عن القصة:
سمير شاب عاطل عن العمل، يحاول جاهدًا الحصول على عملٍ دون جدوى..
حتى اكتشف في النهاية سر هام!!
التصنيف: علمي، مغامرات، كوميديا
كانت الصدمة لا تزال تحلق فوق رأس سمير، فهذه هي المرة الثانية التي يسيء فيها تقدير الموقف؛ بعد ظنه أنه فهم قانون “الشغل” جيداً، مما أعمى بصيرته عن التركيز في كلام المسؤول حول مسألة “القدرة”!!
ورغم مرور أسبوعين على الحادثة؛ إلا أن ذلك المشهد لم يغب عن ناظريه!! فقد تعادل مع حمدان بالفعل في إنجاز الشغل المطلوب، لكنه لم يفطن لعامل “الزمن” الذي منح حمدان الأفضلية، لكونه الأقدر على إنجاز الشغل في زمن أقل!
وأخذ سمير يضغط على رأسه بيديه، وهو يتمتم بإحباط شديد:
– لو أنني فقط كنت أعرف ذلك.. لو أن أحدهم أخبرني فقط بأن القدرة تعتمد على الزمن بالاضافة للشغل!!
لكنه سرعان ما استعاد وازعه الديني، فاستغفر ربه مردداً:
– قدر الله وما شاء فعل، لعله خير..
وبدون تفكير؛ تناول هاتفه ليطلب رقم صديقه “الفيلسوف”- كما اعتاد أن يسميه- فربما يجد لديه ما يخرجه من حالة الصدمة، لكنه تراجع عن ذلك في اللحظة الأخيرة، فلم يكن مستعداً لسماع المزيد من نصائحه وخطبه العصماء! وهكذا.. قرر استئناف عمله المعتاد بتصفح الاعلانات؛ على أمل أن يجد إعلانا جديدا لم يسبق له رؤيته!!
وأخيراً.. حصلت المعجزة، بعد أن وقعت عيناه على إعلان لم يسمع عنه من قبل!!
وفي غضون ثلاث ساعات فقط، وبلهفة الغريق الذي يبحث عن القشة؛ كان سمير يقف وجهاً لوجه أمام مدير العمل الجديد، والذي رمقه بنظرات متفحصة من رأسه حتى أخمص قدميه؛ قبل أن يقول:
– تقول أنك مستعد لإنجاز هذا “الشغل” بلا كلل أو ملل، فهل أنت واثق من هذا؟
فأجابه سمير بثقة مطلقة، وظهره مشدود تماما، في حين رفع رأسه لأعلى، تاركا يديه منسدلتين باستقامة تامة على جانبيه، في وقفة عسكرية مثالية، تثير الاعجاب:
– بكل تأكيد يا سيدي، فالملل بحد ذاته قد مل مني، ولن يكون مستعداً للمجيء معي إلى هنا أيضاً!
فربت المدير على كتفه بابتسامة ذات مغزى:
– يسعدني سماع هذا.. والآن اتبعني..
سار سمير خلف المدير بحماسة منقطعة النظير، إلى داخل المصنع الضخم، حتى توقف أمام أحد خطوط التعبئة والانتاج، فأشار المدير إلى عربة- تشبه عربات مناجم الفحم الواقفة على سكة حديد- موضحاً:
– الأمر ليس صعباً، ولكنه قد يكون مملاً فقط، فبعد أن تمتليء هذه العربة بالمواد الخام تلقائيا من الأعلى، عليك أن تربطها بإحدى حلقات عصا التحريك المتحركة، حيث ستتكفل العصا بإزاحتها إلى الامام، لأن مسار العربات عندنا ثابت على خلاف بقية المصانع، ثم ستظهر لك عربة أخرى، وهكذا.. أي أن كل ما عليك فعله هو ربط سلسلة كل عربة- بعد امتلائها طبعا- بحلقة من حلقات عصا التحريك، واحرص أن يكون الشغل المبذول أكبر ما يمكن..
وقبل أن يهم سمير بطرح أي استفسار، وهو يتأمل الحلقات المثبتة على عصا التحريك بشكل رأسي؛ كان المدير قد اختفى من أمامه كمن تبخر في الهواء!!
ورغم القلق الذي استبد بسمير من ذلك الاختفاء المفاجيء، الذي لم يتح له السؤال عما يدور بخلده؛ إلا أنه تماسك، وبدأ بمراجعة قانون “الشغل”، محدثاً نفسه بصوت مسموع:
– الشغل هو حاصل ضرب القوة في الازاحة، ولكن القوة هنا ستأتي من عصا التحريك، والتي بدورها ستزيح العربة للأمام!! فأي شغل هذا الذي سأبذله، بربط سلسلة العربة فقط بإحدى حلقات عصا التحريك؟!!
ولكنه سرعان ما تذكر موضوع “القدرة”، فأسرع يربط سلسلة العربة، بحلقة عصا التحريك العلوية، قائلا لنفسه:
– لن أهدر الوقت بالتفكير أكثر، فرغم أن المدير لم يذكر لي أي شيء عن “القدرة” التي تعتمد على الزمن، إلا أنني لن اسمح لنفسي بارتكاب أي خطأ هذه المرة..
ولم تكد عصا التحريك تبدأ بجر العربة، بعد أن أحكم سمير ربطها بالحلقة؛ حتى عمّت المكان أنوار حمراء ساطعة، مع دويّ حاد لصوت صافرة إنذار، حضر المدير على أثرها فوراً، كأنما ظهر من العدم أمام سمير ليخاطبه بلهجة حادة:
– أنت مفصول!
ورغم أن سمير بدا رابط الجأش بشكل غير مألوف، كمن اعتاد الصدمات أخيراً، إلا أنه دافع عن نفسه باستماتة:
– على الأقل أخبرني بالخطأ الذي ارتكبته، فقد ربطتُ سلسلة العربة بإحدى الحلقات كما أخبرتني..
فأجابه المدير بنفاد صبر:
– وتجرؤ على الكلام أيضاً بعد أن أخطأتَ في اختيار الحلقة المناسبة!!
حملق فيه سمير بذهول، قبل أن يقول باستنكار:
– أنتَ لم تحدد أي حلقة من حلقات عصا التحريك عليّ استخدامها في ربط سلسلة العربة، لذا هذا ليس ذنبي..
فرد عليه المدير بصرامة، وهو ينوي إنهاء الحديث:
– بل أخبرتك.. ألم أطلب منك أن يكون الشغل المبذول أكبر ما يمكن؟!
صمت سمير لوهلة، لكنه سرعان ما تساءل بنبرة لا تخلو من اهتمام واضح:
– عفوا سيدي، ولكن ما علاقة اختيار الحلقة بانتاج الشغل، أليس الشغل يعتمد على القوة والازاحة فقط؟
ورغم أن المدير كان غاضباً، لكن لهجة سمير المتلهفة للمعرفة، هدّأت أعصابه قليلا، إذ لم يكن ليكتم علماً عن طالبه، فأجابه موضحاً:
– هذا صحيح، الشغل يساوي حاصل ضرب القوة في الازاحة، ولكنه لن يكون أكبر ما يمكن؛ إلا أن كانت القوة المؤثر باتجاه الازاحة تماما، وإلا فإن جزء من هذه القوة سيضيع، مما سيقلل من قيمة الشغل، وكلما كانت المركبة الأخرى للقوة المتعامدة على الازاحة أكبر، كان إنجاز الشغل أقل!
لم يفهم سمير تماما ما الذي قصده المدير باتجاه القوة ومركباتها، لكنه شكره بأدب وانسحب بهدوء، وما ان خرج من باب المصنع حتى رن هاتفه، فأجابه بنبرة آلية:
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ماذا تريد؟
فأتاه صوت صديقه “الفيلسوف” من الجانب الآخر:
– ما هذه اللهجة الجافة يا صديقي، أريد الاطمئنان عليك.. هل وجدت عملاً؟
فرد عليه سمير:
– لم أعد مهتماً بالأمر بعد الآن!
فسمع شهقة صديقه المفزوع من هول ما سمع:
– سمير.. صديقي العزيز، لا تقل أنك استسلمت وسترضى بأن تبقى عاطلاً عن العمل إلى الأبد.. أرجوك أجبني.. أين أنت؟؟
فانفرجت شفتا سمير عن ابتسامة مريرة، وهو يطمئنه:
– لا تقلق.. الأمر ليس بهذا السوء الذي تتصوره.. كل ما في الأمر أنني..
والتقط سمير نفساً عميقا قبل أن يتابع:
– لقد قررت يا صديقي أن أدرس الفيزياء أولاً!
وهكذا توقف سمير عن “البحث عن عمل”، ليبدأ بـ “طلب العلم”، فالجاهل عدو نفسه كما تعلمون!
غير أنه بعد اسبوع واحد من هذا القرار؛ تلقى اتصالا من مدير المصنع، ليعرض عليه فرصة ذهبية، بقوله:
– إن عرفتَ أي حلقة كان عليك استخدامها في جر تلك العربة ولماذا، فسأقوم بتوظيفك حالاً، مع توفير دروس فيزياء خاصة لك، براتب موظف كامل.. فما رأيك؟
دمعت عينا سمير من الفرحة، فقد جاءه الفرج أخيراً، وكل ما عليه فعله الآن هو الاجابة عن سؤال المدير، فهل يمكنكم مساعدته؟؟
وتذكروا.. أنه بناء على إجابتكم سيتحدد مصير سمير، فأنتم من سيقرر إن كان سيظل “عاطلاً عن العمل” أم لا!
وهكذا نكون وصلنا إلى نهاية قصة “عاطل عن العمل”، مع أمنياتنا لكم بعمل مفيد، وعلم نافع، وقل رب زدني علما..
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
عليه أن يوافق
يسعدنا قرائتك للقصة ورأيك، لكن ترى أي الحلقات الموجودة في الصورة الأخيرة تتوقع أن عليه استعمالها!؟