Please or التسجيل to create posts and topics.

حلم

[ حـــلــــم ]

منذ صغري عشقت ذلك الإحساس، إحساس الركض خلف الكرة، ركلها وتمريرها ومنافسة الاخرين داخل ارض الملعب.. انه احساس بالنشاط والفرح والمتعة.

أحد أصدقائي والذي اسميه - صحيفة - اذ دوماً ما يحمل معه صحيفة... يسألني: يا عاصم... ماذا تريد ان تصير حينما تكبر؟ أي مهنة ستمتهن وأي نوع من الناس ستكون؟
قبل ان أجيبه أرد على نفسي "ولكن عمري 19 سنة الست كبيراً بعد؟" ثم اغوص في مخيلتي آخذاً بسؤاله..."ماذا اريد أن أصير؟ أي مهنة واي نوع من الناس سأكون؟؟".. تخطر في ذهني صورة جميلة للّاعب الوطني المتميز "هيثم" بينما صديقي ينتظر الجواب وهو يحدق بعيوني المغمضة وينصت لتلك الهمهمة الصادرة مني "همممممم" منتظراً اياها ان تتحول إلى جواباً لسؤاله المطروح.
فجأة افتح عيناي وأرد بثقة وحماس "هيثم"
ينظر اليّ صديقي نظرة عريضة وكانه لم يفهم ماذا يفعل هيثم هنا
- اعني اني اريد ان اصير لاعب كرة قدم متميز مثله.
- اه لما لم تقل ذلك بدل ذكر اسمه فقط؟
- ههه تحمست قليلاً.
- انت بالفعل متميز بكرة القدم ومتأكد من أنك ستكون نجماً مميزاً.
ملأني كلام صديقي بكتلة من الحماس لدرجة كلمة الشكر خرجت مني بسرعة مثل القذيفة...
- شكراً.

أدرس بالمرحلة الثانوية الاخيرة، انها سنة اتخاذ القرار ولطالما لم أحب الدراسة ولكن حبي لكرة القدم هو ما استحوذ على تفكيري حتى هذه اللحظة، فدوما ما أشارك بمباريات أعضاء الحي وكنت اميزهم إلا أن عيني كانت على الشاشة، أن أكون لاعباً وطنياً فعالمياً... وذلك ما خططت له.

- يا عاصم~ يا عاصم... اذهب إلى المخبز واحضر خبزاً للغداء فوالدك سيصل بعد قليل.
- حاضر يا أمي...

في طريقي للمخبز قابلت صديقي صحيفة والذي بدا متفائلاً ومتحمساً كما لو انه فاز باليانصيب
- عاصم عاصم.
- ماذا هناك يا صحيفة هل فزت باليانصيب؟
- لدي خبر سيفرحك جداً.
- يفرحني أنا؟ ما هو ما هو؟ هل ساقابل هيثم؟
- توقف عن تسبق الأحداث فأنت سيء في هذا.
- اسرع واخبرني ما لديك اذاً.
- وجدت اعلان باحدى الصحف عن تنظيم بطولة وطنية مفتوحة للناشئين.. لاستكشاف المواهب الوطنية وحين اتصلت بهم للاستفسار اتضح ان لديهم علم مسبق بك ورحبوا بفكرة ان تكون لاعباً اساسياً في البطولة وقيل ان قدمت اداءاً مرموقاً قد يتم تسجيلك بمنتخبنا الوطني وربما بالهلال او المريخ ان كنت بمهارتك هذه.
بالنسبة لي هذا الخبر كان كضرب من المنام، فلم اميز هل هو واقع ام احلام عصرية لم اميز الا حين شدني صحيفة من عنقي وضمني اليه بقوة وحماس
- تشجع يا بطل واريهم الوحش الذي بداخلك فهذه هي فرصتك لتصير ما تريد ولتنافس نجمك هيثم المحبوب، ستبدأ مهنتك المستقبلية من خلال هذه البطولة.
وسط ذلك الخليط من الاحاسيس وشد صحيفة لعنقي كنت اشعر بريبة شديدة تنتابني، ريبة منعتني من ابداء الكثير من التفاعل وذكرتني بأني في طريقي الى المخبز وان ابي سيصل الي المنزل وعصافير بطنه تزغزغ، فصرخت فجاة
- الخبز...
تركت صحيفة خلفي وركضت نحو المخبز.

في المساء كنت اجلس مع ابي نتناول الغداء بصمت، كان ابي يأكل بنفسيات مفتوحة بينما كنت كالذي يداعب الطعام ويسرح بعيداً، افكر في هل ستاتي تلك اللحظة التي اركض فيها خلف الكرة بالملاعب الوطنية والعالمية؟ هل ساقابل هيثم مصطفى وميسي ورونالدو؟ هل حقاً ساصير نجماً مميزاً انطلاقاً من هذه الأيام؟
فجأة يقطع صوت أبي الغليظ حبل أفكاري...
- لماذا لا تأكل؟ هل أنت بخير؟
اجبته بابتسامة مصطنعة - اجل أنا بخير يا أبي
- كيف حال دراستك؟
- تسير بأفضل حال
- انت بأهم عام دراسي، عام القرار ادرس جيداً لترقى الي كلية جيدة
تردد صدى صوت والدي في ذهني "ادرس جيداً لترقى إلى كلية جيدة" وكنت أفكر هل سأتمكن من التوفيق بين دراستي وجدولي لكرة القدم؟
ودون ان اشعر أخذتني ذاكرتي بعيداً إلى الوراء... إلى أيام الطفولة والشقاء
حين كنت اركض خلف الكرة وأبي يركض خلفي، كنت كلما خرجت للعب مع اصدقائي يقوم بتأنيفي ومنعي من اللعب، ولكن مجدداً كنت اعصي امره واخرج
حتى وصل الامر الي حمله السوط وضربي مراراً وتكراراً... كانت ضرباته مؤلمة جداً وكأنها بسوط من الجحيم، كنت اخشاه واخافه أكثر من أي شيء ومع ذلك كنت اعصيه واتعرض للضرب كل مرة وكأني لا أهتم، كرجل شجاع يواجه مخاوفه ليفعل ما يريد عام تلو الآخر مع مرور الزمن كان يشتد عظمي وعزمي بينما ابي كان يزداد ليناً تجاه هوايتي حتى ما عاد يعاتبني ان خرجت او لعبت، وكأنه ما عاد يهتم لمستقبلي..
حينها خطر ببالي ماذا لو ناشدته بان امتهن كرة القدم وها هي فرصتي بين يداي، فتحت فمي لانطق باول حرف ولكن شعرت بجملة من التردد والخوف فملأت فمي بلقمة من الطعام عوض الكلام.

بعد عدة أيام كنت وصحيفة في طريقنا إلى مكان التسجيل للبطولة وكنا متحمسين نغني اغاني كرة القدم وشاكيرا وغيرها ونضحك ونطرح تخيلاتنا لافضل لاعب وافضل مشجع ومدير اعمال وكلما زاد الخيال زاد حماسنا وعلت اصواتنا بالضحك والغناء، لم اخبر امي لم اخبر ابي لم اخبر احد، فقط انا وصحيفة وهكذا حتي وجدنا انفسنا أمام مبنى التسجيل..
كان المبنى فخم من مدخله وحتى اخر زاوية منه يقع عليها البصر، وفي أعلى بوابته لافتة مكتوب عليها "نادي الشباب والرياضة"، ولأننا كنا على موعد مسبق فحال دخولنا تم استقبالنا أفضل استقبال، جلسنا علي غرفة مكيفة وذو تفاصيل كثيرة مليئة بالكؤوس والميداليات وصور النجوم من ضمنهم صور عريضة لهيثم مما زاد حماسي ويقيني بأن هذا الدرب سيوصلني الي قدوتي وجهاً لوجه، حملنا اكواب العصير و وضعناها فارغة كما لو انه نخب تحقيق الاحلام.
ثم برجل قصير القامة وبدين ذو كرش مديد وصلعة منتصف الراس، تبدو عليه علامات الراحة والرزانة وإلى جواره رجل كتابع يحمل دفتراً، طلبو منا الجلوس فجلسنا وجلسا على الجانب الاخر من درج المكتب وبدأ الرجل بالحوار...
- اسمي عبدالله وهذا معاوني عوض، ونحن من القائمين على امر البطولة الوطنية هذه ونرجوا ان نجد فيها بذوراً واعدة تسهم برقي وطننا في مجال رياضة كرة القدم العريقة، ايكما عاصم؟.
صحيفة يرد بسرعة وحماس مشيراً إليّ...
- هذا هو عاصم يا سيد عبدالله.
- اهلاً بك يا عاصم، سمعت اخباراً جيدة عنك.
اخذني توتر شديد وبدأت الكلمات تخونني.
- آ~ أهلاً...
عبدالله لاحظ ترددي وهم قائلاً بمزاح...
- يبدو ان عصيرنا لم يكن مركّزَاً كفاية لتسترخي.
- كلا كلا، كان ممتازاً.
- كيف تبلي هذه الأيام في الملاعب؟.
- الحمدلله اتعلم الكثير كلما لعبت.
- الديك قدوة في المجال؟.
- إنه هيثم.
- آوه، يا له من نجم مميز بحق، ما هو طموحك؟.
- اريد ان اكون نجم مميز وطنياً وعالمياً.
- مع رعايتنا وأنشطتنا أضمن لك ذلك ان كنت مؤهلاً فنياً، فشد همتك.
وكالعادة في مثل هذه الظروف تخرج مني كلمة بحماس كالرصاصة...
- حاضر.

بعد برحة من الحوار بدأ السيدان عبدالله ومعاونه عوض علي إستخراج اوراق وسجلات وتارة بتحريك زر ماوس الحاسوب الموجود أمامهما على المكتب، ثم بدآ بحملة من الأسئلة حول الشروط والأحكام للتسجيل وكانت كلها تتوفر بي مروراً إلى شرط أخير، كان هذا الشرط يختبئ وكأنه زعيم أشرار في فيلم من الافلام، كأنه فاينال بوس في لعبة من العاب الفيديو، وكالقشة قاصمة ظهر البعير، او عله ظهري أنا...
كنت اراقب شفاه السيد عبدالله وهو يقولها...
- يا عاصم نحتاج إلى موافقة ولي أمرك.
لسبب ما شعرت بالخوف الشديد كما لو إني على وشك ان اخسر شيئاً عزيزاً لم أدري بعد ما هو، اهو حلمي ام والدي او شيء آخر؟ بينما يواصل عبدالله قائلاً:
- لن يكتمل تسجيلك حتى تأتي لنا بولي امرك ويوافق علي شروطنا وأحكامنا، سنقوم بتعليق تسجيلك حاليا فاسرع قبل انقضاء مدة التسجيل، الديدلاين.

وانا في طريق العودة مع صحيفة بقي صدى كلمات السيد يتردد في ذهني عشوائياً، موافقة، ديدلاين سجل، ولي أمر، ديدلاين...
صحيفة: أتظن أن والدك سيوافق بالأمر؟.
- ليس لدي أي تكهنات.
- ارجو ان يفعل، لأنه أكثر من سيفخر بك حين يراك تشعل الملاعب الكبرى.
- أرجو ذلك ايضاً يا صحيفة، على اي حال كم بقي على الديدلاين خاصتهم؟
- اسبوع، فأنجز بسرعة واقنع والدك حتى نعود ونكمل تسجيلك.
- اوففف، سأحاول يا صحيفة

وبلمح البصر، وكانها بضع ساعات قد مرت عدة أيام من الاسبوع وها نحن نقترب من الديدلاين.. جالس على نفس طاولة الغداء مع أبي بعد ان عدت من المخبز كالعادة وحضر هو من العمل، يأكل بنفسيات مفتوحة كالعادة بينما كنت كالصخرة الخوف جمد حتى افكاري، كنت احاول طوال الأيام الماضية طرح الموضوع له في كل فرصة سانحة ولكن هيهات هيهات، في كل مرة تندثر فيها كلماتي امام الخوف واتراجع في انسحاب تكتيكي كانها معركة كر وفر ولكنها من طرف واحد، فطرفها الآخر لا يعرف بأمر المعركة رغم انها تدور حوله.
حين اصطدم خوفي من ابي بخوفي من انتهاء الديدلاين تحتم علي ان أكسر كل حواجز الخوف واطرح له الفكرة... وفي لحظة خاطفة كانها حلم عابر تجردت فيها من روحي وحولت نفسي لألة كلام مبرمجة قلت له فيها اني اريد ان اسجل في نادي لكرة القدم واشارك ببطولة وطنية واريد مرافقته لي للتسجيل. قلت له كل ذلك واكثر ولا اصدق إني فعلت، كلا لم افعل كانت مجرد مخيلتي أوحت لي بأني فعلت.
عدت للواقع فوجدت نفسي جالس علي طاولة الطعام مع ابي وكل شيء طبيعي وكلينا صامت...
ولكن الشئ الوحيد الذي تغير أن أبي توقف عن الاكل واصبح صخرة مثلي هو الآخر، وليس من عادته التوقف عن الأكل في منتصفه هكذا ولكنه لأول مرة قد فعل ثم سمعته يقول:
- انت بأهم مرحلة تعليمية في حياتك، مرحلة القرار، توقف عن مطاردة الأوهام وادرس جيداً لتلتحق بكلية جيدة... اهذا مفهوم؟

نعم مفهوم يا أبي، هذا ما قلته في نفسي ولكن تخيلي للأضواء للملاعب لهتاف الجمهور للإنشادات التلفزيونية للميداليات للكؤوس وكل ذلك دفعني دون ان اشعر لمجادلة أبي..
- ولكن يا أبي، اذا نجحت بهذه سأكون لاعباً ذو مكانة جيدة وسأمتهن كرة القدم ولن احتاج للدراسة في شيء.
بغضب يضرب أبي طاولة الطعام بقوة حتي تسمع أمي فتأتي فذعة لتسأل ماذا يجري، وسط حضورها يقول أبي:لا تجادلني إما أن تواصل دراستك بجد او تغادر منزلي للأبد.

مجدداً صدى الصوت يتكرر في ذهني وقد اعترتني مشاعر سلبية تجاه والدي لدرجة هان علي التفكير بخيار مغادرة منزله على الفور.

عشية ذلك اليوم بقيت أمي إلى جواري تحاول إقناعي بسماع كلامه وطاعة امره وتذكرني بتلك الأيام...
أمي: هل تتذكر يا حبيبي حين كنت طفلاً صغيراً وبريئاً؟ كنت تركض في الشمس خلف الكرة فكان والدك قلقاً عليك ويحاول منعك لكنك لا تمتنع حتى أصبت ذات مرة بضربة شمس، شعر والدك انه ذنبه لأنه فشل في ضبطك، أو تلك المرة حين تعرضت لتمزق في إصبع قدمك وانت تلعب مع أصدقائك كذلك شعر والدك بالفشل وكل مرة كان يحاول ضبطك ولو بالقسوة مراراً وتكراراً مهما ارهقه أمرك كان دوماً يحاول حمايتك.

هنا تذكرت تلك الاحداث حقاً ولكني لم أكن أعلم أن أبي يحاول حمايتي، لاني وقتها كل ما اردت الحماية منه هو أبي وعنفه الشديد تجاهي... فتواصل أمي سرد جانب من أبي اسمعه لاول مرة...

- حين كان والدك طالباً بالمدرسة في أيامه الأولى كان مولع بكرة القدم ولعاً شديداً وكان لاعباً متميزاً فيها يتكلم عنه الفتية من عمره في كافة انحاء الحي.

سماع أمي تقول ذلك جعل عيوني تتوسع وكأني أرى نفسي في أبي وأرى أبي في نفسي، لدرجة تذكرت قولهم "الابن سر أبيه"، لتواصل أمي وتقول...
- كان لوالدك قدوة، لاعب مشهور اسمه "ايداهور" وكان والدك يحلم بأن يصبح مثله وذات يوم في احدى المباريات الحاسمة ضد اكبر فريقين وطنيين، كان فريق ايداهور متفوقاً وكان ايداهور نجم المباراة كالمتوقع وكان والدك يشجع نجمه المفضل بحماسه المعهود، حتي تلك اللحظة من تلك المباراة.... حدث امر ذريع هزّ كافة ربوع الوطن...

سكتت أمي وكنت متحمس لاعرف ما حدث فسألتها "ماذا حدث؟" فأجابت "مات ايداهور اثر اصابة تعرض لها داخل الملعب".
تذكرت هذا الخبر حين كان يقرأه صحيفة في احدى الصحف، كان لدى صحيفة هواية بجمع الصحف القديمة واحدى تلك الصحف اخبرني فيها عن خبر بوفاة اللاعب ايداهور في ارض الملعب، لكن لم يسبق ان اعرت المسألة اهتماماً لانها حدثت قبل عقود من ميلادي ربما، لكني الآن فجأة رأيت اهميتها من موقفي وخف شعوري السلبي تجاه قرار والدي، ولكن لا زلت لم أقتنع بترك حلمي لأسباب قد تعنيه ولا تعنيني، كنت أفكر لربما لو تفاجئ أبي بي كلاعب ناجح ورأى اهمية الامر سينسى خلافه معي ويرضى عني، لذا بدأت افكر بطريقة لمواصلة احلامي دوناً عنه.

وفي خطبة ظهر الجمعة كان الخطيب يتحدث عن أهمية بر الوالدين، وكأنه كان يعنيني من بين الجميع، شعرت أنه كان يخاطبني وحدي، ولعل كل حاضر بمشكلة كذي مشكلتي لشعر بأنّ الخطاب موجه له وحده فتابع الإمام اذ به يلقي بآيات من القرآن وأحاديث من السنة ومواقف عن برالوالدين للصحابة ويعز وينصح، حتي خرجت من المسجد وتلك الآيات تتردد في ذهني...
﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾
﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا ﴾
وتارة تتردد بعض تلك الاحاديث...
(الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فحافظ على الباب أو ضيع)
...(فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما)
وتارة اخري تتردد سير عن الصحابة الذين برو والديهم
ابي هريرة الذي بره قاد امه للإسلام بعد ان كانت تسب النبي
حارثة بن النعمان الذي اوصله البر إلى منزلة تلاوة القرآن بالجنة
وهذا وتلك وذاك وهكذا...

بقيت افكر بكل ذلك بينما لم انتبه للريح التي كانت تحملني منذ خروجي من المسجد، لم يوقفني سوى جسد شاب قوي اصطدمت به وقد كان يرتدي سترة هودي تغطي راسه...
- أعتذر كنت شارد الذهن ولم انتبه لوجودك.
الشاب: لا عليك كله بخير.
لقد كان الشاب يقف امام ملعب خماسيات بالحي وهو يتأمل فتية يلعبون كرة القدم، اذ قام احدهم بتسديدة جميلة ابديت حماسي فيها وذكرت انها تشبه تسديدة هيثم مصطفى الرائعة باحدى مبارياته، ويبدو ان الشاب لاحظ حماسي فبادر بسؤالي...
- أتحب كرة القدم؟.
- أجل، كثيراً.
- لما تحبها؟.
- لا ادري انها تشعرني بالنشاط والفرح والمتعة ربما.
- همه، نفس جوابي انذاك اذاً.
- نفس جوابك؟
- أجل فقد كنت احب ممارستها في صغري وكانت تشعرني بالنشاط والمتعة والفرح تماما كما تقول.
- وهل لا زلت تلعبها.
- ربما نعم وربما لا؟
- امممم لم افهم كيف لا تعرف ان كنت تفعل او لا؟
- ساشرح لك، ما إسمك؟
- عاصم.
- إسمعني يا عاصم، كنت اهوى ممارسة الكرة نعم، كانت هوسي كانت حلمي كانت هدفي، ولكن بالنسبة لوالدي كانت مجرد مضيعة للوقت، ونهاني عنها فلم انتهي وتابعت مسيرتي بها، سافرت إلى دولة أخرى وهناك تابعت مبارياتي و وصلت إلى مرحلة عالية واعتقدت انه الوقت لزيارة أبي، لا بد انه رآني بالتلفاز وسمع عني ما يرضيه...
ولكن عندما عدت صعقت بخبر وفاته، ولم يطلعني أحد بذلك، نعم قالو أنه رآني بالتلفاز كما توقعت لكن لم يرضى عني قط، وكل مرة يراني فيه يغلق التلفاز من فوره وقد وصاهم ألا يطلعوني بأي خبر عنه قبل وفاته لهذا لم يطلعني أحد حين توفي، واصلت التزاماتي بلعب الكرة لانها اصبحت مسار وطني لدي، ومهما حققت من انتصارات وانجازات فكل مرة اركل فيها الكرة أشعر بالمرارة فحسب، ودوماً افكر بأمر أبي وعدم رضاه عني، لدرجة بدأت أشعر بأني لا اريد لعب كرة القدم مجدداً، لا اريد رؤيتها ولا السماع عنها ولا بشئ يخصها، حلمي تحول إلي كابوس.

ثم سكت الشاب لبرهة وسكت ونحن نشاهد الفتية يلعبون بصمت

- عذراً كرة قدم، تلفاز وطنية من تكون؟

يقوم الشاب بانزال الهودي من على راسه...

- أنا هيثم ...
اخذني الذهول الشديد والدهشة وكأن كل أحلامي تحققت بهذا اللقاء، شعرت اني لعبت بكل الملاعب التي لعب بها وبارزت كل الخصوم الذين واجههم فقط بسبب حضوره أمامي، قدوتي يقف أمامي شامخاً ورائعاً، ظننتني لن التقي به الا حين اكون في القمة، فما بالي التقيه هكذا في يوم عادي ومساء عادي ومكان عادي ولحظة عادية؟ ولكن وسط كل هذا ما رواه لي جعلني أشعر بثقل عظيم
جعلني أشعر ان هناك اوراق يجب ان ترتب، كلمات مبعثرة يجب ان تصاغ ومسائل عالقة يجب ان تحل، أخذت توقيعه بالطبع، ولكن لا ادري

بقي يوم واحد على انتهاء الديدلاين وعلي أن اتخذ احد الخيارين، هل اواصل دراستي وارضي أبي ام اغادر المنزل واعرض عن أبي؟
بقيت اليوم كله وانا افكر بكل ما مررت به....
ثم أفكر بكل ما مر به أبي...
أفكر بكل ما مر به هيثم وأنظر إلى توقيعه الذي يذكرني بمرارة واقعه...
وأفكر بالخطبة التي سمعتها مؤخراً...
وأضع كل السطور في صفحة واحدة...
ما الذي يجب أن اقرره؟
وقبل ان اتخذ اي قرار انتهى اليوم وبالصبح جائني صحيفة وهو يرتدي زي المدرسة ليخبرني ان الديدلاين انتهي واخذ يشجعني ان الفرص كهذه تاتي وتمضي فلا يجب أن ابتأس لها، وان اتطلع قدماً إلى الغد...

بضياع فرصة ذهبية كنت أحلم بها كهذه وجب ان احزن وابتأس فعلاً لكن ما لم يدركه صحيفة داخلي أني ابداً لم أبتأس بشأن الديدلاين، بل شعرت انه غيمة سوداء كانت تختبرني فحسب، اختبار صعب اتعرض له لا غير، فحمدت ربي وشكرته على تسديدي، وأخذت حقيبتي ورسمت ابتسامة على وجهي وسبقت صحيفة نحو المدرسة وهو يلحقني راكضين لأننا تأخرنا علي الطابور، وسأرسم هذه الإبتسامة بوجه أبي قريباً بإذن الله، هذا هو حلمي الجديد.

انتهي
#ففيهما_فجاهد
#على_ثغرة

الملفات المرفوعة:
  • ٢٠٢٤-٠٤-٠٥-١٦-٠٢-٤٥-٤٧٣.jpg