيقابله بعد الحلقة من أجل مهمة خاصة..الخ

الان تخيلوا المترجمين عندما سيترجمون كلمة (الحلقة) – على أساس أن المانجا ستكون رهيبة جدا ومذهلة ومشوقة لأبعد حد^^- فإذا كانوا سيترجمونها للانجليزية، ستكون ترجمتها الحرفية هكذا:
The ring!!
لذا سيضطرون لاستخدامها كما هي
(Al- halaqa)*
ثم يكتبون في الهامش:
*This is an Arabic expression for religious lessons held at mosques, especially reading and memorizing the Quran (the Muslim holy book), where the students sit around the Sheikh (the religious scholar) on the floor in a circle!
ما رأيكم#12#

5- الألقاب: جميعنا يعرف اساليب النداء على الأسماء عند اليابانيين، باضافة (سما، كن ، شان …الخ)، حسنا نحن أيضا لدينا اسلوب يشترك فيه معظم العرب إن لم يكن جميعهم ولا أظنه يوجد عند سواهم، وهو أسلوب (الكنية)

ويعد من أساليب الاحترام عندنا، مثلا لا يمكنك أن تنادي رجلا لا تعرفه باسمه وانما بكنيته مثلا : أبو العلاء
أيضا: استخدام كلمة (الشيخ فلان)، لتوقير علماء الدين خاصة
كما لدينا ألقاب مميزة، كـ صلاح الدين (اسم القائد صلاح الدين الحقيقي هو يوسف أما صلاح الدين فهو لقب)
وفي الكنية واللقب ورد هذا التعريف: الكنية ما صدر بأب أو أم أو ابن أو عم مثل: أبو بكر , أم كلثوم {بنت النبي صلى الله عليه وسلم } ابن عباس ……

اللقب ما أشعر بمدح مثل شيخ الإسلام , زين العابدين .
أو ذم مثل : أنف الناقة
وهذا ربط ويكيبديا
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%83%D9%86%D9%8A%D8%A9
كما أن الاسم العربي الكامل يتكون من أربع مقاطع أو ثلاث مقاطع على الأقل، خلافا للاسماء الاجنبية، إذ يكفي عندهم الاسم الاول والعائلة، ولا تجد لديهم في اوراقهم الثبوتية اسم من ثلاث مقاطع مثلنا (بصراحة تفاجأت عندما سمعت عن هذه المعلومة لأول مرة)#25#
كما أن لدينا طريقة مميزة في المخاطبة بين الجنسين
مثلا إذا أراد أن يحدث فتى فتاة غريبة عليه، فلا يناديها باسمها وإنما بـ (يا أخت…) وكذلك إذا أرادت الفتاة مناداة الفتى الغريب فيكون بـ (يا أخ …)، وعندما ننادي من هم أكبر منا سنا، فللرجل نقول : (يا عم)، وللمرأة (يا خالة)..

6- المواسم و المناسبات:
لا تكاد تخلو مانجا يابانية أو انمي من الاشارة الى احتفالاتهم ومهرجناتهم التي يقومون فيها بطقوس معينة بناء على معتقداتهم،الخ
ونحن أيضا لدينا مواسم مميزة جدا، قد يكون أهمها موسم رمضان.

وفيه الكثير الكثير من الأمور التي تميزنا، السحور، الافطار في وقت موحد، تجهيز السفر في المساجد والعزائم بين الاقارب والأصدقاء، صلاة التراويح، صلاة التهجد، بالاضافة الى الزينات والعادات المعروفة من فوانيس رمضان، ووجود المسحراتي الذي يطوف على البيوت بطبلته المعروفة، ليلة العيد ويوم العيد وصلاة العيد المميزة الخ، كلها يمكننا الاشارة اليها بشكل مثير لمن لا يعرف ثقافتنا، ولا تنسوا ليلة القدر، ذلك الحدث المهم لدينا.

وسأضع مقطعا من مدرسة الفروسية يشير إلى ذلك:
” أسرع حسام فيما تبعه بقية الاصدقاء- الذين قضوا ليلتهم معتكفين في جامع الفتح- نحو سطح المدرسة، ووقفوا يراقبون بحماسة جهة الشروق، حتى إذا ما بدا قرص الشمس، هتف حسام بلهفة:
– انظروا ان قوس الشمس يبدو ابيض لا شعاع فيه، اظنها كانت ليلة القدر، والله أعلم..
فقال أصيل مناكفا:
– وما أدراك أن الشمس لا تشرق هكذا دائما!
فبادره طلال بالاجابة:
– الفرق واضح بين قرص الشمس اليوم وبين ما كانت عليه في ليالي الحادي والعشرين والثالث والعشرين والخامس والعشرين!
فقال له حسان:
– لا تأخذ كلامه على محمل الجد يا طلال، فهو لا يعدو كونه مناكفة لا أكثر!!
فاعترض أصيل قائلا:
– هذا ما تقوله أنت.. على كل حال لا نستطيع الجزم الآن، فما زالت أمامنا ليلة التاسع والعشرين!
وعلق علاء بقوله:
– لا أظن أن هناك منا من يستطيع الحكم على هذه الأمور أفضل من حسام ما شاء الله..
فأكد صوت من خلفهم كلام علاء:
– وأنا أشهد بذلك..
التفت الجميع للوراء ليفاجؤوا بالمعلم برهان يقولها مبتسما، والى جانبه المعلم أمين الذي أضاف قائلا:
– كما قال حسام والله اعلم كانت تلك ليلة القدر..
وردد فيما أمن الجميع على دعائه:
– ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم..
فما كان من أصيل إلا أن لكز حسام في خاصرت هامسا:
– عش حياتك يا أخي، الجميع يقف معك حتى المعلمين أنفسهم!
وتابع المعلم أمين:
– وأيا كانت تلك الليلة، نسأل الله أن يكتب لنا أجر قيام ليلة القدر ايمانا واحتسابا، ويتقبل منا رمضان ويعيده علينا أعواما عديدة وأزمنة مديدة، ونحن والمسلمون في خير وعافية..
وأضاف المعلم برهان باسما:
– وبهذه المناسبة لدي أخبار سعيدة، خاصة لك يا حسام..
وابتسم متابعا:
– سنبدأ ببناء قبة فلكية لمراقبة النجوم هنا ان شاء الله..
لم يكد المعلم برهان يتم عبارته، حتى قفز حسام نحوه بفرحة منقطعة النظير:
– حقا.. الحمد لله الحمد لله .. جزاك الله خيرا يا معلمي، طوال عمري وانا أحلم بقبة فلكية ومناظير متخصصة، كم أنا سعيد لهذا الخبر..
ابتسم المعلم برهان:
– أرجو أن يسهل الله انجازه ويكون ذا نفع كبير لكم..
وقبل أن يهم المعلم أمين بالنزول التفت إليهم قائلا باسما:
– أرجو أن لا تتأخروا عن الدرس الأول يا شباب..
وما إن نزل المعلمان حتى أخذ حسام يقفز بفرح هنا وهناك:
– يا لسعادتي، أحلامي على وشك التحقق، أخيرا بفضل الله الحمد لله لقد استجاب الله دعائي..
فضحك أصيل معلقا:
– أهذه هي منتهى أحلام شاعرنا الكبير!! لا تقل لي أنك اعتكفت الليلة كلها تدعو من أجل قبة فلكية!!”

7- الملابس:
ملابس الذكور في الوقت الحالي جميعها متشابهة وتتبع الاسلوب الغربي عند معظم الشباب (البنطال والقميص)، وقد تتميز عند الرجال وكبار السن، لكن بشكل عام أهم ما يميز العرب هو تغطية رؤوسهم، وقد قيل في ذلك (العمائم تيجان العرب).

فإذا كان صاحب القصة لا يرغب بأن يُلبس الابطال في قصته (عمامة أو ما شابهها)، فلا بأس بأن تكون هناك على الأقل شخصية او اثنتين ممن هم ملتزمون بهذا التقليد العربي، أو يجعلهم يلبسونها عند ذهابهم للصلاة خاصة يوم الجمعة(:
فحتى اليابانيين لديهم مواسم خاصة يحرصون فيها جميعا على ارتداء زيهم التقليدي
علما بأننا يمكن أن نجعل اللباس مقتبسا من زي الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الرابط وصفا لذلك
http://islamqa.info/ar/126692
كان ذلك بالنسبة لملابس الرجال، أما ملابس النساء فهي أكثر تميزا، إذ أكثر ما يغلب على نساء وفتيات المجتمع العربي هو الحجاب بغض النظر عن طريقة لبسه، وكذلك الحشمة في الملابس نسبة الى غيرهم (نسأل الله أن يزيد ويبارك)، حتى أودا في (ون بيس) ألبس نامي وفيفي غطاء للرأس عندما ذهبوا إلى (الاباستا)!!
لذلك من باب أولى يجب أن لا تخلو مانجا عربية من وجود بعض الفتيات المحجبات على الأقل، وسيكون ذلك بنسبة أكبر في حالة النساء الكبيرات..

8- العادات والسمات المميزة:
أصبحت معظم البيوت العربية في الوقت الحالي، تصمم على أساس أن تحوي غرفتين للاستقبال، واحدة للرجال والأخرى للنساء، وقد يكون هذا أكثر ما يميز البيوت العربية والمسلمة عن غيرها.

كما أن كرم الضيافة أمر يعتبر من المسلمات البديهية عند العرب، ناهيكم عن الصفات الأخرى، مثل الشهامة والمروءة وغض النظر، يعني هذا ما يُفترض في العربي الأصيل!! واي مسلم بطبيعة الحال^^.
كما أن الفتيات معروف عنهن الحشمة والحياء( الحياء محمود وهو غير الخجل المذموم)، ويندر أن تجد فتاة عربية ترضى أن تقيم علاقة خارج الاطار الشرعي وإن فعلت ذلك فهذا يكون بعد شعورها بأنه سيتقدم لطلب يدها لا محالة (طبعا حدث ولا حرج عن المآسي التي تعقب خيبات الأمل هذه): عافانا الله وإياكم).
لكن هذا لا يعني أن الجميع هكذا، وبالطبع لا نتوقع من جميع المانجات العربية أن تكون جميع شخصياتها (ذكورا واناثا) بهذه الصفات، ولكن على الأقل أن تحتوي شخصية او اثنتين على الأقل بهم هذه الصفات الأصيلة^^
أضيف صفة مهمة جدا قد يندر وجودها عند غير العربي، وهي الغيرة على المحارم (الام، الاخت، العمة، الخالة، الزوجة، البنت)، ولا ننسى أن من أهم السمات التي تميز المجتمعات العربية هي وجود الاقارب وكثرة الاختلاط بهم (سواء سلبا او ايجابا)، باختصار العلاقات الاجتماعية عندنا يجب أن تظهر بوضوح في المانجا العربية لتكون مميزة^^
ولا ننسى الجيران، فهم يشكلون جزءا مهما من حياتنا لا سيما وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بالجار

9- العبادات: سيكون من الجميل جدا الاشارة بطرق عابرة الى اداء الصلوات واستخدام السواك قبل ذلك، قراءة القرآن، والدعاء واللجوء الى الله والثقة به، فمثلا تجد الأبطال في بعض الانميات عندما يعبرون عن لجوؤهم الى الله يقبضون اليدين معا وهم يشدون عليها، أو يطبقون الكفين على بعضهما البعض ويرخون رؤوسهم عليها، أما نحن فطريقتنا هي بسط الكفين ورفعهما للأعلى بالدعاء، .

هذه الامور إذا كتبت بطريقة ابداعية تعطي جمالا ودقة وتفاصيل مهمة لنعيش حياة الشخصيات بواقعية أكبر، مما يعزز من قيمتها حتى عند من يقرؤها من غير المسلمين ، فإذا كات الابطال في قصصهم يزورون المعابد أو الكنائس ويقومون بالطقوس التي هم مقتنعون فيها، فلم لا نجعل أبطالنا يزورون المساجد ويؤدون صلاة ركعتي حاجة مثلا قبل الشروع في مهمة خطيرة!!#18#
*–*-*-**-**-*–*

القسم الثاني: (أفكار متنوعة (كرؤوس أقلام) لأصناف مختلفة من المانجا)
1- خارق وما وراء الطبيعة ورعب وأساطير:
أعتقد أن لدى العرب من قصص الكهنة والعفاريت والجن ما يكفي لكتابة آلاف القصص!!
هل سمعتم عن (سطيح) و(شق) أشهر كهان العرب، كان سطيح لحما بدون عظم ومسطحا على الأرض، وإذا غضب انتفخ (هل تتخيلون هذا!!)
 #21#

حسنا يمكنكم قراءة المزيد، وقد وجدت هذا الرابط
http://hemmain.blogspot.com/2010/05/blog-post_4569.html
بمعنى آخر لمن يفضل قصص المانجا اليابانية والانمي التي تتحدث عن مخلوقات غير بشرية، ويرغب بالكتابة مثلهم، فبإمكانه القراءة عن عالم الجن، وهناك كتب كثيرة تتحدث في هذا الموضوع وبإمكانه الاستفادة منها بما يراه مناسبا، بل إن قراءة تفسير سورة الجن في القرآن قد يوحي لك بالكثير من الأفكار الرائعة..

مثلا نحن نعرف أن الشياطين هم من مردة الجن، وهؤلاء مهما بلغت قوتهم لا يمكنهم الصمود أمام ايمان المؤمن القوي ولا يمكنهم دخول بيت تُقرا فيه سورة البقرة، لكنهم يُرهبون من يخافونهم ويستعينون بهم
(وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا)
لذا قد يكون من الجميل استخدام هذه المعلومات في حبك قصة مذهلة، تجسّد فيها تسلّح بطل القصة بـ (آية الكرسي) مثلا ليحرق بها مارد يحاول اذية انسان أو إرعابه، فيما تكون هناك مجموعة من السحرة الاشرار المتعاونين مع الشياطين يحاولون وضع حد له، الخ
وفي هذا المجال هناك رواية (حوجن) التي اشتهرت مؤخرا، رغم أنها تميل الى الجانب الكوميدي أكثر من كونها قصة مرعبة!

من الأفكار أيضا فكرة (العين الحارقة/ الخارقة)، وما أكثر العيون المميزة في عالم الانمي!
مثلا يكون هناك شخص شرير ذو عين حارقة يتعمد اصابة الناس بها للقضاء عليهم، فلا يصيب بها احد إلا أصابه الشلل أو الاعاقة أو حتى الموت (يستخدمها في القتل)، ويأتي بطل القصة ليبحث عن حل فيعلم مع رفاقه من رجل حكيم أو شيخ طيب (حسب مزاج المؤلف في حبك القصة)، فيخبرهم بأن دواء الاصابة من عينه هو أن يحاولوا الحصول على ماء لامس جسده، فإذا حصلوا عليه صبوه على الشخص المصاب يشفى (بالطبع هذا وراد من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في علاج المعيون ولا ننسى التحصينات النبوية في هذا المجال)

على كل حال هذه مجرد أفكار لمن يرغب بالكتابة في هذا المجال..

أما في الأساطير العربية، فهناك (العنقاء) وهي مشهورة وقد ورد ذكرها عند العرب خاصة في قصص الف ليلة وليلة والسندباد، وهذا رابط ويكيبيديا عنها، وتجدون فيه صورة لمخطوطة من كتاب القزويني
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%…82%D8%A7%D8%A1

و(الغول)، وأظنه من أشهر ما ورد عن العرب في هذا المجال، حتى أنه ورد ذكره في حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ويمكنكم القراءة عنه في هذا الرابط
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/inde…waId&Id=188597

ثم إن في قصص الأولين الواردة في القرآن الكريم، ما يُثري الخيال في هذا المجال، حتى أنني أعتقد بأن فكرة انمي (الهجوم على العمالقة) مستوحاة بشكل ما من قصة يأجوج ومأجوج والسد الذي بناه ذو القرنين!

ولا تنسوا أخبار الاقوام السابقة من عاد (ارم ذات العماد)، وثمود (الذين جابوا الصخر بالواد)، وفرعون (ذو الاوتاد)، وقوم لوط، وآثارهم لا تزال موجودة، اضافة الى الاخبار الواردة عن المسيح الدجال، الخ

المقصود أن هذه الأمور جميعها يمكن الاستفادة منها بطريقة ما، لحبك قصص مانجا تضاهي المانجا اليابانية..

2- رومنسي:
من المتعارف عليه في القصة اليابانية فكرة (المواعدة) كدلالة للاعتراف بالحب بين الطرفين، وبالطبع جميع “الفانز” يكونون في قمة اللهفة لتلك اللحظة بين البطل والبطلة بعد أحداث طويلة!!!
لكن بالطبع هذه الفكرة باختصار شديد، وقبل أن تكون (مخالفة شرعية) هي بحد ذاتها مرفوضة تماما عند المجتمع العربي، وإن كنا نستمتع بمتابعتها في الانمي والمانجا لدرجة أن البعض سيكتب على غرار ذلك..

فما الحل، هل هذا يعني أن الرومانسية لا تكون إلا بتلك الطريقة، فإما أن نرضى بها هكذا وإما أن نبتعد عنها برمتها!!! هذا للأسف ما توصل إليه معظم المؤلفين، فترى بعضهم إن رغبوا بكتابة قصة في هذا الفرع كتبوها في بيئة مختلفة عن بيئتهم وبأسماء أجنبية بالطبع، ولا داعي لذكر باقي التفاصيل!!

علما بأنه يمكننا كتابة أروع القصص الرومانسية التي ستجذب اليابانيين أنفسهم، وبطابع عربي بل وإسلامي أيضا (لا أبالغ مطلقا)

ألم يشتهر العرب بالحب العذري؟؟ ألم تكن افتتاحيات القصائد الكبرى غزلية دائما؟ حتى قصيدة البردة التي أُلقيت أمام الرسول صلى الله عليه وسلم كان مطلعها (بانت سعاد فقلبي اليوم متبول)!!!
هناك العديد من الأفكار التي يمكن اخراجها مع حبكة متقنة، لبناء قصة رومانسية وبطابع عربي 100%
فمن القصص الحقيقية يكفي أن تطلعوا على قصة السيدة زينب رضي الله عنها مع أبو العاص بن الربيع، وأنصحكم بقرائتها من كتاب (سيدات بيت النبوة) لعائشة بنت الشاطئ فأسلوبها في قمة الروعة

أما في الروايات الحديثة، فسأضرب ثلاثة نماذج:
النموذج الأول: رواية للكاتبة الباكستانية المسلمة (عميرة أحمد)، وهي بعنوان (بيير كامل/ القائد المثالي)، توجد منها نسخة انجليزية وقد قامت الأخت المبدعة الصوت الحالم بترجمتها للعربية وهي موجودة في قسم قصص الأعضاء المكتملة في مكسات فجزاها الله خيرا، هي رواية طويلة تبدأ بشكل لا يوحي أبدا بأن قصة حب عميقة ستنسج طياتها بين السطور، أحداثها مفاجئة وغير متوقعة أبدا، وتحبس الانفاس في مواطن كثيرة… (يستحيل أن تجدها في قصة يابانية ولا حتى في أي قصة أجنبية أخرى! ومن يشك بهذا فليقرأ القصة بنفسه)
وفي موقع الـ (جود ريدز) الشهير، يمكنكم الاطلاع على انطباعات القراء بشأن الكتاب
http://www.goodreads.com/book/show/3260388

النموذج الثاني: رواية (في قلبي أنثى عبرية) للدكتورة خولة حمدي، وفيها سلطت الاضواء على مدينتين عربيتين (تونس ولبنان)، مع شعورك بجميع الأجواء العربية المحيطة، حتى المقاومة!
وهناك روايتي التي وضعتها في هذا المنتدى ورغبتُ أن تكون نموذجا معتبرا في هذا التصنيف وهي بعنوان (تركته لأجلك..!!)
إذا قرأتموها فيمكنكم الحكم بأنفسكم بعد ذلك^^

ومن الافكار المقترحة، أن تكون البطلة مثلا فتاة ذات شخصية معينة مخالفة لطبيعة أهلها (حسب ما يراه المؤلف) ولكن أهلها يجبروها على الارتباط بابن عمها مثلا (هذا يحدث في بعض اسر العالم العربي للاسف!) بالطبع تشعر بالضيق بداية وتحاول الاعتراض لكن دون جدوى، ولأن أخلاقها لا تسمح لها بارتكاب أي حماقة لا أخلاقية (مثل الهرب من البيت أو الخروج مع صديق تحبه كما يحدث في القصص الغربية)، فإنها لن تجد حلا سوى القبول، بعد ذلك وطوال فترة الخطبة يمكننا تسليط الضوء على مشاعرها وضيقها من اتصالات خطيبها (ابن عمها) والذي يكون على درجة عالية من نبل الطباع وطيب الأصل، فيتفهم تصرفات خطيبته الجافة دون أن يبدي ذلك لها، وبالطبع دائما ما يقدم لها يد المساعدة ويساعدها على تخطي عقبات مهمة في التعامل مع أهلها خاصة، وتستمر الأحداث، ويمكن للمؤلف في هذه اللحظات كتابة ما يحلو له من المواقف (متابعي المانجا والانمي من الصنف الرومانسي الكوميدي يعرفون كيف تسير الأمور في هذه الحالات، ولكن هنا على الأقل الاثنان بينهما رابط شرعي ومقبول في المجتمع العربي)، في النهاية.. تقع الفتاة بحب خطيبها، يكون ذلك بعد موقف يضطر فيه للسفر في مهمة خاصة جدا وقد تكون خطرة (مثلا يعمل في سلك سياسي أو عسكري أو صحفي)، فتشعر لأول مرة بأنها لا تحتمل البعد عنه!!

بالمناسبة، هذه الفكرة ليست خيالية بل حقيقية، وأعرف شخصيا الفتاة التي تعرضت لمثل هذا
الموقف، والآن هي تحب زوجها بشكل يصل الى حد الجنون!!!! أسأل الله أن يتمم لهم على خير^^

أي أنه باختصار يمكننا الكتابة في هذا الصنف كما نشاء وعلى غرار المانجا اليابانية ببعض التعديلات البسيطة التي تناسب ثقافتنا، كما فعلوا مع (ران وسينشي) في الدبلجة العربية عندما قدموهم لنا على أساس أنهم مخطوبان!!#17#

3- أكشن وقتال:
الكثير من انميات الحروب والاكشن اليابانية (مثل هزيم الرعد) تستمد قصتها من النزاعات التي حصلت في اليابان، والامثلة كثيرة، حتى ناروتو وقبله صراع الجبابرة وصقور الأرض، وغيرهم لا تخلو قصصهم من الاستناد على هذه الاقتباسات التاريخية

وماذا عنا نحن؟؟ لا أظن أن هناك أحد قاتل وحارب أكثر من مقاتلة القبائل العربية لبعضها!!): صحيح أن هذا شيء لا يُفتخر به ولكن على الاقل دعونا نستفيد منه لقصص الاكشن^^
شعر الحماسة والفخر والشجاعة
إذا بلغ الفطام لنا رضيعا… تخر له الجبابر ساجدينا!!
معلقة عمرو بن كلثوم الشهيرة بعد أن قطع رأس عمرو بن هند (الملك)
وستجدون في هذا الرابط نبذة عنه
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%…AB%D9%88%D9%85

ناهيكم عن حرب داحس والغبراء
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AF%…B1%D8%A7%D8%A1

ولا تنسوا فئة”الصعاليك” ومنهم من امتهن الصعلة وجعل منها بطولات كالفروسية ومنهم عروة بن الورد، (يذكرك بروبن هود)، وأشهرالصعاليك تأبط شر الذي اشتهر بسرعته فكان يجري ويصطاد الظباء!! وقد جاء في شعره أيضا ذكر (الغول)
هناك الكثير من القصص التي يمكن اقتباس الأفكار منها وهي لاتعد ولاتحصى، وهذا لا يعني أن لا تضيفوا اليها بعضا من خيالكم وابداعكم(:
ثم لا تنسوا أحداثا مهمة (كلها أكشن) حصلت في تاريخنا العربي، معارك وبطولات وامور قد لا تخطر ببالكم

هل تعرفون من هو أسد عين جالوت؟؟ وماذا عن تلك الشخصيات العظيمة الأخرى في تاريخنا التي أبهرت العالم؟؟؟

لدينا الكثير من المصادر الخصبة، فلا تترددوا بالقراءة عنها
وفي هذا الصدد لا بد لنا من التنويه لقصص الدكتور نبيل فاروق خاصة في سلسلة الرجل الستحيل، فهي مثال للابداع العربي في مجال الجاسوسية والاكشن^^
ولو تأملنا في واقع ما حدث ويحدث في فلسطين في الحقبة الأخيرة لكتبنا آلاف وملايين قصص القتال والمناورات والخطط الحربية#19#

4- تاريخ وغموض:
بداية هل تعرفون أن العرب جميعا من المشرق الى المغرب ينحدرون من أصل واحد، فما هو؟؟ ومن أين جاؤوا؟؟ وكيف انتشروا في البلدان واصبح لكل فئة منهم لهجة مختلفة؟؟؟ تفاصيل مثيرة جدا تصلح لقصص مانجا رهيبة إذا تم اخراجها بشكل مبدع.

مثلا تخيلوا لو أنه التقى بطل القصة وهو من المشرق العربي مع شخص من المغرب العربي، تدور بينهم مشاكل او مشاجرات أو اي شيئ (حسب مزاج المؤلف) ثم تتطور الاحداث ليكتشفا في جزء من الحكاية أن لديهما أصول مشتركة من خلال حادثة لا يتوقعونها.. يكون مثلا الجد السابع للاول هو شقيق الجد السابع للثاني، وهذين الشقيقين (اي الجدين) كل واحد منهما أوصى ذريته أن يحاول البحث عن بقية افراد العائلة، وهكذا تتوارث الاجيال هذه الوصية دون أن يعثروا على أحد(بسبب أحداث معينة يكتبها المؤلف) حتى يأتي هذين الشخصين، بالطبع هذه مجرد فكرة^^!!

المهم أن لدينا في تاريخنا العربي مرتعا خصبا جدا للأفكار سواء في العصور الجاهلية قبل الاسلام (ومنها قصص الملك سيف بن ذي يزن)، او عام الفيل والاحداث الكونية العظيمة التي زامنت مولد الرسول صلى الله عليه وسلم (فقد خمدت نيران (فارس) وغاضت بحيرة (ساوة) وسقطت (شرفات) من قصر ملك الفرس، ونكّست (الأصنام) )

ناهيك عما حدث بعد ذلك في العصور الاموية او العباسية أو عصر الاندلس، والمماليك والفاطميين والعثمانيين…الخ (شيئ خرافي)

هل سمعتم عن الأميرين الصغيرين الذين تم اختطافهما ليباعا في سوق العبيد باسم (قطز وجلنار) وبعد أن تم التفريق بينهما التقيا مجددا في قصة أغرب من الخيال؟؟
هذا رواية تاريخية رائعة أحسن الكاتب علي أحمد باكاثير رحمه الله في التعبير عنها في روايته المذهلة (وا إسلاماه)

بالطبع في تاريخنا الكثير من الأحداث الغامضة التي لا تزال تحتاج إلى تفسير خاصة في الحقبة الأخيرة، ما الذي نعرفه عن المؤامرات السرية، والمنظمات المخفية؟؟

روايات الدكتور منذر قباني، “حكومة الظل”، و”عودة الغائب”، ضربت مثالا رائعا للابداع في هذا المجال، أرجو من الجميع أن يبادروا إلى قراءتها، لن تصدقوا أنكم تقرؤون رواية عربية وبأجواء عربية حديثة بها كل ذلك السحر والغموض والابداع وكأنها من كتابات (دان براون)!!!

بالمناسبة لدينا أفضل وسيلة للتشفير عبر السنين ونقل رسائل من أجيال لأخرى، عن طريق الكتاب الذي لا يبدل ولا يحرف أبدا!!
مثلا تخيلوا لو قام أحدهم بكتابة قصة عن سر غامض خبأه في مكان ما، يريد ابلاغه لأحدهم بطريقة مشفرة، فترك له هذه الرسالة
” ستجدها في الكهف بين السدين، فإذا جمعت الرقمين، كان المفتاح!”
ماذا خطر ببالكم؟؟confused

قد يخطر ببالنا كهف حقيقي علينا البحث فيه وقد تتطور الأحداث في القصة والأبطال يبحثون عن هذا الكهف، ثم وبطريقة ما، يكتشفوا أن المقصود بهذا الكهف هو سورة الكهف عند الاية التي تقع فيها كلمة السدين، فيكون رقم الاية (93) وعند جمعهما 2+9 تكون النتيجة11، وهذا الرقم قد يكون يشير إلى شيء محدد (مثلا صندوق مغلق بنظام الأرقام، أو شيء من هذا القبيل)، على كل حال هذه فكرة سريعة خطرت ببالي أثناء كتابة التقرير، ويمكنكم القياس عليها بما شئتم(؛
فهل مثل هذه الأفكار تجدونها عن اليابانيين؟؟؟ لا أحد في العالم يمتلك كتابا لا يمكن تحريفه سوى نحن إذ لدينا (القرآن الكريم)، والأجمل من ذلك أن القرّاء عندما يتابعون المانجا التي تحوي مثل هذه الالغاز، يستطيعون فتح أي مصحف ليشاركوا أبطال القصة، وهكذا تزيد الاثارة والحماسة^^
اليست هذه هي فرصتنا الذهبية^^

ومن الأمور المهمة في هذه المجال، الحدث الذي رافق سقوط الخلافة العثمانية، وتحول الكتابة من الاحرف العربية الى الأحرف الاعجمية، وقد نشأ عن ذلك وجود مخطوطات باللغة العثمانية (اي لغة تركية مكتوبة بالأحرف العربية)، تحتاج لمتخصصين لقراءتها، خاصة وأن الاتراك الان لا يعرفون القراءة بالعربية!! وقد استخدم هذه الفكرة مؤلف سلسلة المغامرين الثلاثة (عالية وعارف وعامر) في احد قصصه(:

وطبعا لا ننسى التاريخ القديم والذي ورد ذكره في القرآن الكريم، كقصة الطوفان على زمن سيدنا نوح عليه السلام، قصة أصحاب الأخدود (بسم اهسل رب الغلام)، قصة أصحاب الكهف، والتي كتب فيها أحد المؤلفين بابداع رواية (قادم من وراء السنين)، قصص كهذه تثري أفكارنا في كتابة قصص تميزنا عن غيرنا وبجدارة بإذن الله

وقبل الانتهاء من أفكار هذا الصنف، لا بد من الاشارة إلى رواية أجدها قمة الروعة في عرض تاريخ قديم في العصر الفرعوني، وهي رواية (العائش في الحقيقة) لنجيب محفوظ..

5- مغامرات مدرسي وشريحة من الحياة:
هذا أكثر ما يمكننا الكتابة فيه بسهولة، بالطبع سنأخذ بعين الاعتبار أن معظم المدارس في العالم العربي غير مختلطة، فدعونا نتميز عن الانمي الياباني المدرسي بعرض هذه الفكرة والتركيز عليها، يمكننا كتابة الكثير بإذن الله^^

ومن أشهر الأمثلة في هذا المجال، سلسلة المغامرين الخمسة (تختخ وعاطف ولوزة ونوسة ومحب)، للمؤلف محمود سالم، والمغامرين الثلاثة (عارف وعامر وعالية)، و(محسن وهادية وممدوح)، أظنها قدمت نموذجا رائعا، رغم أنها لم تعد متداولة الان كما كانت في السابق..

ولأن رواية (مدرسة الفروسية ) تقريبا تندرج تحت هذا الصنف في أجزائها الاولى، فسأعرض منها بعض النماذج:

هذا مقطع من رواية مدرسة الفروسية، بعد أن وجد بطل القصة نفسه (علاء) في بيت شيخ كبير (الجد سعيد)
https://www.facebook.com/permalink.p…48152108727324

مقطع أثناء أحد الدروس في مدرسة النصر للفروسية
https://www.facebook.com/permalink.p…48152108727324
مقطع بعد فترة الدروس الصباحية في مدرسة النصر للفروسية
https://www.facebook.com/permalink.p…48152108727324
مقطع من حديقة منزل السيد نبيل في أول ليلة من رمضان
https://www.facebook.com/permalink.p…48152108727324
مقطع تحت الشجرة في ساحة مدرسة النصر
https://www.facebook.com/permalink.p…48152108727324
مقطع اثناء التدريب المسرحي في قاعة الدراسة
https://www.facebook.com/permalink.p…48152108727324
مقطع في القاعة المخصصة للدراسة في السكن الداخلي في مدرسة النصر للفروسية
https://www.facebook.com/permalink.p…48152108727324
مقطعين من مدرسة النور للفتيات اثناء فترة الاستراحة
https://www.facebook.com/permalink.p…48152108727324
https://www.facebook.com/permalink.p…48152108727324
مقطع صغير من منزل المعلم نبراس أثناء زيارة علاء لابنه
https://www.facebook.com/permalink.p…48152108727324
مقطع بعد التدريبات الاضافية التي أرهق بها علاء نفسه ليلحق
https://www.facebook.com/madrasset.a…63367613895060
ويمكنكم الاطلاع على المزيد من التفاصيل حول الرواية في صفحة الفيس بوك الخاصة بها
https://www.facebook.com/pages/%D9%8…48152108727324

6- رياضة:
بما أن أشهر لعبة معروفة حتى الان هي كرة القدم، فبإمكاننا استخدامها لحبك قصة مدهشة نسلط الضوء فيها على عالمنا العربي، وفي هذا المجال لدي فكرة سأعرضها على أمل أن تجد من يعمل عليها يوما ما، إن شاء الله..

يعلن اتحاد الكرة العربية تكوين منتخب عربي كحل للوصول إلى كأس العالم، بما أنه حتى هذه اللحظة لم تنجح أي دولة عربية بالحصول عليه، وأخيرا ينجح بإقناع الاتحاد العالمي لكرة القدم والمسؤولين عن اقامة (كأس العالم) بالسماح للدول العربية بالمشاركة كفريق واحد إذا حققوا الشروط،الخ وهكذا يبدأ تكوين الفريق من مختلف الدول العربية، لنعيش أحداث مثيرة مع حياة كل لاعب والذي سنرى من خلاله طبيعة دولته، فهل سينجح تكوين هذا الفريق؟ وهل سيتمكنون من اللعب معا بانسجام؟ وكيف سيتم اختيار اللاعبين وتوزيعهم بين الدفاع والهجوم وحتى الاحتياط؟ وماذا عن اللاعبين الذي تعاني بلدانهم من مشاكل مع جيرانها العرب؟؟ بل ومن أي دولة سيكون الكابتن؟؟ أسئلة كثيرة تجعلنا نتساءل، هل حقا يمكننا تكوين مثل هذا الفريق الذي سيلعب معا بانسجام واتفاق تام وتعاون ليفوز بكأس العالم!!!!#25#
أعتقد أن هذه ستكون فكرة لمانجا رهيبة جدا، لن تجد مثلها عند اليبانيين، فمثلا في الكابتن ماجد كان تكويّن المنتخب الوطني أمرا ليس بتلك الدرجة من الصعوبة، فهم على الأقل جميعهم من بلد واحدة، أما في الكابتن رابح فقد كان تكوين الفريق (فريق الأجنحة حسب الدبلجة العربية) أكثر صعوبة كونهم من بلدان مختلفة، أما في قصتنا المفترضة فالأمور مختلفة تماما وأكثر تعقيدا، ففي الظاهر جميع اللاعبين (عرب) وأمام العالم سينظرون اليهم كأنهم من بلد واحدة، أما في الواقع الذي يعيشونه، فهم يشعرون أنهم من بلدان وثقافات تكاد تكون مختلفة جدا، وهنا تكمن العقدة!!!!#5#
فهل هناك مانجا يابانية لديها مثل هذه الفكرة المعقدة#9#
بالطبع سيكون من الرائع أن يعمل على هذه المانجا أكثر من مانجاكا، ويُفضل أن يكونوا من بلدان مختلفة ليعكس كل واحد منهم صورة بلده بمصداقية وواقعية في شخصية اللاعب الذي ينتمي إلى بلده..
وتخيلوا لو أننا مثلا أضفنا لهذه المانجا فكرة وجود منظمة سرية تسعى لإعاقة تكوين هذا الفريق، فتعمل في الخفاء لبذر بذور الشقاق بين اللاعبين من خلال اثارة نعرات عصبية بينهم، خاصة وأن معظم الدول العربية لديها بعض الحساسية من الدول العربية المجاورة لها مع الأسف!!#8#
الكثير من الأمور والتفاصيل يمكن مناقشتها بهذا الخصوص، علما بأنها مجرد فكرة وسيجد كل واحد منكم مئات الافكار غيرها سواء في كرة القدم أو غيرها من الرياضات.. المهم أن نكتب بثقافتنا نحن^^
ولا تنسوا رياضة سباق الخيل، من الممكن أن نبدع في هذا المجال جدا إن شاء الله^^ لا سيما وأن أفضل الخيول على الاطلاق، هي الخيول العربية الأصيلة، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (الخيل معقود في نواصيها الخير)

7- الخيال العلمي:
أعتقد برأيي أن من أفضل السلاسل في هذا المجال والتي ظهرت بثقافة عربية اسلامية مبهرة، هي سلسلة الخيال العلمي للدكتور حسام العقاد، وقد قرأتُ منها ( الأشعة الحارقة، الاختراع المدمر، القنبلة الجرثومية، الحلقة السوداء، الظل القاتل)، آمل أن يتمكن جميع محبي هذا الصنف (الخيال العلمي) من الاطلاع عليها، فقد كان دمجه لثقافتنا العربية الاسلامية بلب القصة في منتهى الابداع والروعة ما شاء الله، بالنسبة لي لم أقرأ مثله من قبل..

وطبعا لا بد لنا من ذكر سلسلة (ملف المستقبل) للدكتور نبيل فاروق، بصفتها من أشهر قصص الخيال العلمي التي انتشرت في العالم العربي..
كما قرأتُ من سنتين تقريبا رواية تندرج في قسم الخيال العلمي، بعنوان (صيد الثلج) للمؤلف زهير كمال، وفيها أبرز الكاتب ثقافتنا وواقعنا العربي بشكل مذهل (حلم الحاضر.. حقيقة المستقبل)

هذا ما جمعته من أفكار حتى هذا اللحظة، وما هي إلا غيض من فيض، وبأفكاركم ومشاركاتكم، سنبدع معا من أجل موسوعة عربية تكون مرجعا لجميع المانجاكا والمؤلفين العرب إن شاء الله^^

وفي الختام نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله عملا صالحا مقبولا نافعا، ويرزقنا فيه الاخلاص في القول والعمل والنية، ويوفقنا لما يحب ويرضى

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

انا-الهدد-هاديpng

أنا الهدهد هادي

عن القصة:

جميعنا لدينا احلامٌ تراودنا.. سواءٌ أكانت ممكنةً أم مستحيلة..
ترى ما هي أحلام الهدد هادي؟
وكيف لها أن تكون لو تحققت؟!!

قصة درامية خيالية نفسية قصيرة، لاتصلح للأطفال أبدا..!

التصنيف: خيال، دراما، مأساة، نفسي (+16)


السلام عليكم يا أصدقائي..

أنا الهدهد هادي!!

لحظة.. لحظة من فضلكم، لا تتفاجؤا فأنا بالفعل مجرد هدهد، ولا يغرنكم مظهري الحالي وما أنا عليه الان!! أنا بالفعل هدهد وهذا ليس لقبا فقط، إنه أنا قبل أن تحل علي (اللعنة) كما تقولون!!

حسنا.. قد لا تكون هذه بداية جيدة لقصتي، ولكن من يهتم بأمر البدايات في هذه الحالة التي أنا عليها!! ثم إنها قد لا تكون قصة بطبيعة الحال؛ عدّوها مجرد فضفضة لمخلوقٍ كان هدهدا فيما مضى..

لا أذكر متى تم توجيه أول اتهام لي تحديدا، لكنني أظن أن ذلك حدث يوم أن كنتُ هدهدا حقيقيا، إذ اتهمني بعض الهداهد بالتناقض، رغم أنني لا أجد نفسي كذلك أبدا!! كل ما في الأمر أنني كنت أعترض على طريقة أبي في تذكيري مرارا وتكرارا بأن عليّ مراعاة نسبي الأصيل، والتصرف بما يليق به؛ إذ أننا ننحدر من نسل الهدهد الأعظم، هدهد نبي الله سليمان عليه السلام، والذي تعدّ سلالته أشرف سلالة هداهد على الاطلاق، وكنت أرى أن تصديع رأسي بهذا النسب النبيل؛ مجرد هراء لا طائل منه، فمالي ولهذا النسب إن كان سيحدّ من حرية تصرفاتي!! ثم إن ما يحدد قيمة المخلوق حقا؛ هو عمله وليس نسبه!!

وذات مرة، حاول أحد الهداهد السخيفة إحراجي بتعليق سخيف مثله، فأوقفته عند حده، وعرّفته من أكون!!! فأنا الهدد النبيل سليل عائلة الهدهد الأعظم، وعليه احترام تواجده في حضرتي الجليلة!! لقد صرختُ في وجهه قائلا بالحرف الواحد:

– ” أتجرؤ على إهانتي يا حقير الحسب والنسب، وأنا ابن النبلاء الأكارم، من سلالة الهدهد الأعظم!!”

على كل حال، هذه ليست قصتي التي سأرويها لكم، لذا دعونا نعُد إلى البداية، يوم أن كنت هدهدا عاديا، أو كما يقولون في قبيلتنا؛ مولود على فطرة الهداهد، نغدو خماصا، ونعود بطانا، لا همٌ يؤرقنا، ولا كآبة تتملكنا، فلا نحزن على الماضي، ولا نقلق من المستقبل…

يومها كنت أحلق مع أبي في الفضاء الرحب، عندما استرحنا على غصن شجرة، تطل على بستان وارف الظلال، فطرق سمعنا صوت رخيم يرتّل بصوت جميل جدا:

” لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم”

فانتفضتُ انتفاضة عجيبة، وقلت لأبي: لماذا لستُ انسانا!! هذا ليس عدلا!!!

وقبل أن استمع لنصيحة أبي، الذي أمرني بالتروّي والاستماع لبقية الايات، حلّقتُ بجناحي بعيدا، وأنا في ذروة الغضب!! وكل خلية في جسدي تحاول التمرد على طبيعتي الهدهدية، وهي تردد:

 ” لن أبقى هدهدا بعد الآن!!”

ظننتُ أن الانسانية صفة نبيلة، وأسمى غاية يسعى أي مخلوق للوصول إليها!!

آه.. لو أنني فقط استمعتُ لبقية الحديث!!

 حتى (لو) لم أكن اعرفها من قبل، أما الان فقد باتت أكثر الكلمات شيوعا في أحاديثي!!

ولكن هل سيفيدني الندم الآن!!!

كأنكم تسألونني في فضول ما الذي حدث لي بعد ذلك!! وسأخبركم بأغرب حادثة تمر على هدهد في هذا العالم، فبعد أن ابتعدتُ عن أبي متجاهلا نداآته اللحوحة خلفي، أخذت أطير على غير هدى، باهتياج غاضب، دون أن أدري كم مر عليّ من الوقت وأنا على تلك الحالة، حتى شعرتُ بثقل في جناحاي، ولم أعد أستطيع مواصلة الطيران أكثر، فاسترحتُ قرب جدول ماء صغير، شربت من مائه البارد، ثم استلقيتُ على جذع شجرة تُطلّ عليه..

غير أنني لم أشعر بجسدي إلا وهو يهوي على الأرض فجأة، بعد أن انكسر الجذع الغليظ من تحتي!! كان أمرا عجيبا جدا، إذ لم أتخيل في حياتي كلها أن جذعا قد ينكسر تحت ثقل وزني الخفيف!!

لكن الأعجب من ذلك، أنني لم أكد أهم بالنهوض من سقطتي تلك، مرفرفا بجناحاي؛ حتى افتقدتهما!!

 لم يكن هناك أي جناحين، بل وجدت مكانهما ما أصابني بالرعب!!

وأظنكم عرفتم ما قصدت، وهكذا ما أن القيتُ على نفسي نظرة في مياه الجدول الصافي، حتى راعني ما شاهدت!!!

قد تقولون أن هذه كانت أمنيتي، وأنا أوافقكم الرأي، لكن أن يتحقق ذلك فجأة دون سابق إنذار، لأمرٌ يثير الرعب حقا!!

قد لا يهمكم كثيرا ما حدث بعد ذلك، إذ أنني سرعان ما تدبرتُ أمر الملابس، وهذا من عجائب ما حدث معي أيضا، إذ وجدت ثيابا بالية ملقاة قربي، أظن أن أحدهم استغنى عنها، فلم يجد لها مكانا أفضل من القائها قرب الجدول! لا يهمني أمره كائنا من كان، فقد انتقيتُ منها ما يناسب جسدي الجديد، غير أنني لم أكد ارتديها؛ حتى ظهرت لي حافة جرة مليئة بالذهب، مخبأة في التراب، تمكنتُ من تمييز قيمتها فورا بغريزتي الجديدة، التي بدأت تتغلغل في أعماقي، ولأنني حديث عهد بعالم الانسانية الذي انتقلتُ إليه، فقد جعلتُ انسانيتي هي من تقودني، واتخذتُ لي قانونا (انسانيا جدا)، أسير عليه:

ما أرغب بفعله فسأفعله، وما لا أرغب بفعله فلن أفعله!!

كان قانونا مريحا جدا، ورائعا بالنسبة لي في ذلك الوقت، إلا أن أصواتا مزعجة بدأت تنبعث من داخلي، لا أعرف مصدرها، أخذت تخالف رغباتي الانسانية بشدة كلما هممتُ بتنفيذ رغبة، وتحاول منعي من اتباعها، فما كان مني إلا أن قمتُ بوأدها في المهد، حتى لم أعد أسمع لها صدى أبدا بعد ذلك!! مما أشعرني براحة كبيرة، فقد لا تتاح لي فرصة أخرى لأن أكون انسانا، فلمَ لا أعيش التجربة بكل جوانبها الانسانية!!! هذا ما كنت أفكر فيه، وليتني لم أفعل!!

وهكذا.. استسغتُ الفكرة، وبدأتُ بشق طريقي بناء عليها، ولن أثقل عليكم بذكر كافة التفاصيل المملة، يكفيكم أن تعلموا أنني اشتريت قصرا منيفا، يطل على بحيرة رائعة، واستعملتُ فيه الخدم والحشم، ولم أبخل على نفسي بأي شيء؛ لأعيش أكثر حياة منعمة يحلم بها أي انسان! ولكم أن تتخيلوا ما شئتم، مما يمكن أن يفعله شاب وسيم جدا، غني جدا، لديه فراغ بلا حدود! حسنا لا تستغربوا، فقد كنت وسيما حقا في ذلك الوقت، ولا يغرنكم مظهري الحالي كما قلت لكم!!

وذات يوم وبينما كنت أجلس على شاطيء البحيرة، بصحبة صديقاتي الحسناوات (!)، لفتت نظري شابة فاتنة، لم أحلم برؤية من هي بجمالها قط! فتعلّق نظري بها؛ حتى سرحتُ عن أحاديث صديقاتي، التي باتت مملة جدا أمام ذاك الجمال، فما كان من إحداهن إلا أن وكزتني في ذراعي، قائلة بدلال:

– ما لك ولها يا دودي، إنها فتاة مخطوبة!!

بالطبع لا يخفى عليكم أن دودي هو الاسم الذي تناديني به صديقاتي تحبّبا، ولا أخفيكم أن تلك الفتاة قد أسرت لبي، وأوقعتني لأول مرة بما تسمونه (الحب)!! ولم يعد لي هم بعدها؛ سوى تحقيق رغبتي في الحصول على اهتمامها بأي طريقة كانت!

عشت أياما عصيبة، إذ لم أتخيل أن الوصول إلى قلب فتاة يحتاج كل ذلك الجهد!! لقد صدّتني مرارا وتكرارا، متذرّعة بأنها “مخطوبة” وعليّ احترام ذلك! إلا أن رغبتي في الحصول عليها، كانت هي الأهم بالنسبة لي، فهذا هو قانوني الوحيد الذي أعرفه، لذا لم أستسلم، ولجأتُ إلى كافة الوسائل لأخبرها بأن حبي لها ليس له حدود، وأنني مستعد لفعل أي شيء من أجلها! بل إنني أخبرتها بأنها لن تجد من يحبها أكثر مني، ولا حتى خطيبها نفسه! وقد تبين لنا بعد ذلك؛ أننا نتشارك الكثير من الاهتمامات والصفات، ويكفي أنها أجمل فتاة وأنا أوسم شاب، وحسبما سمعت من قصص شهرزاد، فإن بدر البدور؛ لا بد لها من الارتباط بالامير الوسيم، وإلا لن تستقيم الحكاية!

لقد عرفتُ أنها بدأت تحبني، وتميل نحوي، وهذا هو الامر الصحيح، إلا أن قانونها الصارم الذي تتبعه؛ لا يحل لها خيانة خطيبها كما تقول! مما تطلّب مني جهدا مضاعفا لأقنعها بأنه لا قانون أمام الحب، بل إن الحب هو القانون!!

ما حدث بعد ذلك من التفاصيل لا يهم كثيرا، فقد تزوجنا وقضينا أياما جميلة جدا، نرتوي فيها من كأس الحب كما نشاء، ونستمتع بحياتنا دون حدود، نفعل ما نريد، ولا نفعل ما لا نريد، حتى اسنفذنا كافة الملذات التي نتخيلها، ولم يعد هناك جديد يملأ علينا فراغنا، فأصابنا الملل، وبدأت الخلافات تظهر جليا بيننا، لا سيما وأنها أخذت تتحدث عن رغبتها بالانجاب، وأن عليّ مراجعة الطبيب!!

أمور سخيفة حدثت، لكنها أزعجتني جدا، ولم أعد أرى في زوجتي تلك الحسناء الفاتنة، خاصة بعد أن التقيتُ بإحدى الفتيات على الشاطيء، أثناء هجري لقصري، بسبب المدعوّة زوجتي!!

أما تلك الفتاة، فقد كانت رائعة بقوامها الممشوق، فلم أتردد بإطالة النظر إليها، والتحديق في مفاتنها، ولِمَ لا أفعل ذلك ما دامت هذه هي رغبتي!! وهكذا بدأتُ في تكوين صداقة جديدة، أشغلت فراغي، وأنستني همومي، ولم أجد مشكلة في دعوتها إلى قصري، فهناك يمكننا فعل الكثير من الأمور براحة أكثر! فما كان من زوجتي إلا أن ثارت ثائرتها دون مبرر!! مما أفسد الجو عليّ مع صديقتي فخرجت غاضبة، واتهمتني بالمخادع!!

بالطبع لم أكن لأرضى بما حصل، فهذا ضد رغباتي، فما كان مني إلا أن ضربتُ زوجتي، وطردتها من القصر، فقد كان هذا هو أكثر ما أرغب بفعله في ذلك الوقت، ففعلته! إلا أن زوجتي بدأت تسترحمني باسم الحب الذي بيننا، فأخبرتها بأنه لم يعد موجودا في قلبي، ولم تعد لدي الرغبة في الاستمرار معها بأي شكل! فذكرتني بعقد الزواج الذي بيننا، فأخبرتها بأنه لا يعني لي شيئا أبدا، ما دام لا يوافق رغباتي! وعندما أخبرتني بأن التوقيع على ذلك العقد يجبرني على الالتزام به، قمتُ بتمزيقه فورا!! فما كان منها إلا أن اجهشت بالبكاء، وهي تردد بنشيج، حاولتُ تجاهله لأنه يقف عائقا في طريقي:

– لماذا كذبتَ عليّ أيها المنافق!! لقد أخبرتني بأنك تحبني حبا لا حدود له، وأجبرتني على فسخ خطوبتي من أجل الحب!! فأين هو هذا الحب أيها الوغد، ولماذا قمتَ بالتوقيع على عقد الزواج؛ إن كنت لا تريد الالتزام به!! أبعد أن تخليتُ عن كل شيء من أجلك، تتخلى عني بهذه السهولة!!

 لقد اتهمَتني بالكاذب المنافق الوغد، رغم أنني لم أكذب عليها قط، ولم أنافقها أبدا!! ولم أرَ في نفسي أنني وغدٌ على الاطلاق!! عندما شعرت بالحب الكبير لها، قمتُ بما يمليه عليّ هذا الحب، وعندما شعرتُ برغبة في توقيع عقد الزواج والالتزام بمسؤولياته وقّعته، وعندما لم أشعر برغبة في الالتزام بعقد الزواج مزقته! عندما اختفى الحب اختفى معه كل شيء، وهذا هو الامر الطبيعي، فأين المشكلة إذن!!  ثم إنه لا يحق لها إلقاء اللوم عليّ أبدا، فأنا لم أُجبرها على شيء كما تدّعي، كل ما في الأمر أنني أقنعتها، وهي اقتنعت!!!

أعتقد أنني أسهبتُ في الحديث، رغم أنني لا زلت في بداية الحكاية فقط، ولا أظن أن الوقت سيسعفني لأحدثكم بتفاصيل ما حدث بعد ذلك رغم أهميتها، لذا سأسردها عليكم باختصار شديد قدر المستطاع..

بعد أن انفصلتُ عن زوجتي، بدأت تنتابني حالات غريبة من القلق والتوتر والضيق والكآبة، تعرفتُ خلالها على عدد من الأصدقاء والصديقات، وجربتُ الشراب الذي وجدت فيه نشوة تسكرني عما أجد نفسي فيه من الهم، ثم قادتني رغباتي لتجريب كافة الأمور التي تُذهل الانسان عن واقعه، حتى أدمنتها، ثم خسرتُ أموالي جراء ذلك، وكنت بحاجة ماسة للمال، فحصلت عليه بكافة الطرق الممكنة، ثم وقع خلاف حاد بيني وبين أحدهم، مما أشعل الغضب في نفسي وألحّت عليّ الرغبة في قتله فقتلته، وهكذا بدأت حياتي تتخذ مسارا جديدا، حتى وصلتُ إلى هنا كما ترون، في هذه الزنزانة المعتمة، مكبلا بالأصفاد والسلاسل، بسبب عدد لا أذكره من التهم، منها حوادث قتل واغتصاب وسرقة وسطو واعتداءات مختلفة، وأشياء لا يجدر بي ذكرها لفظاعتها، وعدة اتهامات أخرى من هذا القبيل، نسيت معظمها!!

من العجيب أنهم عندما قبضوا عليّ، كنت أراقب هدهدا لفت نظري، بعد أن وقف على غصن شجرة أمامي، كان يشدو لحنا غريبا هز مشاعري على غير العادة.. إنه أبي!! وأظنه قد عرفني!! فقد كان يحاول أن يقول لي شيئا، غير أنهم لم يمهلوني لحظة واحدة، حتى وجدتُ نفسي في هذه الزنزانة!!

أما الأمر الأغرب من ذلك، أنهم أحضروا لي رجلا يُسمعني الموعظة الأخيرة، قبل انتقالي للعالم الآخر كما يقولون، وبالطبع لم أكن لأهتم لأمره، غير أنه بدأ حديثه بترتيلٍ لم يكن غريبا عليّ:

” والعصر* إن الانسان لفي خسر….”

عندها ثارت ثائرتي، فقد عرفته، أنه ذلك الشخص الذي سمعته يتلو تلك الآية ذات مرة!! فما كان مني إلا أن هممتُ بالامساك به من تلابيب ثوبه، لولا تلك الأصفاد التي تكبلني، فصرخت فيه بغضب:

– ألستَ أنت الذي كنت تتلو ” لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم”!!

فنظر إليّ بدهشة، قائلا بهدوء:

– لا أعرف عن ماذا تتكلم، ولكن هذا ليس كلامي، وإنما كلام الله!!

لقد كان وقع لفظ (الله) عميقا في نفسي، فقد تذكرت طبيعتي الهدهدية عندما كنت لا أفتؤ أسبّح بحمده سبحانه! لكنني بطبيعتي الانسانية؛ شعرتُ برغبة في المكابرة، فجادلته بعناد:

– إن كان هذا كلام الله فكيف تفسر التناقض فيه!! أتارة يكون الانسان في خسر، وتارة في أحسن تقويم!!!!

فأجابني بثبات أدهشني، بعد أن ظننتُ أنني أفحمته:

– كلام الله واضح ولا تناقض فيه، لكنك لم تُعطِ نفسك فرصة لسماع تتمة الآيات..

فقاطعته فورا بنفاد صبر:

– وكيف تفسر ما أنا عليه الآن إذن!! أين التقويم الحسن في مظهري؟؟؟

فأجابني بهدوء كعادته:

– هذا لأنك لم تلتزم الشرط!

وتلى عليّ بصوتٍ مؤثر لم أستطع مقاطعته:

” لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم* ثم رددنه أسفل سافلين* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجرٌ غير ممنون”

لقد وقع الكلام عليّ كالصاعقة!! هكذا إذن!! أسفل سافلين!!!هذا يفسّر كل شيء!!

أظن أن هذا ما كان أبي يود إخباري به طوال الوقت!! لو أنني استمعت له، وعلمتُ أن الانسان لن يرتقي إلا إن كان مؤمنا صالحا، لأدركتُ أن الرضا بما قسمه الله لي؛ هو أحد ركائز هذا الايمان!! ولتوقفت عند طبيعتي الهدهدية البسيطة، دون أن أقحم نفسي في هذه الدوامة المعقدة!!

لقد كنت حديث عهد بالانسانية كما قلت لكم،  فلم التزم الشرط، ولم أدخل في الاستثناء، الذي كان بمقدور عقلي معرفة أهميته لو أنني استخدمته!! لم أكن مؤمنا ولم أعمل الصالحات، فلم يكن أمامي سوى مواجهة النتيجة الحتمية لذلك (الخُسر)!! لم أتوقع أن عليكم يا بني الانسان بذل جهد كبير للنجاة!! الأمر لم يكن بالبساطة التي تخيلتها أبدا!! فبالنسبة لنا معشر الهداهد، غرائزنا ورغباتنا لا تقودنا إلى الشقاء والتعاسة أبدا، على عكسكم أنتم، لذا زوّدكم الله بأسلحة العقل والضمير ونداءات الفطرة الملحّة، التي لن تعرفوا معنى السعادة الحقيقية أبدا إن حاولتم تجاهلها!! وهيهات أن تُفلحوا بعد ذلك!! وهنا يكون مناط التكليف، وتكمن عقدة الاختبار، الذي ستكون نتيجته النهائية؛ إما جنةٌ أو نار!!!

يا للسخرية، يبدو أنني أجيد إسداء النصائح كثيرا!!

حسنا لقد جاؤا الان، فأصواتهم تقترب من زنزانتي، يبدو أن ساعة تنفيذ الحكم قد حانت، ولكن لا بأس؛ فلا أظنكم ستحزنون كثيرا لإعدامي، ثم إنني سألقى حتفي على أية حال بإحدى هذه العاهات التي تشوهني، أو الأمراض الكثيرة التي تفتك بجسدي!

لحظة أو لحظتين، وتحين نهايتي البائسة على منصة الاعدام!!! من كان يتخيل هذا!! والحق يُقال، إنه لكرمٌ منهم أن يمنحوني هذه الفرصة لتلبية أمنيتي الأخيرة في رواية قصتي، فقد أخبرتني أمي ذات يوم، أنها وأبي أختارا لي اسم “هادي”؛ لأكون مثل جدي الهدهد الأعظم، الذي اهتدت بسببه مملكة عظيمة، لذا وبالرغم من أنني خسرتُ كل شيء، إلا أن شعوري بأنني قد وفيتُ هذا الاسم حقه ولو لمرة واحدة، كفيلٌ بعزائي!! فاجعلوا من قصتي هذه هداية لكم، فهي آخر ما سيبقى من آثاري!

قد تقولون إنها مجرد قصة خيالية، وقد يبدو الأمر مستحيلا جدا، ولكن هل يهم هذا فعلا!! فحتى أنا؛ قد لا أكون سوى شخصية خيالية نسجتها إحدى المُخيّلات، لكن هذا لا يهمني أيضا، ما يهمني حقا ويلح علي في لحظتي الأخيرة، هو إن كان بإمكان شيء أن يشفع لي، ويرحم روحي المعذبة، فيمنحني فرصة أُحلّق فيها عاليا من جديد، أو أن يكون هذا كله مجرد كابوس سيختفي فجأة عندما أفيق!! أعلم أنها قد لا تكون أكثر من أمنية بعيدة المنال، فأصوات الثائرين في الخارج تخترق أذني، وهم يطالبون بتعجيل عقوبتي انتقاما لحقوقهم كما يقولون!! وإنني إذ أحدثكم بهذا أغبطكم أن لا تزال أمامكم فرصٌ كثيرة، فاغتنموها وتذكّروني.. أنا الهدهد هادي!!!!!!!!

************

(قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم )

احتفال-الهلال-الخاص

احتفال الهلال الخاص

عن القصة:

هل يمكن للشخصيات داخل أوراق المؤلفين أن تتحرر؟!!
موقف ظريف تعيشع فرح..
فما هو سر احتفال الهلال الخاص؟!

قصة قصيرة خفيفة لطيفة، تجمع بين الخيال و الكوميديا، في إطار تربوي ديني.

التصنيف: خيال/ كوميديا

أخذ يدور بالغرفة بتوتر، وهو يحدث نفسه:
– لماذا أفكاري دائما مكررة وسخيفة! متى سأصل لذلك المستوى الرائع، الذي يجعل الجماهير يتوسلون توقيعي!!! أريد قصة من تصنيف محترم.. وفخم!
وبإحباط شديد، ألقى نظرة سريعة على آخر قصة كتبها، لعله يجد فيها ما يرضي طموحه، كالغريق الذي يتشبث بالقشة، ولكن.. لا أمل!!
حدث نفسه بيأس:
– كلا.. ليس هذا ما أريده.. إنها مجرد قصة أطفال لا أكثر!!
وبغيظ وألم؛ كوّر الأوراق بين يديه بشدة، والقاها من الشباك..


**


كانت فرح -ذات السبعة أعوام- تبكي بشدة؛ عندما سقطت على رأسها كومة ورق مكوّرة، قبل أن تستقر على الرصيف، مما جعلها تجفل للحظة، فرفعت رأسها للأعلى، لترى من هو ذلك الذي تجرّأ على قطع بكاءها المقدس! غير أنها فوجئت بسماع صوت غريب قربها.. فتلفتت حولها باحثة عن مصدره؛ فإذا بالأوراق المتكورة تحاول الانبساط بشكل مريب لافت للنظر.. وما هي إلا لحظات معدودة، حتى قفز منها قزم صغير بملابس مزركشة بالأهلّة الصغيرة، وقبعة فضية لامعة على شكل هلال، وبعد أن نفض ملابسه، وعدّل هندامه، أخذ ينظر داخل الورق، وينادي:
– نجم.. هل تسمعني؟ ما الذي تفعله حتى الآن؟!!
فجاءه صوت ضعيف من الداخل:
– إنني أحاول يا هلال.. انتظر قليلاً..
فاستعجله هلال بنبرة لا تخلو من قلق:
– هيا بسرعة اخرج قبل أن تضيع مع عالم ذلك المؤلف، الذي لا يعرف قيمة الأشياء..
لكن نجم صرخ فجأة:
– ناولني يدك بسرعة يا صديقي، لقد علقت قدمي على ما يبدو..
وبكل ما أوتي هلال من قوة، أدخل يده داخل الورق، وشرع يجذب شيئاً ما بشدة، وهو يعض على اسنانه!!
بصعوبة شديدة.. تمكّن أخيرا من إخراج صديقه نجم من داخل الورق، ليقع الاثنان على الأرض وهما يلتقطان أنفاسهما اللاهثة بصعوبة.. لم يكن نجم يختلف كثيرا في مظهره عن هلال، غير أن ملابسه كانت مزركشة بالنجوم الصغيرة، وقبعته على شكل نجمة..
جلست فرح تتابع المشهد بدهشة، حتى نسيت أنها كانت تبكي!
وقبل أن يغيب القزمان عن ناظريها، لحقت بهما بفضول:
– لحظة من فضلكما.. من أنتما؟ وإلى أين انتما ذاهبان؟
فالتفت هلال نحوها، متسائلا:
– ألستِ أنت الفتاة التي كانت تبكي؟
فهزت فرح رأسها بخجل، والدموع تلتمع في عينيها:
– أجل!
فقال لها نجم:
– نحن لا نحب الأطفال المزعجين، فإذا لم يكن لديك سبب وجيه للبكاء فلن نجيب عن سؤالك..
شعرت فرح برغبة شديدة في البكاء من جديد، لكنها مسكت دموعها بصعوبة، لتقول:
– أمي لا تحبني وهي دائما تضربني بلا سبب، لذلك هربت من البيت..
فتبادل الصديقان نظرات ذات معنى، قبل أن يقول هلال:
– لا توجد أم تكره أطفالها وتضربهم بلا سبب، ولكن يبدو أن الشيطان هو من ضحك عليك وأخبرك بهذا..
فرددت فرح بتعجب:
– الشيطان!!! انا لم أقابل شيطانا من قبل!!
فقال لها نجم:
– إنه حولك دائما، ويخبرك بأشياء سيئة ومزعجة، ليجعلك تبكين..
فتلفتت فرح حولها بدهشة، قبل أن تقول:
– أين الشيطان؟ أنا لا أراه!!
فأجابها هلال موضحا:
– هذا لأنك بشريّة.. أما نحن فيمكننا رؤيتهم بسهولة.. ولكن يمكنك الشعور بهم، فإذا خطرت ببالك أفكار سيئة ومزعجة، فلا تصدقيها لأن الشيطان هو من يخبرك بها..
فقالت فرح بغضب:
– هل تعني أن الشيطان يريدني أن أبكي؟؟
فأومأ هلال ونجم برأسهما إيدابا، مما زاد غضب فرح، فقالت:
– أنا لا أحب الشيطان، ولا أريد أن اسمع كلامه، فماذا أفعل؟!
فتهلل وجه هلال، وقال مبتسما:
– أحسنت يا فرح، انت فتاة شجاعة حقا.. كل ما عليك فعله هو أن تستمعي لكلام أمك، ولا تسببي لها المتاعب في المنزل، وأيضا لا تفكري بالهرب مرة أخرى، فهذا يسعد الشيطان كثيراً، ويجعله يضحك بشدة..
فوعدتهما فرح بأن تكون عند حسن ظنهما، قائلة:
– الآن عرفت لماذا غضبت أمي، فلا شك أن الشيطان هو من أوقع الصحون من خزانة المطبخ، حتى تناثر زجاجها على الأرض، عندما صعدتُ فوق حوض غسل الأواني، لأبحث عن علبة الحلوى!
وأيضا تذكرت الآن.. لماذا بكى أخي الصغير، فالشيطان هو الذي قرصه عندما كنت أحاول الاعتناء به!
وأخذت فرح تتابع كلامها بحماسة منقطعة النظير:
– أجل اجل.. تذكرت أشياء كثيرة، لا بد أن الشيطان هو الذي فعلها.. فهو بلا شك من كسر مزهرية جدتي الأثرية عندما مررتُ قربها، وأوقع نظارة أبي على الأرض ليكسر عدستها عندما حملتها، وحطّم الطاولة عندما قفزتُ عليها، وعطّل الهاتف عندما حملته.. وأدخل عين أختي الرضيعة في يدي بينما كنت أراقبها!
وصمتت قليلا لتلتقط أنفاسها، قبل أن تقول:
– يجب أن أعود للبيت بسرعة، لأخبر أمي أن عليها ضرب الشيطان بدلاً مني، فهو سبب المشاكل..
غير أن هلال استوقفهما بتوسل، وهو يحاول تمالك نفسه حتى لا يُغمى عليه:
– لحظة يا فرح.. لحظة أرجوك.. هناك أمر هام يجب أن تفهميه جيدا..
وتابع نجم موضحاً:
– الشيطان ضعيف جداً، ولا يمكنه أن يقوم بكل تلك الأشياء الفظيعة وحده! هو فقط يشجعك على فعل ذلك، وأنت وحدك من قام بها بلا شك!!
ارتسمت الشكوك على وجه فرح، دون أن تحاول فهم ما يقولانه، فليس من السهل أن تتخلى عن فكرة وجود مخلوق آخر، يتحمل عنها مسؤولية تلك الأفعال!! ولكنها سرعان ما وجدت حل وسطي، فقالت بانفعال:
– اليس الشيطان هو من شجعني على تلك الأفعال السيئة كما تقولان؟ إذن يجب أن يأخذ عني نصف العقوبة على الأقل!! هذا ليس عدلاً!!
فطمأنها نجم باسماً:
– لا تقلقي.. فسيتم حبس الشياطين قريباً، عقابا لهم على أفعالهم السيئة طوال السنة!
فهتفت فرح بمرح وأخذت تقفز بسعادة مردد:
– رائع! رائع.. إنهم يستحقون ذلك.. أريد أن أراهم وهم محبوسون.. أريد أن أراهم.. شكلهم مضحك بلا شك..
لكنها استدركت بنبرة قلق عجيبة:
– ألن يكون هناك شياطين بعدها إلى الأبد؟!! ومن سيسبب المشاكل إذن؟؟!!!
فرد هلال بسخرية:
– لا تقلقي من هذه الناحية، ستكون هناك شياطين صغيرة مزعجة تتكفل بالمهمة، وحتى الشياطين الكبيرة لن يتم حبسهم أكثر من شهر، ثم سيستأنفون أعمالهم بعدها بسرعة!
أما نجم؛ فقد حاول أن يكون أكثر لطفا معها، قائلا:
– عليك أن تستثمري هذا الشهر في تقوية دفاعاتك، حتى تكوني مستعدة لمواجهة الشياطين بقوة بعد خروجهم من الحبس..
فقبضت فرح راحة يدها، وضمتها إلى صدرها بقوة:
– لن اسمح لهم بهزيمتي بعد الآن! فأنا أكره الاستسلام!!
ثم ابتسمت بمكر:
– إذا انتصرت عليهم فسأجعلهم يعملون تحت إمرتي..
وانفجرت ضاحكة بشكل هيستيري، فما كان من هلال إلأ أن التفت نحو نجم قائلاً:
– ماذا يا صديقي؟ هل سنتابع طريقنا ونكمل مهمتنا، أم سنعلق هنا للأبد؟!!
عندها تذكرت فرح أمرهما الغريب، فسألتهما بإلحاح:
– إلى أين انتما ذاهبان؟ لم تخبراني عنكما بعد؟!!
فأجابها نجم على أمل الإصلاح:
– نحن ذاهبون لمدينة السعادة، حيث يعيش الأقزام الطيبون، فعلينا أن نستقبل ذلك الشهر، الذي يحبس فيه الشياطين، بشكل لائق….
فما كان من فرح إلا أن توسلت إليهما بشدة:
– أرجوكما.. أريد أن اتي معكما وأراها ولو لمرة واحدة.. تبدو مدينة رائعة..
فأومأ هلال رأسه موافقاً:
– أجل.. إنها مدينة رائعة بالفعل، وتخلو من الأطفال المزعجين..
فأضاف نجم بسرعة:
– سنأخذك إليها إذا أحسنتِ التصرف، ووعدتِ بطاعة أمك وأباك..
فهتفت فرح وهي تقفز بحماسة:
– موافقة موافقة…
فقال لها نجم:
– تمسّكي بأيدينا وأغمضي عينيك..
وما أن نفّذت فرح ذلك الطلب؛ حتى شعرت بنسائم عليلة، ذات رائحة زكية تداعب وجنتيها، فيما تطاير شعرها خلفها، ولم تعد تشعر بالأرض تحت أقدامها.. وكأنها تطير!
وما هي إلا لحظات.. حتى قال نجم:
– لقد وصلنا.. يمكنك فتح عينيك الآن..
لم تصدق فرح عينيها في البداية، فأغلقتهما وفتحتهما تكرارا ومرارا حتى تأكدت مما تراه..
أكواخ جميلة مزركشة، أزهار متنوعة زاهية، أشجار خضراء مثمرة، وأنهار زرقاء صافية، وغيوم بيضاء قطنية، وشمس صفراء مشرقة، والأجمل من هذا كله.. قوس المطر بألوانه السبعة المجتمعة، والبالونات الملونة الطائرة..
فهتفت فرح بفرح:
– هذا رائع جدا.. مدينتكم رائعة.. لقد أحببتها!
فقال نجم:
– اليوم هو يوم الاستعداد لاحتفال الهلال الخاص، بمناسبة شهر حبس الشياطين..
فقالت فرح بحزن:
– ليتني أتمكن من البقاء هنا أكثر!
فرد عليها هلال:
– لا تقلقي.. يمكنك متابعة هذه الاحتفالات في منزلك ومع أهلك..
ووافقه نجم مؤكداً:
– هذا صحيح.. راقبي السماء هذه الليلة جيدا مع والديك وأسرتك، وإذا رأيتم الهلال، فاعلموا أن الشهر جاء..
بدى الرضا على وجه فرح، وشعرت بحماسة شديدة للعودة إلى منزلها وإخبار والديها بقصة احتفال الهلال، حتى يراقبوه معاً، فساعدها هلال ونجم على العودة بسرعة وهم يتمنون لها حياة هانئة سعيدة، بلا مشكلات..


**


وأنتم أصدقائي.. لا تنسوا مراقبة الهلال، فإذا رأيتموه؛ فاعلموا أن احتفالات الهلال الخاص قد بدأت بالفعل في مدينة السعادة، مع هلال ونجم.. وكل عام وأنتم بخير.. ????

***

(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) ) (البقرة)

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعا لما يحب ويرضى، فلا تنسونا من صالح دعائكم، ولكم بالمثل إن شاء الله ^_^

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

شعاع-النور-صفحة-القصة

شعاع النور

عن القصة:

حجبت الغيوم السوداء الكثيفة أشعة الشمس لسنوات طويلة، يحاول فارسان شجاعان إيجاد حلٍ لتلك المشكلة..
ترى ماسبب كل تلك الغيوم؟!

قصة قصيرة من عالم الأساطير الرمزية، بطلها فارسان قررا مواجهة الظلام، الأول يعرف بـ (ناصر الحق) و الثاني يلقب بـ (السباق)..

التصنيف: خيال، مغامرات
بقلم الأستاذة: زينب جلال

جرت أحداث هذه القصة في عالم الأساطير الرمزية في مدينة الظلام تحديدا؛ حيث حجبت الغيوم السوداء الكثيفة أشعة الشمس لسنوات طويلة.

استيقظ أهل المدينة ذات يوم على خبر مفجع، وهرع الجميع إلى الساحة الكبيرة حيث وقف الحاكم معلنا:

–   سيتم إلحاق أقصى أنواع العقوبات بمن حاول تحطيم المصابيح المتبقية لإضاءة المدينة ليغرقها في ظلام دامس، ولن نتهاون في رمي من تسول له نفسه تكرار هذه الفعلة النكراء في وادي النار السحيق.

ورغم القلق الذي استبد بالجميع إلا إنهم انفضوا إلى مزاولة أعمالهم اليومية ولم يبق إلا فارسيين شابين استعر الغضب في نفسيهما مما يحدث في هذه المدينة المظلمة. كانا صديقين حميمين جمعتهما المثل العليا و كرائم الطباع، اشتهر الأول بالسبّاق لأنه ما سمع عن خير قط إلا كان الأسبق إليه، أما الثاني فكان يدعى ناصر الحق وما هذا إلا لقب أيضا وذلك لوقوفه إلى جانب الضعفاء والمظلومين فبات سدا منيعا في وجه من تسول له نفسه الاعتداء على الآخرين.، أما أسماؤهم الحقيقية  فقلة هم من يعرفها، وهكذا العظماء يعرفون بحسن فعالهم لا بلمعان أسمائهم.

زفر السبَاق بضيق:

–   ألا يكفي المدينة ظلامها حتى يأتي من يزيدها منه!!فبالكاد يستطيع ضوء المصابيح الواهنة مواجهة الظلام؛ أفيعقل وجود من يفكر بإغراق نفسه فيه!!!

تنهد ناصر الحق:

–   المجرمون يا صديقي لا يفكرون بهذه الطريقة، فمن ألف قلبه الظلم لم يضره العيش في الظلام، وليس هذا ما يشغلني الآن يا سباق.

–   وهل هناك أكثر من ظلام دامس بات يهددنا والسماء يزداد إظلامها يوما بعد يوم!

–   بل إنني اعني أن هؤلاء الشرذمة من المجرمين ما هم إلا سببا يعجل في إظلام المدينة فحسب، أما الحقيقة المرة فهي أنها ستغرق في الظلام حتما عاجلا أم آجلا. انظر إلى المصابيح؛ إنها واهنة وسيخبو ضوءها بمرور الزمن.

–   وما العمل إذن! أيعقل أن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه الكارثة المروعة، أنترك المجرمين لحال سبيلهم!! مالذي تعنيه يا ناصر الحق؟

–   لا حل سوى البحث عن مصدر نور دائم لا تطوله أيدي المخربين فيزيح هذا الكابوس المريع.

–   كلامك هو الصواب بعينه، ولكن من أين لنا بهذا النور الدائم الذي تتحدث عنه؟ وكيف نبدأ بالبحث عنه؟

–   هذا ما لا اعرفه، و أرى أن نذهب للحكيم نطلب منه النصح والمشورة.

*          *          *

سر الحكيم كثيرا برؤية الفارسين، وبعد أن اخبراه عن سبب مجيئهما ابتسم قائلا:

–   إنكم لتنعشون ذكرى الفرسان الأوائل في مخيلتي، واني لأرى فيكم الأمل الذي سيعيد النور إلى مدينة السلام.

تبادل الفارسان نظرات تساؤل قبل أن يبادر السباق بقوله:

–   تقصد مدينة الظلام!!

أومأ الحكيم برأسه إيجابا:

–   أجل يا بني، هذا اسمها فيما مضى عندما كانت شمس الحق تسطع في سمائها فتنشر الضياء في أركانها نهارا ويعكس نورها وجه القمر ليلا.

تساءل ناصر الحق:

–    ومن أطفأ هذه الشمس الساطعة أيها الحكيم؟

ابتسم الحكيم معلقا:

–   وهل يستطيع أحد إطفاء الشمس أيها الفارس النبيل! إنها مازالت تشع نورا وضياءا في فضائها الرحيب، لكننا نحن من حجبناها عنا بغيوم الظلام الداكنة.

وأغمض الحكيم عينيه  يستذكر قصة قديمة طواها النسيان على مر الزمان..

منذ زمن بعيد عم السلام مدينة السلام ومن السلام جاء اسمها بعد أن وقف الفرسان الأقوياء في وجه التنين الضخم الذي هدد المدن الآمنة وقتل الأبرياء فيها، كانوا سدا منيعا في وجهه برماحهم القوية ودروعهم المتينة وسيوفهم التي قلدت أجسادهم الفتية، فلم يجرؤ على الاقتراب من المدينة او التحليق في سمائها، ثم مضى زمن على هذه الحال إلى أن أمنت المدينة جانب التنين فنسي أمره بل بات ذكره وهم لا يؤبه به. ولم يعد للفرسان دور يذكر ، فلا معنى لحراستهم مدينة آمنة يغمرها السلام فشغلتهم الدنيا ونسوا التنين هم أيضا، أما هو فلم ينسهم، بل كان يرقبهم عن كثب يتحين الفرصة المناسبة للثار من المدينة التي حطمت كبريائه ونجت من سيطرته وسطوه، صبر كثيرا وقد حانت اللحظة المناسبة ليضرب ضربته، فالمدينة عنه غافلة وقد ازداد حجمه وتضاعفت قوته بما فيه الكفاية..

أصبح الناس ذات يوم وقد دب الذعر في قلوبهم وعلا الهرج والمرج بينهم يركضون على غير هدى فها هو التنين يحلق بأجنحته العظيمة في سماء المدينة ناشرا الرعب بشكله المفزع وظهوره المفاجئ، مطلقا السنة اللهب  الحارقة في كل مكان فاشتعلت الحرائق وقتل الكثيرون وعلا الصراخ والعويل دون أن يهب مدافع واحد للتصدي له، في حين أن رمحا واحدا تطلقه ذراع فارس شجاع كفيل بردع التنين عن غيه، فازداد جبروته منتشيا بنصره الساحق حتى إذا ما احكم سيطرته على المدينة بدأ بإملاء شروطه ليرضي غروره ويشبع انتقامه والأخذ بثأره القديم فاتخذ الخدم والعبيد وقدمت له القرابين ينفذ حاكم المدينة أوامره بانصياع تام لا يخالف له طلبا خوفا من غضبه وبطشه.

وجاء اليوم الذي طلب فيه التنين أن تقدم ابنة الحاكم  قربانا له، فجن جنون الحاكم إذ كانت ابنته الوحيدة أغلى ما يملك في الوجود، ورجا التنين متذللا له أقصى درجات التذلل أن يطلب شيئا آخر غير ابنته . كان مشهدا ممتعا للتنين فأسعده، فتغطرس وزمجر ثم نظر وفكر فلم يرض بأقل من عشرة إخوة يقدمون له معا فداء للأميرة ، وعلى الفور أرسل الحاكم جنوده في المدينة يبحثون عن طلب التنين ليساقون بالسلاسل، دون أن يرق قلب الحاكم لتلك الأم المسكينة التي توشك أن تفجع بأولادها العشرة مرة واحدة؛ مادامت ابنته الأميرة المدللة في أمان..

وفي الوقت المحدد ظهر التنين محلقا في سماء المدينة  بشكله المهيب مبتهجا لما سببه من فزع في النفوس وهو يرى القرابين العشرة مصطفة أمامه هدية له، لكنه ما أن اقترب منها حتى ظهرت تلك الأم المظلومة فجأة، مستلة خنجرها، لتقفز بكل قوتها صوب التين. فزع التنين من هول المفاجأة التي لم تخطر بباله قط، وانطلق نحو السماء يتلوى من الم الطعنات المتتالية في حين زاد تشبث الأم به وهي تحاول الوصول إلى قلبه في مشهد مريع اشرأبت إليه الأعناق، حتى تمكنت أخيرا من غرس طعنتها القاتلة في قلب التنين، فصرخ صرخة مجلجلة زلزلت المدينة بأكملها واحترق بنيرانه مخلفا وراءه سحائب الظلام المختلطة برفات أم مظلومة باتت تصب جام غضبها على الظلمة والجبناء. تابع الحكيم كلامه وهو يشهد الأثر العميق الذي تركته تلك القصة في وجوه الفارسين:

– ومنذ ذلك الحين وتلك السحب السوداء المنسوجة بالظلم تحجب شمس الحق عن مدينة السلام لتصبح مدينة الظلام شاهدا على تضحية أم مظلومة إلى يومنا هذا، وهكذا ما ازداد الظلم في المدينة إلا ازداد إظلام السماء وما زلنا نعيش في ظلام إلى ظلام لا ندري منتهاه.

كاد ناصر الحق ينفجر حنقا وغيظا من هول ما سمع، في حين سال السباق:

–   ألا من مخرج لهذا الظلام؟ فهذا ما أتينا من اجله.

تنهد الحكيم:

–   لا حل سوى الحصول على شعاع النور فهو الأمل الوحيد.

تأهب الفارسان بلهفة:

–   وكيف السبيل إلى هذا الشعاع؟ سنبذل جهدنا لإعادة النور إلى المدينة من جديد.

–   إنه يقبع في قمة جبل الزهور الذي ما عاد منه احد ذهب إليه حتى الآن.

تساءل ناصر الحق:

–   أتقصد جبل الصخور!! فهو الجبل الذي لا يجرؤ احد على الاقتراب منه لما يسمع عنه من شائعات.

أومأ الحكيم إيجابا:

– أجل يا بني، لقد كان يعرف بجبل الزهور فقد كان هكذا فيما مضى، أما هذه الصخور فما هي إلا بشر ضلوا السبيل فيه فاستحالوا صخورا لا حياة فيها.

فقال السباق:

–   أتعني أن كل من لم يعد من ذلك الجبل ما هو إلا صخرة فيه الآن!!

–   تماما يا بني، وهنا مكمن الخطر في صعوبة الوصول الى شعاع النور، لقد حاول فرسان قبلكم الذهاب إلى هناك من اجل شعاع النور، لكنهم لم يرجعوا أبدا بل زادوا وعورة الجبل وخطورته بأن أصبحوا صخورا فيه تسد الطريق ويخشى انهيارها في أي لحظة.

قبض السبَاق يده بقوة:

–   لا مفر من مواجهة الخطر؛ إذ لابد من الوصول إلى شعاع النور وإعادة النور إلى المدينة.

أما ناصر الحق فقد سرح فكره في مكان آخر:

–   ألا يمكن لهذه الصخور أن تعود إلى طبيعتها الإنسانية أيها الحكيم؟

ابتسم الحكيم:

–   توقعت منك هذا السؤال يا صاحب القلب الرحيم، فاعلم بأن خلاصهم يكمن في شعاع النور أيضا.

–   إذن لا بد لنا من الحصول على هذا الشعاع مهما كان الثمن.

وأمام الحماس الملتهب في أعين الفارسين قال الحكيم:

–   لذا عليكم الاستماع جيدا لما سأقوله حتى لا يصيبكم ما أصاب من قبلكم فتواجهون المصير نفسه.

أصغى الفارسان بكل اهتمام لكلام الحكيم الذي تابع مشددا:

–   إياكم والثعابين فهي الشر بعينه، واستعينوا بالحمائم البيضاء فهي اعلم بذلك المكان وعجائبه ولكن احذروا الغربان فهي متلونة متحولة وقد تظهر لكم بمظهر الحمائم الوديعة، فإياكم أن تنخدعوا بها.

انقبض صدر ناصر الحق قليلا:

–   ولكن كيف لنا النجاة من حيلها مادامت متلونة متحولة وتمييزها عن الحمائم الحقيقية؟

نظر الحكيم إلى الفارسين متفرسا وهو يقول:

–   انتم فرسان حقيقيون، تملكون قلوبا صافية كالمرآة لا تكذبكم خبرا فعليكم الاستعانة بها، أغمضوا عيونكم وانظروا بقلوبكم فسترون الحقائق كما هي ولن تنخدعوا بالمظاهر الزائفة أبدا، وإياكم أن تكذّبوا قلوبكم من اجل ما تراه عيونكم وإلا فإنها لن تعود قادرة على الرؤية بصفاء.

بدا على الحكيم انه أنهى كلامه، فقال السباق:

–   لم تخبرنا عن شعاع النور، وما علامته؟

فقال الحكيم:

–   إن وصلتم إليه ستعرفونه ولن يخالجكم أدنى شك أنه هو وهذه هي علامته.

نهض الفارسان وهما بالانصراف عندما استوقفهما الحكيم:

–   لن يستحيل عليكم مواجهة المخاطر والعقبات مادامت غايتكم واضحة و ماثلة نصب أعينكم ثم التزمتم بسبل النجاة للوصول إليها.

*          *          *

انطلق الفارسان بعزيمة قوية نحو الجبل فقد بدأت المهمة وقبلا التحدي، رفعا رأسيهما يحاولان رؤية القمة لكن هيهات، فقد حجبتها السحب السوداء. أمسك السباق حبلا متينا ربطه بيده وناول طرفه الآخر لناصر الحق قائلا:

–   سيفيدنا هذا تحسبا لأي خطر يعرض احدنا للسقوط، فالمنحدرات شديدة والحواف ضيقة والصخور تنهار بلا سابق إنذار وعلينا المواجهة معا.

احكم ناصر الحق ربط الحبل على يده وقد وافق صديقه على رأيه، وبعد أن تفحصا مسالك الجبل وطرقه حددا أكثر الأماكن سهولة فيه للانطلاق منها والذي بدا أشبه ما يكون بطريق ممهد، وبحماس شديد وعزيمة وإرادة قوية بدأت رحلة الصعود إلى القمة.

قطع الفارسان شوطا كبيرا وهما في اشد حالات الحذر والترقب حتى أنهكهما التعب ولم يكن لهما بد من اخذ قسطا من الراحة يستردان خلالها عافيتهما، وبعد أن وجدا مكانا ممهدا بين الصخور أسرع ناصر الحق يستلقي على ظهره وهو يلتقط أنفاسه اللاهثة، في حين وضع السَباق الطعام أمامه قائلا:

–   هيا للطعام يا صديقي، فشعوري بالجوع اكبر من شعورك بالتعب.

فابتسم ناصر الحق (مرتكزا على مرفقه):

–   لا مانع لدي من أن تبدأ قبلي فحاجتي للنوم أكثر.

–   سأقاوم جوعي إذن حتى تقوم، فأنت تعلم أنني لا أحب الأكل وحدي.

عندها نهض ناصر الحق:

–   أنت تحرجني بكرمك يا صديقي.

–   كما أحرجتني بتضحيتك.

وضحك الاثنان بمرح وهما يتناولان طعامهما دون أن تغيب مهمتهما الأصلية عن بالهما طرفة عين، حتى إذا ما استردا نشاطهما تابعا السير نحو القمة. لم يعدما الحيلة في تجاوز العقبات؛ تارة يتعاونان في إزاحة الصخور الضخمة عن طريقهما وتارة يستخدمانها سلما يقفزان منها للأعلى فتختصر عليهما مسافة لا بأس بها، وقد حدث أن انزلقت قدم ناصر الحق وهما يحاولان المرور فوق حافة شديدة الضيق لكن سرعان ما تدارك الموقف بمساعدة السبّاق فهما يسيران يدا بيد يربط بينهما حبل متين لا يستهان به. تابع الفارسان طريقهما بسلام إلى أن وجدا نفسيهما أمام صخرة عملاقة يستحيل زحزحتها، ملساء عالية يصعب تسلقها، قال السباق أخيرا:

–   لا مفر أمامنا من العودة إلى الوراء علنا نجد طريقا آخر.

فقال ناصر الحق:

–   لكننا سلكنا أفضل الطرق وقد قطعنا مسافة طويلة حتى وصلنا إلى هنا وان عدنا ضاع وقتنا وربما واجهتنا عقبة اكبر.

–   هذا مجرد احتمال ولا باس من المحاولة فهذا على الأقل أفضل من وقوفنا هنا بلا فائدة وقد مضى يوم كامل لم نحرز خلاله أي تقدم يذكر في مواجهة هذه الأزمة.

ثم رمق الصخرة بنظرة غاضبة وهو يدق عليها بسخط:

–   أيعقل أن تكون هذه الصخرة العنيدة فارسا جاء ليحرر المدينة من ظلامها!! لو علم انه سيكون عقبة في الطريق هكذا لما تمنى الخروج من بيته قط.

لكن ناصر الحق قال وهو يتأمل المكان حوله متفحصا:

–   دعك من إلقاء اللوم على صخرة صماء لا تسمع فهذا لن يفيد الآن وتعال لنفكر في الحل الأمثل..

وبينما هما على تلك الحال، إذ ظهر لهما من بين الصخور ثعبان ضخم أفزعهما بمظهره بداية لكن روح الفرسان القوية سرعان ما قفزت إلى أعينهما لتشع ببريق وهاج ونظرات تحدّ حادة، أفزعت الثعبان نفسه فبدا وديعا على غير طبيعته وهو يبتسم قائلا:

–   رويدكما أيها الصديقان، لقد جئت لمساعدتكما فحسب.

لكن كلام الحكيم وتحذيره الذي مازال نصب أعينهما وقف كالسد المنيع مطلقا لسان السباق بقوة:

–   لم نطلب المساعدة منك أيها الثعبان، وان لم تغرب عن وجهي قطعتك إربا إربا.

لم يكد السبَاق يتم كلامه حتى انكمش الثعبان الضخم فصار حية صغيرة لاذت بالفرار مختبئة في احد الجحور، أمام دهشة الفارسين وعجبهما مما حدث، ثم ابتسم السبَاق:

–   يبدو أن مواجهة الأفاعي هنا أسهل مما توقعت.

فقال ناصر الحق وهو ينظر للأعلى رافعا رأسه نحو القمة:

–   أرجو أن تسير الأمور على هذه الحال، فما هذه إلا البداية فقط وما زال أمامنا مشوار طويل.

رفع السباق رأسه هو الآخر للأعلى متطلعا إلى القمة:

–   معك الحق يا صديقي، فما من فارس وصل القمة وعاد من الجبل حتى الآن.

وكم كانت دهشتهما عظيمة عندما نظرا إلى الصخرة العملاقة فلم يجدا مكانها سوى صخرة صغيرة يسهل تجاوزها.

فقال ناصر الحق:

–   يبدو أن الأمور هنا تسير بصورة عجيبة يصعب تفسيرها.

فأجاب السبَاق:

– المهم أن مشكلتنا حلت وعلينا الإسراع نحو القمة وتعويض ما فاتنا من وقت.

وهكذا تابع الفارسان الطريق من جديد ومضت أيام وأيام والقمة لازالت بعيدة وهم مع ذلك لا تفارق الحماسة عيونهم ولا يتسلل الملل إلى نفوسهم غايتهم العظيمة نصب أعينهم تدفعهم بهمة كبيرة إلى الأمام. وجاء ذلك اليوم الذي حدث فيه انزلاق صخري مهول وهما يسيران فوق حافة ضيقة ملصقين صدورهم وبطونهم بالجبل لئلا تتعثر أقدامهم، فثبتا مكانيهما متشبثين بما يمكن التشبث به بكل قوتهم إلى أن استطاعا بصعوبة تجاوز منطقة الخطر واللجوء إلى كهف صغير للاحتماء به، التقط ناصر الحق أنفاسه بصعوبة:

–   لا اصدق إننا نجونا، فمن الجنون التعرض للخطر بهذه الصورة الصريحة وإلا كنا كمن يسحق آخر أمل للمدينة بيديه.

كان السبَاق لازال يحدق في الصخور المنهارة أمامه من مدخل الكهف:

–   لا مفر من الانتظار هنا ريثما تهدأ هذه الموجة الغاضبة، وأتمنى أن لا يطول انتظارنا.

وفي تلك الأثناء ظهرت أمامهما إوزة بيضاء جميلة ما لبثت أن تهاوت على مدخل الكهف وهي تتأوه ألما وقد بدا جرح عميق في جناحها. هب الفارسان نحوها بسرعة لكن ناصر الحق تذكر فجأة كلام الحكيم فأغمض عينيه ليرى بقلبه وما لبث أن صرخ بفزع:

–   احذر يا سباق، لا تقترب منها إنها مجرد غراب أشعث يلتمع الشر في عينيه، أغمض عينيك وانظر جيدا بقلبك.

انتبه السباق لتحذير صديقه في اللحظة الأخيرة فتسمر مكانه رغم شفقته بالإوزة التي بدأت تستغيث طالبة الماء، وجاهد كي يغمض عينيه والشك يراوده؛ أيعقل أن تكون هذه الإوزة الجريحة غرابا خبيثا!!

أغمض السباق عينيه ليرى أمامه غرابا يبتسم بمكر ودهاء..

فزع السباق من هذا التناقض الرهيب بين ما يراه بعينيه وما يراه قلبه وزادت الشكوك في نفسه ففتح عينيه من جديد ليرى الدم يسيل من الإوزة وهي تنتفض بألم كمن يلفظ النفس الأخير، كان مظهرها مؤثرا حقا وهي تنظر في عينيه بحزن وتوسل:

–   أرجوك، ناولني شربة ماء.

وهم السباق بالتقدم نحوها لولا صراخ ناصر الحق الذي انطلق كالصاعقة على رأسه من جديد فشلّ حركته:

–   لا يا سباق، لا تذهب إليها أرجوك، إنني مازلت أرى غرابا يزداد انتفاخا وغرورا، انه يمكر بك يا صديقي فلا تصدقه.

وأغمض السباق عينيه من جديد، العرق يتصبب منه واستغاثات الإوزة تفطر قلبه، لقد رأى بقلبه غرابا لكنه ليس إلى هذا الحد من السوء الذي يصفه به صديقه، يبدو غرابا وديعا، بل أشبه ما يكون بإوزة بيضاء جميلة!

وفتح السبَاق عينيه مرة أخرى، بدأت الإوزة تهمد إذ خارت قواها وقد سال جرحها دما يغمر الأرض حولها وهي تحشرج بكلمات مخنوقة:

–   الرحـــ…ــمة  .. ماء ..مـ …ــا..ء…أرجـــ..ـو…ك….

لم يتمالك السباق نفسه، فتناول قربته متجها إليها، فقد استغاثت المسكينة به ولن يخذلها أبدا، لكن يد ناصر الحق جذبته جذبة قوية أوقفته مرة أخرى:

–   هل جننت يا صديقي إنني ما أزال انظر إلى هذا الغراب الخبيث الذي يستهزئ بك ويسخر منك، انك تزيده غطرسة وغرورا، إنني أراه جيدا صدقني.

لكن السباق أجابه بحدة:

–   ما هذا الذي تقوله يا ناصر الحق، لقد واجهت هذه الإوزة من انهيار الصخور ما واجهنا فكيف نتركها تموت أمام أعيننا وكل ما تريده شربة ماء!! إنني لأعجب منك يا صاحب القلب الرحيم!!

–   أي رحمة هذه التي تتحدث عنها يا سباق!! إنها في غير موضعها على الإطلاق، انظر بعين قلبك أرجوك ولا تدع المظاهر الزائفة تخدعك. وتابع ناصر الحق بتوسل ورجاء:

–   أنسيت أن شعاع النور هو غايتنا يا صديقي ولا مجال أمامنا لارتكاب الأخطاء!

رق قلب السباق قليلا لكلام صديقه وإلحاحه الشديد وإصراره فأغمض عينيه ولكنه لم يرى هذه المرة سوى إوزة جريحة تنظر إليه بعينين وديعتين! فارتعش جسده وارتعدت أوصاله فهتف:

– أين الرحمة يا ناصر الحق!! إنها إوزة جريحة ولن ادعها تموت أمام عيني.

وقع كلام السباق كالصاعقة على رأس ناصر الحق ودارت الدنيا به فانهارت قواه وهو يتخيل ما قد تجلب عليهما هذه الكارثة من ويلات، لقد تحقق كلام الحكيم في صديقه ولم يعد قلبه صافيا لرؤية الحقائق، ولم يشعر إلا بيد السابق تفلت من قبضته بقوة ليتجه صوب الإوزة، وقبل أن يتمكن ناصر الحق من فعل أي شيء، وفي اللحظة التي لمس فيها السباق الإوزة؛ انقلب إلى صخرة عظيمة سدت مدخل الكهف..

لم تقو قدمي ناصر الحق على حمله؛ وقد ثقلتا بهمه فارتكز على الصخرة يبكي لأول مرة.

 مضى يوم كامل وناصر الحق يبكي صديقه الحميم الذي لم يفارقه لحظة واحدة يتحسس الصخرة بيد مرتعشة، تخنقه العبرات وتكويه الحسرة والألم، فانطلق بمشاعره يحدثه:

–   بالأمس القريب يا صديقي كنت تعجب من صخرة عظيمة كيف لها أن تكون فارسا؛ وها أنت الآن صخرة بل عقبة عظيمة في طريق القمة..

عندها طرق سمعه صوتا من خلفه يقول:

–   و ألست أنت القائل أن لا فائدة من الكلام مع صخرة صماء لا تسمع!!

التفت ناصر الحق خلفه لتقع عيناه على حمامة بيضاء فأسرع يراها بعين قلبه حتى اطمأن لها واستراح، فابتسمت الحمامة:

–   أنت فارس طيب القلب، ولكن؛ هل يبكي الفرسان!!!

أطرق ناصر الحق بصمت، ثم رفع رأسه سائلا:

– من أين جئت أيتها الحمامة؟ وكيف دخلت إلى هذا الكهف المغلق!!

لكن الحمامة أجابته:

– لايهم كيف جئت ومن أين دخلت، لكن المهم حقا هو إلى متى ستبقى على هذه الحال؟ أم تراك نسيت الغاية الحقيقية من مجيئك إلى هذا المكان!!

– لا لم انس. وأطلق زفرة الم طويلة وصورة السباق تلمع أمام عينيه:

– بالأمس كان صديقي عونا لي على اجتياز العقبات أما الآن فقد أصبح عقبة في طريقي عليّ اجتيازها.

ونظر إلى الحمامة متسائلا:

–   فكيف السبيل إلى الخروج من هذا السجن المغلق؛ وهذه الصخرة تسد باب المخرج، و تقف في طريقي نحو القمة وتحقيق الغاية!!!

أجابت الحمامة بهدوء وروية:

–   هذا ما يراه عين حالك، فأنت تحب صديقك ولا تريد التخلي عنه و متابعة المشوار من دونه، في حين أن بكاؤك هنا قربه لن يغير من حاله شيئا أما حصولك على شعاع النور فقد يعيده إلى طبيعته.

عندها تذكر ناصر الحق كلام الحكيم فاشتعل قلبه حماسا بل كأشد ما يشتعل الحماس في القلوب- كيف لا وهو يمني نفسه برؤية صديقه الحميم مرة أخرى- فنهض بعزم جديد وهمة عالية مكفكفا دموعه، سيصل إلى شعاع النور مهما كلفه الأمر ومهما واجه من صعوبات فالمدينة بانتظاره وقبل ذلك.. صديقه الحميم.

لم يكد ناصر الحق ينتهي من خواطره هذه حتى ضمرت الصخرة قليلا منفرجة عن شق يتيح لناصر الحق الخروج منه، فوقف بشموخ قرب الصخرة يطبطب عليها فذرفت من عينه دمعة حملت أسمى معاني الحب والرحمة في قلبه:

–   سأعود إليك حتما يا صديقي، حاملا شعاع النور لنعود به معا إلى مدينتنا.

ثم تلفت ناصر الحق حوله حتى وجد الحبل ملقى على الأرض فتناوله ليلفه حول الصخرة بإحكام والحمامة تنظر إليه بتعجب:

–   ما الذي تنوي فعله !!

ابتسم ناصر الحق وهو يتابع عمله:

–   لن ينقطع الحبل الذي ربطه صديقي بيننا في بداية الرحلة.

–   هل يعني انك ستتابع الطريق نحو القمة وأنت ممسك بطرف الحبل الآخر!!!

أومأ ناصر الحق بالإيجاب فتابعت الحمامة:

–   لكن مدى الحبل قصير، فهل ستقف عند نهايته؟

أجاب ناصر الحق بثقة:

–   بالتأكيد لا، سأتابع الطريق ولن اعدم الحيلة في حفظ الصلة بيني وبين صديقي؛ وان أصبح صخرة صماء.

ثم قطع بعضا من عروق نباتات متسلقة تنمو في الجبل ورفعها أمام ناظري الحمامة قائلا:

–   هذه ستفي بالغرض.

واخذ يصنع منها حبالا متينة ربطها بطرف الحبل ليزيد مداه، فابتسمت الحمامة باطمئنان:

–   لقد ازداد إعجابي بك أيها الفارس الشهم النبيل، لذا سأمنحك هذه البيضات الفضية، إنها صغيرة لكنها مميزة و قوية، و قد تفيدك في طريقك نحو القمة.

تناول ناصر الحق البيوض من الحمامة شاكرا لها صنيعها معه وانطلق نحو القمة من جديد، لا تزيده العقبات إلا إصرارا وثباتا وإقداما فقد أصبح أمامه دافعا آخر وهدفا لن يتنازل عنه أبدا.

مضت أيام وأيام وناصر الحق ماض في طريقه نحو القمة لا تنفك عزيمته ولا تلين إرادته فبات قليلا ما يذكر طعامه، حتى انه هجر راحته فلم يعد يشعر بتعب الطريق وصورة الصخرة أمامه تحثه على متابعة المسير، ولم يعد يستريح إلا عندما يشعر بان الحبل بينه وبين صديقه قد بلغ أقصاه فيقف باحثا عن نباتات جديدة ليزيد مدى الحبل ثم يمضي متابعا طريقه..

ونظر ذات يوم إلى المسافة التي قطعها فإذا به قد ابتعد كثيرا، فحن قلبه إلى صديقه ودمعت عينه لكنه سرعان ما عزى نفسه:

–   انتظرني يا صديقي فلن يطول غيابي ، فما ازددت عنك بعدا إلا لتعود كما كنت فارسا سبّاقا شهما.

سار ناصر الحق أياما طويلة دون أن يأخذ أدنى قسطا من الراحة فأتعب جسده وأرهقه إلى أن وقف أمام منزلق خطر تعلوه حافة ضيقة عليه تجاوزها فحدث نفسه مشجعا:

–   لا بأس سأتجاوز هذه الحافة أولا ثم أستريح .

أحكم ناصر الحق ربط الحبل في يده بعد أن تأكد من طول مداه حتى لا ينقطع أثناء تجاوزه تلك المنطقة الخطرة ثم تابع سيره بحذر شديد، لكنه بدأ يشعر بدوار بعد أن أنهكت قواه، وقد بلغ به التعب أشده فأخذ يحث الخطى ليتجاوز الخطر بسرعة اكبر، وما هي إلا لحظة مفاجئة حتى زلت قدمه عن صخرة لم يتأكد من ثباتها، فانزلق جسده معها لكنه تمكن من التشبث بصخرة أخرى مدببة حالت دون سقوطه في الهوة السحيقة..

ومضى يوم بذل خلاله أقصى ما يستطيع من قوة وجهد للبقاء حتى خارت قواه تماما..

دارت الدنيا بناصر الحق والصور تتوالى أمامه تباعا، بدءا بحياته في المدينة المظلمة برفقة صديقه المخلص السباق وذهابهما إلى الحكيم واللحظات الجميلة التي قضياها معا رغم ما واجهتهم من عقبات إلى أن أصبح صديقه صخرة وعقبة في طريقه عليه تجاوزها..

فهل هذه هي النهاية حقا!! أين هي تلك الآمال العظيمة في إعادة النور إلى المدينة!!! أيكون مصيره ومصير صديقه مثل من كان قبلهم! ألن ينجح أحد في الوصول إلى القمة أبدا!! وتراخت يدا ناصر الحق إذ لم تعودا قادرتين على حمله مع همومه أكثر من ذلك، فأغمض عينيه مطلقا آهات وزفرات كوت قلبه ألما وحسرة..

لقد ضاع كل شئ..

وأفلتت يداه أخيرا لتتركه يهوي في الوادي السحيق..

إلا أن يدا قوية أمسكت به في اللحظة الأخيرة لترفعه بقوة، لم يصدق ناصر الحق عينيه، هل انتقل إلى عالم آخر!! أيعقل هذا، وسرعان ما راوده الشك والارتياب فأغمض عينيه لينظر بعين قلبه.. انه هو!! السبّاق بعينه، وتعانق الصديقان وقد ألجمت الفرحة ناصر الحق فلم يدر ما يقول وان لمع التساؤل في عينيه:

–   ولكن كيف!!!!!

ابتسم السباق:

–   إنها عروق النباتات يا صديقي، فهي لم تكن نباتات عادية على الإطلاق..

لقد نمت العروق باتجاه الصخرة ملتفة حولها حتى إذا لم يبق جزء خاليا منها، عدت إلى طبيعتي كما كنت، وليس هذا فحسب؛ بل إنني شعرت بقوة عجيبة لم اشعر بمثلها قط فتبعت ذلك الحبل الممدود أقطع المسافات الطويلة بسرعة واجتاز العقبات بسهولة، لقد تركت لي طريقا ممهدا خلفك يا صديقي حتى وصلت إليك في اللحظة المناسبة.

تنفس ناصر الحق الصعداء وقد استرد عافيته بسرعة كبيرة:

–   إنني ممتن لك يا صديقي بإنقاذك حياتي.

–   بل أنا المدين لك بنجاتي.

 ثم قبض يده إلى صدره بقوة وهو يلتهب عزيمة وإصرارا:

–  لقد أخطأت بل ارتكبت خطأ فادحا كاد أن يقضي على مستقبل مدينتنا ولكنني سأعوض ما فات ولن أتوانى في الوصول إلى شعاع النور مهما كان الثمن، هذا وعد مني يا ناصر الحق، هذا وعد.

ألهبت كلمات السباق حماس ناصر الحق وأنسته مصابه قبل لحظات، فابتسم بانشراح والسعادة تغمره:

–   انك لأنت السبّاق دوما يا صديقي.

وشد السباق على يد ناصر الحق بقوة وهو يقول:

–   وانك لناصر الحق حقا، فإياك أن تفقد الأمل يوما.

وهكذا تابع الصديقان طريقهما معا نحو القمة من جديد يحذوهما الأمل بعزيمة تشحذ الحديد..

وأخيرا وجدا نفسيهما على مقربة من السحب السوداء التي تحجب قمة الجبل عن الرؤية واشتد عليهما الظلام حلكة وهما يخترقان هذه السحب صاعدين للأعلى، وانقبضت أنفاسهما حتى شعرا بالاختناق لكنهما صبرا وقاوما، ثم استحالت الرؤية تماما فاحكم الفارسان وثاق الحبل بينهما تحسبا لأي خطر مفاجئ وهما يتحسسان الطريق نحو القمة، وبينما هما على هذه الحال إذ ظهر لهما بريق خاطف أثار انتباههما، لكنهما تابعا السير بثبات، ثم ومض البريق مرة أخرى ولمدة أطول فاستطاعا رؤية  بعض ملامح الجبل و طبيعته الوعرة من خلاله، وما لبثا أن سمعا صوتا كأعذب ما يكون من الأصوات:

–   مرحبا بالفرسان الشجعان..

تلفت الفارسان حولهما دون أن يريا شيئا ؛ فقد عاد الظلام حالكا.

جهر ناصر الحق بصوته:

–   من أنت ومن تكون؟

لكنه لم يلق جوابا بل برق الوميض من جديد مظهرا لهما حديقة غناء لم يحلما برؤية مثلها من قبل، كانت المرة الأولى التي يريان فيها ألوان الخضرة تحت أنوار بيضاء هادئة مبهجة عاكسة شتى الألوان، بعد أن عاشا في الظلام الذي تتسلل فيه أضواء باهتة لا تفي بالرؤية الجيدة، وقبل أن يهم الفارسان بإغلاق أعينهما ليتمكنا من رؤية حقيقة الأمر بقلبيهما ، خاصة وأنهما باتا حذرين أكثر من أي وقت مضى، اختفى البريق فجأة كما ظهر فجأة وحل الظلام من جديد فلم يريا شيئا.

قال ناصر الحق:

–   أتراه يكون شعاع النور!!

لكن السباق بدا مرتابا أكثر:

–   لو أنه شعاع النور حقا لما شككنا في أمره، ولعرفناه على الفور، هكذا قال الحكيم.

–   إذن دعنا نكمل طريقنا.

لكن الصوت العذب ظهر مرة أخرى:

–   على رسلكما أيها الفارسان، فقد بذلتما جهدا لايستهان به ولم يبذله أحد قبلكما، وأنتما بحق تستحقان مكافأة عظيمة تليق بالعظماء أمثالكم، فأهلا بكما في حديقة السعادة الأبدية.

شعر الفارسان بانجذاب شديد نحو ذلك الصوت، و ظهرت الحديقة كأبهى ما يكون،لكن مرة أخرى قبل أن يهما بإغماض أعينهما ليرياها بقلبيهما حل الظلام من جديد. عندها قال السباق بحزم وقد بدا غير قادر على تحمل ارتكاب أدنى خطأ جديد:

–   لقد أصبحت الأمور واضحة الآن؛ فلو كان في هذه الحديقة خيرا لتركتنا نراها بقلوبنا.

ثم رفع صوته مؤكدا بتحد:

–   ما جئنا هنا إلا للحصول على شعاع النور، لا لقضاء حياتنا في حديقة جميلة لا نأمن على أنفسنا منها ولن يضرنا تجاوزها على أي حال.

ورفع ناصر الحق رأسه عاليا مؤكدا كلام السباق وهو يشد على يديه في عزيمة وإصرار:

–   هيا لنتابع الطريق نحو القمة يا صديقي فلا مجال لإضاعة الوقت أكثر، وقد أضعناه هنا بما فيه الكفاية.

لم يكد ناصر الحق يتم عبارته حتى انطلق الصوت العذب من جديد بل وبأكثر عذوبة ورقة من أي وقت مضى:

–   أنا الحسناء الزاهية..

      قطوفي منكم دانية..

     مياهي دوما جارية..

وإذ ذاك عادت تلك القوة الخفية لتجذبهما نحوها من جديد ولكن بأضعاف ما كانت عليه أول مرة، وبدأ الفارسان ينجذبان فعلا لتلك القوة الهائلة وهما يقاومانها بأقصى ما لديهما من طاقة حتى كاد قلبيهما أن ينخلعا من جسديهما، ولم يحتمل السبّاق أكثر؛ فنادى بشدة:

–   أرجوك يا ناصر الحق افعل شيئا، لم أعد احتمل المقاومة أكثر فحاول أنت فعل أي شئ؛ فقلبك لم يفقد صفاؤه أبدا حتى الآن.

كان ناصر الحق يقاوم ذلك الانجذاب الخفي هو الآخر وهو يحاول التركيز رغم فكره المشوش:

–   من أين تجذبنا هذه القوة يا ترى!!

في حين اخذ السباق يصرخ بكل قوته:

– كلا، ليس مرة أخرى، لابد من إعادة النور إلى المدينة ولن يضيع عمري هنا..

وأخيرا هتف ناصر الحق وقد تذكر منحة الحمامة:

–   خذ هاتين البيضتين يا سباق وأغلق بهما أذنيك، فان تلك القوة تجذبنا بأسماعنا.

وما أن أغلق الاثنان آذانهما بالبيوض الفضية الصغيرة حتى زالت عنهما تلك الجذبة الهائلة، ليسمعا بعقليهما صوتا كريها نشازا كأبغض ما يكون من الأصوات:

–   سأحطم عالي الهمة..

      فسأغرقه بالظلمة..

      وسينسى أين القمة..

استعر الغضب في قلبي الفارسين، وزاد إصرارهما على متابعة الطريق نحو القمة وتجاوز العقبات في عزم أكيد وتصميم لا حد له لبلوغ الهدف. تجنبا مواطن الشبهات، يكتفون بما يرونه بقلوبهم ويسمعونه بعقولهم، فليس من الحكمة أن يدعا جانب الحيطة والحذر أو يأمنا على نفسيهما من أي خطر، وقد أوشكا الوصول إلى القمة.

وما هي إلا أن هبت عليهما ريح قوية كادت أن تقتلعهم من أماكنهم فتمسكوا بكل ما يمكنهم تثبيت أنفسهم به يشد بعضهم بعضا وهم مع ذلك يتابعون الصعود إلى القمة بهمة عالية، حتى هدأت الريح أخيرا كاشفة معها سحب الظلام ليجد الفارسان نفسيهما فوق ارض منبسطة يغمرها النور، وبصعوبة استطاعا التأقلم عليه بعد أن اعتادت عيونهم الظلمة لوقت طويل..

أغمضا أعينهما وفتحاها مرات عديدة يرون بعيونهم وقلوبهم النور الذي لا ريب فيه ولا بهتان، فلم يزدد النور الذي يرونه بعيونهم إلا نورا في قلوبهم، وتكلم ناصر الحق بتؤدة:

–   لقد وصلنا يا صديقي! انه النور الذي طالما حلمنا برؤيته.

ودمعت عينا السباق:

–   أجل ، لقد وصلنا يا صديقي.. لقد وصلنا أخيرا..

وإذ ذاك انطلق صوت ندي تردد صداه في المكان:

–   نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء.

سرت قشعريرة عارمة في جسد الفارسين وطمأنينة لا حد لها تغمرهم في الوقت نفسه، فالتفتا إلى مصدر الصوت، فإذا بهدهد لم يريا مثل حسنه من قبل يحييهما باسما:

–   أهلا بمن سمت أرواحهم عن الظلمة، فعلت أجسادهم إلى القمة.

قال ناصر الحق:

–   جئنا باحثين عن شعاع النور، فقد علمنا أن فيه النجاة والسرور، فهلا أرشدتنا إلى مكانه أيها الهدهد الوقور؟

علت السكينة وجه الهدهد وتحلى بابتسامة مشرقة زادته حسنا وبهاء وهو يقول:

–   الله نور السماوات والأرض

اقشعرت جلود الفارسين أكثر من ذي قبل وجثيا على ركبتيهما في خشوع والكلمات تتغلغل في أعماق نفوسهم السحيقة تهز كيانهما هزا: (الله نور السماوات والأرض)

وتابع الهدهد حديثه:

–   لقد أظلمت السماء بالظلم والكفر والطغيان، ظلمات بعضها فوق بعض، وتحجرت القلوب بالجحود والحقد والعصيان فهي كالحجارة أو اشد قسوة، فكم من قلب مظلم علم أن الله هو النور فما استنار بنوره! وكم من نفس ذليلة علمت أن الله هو المعز العزيز فخضعت لمن هو دونه!! وكم من عقل حائر تائه علم أن الله هو الهادي فما اهتدى بهديه!!!

كانت هذه هي المرة الأولى التي يشعر فيها الفارسان بكل هذه المعاني العظيمة، فسالت دموعهم وزاد خشوع قلوبهم وسجدت جباههم لله الواحد القهار..

وصمت الهدهد قبل أن يقول:

–   ارفعا رأسيكما وانظرا إلى أيديكما الآن..

وكم كانت دهشة الفارسين عظيمة عندما وجد كل واحد منهما في يده شعاع من نور يزيد المكان نورا على نوره ..

قال الهدهد:

–   إن شعاع النور الذي في أيديكم ما هو إلا جذوة الإيمان الصادقة في قلوبكم، فاحرصوا عليها متقدة؛ تنيرون به أنفسكم ومن حولكم..

لم يصدق الفارسان بداية أنهما حصلا على شعاع النور أخيرا، بل وأدركا حقيقته العظيمة التي ما كانت لتخطر ببالهم قط، والأهم من هذا كله أنهم عرفوا السبيل  إلى الحفاظ عليه حتى لا يعودوا إلى الظلام أبدا..

وعادا إلى المدينة يحملان شعاع النور، فلا يمران بصخرة فيمسانها به إلا وعادت إنسانا ينبض قلبه بالحياة، فنمت الزهور من جديد بعد أن سحقتها الصخور المتحجرة..

ووصلا المدينة في موكب مهيب ينشران النور حولهما حتى انقشع الظلام وعاد السلام فعاشت المدينة بسلام ما دامت جذوة الإيمان متقدة فيها.

( أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ، كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون)

*          *          *

وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين