00

ثورة الأطفال – الفصل الرابع


عن السلسلة

عندما يغيب البالغون ويملك الأطفال زمام الأمور في المدينة، تختلط الرغبات الطفولية مع حس المسؤولية وتصبح المدينة مسرحاً لحرب عصابات الأطفال.

تأليف: محمد نجيب
رسم: أكيرا عبد الرحمن
تلوين: توتا كوكو

التصنيف : مغامرات، غموض، درامي.


غلاف الفصل الثالث

اغتيال التاريخ -الفصل الثالث (دورك لتعرفي التاريخ الصحيح)


عن سلسلة “اغتيال التاريخ”

ترى هدى حلماً سريالياً يتبعه بعض الومضات الغريبة في الواقع، بينما يتعرض التاريخ العالمي للتشويه ويتأثر الوعي البشري بذلك التغيير، فيصبح العالم مختلفاً.

تقف هدى في صف الرافضين لهذه الأحداث.

هل لذلك الحلم علاقة بالأمر؟ كيف يتغير العالم بتغير التاريخ وما تداعيات ذلك؟ وكيف ستتصرف هدى؟!

تأليف: زينب جلال، محمد نجيب، محمد قمر
رسم: وائل سراج الدين
تلوين وتصميم: نور عمر

تصنيف القصة: خيال علمي، أكشن، درامي، غموض.



قد يهمّك: “نافذة إلى كواليس اغتيال التاريخ: رحلة النجيب في العالم العجيب.”


شعار نبراس

تركته لأجلك! – الحلقة 42

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

لم يخفَ على سوسن، أثناء مرافقتها لبهجة نحو المنزل، ملاحظة الألم الكبير المرتسم على وجهها، والمتناغم مع صوتها، مما أشعرها بضرورة مواساتها بدلا من انتظار المواساة لحالتها هي! فقالت لها بلطف:
– أرجوك عزيزتي، إنني بخير ولا داعي لهذا كله!!
غير أن بهجة التي لم تستطع حبس دمعات نفرت من عينيها:
– لا أستطيع مسامحة نفسي أبدا، فقد كان عليّ إخبارك منذ البداية بتحصين نفسك جيدا، لا شك أنها عين حاسدة أصابتك..
فنظرت إليها سوسن بابتسامة رقيقة، ولم تقل شيئا، فيما تنهدت في أعماق نفسها بألم:
– يا لطيبتك يا بهجة!! أبعد كل ذلك السفور الذي لا يُرضي الله حتما، تقولين أنها “عين”!! حتى لو كانت عين؛ كنت سأستحقها وبجدارة!!
وأمام صمتها تابعت بهجة:
– ربما في طبقتكم الراقية، لا تؤمنون بهذا الكلام، ولكن العين حق! وقد ورد هذا عن الرسول صلى الله عليه وسلم..
فأجابتها سوسن:
– أنا لم أنكر ذلك، ولكن العين لا تصيب إلا بأمر الله، وقد كنتُ أستحقها بلا أدنى شك، فلا تجامليني أرجوك.. لقد حاولتُ الخروج إلى الحفلة دون أن تريني، حتى لا تنصدمي بمظهري بعد حديثنا ذاك.. لقد انتقم الله مني حتما..
واختنقت الحروف في حلقها، فانفجرت باكية بنشيج أليم، فما كان من بهجة إلا أن ضمتها إليها وهي تربت على كتفها بحنان:
– إن الله يحبك يا عزيزتي، ويريد لك الخير بالتأكيد..
وصمتت قبل أن تتابع:
– العين حق وكل ذي نعمة محسود، لذا عليك بتحصين نفسك دائما..
ولم تشأ سوسن الدخول في جدل معها أكثر، إذ كانت متيقنة تماما من أنها الشخص الوحيد الملوم في هذا كله، بل كانت ترى أن من العيب في حقها؛ إلصاق ما أصابها على “العين”!!
أما بهجة فقد تابعت كلامها موضحة:
– أذكار الصباح والمساء هامة جدا، على الأقل داومي على الفاتحة وآية الكرسي، وسورة الاخلاص والمعوذتين، ولا تنسي قراءة خواتيم سورة البقرة (آمن الرسول..) كل ليلة، فهي ستكفيك من كل شيء بإذن الله، وإن دخلتِ مكانا فقولي (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)، و(بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم)..
وانتبهت بهجة لنفسها فجأة قبل أن تقول مستدركة:
– المعذرة.. لقد أخذتني الحماسة وأنا أسرد عليك كل ذلك دفعة واحدة!!
فأجابتها سوسن وقد بدا أنها هدأت تماما:
– جزاك الله خيرا، فسأحفظها بالتأكيد إن شاء الله، بل إنني قد بدأت بحفظ بعض الآيات فعلا..
غير أن بهجة أخذت تبحث في جيوبها قائلة:
– أظن أنني أحمل بطاقة أذكار في جيبي.. انتظري لحظة، سأرى إن تركتها في المطبخ..
ما هي إلا لحظة أو لحظتين حتى عادت بهجة وفي يدها البطاقة:
– احتفظي بها، وحاولي الحفاظ على الأذكار دائما فهي حصن منيع بإذن الله يا ابنتي، حفظك الله..
فتناولتها منها سوسن شاكرة:
– جزاك الله خيرا…
واستدركت فجأة:
– كيف حال ابنتك؟
فتنهدت بهجة:
– آمل أن تكون بخير بعد أن تركت ذلك العمل، رغم انها أصبحت تعاني من اكتئاب واضح في الفترة الأخيرة… إنها فتاة مراهقة وعنيدة بالفعل.. لقد أفهمتها مرارا وتكرارا أن ذلك الشخص ما كان ليناسبها أو يسعدها أبدا، غير أنها لا تريد أن تفهم!! ولا زالت تفكر فيه!!! هداها الله.. لساني لا ينفك عن الدعاء لها ليلا ونهارا..
فزفرت سوسن بأسى:
– إنه الحب…
وإذ ذاك تذكرت كلمات نور:
” الحب جندي من جنود الله .. والله لا يحاسبنا على مشاعر لا حيلة لنا بها، وإنما يؤاخذنا على تصرفاتنا وردود أفعالنا التي منحنا فيها حرية الاختيار..”

***

أسرعت نور نحو مقبس الكهرباء لتشحن بطارية هاتفها، فور دخولها غرفة فندق المطار، والتي ستقضي فيها هي وعامر ليلتهما تلك، بعد أن أعلنت شركة الطيران تأجيل الرحلة إلى صباح اليوم التالي..
وبعد أن وضع عامر حقيبة يده الطبية قرب السرير؛ التفت إليها قائلا:
– ما رأيك بعشاء فاخر في مطعم الفندق؟ إنهم يقدمون مأكولات بحرية بطريقة مميزة حسبما قرأت..
غير أن نور- التي انشغل فكرها تماما بأمر سوسن- أجابته بعفوية، وهي تقوم بإعادة تشغيل هاتفها:
– يمكنك الذهاب وحدك إن أردت، فلستُ جائعــ….
لكنها بترت عبارتها مستدركة، وهي تضع الهاتف من يدها:
– شكرا لك.. يبدو عرضا مغريا..
فرمقها عامر بنظرات متفحصة، قبل أن يقول:
– ترغبين بمتابعة حديثك مع صديقتك.. أليس كذلك؟
شعرت نور برجفة خفيفة في جسدها إثر ملاحظته تلك، إذ ليس من الحكمة أن تُظهر ذلك لزوجها، وبكل ذلك الوضوح! فله عليها حق أيضا، ولا شك أنه كان يرغب بمرافقتها، ولم يكن يقصد الطعام بحد ذاته! ولكن ماذا عساها أن تفعل مع قلقها ذاك على سوسن!!
وقبل أن تفكر بطريقة مناسبة لإجابة عامر، بادرها بقوله:
– على كل حال لم يكن صوتك خافتا بما فيه الكفاية، وقد سمعتك تتحدثين عن الحب! فهل أنت واثقة من حسن تعاملك معه؟؟
فاحمرت وجنتا نور حياء- إنه اتهام صريح، فلا شك أنها برأيه آخر من يحق له الكلام في موضوع كهذا!!- فقالت مبررة لموقفها:
– لقد قلت لك إنها فكرة رائعة، فالعرض مغري فعلا!
فابتسم عامر:
– حسنا.. لا داعي لكل هذه المجاملات، فأنت تعرفين أنني لستُ جائعا أيضا، وكل ما في الأمر أنني ظننتها فكرة جميلة لنخرج معا، ولكن بما أنك ترغبين بالحديث مع صديقتك قبل أن نسافر إلى كوكب آخر…
فقاطعته نور بانفعال واضح:
– هذا يكفي أرجوك، فأنت تشعرني بالذنب بكلامك هذا، وسأرافقك إلى أي مكان تريده شئتَ أم أبيتَ…
فأفلتت ضحكة صغيرة من عامر قبل أن يقول:
– هل تقولين هذا من أعماق قلبك، أم لتبرئة ذمتك وحسب؟!!!
وقبل أن يفسح المجال لنور، تابع بلهجة أكثر جدية:
– لا عليك يا عزيزتي فقد أعفيتك، ولكن أخبري صديقتك أن الحب الحقيقي الدائم لا يمكن استمراره بغير “التقوى”.. فالخلة أعلى مراتب المحبة، ومع ذلك إن لم يتحلى الأخلاء بالتقوى، فسينقلب هذا إلى عداوة بلا شك، آجلا أم عاجلا، كما بين الله سبحانه وتعالى في قوله: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين)
وأضاف وهو يرمقها بنظرات ذات معنى:
– لذا.. في ظل شريعتنا، عندما يبحث الرجل الصالح التقي عن الزوجة الصالحة التقية، لا يبحث عنها لتكون شريكته في دنياه حتى مماته وحسب، بل ولتكون شريكته في الجنة إلى الأبد بإذن الله.. هذا هو الحب الحقيقي كما أفهمه..
سرت قشعريرة في جسد نور لسماع ذلك، فرددت بتأثر:
– اللهم اجعلنا من المتقين..
وإذ ذاك فاجأها عامر بقوله:
– من هذا المنطلق يا زوجتي العزيزة، قررتُ التنازل عن الوقت الذي كنت أنوي قضاءه معك، احتسابا لله، لعل كلامك مع صديقتك يكون سببا في…
وصمت قليلا قبل أن يتابع بابتسامة مرحة:
– زيادة حبك لي..
فتوردت وجنتا نور، وهي ترد عليه بابتسامة مماثلة:
– في هذه الحالة لن أنسى معروفك هذا أبدا، وسأعوضك عنه حتما..
فنظر إليها عامر:
– أهذا هو ردك! تعوضينني فقط!! بماذا؟؟؟
فأجابته نور:
– بالخروج في وقت آخر طبعا!
فضحك عامر بملء فيه معلقا:
– وكأنك لستِ من أصرّ قبل قليل على الخروج معي الآن شئتُ أم أبيت!!
عندها ردت عليه نور بانفعالها المعهود:
– كنت أظنك جادا في كلامك عن التنازل أيها الطبيب المحترم!!
غير أن عامر أجابها بلهجة لا تخلو من جدية:
– بالطبع جاد تماما، لكنني أحببت ممازحتك قليلا!! ثم إن طبيعة مهنتي تحتم عليّ مراعاة ظروف الآخرين، وسلامتهم النفسية، ولا شك أن صديقتك بحاجة للحديث معك الآن، فلا تتأخري عليها أكثر..
واستطرد بابتسامة مُحبة:
– أما التعويض.. فيكفيني أن تتذكري أمر اللوحة..
همّت نور بسؤاله عن أي لوحة يتحدث؛ لكنها أمسكت لسانها في اللحظة الأخيرة، وقد تذكرت موضوعها الذي يُفترض أن لا تنساه أبدا!! فاكتفت بابتسامة واثقة:
– بالتأكيد.. إن شاء الله..
فأردف عامر وهو يهم بالخروج من الغرفة:
– سأقوم ببعض الأبحاث على الشبكة، في قاعة الحاسبات…
وغمزها متابعا:
– يمكنك التحدث على راحتك الآن.. وفقك الله..
فابتسمت له نور بامتنان شديد:
– جزاك الله خيرا، وبالتوفيق لك أيضا..
وما أن خرج عامر حتى أصدر هاتفها نغمة استلام رسالة:
” اعذريني يا صديقتي العزيزة، فرغم أنني قرأت رسائلك بخصوص سفرك المفاجيء، ولا شك أنك مشغولة الآن، لكنني بحاجة ماسة لاستوضاح بعض الأمور منك، أرجو أن تتمكني من مهاتفتي قبل إقلاع طائرتك إلى خارج البلاد وجزاك الله خيرا”
وفورا.. ضغطت نور زر الاتصال، سائلة اهلن أن يلهمها الصواب، ويوفقها هي وصديقتها لما يحب ويرضى..

***

أخذت الخادمات في منزل سوسن يرقصن طربا، ويغنين فرحا بكلمات تعبر عن مقدار نشوتهن، إثر رؤية ذلك الخبر الذي انتظره جميع من في المنزل بفارغ الصبر..
حتى بهجة، أصبح اسمها عنوانا لوجهها تلك الليلة؛ رغم ما حل بها أوله!!
وأسرعت إحدى الخادمات لغرفة سوسن؛ لتزف إليها البشرى، غير أن بهجة استوقفتها بقولها:
– لقد دخلت الآنسة غرفتها للتو، ولا تريد إزعاجا الآن، خاصة وأنها تجري اتصالا هاما..
فارتسمت علامات خيبة أمل على وجه الخادمة بوضوح:
– ولكنه خبر هام أيضا! فهو يؤكد تلك المقولات حول ازدياد شعبية والدها في الجولة الانتخابية!! لقد حصد أكثر من نصف أصوات الناخبين في الفرز الأوّليّ، ولم يتبق لنا سوى انتظار إعلان النتيجة النهائية رسميا!!
وتابعت وهي تكاد تطير من الفرحة:
– هل تتخيلين معنى هذا يا كبيرة الخدم!! سنصبح مستخدمات لرئيس الوزراء مباشرة، يا لحظنا السعيد!!
فأومأت بهجة برأسها متفهمة:
– بالتأكيد أفهم هذا يا عزيزتي.. ولكن علينا احترام رغبة الآنسة سوسن، وسيكون بإمكانك اخبارها هذا في وقت لاحق..
وغمزتها باسمة:
– اطمئني.. سأحرص على أن تبلغيها هذه البشارة بنفسك!!
فهتفت الخادمة وهي تقفز بسعادة:
– شكرا لك.. لن أنسى لك هذا المعروف أبدا..
فيما تمتمت بهجة برضا:
– الحمد لله.. فالسيد كارم رجل طيب وكريم، ويستحق كل الخير فعلا..

***

في تلك اللحظة، و في مكان ما، في إحدى زوايا غرفة معتمة، تسلل ضوء القمر من شق النافذة، ليرسم ظلالا مخيفة لشخص غامض، بعد أن أغلق التلفاز الذي كان مصدر النور الوحيد في غرفته!
وبعصبية ظاهرة.. رمى من يده جهاز التحكم بالتلفاز، ليرتطم بطاولة صغيرة، كادت أن تبعثره إلى أجزاء متهشمة..
وبكل ما يعتمل في صدره من حقد وغضب، أطلق ضحكة ساخرة، رددت صداها أرجاء تلك الغرفة الشاحبة:
رئيس وزراء إذن!!!!!!!!!!
أنت تحلم أيها الوغد!!!
سأجعلك تذوق طعم الانتقام، بل وتتجرع مرارته بيدي هاتين، حتى تتمنى الموت ولا تجده!!!!
بل سأجعلك تمقت الساعة التي ولدتك فيها أمك!!!
وستجثو على ركبتيك أمامي، دون أن أرحم توسلاتك الذليلة أيها الحقير..
إضحك كما بدا لك الآن يا كارم.. فقد اقتربت لحظة الانتقام…

………
يتبع ان شاء الله
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

شعار نبراس

تركته لأجلك! – الحلقة 41

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

بدا سامر شارد الذهن، وهو يجوب ممر المشفى بقلق، فيما أخذ عقله يسترجع ما حدث قبل قليل.. لم يتوقع أن يستمع إلى صوت نور بعد كل هذه السنوات..
وسوسن.. كلما تذكر سؤالها عن أيهم، شعر بغصة!
لا يزال مشهد استيقاظها من تلك الإغماءة عالقا بذهنه، كان يمني نفسه أن تهتف باسمه فور تحرّك شفتيها، غير أنها اكتفت برفع رأسها نحوه بعينين خائبتين، ومتسائلتين في الوقت نفسه، لتقول بصعوبة:
– ألم يتصل أيهم؟؟
شعر حينها بمرارة الالم، وخيبة الرجاء، وتعكر المزاج، بل أكثر من ذلك بكثير!! لماذا لا تزال تفكر فيه رغم كل شيء!!
حتى لو اتصل ذلك الوغد، لما أخبرها باتصاله، إنه لا يستحقها أبدا.. وعليه أن يتصرف لينقذها منه!!
ولكن ماذا لو اكتشفت سوسن ذلك!! عليه أن يكسب قلبها، ولو على حساب قلبه، لا أن ينفّرها منه! سيضطر لإخبارها بالتأكيد عن اتصاله، غير أنه – ومن حسن حظه- لم يتصل!!!
مما جعلها على وشك الدخول في إغماءة أخرى، لكنها فاجأته بطلبها الاتصال بصديقتها نور، لقد ظن نفسه واهما في البداية، لكن هذا ما حدث!!
ولم يجد بدا بعد ذلك من تركها وحدها في الغرفة، نزولا عند رغبتها…
***
لم تستطع نور حبس دموعها وهي تستمع لسوسن، فانهمرت غزيرة على وجهها بصمت، عليها أن تتماسك أكثر، فهي لا تزال في الطائرة، وستستعد للنزول منها مع عامر خلال دقائق! ما الذي عليها قوله في حالة كهذه! وأي إجابة ستجيب بها سوسن، التي تصر على سؤالها بإلحاح شديد!! ألا يكفي أنها بصعوبة تمكنت من سؤالها عن حالها، وتخمين مالذي أدى بها لدخول المشفى بهذه الطريقة، لقد فاجأها جوابها الصادم “إنها عقوبة من الله بلا شك”!!
وقبل أن تتمكن نور من استحضار اجابة حكيمة في ذهنها، أعادت سوسن سؤالها:
– أرجوك قوليها صراحة، ولا تخفي عني شيئا..أريد أن أعرف.. أن أعرف الحقيقة فقط.. ألا يوجد في الدين تعريف للحب؟؟ هل هو حرام، ويستحق من يقع فيه أقسى أنواع العقوبة؟؟؟
بدأ الركاب بالنزول من الطائرة، ومن لطف الله بنور أنها وزوجها قد اعتادا النزول آخر الركاب، حتى لا يتسببا في الزحام، عليها أن تنطق بسرعة قبل أن لا تجد فرصة أخرى للإجابة، ومع ذلك فالظروف حرجة، وأي إجابة ستنطق بها؛ سيكون لها أثر كبير على سوسن، فعزمت أمرها لتقول بإيجاز:
– الحب جندي من جنود الله، لا يعمل إلا بأمره، ولا سلطان لقلبٍ عليه..
وصمتت هنيهة رغم توقعها لردة فعل سوسن، لا شك أنها بانتظار المزيد من التوضيح، غير أن الوقت والمكان ليسا مناسبين على الاطلاق! ولم تتركها سوسن لتصمت طويلا، إذ سرعان ما قالت بحرقة:
– أكملي يا نور أرجوك.. إنني أسمعك.. أستحلفك بالله أن تخبريني بكل ما تعرفينه دون أدنى تحفظ، لم يعد يهمني شيء سوى معرفة الحقيقة!
بوغتت نور بما سمعته، فالتقطت نفسا عميقا قبل أن تقول بصوت خافت:
– حسنا.. ما أعرفه أن القلوب بيد الله يقلبها كيفما شاء، والحب من جنوده، يعمل بأمره في قلب عباده، فإما أن يكون نعمة أو يكون ابتلاء، نعمة يكافيء الله بها قلبا طائعا ممتثلا لأوامره، مجتنبا لنواهييه، فيكون الحب له عونا وسعادة ونعيما، وإلا فهو ابتلاء يختبر الله في ظله تصرفات عباده، فلا يملك الانسان اختيار الوقت الذي يبدأ فيه حبه، ولا الوقت الذي يضع فيه نهاية له، وقد ينساق لتصرفات لم يكن يرتضيها من نفسه قبل وقوعه في الحب، وهنا تكمن صعوبة الاختبار الحقيقي! الحب جندي حر لا يأتمر إلا بأمر الله، ولا سلطان لأحد عليه، وإن ادعى المحبون غير ذلك؛ فهم واهمون بلا شك…
ثم استطردت هامسة:
– آسفة عزيزتي، أرجو أن تعذريني فسأضطر لانهاء المكالمة الان، وسأتصل بك لاحقا إن شاء الله، فأنا في المطار وقد أرسلت لك رسالة بخصوص سفري.. على كل حال بإمكاني أن أخبرك باختصار، أن الحب ليس حرام قطعا، بل لقد شرع لنا الاسلام ما نحفظ به هذا (الحب) من الشوائب، لأهميته في حياتنا، فلا حياة من غير حب، ولم يكن اهي ليحاسبنا على مشاعر لا حيلة لنا بها، وإنما يؤاخذنا على تصرفاتنا وردود أفعالنا التي منحنا فيها حرية الاختيار….
وتوقفت نور عن متابعة حديثها؛ إثر إشارة من عامر، نبهتها لضرورة الاستعداد للنزول، فختمت حديثها بسرعة رغما عنها:
– انتبهي لنفسك يا سوسن، سأحدثك في أقرب فرصة إن شاء الله لنكمل الحديث، استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه..
***
“الحب جندي من جنود الله!!”
أخذت تلك الجملة تنتصب بشموخ في ذهن سوسن:
– ما الذي تعنيه نور بكلامها هذا؟؟؟ كيف يكون الحب جنديا مأمورا ولا سلطان لقلبٍ عليه، وإن ادعى المحبون غير ذلك فهم واهمون!!؟؟؟؟
لقد بدا الموضوع أشبه بلغز وأحجية، عليها التفكير بحلها!!
وبينما هي على تلك الحال، انتبهت لرنين هاتفها، فرفعته بلهفة على أمل سماع توضيحِ من نور، غير أن قلبها توقف لوهلة، بعد رؤيتها لاسم أيهم!!
لقد انتبه لغيابها أخيرا!
وشعرت برغبة في تجاهله، غير أن أصابعها أجابت الاتصال بتلقائية، ليأتيها صوت أيهم بتلقائية مماثلة:
– أين أنت يا سوسن؟ لقد غادر معظم الحاضرين ولم أجدكـ…
لم تستطع سوسن احتمال سماعه أكثر، فأجهشت بصوت باك:
– انني في المشفى.. إذا رغبت برؤيتي يمكنك الحضور..
واغلقت السماعة، بل والهاتف كله!!!
لو كان يهمه امرها لكلف نفسه معرفة ما حدث، وجاء اليها..
وأخذت تجهش بالبكاء بحرقة، فيما أخذت الممرضة تطلب منها الهدوء قليلا كيلا تؤذي نفسها، ولم تجد بدا من مناداة مرافقها، ليتصرف معها بما يراه مناسبا..
وما هي إلا لحظات حتى هرع إليها سامر بقلق:
– هل أنت بخير يا حبـ….. يا سوسن..
ومع سماع صوته اضطرت سوسن لتهدئة نفسها، وهي تشعر بضيق شديد:
– شكرا أستاذ سامر.. لقد أتعبتك معي كثيرا، أرجو أن لا تُزعج نفسك بمشكلاتي، يمكنك الانصراف، فسيأتي أيهم بعد قليل…
قالت جملتها الأخيرة جزافا، إذ لم تكن واثقة من ذلك، ولولا خشيتها من أن يأخذ وجود سامر معها منحى لا تُحمد عقباه، لما غامرت بكلام كهذا أصلا..
أما سامر الذي شعر بطعنة تخترق قلبه دون رحمة، فقد تماسك قليلا وهو يستند إلى مقعد مجاور، ليقول بنبرة يائسة:
– لا بأس.. سأنتظره إلى أن يأتي حتى أطمئن عليك.. ثم إنني لستُ منزعجا أبدا من وجودي إلى جانبك..
وهم بإضافة كلمات أخرى، غير أنها غاصت في قدميه هربا من الاعتراف بالحقيقة!
سادت لحظات صمت، قطعها سامر أخيرا بقوله:
– أرجو أن اتصالك مع السيدة نور قد ساعدك على تخطي الأزمة ولو قليلا..
عندها انتبهت سوسن لهاتفها الذي أغلقته! ففتحته بسرعة دون أن ترد عليه بكلمة، وفكرها مشغول بنور، هل أعادت الاتصال يا ترى؟؟
ثم قرأت رسائلها السابقة، فانتفض جسمها من هول الصدمة:
– هذا يعني أنها ستغادر مع زوجها إلى خارج البلاد!! كنت أتمنى رؤيتها مرة أخرى، بل وكنت أخطط للسفر إلى مدينتها!! لماذا الان؟؟ وأنا في قمة الحاجة لمساندتها!!!! يارب ساعدني..
رن هاتفها فجأة فأسرعت تجيبه من غير تركيز بهوية المتصل، لتتفاجأ هذه المرة بسماع صوت بهجة- كبيرة الطهاة والخدم في منزلهم- وهي تتحدث بانفعال:
– آنسة سوسن هل أنت بخير؟؟؟
ولما أجابتها بكلمة “نعم”، اندفعت بهجة في كلامها، لتفرغه دفعة احدة:
– أرجوك يا آنسة أين أنت الآن؟؟ لقد قلقت جدا عليك بعد أن أخبرني السيد أيهم بدخولك المشفى، لقد حاولنا الاتصال مرارا لكن هاتفك مغلق، الحمد لله أنني سمعت صوتك……
لم تستطع سوسن التركيز في كل ما قالته بهجة، فقد أصبح أكثر ما تخشاه أن يكون الامر قد وصل إلى والديها أيضا، وهما خارج المدينة الان، مما سيعقّد المشكلة أكثر!
فانتبهت لسؤال بهجة بعد أن أعادته عليها للمرة الثالثة:
– آنسة سوسن هل تسمعينني؟؟
فأجابتها سوسن:
– أجل..
فتابعت بهجة:
– إنني أسألك يا آنسة.. في أي مشفى أنت الان؟؟ فالسيد أيهم اتصل ليسألني عن ذلك وهو يظنني أعرف، لن أسامح نفسي أبدا إن أصابك مكروه لا قدر الله!! ماذا سأقول لوالدتك؟؟؟
فابتسمت سوسن رغم مرارة الألم:
– أرجوك اطمئني فلا داعي لكل هذا القلق، ولا تقولي لوالديّ شيئا رجاء..
والتقطت نفسا قبل أن تتابع:
– انني في مشفى الالم..
فأتاها صوت بهجة مستدركا بنبرة لا تخلو من دهشة:
– الالم؟؟ لم أسمع عنه!! أم أنك تقصدين مشفى الأمل؟؟
فردت سوسن ببرود قبل إنهاء المكالمة:
– أجل انه هو..
كانت سوسن في شغل تماما عن سامر، الذي كان يراقبها طوال الوقت بحسرة كاوية، فلم تكد تبعد الهاتف عن أذنها، حتى فوجئت بيديه تحتضنان يدها بطريقة أربكتها، وما أن التقت عيناهما؛ حتى شعرت بقشعريرة في كامل انحاء جسدها، كمن مسته الكهرباء فجأة! فحاولت انتزاع يدها، فيما أخذ سامر يحاول الاقتراب منها أكثر، وهو يميل برأسه وجسده نحوها، وقد بدا في حالة من الهذيان، المرافقة لشخص غائب عن الوعي:
– سوسن أرجوك.. سأفعل أي شيء.. إنني أحبـ….
فقاطعته صرخة ملتاعة من سوسن، وهي تجذب يدها بشدة، في حين دفعته بيدها الأخرى بحركة صدمته:
– لااااا.. لا يمكن حدوث هذا أبدا!!! ألا تقدّر موقفي أستاذ سامر!!! إنني خطيبة أيهم وأحبه بجنون، ولا يمكنني مسامحة من يفرح بتحطّم علاقتي معه، كائنا من كان…
وانفجرت باكية بحرقة، فيما أخذ سامر يحملق فيها بذهول، بعد أن ابتعد عنها خطوتين، إثر الصدمة التي أيقظته من أحلامه الوردية بعنف، ودون أدنى رحمة!!
وإذ ذاك.. انتبه على صوت أكثر شخص يبغضه في هذا العالم.. صوت أيهم الذي اندفع إلى داخل الغرفة بلهفة:
– سوسن يا حبيبتي.. هل أنت بخير؟؟؟ ما الذي حدث بالله عليك!!!
عندها.. لم يجد سامر بُدّا من مغادرة الغرفة بصمت، وهو يجرجر أذيالا طويلة من الخيبة، التي لا نهاية لها!! لم يعد له مكان في هذا العالم حتما، والذي حاول إقحام نفسه فيه عنوة..
أهذا ما يفعله “الحب” بأهله!!!!!
***
هتفت الممرضة بنبرة غير مصدقة:
– غير معقول!! جميع المؤشرات الحيوية عادت إلى وضعها الطبيعي تماما!!
فتهلل وجه أيهم بسعادة:
– هذا يعني أن بإمكانها المغادرة الان؟؟
غير أن الممرضة أجابته بتردد:
– لا بد من موافقة الطبيب المشرف على حالتها أولا!
فاستعجلها أيهم بقوله:
– ألا يمكنك مناداته بسرعة؟؟
وقبل أن تجيبه الممرضة، دخل الطبيب ليختصر الموضوع برمته..
وبعد أن قام بفحوصاته اللازمة، التي أكدت كلام الممرضة حول تحسن حالتها، وجه كلامه لأيهم، وهو يناوله كشفا كان بيده:
– تحتاج للقيام ببعض الاجراءات اللازمة للخروج، بالاضافة إلى توقيعك هنا سيد سامر..
فرمقه أيهم بنظرات مستهجنة:
– عفوا!!.. تقصد أيهم؟
فأردف الطبيب وهو يطالع الكشف من جديد:
– بناء على البيانات المدونة هنا، لقد تم إدخال الانسة عن طريق مرافقها السيد سامر، والذي وقع إقرارا بتحمله كافة التبعات المترتبة على ذلك و..
فقاطعه أيهم بنبرة غاضبة:
– إنه مجرد رجل تطوع لإدخالها المشفى بعد أن وجدها في حالة إغماء بلا شك! وأنا خطيبها أيهم الذي يتحمل كامل المسؤلية هنا..
غير أن عينا الطبيب لمعتا قليلا، وهو يتأمل اسم سوسن بتمعن أكثر قبل أن يلتفت نحوها بتساؤل:
– هل أنت حقا ابنة السيد كارم رجل الأعمال الكبير المرشح لرئاسة الوزراء حاليا؟
فأومأت سوسن برأسها مؤكدة:
– أجل إنني ابنته، ويمكنني تحمل كافة المسؤوليات المترتبة على خروجي الآن، ومستعدة للتوقيع على ذلك أيضا!
عندها أسرع الطبيب بإصدار أوامره للممرضة، قبل أن يلتفت إليها مبتسما:
– إطمئني يا آنسة.. كل شيء سيكون على ما يرام خلال دقائق معدودة!
***
“الحب جندي من جنود الله”..
هذا ما كان يتردد في ذهن سوسن طوال الطريق!! كانت غارقة تماما في حالة من التفكير العميق، وقد شعرت بنوع من الامتنان لتلك المكالمة المقتضبة من نور!! بل ولتصرفات سامر المريبة! من الجيد فعلا أن أيهم لم يأتِ قبل ذلك؛ وإلا لكان تصرفها معه مختلف تماما!! كانت ستفعل أي شيء لإغاظته بأي وسيلة، ولو اضطرها ذلك لارتداء الحجاب.. بنية إغاظته فقط!!! أما الآن….
وتنهدت بعمق، فيما كان أيهم يختلس النظر إليها بين الحين والآخر أثناء قيادته للسيارة، دون أن يتمكن من تخمين ما يجول بخاطرها، أو يجرؤ على اختراق حاجز صمتها!! لأول مرة يجد نفسه عاجزا عن التصرف معها بعفوية!!
حتى إذا ما أوقف السيارة أمام منزلها، انفرجت شفتاه عن صوت خافت ومرتبك:
– لقد وصلنا.. عزيزتي..
وكمن اسيقظ من حلم على حين غرة، التفتت إليه سوسن بنظرات مستفهمة:
– هل قلت شيئا؟؟
غير أنها استدركت ذلك بسرعة، فقالت وهي تهم بالنزول:
– شكرا لك..
فأمسكها أيهم من يدها مستوقفا:
– سوسن.. ألا تزالين غاضبة مني؟
وبدلا من أن يسمع جوابها، جذبت يدها من يده، وهي تشيح بوجهها عنه:
– أحتاج للراحة الآن، تصبح على خير..
ولم تكد تفتح باب السيارة، حتى هرعت بهجة نحوها بلهفة:
– الحمد لله على عودتك سالمة آنستي العزيزة، كيف حالك الآن؟؟
فابتسمت لها سوسن بوهن:
– الحمد لله بخير.. غير أنني أحتاج للراحة…
لم يدرِ أيهم ما الذي دهاه في تلك اللحظات ليصاب بالشلل!! فقد بقي واجما وهو يحدق فيهما بذهول، إلى أن دخلتا المنزل! حتى بهجة.. لم تحييه كعادتها، عوضا عن أن ترحب به، بل ولا يظن انها قد انتبهت لوجوده أصلا!!.. قد تكون معذورة، فابنة سيدها هي الأهم الآن، ولكن.. ماذا عن سوسن!! هناك خطب ما، يتعلق بها ويجهله بالتأكيد!!!
لايمكن أن يكون هذا الوضع طبيعيا بأي حال من الأحوال..
 
………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
شعار نبراس

تركته لأجلك! – الحلقة 40

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

أغلقت نور هاتفها وهي ترخي رأسها على مقعد الطائرة، بعد أن تفحصته للمرة العاشرة لعلها تجد شيئا من سوسن، وتحاول اقناع نفسها مهدئة:
– خير إن شاء الله..
مسترجعة آخر حديث دار بينها وبين سوسن قبل يومين، عندما سألتها عن بعض الأمور الفقهية في الطهارة والصلاة، بعد أن أنهت قراءة كتيب في الفقه الميسر نصحتها به سابقا، كما حدثتها عن إنهائها لكتاب الشيخ علي الطنطاوي “تعريف عام بدين الاسلام” ومدى تأثرها به وإعجابها بأسلوبه، أخبرتها بالكثير مما قرأته وتخطط لقراءته..
فابتسمت في سرها مستبشرة:
– إن سوسن تتقدم باستمرار ما شاء الله، لن أتعجب إن فاجأتني بخبر حجابها قريبا..
غير أنها سرعان ما تذكرت الظروف المحيطة بها، فرددت من أعماقها:
– يارب.. ثبتها على الحق والدين، واهدها الصراط المستقيم، ووفقها لما تحب وترضى يا كريم وطمئن قلبي عليها يا أرحم الراحمين..

***

لم تشعر سوسن بعذاب كالذي شعرته في ذلك الوقت.. كانت تقنع نفسها جاهدة بأن الأمور لن تتجاوز ذلك الحد- الأليم بحد ذاته! فهذا وضع طبيعي في عالم “الفن!!”.. عازف يشارك مغنية.. أو ممثلة وحتى… راقصة!! كلهن سيان… متجاهلة معرفتها المسبقة بنوايا سورا الواضحة تجاه أيهم، والتي تمكنت بصعوبة من تجاوز قلقها بشأنها في الفترة الأخيرة.. لكنها هاهي تصر على إثارة مخاوفها وقلقها من جديد..
حتى ذلك التجاهل لم يعد يجدي نفعا أمام ما تراه الآن أمام عينيها، وتشهد عليه بنفسها..
لقد باتت الأمور واضحة لها الآن ولا شك في ذلك..
لم تكن سورا لتغيب عن الساحة مؤخرا إلا لهدف.. وها هي قد أحكمت قبضتها، وربحت الجولة!!!
وكأن تلك الحركات المتعمدة لاستمالة أيهم لم تكن كافية لطعن سوسن في صميم قلبها، فما زالت على قيد الحياة وما زال بإمكانها احتمال المزيد على ما يبدو، إذ راعها انضمام أيهم فجأة لمراقصة سورا بإيحاء منها، في حركة أثارت انبهار الحضور، فتعالت صيحات الاعجاب والتصفيق الحار، أمام تجاوبه معها بتلقائية، كمن يتبع إشارات (مايسترو) محترف، فينفذها تماما كما يريد ومن دون نقاش!!
تمنت سوسن لو انهى قضت نحبها قبل أن تسُقها قدماها لحضور مشهد كهذا! ولم يعد بإمكانها استحداث حجج واهية أخرى تهدئ بها نفسها من أن أيهم ما فعل ذلك إلا مجاملة لها، وأنه لم يكن ليرفض طلبها أمام تصفيق الجموع وتشجيعهم، بل بدا لها مغيبا تماما وهو يغرق في عالم سورا وحدها!!
لم يلتفت نحوها وهي خطيبته الحبيبة كما يقول ولا حتى مرة واحدة منذ أن صعدت سورا المنصة، ولم يبد أنه قد شعر بوجودها في المكان وهو يشارك سورا رقصتها.. بل لقد بدا كمن نسي أن لها وجودا في هذا العالم كله!
كيف لم تنتبه لهذا من قبل!! إنها معزوفة أيهم التي أخبرها ذات مرة، أنها ما كانت لترى النور لولاها! وما حركات سورا الراقصة التي تراها، وانضمام أيهم لها بعد ذلك إلا تجسيدا لمقاطعها، وها هي سورا على وشك تجسيد الفقرة الأخيرة فيها.. “القبلة الأزلية”!!!
كلا.. لا يمكنها مشاهدة المزيد!! ولا يمكنها احتمال البقاء في المكان أكثر، إذ لم يعد في قلبها خلية سليمة يمكن لسهم جديد اختراقها، لقد انفجر المرجل أخيرا..
فجرت خارج القاعة، وهي تجهش ببكاء لم تتمكن من كتم نحيبه، أخذت تجري دون أن تعرف وجهة محددة تذهب إليها، وسياط اللوم تكويها من جهة..
– لماذا لا تتعلمين من أخطائك!! ألم تمري بحالة مشابهة في حفلة سابقة!! إلى متى ستحتملين هذا العذاب ثم تنهارين هكذا فجأة وعلى الملأ!! كان عليك أن تحسبي حساب هذا من قبل!!
وسياط القهر تكويها من جهة أخرى..
– لماذا يا أيهم.. لماذا تطعنني في قلبي وأمام عيني!! لماذا لا تفكر بمشاعري ولو للحظة!! ألم أفعل كل شيء لأرضيك!! حتى حجابي.. تركته من أجلك… كل هذا.. لأنني أحبك.. أفهكذا تدوس على قلبي حتى تسحقه!! أهذا هو الحب العميق الذي سنجتاز به عقبات الحياة!!!
تمنت لو تنشق الأرض وتريحها من هذا العالم، لو أن أمها ما ولدتها، لو أنها…..
ولم تشعر بنفسها إلا وهي بين ذراعين تلقتاها بحنان بالغ، لتضماها بشدة، فيما انخرطت هي ببكاء شديد لم تستطع إيقافه..
ولم تدر كم مر عليها من الوقت وهي على تلك الحال، قبل أن تنتبه لنفسها مرددة:
– أيهم؟؟!!
غير أن صوتا آخر مألوفا لديها أجابها:
– هل أنت بخير يا سوسن؟
فرفعت رأسها نحوه، لتهتف بدهشة:
– الاستاذ سامر!!!
وبسرعة.. انتزعت نفسها منه بصعوبة، وهي تبذل جهدا كبيرا حتى لا تفقد وعيها وهي بين ذراعيه، وتراجعت خطوتين إلى الوراء.. لتقول له دون تفكير:
– لماذا أنت هنا.. أستاذ سامر؟
ورغم سحابة الحزن التي خيمت على وجهه إلا أنه أجابها بابتسامة حانية:
– لأراك.. وأقف إلى جانبك..
غير أن الهتاف الذي علت نبرته من داخل القاعة، أبى إلا أن يذكرها بمأساتها، فالتفتت نحو المنصة البادية من الشرفة، لتراع بما تفضل (لو تُقتل ألف مرة) على رؤيته!! ولم يخفَ على سامر فهم ما بها وهو يرى آخر مشاهد “القبلة الأزلية”، حيث شخصت عينا سوسن، فأسرع يسندها قبل أن تسقط مغشيا عليها من الكرب الشديد، الذي سرى في أنحاء جسدها دون أن يترك فيه شيئا لم يتضرر.. قدماها لم تعودا تقويان على الحراك، ذراعاها ارتختا، وحتى دموعها.. جفت من مآقيها!!
أخذ سامر يهزها من كتفيها برفق وهو يسندها على كرسي أجلسها عليه:
– إنه لا يستحققك أبدا؛ فلماذا تهمّين نفسك من أجله!! أرجوك يا سوسن.. لا تدمري نفسك من أجله، فهناك من يحبك بصدق ومستعد للتضحية بحياته من أجلك… إنني أنا يا سوسن.. أنا سامر الذي لم يستطع العيش لحظة واحدة منذ أن رآك دون التفكير بك.. لقد أتيت هنا لعلي أراك، ولم يكن لي هم سوى ذلك.. أقسم بأنني سأعمل على إسعادك وتحقيق كل ما تريدين.. أرجوك.. فكري بقلب يتعذب في اليوم ألف مرة ببعده عنك.. تماسكي أرجوك.. من أجلي…
لم تكن سوسن تعي ما يقوله سامر، فقد كانت ذاهلة تماما عما يدور أمامها، وقد بدأت تغرق في الظلام الملتف حولها، وهو يمد بأذرعه الأخطبوطية ليخنقها..
ظلام في ظــــــلام في ظـــــــــــــــــــــــــــلام في ظـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام
ألا من بصيص نور ينقذها!!!!!

***

لم تكد نور تفتح هاتفها بلهفة بمجرد هبوط الطائرة، حتى سرّها استقبالها لتنبيه حول اتصالين من سوسن، وقبل أن تضغط على زر إعادة الاتصال بها، أتاها الاتصال الثالث منها فردت عليها بلهفة:
– الحمد لله أنني تمكنت من سماع صوتك قبل أن نغادر البلاد….
فما راعها إلا صوتٌ ذكوري يجيبها:
– عفوا.. أرجو المعذرة يا سيدة نور لاتصالي المفاجئ بك، معك الاستاذ سامر وقد اتصلت للضرورة بناء على رغبة سوسن..
ألجمت الدهشة فم نور، وعقدت لسانها بشدة، وغاص قلبها أسفل قدميها..
الاستاذ سامر؟؟ ما الذي يجري .. ماذا أصاب سوسن، هل هي بخير؟؟؟؟؟ لطفك يارب..
فيما تابع سامر كلامه أمام صمتها:
– إنها في غرفة العناية، إثر صدمة نفسية عنيفة أفقدتها وعيها، لكنها أفاقت قبل قليل وطلبت الحديث معك فورا، لذا أرجو منك أن لا تثقلي عليها بالحديث من فضلك..
أخذ قلب نور يدق بشدة، وآلاف التساؤلات تزدحم في رأسها من جديد حتى كاد أن ينفجر بها..
لماذا سامر هو من يدير لها الاتصال؟ وما هي طبيعة العلاقة التي تربطه بسوسن ليحدثها بهذه الطريقة!! أين أيهم عنها؟؟ هل حدث مكروه؟؟ هل وهل….
وأخيرا جاءها صوت سوسن الواهن بجملة واحدة فاجأتها:
– ما هو الحب يا نور؟
 
………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
شعار نبراس

تركته لأجلك! – الحلقة 39

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

أشرق وجه سوسن بابتسامة عريضة، وهي تزهو بحجابها الأنيق الذي أخفى شعرها وستر جسدها، قائلة بمرح:
– ما رأيك بهذه المفاجأة؟؟ أردتك أن تكون أول من يطلع عليها يا أيهم..
غير أن تجهم وجهه الشديد أربكها، فقالت بتردد:
– ألم يعجبك لباسي؟
فما كان من أيهم إلا أن أشاح بوجهه بعيدا عنها، قبل أن يتنهد بنبرة لا تخلو من حسرة:
– لقد خيبتِ أملي يا سوسن!
شعرت سوسن بغصة حاولت تجاهلها:
– لماذا يا أيهم!! أريد أن أكون لك وحدك..
إلا أنه لم يُعِر جملتها اهتماما يُذكر، وهو يرد عليها بقوله:
– لم أتوقع منك الاستسلام بسهولة لكلام أولئك الحاسدات.. ظننتك أقوى من ذلك بكثير!
فأسرعت سوسن تدافع عن نفسها قائلة:
– كلا يا أيهم، ليس الامر كما تظن.. إنها قناعة مني، ثم إن هذا أمر من الله….
فقاطعها أيهم:
– سوسن.. لا تتحدثي كالمعقدين أرجوك.. فالله غفور رحيم ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وهذا ليس من وسعنا أبدا ولا يناسبنا، أنت تعرفين ذلك يا عزيزتي..
ورغم تفاجؤ سوسن بمنطق أيهم، لا سيما وأنها المرة الاولى التي تسمع فيها استدلاله بآية من القرآن، إلا أنها أجابته بقولها:
– ولماذا لا يناسبنا!! حتى لو لم يكن هذا أمر من الله، إنني أجد فيه راحة نفسية لي..
عندها بدأ كلام أيهم يسلك مسارا أكثر رقة وهو يقول لها:
– أتفهم موقفك يا سوسن، ولكن هذا لا يناسب مهنتي أبدا، وما لا يناسبني لا يناسبك، ألسنا واحدا!!
وأمام صمت سوسن، تابع أيهم بتودد:
– المهم هو سلامة القلب يا حبيبتي، انظري إلى أخلاق المحجبات السيئة، فهل يسرك أن تكوني مثل سعاد مثلا!!
فردت عليه سوسن بتعحب:
– ولماذا أكون مثلها هي بالذات، أنا لم أقل أنني أريد ذلك، ثم إنه لا دخل للحجاب بتلك الأخلاق التي تتحدث عنها..
وأمسكت لسانها قبل أن يفلت بذكر اسم “نور”، بعد أن همت أن تضربها مثلا لحسن الأخلاق، وقد تذكرت ما يسببه اسمها من حساسية عند أيهم، في حين تابع الأخير كلامه:
– سوسن.. دعيك من التفكير بتلك الطريقة الآن فهي لن تفيدنا بشيء، لا سيما وأن أمامنا حفل النجوم الشهير الذي يتوجب علينا التفكير جديا بالإعداد له.. لذا ركزي على ما حققتيه من نجاح…..
فقاطعته سوسن بنبرة أليمة:
– أنت بقولك هذا تؤكد قول من يقول بأنني لم أكن لأصل إلى ما وصلت إليه لولا مظهري الذي بدأتُ أكرهه لهذا السبب.. لا أريد نجاحا زائفا لا أستحقه يا أيهم، لقد سئمت من هذا كله..
وفاضت عيناها بالدموع وهي تتابع بألم:
– أنت لا تفهمني يا أيهم.. ولا تريد أن تفهمني على ما يبدو!!
ورغم تعاطف أيهم معها بداية، إلا أن جملتها الأخيرة تلك أثارت حفيظته بشدة، فأجابها بعصبية واضحة:
– إذا لم ترغبي بالارتباط بي، فلم لا تقوليها صراحة إذن!!
كانت جملته تلك أشبه بالصاعقة الحارقة على قلبها، فنظرت اليه بدهشة غير مصدقة لما تسمعه، فيما أمعن أيهم النظر اليها بإصرار:
– أجيبيني يا سوسن!! أليست هذه كلها مؤشرات تلمحين من خلالها لرغبتك بالإنفصال عني؟؟ أنت تعلمين بأنه من الاستحالة لي القبول بحجابك بأي شكل من الأشكال.. أم هل تراه ذلك الطبيب حفيد العجوز!!
عندها أسقط في يد سوسن تماما، وشعرت بدوار لم تستطع معه حفظ توازنها، فكادت أن تهوي على الأرض دون حراك، لولا أن أيهم أسرع بإسنادها إلى صدره، وهي في حالة أشبه ما تكون بغياب الوعي..
ألهذا الحد وصلت أفكار أيهم!!
إنها أبعد من أي مدى قد تتصوره أو يخطر لها ببال، ولم تجد كلمة واحدة تعبر فيها عن صدمتها العميقة تلك، وحتى لو وجدت حرفا، لما تمكنت شفتاها من النطق به، فانسكبت دموعها غزيرة، فيما حاول أيهم تدارك خطأه وهو يشعر بندم على تفوهه بتلك الكلمات الجارحة، فضمها إلى صدره بشدة مربتا على رأسها بحب عميق:
– سامحيني أرجوك، لم أكن أقصد ذلك يا حبيبتي، لقد أخذتني الغيرة فحسب..
وترقرقت دمعات في عينيه أثارتها ذكرى قديمة لم يشأ تذكرها أبدا:
– أنت لا تعرفين شيئا يا سوسن، لو كان الأمر بقدرتي لما عارضت رغبتك أبدا، لكنه أكبر من ذلك بكثير.. والتفكير بأن أمرا ما قد يفرق بيننا لهو أشد إيلاما لي من ذلك كله..
لم يسبق لسوسن أن رأت دمعة واحدة في عين أدهم، مما جعلها ترق له بسرعة، وفي عقلها آلاف الأسئلة عن هذا الخطيب الذي تحبه ولا تعرف عنه سوى القليل على ما يبدو!!
فما كان منها إلا أن مسحت بيدها دمعاته برقة، مرددة:
– ولماذا تفكر بأن أمرا قد يفرق بيننا يا أيهم.. إن هذا يؤلمني أيضا، وأنت تدرك هذا جيدا..
وخفضت عينيها، لتبعدهما عن عينيه قبل أن تتابع:
– ربما يمكنني تفهمك يا أيهم؛ فلماذا لا تصارحني بالذي يزعجك من حجابي؟؟ ألستُ خطيبتك التي تشاركك هموم الحياة!!
فأطلق أيهم تنهيدة طويلة بثّتها زفرات صدره:
– لو كنت سأحدث بذلك أحدا، لما بحتُ به لغيرك، ولكنه أمر لا أرغب بتذكره أبدا، فهلا تناسيته أنت أيضا يا حبيبتي.. من أجلي..
لم تستطع سوسن مناقشته أكثر من ذلك، فقد كان الأمر مؤلما جدا بالنسبة له، ولم تكن بالتي تحتمل رؤيته وهو على ذلك الحال، فلم تجد بدا من الخضوع عند رغبته، وتناسي ما طلب منها نسيانه..
– لك ما تريد يا أيهم..
وحاول أيهم جاهدا نفض تلك الذكرى من رأسه بابتسامة ودودة:
– هذه طبيعة الحياة يا عزيزتي لا تخلو من مشكلات، لكننا بتفاهمنا وقوة حبنا سنجتازها معا بالتأكيد..
فبادلته سوسن ابتسامته بابتسامة مشابهة، فيما احتضنها هو بين ذراعيه مجددا:
– سوسن.. إنني أحبك حبا لا أعرف كيف أتصرف به معك.. ولا أعرف كم هي عدد المرات التي سأكررها بهذا القول لعلها تفي بجزء مما يختلج في صدري نحوك..
ولم تكد ترفع عينيها نحو عينيه لتحرك شفتيها بكلمة، حتى عاجلها بقبلة عميقة، انتفضت لها كل خلية في جسدها، وتسارعت لها نبضات قلبها للتتناغم مع دقات قلبه، حتى غديا كقلب واحد ينبض بانسجام..
واستسلمت سوسن أخيرا ليده التي امتدت نحو حجابها، لتزيله عن رأسها برفق، تاركا إياه يتهاوى على الأرض، مع دمعات نفرت من قلبها قبل عينيها لم تستطع لها حبسا، وقد بدأت آمالها المعلقة على الحجاب تنحسر تدريجيا، كسحابة صيف عابرة..

***

شعرت نور ببعض القلق وهي تعاود الاتصال المرة تلو الأخرى بسوسن دون رد منها، خاصة بعد أن تركت لها رسالة وتوقعت منها أن تسرع في الاتصال بها على إثرها، وها قد مرت عدة ساعات دون أي إجابة!!
غير أن صوت عامر، نبهها إلى ضرورة الإسراع في حزم حقائبها:
– ستقلع الطائرة بعد سبع ساعات فقط، وعلينا تسليم مفاتيح الشقة، ومن ثم المرور على والديّ ووالديك خلال هذه الفترة ، هيا أسرعي..
فطمأنته نور بقولها:
– لم يبق أمامي إلا القليل، فقد أنهيت كل شيء تقريبا..
ثم استدركت متسائلة:
– كم ساعة سنلبث في العاصمة بحد علمك؟
فأجابها وهو يقوم بإلصاق بطاقات الأسماء على الحقائب:
– هذا يعتمد على التزام شركة الطيران بمواعيدها، فقد نضطر للمبيت في فندق مطار العاصمة قبل أن يحين موعد إقلاع الطائرة التالية للاسف..
فهتفت نور بسعادة:
– الحمد لله.. هذا رائع!
ثم انتبهت لنفسها، مع نظرات عامر المتعجبة نحوها:
– ما الرائع في الموضوع!! تبدين سعيدة لهذه المماطلة!!
فابتسمت نور:
– دعاء السفر مستجاب، وستكون فرصة لنا لتكثيف الدعوات..
فرمقها عامر بابتسامة ذات معنى:
– يا لك من مراوغة، لم لا تقولين بأن السبب يكمن في شبكة الاتصالات التي تشغلك من الصباح!!
فاحمرت وجنتا نور:
– أريد السلام على صديقاتي قبل السفر إلى الخارج، خاصة وأن السفر بهذه السرعة كان مفاجئا، إذ لم أتوقع أننا سنغادر الليلة!!
فابتسم عامر:
– وكأننا لا نزال في العصر الحجري، أو أننا سننتقل للعيش في غابات الأمازون!! يمكنك استحداث شريحة جديدة عندما نصل إن شاء الله، ومن ثم تتواصلين معهن..
فضحكت نور معلقة:
– إذن عليك أن تستعد لدفع الفواتير أيها الطبيب المحترم..
فعلق عامر بقوله:
– في هذه الحالة.. أصبحت أرى أنه من الرائع فعلا أن تطول فترة انتظارنا في العاصمة حتى تنهي جميع اتصالاتك المهمة أيتها الحكيمة..
وضحك الاثنان بمرح، ورددت جدران الشقة صدى تلك الضحكات، لتخزّن في أعماقها ذكرى زوجين تركا أثرا لا يُمحى؛ حتى وهما يتعاونان في تنظيف الغرف من بقايا آثارهما فيها، بعد أن تم إفراغها من الأثاث الذي بيع جزء كبير منه، فيما تركت نور بعض ما قد تحتاج إليه عند عودتها في مخزن لدى والديها..
وقبل أن تخطو نور آخر خطوة لها خارج شقتها التي لم يمضِ على اسئجارهم لها أكثر من عام واحد، ألقت عليها نظرات مودعة، مر خلالها شريط ذكرياتها فيها كلمح البصر..
ما أقصر هذه الحياة..

***

وقفت سوسن أمام المرآة تتأمل نفسها بذلك الثوب الذي أحضره لها أيهم لتحضر به حفل الليلة.. “حفل النجوم”.. الذي طال انتظاره!
الأكمام لا وجود لها، منطقة الظهر مكشوفة، ومنطقة الصدر لا يسترها سوى غشاء رقيق شفاف، إذ لا يصح إطلاق اسم القماش عليه!
حتى طقم الحلي المرصع بالألماس والعطر الخاص، والحذاء الأنيق ذو الكعب الدقيق.. لم ينس إرفاقهم مع الثوب..
وتنهدت تنهيدة طويلة اختلطت فيها مشاعر الحب والحسرة في آن واحد، وهي تستعيد تلك اللحظات التي بدت لها كحلم قصير استيقظت منه بأسرع مما تتوقع!! فمنذ فترة طويلة لم يخفق قلبها بتلك المشاعر القوية نحو أيهم، والذي شعرت بشفافيته معها للمرة الأولى، وفي الوقت نفسه.. ها هي وبعد أول ارتداء لها للحجاب، تعود لترتدي ثوبا من طرازٍ ظنت أنها لن تعود إليه أبدا؛ منذ أن بدأت بارتداء الثياب المحتشمة..
لقد حسبت أنها تقدمت خطوة، فإذا بها تعود خطوات.. وخطوات كثيرة!
ودمعت عيناها بألم.. ماذا فعلتِ بنفسك يا سوسن!! وإلى أين تتجهين!!
غير أن طرقات الخادمة على الباب نبهتها إلى ضرورة الاستعجال:
– السيد أيهم بانتظارك منذ فترة يا آنسة..
فأجابتها سوسن وهي تكمل تصفيف شعرها المنساب على كتفيها بعذوبة:
– من فضلك، أخبريه بأنني لن أتأخر أكثر..
غير أن الخادمة وقفت لبرهة تتأملها باندهاش شديد:
– ماهذا الجمال الساحر!!! أنت فاتنة جدا يا آنسة!!

***

لم يستطع أيهم انزال ناظريه عن سوسن، وقد نسي ما كان يود إخبارها به من روعة طلّتها، وهي تنزل عن الدرج متجهة نحو الباب حيث وقف بانتظارها، وما أن اقتربت منه حتى تناول يدها اليمنى بيده طابعا قبلة عليها، في حين أحاط خاصرتها بذراعه اليسرى، ليضمها نحوه بقوة:
– أي رجل محظوظ أنا!!
فابتسمت سوسن برقة متجاهلة آلامها:
– من الجيد أنك لم تستقبلني بلوم على التأخير!
فخلل أيهم شعرها المنسدل بأصابعه، ليعاجلها بقبلة ندية:
– وهل يحق لنا لوم الجمال!! أنت الجمال بعينه يا حبيبتي، بل الجمال في حقك قليل!!
عندها همت أن تبوح له برغبتها في عدم الذهاب إلى الحفل، غير أنها عدلت عن ذلك، لترافقه نحو السيارة بهدوء، وهي تُمنّي نفسها بأن تمر الليلة على خير في مسايرتها له، حتى تتمكن بعد ذلك من إيجاد طريقة تفتح فيها النقاش معه حول هذا الموضوع من جديد..

***

مرت الدقائق ببطء شديد، حتى عقرب الثواني.. أصابه الشلل؛ فلم يعد يقفز كعادته! وبدا الليل وكأنه لا يريد أن ينتهي، فما أن تنتهي فقرة، حتى تليها فقرة.. الأجواء صاخبة، والعيون ملتهبة، والرغبات ثائرة..
هذا هو انطباعها عما تراه، وإن تحدث الناس بغير ذلك..! ولا تظن أن هناك مكان قد يُبهج “إبليس” أكثر من هذا المكان!!
تُجامل هذا، وتبتسم لذاك، وتحاول اقتضاب الجمل قدر المستطاع في ردها على عبارات الاطراء والاعجاب المنهمرة عليها من كل جانب، وهي تبذل جهدا كبيرا للحفاظ على مسافة معقولة بينها وبين عشرات الراغبين بقربها.. وملاصقتها!!
أما أيهم.. نجم الحفل الذي سطع بلا منافس… فهل يحق لها أن تغضب من حشد المعجبات حوله!!
نساء كاسيا عاريات، مائلات مُميلات..
جملة أليمة لوصف المشهد، بل هي أكثر ما يؤلمها في هذا المكان، وهل يمكنها لومهن وهي تبدو كواحدة منهن!!
أغمضت سوسن عينيها للحظات، لعلها تهرب بروحها على الأقل من هذه الأجواء القاتلة، وقد نسيت لوهلة أن الحذر واجب في هذا المكان.. فما لبثت أن شعرت بيدٍ غليظة تحط على كتفها، اقشعر لها جسدها فانتفضت من مكانها ملتاعة كمن لدغتها أفعى، لتجد أمامها رجلا أشيبا يغمزها بعينه باسما:
– ما رأيك.. بمائة مليون (من العملة الصعبة)..؟؟
وأمام صمتها “المذهول”، تابع مؤكدا كلامه وهو يتناول دفترا من جيبه:
– إنني جاد تمام.. مائة مليون أو.. أكثر، إذا شئت..
والتقط نفسا عميقا قبل أن يشير بعينه إلى أحد الجهات:
– هناك غرفة فارغة..
لم تكد سوسن تدرك معنى ما يرمي إليه، حتى كادت أن تفقدها صوابها، فأفلتت منها صرخة مكتومة، ضاعت وسط صخب الضحك والغناء، همت بأن تشتمه فيها بأقذع الشتائم التي لا تعرفها، وتفجّر فيه مشاعرها الغاضبة المتراكمة في صدرها المكبوت كمرجل يغلي ولا يجد له متنفسا، لولا خشيتها من إثارة مشكلة لا يكون باستطاعتها ولا باستطاعة أيهم تحمل عقباها خاصة في هذا المكان، فجاهدت لتقول له جملة واحدة:
– إنني خطيبة أيهم..
وأدارت وجهها لتبتعد من أمامه بسرعة، باحثة بعينيها عن أيهم؛ كالغريق الباحث عن خشبة يتعلق بها وسط بحر هائج!
ولم تكد تعثر عليه وهو يحتسي كوبا من الشراب مع إحدى الممثلات الشهيرات، حتى طرق سمعها صوت مقدم الحفل، وهو يعلن عن المفاجأة الختامية لحفل الليلة.. فهدأت الأصوات، وامتلأت النفوس بالفضول مع تقديمه المثير:
” هل سبق وأن شاهدتم قطعة موسيقية تتحرك أمام أعينكم؟؟ أقول شاهدتم.. فركزوا أيها السادة على كلمة شاهدتم وليس (سمعتم)؟؟”
فعلت الهمهمات بين الحضور، في حين تابع المقدم كلامه بحماسة:
“استعدوا لمشاهدة اسطورة العصر، النجمة الواعدة.. التي لم تشهد العصور مثيلا لها في رشاقة الحركات، وتناغم الرقصات، لتروا بأعينكم أشهر معزوفة موسيقية أبدعها نجمنا الكبير.. أيهــــم……”
ومع ذكر اسم “أيهم” غاص قلب سوسن في صدرها، فلم تستمع لبقية الكلام… ألم ينتهي من تقديم فقراته بعد!! لقد كانت تحسب له المعزوفة تلو الأخرى كما أخبرها من قبل، غير أنه لم يأتِ على ذكر شيء من هذا القبيل!.. نجمة وأسطورة!!!
وبينما تعلقت العيون على المنصة، بارتقاب هذه الأسطورة، أشار المضيف لأيهم بالتقدم.. عندها التقت عينيه بعيني سوسن للحظات معدودة؛ أفهمها من خلالها أن الموضوع مفاجئا له هو الآخر!! إذ لا علم له عن وجود “نجمة” بهذه الأوصاف من قبل!!
وبدأ الفريق عزف الموسيقى، أمام لهفة الجميع، لتظهر آخر فتاة ترغب سوسن برؤيتها في هذا المكان بالذات..
لم تصدق عينيها بداية.. فأغلقتهما وفتحتهما عدة مرات لتستوثق من هوية الفتاة الواقفة أمامها.. وأمام أدهم، بجسدها الذي أبرزت مفاتنه بشكل لم تشهد له مثيلا من قبل، والذي لم يستره سوى ثوب- إذا صح إطلاق اسم الثوب عليه- فُصّل خصيصا ليُظهر أكثر مما يُخفي وهو ساكن، فكيف إذا اهتز!!
والأدهى من هذا كله.. أن أيهم بدا هو الآخر متفاجئا من رؤيتها.. بل.. ومبهورا بذلك أيضا!! هذا ما شعرت به عينا سوسن المثبتتين على أدهم بإحكام!!!! ولم تكن لتحتاج لشهادة عينيها وحسب، فقد كان عزفه خير دليل على ذلك، قبل أن يعود إلى طبيعته، وبنسجم الاثنان..
أيهم بعزفه.. وسورا برقصها، في قالب واحد!!!

………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
شعار نبراس

تركته لأجلك! – الحلقة 38

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

قد تكون ثلاثة أشهر مدة قصيرة ليصدر أحكامه هكذا، لكنها كانت كفيلة بما يكفي لتعزيز مكانتها في قلبه.. كانت تساعده في ادخال البيانات الخاصة ببحثه، عوضا عن قيامها بطباعة التقارير له، لا سيما وأنها سريعة في ذلك اضافة الى لغتها الممتازة، بل انها أصبحت مُلمّة بشكل كبير بطبيعة تخصصه من كثرة حديثه عنه، ومع ذلك لم يذكر انها شاركته هما واحدا من همومها، حتى مجال الرسم الذي عرف من والدته عن موهبتها فيه، لم تخبره عنه مطلقا ولا عن هدفها بشأنه؛ إلا بعد أن أثار الموضوع معها.. يومها لحظ تعكر مزاجها لأول مرة، أو ربما خُيّل اليه ذلك، إذ سرعان ما أخبرته عن هدفها؛ لينسجما معا في حديث آخر عن نهضة الأمة وأهدافهما المشتركة بانشاء جيل صالح، كانت أقرب ما يكون للصديق منها للزوجة الحبيبة، وهذا أسعده كثيرا بداية، لكن الآن… أصبح يؤرقه ذلك إلى حد كبير!!
حتى أنه عندما اقترح عليها معاودة الرسم مرة أخرى في تلك المدينة، لم تكن لتبالي بإحضار لوحاتها للمنزل، هل تظنه حقا لا يهتم بها إلى هذه الدرجة!! ربما قد أدركت عدم اهتمامه بالفن، لكن هذا لا يعني انه لا يهتم برسمها هي شخصيا!!
ربما عليه توضيح هذه النقطة لها أكثر!
الهذه الدرجة يحبها! حتى مجال الرسم الذي لا باع له فيه ولا ذراع، ولا يذكر يوما انه فكر بتأمل لوحة عوضا عن رسمها، أصبح مهتما بمعرفة كل شيء عنه من أجلها!!
لقد علم بأنها توقفت عن الرسم لفترة لا بأس بها، أتراها عانت من أمر ما!!
لماذا راوده شعور بأن شرودها ذاك له علاقة بالفن!! إنها من النوع الكتوم جدا كما استنتج مؤخرا، فهل هي بحاجة لفنان مثلها ليفهمها؟؟
شعر بوخزة في صدره إثر تلك الخاطرة!! فصرفها عن رأسه بسرعة، مستعيذا بالله من شرها، فيكفيه أنه لم يستطع فعل أي شيء من قلقه عليها وتفكيره بها، عندما لم تُجِب على اتصاله بداية، بل وقد ازداد الطين بلة عندما اجابته بتلك اللهجة المصطنعة بعد ذلك، لقد شغلت عقله تماما ولم يستطع التفكير بأي شيء سواها في ذلك الوقت، وهو الذي ظن بأنه لا شيء يمكن أن يلهيهه عن عمله وبحثه، كان شغوفا بالقراءة وبالكاد يجد وقتا ليلتهم المزيد من المعلومات التي قد تساعده في بلورة فكرته البحثية، ومع ذلك لم يستطع التركيز في صفحة واحدة من انشغال عقله بها!!
لقد صدقت امه:
– لا تكن واثقا بنفسك كثيرا، فربما تجد نفسك مغرما بها أكثر من بحثك الذي تعشقه!
– اذا كان هذا ما ترينه فلا بأس! رغم انني لا أرغب بالاقدام على شيء يلهيني عن بحثي، فهدفي هو نهضة الأمة قبل أي شيء!
فما كان من امه إلا أن علقت بقولها:
– ما من إفراط إلا وسيعقبه تفريط، والقلوب بيد الله يقلبها كيفما يشاء..
وهاهو الآن يثبت ذلك عمليا!! وإلا.. فما هو التفسير المنطقي لتصرفه ذاك!!
صحيح أنها بجواره الآن، لكنه لم يستطع احتمال فكرة لامبالاتها به في ذلك الوقت، ما هو الشيء الذي يشغل تفكيرها! هل كان غضبه منها بسبب قلقه عليها، أم لأنه شعر بأنها لا تبادله ذلك الاهتمام أبدا!!
أحس برجفة خفيفة في جسده، فهو لا يريد أن ينقلب ذلك وبالا عليه، وهو الذي كان يعيب على المحبين تضييع مصالحهم! صحيح أنها زوجته، لكنها تشغل تفكيره بشكل كبير، أكبر مما يُفترض برأيه، الا يكفي في البيوت الاحترام والتفاهم، وهي لا تقصر في ذلك بشيء!! فما باله الآن يفكر في أمور كهذه لا تسمن ولا تغني من جوع! بالطبع لن يسألها ما إن كانت تحبه أم لا؛ فجوابها سيكون نعم بالتأكيد، يعرف طبيعتها جيدا، لكنه يود لو يشعر بذلك فقط!!
يارب سامحني لم أقصد أن أأذيها!!
وأخذ قلبه يدعو بخشوع وتضرع وانكسار شديد:
– يارب سامحني واغفرلي قسوتي معها، يارب لا تؤاخذني إن أخطأت وأعني على ضبط مشاعري بما يرضيك عني.. فأنت من مكّنت حبها من قلبي، وإني أسألك أن تجعله طريقا لرضاك عنا، وأعوذ بعظمتك من أن ينقلب وبالا علينا، اللهم أنت وحدك تعلم مقدار حبي لها، فلا تريني فيها مكروها أبدا، وارزقني منها ذرية صالحة تقر أعيننا، يارب احفظها لي في الدنيا واجمعني بها في الفردوس الأعلى، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، ويا مصرف القلوب اصرفها إلى طاعتك، يارب احفظ قلوبنا بتقواك وخشيتك، وأعنا على العمل معا لنهضة أمة حبيبك صلى الله عليه وسلم.. لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين..
كان عامر يجلس بهدوء وسكينة على كرسيه، وهو يضع رأسه بين ذراعيه المرتكزتين على الطاولة أمامه، عندما أحس بقدوم نور، فرفع رأسه لتقع عيناه عليها وهي تقف أمامه حاملة صحنا مجوفا، بابتسامة مرحة:
– هذه هي مفاجأتي الصغيرة لك..
فنظر إليها بتأمل، فيما تابعت هي بحماسة:
– الحلوى المثلجة بنكهة الليمون التي تحبها، لقد وجدتُ وصفتها أخيرا، وقمتُ بإعدادها لك بنفسي..
غير أن عامر استمر بالتحديق بها بنظرات أربكتها قليلا، فقالت له:
– هيا.. ألن تجربها؟
وبابتسامة هادئة نهض عامر من مكانه أخيرا، غير أنه بدلا من أن يتناول الصحن من يد نور كما توقعت، وضع يده على خدها الأيمن، مما جعلها تجفل لتلك الحركة غير المتوقعة، فأرخت رأسها، ليفاجئها بعد ذلك بتطويق خاصرتها بذراعه اليسرى، جاذبا إياها نحوه..
لم تعد نور ترى شيئا، فقد كان رأسها مستندا على صدره، فيما تسارعت نبضات قلبها وهي تستمع لحديث نبضاته، وتشعر بأنفاسه الدافئة على شعرها:
– قد أصبر على ابتعادك عني من أجل والديك، ففضلهما لا يمكنني إنكاره أو تجاهله، لكنني لن أحتمل أكثر من ذلك! لذا أرجوك.. لا تشعريني مرة أخرى بأن هناك ما هو أهم مني بالنسبة لك..
لم تصدق نور أن ما سمعته للتو كان صوت عامر، هل هي في حلم أم ماذا!! أهذا عامر حقا!! لم تتوقع أن تسمع منه ما سمعته وبتلك اللهجة المفعمة بعاطفة جياشة، قد تعجز هي نفسها عن امتلاكها!!
ماذا عليها أن تفعل في موقف كهذا!!
غير أنها انتبهت أخيرا للصحن الذي مال بين كفيها، لقد ذاب ما فيه من حرارة تلك المشاعر بلا شك..
– عامر.. لقد سُكِبَت الحلوى!!
فانتبه عامر وهو يبتعد عنها معتذرا:
– ناوليني الملعقة لو سمحت..
فنظرت اليه نور بتساؤل وهو ينحني على الأرض:
– ما الذي ستفعله؟ سأحضر لك صحن آخـر…
فقاطعها وهو يمسكها من يدها ليمنعها من الذهاب:
– سآكل هذه أولا، فقد صنعتِيها من أجلي ولن أترك منها شيئا للشيطان..
فاعترضت نور بقولها:
– ولكنها أصبحت شبه سائلة، وليست من الطعام الذي يمكنك النفخ عليه عندما يقع؟؟
غير أن عامر الذي هم بالفعل بتناول الحلوى من الأرض، فقد قال لها بثقة:
– ألم تنظفي البيت اليوم يا عزيزتي؟؟ ثم إنني لا أقوم بفعل ذلك نزولا عند حكم شرعي كما تظنين، فللمشاعر أحكام أيضا..
لم تجد نور ما ترد به عليه، وهي تتابعه بنظراتها وهو يسمى بالله شارعا بالأكل باستمتاع واضح، حتى رفع رأسه نحوها باسما:
– لذيذ جدا.. ألذ طبق حلوى آكله حتى هذه اللحظة.. جزاك الله خيرا وسلمت يداك..
فابتسمت نور بسعادة:
– الحمد لله أنه أعجبك، رغم أنني كنت أرغب بأن تأكله بشكل أفضل!!
فعلق عامر وهو يتابع الأكل بتلذذ:
– يكفيني أنك صنعتيه بيديك ومن أجلي..
فقالت نور:
– هذا من ذوقك بالطبع..
لكن عامر توقف فجأة، ورفع رأسه نحوها من جديد قبل أن يضيف:
– بل من حبي لك.. وما هذا إلا جزء يسير مما يكنه قلبي.. ولكن يبدو أن رجلا مثلي؛ عليه أن ينتظر طويلا حتى يحظى بجزء من هذه المشاعر منك!
لم تجد نور ما ترد به، وقد ألجمتها المفاجأة من طريقة تفكيره تلك، فتابع عامر كلامه بلهجة مرحة:
– لا أظن أن هناك أحد يمكن أن يتعرفك عن قرب؛ ثم لا تنفجر عواطفه بهذا الشكل!!
فلم تملك نور نفسها من إطلاق ضحكة لتلك الدعابة التي سمعتها:
– هذا ما يُخيّل إليك أنت فقط..
فرد عامر عليها بقوله :
– أرجو ذلك، فلا أظنني سأكون سعيدا لو حصل هذا مع أحد غيري..
وقبل أن يستطرد أكثر، خرجت نور من الصالة مستدركة:
– لم أشعل سخّان الماء للاستحمام بعد..
أخذ عامر يدق بالمعلقة على الأرض مفكرا، بعد أن أتقن أكل الحلوى بامتياز:
– أرجو أن لا تكون قد انزعجت من كلامي!!
إلا أنها عادت بسرعة، وهي تحمل منشفة صغيرة مبللة بالماء لتمسح الأرض، قائلة:
– هل أنت من أشعل السخّان؟ الماء ساخن، يمكنك أخذ حمام الآن فلا شك أنك متعب..
غير أن عامر أسرع بتناول المنشفة منها قائلا:
– لقد تعبتِ اليوم بالتنظيف يا نور، وجاء دوري الآن، خاصة وأنه كان خطئي..
فتظاهرت نور بالغضب وهي ترد عليه:
– وهل تعبيرك عن مشاعرك لي بتلك الطريقة يُعد خطئا!!
لم يبد على عامر أنه قد فهم ما قالته نور، فالتفت إليها متسائلا:
– هلا أعدتِ ما قلتيه رجاء؟
فاستغلت نور تلك الفرصة وشرعت بمسح الأرض قائلة:
– لقد قلت بأن ما فعلتَه لم يكن خطئا..
انتبه عامر لها بعد أن أنهت التنظيف، فأمسكها من يدها قبل أن تذهب:
– لقد ضحكتِ علي اذن، حسنا سأقوم أنا بإزالة البقع عن الملابس!!
فضحكت نور وهي تخلص يدها منه:
– لا تقلق بهذا الشأن، فأدوات التنظيف والغسّالة سيقومون بذلك على أكمل وجه، من الأفضل الآن أن تأخذ حماما ساخنا..
قالت جملتها وهي تهم بالخروج، غير أنه استوقفها بلهجة جادة:
– نور..
فالتفتت إليه بتساؤل، ليتابع قائلا:
– هل لي أن أطلب منك شيئا؟
فهزت نور رأسها إيجابا:
– بالطبع.. سأحاول فعل أي شيء على قدر استطاعتي إن شاء الله ، ماذا هناك؟
فتنهد عامر قبل أن يقول:
– هل يمكنك أن ترسمي لي لوحة؟؟
فنظرت اليه باستغراب، مما جعله يستدرك قائلا:
– لا أقصد لوحة شخصية، وانما لوحة..
وصمت قليلا قبل أن يتابع:
– …تصفين بها مشاعرك نحوي!!
حملقت فيه نور لوهلة غير مصدقة أذنيها، فسألها عامر:
– هل أزعجك طلبي؟
فهزت نور رأسها نفيا:
– لم أقصد ذلك.. ولكنني لم أكن أعلم أنك مهتم بالرسم وشاعري إلى هذه الدرجة!!
فنظر اليها بتأمل عميق:
– وهل يسوؤك هذا!!
ارتبكت نور لتلك الملاحظة واحمرت وجنتيها:
– لم أقصد هذا، كنت متفاجئة فقط!!
فما كان منه إلا أن اقترب منها، وضمها اليه بشدة:
– نور.. لا أعرف ما الذي فعلتيه حتى يضع الله لك كل هذا الحب في قلبي! قد لا تأخذين كلامي على محمل الجد، لكنني صدقا.. أحبك أكثر مما تتخيلين، حتى أنني لا أعرف أحيانا كيف أتصرف بهذا الحب!!

***
فتحت سوسن عينيها لتجد نفسها مستلقية على سريرها بملابس الخروج! كيف حدث هذا!! ما الذي فعلته آخر شيء؟ لقد أوصلها أيهم إلى المنزل بعد العشاء، ثم..
تنهدت سوسن وهي تسرترجع ذلك الموقف الذي تمنت لو أنه مجرد حلم لا أكثر، إلا أنه تمثل أمامها بوضوح، بما لا يدع مجالا للشك بكونه حقيقة لا مراء فيها..
كان سامر ينظر إليها بنظرات لا تجد لها سوى تفسير واحد، خاصة وهو يقدم لها تلك اللوحة بابتسامة لم تدع مجالا لشك في قلبها الذي تسارعت نبضاته:
– لقد أسميتها ” ملاك القلب ومالكته”..
لم تكد عيناها تقعان عليها، حتى شعرت بدوار حقيقي، وهي تجاهد لتكذيب ما تراه، ومن ثم لإنكار ما قد يُفهم من ذلك!!
– شكرا لأنكِ أريتني كيف يُرسم الجمال الحقيقي!!
كان الأمر أكثر من طاقتها فتصلّبت دون أدنى حركة من يدها، التي يفترض بها أن تتناول تلك اللوحة المقدّمة لها من سامر، حتى شفتيها انتقلت لهما عدوى التصلب المفاجئ.. لقد أصبحت أشبه ما تكون بمومياء شاحبة، لم تلبث أن فقدت توازنها!! غير أن أيهم الذي أسندها إلى صدره وهو يحيط خاصرتها بذراعه، أنقذها من السقوط المحتم في اللحظة المناسبة!!
ما الذي كانت ستفعله لو لم يأتِ أيهم!!
لقد تمكن بعدها من مداراة الموقف بدهاء، وهو يبتسم لسامر مبديا إعجابه الشديد برسمه:
– شكرا لك أستاذ سامر، بالتأكيد لن نجد أجمل من هذه اللوحة لنزين بها منزلنا أنا وسوسن!!
شعرت سوسن وقتها أنها في حلم، فقد كانت شبه غائبة عن الوعي من هول الصدمة، لم تتخيل أن ترى رسما لها بتلك الطريقة..
وردة حمراء قانية كبيرة، ألوانها أشبه بالدماء السائلة من قلب نابض، يخرج منها رسم تفصيلي يُظهر رأسها ورقبتها إلى منطقة الكتفين قريبا من الصدر بشكل عاري، فيما تطايرت خصلات من شعرها بشكل ساحر حول تاج برّاق زيّن شعرها، وكأنها حورية حسناء آية في الجمال خرجت من وردة لتتربع على عرش القلب!!
هل يُعقل أنه ظن بأنها ستسعد لذلك!! من الجيد أن أيهم أخذ اللوحة معه..
يجب أن تتخذ خطوة أكثر جرأة، لم يعد هناك مجال للتردد أكثر.. لقد بلغت الذروة في (التأذّي النفسي) ولا يمكنها احتمال المزيد، ومن دون أن تشعر؛ انهمرت الدموع غزيرة من عينيها رثاء لحالها البائس.. وأخذت تلك الكلمة ترن في أذنيها كدقات الساعة..
فلا يؤذًين.. فلا يؤذًين.. فلا يؤذًين.. فلا يؤذًين.. فلا يؤذًين.. فلا يؤذًين.. فلا يؤذًين..
غير أنها هبّت واقفة وقد تذكرت أنها نامت قبل أن تصلي العشاء، فأسرعت تنظر في ساعتها، لتتنفس الصعداء محدثة نفسها:
– الحمد لله لم يطلع الفجر بعد، ما زال أمامي ساعة ونصف على الأقل، يبدو أنني كنت متعبة جدا لأنام هكذا!! حتى أنني لم أغيّر ملابسي!!
وقبل أن تفكر بأي شيء آخر اغتسلت وصلت، وابتهلت الى الله أن يعينها على تحقيق ما تخطط له، لقد اتخذت قرارها أخيرا ولا مجال للتراجع الآن..

***

أخذت نور تمسد على شعر عامر بلطف وهي توقظه:
– السلام عليكم، سيرفع أذان الفجر بعد ربع ساعة، ألا تريد أن تصلي بي ركعتيـ…؟؟
لم تكد تتم جملتها حتى فتح عامر عينيه مرددا:
– الحمد لله الذي أحيانا بعد أن أماتنا وإليه النشور..
ثم نظر إلى المنشفة التي لفت بها شعرها المبلل متسائلا:
– ألم تنامي بعد؟؟
فأجابته نور بابتسامة رقيقة:
– لقد استيقظت قبلك بقليل فقط، فأخذتُ حماما سريعا أجدد به نشاطي، وتركت لك ماء ساخنا..
فابتسم عامر وهو يمط ذراعيه ليطرد عنه النعاس:
– جزاك الله خيرا..
وبسرعة تناول منشفته ودخل ليستحم، فيما أخذت نور تجفف شعرها، وكلمات عامر ليلة أمس ترن في أذنيها:
– لوحة تصفين بها مشاعرك نحوي…!
لم تفكر بهذا من قبل، لقد فاجأها جدا كلامه، ما هي مشاعرها تجاهه؟؟ لم تفكر بذلك من قبل بهذا الشكل! أخذت الأمور ببساطة، الزواج مودة وحب ورحمة وتفاهم وانسجام، وهما كذلك كما ترى بفضل الله، فهل يقصد عامر شيء آخر!! عندها عادت بذاكرتها لذلك اليوم الذي أخبرتها والدتها فيه عن الخطبة، عامر ضياء، لقد سمعت باسمه من قبل رغم انها لم ترى صورته، فهو معروف لكل مهتم بعالم الكاراتيه، بعد أن حاز على البطولة الوطنية، لم تتخيل أنه قريب منها لهذه الدرجة، كان هذا أكثر ما أثار حماستها نحو الخاطب الجديد بعد أن أخبرتها أمها عن خُلُقه ودينه، ورغم ذلك.. كان عليها أن تصارح نفسها بصدق، إذ كان طيف سامر يراودها بين الحين والآخر، رغم أنها تركت عالم الفن لأجله، حتى نسيت هدفها تماما بشأنه!! لم ترسم لوحة واحدة بعدها، فقد كان كل شيء يذكرها به وهي تريد أن تنسى، غير أن قدوم هذا الخاطب ذكرها به مرة أخرى، لا يمكنها قبول حياة جديدة وفي قلبها ذكرى قديمة، كان ذلك أقسى موقف مر عليها، فلم تجد سوى اللجوء إلى غرفتها، لتبكي فيها بحرقة وهي تسأل الله أن يعينها على تخطي تلك المرحلة.. الحب ليس كل شيء!
لم يكن هناك أدنى سبب لرفض عامر، وهكذا تم زواجهما وهي تشعر بأنها ارتبطت بصديقٍ متفهم، أكثر من كونه زوج، مما أشعرها بالكثير من الراحة! اهتماماتهما المشتركة في نهضة الأمة، وأبحاثه الطبية التي يسعى لانجازها؛ أثارت لديها حماسة كبيرة، فشاركته همه بكل اهتمام، خاصة وان ذلك تقاطع مع هدفها من دخولها قسم اللغة الانجليزية، لغة العلم والعصر، فرغم انها كانت من الفرع العلمي ولديها ميول لعلم الأحياء خاصة، إلا أنها بعد الاستخارة شعرت بتفضيلها لقسم اللغة الانجليزية، فبهذه الطريقة يمكنها تحقيق أهدافها الدعوية وحتى العلمية والبحثية بشكل أفضل، وها هي الأيام تزيدها قناعة بأن الله قد اختار لها الطريق الانسب لتحقيق هدفها، غير أنها لم تتوقع أن ارتباطها بعامر سيكون سببا أيضا بتخطي تلك الأزمة المهمة في حياتها..
كان ذلك عندما سألها لأول مرة عن اهتماماتها الفنية، لقد عرف عن موهبتها من أمه أوأمها بلا شك، فقد كان الفن كل اهتمامها قبل سنة ونصف من زواجهما، ورغم التوتر الذي أصابها من ذكر ذلك، إلا أنها حاولت تفادي الاشارة الى المعاناة التي تعرضت لها بسبب الفن، ومن لطف الله بها أنها نجحت في تدارك الموقف، بل وكان ذلك سببا في عودتها لعالم الفن من حيث لا تحتسب، لتنفض الغبار عن هدفها القديم..
ودمعت عيناها تأثّرا، يارب سبحانك ما أكرمك، أعطيتني أكثر مما سألت، ورزقتني أكثر مما تمنيت، فلك الحمد حتى ترضى ولك الحمد اذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا..
فيارب لا تحرمني بذنوبي فضلك، واحفظ زوجي عامر من كل مكروه وارزقنا الذرية الطيبة الصالحة، واجعلنا جميعا سببا في نهضة هذه الأمة ابتغاءً لمرضاتك، وقرة عين لحبيبك صلى الله عليه وسلم..
وإذ ذاك تذكرت صديقتها سوسن في دعائها:
– يارب اسعد قلبها وتول أمرها واكفها ما أهمها، يارب اصرف عنها شر كل ذي شر واحفظها بحفظك، واهدها لما فيه خير دينها ودنياها..
حتى انتبهت على صوت عامر، الذي ألقى عليها التحية بعد أن ارتدى ملابسه وجفف شعره ومشطه بسرعة:
– لم يبق سوى بضع دقائق لصلاة الفجر، هل أنت جاهزة؟
فنهضت نور وهي تربط شعرها إلى الخلف:
– أجل..
وارتدت ملابس الصلاة لتقف خلفه باتجاه القبلة، فيما كبر هو آمّا بها لصلاة ركعتي القيام..
لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يقومان فيها الليل جماعة، لكن وقعها على قلبها كان مختلفا.. خاصة وهي تستمع لترتيله لآيات من سورة الفرقان بصوته الرخيم:
– (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما)..

***

أرجع أيهم رأسه للخلف وهو يرتكز على مسند المقعد الخشبي الذي جلس عليه في الحديقة، لم يعد يطيق الانتظار أكثر، ستوشك الشمس على المغيب..
– ترى ما هي المفاجأة التي أعدتها لي سوسن!!
وترائى أمامه مشهد سامر وهو يتناول اللوحة منه، لا شك أنه متيّم…..
لكن حبل أفكاره قُطع فجأة، إثر شعوره بيدين ناعمتين، تُغمضان عينيه من الخلف، فأمسك بهما وضمهما إليه؛ قبل أن ينهض مستديرا نحوها بسرعة ليطبع قبلة على وجهها، غير أنه تراجع عدة خطوات إلى الوراء، حتى كاد أن يتعثر على الأرض:
– ما هذا!!!!!!!!!!!!!!!
 
………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
شعار نبراس

تركته لأجلك! – الحلقة 37

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

أخذت نور تلتقط أنفاسها بصعوبة، بعد عدة مناورات استطاعت فيها تلافي هجمات عامر المسددة نحوها بقوة، لقد كاد أن يصيبها في مقتل!! ماذا لو لم تتمكن من تفادي الضربة في اللحظة المناسبة، هل كان سيؤذيها حقا!!
مهما يكن دافعه ونواياه هذه المرة؛ لم يعد أمامها بدا من الدفاع عن نفسها باستماتة، فلا ضمان للعواقب أبدا على ما يبدو!!
هذا ما شعرت به، وهي تستجمع قواها من جديد، أمام نظراته الحادة المتأهبة!!
ولم تكد تستقر في وقفتها حتى عاجلها بهجوم آخر، استطاعت صده بمهارة فائقة، لتتوالى عليها بعد ذلك ضرباته الهجومية بلا هوادة، فيما استمرت هي بأخذ دور الدفاع فقط! ورغم الانهاك الذي شعرت به، إلا أن الموقف الذي وجدت نفسها فيه زادها اصرارا وعزيمة على التصدي له مهما كلفها الأمر، مما زوّدها بطاقة إضافية مكنتها من الصمود لفترة أطول..
أخذت تحاول جاهدة الحفاظ على طاقتها كي لا تُهدر عبثا، وهي ترى بوضوح وجه عامر الذي لم يَبدُ عليه أدنى أثرٍ للتعب بعد!!
أهذه هي شخصيته التي حذرها منها أيام الخطبة!! لقد قال لها وقتها:
– سأكون صادقا معك يا نور، إنني صعب المراس أحيانا خاصة عند الغضب، رغم انني أحاول جاهدا السيطرة على نقاط ضعفي هذه؛ إلا أنني قد لا أنجح في ذلك أحيانا، وقد تجدين مني شدة في بعض المواقف، فإن استطعتِ أن تعذريني فسأكون شاكرا لك..
يومها أجابته بصراحة:
– من الجيد أنك أخبرتني، فأظن أن أمرا كهذا لا يمكن السكوت عليه! فإنني لا أستطيع ضمان قدرتي على التحمل في ذلك الوقت!
فنظر اليها بتساؤل:
– ما الذي تعنيه!! أنا لم أقصد انني لن أحاول السيطرة على نفسي، من أجل أن يرضى الله عني على الأقل!!
– لقد كنتَ صادقا معي وأحببتُ أن أكون صادقة معك أيضا! لا يمكنني ضمان شيء!!
فما كان منه إلا أن ابتسم برضا:
– هذا يعني أننا متفِقَين! يسعدني أن تكوني قوية، فهذا أفضل بالنسبة لي من زوجة ضعيفة..
يومها فاجأها كلامه، غير أنه دخل قلبها بسرعة لم تتوقعها أبدا، وقد استطاعت بعد ذلك أن تكوّن له صورة واضحة في ذهنها، شخص له مساوءه كغيره من البشر، ويحاول تهذيب نفسه بتقوى الله! رغم أنها لم تر منه أي شيء مناف لحسن الخلق خلال الشهور الثلاثة التي قضتها معه، حتى كادت أن تنسى ما أخبرها به عن نفسه، أما اليوم وبلا أدنى شك؛ هاهي نفسه قد بدأت تتكشف أمامها بوضوح، ولكن.. ما الذي أغضبه تحديدا!!
كان هذا أكثر سؤال يلح على نور في تلك اللحظة، وهي تضع ذراعيها بوضع متعاكس أمام صدرها لصد ضربات عامر الشرسة، متراجعة للخلف في حركات تحاول من خلالها تجنب هجماته، حتى كاد التعب أن يقتلها، فيما بدا عامر مستعد للاستمرار في هجومه إلى ما لا نهاية!
وإذ ذاك تعثرت قدمها فكادت أن تسقط على ظهرها، لولا أنها تداركت ذلك بالإرتكاز على يديها، لتُفاجأ بعامر وهو يسارعها بضربة من قدمه كادت أن تصيبها في خاصرتها، لولا التفافها حول نفسها متفادية ذلك في اللحظة الأخيرة، لتسمع بعدها صوت ارتطام كعب قدمه بالأرض بقوة!! لقد راعها ذاك وأرعبها بشدة.. كاد أن يقتلها بالفعل! لكنها سرعان ما هبّت واقفة لتواجهه من جديد، وهي تستجمع ما تبقى لها من طاقة.. مقنعة نفسه بانها لم تكن لتنتظر شفقته عليها، فهذه فرصتها لتختبر قدراتها الحقيقية!! وهكذا.. لم تعد تراه أبدا الزوج الودود عامر، بل رجلٌ غريب عليها التصدي له بكل ما اوتيت من قوة، حتى لو اضطرت لأذيته!!
الهجوم خير وسيلة للدفاع.. هذه هي القاعدة التي يعرفها الجميع، ولا تحتاج لبديهة خاصة لاستنتاجها، غير أنها لم تخطر ببال نور إلا في وقت متأخر..
من يبدأ أولا سيفوز غالبا.. وهكذا تمكنت أخيرا من تسديد أولى ضرباتها نحوه في حركة مفاجئة، بدلا من أن تقف لالتقاط انفاسها كما كانت تفعل بعد كل جولة التحامية حامية بينهما، غير أن عامر تفادى ضربتها ببراعة، لتعاجله هي بضربات أخرى متوالية، تارة من يدها وتارة بقدمها، دون أن تُلقي بالا لحالة الاجهاد التي تمر بها، فلا وقت للتفكير في ذلك..
ورغم المهارة المذهلة التي أبدتها نور مع قوة التحمل طوال تلك الجولة، إلا أنها لم تتمكن من لمس عامر أبدا عوضا عن إصابته، حتى استنزفت قوتها بالكامل، فوقفت للحظة تحاول اعادة شحن طاقتها، إلا أن عامر عاجلها بهجمة لم تجد أمامها بدا من العودة إلى الدفاع لتلافي ضرباته من جديد، حتى وجدت نفسها محصورة في زاوية بين جدارين، وقد وصل الاجهاد بها إلى الحد الأقصى، فارتكزت على الجدار خشية السقوط وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة شديدة، فيما أخذ عامر يتقدم نحوها بخطوات ثابتة، أشبه ما تكون بخطوات تهديدية!
تلاقت عيناهما.. مازالت نظراته حادة.. ومرعبة!! شعرت بأن دقات قلبها تكاد تخترق صدرها كالخناجر، هل يُعقل أن يكون هذا رجلا آخر بالفعل!! ربما رجل متنكر بزي عامر.. ولم تلبث أن أوغلت بها تلك الأفكار المرعبة إلى حد لم تجد معه بد من تسليم أمرها لله بالكامل، فأغمضت عينيها لتفتحهما بذعر؛ بعد أن سمعت صوت دوي ارتطام قبضته القوية بالجدار إلى جانب أذنها اليمنى، كان الصوت أشبه ما يكون بدوي انفجار مزلزل هائل!!
الحمد لله أنها لم تكن موجهة الى وجهها وإلا لهشمته بالكامل!! هذا أول ما خطر ببالها.. فتمتمت في سرها:
– يارب الطف بي..
غير أنها ما أن فتحت عينيها حتى كادت أن تفلت منها صرخة فَزِعة، وهي تصطدم بنظرات عامر المثبتتة عليها على بعد أُنملة!! فأغمضت عينيها مجددا لتفاجأ بنقرة قوية من إصبعه على جبهتها، تأوهت إثرها تلقائيا، فيما سمعت صوته الذي تعرفه:
– أظن أن هذا يكفي!!
لم تصدق نور أذنيها، أبعد أن وصلت إلى مرحلة جزمت من خلالها أنه شخص آخر؛ يتبين لها أنه عامر!!
أخذت نور تحدق بعامر لتستوثق مما سمعته، فابتسم معلقا:
– هل ترغبين بالمتابعة أم ماذا!!
فتنفست نور الصعداء وجلست على الأرض أخيرا مُركزة ظهرها للجدار، وهي تتحسس جبهتها:
– هذا مؤلم جدا!! لقد أخفتني حقا!
فأجابها عامر- بعد أن أحضر كرسيا وجلس عليه قبالتها:
– تستحقين أكثر من ذلك..
وبما أن جلسته تلك لم تعجبها، فقد حاولت النهوض لتحضر كرسيا آخر مثله، إلا أنها لم تجد في نفسها القوة لفعل ذلك، فاكتفت برفع رأسها نحوه بتساؤل، وقد شعرت بأنها كالتلميذ المخطئ الذي يجلس بين قدمي أستاذه طالبا لعفوه!! ورغم أن تلك الفكرة أزعجتها؛ لكنها لم تجد مفرا من الاستماع لوجهة نظره! وأمام صمته، بادرته السؤال بنوعٍ من الحدة:
– ما الذي تعنيه بقولك يا حضرة الاستاذ عامر!
فتأملها عامر للحظة قبل أن يقول مبتسما:
– مهما حاولتِ التعبير عن غضبك بتلك النبرة، إلا أن هذا لن يجعلني أسامحك بسهولة..
شهقت نور بدهشة:
– ماهذا الذي تقوله!! ما الذي فعلته لك؟؟ هل أنت جاد!!!!
فأومأ عامر برأسه مؤكدا:
– وهل تظنينني أمزح!! إنني جاد بالطبع!
حاولت نور تذكر ما قد يكون صدر عنها دون أن تدري، فلا يعقل أن يعاملها عامر بتلك الطريقة دون مبرر! لكنها أخفقت بالعثور على إجابة شافية، فنظرت نحوه مرة أخرى قائلة:
– لا أذكر أنني أخطأتُ بحقك أبدا، بل على العكس تماما، لقد أعددتُ كل شيء على أكمل وجه من أجل استقبالك، أم أنك لم تلاحظ ذلك؟؟
فعقّب عامر على كلامها بلهجة جادة:
– وعقلك في مكان آخر!!
عندها شعرت نور ببعض القلق، مالذي يقصده بقوله! لكنها أسرعت تقول:
– إنني لا أفهمك! ما الذي تقصده؟؟
فتنهد عامر:
– أشك بأنك لم تفهمي ما أعنيه، إلا إن كنت تعتقدين أن انشغالك عن زوجك الغائب ونسيانك له؛ يُعدّ أمرا طبيعيا!!
ارتبكت نور قليلا وقد فهمت ما يقصده، لكنها ردت عليه بقولها:
– لم أتعمّد تجاهل مكالماتك وقد أخبرتك…
فتابع عامر:
– كنتِ شاردة قليلا!! أليس هذا ما قلتيه!!! إن هذا ما يُطلق عليه العذر الأقبح من ذنب..
لم تستطع نور مجاراته أكثر، فقالت بحزم:
– عامر.. لا يحق لك أن تحاسبني بهذه الطريقة، فأنا بشر وقد شردتُ بالفعل، حتى أنني لم أسمع نداء أمي!!
أطبق صمت ثقيل بينهما للحظات، قبل أن يقطعه عامر بسؤاله:
– وما هو ذلك الشيء الذي أشغلك عنا جميعا؟؟
كان هذا هو أسوأ شيء تتوقع نور سماعه، وتمنت لو أن الأرض تنشق وتبتلعها قبل أن تضطر للإجابة، ما الذي ستجيبه به!! حاولت أن تفكر بأي شيء تقوله دون جدوى، حتى راعها عامر بقوله:
– أهو شيء يتعلق بالفن؟
شعرت نور بأنها تلقت الضربة القاضية أخيرا، إلى أي مدى تصل معلوماته عنها!! لقد افتُضح أمرها بلا شك!!
يارب.. هذا أمر لا أحب أن يتطلع عليه أحد!!
وكأن الله استجاب لدعائها، فقد شعر عامر بنوع من التفهم وهو يتفحص معالم وجهها بتمعن:
– لن أطلب منك أكثر من ذلك، فربما من الأفضل أن لا تخبريني..
والتقط نفسا قبل أن يتابع:
– حتى لو كان أمرا من الماضي، فإنني لا أحتمل أن يستحوذ أي شيء على تفكيرك ويشغلك عني يا نور!
اكتفت نور بالصمت دون أن تنبس ببنت شفة، فأطلق عامر تنهيدة طويلة:
– على كل حال جزاك الله خيرا لحسن استقبالك، رغم أنني لا أريد منك أن تقومي بشيء من أجلي، وكأنك تؤدين واجبا لا أكثر!
ورغم أن تغيير الموضوع أراحها قليلا، إلا أنها شعرت بغصة حقيقية لسماع ذلك منه، فردت عليه بقولها:
– لكنني كنت سعيدة…
ولم تستطع إكمال جملتها إثر تلك النظرة المثبتتة على عينيها، فأرختهما بسرعة وقد شعرت بخفقان في قلبها، واحمرار شديد في خديها لم تشعر بمثله من قبل، فما كان من عامر إلا أن نهض من كرسيه، واقترب منها ليجلس قبالتها على الأرض، متناولا يديها ليضمهما إلى صدره بحنان:
– أرجو المعذرة منك يا نور..
لم تستطع نور احتمال الموقف أكثر من ذلك، فتظاهرت بالغضب ورمته بنظرات عاتبة:
– ماذا لو لقيت حتفي بسببك!!
فابتسم عامر بمودة:
– لكنني كنت حريصا أن لا يصيبك مكروه!!
ففتحت نور عينيها عن آخرهما وهي تقول باستنكار:
– لا تقل لي أنك كنتَ متساهلا معي طوال الوقت!!
فلم يملك عامر نفسه من اطلاق ضحكة صغيرة:
– وهل كنتِ تظنين أنني نازلتك بجدية!!
كان كلامه صدمة حقيقية لها، فقد قدّمت أقصى ما لديها من مهارات، إلا أن عامر أسرع يطييب خاطرها بقوله:
– أنت قوية بالفعل يا نور، لا أظن أن هناك فتاة أخرى ستصمد مثلك..
فابتسمت نور أخيرا باستسلام:
– حسنا لا بأس.. عليّ أن أرضى بالواقع، فمن الحماقة أن أقارن نفسي بالحائز على المركز الأول في الكاراتيه على مستوى الوطن…
لم تكد نور تتفوه بكلماتها تلك، حتى على التجهم وجه عامر، فأفلت يديها قائلا:
– لقد قلت لك سابقا.. لستُ الأول…
فقالت نور بتفهم:
– حسنا حسنا فهمت.. لا زلتَ تصر على تواضعك الغريب هذا، رغم أن المحكّمين…
فما كان من عامر إلا أن قاطعها بلهجة لا تخلو من ضيق:
– أرجوك يا نور.. أخشى أن أكون من الذين يحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا…
عندها وضعت نور يدها فوق يده وضغطت عليها برقة:
– أتفهّم موقفك يا عامر، ولكن رفض ذلك الشخص من الظهور في الواجهة، هو الذي جعل المحكمين يقلدونك وسام المركز الأول، أي أنك تستحقه بنظرهم..
فتنهد عامر ولم يقل شيئا، فيما سرحت به أفكاره بعيدا كما بدا لنور، فقالت له:
– أرجوك يا عامر لا تجعل هذه الوساوس تسيطر عليك، استعذ بالله من الشيطان الرجيم، وبإذن الله لن تكون أبدا من اولئك القوم..
فنظر اليها عامر بصمت، قبل أن يطرق رأسه مرددا:
– أرجو ذلك..
همت نور بأن تضيف شيئا، لكنها أمسكت عن ذلك بسرعة، وقد لاحظت أن لدى عامر ما يقوله:
– كلما تذكرتُ ذلك الشاب، راودني شعور غريب، كان غامضا جدا ولطالما شعرتُ بأنه يخفي أمرا في غاية الخطورة! كان قويا ومتمرسا بما يكفي لسحق عشر رجال أشداء بنزال واحد! ورغم أنني كنت أقرب الموجودين إليه إلا أنني لم استطع فهمه ولا مرة واحدة، لكنني لم أتوقع أن يصل به الحد إلى إعلان انسحابه أمامي بتلك الطريقة…..
أخذت نور تُنصت له باهتمام، وهي تتمنى أن تعثر على طريقة تساعده فيها للتخلص من نقطة ضعفه تلك، شخص يظن الجميع أنه الأول على مستوى البلاد؛ بينما يعلم هو يقينا بأنه في المركز الثاني بسبب شخص غامض.. قد لا يكون موضوعا كهذا ذو أهمية، لكنه يعني الكثير لعامر.. إذ لم يكن يمقت شيئا أكثر من مقته لحصوله على شيء لا يستحقه!!
كانت نور تجلس على ركبتيها قبالته وهي تمسك بيده غارقة في تفكير عميق، عندما فاجأها بقبلة خاطفة على جبينها، أخرجتها من أفكارها عنوة، فأرجعت رأسها للخلف بعفوية، فيما ابتسم عامر قائلا:
– لا داعي لأن تشغلي نفسك بالتفكير في هذا الأمر، سأكون بخير ما دمتِ مهتمة بي هكذا! فهذا ليس أشد ايلاما عليّ من ذلك الشرود الذي يُشغلك عني!!
فخفق قلب نور بقلق، وقد عادت مخاوفها لتحدثها:
– لا.. !! ليس مرة أخرى.. أما زال يذكر ذلك..
فضحك عامر لمشهدها وقد خمّن أين وصلت بتفكيرها:
– لا تقلقي يا عزيزتي، فلن أسألك عن ذلك مرة أخرى..
وصمت قليلا قبل أن يتابع:
– حتى وإن أردتِ إخباري فسأوقفك بنفسي..
فنظرت إليه نور بتساؤل وجِل:
– هل تعني أنك غاضب مني؟
فابتسم عامر بلطف:
– كلا لست غاضبا، ولكن بالتفكير الجاد في الأمر، من الأفضل أن لا أعرف بذلك أبدا، فإني طبيب يلِج عليه الكثير من المرضى، ومسلم قبل ذلك، وأخشى أن يكون وراء شرودك شخص ما، فلا أستطيع مسامحته أبدا، بل ربما أفقد سيطرتي على نفسي إن التقيته يوما ما، فالدنيا صغيرة كما تعلمين..
غاص قلب نور إلى أسفل قدميها، إذن.. هو يتوقع أن وراء ذلك شخصٌ ما أيضا!!!!
غير أنها استدركت بسرعة:
– لقد نسيتُ شيئا مهما..
وابتسمت بحبور وهي تنهض بحماسة قائلة:
– انتظر قليلا لو سمحت..
فأومأ عامر برأسه وهو يتأملها بابتسامة مماثلة:
– حسنا..
وما أن غابت عن ناظريه، حتى أعاد ترتيب الصالة إلى ما كانت عليه، وهو يشعر بنوع من الندم على ما فعله بها عند عودته:
– من الجيد أنني لم أتسبب ببكائها مع تلك القسوة، أو ربما كانت تكابر..
وزفر بألم.. لماذا فعلتُ ذلك معها!!
وعادت به ذاكرته إلى ذلك الحوار مع والدته، قبل أربعة أشهر فقط! سبحان مقلب القلوب ومغير الأحوال!!! يومها كان يتوسل إليها بالعدول عن رأيها في تعجيل زواجه:
– ارجوك يا أمي، انني لا أفكر بالزواج الان، لدي الكثير من الابحاث التي أرغب بالقيام بها، ولن أكون متفرغا لحقوق الزوجية!!
– لكنها فتاة لا تعوّض، انها تناسبك تماما..
– لا أظنني امتلك من الرفق ما يكفي لأعامل زوجة، أفضل البقاء عازبا على الاخلال بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم في الرفق بالقوارير، أنت تعرفين الفتيات يبكين لأدنى سبب..
– قلت لك انها مختلفة وذات شخصية قوية جدا، لا أظنك ستجد صعوبة في تعاملك معها، ثم انك ان لم تكن تمتلك مقدارا جيدا من الرفق فمن باب أولى أن تبتعد عن مجال الطب!! فلا تدّعي التورع! هذه طبيعة الحياة فلا تكن عنيدا يا عامر!!
– حسنا استسلمت، إذا كانت كما تصفينها فلا بأس، رغم انني أفضل الارتباط بطبيبة أو ممرضة لتساعدني في الأبحاث..
لولا أن أمه حدجته بنظرات ذات معنى:
– لقد قلت لك، لن تجد فتاة تناسبك أكثر من هذه الفتاة! ثم ان لديها الحزام الاسود في الكاراتيه، لذا لن تجدها ضعيفة أبدا.. أقول هذا لطمأنة ورعك الزائد، رغم انني لست مقتنعة بما تقول أبدا..
فاستسلم عامر لها بابتسامة ودودة:
– حسنا ما دمتِ ترينها كذلك وقد أحببتيها بهذا الشكل، فلا شك أنها ستعجبني..
من الجيد أنه كان يؤمن تماما بنظرية (البوصلة)*، التي تساعده كثيرا في بر أمه، فما دامت أمه تراها مناسبة له فلا شك أنها كذلك، وهذا ما تأكد منه بنفسه في فترة الخطوبة، لقد دخلت قلبه منذ الجلسة الأولى معها، رغم أنها كانت صريحة جدا في التعبير عن رأيها:
– انت الرجل وأنت من بيده القوامة، فلا تتوقع مني احتمال أشياء لا يمكنك احتمالها بنفسك!!
كما قالت أمه، انها قوية بما يكفي ليطمئن على نفسه معها، فقد كان أكثر ما يخشاه الارتباط بفتاة ضعيفة مستكينة، قد يُسيء اليها دون أن يدري! لم يكن مستعدا ليتحمل اثمها امام الله..
لذا كان أكثر ما أعجبه في نور أنها لم تكن من النوع الذي يصنف ضمن الفتيات الحسّاسات كأخته، والتي ما أن يرتطم بها ولو بطريق الخطأ حتى تصرخ متأوهة!! لقد سببت له عقدة حقيقية من الارتباط بأي فتاة؛ حتى خُيّل إليه أنه لو وكز أي فتاة لقضى عليها!! ربما كان متأثرا جدا بقصة سيدنا موسى عليه السلام، وربما كان شيئا آخر.. لكن النتيجة النهائية كانت واحدة..
ورغم أنه لم يشكّ لحظة واحدة بأن نور ستعجبه كما قالت أمه، إلا أن آخر ما كان يخطر بباله هو أن يهيم بها حبا، وهو الذي يعدّ نفسه رجلا عمليا بدرجة كبيرة! كل ما يهمه هو ابحاثه وكتبه، بعد أن سيطر عليه ولعه الشديد بالعلم والأبحاث الطبية الجديدة!!
حتى بعد الزواج، لم يتوقع أن تتطور مشاعره نحوها بذلك الشكل، وهو الذي كان حريصا على توضيح كل الامور المتعلقة بطبيعة عمله لها؛ حتى لا يثير لديها الغيرة بأي شكل من الأشكال! كانت متفهمة جدا أكثر مما توقع، ولم يجد منها تصرف امتعاض واحد تجاه ذلك!! بل إنه لا يذكر أنها قامت بمهاتفته خلال فترة عمله أبدا، لقد تقبلت طبيعة عمله بسرعة، ولم تكن من النوع المتشكي بأي شكل، رغم انه لم يتمكن من قضاء شهر العسل معها كما يُتوقع من عروسين!!
إما انها صبورة جدا ومتفهمة لأبعد الحدود، أو أنها تثق به تماما وتقدر موقفه، أو انها لا تبالي به مطلقا!!
وكان ذلك الاحتمال كفيل بتعكير مزاجه!
 
………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
شعار نبراس

تركته لأجلك! – الحلقة 36

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

نزلت نور من السيارة بعد أن أوقفها عامر أمام العمارة التي تقع بها شقتهم، وما أن همّت بمساعدته في حمل الحقائب، حتى أشار اليها بنبرة صارمة:
– دعيها لو سمحتِ واسبقيني الى الداخل..
نظرت اليه نور لوهلة بتعجب، مالذي أصابه! غير أنها اتجهت بهدوء نحو شقتها في الطابق الأرضي من العمارة، ومئات الأفكار تعتمل في رأسها؛ وهي تحاول ايجاد تفسير واحد لتصرفاته الغريبة تلك! آخر مرة حدثها فيها كان يبدو طبيعيا جدا، رغم انها لا تذكر تماما ما الذي دار بينهما من حديث، فقد كان فكرها مشغولا وقتها، بعد ذلك هرعت لمنزلها وشرعت بتنظيفه ونفض الغبار المتكوّم بشكل طبيعي في أي منزل هجره أصحابه لمدة شهر! فمنذ أن عادت لرؤية أمها لم تأتِ ولا مرة واحدة لمنزلها، والذي كانت قد تركته قبل ذلك عندما سافرت مع زوجها للمدينة الأخرى (مدينة سوسن كما يحلو لها أن تسميها أحيانا!!).. حاولت انجاز العمل بسرعة قبل أن تستحم وتذهب لمنزل والديّ عامر، حيث أنه من الطبيعي أن يأتي لزيارتهم أولا فور عودته للمدينة.. ساعدت والدته في اعداد مائدة الطعام، رغم أنها كانت ترغب باستقباله في المطار لا سيما وأن أخاها عرض عليها فكرة التوصيل بسيارته، إلا أن عامر أصر على المجيء بنفسه، خاصة وأنه يرغب باستئجار سيارة من هناك لتبقى معه خلال الفترة الحالية..
لا بأس هو حر فيما يفعله..
تنهدت نور وهي تسترسل بأفكارها حول ما حدث بعد ذلك..
بدت الأمور طبيعية جدا منذ وصوله منزل والديه بعد المغرب، حيث تناول الطعام وتبادل معهم أطراف الحديث بمرح كالعادة، لم يكن هناك أي شيء يثير الريبة أبدا!! غير أنه بمجرد ركوبهما السيارة، تغيّر فجأة وبشكل غريب!! بدا وجهه متجهما وهو يدخل كهف الصمت المخيف، متجاهلا وجودها تماما!! حتى عندما حاولت سؤاله؛ لم يُجِبها ولو بحرفٍ واحدة!!
استعاذت نور بالله من الشيطان الرجيم من تلك الوساوس التي بدأت تراودها، ورددت دعاء دخول المنزل، محاولة طمأنة نفسها..
حسنا ما تزال هناك أمور لا تعرفها عن شخصيته، فلم يمض على زواجهما سوى ثلاثة أشهر، وقد يكون هذا أمرا طبيعيا بالنسبة له.. لا شك أنه متعب ويحتاج للراحة، خاصة وأنه تولى مهمة إخلاء شقتهما المستأجرة في تلك المدينة وحده، إذ لن يعودوا إليها مجددا..
وأخذت تحدث نفسها بثقة:
– ربما هذا كل ما في الأمر ثم تعود الأمور إلى مجاريها بالتأكيد.. كل شيء سيكون على ما يرام.. إهدئي فقط يا نور واستعيني بالله..
وابتسمت لنفسها برضا، وهي تستنشق الرائحة المنعشة التي عطّرت بها المنزل، كل شيء يبدو لامعا وبراقا، ولا شك أن هذا الجو المريح سيعدّل مزاج عامر بالتأكيد..
غير أن نبرة صوته وهو يلقي عليها السلام عندما دخل المنزل، أثارت مخاوفها من جديد، رمقته بقلق وهو يُدخل الحقائب بصمت، فحاولت كسر ذلك الحاجز المفاجئ بينهما:
– جزاك الله خيرا، لقد أنرتَ البيت بعودتك..
ولدهشتها الشديدة أجابها بلهجة جافة، دون أن يكلّف نفسه عناء النظر اليها:
– شكرا..
لم يعد مجالا للشك، هناك خطب ما بالتأكيد!
وقبل أن تجد طريقة مناسبة لمعرفة ما يحدث، خاصة وهو يصر على تجاهلها بهذا الشكل المريب؛ اختفى في غرفة النوم ليتركها شاردة في صالة المعيشة، تؤنس الحقائب بأفكارها المتلاحقة..!
هل حدث معه شيء في رحلته! هل قابل أحدا!! هل سمع شيئا؟؟ هل….!!
وبدأت نبضات قلبها تتسارع، هل يُعقل أنه….
وقبل أن تكتمل الفكرة في ذهنها، فوجئت بسماع صوته:
– اذهبي وارتدي زيك الخاص بسرعة، سأنتظرك في صالة الاستقبال.. لا تتأخرى!
فحملقت فيه بدهشة وهي تتأمله برداء الكاراتيه خاصته، وقد ربط حزامه الاسود من الدرجة التاسعة (دان 9)، حول خاصرته بإحكام! وأمام تصلّبها؛ كرر كلامه بلهجة حادة وهو يعطيها ظهره متجها نحو الصالة:
– قلت لك اسرعي!!
عندها شعرت نور ببعض الغيظ من تصرفه، من يظن نفسه ليملي عليها الأوامر بهذه الطريقة الفوقية الفظّة! أهذا هو خُلق الرجل المسلم!!!
لكنها أقنعت نفسها أخيرا بأنه يمر بحالة طارئة، ولا داعي لإثارة المزيد من المشاكل بسبب ذلك، فاتجهت نحو خزانتها باستسلام وارتدت زيها هي الأخرى، ثم ربطت شعرها على شكل ذيل حصان، دون أن تمنع نفسها من التفكير بدافع عامر هذه المرة، والذي يبدو مختلفا تماما عن أول مباراة دارت بينهما..
كان ذلك في الأسبوع الثالث من زواجهما، بعد أن أخبرها عن رغبته في رؤية مهاراتها القتالية! لا زالت ابتسامته منطبعة في ذاكرتها عندما قال لها:
– أريد التأكد بنفسي من كفاءة فتاة حاصلة على الحزام الأسود!
عندها أخذتها الحمية، وشعرت بمسؤولية كبيرة تجاه ما هي مقدمة عليه، فأجابته بتحد واضح:
– إياك والاستخفاف بنا، سأنازلك بقوة من أجل (فتيات الكاراتيه) قاطبة، فلا تتهاون معي أبدا!
فما كان منه إلا أن أطلق ضحكة مرحة:
– حسنا هيا أريني ما لديك، ابدئي أنت الهجوم، وإن تمكنتِ من لمس رقبتي فسأعترف بك رسميا!
يومها بذلت جهدا كبيرا، لم ترضى بالهزيمة او الاستسلام، فرغم أنه الحائز على المركز الأول في البطولة الوطنية للكاراتيه، إلا أن لمس رقبته لا شيء يُذكر أمام مهاراتها الخاصة! هذا ما كانت تظنه!! وبإصرار شديد تابعت هجماتها، خاصة وأن شعورها بقلقه عليها، وخوفه من أذيتها قد أعطاها فُرُصا أكبر للفوز! صحيح أنها كانت ترغب باختبار مقدرتها الحقيقية، إلا أنها لم تستطع إنكار سعادتها باهتمامه.. أما اليوم.. فالوضع يبدو مختلفا بشكل كبير!!
لكنها طمأنت نفسها، على الأقل ما دام قد طلب منها ارتداء الزي، فهذا يعني أنهما سيخوضان مباراة ودية لا أكثر! فلو أنه ينوي ايذاءها لفعل ذلك مباشرة!!
أم أنه يحاول التغطية على أذيته لها مثلا!!
أرعبتها هذه الفكرة قليلا، لكنها سرعان ما طردتها من رأسها، فهو رجل يخاف الله قبل كل شيء!!
هذا ما أقنعت نفسها به أخيرا وهي تدخل إلى صالة الاستقبال، حيث وجدته بانتظارها بعد أن أخرج كل ما من شأنه أن يعيق نزالهما من الغرفة، مما أشعرها برهبة حقيقية، وكأنها تدلف إلى حلبة ملاكمة لتواجه مصارع غامض لا تعرف عنه شيئا!!
– تأخرتِ كثيرا..
قال جملته باقتضاب ووقف في مواجهتها علامة الاستعداد!
لأول مرة شعرت برعب حقيقي من نظراته، حتى أنها شكّت بكونه زوجها عامر الذي تعرفه، فاتخذت وضعية الاستعداد بسرعة؛ ليعاجلها بهجمته الأولى المفاجئة، والتي تمكنت من تفاديها في اللحظة الأخيرة!! لقد بدأ النزال بالفعل، وبجدية تامة!!!

***

شعرت سوسن بصداع في رأسها فاستأذنت من والديها على مائدة العشاء لتعود الى غرفتها، فيما نظرت اليها امها بقلق:
– تحتاجين لراحة حقيقية بعد هذا المعرض، لقد أجهدتِ نفسك كثيرا يا ابنتي..
وعقّب والدها:
– سمعت ان أداءك كان رائعا، كان بودي الحضور، لكنك تعرفين؛ فهذه الأيام حاسمة بالنسبة لي، أنت تقدرين ذلك بلا شك!
فابتسمت سوسن:
– بالتأكيد يا أبي، أتمنى لك التوفيق في حملتك الانتخابية المقبلة..
فاستدركت أمها قائلة:
– من الجيد أنك ذكّرتني، إذ لم أجد الوقت لاخبارك من قبل، غدا سأرافق والدك في رحلة خارج المدينة من أجل المؤتمر الصحفي، اعتني بنفسك جيدا في غيابي، لقد أوصيتُ بهجة بك، فأظنها أكثر من يفهمك في هذا المنزل..
لم يخف على سوسن نبرة اللوم في كلام والدتها، فأرخت عينيها، وهي تتمنى أن لا تكون العلاقة التي توطدت بينها وبين بهجة مؤخرا، قد أثارت حفيظة والديها، واكتفت بقولها:
– اطمئني يا أمي سأكون بخير..
وبصعوبة استطاعت الصعود إلى غرفتها، وهي تحاول أن لا تبدي لوالديها مدى انهاكها، شعرت بأنها ستستقط على الدرج لكنها تماسكت، حتى اذا ما وصلت غرفتها، رمت بجسدها على السرير بإعياء شديد..
كان يوما عصيبا!!
هذا ما استقر في ذهن سوسن كأفضل وصفٍ لهذا اليوم!! لم تستطع تصديق ما سمعته، ولا ما شاهدته! لقد كانت مزحة بالتأكيد!! أهذا ما عنته نور بتحذيرها يا ترى؟؟
حاولت أن تمد يدها نحو هاتفها لتحادث نور، لكن الارهاق سبقها وقد أخذ منها كل مأخذ، فلم تنتبه لنفسها وهي تغط بنوم عميق..
 
………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
شعار نبراس

تركته لأجلك! – الحلقة 35

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

لا تذكر تماما ما الذي حدث بعد ذلك، فقد كانت شبه غائبة عن الوعي وكأنها في حلم، كل ما تذكره أنها انطلقت بسرعة كمن تفر من الجحيم!! حتى إذا ما وجدت نفسها خارج المبنى دون أن يلحظها أحد ترقرقت عيناها بالدموع شكرا لله، وما لبثت أن شعرت بتهالك شديد!! تهالك أشعرها بألم لا يطاق، ليس في جسمها.. بل في قلبها!! كيف آلت الأمور إلى هذا الحال!! كانت على وشك تقديم رسالتها في تلك اللوحة!! لكنها لوحة لم يقدّر الله لها الاكتمال!!
لم تعد إلى البيت مباشرة.. فلم تكن قدماها تقويان على الرجوع.. بل اتجهتا بتلقائية نحو حديقة عامة؛ وجدت لأحزانها مكان فيها تحت ظل شجرة..
وترقرقت عينا نوربالدموع وهي تذكر تلك الكلمات التي خرجت مع آهات قلبها بعد ذلك، فقد اتخذت قرارها، قرارا لا رجعة فيه ولا هوادة، قرارا تطرح من خلاله عاطفتها جانبا، حتى ولو اضطرت لسحق مشاعرها سحقا!!
لم تكن شاعرة، ولم تكن خواطرها المتناثرة مما يصح اطلاق اسم الشعر عليه، غير أن ما جادت به مشاعرها المحطمة آنذاك؛ كان أشبه ما يكون بترانيم حزينة لقلب مكلوم!


إلهي لا تعذبني فقلبي لن يطق صبرا
ظننتُ بداية أني محنّكة وبي الفخرا
فإذ بي ربي مخلوقٌ أصاب غروره الكبرا
فأعمته الغشاوة عن حقيقة نفسه المُرّا
وها أنا يا إله الكون أشهد أنني صفرا
وأشهد أنك الرحمن رب الأرض والشعرى
فهل لي يا رجاء الخلق بعد جنايتي عذرا
فإني في معاناة تفجر أدمعي نهرا
وضاق الصدر بالالام والاحزان وانفطرا
وصار الهم يجري في عروق النفس مستعرا
أحيي الصحب باسمة ولا يدرون بي قهرا
ولكني أرى يأسي من الغفران كالكفرا
فلولا أن لي ربا له يسرٌ يلي عسرا
وأنه سامع النجوى وسري عنده جهرا
وأنه كاشف البلوى مجيب دعاء مضطرا
لما طابت لنفسي العيش في دنيا بها كدرا
ولا صاحبت إخوانا ولا حادثتهم خبرا
ولا سمعت لي الآذان شدو بلابل السحرا
ولا ذقتُ الطعام ولا نعمتُ بأنعمٍ تترى
.
.

– نور.. نور ألا تسمعينني!!
انتبهت نور على صوت والدتها أخيرا، فنهضت من مكانها بسرعة وهي تشعر بالذنب، إذ كان من النادر أن لا تلبي نداء والدتها من المرة الأولى:
– آسفة يا أمي لم انتبه لندائك، هل تريدين شيئا؟؟
فرمقتها أمها بقلق وهي تلاحظ شرودها الغريب:
– ما الذي أصابك يا ابنتي، هل حدث شيء؟؟ عامر يحاول الاتصال بك؛ لكنك لا تردين على هاتفك، فاتصلَ بي، سوف يعود الليلة إن شاء الله..
فهتفت نور بدهشة:
– حقا!! علي أن أعود إلى منزلي وأقوم بنفضه فورا!!
وقبل أن تهم بمعاودة الاتصال بعامر بعد أن رأت ثلاث مكالمات منه، رن هاتفها فردت عليه فورا بلهجة مرتبكة:
– اعذرني يا عامر، فلم انتبه لاتصالك.. لقد أخبرتني أمي الآن وسأنتظرك في المنزل إن شاء الله..
غير أن صوته بدا قلقا بعض الشيء وهو يسألها باهتمام:
– هل أنت بخير يا عزيزتي؟؟
كان سؤاله مباغتا بالنسبة لحالتها فلم تعرف كيف تصيغ إجابة مناسبة، فاصطنعت ابتسامة مرحة بسرعة:
– لا شيء مهم، كنت شاردة فقط، فلا تقلق!!

***

انتبهت سوسن لنداء سيدة أخذت تهتف باسمها من وسط الجمع المحيط بها أمام لوحاتها في المعرض العالمي، فالتفتت نحوها لتجد العجوز التي التقتها في غرفة المصلى سابقا تلوح لها بابتسامة عريضة، فأسرعت نحوها لتحييها بابتسامة مماثلة:
– مرحبا بك يا خالة، لقد افتقدتك أمس وظننتك لن تأتي!
فاعتذرت لها العجوز بضحكة مرحة:
– ها أنت ترينني أمامك الآن يا ابنتي، لقد أخذنا الوقت البارحة ولم نتمكن من العودة لرؤية زاويتك، لذا ألححتُ على حفيدي أن يحضرني اليوم خصيصا لرؤيتها قبل أن يغلق المعرض أبوابه..
فابتسمت سوسن برقة:
– هذا لطف كبير منك يا خالتي، ويسعدني سماع رأيك عنها..
غير أن العجوز بدت قلقة وهي تلتفت يمنة ويسرة فسألتها سوسن بتوجس:
– هل تبحثين عن شيء؟
فتمتمت العجوز بصوت خفيض بالكاد سمعته سوسن:
– غريب.. أين اختفى ذلك الولد! لقد كان يقف إلى جانبي قبل لحظات..
وبتلقائية انتقلت عدوى القلق لسوسن، وكأنها تستمع لحادثة ضياع طفل صغير لم يبلغ سن التمييز بعد! لكن وجه العجوز سرعان ما تهلل بشرا وهي تشير بعينيها إلى شاب ملتح وقف يتأمل اللوحات بعيدا عنهما، فنادته العجوز بعفوية:
– مهند.. ما الذي تفعله عندك؟ لقد قلقتُ عليك يا ولد!
فرد عليها الشاب بأدب، متحاشيا النظر إلى سوسن:
– لا تقلقي يا جدتي إنني أنتظرك..
فضحكت العجوز وهي تخاطب سوسن:
– لا عليك.. لقد أقلقتك معي دون مبرر، فحفيدي خجول بعض الشيء وأخشى عليه الضياع أحيانا..
ورغم احمرار وجنتي سوسن من مفاجأتها برؤية ذلك الشاب الناضج الذي يظهر عليه سيماء التدين والالتزام، والذي ذكرها لوهلة بعامر زوج نور، إلا أنها شعرت برغبة عارمة باطلاق ضحكة كادت أن تفلت منها، وهي تحدث نفسها:
– أهذا هو الطفل الذي تخشى عليه الجدة من الضياع!!!
لكن العجوز لم تتركها لأفكارها كثيرا إذ سرعان ما انخرطت بالسؤال عن أدق التفاصيل في كل لوحة، فيما أخذت سوسن تشرح لها بحماسة منقطعة النظير، أما أيهم الذي عاد للتو من دورة المياه، فلم يخفى عليه ملاحظة ذلك الشاب الواقف بهدوء إلى جانب لوحات سوسن..
أخذ يراقبه بتمعن وقد شعر بأنه رآه من قبل دون أن يذكر أين!! لسبب ما شعر برغبة قوية في مراقبته بتفحص أكثر، وملاحظة نظراته دون أن يشعر، غير أن النتيجة التي حصل عليها كانت واحدة..
لم يره ينظر ولا مرة واحدة نحو سوسن!!
كان هذا هو أكثر ما شغل بال أيهم في تلك اللحظات!! بينما أخذت يده توقع بحركة آلية على دفاتر المعجبات اللاتي اجتمعن حوله، غير أنه انتبه لصوت سيدة عجوز تخاطبه:
– أنت أيهم خطيب سوسن إذن! أنت محظوظ حقا بها يا بني..
فابتسم لها أيهم مجاملة وقد سره ظهورها الذي أراح يده قليلا من كثرة التواقيع؛ بعد أن تحوّلت الانظار نحوها باستفهام غريب، وقبل أن يهم بالرد عليها ولو بكلمة، كانت قد نادت حفيدها قائلة:
– هذا هو أيهم خطيب سوسن، تعال وسلم عليه يا مهند قبل أن نذهب..
وبمنتهى البساطة قامت الجدة بمهمة التعارف بين الشابين، دون أن تبدو أدنى غضاضة على وجه مهند الذي أخذت الجدة تتحدث نيابة عنه كالطفل الصغير، فيما قام هو بمصافحة أيهم بابتسامة بشوشة:
– سررتُ بمعرفتك، أرجو أن لا يكون هذا قد أزعجك؛ فجدتي تعد الجميع إما ابناءها أو أحفادها..
فيما تابعت الجدة كلامها بابتهاج:
– مهند طبيب حاذق جدا ما شاء الله يمكنك استشارته في أي أمر تشاء..
والتفتت نحو مهند قائلة:
– ربما لو أعطيته بطاقتك فسيكون هذا أفضل يا بني..
وبانصياع تام أخرج مهند محفظته وتناول منها بطاقة ناولها لأيهم بابتسامة ودودة:
– يسعدني اتصالك في أي وقت..
وبمجاملة تامة تناول أيهم البطاقة وهو يبتسم باقتضاب:
– شكرا لك..
فيما بقيت نظراته معلقة بذلك الشاب الذي لم يرق له مظهره، حتى توارى عن ناظريه وسط الجموع، فتنهد ملتفتا لسوسن التي أخذت تبلل حلقها من قارورة ماء:
– شاب غريب حقا!! ألا يذكّرك بشخصٍ ما!
همت سوسن أن تجيبه؛ لكنها تداركت نفسها فأمسكت عن الإجابة، فيما تابع أيهم طرح أسئلته بتفحص:
– ما رأيك فيه؟
فوجئت سوسن بسؤاله، هل هو فخ ما، ويُفترض بإجابتها أن تكون على نسق معين!!
فصمتت قليلا قبل أن تقول بعد إلحاحه الشديد:
– إنه شاب مهذب!!
فرمقها أيهم بنظرات ذات معنى:
– أهذا كل ما لديك؟؟
فنظرت اليه سوسن بتعجب، مما جعله يتوجه لسؤاله التالي:
– وكيف استنتجت ذلك؟
فأجابته بعفوية:
– لم يكن ينظر نحوي مطلقا على عكس غيره من الرجال!
فسألها بسرعة كمن يوجه الضربة القاضية:
– وكيف عرفت ذلك؟؟
بوغتت سوسن من ذلك السؤال ولم تجد ما ترد به عليه، فتابع أيهم كلامه:
– يبدو أنك أنتِ من كان ينظر إليه يا سوسن!! أظن أنه النوع الذي بات يستهويك من الرجال!!
فاحمرت وجنتاها بنوعٍ من الغضب، وهي ترد بحدة:
– ما الذي تعنيه بكلامك؟؟ أيهم.. لم أعد أفهمك!!!!
فتدارك أيهم نفسه بسرعة:
– لا تسيئي فهمي يا عزيزتي، كان مجرد تعليق عابر..
وتناول يدها بحركة خاطفة ليقربها من شفتيه هامسا:
– آسف لتعكير مزاجك يا حبيبتي في آخر يوم لك في هذا المعرض..
ولأول مرة لم تفلح تلك الطريقة في امتصاص غضبها، بل زادت من امتعاضها لا سيما وقد أصبحت مركزا لأهداف العيون المحدقة بهما من كل جانب، فسحبت يدها قائلة:
– لا بأس.. كما قلت؛ فاليوم هو آخر أيام المعرض..
وأخذت تنظر في ساعتها قبل أن تتابع:
– لم يبق أمامنا سوى أقل من ساعة…
غير أن أيهم قاطعها وهو يقف أمامها مباشرة معترضا حركتها:
– لا تزالين غاضبة مني أليس كذلك؟؟
فحملقت فيه سوسن لوهلة فيما تابع كلامه بنبرة ودودة:
– حقا إنني أعتذر يا سوسن، لم أقصد ذلك..
والتقط نفسا عميقا قبل أن يقول:
– لا أعرف كيف أبرر ما قلته لك سابقا، لكنني..
وصمت قبل أن يتابع بتردد أكبر:
– لقد شعرتُ بالغيرة فعلا!
خفق قلب سوسن على حين غرة بمجرد سماعها تلك الكلمة وبتلك النبرة!! كان جادا تماما وهو يقولها هذه المرة، فنظرت إليه بابتسامة مطمئنة:
– أيهم.. أنت أكثر من يعلم بأنه من المستحيل على قلبي أن يهتم برجل آخر غيرك..
غير أنها سرعان ما انتبهت للجماهير التي تحلّقت حولهما كالجراد، وكأنهم بصدد مشاهدة عرض مسرحي على الهواء مباشرة، ولم يخف عليها ملاحظة الأيادي التي أخذت تلتقط الصور بحماسة، فالتفتت نحو لوحاتها محاولة تجاهل ما يجري، بينما كان الدم يغلي في عروقها لأقصى درجة، لا شك أن الصور ومقاطع الفيديو ستنتشر عبر جميع الوسائل الاعلامية كانتشار النار في الهشيم بلمح البصر، وعضّت على شفتيها بضيق محدثة نفسها بألم:
– أهذا يعجبك يا أيهم!! ستزيد شعبيتك بالتأكيد!!
كانت تشعر بأنها واقعة تحت ضغط كفيل بسحق أقسى أنواع الصخور المعروفة على وجه الأرض! اختناق كبير لحد الموت، تمنت معه لو أن الأرض تنشق وتنهيها من الوجود! كم تمقت هذا النمط من الحياة…
وقبل أن تغرق في المزيد من تلك الأفكار المظلمة؛ انتبهت على صوتٍ يهتف بإسمها بلطف شديد، فالتفتت نحوه لتفاجأ بسامر وهو يناولها منديلا معطّرا مع ابتسامة رقيقة:
– تبدين منهكة جدا يا سوسن..
وبدلا من أن تجيبه بأي شيء أو تتناول المنديل منه ببساطة، شعرت بارتباك مفاجئ أفقدها توازنها؛ فالتفتت بسرعة تبحث بعينيها عن أيهم، لتجده غارقا وسط معجبيه حتى النخاع!!!

………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم