Please or التسجيل to create posts and topics.

مشاركة غفران- فئة المؤلفين

 

بسم الله الرحمن الرحيم.
والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

مشاركة المؤلفة غفران

رابط المشاركة الاصلي:
https://www.facebook.com/groups/nebrasmangaka/posts/592895052792629/

 

وهنا نقل القصة:

قصة قصيرة _ أزهار الخيميائي!
 
أشرقتِ الأرضُ بالنورِ لمّا بزغ قرصُ الشمسِ فوق التلالِ، ناشرةً خيوطها الذهبية لينقشعَ ظلام الليل رويدًا حتى تلاشى، بينما حلقتِ الطيورُ بحريةٍ تتغنى بتغريدها فوق تلك المملكةِ باھرة الجمالِ، شاسعة المساحةِ، غنية الموارد. مملكة ضربتْ جذورها في عمق التاريخِ، في أصلِ الحضارةِ، وفي كلِ شريانٍ من شرايين الحياة. كانتْ تلكَ أرضَ العروبة، أرضَ السلام.
في ذلكَ اليومِ كانتْ المملكةُ تحيا أيامَ رمضان بكل خيراتهِ وجمالِ عطائهِ، متشحة بزينةِ الربيعِ البھية، فاللون الأخضر اليانعُ قد غطى أغصانَ الأشجارِ والطرقات، والجو دافئ مشوبٌ بريح لطيفة.
في دكانها الصغيرِ كان الشابةُ غفران منهمكةً في اعدادِ جرعِ الدواءِ المختلفةِ، إنّها فتاة في نهايةِ العشرين لكنّها خيميائيةُ معروفة في المدينةِ، تمزجُ الاعشابَ الطبية معًا في خلطةٍ تنعشُ الجسدَ وتريحُ المريضَ وتشفيهِ بعد فضلِ الله تعالى وقدرتهِ.
كانَ المرضى يتوافدون على المكانِ متتابعينَ، يطلبونَ مجموعة من الأعشابِ المختلفةِ، منها لإراحة العضلات، أو تخفيف الحمى، أو ازالة مرضٍ جلدي معين، كل زبون يطلبُ علاجًا مختلفًا، بينما الفتاةُ تركضُ هنا وهناكَ تحاول اجابة طلباتهم المتنوعةِ، بمساعدةِ متدربها الفتى الذكي اسامة الذي يأتِ كل يومٍ لينهلَ من بحرِ هذا العلمِ ويتدربَ ليكونَ الخيميائي القادمَ. كانَ العملُ مرهقًا وهما صائمين يلبيانِ الطلباتِ المختلفة، لكنّهما كانا يحتسبانِ الأجرَ، ففي عملهما مساعدة للغيرِ وخدمةً للمسلمينَ وتخفيفًا من آلامِهم خاصة في شهرِ رمضانَ المبارك.
جلستِ الشابةُ أخيرًا على الكرسي براحةٍ تلتقط انفاسها، وهي تعدلُ حجابها الخمري فوق رأسها وتمسح وجنتيها تعبًا، وقد خلا المتجرُ الطبي من أخرِ زبونٍ بعد انتصافِ شمس الظهيرة، كان هذا الوقت للراحةِ فقليل من المرضى يأتونَ فيه، بينما وقفَ تلميذها قريبًا يرتبُ القوارير الفارغة. لكنّ ظنها خابَ هذه المرةَ، فما كادت تمرُ دقيقتين حتى فُتحَ الباب فجأة ودخلَ منهُ فتى تلفتَ يبحثُ عن شيء ما، وما إن رأى الخيميائيةَ جالسةً خلفَ الطاولةِ حتى هرع إليها يقولُ بلهفة وهو يحملُ ورقةً مطوية: قالَ الطبيبُ أنّي استطيعُ الحصولَ على هذا العلاجِ مِن هنا.
نظرت له باستغرابٍ ثم اخذت الورقة منه وفتحتها، قرأت ما فيها قبلَ أن تتجهمَ ملامحها فجأة ثم تتجه إلى ادراجِ القواريرِ تبحث بينها فترة، لكنّها عادت متهدلةَ الاكتافِ تقول بأسف: كما توقعتُ، للأسفِ هذا الدواء نفذ من عندنا، عليكَ أن تبحثَ في مكانٍ اخر..
امتقعَ وجه علاء ولم يكن يتوقع أن يعودَ خالي الوفاضِ، لذلكَ أجاب بسرعة: لقد بحثتُ بالفعلِ لكنّهم أخبروني أنّي لن اجدها إلا في مدينةٍ أخرى، وصديقي لن يَستطيع الصمودَ في السفرِ! إنّه مريضٌ جدًا وقال الطبيب أنّ عليَّ العثور على هذه الاعشابِ في أسرعِ وقت! ألا يوجدُ طريقة أخرى للحصولِ عليها؟
نظرت له الفتاة بتعاطفٍ، وكانت تشعرُ بمشاعرهِ المتألمةِ لأجلِ صديقهِ لذلك قالت مقترحة: إنّها جرعةٌ مصنوعة من استخلاص عدةِ أزهارٍ برية، مكونةٍ من ثمانِ أنواعٍ مختلفة، لديّ ثلاثة منها هنا بالفعلِ، أزهارُ القرنفلِ والخزامى وأيضًا البابونج، لكن تنقصني خمسة اضافية، سأتواصلُ مع بعضِ رجالِ الخير، وارسلُ في الصباحِ الباكرِ من يجمعُهم لإعداد هذه الوصفةِ الخاصة.
شعرَ علاء ببعض الأملِ بينما كانت الحكيمةُ تتكلم، لكنّ ملامحَ التجهم عادت لتغزو تعابير وجههِ عندما سمعَ أن النباتاتِ لن تجمعَ حتى الغدِ، فقال معترضًا باندفاعٍ: لكنني أحتاجها اليوم! يمكنني أن اجمعها بنفسي إن شاء الله، أخبريني بمكانها فقط وسأفعلَ كل ما يتطلب الأمرُ لمساعدةِ صديقي.
اعجبتِ الفتاةُ بشجاعتهِ وقوةٍ هذه الصداقةِ التي تجعله يخاطرُ لأجلِ صاحبهِ، لكنّها قالت محذرة: يمكنُ الحصولُ عليها من الغابة أسفلَ الوادي، ستجدها هناك إن شاء الله، لكنَّ الشمسَ ستغربُ قبل أن تعودَ، فعليكَ الحذرُ من الحيواناتِ المفترسة في الغابة!
ابتسمَ وهو يضعُ يده على غمدِ سلاحهِ قائلًا بثقةٍ: ليستِ الحيواناتُ المفترسةُ ما يقلقني، فأنا فارس سَيفي معي والله تعالى لن يتركني فهو قوتي وسندي، لكنّي لا أعرفُ هذهِ النباتاتِ التي تتكلمين عنها، أتملكينَ رسوماتٍ أو وصفًا لها يساعدني للعثورِ عليها؟!
تدخلَ صوتٌ ثالثٌ في الحوارِ قائلًا باندفاع: لا وقتَ للبحثِ بينَ الكتبِ عن رسومات، سآتي معكَ!
التفتت الرؤوس إلى التلميذِ الذي نطقَ ذلك بعيونٍ متوقدةٍ فقالتِ الشابة المسؤولة عنه باستغراب: ولكن يا أسامة!!
قاطعها قائلًا بتصميم: واللهِ لن تستأثروا بإنقاذ روح مسلمةٍ لوحدكم! إنّه لأجرٌ عظيم، وأريدُ المشاركة في ذلك خاصة وأنّي قد تعلمتُ الكثير منكِ في الأشهرِ الماضيةِ وأعرفُ أشكالَ النباتاتِ الطبية وتمييزها بسهولة إن شاء الله ولن نحتاجَ لإضاعة الوقتِ هكذا!
كانَ وجهُ علاءَ قد شَّع بالسعادةِ لهذا الموقفِ من أخٍ لا يعرفه يقدم له المساعدةَ، لكنّه تساءلَ بقلقٍ فهو لا يريدُ تعريضَ حياةِ شخصٍ أخرَ للخطرِ على حسابه: احقًا؟ لكن اليس في ذلكَ خطر عليكَ؟ فقد نعودُ متأخرينَ بعدَ أن يحلَ الظلامُ.
أجابَ اسامة مبتسمًا: لقد قلتَ أنّكَ فارسٌ أليس كذلكَ؟ أنا اثق بقدرتكَ على حمايتي، كما أنَّ الله لن يضيعنا ونحن نحاولُ مساعدةَ صاحبكَ.. لذا لا داعي للقلقِ! ولنقم ببذل جهدنا للعودةِ بأسرعِ وقتٍ ممكن.
قالتِ الحكيمة غفران أخيرًا وهي تدعو لهم بالتوفيق: لقد حُسِم الأمرُ إذن، سأكتبُ لكم قائمةً بما أحتاجه من مكوناتِ، وسأبدأ بما عندي بالفعلِ حتى لا يتأخرَ صنع الجرعةِ الدوائيةِ، أدعو الله أن يسهل أمركم ويساعدكم في مسعاكم النبيل.
بعدَ دقائقَ كان الاثنان يركبانِ جواديهما منطلقينِ في رحلة سريعةِ لإنقاذ نفسٍ بريئة والحصولِ على ترياق المرضِ الذي ألمَ بهِا، لم يكن الطريقُ سَهلاً خاصةً والاثنين صائمين، لا يملكانِ حتى أن يرتشفا رشفةً ماءٍ، لكنّ الطعام أبدًا لم يكن وقودهما للحركةِ بل هو حُب الخيرِ ومساعدة الغير والايمان أنَّ الله تعالى لن يُضيعَ هذا النبل في قلبيهما، كما أنّهما يعلمانِ أن كل ما يحتاجانهِ هو توفيق من الله عز وجلَ فكثيرٌ من غزواتِ المسلمينَ وانجازاتهم البارعةَ كانت في شهرِ رمضانَ، حيثُ يمدُ الله الروحَ المؤمنةَ بالصبرِ واحتسابِ الأجر.
وصلا اخيرًا بعد قرابةِ الساعةِ الى حدودِ الغابةِ، كانت الشمسُ لا تزال في السماءِ إنّما قد اقتربَ وقتُ المغيبِ قليلًا، لذلك نزلا عن فرسيهما وحاولا اكمال الطريقِ مشيًا، لان البحث عن النباتات يتطلبُ تركيزًا وبحثًا دقيقًا، كان المطلوبُ منهما العثورَ على خمسِ نباتاتٍ مختلفةٍ اغلبها ازهارٌ عطرية، يضعُ فيها الله تعالى مقدرة الشفاءِ من مختلف الاعراضِ والامراضِ.
قالَ أسامة وهو يجرُ لجامَ حصانهِ: الزهرة الأولى تدعى بحبقِ رقيقِ الأزهار أو الريحانِ المقدس، وهي مُهمة جدًا في الوصفةِ لفوائدها الطبية وكونها الأفضلُ في علاجِ الالتهابات ومقاومةِ الحمى، ومن حسن الحظ أنّها الأسهل في العثور عليها، لأنّ لها شكلًا مميزًا وجميلاً!
وكانَ ذلكَ ما حدثَ حقًا، حيث لم تمضي دقائق إلا وكان الاثنانِ يجمعانِ تلك الزهرةَ التي تتكون من بتلات عمودية بلون بنفسجي تسرُ العين وتجذبُ النظرَ، مع رائحة عطرية قوية. فوضعا ما جمعاهُ في كيسٍ صغير وربطاهُ على سرجِ الحصانِ ثم أكملا البحثَ عن الزهرةِ التاليةِ حيثُ كان أسامة يصفها: نبتة اكليلِ الجبلِ هي شجيرة عطرية خشبية معمرة، أوراقها تشبه الصنوبر، من حسن حظنا أنّ الوقتَ ربيعٌ وهذا وقتُ ازهارها والحمد للهِ، فلن تجدها في المناخِ الباردِ، إنّ منها أزهارًا متعددةَ الألوانِ مِنها الأبيض والوردي والبنفسجي والأزرق الغامق!
تساءلَ علاء وهو ينظرُ حولهُ إلى اشجارِ الغابةِ المختلفة: هل سيكونُ العثور عليها سهلًا مثل الزهرةِ الأولى؟
_ نعم إن شاء الله، فهي واسعة الانتشارِ في هذا المكانِ، وهي مفيدة جدًا في تنشيط الجسدِ والأعصاب واعادة النشاط إلى الجسم العليل..
كانَ علاء سعيدًا جدًا وهما يعثرانِ على اكليل الجبلِ، فهذا يعني أنّه يقتربُ جدًا من مساعدة صاحبهِ، وقالَ في نفسهِ بأملٍ: تماسك يا صديقي فأنا عائد إليك بسرعةٍ بإذن اللهِ ولن يطولَ مرضكَ كثيرًا.
لكنّ الزهرة الثالثة كان تحديًا بعض الشيء، وأخذت منهما الكثيرَ من الوقتِ، فهي ازهارٌ بيضاء جميلة صغيرة الحجمِ تدعى بأقحوانِ زهرة الذهبِ، تشبه البابونج بشكل عام لكنّها مختلفة عنهُ في الشكلِ بشيء يسير كما أنّ لها استخداماتٍ طبية مختلفة.
وكلما أشارَ علاء إليها متأملًا سعيدًا، كانَ اسامة يهز رأسهُ مجيبًا بأسفٍ: إنّها أزهار البابونج وليست اقحوانَ الذهب، وكما قالتِ الحكيمة فإن ما ينقصنا هو الثاني وليس الأول! عليكَ أن تتحلى بالصبرِ يا علاء، وسنجدَ كل ما نبحث عنه إن شاء الله.
_ نعم سبحان الله، إنّه عملٌ يتطلبُ الكثيرَ من الصبرِ، ولكن كيف تفرق بينهما أيها التلميذ الذكي؟
اجابَ الصبي على سؤالِ علاء بابتسامةٍ مشرقة: لقد كنتُ أعملُ في دكانِ الخيمياءِ منذ فترةٍ طويلة وأتدربُ على مختلفِ أنواعِ النباتاتِ الطبية، المعلمة غفران صارمة جدًا في توجيهي، حيث أنّ هذا العملَ يتطلبُ الكثيرَ من التركيز في مزجِ كمياتٍ محسوبةٍ من الأعشابِ حتى لا تكون هناكَ تأثيرات معاكسة أو غير مرغوبة.
اتسعت عينا علاء دهشة لكلِ تلكَ التفاصيلِ وقالَ بنبرةِ اعجاب واضحة: ما شاء الله يبدو أنّ هذا العملَ معقدٌ جدًا.
_ نعم ويحوي على الكثيرِ من المخاطرِ أيضًا، فليست كل النباتاتِ مفيدةً في تركيبها، بعضها يحتوي على السمومِ أو الموادِ الضارةِ ان تم استعمالها بشكلٍ خاطئ، لهذا مطلوب منا أن نصبرَ طويلًا على تحليلِ المادةِ المستخلصةِ حتى نعرف فوائدها بالضبطِ وطريقة استخدامها..
وقبلَ أن يكمل اسامة كلامهُ كانت عيناه قد التقطتا أزهارَ اقحوانِ الذهب أخيرًا، فهتف بحمدِ الله وهو يتجه لالتقاطها بحرصٍ ووضعها في حقيبتهِ الخاصةِ، بينما علاء يتمتم من خلفهِ: إنّها حقًا متشابهة!!
وعلى الرغمِ من سعادة الاثنينِ بالحصولِ على أكثرِ من نصفِ المكوناتِ لكنّ وقتَ الغروبِ قد حلَّ ومعه كان الوقتُ لإفطارهما، فاخرج اسامة من الحقيبة المربوطةِ على ظهر الحصانِ كيسًا صغيرًا احتوى على عدد من التمراتِ كان قد جهزهم في حال اضطروا إلى الافطارِ في الغابة، كذلكَ اخرج الفارسُ قربةٍ من الماء فسموا الله وافطروا عليها: ذهبَ الظمأ، وابتلتِ العروقُ، وثبتَ الأجر إن شاء الله.
ثم صلى اسامةَ المغربَ على أرضٍ مستويةٍ ووقفَ علاء حارسًا يمشط المنطقة بعدَ ان بدأتِ الظلمةُ تتسربُ إلى الغابةِ، ثم تبادلا الأدوار حتى انتهى كلاهما من الصلاةِ والدعاء بتسهيل أمرهما، والعثورِ على الزهرتين الاخيرتين خاصةً أن الوقتَ لم يعد يسعفهما وعليهما العودة في أي دقيقة قبل أن يحل عليهما الليلُ في الغابة.
النبتة الرابعةُ وهي شجرةُ الصفصافِ الأبيضِ، تحوي اوراقهُ ولحافه على مستخلصٍ مهم جدًا في أي وصفة طبيةٍ ولهِ فوائد كثيرة لا تحصى.. لكنّ العثورَ عليهِ اخذَ وقتًا بسببِ تشابهِ اوراقهِ مع الكثيرِ من اشجارِ الغابة، وعندما عثرَ الاثنين عليهِ أخيرًا وتنفسا الصعداءَ للعثورِ على أصعبِ مكون بدآ يسمعانِ أصوات عواء ذئاب، كان الصوت يرتفع وكأنّه يقترب منهما فتشنجُ جسدُ اسامة هلعًا وهو يرى ثلاثة ذئابٍ تخرجُ من بينِ الشجيراتِ وتتجه لهما بأسنانها الحادةِ المتوحشة، أسرعَ علاء يستلُ سيفه من غمدهِ وكان مستعدلًا لمواجهة كهذهِ بسببِ تدريباتهِ الكثيفة، فسمى الله يسألهُ العونَ في قلبهِ.
خطوة ثم خطوتانِ.. تحركتِ الذئابُ باتجاههِم بخطواتٍ بطيئة مزمجرة بأسنانها، فرفعَ علاء سيفهُ من غمدهِ وأخذَ وضعَ الاستعداد يلوح بسلاحهِ مستعدًا لاستقبالهم، خطوة ثم خطوتانِ... ثم قفزَ أحدُ الذئابِ باتجاههِ بعنفٍ مزمجرًا بعواءٍ حادٍ، تمكنَ علاء من صدهِ بسيفهِ بسرعةٍ مصيبًا إياهٌ بجرحٍ بالغٍ فارتدَّ الحيوانُ للخلفِ لكنَّ ذلكَ لم يزده إلا جنونًا وهو يهجم على الشابِ مرة أخرى!
ثانية استطاعَ علاء أن يواجههُ ويضربهُ في مقتلٍ بسيفهِ الرفيعِ البتّار، لكنّه كان متبوعًا بواحدٍ أخرَ تمكنّ من نهشِ قدمِ الشابِ قبلَ أن يرفسهُ بقوةٍ وهو يصكُ على أسنانهِ ألمًا ألا يصرخَ، ثم بادرهُ بسلاحهِ منهيًا أمره وهو يلتفتُ إلى اسامة سريعًا عندما لاحظَ أنّ اثنين من الذئابِ قد ظهرا أيضًا من بينِ جوانبِ الغابةِ، وعلا صوتُ زمجرتها وعوائها، فقالَ لصاحبهِ هاتفًا: اركب حصانكَ وارحل من هنا حالًا، سأحمي ظهركَ حتى تخرجَ لبرِ الأمانِ.
هزَّ اسامة رأسهُ رافضًا: هذا مستحيل، لن أتركك في مواجهتهم لوحدكَ!
_ ارجوكَ اذهب فأنتَ تحملُ الأزهارَ الطبية التي وجدناها، وعلينا ايصالها إلى الحكيمةِ، كما أنّي وعدتُ أن أعيدكَ بأمانِ ولن أخلف وعدي بالحفاظِ على حياتكِ، هيا انطلق من هنا وسأتبعكَ بعدَ دقائقَ إن شاء الله.
كانَ اسامة أعزلًا وأصغرَ من أن يقاتلَ، لهذا لم يجد بُدًا غير الاستماعِ لتعليماتِ الفارسِ وهو يمتطي جوادهِ بسرعةٍ ويرحلَ وهو يدعو الله في صدرهِ أن يحفظ الشابَ صاحب القلبِ النبيلِ.
من جانبهِ بقي علاء يقاتلُ بمهارةِ تلكَ الذئابَ المزمجرة، ويمنع أي واحدٍ منها من اللحاقِ بالفتى، لقد كانَ يستذكرُ تعليماتِ معلمهِ وكيفَ يدافعُ عن نفسه أو يهاجمُ تلكَ الحيواناتِ المتوحشة، حتى تمكن بفضلِ الله من صدِ أكبرِ عدد منهم، قبلَ أن يسرعَ بامتطاءِ جوادهِ والاسراعِ باللحاقِ بالتلميذِ.
قريبًا من مدخلِ الغابةِ، وجدَ علاء اسامة على سرج حصانهِ منتظرًا قلقًا يدعو الله بأنفاس لاهثةِ، واشرقَ وجهه عندما رأى الفارسَ بخيرٍ وقد أعاده الله سالمًا، فقال بلهفة: الحمد للهِ الذي انجاكَ منهم، لقد انقذتَ حياتي هناك، وأدعو الله أن يجزيكَ كل خيرٍ جزاء ما فعلته!
ابتسمَ علاء بحزنٍ وأجاب: لم أكن أقوم إلا بواجبي، عندما حملت هذا السيفَ لأولِ مرةٍ عاهدت الله أن احمي بهِ كل ضعيفِ وأنصرَ كل محتاجٍ، والله تعالى يمدني بالعونِ والنصرِ، والآن علينا أن نعودَ إلى الحكيمة لأنهاءِ الدواءِ، مع أننا للأسف لم نحضر كل المواد المطلوبة..
_ ولكن من قال هذا؟!!
رفعَ علاء رأسه بدهشةٍ عندما فتحَ اسامةَ حقيبته وألفى بها خمسة أنواعٍ كاملة، اتسعت عيناه بصدمة وهو يقول: لقد عثرتَ على المكونِ الخامس؟ ولكن متى وكيفَ؟
ابتسمَ اسامة بسعادة وهو يجيب: لقدَ قمتَ بعملكَ بإنقاذي والدفاعِ عن حياتي، وأنا قمتُ بعملي أيضًا كما وعدتك في العثور على كل المكوناتِ، فعندما كنتُ اهربُ من الذئابِ سلكتُ طريقًا جديدًا بدون أن انتبه إلى اتجاهِ ركضِ الفرس، وقد وجدتُ فيه هذه ازهار البرسيم الحجازي الذي نبعث عنه فلم أصدق عيني!
_ ما شاء الله! أكادُ لا أصدق أن المكوناتِ قد اكتملت!
_ انظر ايها الفارس المغوار، لقد سهلّ الله لنا المهمة وجعلَ من الذئابِ سببًا يقودنا لتغيير الطريق والعثورِ على المكون الأخير! وهذا جزاء صبركَ في القيامِ بمهمةِ كهذهِ لإنقاذ صديقكَ، فنيتكَ الصافية النبيلة سهلت كل الصعاب.
اقتربَ الفارس وهو ينظر الى الزهرة الاخيرة وقال: سبحان الله من كان يتوقع ان يولدَ من رحم المعاناة فرج قريبٌ.
وتأملَ جمالَ ازهار البرسيم الحجازي، بساقه المتفرعة، وأوراقه المركبة، والنورة عنقودية رأسية، والأزهار صغيرة وردية اللون، مهمة جدًا لاحتوائها على الفيتامين الذي يوقف النزيف!
قال اسامة أخيرًا وهو يعيد الازهارَ إلى الحقيبة مغلقًا اياها: علينا ان نعود بسرعةٍ إلى الحكيمةِ ونعدَ لصاحبكَ الجرعة الدوائية بعد خلط كل المكونات التي عثرنا عليها.
بعد قرابةِ الساعةِ من العودةِ لدكان الخيميائيةِ، وجدها الاثنانِ واقفة قربَ البابِ تتحرك جيئة وذهابًا بملامحَ قلق واضحة، وما إن ابصرتهما حتى رفعت رأسها تحمدُ الله الذي اعادهما سالمين وتتنفس الصعداء براحةٍ، ثم قالت مرحبة بهما: أهلًا بعودتكما والحمد للهِ على السلامةِ، لقد قلقت جدًا عندما تأخرتما في العودةِ وحلَّ الليل عليكما هناكَ.
ثم انتبهت على جراحِ علاء فهتفت بصدمة: يا اللهي إنكَ تنزف! ما الذي حدث في الغابةِ؟
نزلَ الاثنين عن جواديهما بينما يقول الفارس مجيبًا: أرجوكِ لا تقلقي عليّ، وأبداي بإعداد الترياقِ الذي طلبه الطبيب، عليَّ أخذه إلى صديقي بأسرع وقتٍ.
اخذتِ غفران حقيبة النباتات الطبية واومأت بالإيجاب لطلبِه لكنّها اضافت بصرامة: سأفعل ما تريد حالًا لكنّك ستاتي معي للدكانِ وسيقوم اسامة بتضميدِ جراحكَ، فلن تهمل صحتكَ!
ابتسمَ الاثنانِ وهزا رأسهما بطاعة وهما يتبعانها لداخل البنايةِ.
وبعدَ فترةٍ قصيرةٍ كانت الشابة تعطي لعلاء قارورة العلاجِ التي طلبها وهي تقول: لقد قمتُ بكل ما أقدر عليهِ، ولكنّ يبقى الله تعالى هو الشافي المعافي من كل داءِ وسوء، وأدعو الله أن يجعلَ في هذا الدواء سببًا لعلاجِ صاحبكَ، فقد تكبدتَ الكثيرِ من الصعابِ وصبرتَ كثيرًا للحصولِ عليهِ.
قال علاء بنبرةٍ شاكرة: شكرًا لكِ ايتها الحكيمة على كل ما فعلتهِ، وشكرًا لك يا اسامة على مرافقتي في رحلتي الخطيرة، لقد كنتَ نعمَ العونِ والمساعدة.
ابتسمت الفتاةُ مجيبة: لا داعي لشكري فلم أقم إلا بعملي، وإنّي لأدعو الله أن اتمكنَ دائمًا من مساعدةِ كل مريض بعلمي الذي منحه لي.
بينما أكمل اسامة ممتنًا: أنا من يجدر به أن يشكركَ لأنكَ اريتني اليومَ أن الخير والتضحية لا زالت في الأمةِ وأنّكَ نموذج رائع للشاب المسلم الحريص على رفاقهِ، لقد ساعدتَ اليوم بإنقاذ حياتين وليست حياة واحدة فقط.
تبادلَ الاثنينِ التحيةَ قبل أن يخرجَ علاء من الدكانِ لأخذ العلاجِ إلى صديقهِ، متبوعًا بسلامِ ودعوات الحكيمة وتلميذها.
 
 
تمت ^^
الحكيمة أو الخيميائية هو كلمة بديلة عن الصيدلانية، لأن المطلوب كان أن يكتب المؤلف عن شخصيتهِ وهدفهِ، وبما أنّه كان المجال الذي أعمل فيه، حبيت أكتب عنه، فقط احترت بماذا اسمي كلمة الصيدلي ^^
أما اسامة فهو شخصية خيالية لغرض اكمال احداث القصة بما يتناسب مع الشخصيات.
ضياء has reacted to this post.
ضياء