مدرسة الفروسية – الفصل الخامس (حدود)


عن السلسلة

في عصر الانقسامات والحروب، تناضل مدرسة الفروسية لإنشاء جيل من القادة الأكفّاء. ينضم علاء للمدرسة بعد مأساة دامية مر بها، ونعيش معه طريقه لاستعادة مجد أمته الضائع.

تأليف: زينب جلال و محمد نجيب
رسم: رشا عبد الفتّاح و مصطفى كيوبي

التصنيف: تاريخي، درامي، فانتازيا.


قد يهمّك: “مدرسة الفروسية – مشروع حياة”

ثورة الأطفال – الفصل الرابع


عن السلسلة

عندما يغيب البالغون ويملك الأطفال زمام الأمور في المدينة، تختلط الرغبات الطفولية مع حس المسؤولية وتصبح المدينة مسرحاً لحرب عصابات الأطفال.

تأليف: محمد نجيب
رسم: أكيرا عبد الرحمن
تلوين: توتا كوكو

التصنيف : مغامرات، غموض، درامي.


اغتيال التاريخ -الفصل الثالث (دورك لتعرفي التاريخ الصحيح)


عن سلسلة “اغتيال التاريخ”

ترى هدى حلماً سريالياً يتبعه بعض الومضات الغريبة في الواقع، بينما يتعرض التاريخ العالمي للتشويه ويتأثر الوعي البشري بذلك التغيير، فيصبح العالم مختلفاً.

تقف هدى في صف الرافضين لهذه الأحداث.

هل لذلك الحلم علاقة بالأمر؟ كيف يتغير العالم بتغير التاريخ وما تداعيات ذلك؟ وكيف ستتصرف هدى؟!

تأليف: زينب جلال، محمد نجيب، محمد قمر
رسم: وائل سراج الدين
تلوين وتصميم: نور عمر

تصنيف القصة: خيال علمي، أكشن، درامي، غموض.



قد يهمّك: “نافذة إلى كواليس اغتيال التاريخ: رحلة النجيب في العالم العجيب.”


المؤمن القوي 0

المؤمن القوي – ون شوت (على ثغرة)


عن السلسلة

“محمد” مدربٌ شاب، يفتتح مركزا للفنون القتالية، اطلق عليه اسم “المؤمن القوي”، ليكون أشبه بمدرسة تربوية مرشدة للفتية والناشئين، نحو السبيل القويم..

ومن هنا جاء اسم السلسلة؛ والتي ترافقون فيها بطلنا في مسيرته، من خلال قصص متنوعة، يواجه فيها مواقف مختلفة، افتتحناها بون شوت:”اليتيم”!

تأليف: زينب جلال
رسم: أكيرا عبد الرحمن
الشعار: نور عمر
تصميم الغلاف: ضياء ساما

التصنيف: دراما، مغامرات، أكشن

*ملاحظة: أول ظهور لشخصية البطل “محمد” كان في قصة “الرجل العظيم”

يمكنكم قرائتها عبر الرابط التالي:

https://nebrasmangaka.com/2023/06/the-great-man


المؤمن القوي – ون شوت (يتيم)


عن السلسلة

“محمد” مدربٌ شاب، يفتتح مركزا للفنون القتالية، اطلق عليه اسم “المؤمن القوي”، ليكون أشبه بمدرسة تربوية مرشدة للفتية والناشئين، نحو السبيل القويم..

ومن هنا جاء اسم السلسلة؛ والتي ترافقون فيها بطلنا في مسيرته، من خلال قصص متنوعة، يواجه فيها مواقف مختلفة، افتتحناها بون شوت:”اليتيم”!

تأليف: زينب جلال
رسم: أكيرا عبد الرحمن
تحبير وإخراج: أحمد الهمالي
رسم الغلاف والشعار: نور عمر

التصنيف: دراما، مغامرات، أكشن

*ملاحظة: أول ظهور لشخصية البطل “محمد” كان في قصة “الرجل العظيم”

يمكنكم قرائتها عبر الرابط التالي:

https://nebrasmangaka.com/2023/06/the-great-man


مدرسة الفروسية – الفصل الرابع (الفراق)


عن السلسلة

في عصر الانقسامات والحروب، تناضل مدرسة الفروسية لإنشاء جيل من القادة الأكفّاء. ينضم علاء للمدرسة بعد مأساة دامية مر بها، ونعيش معه طريقه لاستعادة مجد أمته الضائع.

تأليف: زينب جلال و محمد نجيب
رسم: رشا عبد الفتّاح و مصطفى كيوبي

التصنيف: تاريخي، درامي، فانتازيا.


قد يهمّك: “مدرسة الفروسية – مشروع حياة”

تركته لأجلك! – الحلقة 42

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

لم يخفَ على سوسن، أثناء مرافقتها لبهجة نحو المنزل، ملاحظة الألم الكبير المرتسم على وجهها، والمتناغم مع صوتها، مما أشعرها بضرورة مواساتها بدلا من انتظار المواساة لحالتها هي! فقالت لها بلطف:
– أرجوك عزيزتي، إنني بخير ولا داعي لهذا كله!!
غير أن بهجة التي لم تستطع حبس دمعات نفرت من عينيها:
– لا أستطيع مسامحة نفسي أبدا، فقد كان عليّ إخبارك منذ البداية بتحصين نفسك جيدا، لا شك أنها عين حاسدة أصابتك..
فنظرت إليها سوسن بابتسامة رقيقة، ولم تقل شيئا، فيما تنهدت في أعماق نفسها بألم:
– يا لطيبتك يا بهجة!! أبعد كل ذلك السفور الذي لا يُرضي الله حتما، تقولين أنها “عين”!! حتى لو كانت عين؛ كنت سأستحقها وبجدارة!!
وأمام صمتها تابعت بهجة:
– ربما في طبقتكم الراقية، لا تؤمنون بهذا الكلام، ولكن العين حق! وقد ورد هذا عن الرسول صلى الله عليه وسلم..
فأجابتها سوسن:
– أنا لم أنكر ذلك، ولكن العين لا تصيب إلا بأمر الله، وقد كنتُ أستحقها بلا أدنى شك، فلا تجامليني أرجوك.. لقد حاولتُ الخروج إلى الحفلة دون أن تريني، حتى لا تنصدمي بمظهري بعد حديثنا ذاك.. لقد انتقم الله مني حتما..
واختنقت الحروف في حلقها، فانفجرت باكية بنشيج أليم، فما كان من بهجة إلا أن ضمتها إليها وهي تربت على كتفها بحنان:
– إن الله يحبك يا عزيزتي، ويريد لك الخير بالتأكيد..
وصمتت قبل أن تتابع:
– العين حق وكل ذي نعمة محسود، لذا عليك بتحصين نفسك دائما..
ولم تشأ سوسن الدخول في جدل معها أكثر، إذ كانت متيقنة تماما من أنها الشخص الوحيد الملوم في هذا كله، بل كانت ترى أن من العيب في حقها؛ إلصاق ما أصابها على “العين”!!
أما بهجة فقد تابعت كلامها موضحة:
– أذكار الصباح والمساء هامة جدا، على الأقل داومي على الفاتحة وآية الكرسي، وسورة الاخلاص والمعوذتين، ولا تنسي قراءة خواتيم سورة البقرة (آمن الرسول..) كل ليلة، فهي ستكفيك من كل شيء بإذن الله، وإن دخلتِ مكانا فقولي (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)، و(بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم)..
وانتبهت بهجة لنفسها فجأة قبل أن تقول مستدركة:
– المعذرة.. لقد أخذتني الحماسة وأنا أسرد عليك كل ذلك دفعة واحدة!!
فأجابتها سوسن وقد بدا أنها هدأت تماما:
– جزاك الله خيرا، فسأحفظها بالتأكيد إن شاء الله، بل إنني قد بدأت بحفظ بعض الآيات فعلا..
غير أن بهجة أخذت تبحث في جيوبها قائلة:
– أظن أنني أحمل بطاقة أذكار في جيبي.. انتظري لحظة، سأرى إن تركتها في المطبخ..
ما هي إلا لحظة أو لحظتين حتى عادت بهجة وفي يدها البطاقة:
– احتفظي بها، وحاولي الحفاظ على الأذكار دائما فهي حصن منيع بإذن الله يا ابنتي، حفظك الله..
فتناولتها منها سوسن شاكرة:
– جزاك الله خيرا…
واستدركت فجأة:
– كيف حال ابنتك؟
فتنهدت بهجة:
– آمل أن تكون بخير بعد أن تركت ذلك العمل، رغم انها أصبحت تعاني من اكتئاب واضح في الفترة الأخيرة… إنها فتاة مراهقة وعنيدة بالفعل.. لقد أفهمتها مرارا وتكرارا أن ذلك الشخص ما كان ليناسبها أو يسعدها أبدا، غير أنها لا تريد أن تفهم!! ولا زالت تفكر فيه!!! هداها الله.. لساني لا ينفك عن الدعاء لها ليلا ونهارا..
فزفرت سوسن بأسى:
– إنه الحب…
وإذ ذاك تذكرت كلمات نور:
” الحب جندي من جنود الله .. والله لا يحاسبنا على مشاعر لا حيلة لنا بها، وإنما يؤاخذنا على تصرفاتنا وردود أفعالنا التي منحنا فيها حرية الاختيار..”

***

أسرعت نور نحو مقبس الكهرباء لتشحن بطارية هاتفها، فور دخولها غرفة فندق المطار، والتي ستقضي فيها هي وعامر ليلتهما تلك، بعد أن أعلنت شركة الطيران تأجيل الرحلة إلى صباح اليوم التالي..
وبعد أن وضع عامر حقيبة يده الطبية قرب السرير؛ التفت إليها قائلا:
– ما رأيك بعشاء فاخر في مطعم الفندق؟ إنهم يقدمون مأكولات بحرية بطريقة مميزة حسبما قرأت..
غير أن نور- التي انشغل فكرها تماما بأمر سوسن- أجابته بعفوية، وهي تقوم بإعادة تشغيل هاتفها:
– يمكنك الذهاب وحدك إن أردت، فلستُ جائعــ….
لكنها بترت عبارتها مستدركة، وهي تضع الهاتف من يدها:
– شكرا لك.. يبدو عرضا مغريا..
فرمقها عامر بنظرات متفحصة، قبل أن يقول:
– ترغبين بمتابعة حديثك مع صديقتك.. أليس كذلك؟
شعرت نور برجفة خفيفة في جسدها إثر ملاحظته تلك، إذ ليس من الحكمة أن تُظهر ذلك لزوجها، وبكل ذلك الوضوح! فله عليها حق أيضا، ولا شك أنه كان يرغب بمرافقتها، ولم يكن يقصد الطعام بحد ذاته! ولكن ماذا عساها أن تفعل مع قلقها ذاك على سوسن!!
وقبل أن تفكر بطريقة مناسبة لإجابة عامر، بادرها بقوله:
– على كل حال لم يكن صوتك خافتا بما فيه الكفاية، وقد سمعتك تتحدثين عن الحب! فهل أنت واثقة من حسن تعاملك معه؟؟
فاحمرت وجنتا نور حياء- إنه اتهام صريح، فلا شك أنها برأيه آخر من يحق له الكلام في موضوع كهذا!!- فقالت مبررة لموقفها:
– لقد قلت لك إنها فكرة رائعة، فالعرض مغري فعلا!
فابتسم عامر:
– حسنا.. لا داعي لكل هذه المجاملات، فأنت تعرفين أنني لستُ جائعا أيضا، وكل ما في الأمر أنني ظننتها فكرة جميلة لنخرج معا، ولكن بما أنك ترغبين بالحديث مع صديقتك قبل أن نسافر إلى كوكب آخر…
فقاطعته نور بانفعال واضح:
– هذا يكفي أرجوك، فأنت تشعرني بالذنب بكلامك هذا، وسأرافقك إلى أي مكان تريده شئتَ أم أبيتَ…
فأفلتت ضحكة صغيرة من عامر قبل أن يقول:
– هل تقولين هذا من أعماق قلبك، أم لتبرئة ذمتك وحسب؟!!!
وقبل أن يفسح المجال لنور، تابع بلهجة أكثر جدية:
– لا عليك يا عزيزتي فقد أعفيتك، ولكن أخبري صديقتك أن الحب الحقيقي الدائم لا يمكن استمراره بغير “التقوى”.. فالخلة أعلى مراتب المحبة، ومع ذلك إن لم يتحلى الأخلاء بالتقوى، فسينقلب هذا إلى عداوة بلا شك، آجلا أم عاجلا، كما بين الله سبحانه وتعالى في قوله: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين)
وأضاف وهو يرمقها بنظرات ذات معنى:
– لذا.. في ظل شريعتنا، عندما يبحث الرجل الصالح التقي عن الزوجة الصالحة التقية، لا يبحث عنها لتكون شريكته في دنياه حتى مماته وحسب، بل ولتكون شريكته في الجنة إلى الأبد بإذن الله.. هذا هو الحب الحقيقي كما أفهمه..
سرت قشعريرة في جسد نور لسماع ذلك، فرددت بتأثر:
– اللهم اجعلنا من المتقين..
وإذ ذاك فاجأها عامر بقوله:
– من هذا المنطلق يا زوجتي العزيزة، قررتُ التنازل عن الوقت الذي كنت أنوي قضاءه معك، احتسابا لله، لعل كلامك مع صديقتك يكون سببا في…
وصمت قليلا قبل أن يتابع بابتسامة مرحة:
– زيادة حبك لي..
فتوردت وجنتا نور، وهي ترد عليه بابتسامة مماثلة:
– في هذه الحالة لن أنسى معروفك هذا أبدا، وسأعوضك عنه حتما..
فنظر إليها عامر:
– أهذا هو ردك! تعوضينني فقط!! بماذا؟؟؟
فأجابته نور:
– بالخروج في وقت آخر طبعا!
فضحك عامر بملء فيه معلقا:
– وكأنك لستِ من أصرّ قبل قليل على الخروج معي الآن شئتُ أم أبيت!!
عندها ردت عليه نور بانفعالها المعهود:
– كنت أظنك جادا في كلامك عن التنازل أيها الطبيب المحترم!!
غير أن عامر أجابها بلهجة لا تخلو من جدية:
– بالطبع جاد تماما، لكنني أحببت ممازحتك قليلا!! ثم إن طبيعة مهنتي تحتم عليّ مراعاة ظروف الآخرين، وسلامتهم النفسية، ولا شك أن صديقتك بحاجة للحديث معك الآن، فلا تتأخري عليها أكثر..
واستطرد بابتسامة مُحبة:
– أما التعويض.. فيكفيني أن تتذكري أمر اللوحة..
همّت نور بسؤاله عن أي لوحة يتحدث؛ لكنها أمسكت لسانها في اللحظة الأخيرة، وقد تذكرت موضوعها الذي يُفترض أن لا تنساه أبدا!! فاكتفت بابتسامة واثقة:
– بالتأكيد.. إن شاء الله..
فأردف عامر وهو يهم بالخروج من الغرفة:
– سأقوم ببعض الأبحاث على الشبكة، في قاعة الحاسبات…
وغمزها متابعا:
– يمكنك التحدث على راحتك الآن.. وفقك الله..
فابتسمت له نور بامتنان شديد:
– جزاك الله خيرا، وبالتوفيق لك أيضا..
وما أن خرج عامر حتى أصدر هاتفها نغمة استلام رسالة:
” اعذريني يا صديقتي العزيزة، فرغم أنني قرأت رسائلك بخصوص سفرك المفاجيء، ولا شك أنك مشغولة الآن، لكنني بحاجة ماسة لاستوضاح بعض الأمور منك، أرجو أن تتمكني من مهاتفتي قبل إقلاع طائرتك إلى خارج البلاد وجزاك الله خيرا”
وفورا.. ضغطت نور زر الاتصال، سائلة اهلن أن يلهمها الصواب، ويوفقها هي وصديقتها لما يحب ويرضى..

***

أخذت الخادمات في منزل سوسن يرقصن طربا، ويغنين فرحا بكلمات تعبر عن مقدار نشوتهن، إثر رؤية ذلك الخبر الذي انتظره جميع من في المنزل بفارغ الصبر..
حتى بهجة، أصبح اسمها عنوانا لوجهها تلك الليلة؛ رغم ما حل بها أوله!!
وأسرعت إحدى الخادمات لغرفة سوسن؛ لتزف إليها البشرى، غير أن بهجة استوقفتها بقولها:
– لقد دخلت الآنسة غرفتها للتو، ولا تريد إزعاجا الآن، خاصة وأنها تجري اتصالا هاما..
فارتسمت علامات خيبة أمل على وجه الخادمة بوضوح:
– ولكنه خبر هام أيضا! فهو يؤكد تلك المقولات حول ازدياد شعبية والدها في الجولة الانتخابية!! لقد حصد أكثر من نصف أصوات الناخبين في الفرز الأوّليّ، ولم يتبق لنا سوى انتظار إعلان النتيجة النهائية رسميا!!
وتابعت وهي تكاد تطير من الفرحة:
– هل تتخيلين معنى هذا يا كبيرة الخدم!! سنصبح مستخدمات لرئيس الوزراء مباشرة، يا لحظنا السعيد!!
فأومأت بهجة برأسها متفهمة:
– بالتأكيد أفهم هذا يا عزيزتي.. ولكن علينا احترام رغبة الآنسة سوسن، وسيكون بإمكانك اخبارها هذا في وقت لاحق..
وغمزتها باسمة:
– اطمئني.. سأحرص على أن تبلغيها هذه البشارة بنفسك!!
فهتفت الخادمة وهي تقفز بسعادة:
– شكرا لك.. لن أنسى لك هذا المعروف أبدا..
فيما تمتمت بهجة برضا:
– الحمد لله.. فالسيد كارم رجل طيب وكريم، ويستحق كل الخير فعلا..

***

في تلك اللحظة، و في مكان ما، في إحدى زوايا غرفة معتمة، تسلل ضوء القمر من شق النافذة، ليرسم ظلالا مخيفة لشخص غامض، بعد أن أغلق التلفاز الذي كان مصدر النور الوحيد في غرفته!
وبعصبية ظاهرة.. رمى من يده جهاز التحكم بالتلفاز، ليرتطم بطاولة صغيرة، كادت أن تبعثره إلى أجزاء متهشمة..
وبكل ما يعتمل في صدره من حقد وغضب، أطلق ضحكة ساخرة، رددت صداها أرجاء تلك الغرفة الشاحبة:
رئيس وزراء إذن!!!!!!!!!!
أنت تحلم أيها الوغد!!!
سأجعلك تذوق طعم الانتقام، بل وتتجرع مرارته بيدي هاتين، حتى تتمنى الموت ولا تجده!!!!
بل سأجعلك تمقت الساعة التي ولدتك فيها أمك!!!
وستجثو على ركبتيك أمامي، دون أن أرحم توسلاتك الذليلة أيها الحقير..
إضحك كما بدا لك الآن يا كارم.. فقد اقتربت لحظة الانتقام…

………
يتبع ان شاء الله
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

تركته لأجلك! – الحلقة 41

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

بدا سامر شارد الذهن، وهو يجوب ممر المشفى بقلق، فيما أخذ عقله يسترجع ما حدث قبل قليل.. لم يتوقع أن يستمع إلى صوت نور بعد كل هذه السنوات..
وسوسن.. كلما تذكر سؤالها عن أيهم، شعر بغصة!
لا يزال مشهد استيقاظها من تلك الإغماءة عالقا بذهنه، كان يمني نفسه أن تهتف باسمه فور تحرّك شفتيها، غير أنها اكتفت برفع رأسها نحوه بعينين خائبتين، ومتسائلتين في الوقت نفسه، لتقول بصعوبة:
– ألم يتصل أيهم؟؟
شعر حينها بمرارة الالم، وخيبة الرجاء، وتعكر المزاج، بل أكثر من ذلك بكثير!! لماذا لا تزال تفكر فيه رغم كل شيء!!
حتى لو اتصل ذلك الوغد، لما أخبرها باتصاله، إنه لا يستحقها أبدا.. وعليه أن يتصرف لينقذها منه!!
ولكن ماذا لو اكتشفت سوسن ذلك!! عليه أن يكسب قلبها، ولو على حساب قلبه، لا أن ينفّرها منه! سيضطر لإخبارها بالتأكيد عن اتصاله، غير أنه – ومن حسن حظه- لم يتصل!!!
مما جعلها على وشك الدخول في إغماءة أخرى، لكنها فاجأته بطلبها الاتصال بصديقتها نور، لقد ظن نفسه واهما في البداية، لكن هذا ما حدث!!
ولم يجد بدا بعد ذلك من تركها وحدها في الغرفة، نزولا عند رغبتها…
***
لم تستطع نور حبس دموعها وهي تستمع لسوسن، فانهمرت غزيرة على وجهها بصمت، عليها أن تتماسك أكثر، فهي لا تزال في الطائرة، وستستعد للنزول منها مع عامر خلال دقائق! ما الذي عليها قوله في حالة كهذه! وأي إجابة ستجيب بها سوسن، التي تصر على سؤالها بإلحاح شديد!! ألا يكفي أنها بصعوبة تمكنت من سؤالها عن حالها، وتخمين مالذي أدى بها لدخول المشفى بهذه الطريقة، لقد فاجأها جوابها الصادم “إنها عقوبة من الله بلا شك”!!
وقبل أن تتمكن نور من استحضار اجابة حكيمة في ذهنها، أعادت سوسن سؤالها:
– أرجوك قوليها صراحة، ولا تخفي عني شيئا..أريد أن أعرف.. أن أعرف الحقيقة فقط.. ألا يوجد في الدين تعريف للحب؟؟ هل هو حرام، ويستحق من يقع فيه أقسى أنواع العقوبة؟؟؟
بدأ الركاب بالنزول من الطائرة، ومن لطف الله بنور أنها وزوجها قد اعتادا النزول آخر الركاب، حتى لا يتسببا في الزحام، عليها أن تنطق بسرعة قبل أن لا تجد فرصة أخرى للإجابة، ومع ذلك فالظروف حرجة، وأي إجابة ستنطق بها؛ سيكون لها أثر كبير على سوسن، فعزمت أمرها لتقول بإيجاز:
– الحب جندي من جنود الله، لا يعمل إلا بأمره، ولا سلطان لقلبٍ عليه..
وصمتت هنيهة رغم توقعها لردة فعل سوسن، لا شك أنها بانتظار المزيد من التوضيح، غير أن الوقت والمكان ليسا مناسبين على الاطلاق! ولم تتركها سوسن لتصمت طويلا، إذ سرعان ما قالت بحرقة:
– أكملي يا نور أرجوك.. إنني أسمعك.. أستحلفك بالله أن تخبريني بكل ما تعرفينه دون أدنى تحفظ، لم يعد يهمني شيء سوى معرفة الحقيقة!
بوغتت نور بما سمعته، فالتقطت نفسا عميقا قبل أن تقول بصوت خافت:
– حسنا.. ما أعرفه أن القلوب بيد الله يقلبها كيفما شاء، والحب من جنوده، يعمل بأمره في قلب عباده، فإما أن يكون نعمة أو يكون ابتلاء، نعمة يكافيء الله بها قلبا طائعا ممتثلا لأوامره، مجتنبا لنواهييه، فيكون الحب له عونا وسعادة ونعيما، وإلا فهو ابتلاء يختبر الله في ظله تصرفات عباده، فلا يملك الانسان اختيار الوقت الذي يبدأ فيه حبه، ولا الوقت الذي يضع فيه نهاية له، وقد ينساق لتصرفات لم يكن يرتضيها من نفسه قبل وقوعه في الحب، وهنا تكمن صعوبة الاختبار الحقيقي! الحب جندي حر لا يأتمر إلا بأمر الله، ولا سلطان لأحد عليه، وإن ادعى المحبون غير ذلك؛ فهم واهمون بلا شك…
ثم استطردت هامسة:
– آسفة عزيزتي، أرجو أن تعذريني فسأضطر لانهاء المكالمة الان، وسأتصل بك لاحقا إن شاء الله، فأنا في المطار وقد أرسلت لك رسالة بخصوص سفري.. على كل حال بإمكاني أن أخبرك باختصار، أن الحب ليس حرام قطعا، بل لقد شرع لنا الاسلام ما نحفظ به هذا (الحب) من الشوائب، لأهميته في حياتنا، فلا حياة من غير حب، ولم يكن اهي ليحاسبنا على مشاعر لا حيلة لنا بها، وإنما يؤاخذنا على تصرفاتنا وردود أفعالنا التي منحنا فيها حرية الاختيار….
وتوقفت نور عن متابعة حديثها؛ إثر إشارة من عامر، نبهتها لضرورة الاستعداد للنزول، فختمت حديثها بسرعة رغما عنها:
– انتبهي لنفسك يا سوسن، سأحدثك في أقرب فرصة إن شاء الله لنكمل الحديث، استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه..
***
“الحب جندي من جنود الله!!”
أخذت تلك الجملة تنتصب بشموخ في ذهن سوسن:
– ما الذي تعنيه نور بكلامها هذا؟؟؟ كيف يكون الحب جنديا مأمورا ولا سلطان لقلبٍ عليه، وإن ادعى المحبون غير ذلك فهم واهمون!!؟؟؟؟
لقد بدا الموضوع أشبه بلغز وأحجية، عليها التفكير بحلها!!
وبينما هي على تلك الحال، انتبهت لرنين هاتفها، فرفعته بلهفة على أمل سماع توضيحِ من نور، غير أن قلبها توقف لوهلة، بعد رؤيتها لاسم أيهم!!
لقد انتبه لغيابها أخيرا!
وشعرت برغبة في تجاهله، غير أن أصابعها أجابت الاتصال بتلقائية، ليأتيها صوت أيهم بتلقائية مماثلة:
– أين أنت يا سوسن؟ لقد غادر معظم الحاضرين ولم أجدكـ…
لم تستطع سوسن احتمال سماعه أكثر، فأجهشت بصوت باك:
– انني في المشفى.. إذا رغبت برؤيتي يمكنك الحضور..
واغلقت السماعة، بل والهاتف كله!!!
لو كان يهمه امرها لكلف نفسه معرفة ما حدث، وجاء اليها..
وأخذت تجهش بالبكاء بحرقة، فيما أخذت الممرضة تطلب منها الهدوء قليلا كيلا تؤذي نفسها، ولم تجد بدا من مناداة مرافقها، ليتصرف معها بما يراه مناسبا..
وما هي إلا لحظات حتى هرع إليها سامر بقلق:
– هل أنت بخير يا حبـ….. يا سوسن..
ومع سماع صوته اضطرت سوسن لتهدئة نفسها، وهي تشعر بضيق شديد:
– شكرا أستاذ سامر.. لقد أتعبتك معي كثيرا، أرجو أن لا تُزعج نفسك بمشكلاتي، يمكنك الانصراف، فسيأتي أيهم بعد قليل…
قالت جملتها الأخيرة جزافا، إذ لم تكن واثقة من ذلك، ولولا خشيتها من أن يأخذ وجود سامر معها منحى لا تُحمد عقباه، لما غامرت بكلام كهذا أصلا..
أما سامر الذي شعر بطعنة تخترق قلبه دون رحمة، فقد تماسك قليلا وهو يستند إلى مقعد مجاور، ليقول بنبرة يائسة:
– لا بأس.. سأنتظره إلى أن يأتي حتى أطمئن عليك.. ثم إنني لستُ منزعجا أبدا من وجودي إلى جانبك..
وهم بإضافة كلمات أخرى، غير أنها غاصت في قدميه هربا من الاعتراف بالحقيقة!
سادت لحظات صمت، قطعها سامر أخيرا بقوله:
– أرجو أن اتصالك مع السيدة نور قد ساعدك على تخطي الأزمة ولو قليلا..
عندها انتبهت سوسن لهاتفها الذي أغلقته! ففتحته بسرعة دون أن ترد عليه بكلمة، وفكرها مشغول بنور، هل أعادت الاتصال يا ترى؟؟
ثم قرأت رسائلها السابقة، فانتفض جسمها من هول الصدمة:
– هذا يعني أنها ستغادر مع زوجها إلى خارج البلاد!! كنت أتمنى رؤيتها مرة أخرى، بل وكنت أخطط للسفر إلى مدينتها!! لماذا الان؟؟ وأنا في قمة الحاجة لمساندتها!!!! يارب ساعدني..
رن هاتفها فجأة فأسرعت تجيبه من غير تركيز بهوية المتصل، لتتفاجأ هذه المرة بسماع صوت بهجة- كبيرة الطهاة والخدم في منزلهم- وهي تتحدث بانفعال:
– آنسة سوسن هل أنت بخير؟؟؟
ولما أجابتها بكلمة “نعم”، اندفعت بهجة في كلامها، لتفرغه دفعة احدة:
– أرجوك يا آنسة أين أنت الآن؟؟ لقد قلقت جدا عليك بعد أن أخبرني السيد أيهم بدخولك المشفى، لقد حاولنا الاتصال مرارا لكن هاتفك مغلق، الحمد لله أنني سمعت صوتك……
لم تستطع سوسن التركيز في كل ما قالته بهجة، فقد أصبح أكثر ما تخشاه أن يكون الامر قد وصل إلى والديها أيضا، وهما خارج المدينة الان، مما سيعقّد المشكلة أكثر!
فانتبهت لسؤال بهجة بعد أن أعادته عليها للمرة الثالثة:
– آنسة سوسن هل تسمعينني؟؟
فأجابتها سوسن:
– أجل..
فتابعت بهجة:
– إنني أسألك يا آنسة.. في أي مشفى أنت الان؟؟ فالسيد أيهم اتصل ليسألني عن ذلك وهو يظنني أعرف، لن أسامح نفسي أبدا إن أصابك مكروه لا قدر الله!! ماذا سأقول لوالدتك؟؟؟
فابتسمت سوسن رغم مرارة الألم:
– أرجوك اطمئني فلا داعي لكل هذا القلق، ولا تقولي لوالديّ شيئا رجاء..
والتقطت نفسا قبل أن تتابع:
– انني في مشفى الالم..
فأتاها صوت بهجة مستدركا بنبرة لا تخلو من دهشة:
– الالم؟؟ لم أسمع عنه!! أم أنك تقصدين مشفى الأمل؟؟
فردت سوسن ببرود قبل إنهاء المكالمة:
– أجل انه هو..
كانت سوسن في شغل تماما عن سامر، الذي كان يراقبها طوال الوقت بحسرة كاوية، فلم تكد تبعد الهاتف عن أذنها، حتى فوجئت بيديه تحتضنان يدها بطريقة أربكتها، وما أن التقت عيناهما؛ حتى شعرت بقشعريرة في كامل انحاء جسدها، كمن مسته الكهرباء فجأة! فحاولت انتزاع يدها، فيما أخذ سامر يحاول الاقتراب منها أكثر، وهو يميل برأسه وجسده نحوها، وقد بدا في حالة من الهذيان، المرافقة لشخص غائب عن الوعي:
– سوسن أرجوك.. سأفعل أي شيء.. إنني أحبـ….
فقاطعته صرخة ملتاعة من سوسن، وهي تجذب يدها بشدة، في حين دفعته بيدها الأخرى بحركة صدمته:
– لااااا.. لا يمكن حدوث هذا أبدا!!! ألا تقدّر موقفي أستاذ سامر!!! إنني خطيبة أيهم وأحبه بجنون، ولا يمكنني مسامحة من يفرح بتحطّم علاقتي معه، كائنا من كان…
وانفجرت باكية بحرقة، فيما أخذ سامر يحملق فيها بذهول، بعد أن ابتعد عنها خطوتين، إثر الصدمة التي أيقظته من أحلامه الوردية بعنف، ودون أدنى رحمة!!
وإذ ذاك.. انتبه على صوت أكثر شخص يبغضه في هذا العالم.. صوت أيهم الذي اندفع إلى داخل الغرفة بلهفة:
– سوسن يا حبيبتي.. هل أنت بخير؟؟؟ ما الذي حدث بالله عليك!!!
عندها.. لم يجد سامر بُدّا من مغادرة الغرفة بصمت، وهو يجرجر أذيالا طويلة من الخيبة، التي لا نهاية لها!! لم يعد له مكان في هذا العالم حتما، والذي حاول إقحام نفسه فيه عنوة..
أهذا ما يفعله “الحب” بأهله!!!!!
***
هتفت الممرضة بنبرة غير مصدقة:
– غير معقول!! جميع المؤشرات الحيوية عادت إلى وضعها الطبيعي تماما!!
فتهلل وجه أيهم بسعادة:
– هذا يعني أن بإمكانها المغادرة الان؟؟
غير أن الممرضة أجابته بتردد:
– لا بد من موافقة الطبيب المشرف على حالتها أولا!
فاستعجلها أيهم بقوله:
– ألا يمكنك مناداته بسرعة؟؟
وقبل أن تجيبه الممرضة، دخل الطبيب ليختصر الموضوع برمته..
وبعد أن قام بفحوصاته اللازمة، التي أكدت كلام الممرضة حول تحسن حالتها، وجه كلامه لأيهم، وهو يناوله كشفا كان بيده:
– تحتاج للقيام ببعض الاجراءات اللازمة للخروج، بالاضافة إلى توقيعك هنا سيد سامر..
فرمقه أيهم بنظرات مستهجنة:
– عفوا!!.. تقصد أيهم؟
فأردف الطبيب وهو يطالع الكشف من جديد:
– بناء على البيانات المدونة هنا، لقد تم إدخال الانسة عن طريق مرافقها السيد سامر، والذي وقع إقرارا بتحمله كافة التبعات المترتبة على ذلك و..
فقاطعه أيهم بنبرة غاضبة:
– إنه مجرد رجل تطوع لإدخالها المشفى بعد أن وجدها في حالة إغماء بلا شك! وأنا خطيبها أيهم الذي يتحمل كامل المسؤلية هنا..
غير أن عينا الطبيب لمعتا قليلا، وهو يتأمل اسم سوسن بتمعن أكثر قبل أن يلتفت نحوها بتساؤل:
– هل أنت حقا ابنة السيد كارم رجل الأعمال الكبير المرشح لرئاسة الوزراء حاليا؟
فأومأت سوسن برأسها مؤكدة:
– أجل إنني ابنته، ويمكنني تحمل كافة المسؤوليات المترتبة على خروجي الآن، ومستعدة للتوقيع على ذلك أيضا!
عندها أسرع الطبيب بإصدار أوامره للممرضة، قبل أن يلتفت إليها مبتسما:
– إطمئني يا آنسة.. كل شيء سيكون على ما يرام خلال دقائق معدودة!
***
“الحب جندي من جنود الله”..
هذا ما كان يتردد في ذهن سوسن طوال الطريق!! كانت غارقة تماما في حالة من التفكير العميق، وقد شعرت بنوع من الامتنان لتلك المكالمة المقتضبة من نور!! بل ولتصرفات سامر المريبة! من الجيد فعلا أن أيهم لم يأتِ قبل ذلك؛ وإلا لكان تصرفها معه مختلف تماما!! كانت ستفعل أي شيء لإغاظته بأي وسيلة، ولو اضطرها ذلك لارتداء الحجاب.. بنية إغاظته فقط!!! أما الآن….
وتنهدت بعمق، فيما كان أيهم يختلس النظر إليها بين الحين والآخر أثناء قيادته للسيارة، دون أن يتمكن من تخمين ما يجول بخاطرها، أو يجرؤ على اختراق حاجز صمتها!! لأول مرة يجد نفسه عاجزا عن التصرف معها بعفوية!!
حتى إذا ما أوقف السيارة أمام منزلها، انفرجت شفتاه عن صوت خافت ومرتبك:
– لقد وصلنا.. عزيزتي..
وكمن اسيقظ من حلم على حين غرة، التفتت إليه سوسن بنظرات مستفهمة:
– هل قلت شيئا؟؟
غير أنها استدركت ذلك بسرعة، فقالت وهي تهم بالنزول:
– شكرا لك..
فأمسكها أيهم من يدها مستوقفا:
– سوسن.. ألا تزالين غاضبة مني؟
وبدلا من أن يسمع جوابها، جذبت يدها من يده، وهي تشيح بوجهها عنه:
– أحتاج للراحة الآن، تصبح على خير..
ولم تكد تفتح باب السيارة، حتى هرعت بهجة نحوها بلهفة:
– الحمد لله على عودتك سالمة آنستي العزيزة، كيف حالك الآن؟؟
فابتسمت لها سوسن بوهن:
– الحمد لله بخير.. غير أنني أحتاج للراحة…
لم يدرِ أيهم ما الذي دهاه في تلك اللحظات ليصاب بالشلل!! فقد بقي واجما وهو يحدق فيهما بذهول، إلى أن دخلتا المنزل! حتى بهجة.. لم تحييه كعادتها، عوضا عن أن ترحب به، بل ولا يظن انها قد انتبهت لوجوده أصلا!!.. قد تكون معذورة، فابنة سيدها هي الأهم الآن، ولكن.. ماذا عن سوسن!! هناك خطب ما، يتعلق بها ويجهله بالتأكيد!!!
لايمكن أن يكون هذا الوضع طبيعيا بأي حال من الأحوال..
 
………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

تركته لأجلك! – الحلقة 40

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

أغلقت نور هاتفها وهي ترخي رأسها على مقعد الطائرة، بعد أن تفحصته للمرة العاشرة لعلها تجد شيئا من سوسن، وتحاول اقناع نفسها مهدئة:
– خير إن شاء الله..
مسترجعة آخر حديث دار بينها وبين سوسن قبل يومين، عندما سألتها عن بعض الأمور الفقهية في الطهارة والصلاة، بعد أن أنهت قراءة كتيب في الفقه الميسر نصحتها به سابقا، كما حدثتها عن إنهائها لكتاب الشيخ علي الطنطاوي “تعريف عام بدين الاسلام” ومدى تأثرها به وإعجابها بأسلوبه، أخبرتها بالكثير مما قرأته وتخطط لقراءته..
فابتسمت في سرها مستبشرة:
– إن سوسن تتقدم باستمرار ما شاء الله، لن أتعجب إن فاجأتني بخبر حجابها قريبا..
غير أنها سرعان ما تذكرت الظروف المحيطة بها، فرددت من أعماقها:
– يارب.. ثبتها على الحق والدين، واهدها الصراط المستقيم، ووفقها لما تحب وترضى يا كريم وطمئن قلبي عليها يا أرحم الراحمين..

***

لم تشعر سوسن بعذاب كالذي شعرته في ذلك الوقت.. كانت تقنع نفسها جاهدة بأن الأمور لن تتجاوز ذلك الحد- الأليم بحد ذاته! فهذا وضع طبيعي في عالم “الفن!!”.. عازف يشارك مغنية.. أو ممثلة وحتى… راقصة!! كلهن سيان… متجاهلة معرفتها المسبقة بنوايا سورا الواضحة تجاه أيهم، والتي تمكنت بصعوبة من تجاوز قلقها بشأنها في الفترة الأخيرة.. لكنها هاهي تصر على إثارة مخاوفها وقلقها من جديد..
حتى ذلك التجاهل لم يعد يجدي نفعا أمام ما تراه الآن أمام عينيها، وتشهد عليه بنفسها..
لقد باتت الأمور واضحة لها الآن ولا شك في ذلك..
لم تكن سورا لتغيب عن الساحة مؤخرا إلا لهدف.. وها هي قد أحكمت قبضتها، وربحت الجولة!!!
وكأن تلك الحركات المتعمدة لاستمالة أيهم لم تكن كافية لطعن سوسن في صميم قلبها، فما زالت على قيد الحياة وما زال بإمكانها احتمال المزيد على ما يبدو، إذ راعها انضمام أيهم فجأة لمراقصة سورا بإيحاء منها، في حركة أثارت انبهار الحضور، فتعالت صيحات الاعجاب والتصفيق الحار، أمام تجاوبه معها بتلقائية، كمن يتبع إشارات (مايسترو) محترف، فينفذها تماما كما يريد ومن دون نقاش!!
تمنت سوسن لو انهى قضت نحبها قبل أن تسُقها قدماها لحضور مشهد كهذا! ولم يعد بإمكانها استحداث حجج واهية أخرى تهدئ بها نفسها من أن أيهم ما فعل ذلك إلا مجاملة لها، وأنه لم يكن ليرفض طلبها أمام تصفيق الجموع وتشجيعهم، بل بدا لها مغيبا تماما وهو يغرق في عالم سورا وحدها!!
لم يلتفت نحوها وهي خطيبته الحبيبة كما يقول ولا حتى مرة واحدة منذ أن صعدت سورا المنصة، ولم يبد أنه قد شعر بوجودها في المكان وهو يشارك سورا رقصتها.. بل لقد بدا كمن نسي أن لها وجودا في هذا العالم كله!
كيف لم تنتبه لهذا من قبل!! إنها معزوفة أيهم التي أخبرها ذات مرة، أنها ما كانت لترى النور لولاها! وما حركات سورا الراقصة التي تراها، وانضمام أيهم لها بعد ذلك إلا تجسيدا لمقاطعها، وها هي سورا على وشك تجسيد الفقرة الأخيرة فيها.. “القبلة الأزلية”!!!
كلا.. لا يمكنها مشاهدة المزيد!! ولا يمكنها احتمال البقاء في المكان أكثر، إذ لم يعد في قلبها خلية سليمة يمكن لسهم جديد اختراقها، لقد انفجر المرجل أخيرا..
فجرت خارج القاعة، وهي تجهش ببكاء لم تتمكن من كتم نحيبه، أخذت تجري دون أن تعرف وجهة محددة تذهب إليها، وسياط اللوم تكويها من جهة..
– لماذا لا تتعلمين من أخطائك!! ألم تمري بحالة مشابهة في حفلة سابقة!! إلى متى ستحتملين هذا العذاب ثم تنهارين هكذا فجأة وعلى الملأ!! كان عليك أن تحسبي حساب هذا من قبل!!
وسياط القهر تكويها من جهة أخرى..
– لماذا يا أيهم.. لماذا تطعنني في قلبي وأمام عيني!! لماذا لا تفكر بمشاعري ولو للحظة!! ألم أفعل كل شيء لأرضيك!! حتى حجابي.. تركته من أجلك… كل هذا.. لأنني أحبك.. أفهكذا تدوس على قلبي حتى تسحقه!! أهذا هو الحب العميق الذي سنجتاز به عقبات الحياة!!!
تمنت لو تنشق الأرض وتريحها من هذا العالم، لو أن أمها ما ولدتها، لو أنها…..
ولم تشعر بنفسها إلا وهي بين ذراعين تلقتاها بحنان بالغ، لتضماها بشدة، فيما انخرطت هي ببكاء شديد لم تستطع إيقافه..
ولم تدر كم مر عليها من الوقت وهي على تلك الحال، قبل أن تنتبه لنفسها مرددة:
– أيهم؟؟!!
غير أن صوتا آخر مألوفا لديها أجابها:
– هل أنت بخير يا سوسن؟
فرفعت رأسها نحوه، لتهتف بدهشة:
– الاستاذ سامر!!!
وبسرعة.. انتزعت نفسها منه بصعوبة، وهي تبذل جهدا كبيرا حتى لا تفقد وعيها وهي بين ذراعيه، وتراجعت خطوتين إلى الوراء.. لتقول له دون تفكير:
– لماذا أنت هنا.. أستاذ سامر؟
ورغم سحابة الحزن التي خيمت على وجهه إلا أنه أجابها بابتسامة حانية:
– لأراك.. وأقف إلى جانبك..
غير أن الهتاف الذي علت نبرته من داخل القاعة، أبى إلا أن يذكرها بمأساتها، فالتفتت نحو المنصة البادية من الشرفة، لتراع بما تفضل (لو تُقتل ألف مرة) على رؤيته!! ولم يخفَ على سامر فهم ما بها وهو يرى آخر مشاهد “القبلة الأزلية”، حيث شخصت عينا سوسن، فأسرع يسندها قبل أن تسقط مغشيا عليها من الكرب الشديد، الذي سرى في أنحاء جسدها دون أن يترك فيه شيئا لم يتضرر.. قدماها لم تعودا تقويان على الحراك، ذراعاها ارتختا، وحتى دموعها.. جفت من مآقيها!!
أخذ سامر يهزها من كتفيها برفق وهو يسندها على كرسي أجلسها عليه:
– إنه لا يستحققك أبدا؛ فلماذا تهمّين نفسك من أجله!! أرجوك يا سوسن.. لا تدمري نفسك من أجله، فهناك من يحبك بصدق ومستعد للتضحية بحياته من أجلك… إنني أنا يا سوسن.. أنا سامر الذي لم يستطع العيش لحظة واحدة منذ أن رآك دون التفكير بك.. لقد أتيت هنا لعلي أراك، ولم يكن لي هم سوى ذلك.. أقسم بأنني سأعمل على إسعادك وتحقيق كل ما تريدين.. أرجوك.. فكري بقلب يتعذب في اليوم ألف مرة ببعده عنك.. تماسكي أرجوك.. من أجلي…
لم تكن سوسن تعي ما يقوله سامر، فقد كانت ذاهلة تماما عما يدور أمامها، وقد بدأت تغرق في الظلام الملتف حولها، وهو يمد بأذرعه الأخطبوطية ليخنقها..
ظلام في ظــــــلام في ظـــــــــــــــــــــــــــلام في ظـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام
ألا من بصيص نور ينقذها!!!!!

***

لم تكد نور تفتح هاتفها بلهفة بمجرد هبوط الطائرة، حتى سرّها استقبالها لتنبيه حول اتصالين من سوسن، وقبل أن تضغط على زر إعادة الاتصال بها، أتاها الاتصال الثالث منها فردت عليها بلهفة:
– الحمد لله أنني تمكنت من سماع صوتك قبل أن نغادر البلاد….
فما راعها إلا صوتٌ ذكوري يجيبها:
– عفوا.. أرجو المعذرة يا سيدة نور لاتصالي المفاجئ بك، معك الاستاذ سامر وقد اتصلت للضرورة بناء على رغبة سوسن..
ألجمت الدهشة فم نور، وعقدت لسانها بشدة، وغاص قلبها أسفل قدميها..
الاستاذ سامر؟؟ ما الذي يجري .. ماذا أصاب سوسن، هل هي بخير؟؟؟؟؟ لطفك يارب..
فيما تابع سامر كلامه أمام صمتها:
– إنها في غرفة العناية، إثر صدمة نفسية عنيفة أفقدتها وعيها، لكنها أفاقت قبل قليل وطلبت الحديث معك فورا، لذا أرجو منك أن لا تثقلي عليها بالحديث من فضلك..
أخذ قلب نور يدق بشدة، وآلاف التساؤلات تزدحم في رأسها من جديد حتى كاد أن ينفجر بها..
لماذا سامر هو من يدير لها الاتصال؟ وما هي طبيعة العلاقة التي تربطه بسوسن ليحدثها بهذه الطريقة!! أين أيهم عنها؟؟ هل حدث مكروه؟؟ هل وهل….
وأخيرا جاءها صوت سوسن الواهن بجملة واحدة فاجأتها:
– ما هو الحب يا نور؟
 
………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

تركته لأجلك! – الحلقة 39

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

أشرق وجه سوسن بابتسامة عريضة، وهي تزهو بحجابها الأنيق الذي أخفى شعرها وستر جسدها، قائلة بمرح:
– ما رأيك بهذه المفاجأة؟؟ أردتك أن تكون أول من يطلع عليها يا أيهم..
غير أن تجهم وجهه الشديد أربكها، فقالت بتردد:
– ألم يعجبك لباسي؟
فما كان من أيهم إلا أن أشاح بوجهه بعيدا عنها، قبل أن يتنهد بنبرة لا تخلو من حسرة:
– لقد خيبتِ أملي يا سوسن!
شعرت سوسن بغصة حاولت تجاهلها:
– لماذا يا أيهم!! أريد أن أكون لك وحدك..
إلا أنه لم يُعِر جملتها اهتماما يُذكر، وهو يرد عليها بقوله:
– لم أتوقع منك الاستسلام بسهولة لكلام أولئك الحاسدات.. ظننتك أقوى من ذلك بكثير!
فأسرعت سوسن تدافع عن نفسها قائلة:
– كلا يا أيهم، ليس الامر كما تظن.. إنها قناعة مني، ثم إن هذا أمر من الله….
فقاطعها أيهم:
– سوسن.. لا تتحدثي كالمعقدين أرجوك.. فالله غفور رحيم ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وهذا ليس من وسعنا أبدا ولا يناسبنا، أنت تعرفين ذلك يا عزيزتي..
ورغم تفاجؤ سوسن بمنطق أيهم، لا سيما وأنها المرة الاولى التي تسمع فيها استدلاله بآية من القرآن، إلا أنها أجابته بقولها:
– ولماذا لا يناسبنا!! حتى لو لم يكن هذا أمر من الله، إنني أجد فيه راحة نفسية لي..
عندها بدأ كلام أيهم يسلك مسارا أكثر رقة وهو يقول لها:
– أتفهم موقفك يا سوسن، ولكن هذا لا يناسب مهنتي أبدا، وما لا يناسبني لا يناسبك، ألسنا واحدا!!
وأمام صمت سوسن، تابع أيهم بتودد:
– المهم هو سلامة القلب يا حبيبتي، انظري إلى أخلاق المحجبات السيئة، فهل يسرك أن تكوني مثل سعاد مثلا!!
فردت عليه سوسن بتعحب:
– ولماذا أكون مثلها هي بالذات، أنا لم أقل أنني أريد ذلك، ثم إنه لا دخل للحجاب بتلك الأخلاق التي تتحدث عنها..
وأمسكت لسانها قبل أن يفلت بذكر اسم “نور”، بعد أن همت أن تضربها مثلا لحسن الأخلاق، وقد تذكرت ما يسببه اسمها من حساسية عند أيهم، في حين تابع الأخير كلامه:
– سوسن.. دعيك من التفكير بتلك الطريقة الآن فهي لن تفيدنا بشيء، لا سيما وأن أمامنا حفل النجوم الشهير الذي يتوجب علينا التفكير جديا بالإعداد له.. لذا ركزي على ما حققتيه من نجاح…..
فقاطعته سوسن بنبرة أليمة:
– أنت بقولك هذا تؤكد قول من يقول بأنني لم أكن لأصل إلى ما وصلت إليه لولا مظهري الذي بدأتُ أكرهه لهذا السبب.. لا أريد نجاحا زائفا لا أستحقه يا أيهم، لقد سئمت من هذا كله..
وفاضت عيناها بالدموع وهي تتابع بألم:
– أنت لا تفهمني يا أيهم.. ولا تريد أن تفهمني على ما يبدو!!
ورغم تعاطف أيهم معها بداية، إلا أن جملتها الأخيرة تلك أثارت حفيظته بشدة، فأجابها بعصبية واضحة:
– إذا لم ترغبي بالارتباط بي، فلم لا تقوليها صراحة إذن!!
كانت جملته تلك أشبه بالصاعقة الحارقة على قلبها، فنظرت اليه بدهشة غير مصدقة لما تسمعه، فيما أمعن أيهم النظر اليها بإصرار:
– أجيبيني يا سوسن!! أليست هذه كلها مؤشرات تلمحين من خلالها لرغبتك بالإنفصال عني؟؟ أنت تعلمين بأنه من الاستحالة لي القبول بحجابك بأي شكل من الأشكال.. أم هل تراه ذلك الطبيب حفيد العجوز!!
عندها أسقط في يد سوسن تماما، وشعرت بدوار لم تستطع معه حفظ توازنها، فكادت أن تهوي على الأرض دون حراك، لولا أن أيهم أسرع بإسنادها إلى صدره، وهي في حالة أشبه ما تكون بغياب الوعي..
ألهذا الحد وصلت أفكار أيهم!!
إنها أبعد من أي مدى قد تتصوره أو يخطر لها ببال، ولم تجد كلمة واحدة تعبر فيها عن صدمتها العميقة تلك، وحتى لو وجدت حرفا، لما تمكنت شفتاها من النطق به، فانسكبت دموعها غزيرة، فيما حاول أيهم تدارك خطأه وهو يشعر بندم على تفوهه بتلك الكلمات الجارحة، فضمها إلى صدره بشدة مربتا على رأسها بحب عميق:
– سامحيني أرجوك، لم أكن أقصد ذلك يا حبيبتي، لقد أخذتني الغيرة فحسب..
وترقرقت دمعات في عينيه أثارتها ذكرى قديمة لم يشأ تذكرها أبدا:
– أنت لا تعرفين شيئا يا سوسن، لو كان الأمر بقدرتي لما عارضت رغبتك أبدا، لكنه أكبر من ذلك بكثير.. والتفكير بأن أمرا ما قد يفرق بيننا لهو أشد إيلاما لي من ذلك كله..
لم يسبق لسوسن أن رأت دمعة واحدة في عين أدهم، مما جعلها ترق له بسرعة، وفي عقلها آلاف الأسئلة عن هذا الخطيب الذي تحبه ولا تعرف عنه سوى القليل على ما يبدو!!
فما كان منها إلا أن مسحت بيدها دمعاته برقة، مرددة:
– ولماذا تفكر بأن أمرا قد يفرق بيننا يا أيهم.. إن هذا يؤلمني أيضا، وأنت تدرك هذا جيدا..
وخفضت عينيها، لتبعدهما عن عينيه قبل أن تتابع:
– ربما يمكنني تفهمك يا أيهم؛ فلماذا لا تصارحني بالذي يزعجك من حجابي؟؟ ألستُ خطيبتك التي تشاركك هموم الحياة!!
فأطلق أيهم تنهيدة طويلة بثّتها زفرات صدره:
– لو كنت سأحدث بذلك أحدا، لما بحتُ به لغيرك، ولكنه أمر لا أرغب بتذكره أبدا، فهلا تناسيته أنت أيضا يا حبيبتي.. من أجلي..
لم تستطع سوسن مناقشته أكثر من ذلك، فقد كان الأمر مؤلما جدا بالنسبة له، ولم تكن بالتي تحتمل رؤيته وهو على ذلك الحال، فلم تجد بدا من الخضوع عند رغبته، وتناسي ما طلب منها نسيانه..
– لك ما تريد يا أيهم..
وحاول أيهم جاهدا نفض تلك الذكرى من رأسه بابتسامة ودودة:
– هذه طبيعة الحياة يا عزيزتي لا تخلو من مشكلات، لكننا بتفاهمنا وقوة حبنا سنجتازها معا بالتأكيد..
فبادلته سوسن ابتسامته بابتسامة مشابهة، فيما احتضنها هو بين ذراعيه مجددا:
– سوسن.. إنني أحبك حبا لا أعرف كيف أتصرف به معك.. ولا أعرف كم هي عدد المرات التي سأكررها بهذا القول لعلها تفي بجزء مما يختلج في صدري نحوك..
ولم تكد ترفع عينيها نحو عينيه لتحرك شفتيها بكلمة، حتى عاجلها بقبلة عميقة، انتفضت لها كل خلية في جسدها، وتسارعت لها نبضات قلبها للتتناغم مع دقات قلبه، حتى غديا كقلب واحد ينبض بانسجام..
واستسلمت سوسن أخيرا ليده التي امتدت نحو حجابها، لتزيله عن رأسها برفق، تاركا إياه يتهاوى على الأرض، مع دمعات نفرت من قلبها قبل عينيها لم تستطع لها حبسا، وقد بدأت آمالها المعلقة على الحجاب تنحسر تدريجيا، كسحابة صيف عابرة..

***

شعرت نور ببعض القلق وهي تعاود الاتصال المرة تلو الأخرى بسوسن دون رد منها، خاصة بعد أن تركت لها رسالة وتوقعت منها أن تسرع في الاتصال بها على إثرها، وها قد مرت عدة ساعات دون أي إجابة!!
غير أن صوت عامر، نبهها إلى ضرورة الإسراع في حزم حقائبها:
– ستقلع الطائرة بعد سبع ساعات فقط، وعلينا تسليم مفاتيح الشقة، ومن ثم المرور على والديّ ووالديك خلال هذه الفترة ، هيا أسرعي..
فطمأنته نور بقولها:
– لم يبق أمامي إلا القليل، فقد أنهيت كل شيء تقريبا..
ثم استدركت متسائلة:
– كم ساعة سنلبث في العاصمة بحد علمك؟
فأجابها وهو يقوم بإلصاق بطاقات الأسماء على الحقائب:
– هذا يعتمد على التزام شركة الطيران بمواعيدها، فقد نضطر للمبيت في فندق مطار العاصمة قبل أن يحين موعد إقلاع الطائرة التالية للاسف..
فهتفت نور بسعادة:
– الحمد لله.. هذا رائع!
ثم انتبهت لنفسها، مع نظرات عامر المتعجبة نحوها:
– ما الرائع في الموضوع!! تبدين سعيدة لهذه المماطلة!!
فابتسمت نور:
– دعاء السفر مستجاب، وستكون فرصة لنا لتكثيف الدعوات..
فرمقها عامر بابتسامة ذات معنى:
– يا لك من مراوغة، لم لا تقولين بأن السبب يكمن في شبكة الاتصالات التي تشغلك من الصباح!!
فاحمرت وجنتا نور:
– أريد السلام على صديقاتي قبل السفر إلى الخارج، خاصة وأن السفر بهذه السرعة كان مفاجئا، إذ لم أتوقع أننا سنغادر الليلة!!
فابتسم عامر:
– وكأننا لا نزال في العصر الحجري، أو أننا سننتقل للعيش في غابات الأمازون!! يمكنك استحداث شريحة جديدة عندما نصل إن شاء الله، ومن ثم تتواصلين معهن..
فضحكت نور معلقة:
– إذن عليك أن تستعد لدفع الفواتير أيها الطبيب المحترم..
فعلق عامر بقوله:
– في هذه الحالة.. أصبحت أرى أنه من الرائع فعلا أن تطول فترة انتظارنا في العاصمة حتى تنهي جميع اتصالاتك المهمة أيتها الحكيمة..
وضحك الاثنان بمرح، ورددت جدران الشقة صدى تلك الضحكات، لتخزّن في أعماقها ذكرى زوجين تركا أثرا لا يُمحى؛ حتى وهما يتعاونان في تنظيف الغرف من بقايا آثارهما فيها، بعد أن تم إفراغها من الأثاث الذي بيع جزء كبير منه، فيما تركت نور بعض ما قد تحتاج إليه عند عودتها في مخزن لدى والديها..
وقبل أن تخطو نور آخر خطوة لها خارج شقتها التي لم يمضِ على اسئجارهم لها أكثر من عام واحد، ألقت عليها نظرات مودعة، مر خلالها شريط ذكرياتها فيها كلمح البصر..
ما أقصر هذه الحياة..

***

وقفت سوسن أمام المرآة تتأمل نفسها بذلك الثوب الذي أحضره لها أيهم لتحضر به حفل الليلة.. “حفل النجوم”.. الذي طال انتظاره!
الأكمام لا وجود لها، منطقة الظهر مكشوفة، ومنطقة الصدر لا يسترها سوى غشاء رقيق شفاف، إذ لا يصح إطلاق اسم القماش عليه!
حتى طقم الحلي المرصع بالألماس والعطر الخاص، والحذاء الأنيق ذو الكعب الدقيق.. لم ينس إرفاقهم مع الثوب..
وتنهدت تنهيدة طويلة اختلطت فيها مشاعر الحب والحسرة في آن واحد، وهي تستعيد تلك اللحظات التي بدت لها كحلم قصير استيقظت منه بأسرع مما تتوقع!! فمنذ فترة طويلة لم يخفق قلبها بتلك المشاعر القوية نحو أيهم، والذي شعرت بشفافيته معها للمرة الأولى، وفي الوقت نفسه.. ها هي وبعد أول ارتداء لها للحجاب، تعود لترتدي ثوبا من طرازٍ ظنت أنها لن تعود إليه أبدا؛ منذ أن بدأت بارتداء الثياب المحتشمة..
لقد حسبت أنها تقدمت خطوة، فإذا بها تعود خطوات.. وخطوات كثيرة!
ودمعت عيناها بألم.. ماذا فعلتِ بنفسك يا سوسن!! وإلى أين تتجهين!!
غير أن طرقات الخادمة على الباب نبهتها إلى ضرورة الاستعجال:
– السيد أيهم بانتظارك منذ فترة يا آنسة..
فأجابتها سوسن وهي تكمل تصفيف شعرها المنساب على كتفيها بعذوبة:
– من فضلك، أخبريه بأنني لن أتأخر أكثر..
غير أن الخادمة وقفت لبرهة تتأملها باندهاش شديد:
– ماهذا الجمال الساحر!!! أنت فاتنة جدا يا آنسة!!

***

لم يستطع أيهم انزال ناظريه عن سوسن، وقد نسي ما كان يود إخبارها به من روعة طلّتها، وهي تنزل عن الدرج متجهة نحو الباب حيث وقف بانتظارها، وما أن اقتربت منه حتى تناول يدها اليمنى بيده طابعا قبلة عليها، في حين أحاط خاصرتها بذراعه اليسرى، ليضمها نحوه بقوة:
– أي رجل محظوظ أنا!!
فابتسمت سوسن برقة متجاهلة آلامها:
– من الجيد أنك لم تستقبلني بلوم على التأخير!
فخلل أيهم شعرها المنسدل بأصابعه، ليعاجلها بقبلة ندية:
– وهل يحق لنا لوم الجمال!! أنت الجمال بعينه يا حبيبتي، بل الجمال في حقك قليل!!
عندها همت أن تبوح له برغبتها في عدم الذهاب إلى الحفل، غير أنها عدلت عن ذلك، لترافقه نحو السيارة بهدوء، وهي تُمنّي نفسها بأن تمر الليلة على خير في مسايرتها له، حتى تتمكن بعد ذلك من إيجاد طريقة تفتح فيها النقاش معه حول هذا الموضوع من جديد..

***

مرت الدقائق ببطء شديد، حتى عقرب الثواني.. أصابه الشلل؛ فلم يعد يقفز كعادته! وبدا الليل وكأنه لا يريد أن ينتهي، فما أن تنتهي فقرة، حتى تليها فقرة.. الأجواء صاخبة، والعيون ملتهبة، والرغبات ثائرة..
هذا هو انطباعها عما تراه، وإن تحدث الناس بغير ذلك..! ولا تظن أن هناك مكان قد يُبهج “إبليس” أكثر من هذا المكان!!
تُجامل هذا، وتبتسم لذاك، وتحاول اقتضاب الجمل قدر المستطاع في ردها على عبارات الاطراء والاعجاب المنهمرة عليها من كل جانب، وهي تبذل جهدا كبيرا للحفاظ على مسافة معقولة بينها وبين عشرات الراغبين بقربها.. وملاصقتها!!
أما أيهم.. نجم الحفل الذي سطع بلا منافس… فهل يحق لها أن تغضب من حشد المعجبات حوله!!
نساء كاسيا عاريات، مائلات مُميلات..
جملة أليمة لوصف المشهد، بل هي أكثر ما يؤلمها في هذا المكان، وهل يمكنها لومهن وهي تبدو كواحدة منهن!!
أغمضت سوسن عينيها للحظات، لعلها تهرب بروحها على الأقل من هذه الأجواء القاتلة، وقد نسيت لوهلة أن الحذر واجب في هذا المكان.. فما لبثت أن شعرت بيدٍ غليظة تحط على كتفها، اقشعر لها جسدها فانتفضت من مكانها ملتاعة كمن لدغتها أفعى، لتجد أمامها رجلا أشيبا يغمزها بعينه باسما:
– ما رأيك.. بمائة مليون (من العملة الصعبة)..؟؟
وأمام صمتها “المذهول”، تابع مؤكدا كلامه وهو يتناول دفترا من جيبه:
– إنني جاد تمام.. مائة مليون أو.. أكثر، إذا شئت..
والتقط نفسا عميقا قبل أن يشير بعينه إلى أحد الجهات:
– هناك غرفة فارغة..
لم تكد سوسن تدرك معنى ما يرمي إليه، حتى كادت أن تفقدها صوابها، فأفلتت منها صرخة مكتومة، ضاعت وسط صخب الضحك والغناء، همت بأن تشتمه فيها بأقذع الشتائم التي لا تعرفها، وتفجّر فيه مشاعرها الغاضبة المتراكمة في صدرها المكبوت كمرجل يغلي ولا يجد له متنفسا، لولا خشيتها من إثارة مشكلة لا يكون باستطاعتها ولا باستطاعة أيهم تحمل عقباها خاصة في هذا المكان، فجاهدت لتقول له جملة واحدة:
– إنني خطيبة أيهم..
وأدارت وجهها لتبتعد من أمامه بسرعة، باحثة بعينيها عن أيهم؛ كالغريق الباحث عن خشبة يتعلق بها وسط بحر هائج!
ولم تكد تعثر عليه وهو يحتسي كوبا من الشراب مع إحدى الممثلات الشهيرات، حتى طرق سمعها صوت مقدم الحفل، وهو يعلن عن المفاجأة الختامية لحفل الليلة.. فهدأت الأصوات، وامتلأت النفوس بالفضول مع تقديمه المثير:
” هل سبق وأن شاهدتم قطعة موسيقية تتحرك أمام أعينكم؟؟ أقول شاهدتم.. فركزوا أيها السادة على كلمة شاهدتم وليس (سمعتم)؟؟”
فعلت الهمهمات بين الحضور، في حين تابع المقدم كلامه بحماسة:
“استعدوا لمشاهدة اسطورة العصر، النجمة الواعدة.. التي لم تشهد العصور مثيلا لها في رشاقة الحركات، وتناغم الرقصات، لتروا بأعينكم أشهر معزوفة موسيقية أبدعها نجمنا الكبير.. أيهــــم……”
ومع ذكر اسم “أيهم” غاص قلب سوسن في صدرها، فلم تستمع لبقية الكلام… ألم ينتهي من تقديم فقراته بعد!! لقد كانت تحسب له المعزوفة تلو الأخرى كما أخبرها من قبل، غير أنه لم يأتِ على ذكر شيء من هذا القبيل!.. نجمة وأسطورة!!!
وبينما تعلقت العيون على المنصة، بارتقاب هذه الأسطورة، أشار المضيف لأيهم بالتقدم.. عندها التقت عينيه بعيني سوسن للحظات معدودة؛ أفهمها من خلالها أن الموضوع مفاجئا له هو الآخر!! إذ لا علم له عن وجود “نجمة” بهذه الأوصاف من قبل!!
وبدأ الفريق عزف الموسيقى، أمام لهفة الجميع، لتظهر آخر فتاة ترغب سوسن برؤيتها في هذا المكان بالذات..
لم تصدق عينيها بداية.. فأغلقتهما وفتحتهما عدة مرات لتستوثق من هوية الفتاة الواقفة أمامها.. وأمام أدهم، بجسدها الذي أبرزت مفاتنه بشكل لم تشهد له مثيلا من قبل، والذي لم يستره سوى ثوب- إذا صح إطلاق اسم الثوب عليه- فُصّل خصيصا ليُظهر أكثر مما يُخفي وهو ساكن، فكيف إذا اهتز!!
والأدهى من هذا كله.. أن أيهم بدا هو الآخر متفاجئا من رؤيتها.. بل.. ومبهورا بذلك أيضا!! هذا ما شعرت به عينا سوسن المثبتتين على أدهم بإحكام!!!! ولم تكن لتحتاج لشهادة عينيها وحسب، فقد كان عزفه خير دليل على ذلك، قبل أن يعود إلى طبيعته، وبنسجم الاثنان..
أيهم بعزفه.. وسورا برقصها، في قالب واحد!!!

………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم