تركته لأجلك! – الحلقة 28

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

حانت اللحظة الحاسمة أخيرا في حياة سوسن؛ وهي تقف ملتحفة بغطاء سريرها مستقبلة القبلة، بعد أن اغتسلت وتوضأت، وآلاف الخواطر تمر في ذهنها كشريط ذكريات فُتح مع رفعها يديها لتكبيرة الاحرام.. كم هي نعمة عظيمة هذه الاختراعات الحديثة!! فكيف لها أن تتعلم الصلاة لو لم يكن بإمكانها تحميل ومشاهدة تلك المقاطع!
لا تدري كم من الزمن مر عليها وهي تقف رافعة يديها باتجاه القبلة، بل لقد خيّل إليها أن الزمن قد تجمد عند تلك اللحظة.. ها هي ستصلي لأول مرة في حياتها.. شعرت برهبة شديدة، بل سعادة غريبة، أو مشاعر أخرى لم تعرف ماذا تسميها، مشاعر لا تستطيع كبتها؛ فانسالت على خديها بشكل دموع..
الله أكبر..
كيف لها أن ترددها دون أن تقشعر كل خلية في جسدها!!
“الحمد لله رب العالمين”..
اللهم لك الحمد يارب، لك الحمد يارب العالمين، أن سهلت لي هذا الوقوف بين يديك..
رددتها بدموع قلبها..
“الرحمن الرحيم”..
يا أرحم الراحمين، ارحم ضعفي، ارحم حيرتي، ارحم جهلي وقلة حيلتي، ارحمني يا رحمن يا رحيم..
“مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين”
يارب يا مالك يوم الدين.. أعني على ما لا طاقة لي به..
” اهدنا الصراط المستقيم”
عندها أخذت تجهش بالبكاء وهي ترددها المرة تلو الأخرى..
اهدني يا رب العالمين.. اهدني يا رحمن يا رحيم.. اهدني يا مالك يوم الدين.. اهدني يا الله.. اهدني فقد تعبت كثيرا من هذا الضياع..
بكت سوسن كما لم تبك من قبل، رغم أنها لا تذكر أنه مر عليها وقت لم تبكٍ فيه، بعد خطبتها من أيهم!! بكت كثيرا وشعرت برغبة جامحة تحول بينها وبين رفع رأسها من أول سجدة تسجدها لله على الأرض..
***
افلتت ضحكة خافتة من فم ذلك الرجل البدين الجالس على مكتبه، وهو يتأمل شاشة للمراقبة التلفزيونية، سلطها على بقعة محددة احتشد فيها الناس دون غيرها من الأماكن، ثم التقط نفسا عميقا من سيجارته المشتعلة، وهو يشير إلى عامل المراسلة بطرف اصبعه:
– ألم تخبره؟
فأجابه العامل وهو يضع فنجان القهوة على المكتب بانكسار:
– أجل سيدي إنه قادم..
ولم يكد يتم جملته، حتى دخل سامر مسلما:
– استدعيتني أيها المدير؟
فأشار له المدير بالجلوس إلى كرسي قربه، ثم أومأ بعينه إلى الشاشة بسعادة ظاهرة:
– كانت فكرة اختيار تلك الشابة للواجهة فكرة صائبة جدا، ولكنك لم تخبرني أن النجم أيهم سيكون معها، كان علينا أن نضيف ذلك في الاعلان..
ودون أن يلحظ أثر كلماته على سامر، تابع المدير بمزيد من الرضا وقد انتفخت أوداجه:
– لن تجد أفضل من شاب وسيم، وفاتنة حسناء للترويج عن أي مكان في هذا العالم، حتى ولو كان الجحيم بعينه..
وأطلق قهقهة مجلجلة، عبّرت عن مدى نشوته بما حصل عليه من نتائج فاقت توقعاته، ثم التفت إلى سامر مضيفا:
– أريد نشر المزيد من الاعلانات التي تضم أيهم مع تلك الفاتنة فلم يبق على مـ….
لكنه بتر جملته وهو يتأمل تغير وجه سامر الملحوظ، فسأله باهتمام:
– هل أصابك شيء؟؟
أدار سامر وجهه وهو يضع يده على فمه متظاهرا بالسعال قبل أن يقول:
– لا شيء..
ولأن هذا ما كان يرغب المدير بسماعه، فقد تابع باهتمام:
– حسنا ما قولك في…
غير أن سامر لم يستطع السكوت أكثر، فقاطعه بلباقة:
– عفوا سيدي المدير، ولكنني أرى من غير اللائق استغلال الآخرين هكذا..
عندها حملق المدير فيه بعينين مفتوحتين عن آخرهما:
– ماهذا الذي تقوله يا سامر!! مالذي تقصده بكلامك!!
فأكد سامر كلامه:
– إنني أعني ما أقوله، ليس من اللائق استغلال الآخرين للترويج عما نريده، هذا رأيي..
لم يزد المدير عن الحملقة فيه بعينيه المفتوحتين، حتى إذا ما وصلتا لآخر اتساع لهما، أغمضهما بابتسامة ساخرة، دوا أن ينطق بحرف واحد، ثم رمقه بنظرة ذات مغزى معلقا:
– نسيت أنك لا زلت شابا.. ولكن لا تقل لي أنك ترغب في لعب دور الفارس الشهم الذي يسعى لحماية الحسناء الجميلة!
ولم يتمالك نفسه، فأطلق ضحكة صاخبة، قبل أن يضيف بخبث:
– في عالم المال يا بني، لا مجال للحب..
كانت تلك الكلمة كفيلة بإثارة عواطف سامر، رغم استيائه الشديد من تلك اللهجة الهازئة، فلم يستطع الجلوس أكثر، بل خرج متجاهلا كلام مديره على غير عادته..

………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

تركته لأجلك! – الحلقة 27

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

ظلام شديد حالك.. ظلام دامس.. ظلام مخيف جدا.. دوامة كبيرة، لا يمكنها الافلات منها، ولا حتى التقاط انفاسها خلالها.. ستُخنق هذه المرة لا محالة…
هبت سوسن من فراشها فزعة وهي تلتقط انفاسها المتلاحقة، وتتحسس رقبتها بقلق، كانت على وشك الانخناق فعلا!!
وأخيرا تنفست الصعداء بعد أن تبين لها أنه مجرد حلم، فتنهدت محدثة نفسها:
– لقد عاد الظلام إلى أحلامي مجددا بل وبشدة أكبر!!…. كم أنا بحاجة للنور!
وأشعلت مصباح القراءة قرب سريرها، لتجد أن الوقت لا زال باكرا، فلم يطلع الفجر بعد، وحملقت في اللوحة أمامها:
– الله نور السماوات والأرض..
فأرخت عينيها بانكسار:
– كم أشعر بالخجل منك يارب.. لقد كانت الاشارة واضحة تماما، بل أوضح من الشمس في كبد السماء! ولكن.. هذا صعب جدا.. أعلم أنه الحل الوحيد، ولكنه.. شبه مستحيل…! ليتني أعرف فقط.. متى سينتهي هذا الكابوس… يارب!!
اليوم هو ثالث أيام المعرض، ورغم ذلك شعرت بأنه قد مر عليها شهورا فيه، خاصة وقد أصبح كالكابوس الجاثم على صدرها، تتوق شوقا لليوم الذي يعلن فيه انتهاء مدته!
أخذت الفكرة تلح عليها بشدة:
– لن أذهب إلى هناك مجددا.. ربما هذا أفضل لي وللجميع… ولكن لا يمكنني ذلك الآن؛ بعد ما فعله أيهم من أجلي!!
لقد وعدها أيهم أن يكون إلى جانبها، وقد كان هذا طبيعي منه، لكن أن يأخذ إجازة خصيصا من أجلها.. فهذا ما لم يخطر ببالها قط..
وخفق قلبها بشدة لذكرى كلماته الرقيقة:
– أنت أغلى عندي من كل ما أملك.. أسطواناتي كلها يمكن تأجيلها من أجلك حبيبتي..
هذه شهامة منه حقا لا يمكن أن تنساها، فهو إلى جانب مساهمته في حمايتها بوقفته إلى جانبها في المعرض؛ قام بإدخال الطمأنينة إلى قلبها بعد أن أراحها تماما من التفكير فيما قد يحدث بينه وبين سورا في المعهد!! أو هذا ما ظنته..!
كانت خفقات قلبها تعبر بصمت عن خلجات صدرها:
– أيهم.. كم أحبك وأقدر وقفتك إلى جانبي، فهذا سيحل المشكلة مؤقتا.. لكن سامحني.. فما زلت أتعذب.. وما يعذبني أكثر أن الحل واضح، ولكن.. كيف السبيل إليه!!
وفي تلك اللحظة تنهدت بعمق:
– أين أنت يا نور!!
وعادت بذاكرتها تحاول استرجاع آخر اتصال حادثتها فيه، فلم تستطع التذكر، فقد مرت الأيام الفائتة كأنها شهور من كثرة أشغالها.. أو همومها!!
وأخذت تقلب في رسائل هاتفها، حتى إذا ما وقعت عيناها على آخر رسالة تلقتها من نور، تسارعت نبضات قلبها، وقد أعادت الرسالة إلى ذاكرتها ما حدث تلك الليلة.. يوم أن كانت تبحث عن الآية، فالتقت ببهجة!!
وانقبض صدرها بقلق:
– لم تُعد نور الاتصال بي رغم أنها وعدت بذلك في أقرب فرصة، أرجو أن تكون بخير..
وشعرت برغبة شديدة في محادثتها والاطمئنان عليها، فليس من عادة نور أن تتأخر عليها هكذا!!
وبدون تردد تناولت هاتفها وكتبت رسالة لنور، فهذا قد يريحها قليلا، ومن ثم أسندت رأسها إلى حافة سريرها الخلفية، وأغمضت عينيها..
يارب ..لا أعرف ماذا أقول لك.. ولا بماذا أدعوك.. يارب.. أنت تسمعني.. وأنت تراني.. وتعلم ما بحالي.. أليس كذلك؟؟ يارب.. لستُ مؤمنة مثل نور ولا حتى مثل بهجة.. ولا أعرف كيف أصبح مثلهما لتستجيب دعائي.. يارب .. أنا مجرد انسانة تائهة حائرة ضعيفة لا تعرف كيف تتصرف…
وانهمرت الدموع من عينيها:
– ربما أستحق ما يجري لي.. فهل ترحمني يارب وأنا بعيدة عنك؟؟
وإذ ذاك رن هاتفها، فالتقطته كمن يستيقظ من حلم عميق بعد أن انتبهت من سيل مناجاتها، فأتاها صوت نور:
– السلام عليكم سوسن ؟ هل أنت بخير؟
وبصعوبة ردت عليها وهي تحاول ايقاف سيل دموعها المنهمرة دون أن تعرف لها سببا واضحا:
– آسفة لإزعاجك الآن لم أتوقع أن تكوني مستيقظة، فأرسلت الرسالة على أن تريها عندما تستيقظين، أعتذر بشـدة إذا ما أفزعتك..
فطمأنتها نور:
– لا عليك، عادة أستيقظ في مثل هذا الوقت، فسيرفع أذان الفجر بعد قليل، المهم كيف حالك؟
فأجابيتها سوسن:
– أنا بخير عزيزتي، ولكنني قلقت عليك، كيف حال والديك؟ لقد ذكرتِ لي أن والدك كان متعبا أيضا!
شعرت سوسن بابتسامة نور الهادئة وهي تجيبها:
– الحمد لله إنه بخير الآن، واعذريني إذ لم أتمكن من الاتصال بك، فقد كان ذلك رغما عني ولم أجد الوقت المناسب لذلك، أما وقد رأيت رسالتك الآن فقد عرفت أنك مستيقظة..
وصمتت نور قليلا قبل أن تقول:
– أخبريني عنك يا سوسن، لا أظنك على ما يرام؟ آخر ما أخبرتِني به هو ترشحك للمعرض العالمي، فهل حدث جديد!
وكأن سوسن كانت تخشى سماع هذا السؤال، أو ربما كانت تنتظره، لم تعد تعرف ماذا تريد بالضبط، ربما كانت بحاجة لمن يتحدث نيابة عنها! ولم تتركها نور لصمتها كثيرا، فسألتها:
– كيف حال أيهم؟
وكعادة قلب سوسن، انطلق لينبض بأقصى سرعة فيما توردت وجنتاها..
حتى نور تدرك أن أيهم هو أكثر ما يهمني في هذه الحياة!!
غير أنها أجابتها بابتسامة مُحرَجة:
– أيهم بخير..
وأخيرا انفرجت أسارير سوسن فانطلقت تحدثها عما حدث معها بعفوية أرهقها كثرة التجمّل!
أبدت نور تفهمها التام لحالة سوسن، مما أشعرها بالارتياح فسألتها:
– هل أنا المخطئة يا نور؟ أرجوك أخبريني بصراحة، هل أنا السبب في كل ما حدث!!
صمتت نور قليلا قبل أن تجيب:
– حسنا في حالة الزوجة مثلا، لا يحق لها أن تخاطبك بذلك الأسلوب، فالذنب ليس كله ذنبك، بل يتحمل زوجها الذي أطال النظر إليك المسؤولية في ذلك أيضا، وهذا ينطبق على بقية الرجال!! فهم من جانبهم مأمورون بغض النظر.. ولكن للأسف تجدين من يضع اللوم على الفتاة وحدها، وكأنها إن لم تلتزم بأمر الله لها بالحجاب، يسقط عن الرجال وزر إطلاق البصر!! بالطبع إن قلت لك أنه لا يحق للزوجة أن تفعل ما فعلته، هذا لا يعني أنني لا أتعاطف معها فهي مسكينة.. أظنك تعرفين شعور المرأة إن ظنت أن هناك واحدة أخرى في حياة زوجها!!
كانت تلك الجملة كافية لتُشعر سوسن بوخزٍ شديد في الضمير.. فهي تعرف ذلك الشعور تماما، بل وجربته أيضا ذات يوم!! كم هذا يؤذيها!! وأخذت تلك الكلمة تتردد في أذنها (فلا يؤذين)!! فانفصلت لوهلة عن سمّاعة الهاتف تناجي ربها:
– أجل إن هذا يؤذيني كثيرا.. يؤذيني أن أكون سببا- ولو بشكل بسيط- في تعاسة امرأة أخرى، حتى وإن كان زوجها هو من يتحمل المسؤولية!!
ولكن يارب كيف السبيل إلى ذلك؟؟
عندها سألت نور:
– ما الذي تفعلينه يا نور إن استصعب عليك أمر ما، أو ضايقك شيء وأهمك؟
فجاءها جواب نور ببساطة:
– أصلي..
رددت سوسن بتؤدة:
– تصلين؟؟
فوضحت نور قولها:
– أجل يا عزيزتي، لن تجدي أفضل من الصلاة لإراحة روحك المتعبة، وإزالة همومك، هذا هو دأب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، كان إذا حزبه أمر هرع إلى الصلاة..
طال صمت سوسن فتابعت نور كلامها موضحة:
– لقد فرض الله علينا الصلاة ليضمن لأرواحنا الاتصال به خمس مرات في اليوم على الأقل، فالروح يتعبها الابتعاد عن خالقها كثيرا، وقد ترك سبحانه وتعالى لنا حرية الاتصال مفتوحة طوال الوقت، لمن شاء أن يستزيد من هذا المنبع النوارني الصافي..
كانت كلمات نور تدخل بسلاسة إلى قلب سوسن فتضيء ظلمته، حتى انشرح صدرها تماما وهي تتخذ قرارا سريعا حاسما بينها وبين نفسها:
– الصلاة.. أهذه هي الاشارة التي لم استطع قراءتها؟؟ كنت أظن أن الحجاب هو الحل الوحيد لمشكلتي، ولم يخطر ببالي أمر الصلاة! أجل إنها الطريق الأسهل للوصول لذلك الحل الأمثل..!
وابتسمت لخواطرها تلك بسعادة، فعلى الأقل هذا الأمر بينها وبين الله، ولا عقبات تقف في طريقها إليه.. كيف لم يخطر ببالها الانتباه إلى ذلك الأمر الهام من قبل!! الصلاة.. أجل.. هذه هي الاشارة..
وخطر لها أن تحادث نور في هذا الموضوع، فسألتها دون أن تنتبه إلى أنها قد حادت عن سؤالها السابق:
– هل سمعت بالـ ( الخيميائي)؟
غير أن نور سألتها مستوثقة:
– تقصدين رواية The Alchemist من تأليف Paulo Coelho أليس كذلك؟؟ لقد أهدتني اياها إحدى صديقاتي الأجنبيات، ولم أكن أتوقع وجود رواية أجنبية تظنين معها أن الكاتب مسلم كهذه الرواية!! خاصة وهو يكرر فيها المصطلح العربي (Maktoob ) بمعنى قضاء الله وقدره، إنها بالفعل من أروع الروايات التي قرأتها..
فتهلل وجه سوسن:
– أجل.. إنها هي، ما رأيك بالاشارات التي ذكرها المؤلف؟
فقالت نور:
– تعنين الـ Omens؟ انني أجدها مصداقا لقوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)، وكأن الرسول لا يقتصر على الرسل الذين بعثهم الله لهداية البشرية، وإنما أيضا على الاشارات التي يرسلها لعباده، فمن انتبه لها وأخذ بها قادته إلى الطريق الصحيح، ومن أصر على تجاهلها عامدا متعمدا، توشك أن لا تعود إليه مرة أخرى كما ذُكر في الخيميائي.. فقلبه عندها يكون قد غُطي بالران!!
وكأن نور تعمدت إثارة فضول سوسن، التي سألتها:
– الران؟؟!!!
فأجابتها نور موضحة:
– ورد في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم بما معناه أن العبد إذا أذنب ذنبا ولم يتب منه نكت في قلبه نكتة سوداء، وإذا زاد اصراره على الذنوب متجاهلا نداء نفسه اللوامة، ازدادت النكات السوداء حتى تتراكم على قلبه كالغشاوة المظلمة أو ما يُعرف بالران، عندها لا يعود القلب يعرف معروفا ولا ينكر منكرا..
اقشعر جسد سوسن لهذه المعلومة، وشعرت برجفة في يدها كادت أن تسقط الهاتف، فرددت بذعر:
– أعوذ بالله من ذلك! لم يخطر ببالي التفكير بهذا المنطق عندما قرأتها في الخيميائي!!
وصمتت سوسن قليلا قبل أن تقول:
– أجل.. تذكرت المشهد الآن، لقد قال المؤلف شيئا كهذا..
ثم علقت:
– جميل ربطك هذا بالدين يا نور، تبدو الاستشهادات حاضرة في ذهنك.. ما شاء اهتع..
وأضافت بشيء من التردد:
– لقد أشعرتِني برغبة شديدة في زيادة ثقافتي الدينية، فأظنني مقصّرة فيها كثيرا!!..
أتمنى أن أصبح مثلك..
فجاءها صوت نور:
– بإذن الله تصبحين أفضل بكثير، فليست العبرة بمن سبق، وإنما العبرة بمن صدق كما يُقال، وأنتِ يا سوسن تحملين في قلبك من الصدق والصفاء ما يندر وجوده في هذه الايام، أقولها لك صراحة ودون أي مجاملة.. ما شاء الله..
احمرت وجنتا سوسن، ولم تعرف كيف تجيبها، في حين انهمرت الدموع من عينيها تأثرا بما سمعته، وإذ ذاك انطلق أذان الفجر نديا خاشعا ليشق سكون الليل..
………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

تركته لأجلك! – الحلقة 26

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

انهمرت الدموع من عيني سورا مجددا ولكن بقهر أشد..
غير أنها سرعان ما جففتها، وهي تحدث نفسها بعزيمة (الزعيمة) التي ما فتأت تسكن داخلها:
– لن أكون ضعيفة بعد اليوم.. هذا وعد قطعته على نفسي، ولن أنكثه مرة أخرى.. فلإن وُلدتُ لأعاني ولن أحصل على ما أريده إلا بشق النفس، فليكن.. وليعلم الجميع من هي سورا..
لم تكد تتم جملتها حتى شعرت بيدٍ تمسكها لتوقفها بقوة، ولدهشتها الشديدة فوجئت بأيهم يقف إلى جوارها وهو ينظر إليها بدهشة:
– هل أنت بخير!
شعرت سورا بأن قلبها سيتوقف بلا ريب، أو أن تفكيرها بأيهم قد أثر على عقلها فبات يصوّره أمامها، فأي مصادفة هذه التي ستأتي بأيهم في هذه اللحظة بالذات!! فأغمضت عينيها وفتحتهما مجددا لتجد أيهم بشحمه ولحمه وهو يعيد عليها السؤال مرة أخرى:
– هل أنت بخير؟؟؟؟
تلفتت سورا حولها بارتباك، رغم رباطة جأشها المعتاد.. أيحدثها هي أم ماذا!! ولوهلة انتبهت أنه لا يزال ممسكا بيده، فتسارعت نبضات قلبها بعنف.. هل هذا حلم!!! لكنها تمالكت نفسها لترد عليه بصوتٍ خُنقت حروفه:
– عفوا!
فأعاد أيهم سؤاله بصيغة أخرى لعلها تفهمه:
– ألستِ صديقة سوسن! كنت أسألك إن أصابك شيء!!
كانت تلك الكلمة كفيلة بإعادتها إلى رشدها من جديد.. (سوسن)، هذا هو المهم إذن.. وتذكرت الدور الذي لعبته في آخر حفلة، صديقة سوسن، وبصعوبة حاولت السيطرة على أعصابها وهي ترد بهدوء:
– أجل.. صديقة سوسن، هل أصابها شيء؟
فأجابها أيهم وقد بدا أكثر تفهما لحالة الشرود التي تعاني منها:
– سوسن بخير فقد أوصلتها لمنزلها قبل قليل، لكنك أنتِ من كنتِ على وشك قطع الشارع دون الانتباه للسيارات المسرعة!! من حسن الحظ أنني أوقفتك في اللحظة الأخيرة، تبدين مشوشة الذهن!
عندها انتبهت سورا لنفسها فحدثتها وهي تتلفت حولها بتعجب.. يا إلهي لقد قطعت مسافة طويلة دون أن انتبه، أين أنا الآن! وما الذي أتى بي إلى هذا المكان!!
يبدو أن عقلها الباطن هو من قادها إلى هذا الحي الذي يقيم فيه أيهم، دون أن تشعر بذلك..
فشعرت بالاحراج قليلا لكونه قد رآها على تلك الحالة، لكنها سرعان ما شعرت بالامتنان لذلك الحظ الذي قرر أن يبتسم لها ولو لمرة واحدة!!
وبعد فترة صمت قالت بامتنان بالغ:
– شكرا لك، يبدو أنني سرحتُ قليلا..
فقال لها باسما:
– يبدو أن معهد الفنون له أثر كبير عليكن، فحتى سوسن أصبحت تسرح كثيرا هذه الأيام!
قاومت سورا شعورها بالغيظ الشديد.. فها هو يذكر سوسن مرة أخرى، بل وفي كل جملة يقولها.. وهدّأت نفسها:
– عليّ أن أصبر قليلا، وإلا خسرتُ كل شيء.. فلم يبق سوى عدة أيام وستنقلب الأمور لصالحي بلا ريب.. لن أسمح بإفساد خطتي المحكمة.. فهي أملي الأخير..
وكم كانت دهشتها شديدة عندما عرض عليها أيهم أن يوصلها بسيارته، وكأن الحظ أصر على أن يبدي حسن نواياه تجاهها هذه المرة، لكنها أبدت تمنّعها وهي تجيبه بابتسامة ودودة:
– شكرا لك.. ولكنني أفضل العودة وحدي، فلا أريد إزعاجك معي أكثر..
غير أنه أصر عليها بقوله:
– لا يوجد أدنى إزعاج في ذلك، يسرني أن أقدم شيئا لصديقات سوسن إكراما لها، لذا اطمئني تماما فأنا مستعد لفعل أي شيء من أجل سوسن فلا تقلقي بهذا الشأن..
ورغم أن كبرياء سورا أنِفَ من أن يستجيب لطلبٍ كهذا إكراما لغريمتها، لكن قلبها المتيم بحب أيهم أبى عليها إلا الانصياع لرغبته، لا سيما وأنها ستكون فرصة مواتية لتنعم بقربه أكثر..
وما هي إلا لحظات حتى كانت تجلس إلى جانبه.. هي وأيهم وحدهما في السيارة نفسها!!
بذلت جهدا كبيرا لتحافظ على اتزانها، خشية أن يفلت لسانها بكلام يعبر عن مكنونات قلبها، وشعرت بأنها بحاجة لرباط فولاذي لتمنع نفسها من أن تبوح له بحبها وعشقها الكبير له.. أخذت تثبّت نفسها وتذكرها.. لم يأن الآوان بعد.. سيفسد كل شيء.. اصبري يا سورا.. اصبري.. لم يبق سوى القليل فلا تستسلمي بسهولة.. كوني قوية.. بل أنت قوية فلا تضعفي الآن..
وبينما هي على تلك الحال، بوغتت بسؤال أيهم لها:
– أما زالت سوسن خاضعة لتأثير تلك الفتاة برأيك؟
ظهر الارتباك واضحا على سورا، فهي لم تكن مهيأة لسؤالٍ كهذا الآن، إضافة لكونها لم تعد تذكر تماما- خاصة وهي في هذه الحالة من تشوّش الذهن- ما الذي لفقته من كلام بحجة أنها صديقة سوسن لتفتعل محادثة خاصة على انفراد مع أيهم في تلك الحفلة.. ربما قالت له شيئا عن قلقها بشأن علاقة سوسن بنور!! لكنها لا تذكر تحديدا ماذا كان!! لقد خانتها ذاكرتها للمرة الأولى، وهي التي اعتادت على دراسة كل كلمة تقولها بل وحفظها جيدا استعدادا لما يمكن أن يحدث في المستقبل!! ألا يمكن للحظ أن يُتم معروفه حتى النهاية!!
وأمام صمتها، تراجع أيهم عن سؤاله معتذرا:
– آسف.. لم أقصد إزعاجك بسؤالي، فربما كانت سوسن قد استأمنتك على بعض أسرارها كعادة الأصدقاء، ومن غير الجدير بي أن أجبرك على البوح بذلك..
تنهدت سورا بارتياح، بل وتنفست الصعداء وهي تحدث نفسها:
– فليظن ما يريد.. هذا أفضل..
ثم قالت يتفهم:
– لا عليك.. إنني أفهم موقفك تماما.. فأنت خطيبها ومن حقك الاطمئنان عليها..
فتنهد أيهم وقد بدا الهم واضحا في نبرة صوته:
– في الحقيقة إنني قلق على سوسن.. قلق جدا…
وأوقف السيارة على جانب الطريق، محدقا النظر في عيني سورا، مستنجدا بها بنظراته القلقة، كمن يحاول إفهامها بلسان الحال، ما عجز عن التعبير عنه بلسان المقال، فيما غاص قلب سورا إلى أسفل قدميها، بعد أن تلاقت نظراتهما بعمقٍ لأول مرة…
……
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

تركته لأجلك! – الحلقة 25

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

عادت الى سورا أمواج الذكريات لتتلاطم في مخيلتها من جديد..
لم يكن لديها الكثير من الحاجيات لتصطحبها معها في ذلك الوقت، بل انه ما كان من داع لتحمل شيئا من أسمالها البالية.. فلم تأخذ سوى سلسلة نحاسية قديمة هي الذكرى الوحيدة من والدتها المتوفاة.. سارت إلى جانب السيدة رافعة رأسها بشموخ، وكأنها هي من تقود السيدة إلى وجهتها لا العكس، بعد أن أبى عليها كبرياؤها الظهور بمظهرٍ خاضعٍ ذليل كـ (سعيدة)! وبنظرات جامدة؛ ودعت رفاق الطفولة الذين وجدوا أنفسهم فجأة دون (الزعيمة)..!
قصر كبير.. غرفة مريحة وفراش وثير.. طعام وفير.. وشراب كثير.. ثياب جميلة وحقائب فاخرة وأحذية جديدة.. خدم وحشم وحرس، ودنيا مقبلة.. أمور كثيرة كانت كفيلة بأن تُنسي سليمة ست سنوات مرّت من حياتها، فسرعان ما تكيّفت مع جوّها الجديد، لا سيما وأنها قد اعتادت على أخذ دور الملكات والأميرات مع أطفال حيها الذين حاولت مسحهم تماما من ذاكرتها فيما بعد، فما هم إلا مجرد أشقياء لا فائدة تُرجى منهم! بل إنها لم تمانع أبدا بعرض السيدة التي تبنتها:
– من اليوم سيكون اسمك (سورا) فهو يليق بك أكثر..
لقد بدأت حياة جديدة بالكامل، انصهرت فيها محاولة تجاهل الحقيقة المرة بكونها دخيلة على هذا المجتمع الفاره، وليست أصيلة فيه، وكم كانت سعادتها كبيرة عندما انتقلت مع من تبنتها إلى مدينة أخرى بعيدة عن الزقاق الذي نشأت فيه، ولا يعرف فيها أحد أصولها الحقيقية..
حاولت إشباع رغباتها متجنبة كل ما قد يُذكرها بماضيها، بعد أن أدركت بذكائها الحاذق حيثيات المجتمع الراقي، فتطبعت بطباعه كأي سيدة راقية وُلدت فيه..
لم تفسح المجال لمشاعرها بالظهور ولو لمرة واحدة، خشية أن تحن لبيئتها التي قضت فيها طفولتها، فلا أحد هناك يستحق منها اهتمامها أبدا بعد أن تخلوا عنها بسهولة..! لم تذكر أنها أحبت أحد بصدق بعد ذلك ولو لمرة واحدة! حتى السيدة التي تبنتها وعاملتها كإبنة حقيقية، لم تكن علاقتها بها أكثر من علاقة (المنفعة المتبادلة) إن صح التعبير.. هذا ما كانت تراه سورا، فقد وفرت لها تلك السيدة الحياة الكريمة، كما قدمت هي لها فرصة تبني طفلة جميلة ذكية يمكنها التباهي بها أمام الآخرين، وتؤنس وحدتها وهي الأرملة الخمسينية التي لم تُنجب قط ولا يوجد لديها أقارب يُعتمد عليهم..
مغرورة ومتكبرة.. صفتان طالما سمعتهما سورا ممن حولها، وكم كان يسرها ذلك!! كان بالنسبة لها دليل نجاحها كسيدة راقية حقيقية، حتى أبناء الأثرياء أنفسهم طالما حسدوها على أمور كثيرة!
وحدها سوسن كانت غريمتها، رغم أنها لم تأبه لها كثيرا في البداية، فقد كانت مجرد زميلة التقتها في معهد الفنون الراقي..
تسارعت نبضات سورا وهي تعود بذاكرتها لذلك اليوم..
لم يكن لديها من العواطف وقتها ما يفجر مشاعرها الكامنة في أعماق قلبها، لم تذكر أنها بكت يوما لذكرى مرت بها، أو حادث آلمها.. بل لم يكن هناك ما يستحق التألم من أجله برأيها!! وحده هو.. استطاع فعل ذلك بها وأكثر!!
لقد فعل بها فعل السحر أو يزيد، لم تكن تتخيل أن تؤثر بها اسطوانته الاولى كل ذلك التأثير الرهيب.. أيُعقل أن تكون مجرد اسطوانة عادية!! لقد قلب كيانها تماما.. أحالها إلى فتاة أخرى بمشاعر جياشة، لم تكن تعرف أنها تمتلكها أبدا.. بل لم يخطر ذلك ببالها أصلا.. ولأول مرة بعد عشرين عاما مضت من عمرها؛ يخفق قلبها بالحب!!
حتى أنها لم تعد تعيش إلا على أمل اللقاء به، ولم يعد في غرفتها مساحة فارغة إلا وأثر منه عليه، صورة أو اسطوانة أو خاطرة.. هل كانت تتصور أنها ستكتب خواطر في يوما من الأيام!! لكنها كتبتها من أجله هو.. أهكذا يفعل الحب بأهله!!
لقد وجدت فيه فتى أحلامها الذي آن لها أن تتحرر من قيود جمودها لتعيش معه بشفافية وسعادة، ستفعل أي شيء من أجله.. أي شيء.. فهو كل حياتها التي ما عادت تعرف غيرها..
ألحانه.. صوته.. صورته.. كلماته.. كل شيء فيه، وأي شيء ينتمي إليه يعني لها (حياتها)..
لا تذكر كم من الليالي بكت شوقا إليه، ورغبة في القرب منه، وهي التي ما ذرفت دمعة واحدة في أحلك ظروف طفولتها القاسية!!
تنام على ألحان معزوفاته، وتحلم بصورته، وتصحو على طيفه..
تكاد تجزم يقينا أنه ما من فتاة أحبته كحبها له، وكم كانت سعادتها كبيرة عندما أعلن عن حفلته الأولى في المدينة، فبادرت بشراء أول تذكرة في المقعد الأول، ولو تُرك الأمر لاختيارها، لاشترت تذاكر القاعة كلها!!
ذهبت بصحبة زميلاتها في المعهد، إذ كانت الحفلة بعد دوامهم فيه، سارت معهم بجسدها، أما روحها.. فقد سبقتها إلى هناك منذ زمن..
يومها عرضت إحدى الفتيات على سوسن مرافقتهن، إذ لم تكن ترغب بالحضور بداية، غير أن الفتاة أصرت عليها بقولها:
– إنها الفرصة الوحيدة التي قد نخرج فيها نحن الفتيات معا، سنقضي وقتا ممتعا ومسليا بلا شك.. هيا يا سوسن لا تترددي..
لم يخطر ببال سورا وقتها أن هذه الدعوة ستقلب أحلامها رأسا على عقب..
وانهمرت الدموع غزيرة من عيني سورا وهي تسترجع أحداث ذلك اليوم الأليم..
لماذا سوسن!! لماذا تختارها يا أيهم وأنا التي أحببتك من كل قلبي!! لماذا التفتَّ اليها وأنا التي كنت مستعدة لفعل أي شيء من أجلك..
لماذا؟؟.. لمــــــاذا؟؟؟
لماذا هذا الظلم!!!!!!!!!!
لماذا يوجد من يأخذ كل شيء دون عناء أو تعب، في حين أن هناك من لا يستطيع الحصول على مايريد إلا بشق الأنفس ثم هو لا يكاد يحصل عليه!!!
ألا يكفي سوسن أن لها أسرة حقيقية ثرية تحيطها بحبها ورعايتها، ألا يكفيها حنان والدتها المتدفق وحبها الكبير لها؛ حتى جاءت لتسلبني حبي الوحيد!!!
آه يا سوسن كم أكرهك.. أكرهك بشدة يامن حطمتِ وجداني.. وزلزلتِ كياني!! أجل.. يؤسفني الاعتراف بذلك حتى أمام نفسي!!
ألا تعرف ما الذي فعلته بي يا أيهم!! لقد قتلتني، ودست على كبريائي، ومع ذلك.. لا زلت أحبك.. أي جنون هذا!!!
وانهمرت الدموع من عينيها مجددا ولكن بقهر أشد..
……
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

تركته لأجلك! – الحلقة 24

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

كانت إحدى فتيات المعهد قد أنهت تسوقها للتو؛ عندما لمحت سورا تسير مسرعة دون أن تنتبه لوجودها، مما أثار فضولها، فتبعتها منادية:**
سوووورا..
جفلت سورا فجأة قبل أن تلتفت إلى صوت مُنادِيتها:
– فاتن!! ماذا تفعلين هنا؟
فرمقتها فاتن بنظرات استفهام غريبة:
– ماذا أفعل!! وهل هذا مكان لا يُفترض بي التواجد فيه!!
ارتبكت سورا قليلا، لكنها سرعان ما استعادت ثبات شخصيتها المعتاد، ففاتن ينقصها الكثير من الذكاء لتفهم الآخرين، وأطلقت ضحكة خافتة:
– لا تحملقي بي هكذا! كنت أسألك وحسب..
فابتسمت فاتن التي كانت رغبتها لتقول ما عندها أكبر من اهتمامها بسماع المزيد من تبريرات سورا:
– أين كنت طوال هذه الفترة؟؟ لقد حاولتُ الاتصال بك مرارا لكن هاتفك كان مغلقا!! قلقت عليك كثيرا!
فقالت سورا بابتسامة مطِمئنة، وقد أدركت تماما أن لهفة فاتن عليها لايعني سوى أنها ترغب في محادثتها بأخبارٍ تجدها مثيرة:
– لكنني لم أتغيب سوى أمس، وهذا اليوم الثاني!
غير أن فاتن التي لم تكن تنتظر منها جوابا، سرعان ما شرعت بالكلام كمن يخشى أن يفوته شيء:
– اليوم لا يوجد دوام في المعهد على أية حال، لذا خرجتُ للتسوق.. تعرفين بالطبع، فاليوم هو افتتاح المعرض، وقد حضرت اللجنة الفنية أمس..
عند تلك الجملة وجدت سورا نفسها مضطرة لمقاطعة فاتن التي كانت مسترسلة بالحديث، فسألتها بدهشة:
– ولكن يُفترض بهم أن يأتوا غدا، أليس كذلك؟؟
شعرت فاتن بنوع من المتعة وهي تثير اهتمام سورا بكلامها، فقالت:
– لقد تفاجأنا بذلك بداية، ولكن كما قالت جولي، يبدو أنهم قاموا بعمل تعديلات سريعة في الجدول، بسبب موعد الانتخابات، وأظن أن مدير المعرض سيرشح نفسه للانتخابات الوزارية المقبلة، أنت تعرفين جولي.. لديها استنتاجات دائما بخصوص كل شيء! على كلٍ كان يوما مثيرا، وليتك رأيتِ وجه نيدو قبل وصول اللجنة وقد بدأت تفقد أعصابها….
كان (نيدو) هو الاسم الذي تعارفت فاتن مع بعض زميلاتها في المعهد على استخدامه لقبا للآنسة ناديا، غير ان سورا قاطعتها بلهجة صارمة:
– ألم تعرض لوحاتي؟؟
انتبهت فاتن إلى أن سورا لم تكن تستمع لما تقوله، وقد أصبح ذهنها مشغولا بفكرة واحدة، فأجابتها ببرود:
– بلى، قامت نيدو بعرضها، حتى أنها تولّت الشرح نيابة عنك، ولكن سواء أحضرتِ أم لا، كانت سوسن ستفوز بالبطاقة الوحيدة بعد ما حدث..
واستدركت بلهجة متحفزة:
– آه.. أجل نسيت أن أخبرك، يبدو ان شاب جديد على وشك الوقوع في حبالها، إنه مسؤول مهم في اللجنة الفنية، ولا أدري إلى أين وصلت به قصة الحب تلك، كان واضحا من نظراته.. وبالطبع لم يخفَ ذلك على أحد منا، تقول جولي بأن قصة حب شائكة ستقع قريبا، ولولا أنني كنتُ أنتظر الفرصة المناسبة للتسوق؛ لذهبتُ مع بقية الفتيات للمعرض لمتابعة فصول هذه القصة المثيرة..
وأطلقت ضحكة عالية، اما سورا التي تعكر مزاجها تماما، فقد حاولت جاهدة الحفاظ على رباطة جأشها وهي تسأل فاتن كمن استوعبت ما سمعته على حين غرة:
– هل قلتِ أنه قد تم افتتاح المعرض العالمي هذا اليوم؟
حملقت فاتن فيها بعينين مفتوحتين عن آخرهما، غير مصدِّقة:
– ألا تعرفين ذلك!! ولماذا أعطتنا الآنسة ناديا اليوم عطلة إذن!! ألم تلاحظي الاعلانات التي ملأتها صورة سوسن في طول المدينة وعرضها؟؟ لا أظن أنه بقي أحد لم يعرف بأن اليوم هو موعد الافتتاح، إذ لم تبقَ صحيفة ولا مجلة ولا أي وسيلة إعلامية إلا ذكرت ذلك!
عضت سورا على شفتيها غيظا، فهي لم تكن لتهتم بإعلان نُشِرت فيه صورة سوسن، كائنا ما كان ذلك الاعلان، وكأن هذا يعطيها شعورا بالرضى؛ لكونهم قد خسروا زبونة مهمة مثلها بسبب سوء استخدامهم للصورة المناسبة!!
لكن فاتن سرعان ما فهمت ما يجول بخلد سورا فغمزتها باسمة:
– على الأقل هذه فرصتك، فأيهم سيكون وحده!!
وتابعت وهي تحاول تلطيف الجو:
– هيا اعترفي.. ألم تكوني تخططين للإيقاع به؟؟
بوغتت سورا بسماع ذلك، وكاد الارتباك أن يفضحها.. هل عرف أحد بما أنوي القيام به حقا!! لكنها انتبهت إلى أن كلام فاتن لا يعدو كونه تعليقا غير مقصود لا أكثر، فابتسمت بمكر وهي تتظاهر بمجاراتها المزاح:
– ولم لا..
فقالت فاتن وقد أعجبتها الفكرة:
– حسنا، ولكن لا تنسِني من الغنيمة..
وضحكت الاثنتان بصوتٍ مرتفع، قبل أن تفترقا..
سارت سورا وحيدة باتجاه منزلها، وكلمات فاتن ترن في أذنها بانتظام، لقد خططت كثيرا، وقد كانت تستعد لخطة محكمة، دون أن تحسب حسابا لفرصة ذهبية كهذه!! فهل تتبع خطتها أم تستثمر هذه الفرصة!! خطواتها يجب أن تكون مدروسة، فلا مجال للخطأ.. وأي تهور من قبلها قد يقلب الأمور رأسا على عقب.. لقد خسرت المشاركة في المعرض العالمي، لكنه لا شيء يُذكر أمام هدفها الأكبر، هدفها الذي يستحق التضحية بكل ما تعنيه الكلمة من تضحية..
وأطلقت تنهيدة طويلة بثتها ما يختزن في صدرها من أشجان:
– الجمال الأخاذ الساحر.. لا يكفي وحده…
قالتها لنفسها وهي تشعر بأن رأسها على وشك الانفجار..
لقد قدم لها جمالها خدمة جليلة فيما مضى، لكنه ليس بالقدر المطلوب ليحقق المزيد من طموحاتها..
وعادت بذاكرتها سنوات طويلة إلى الوراء، لم تعد تهتم بذكر عددها..
طفلة صغيرة لم تتجاوز السادسة من عمرها، وإن بدت أكبر من ذلك بثلاث سنوات على الأقل، تجري حافية القدمين بحماسة وسط الزقاق في أحد الأحياء الفقيرة، وهي تقود خلفها بقية الأطفال المشاغبين، الذين انصاعوا لأوامرها كزعيمة عصابة لا تُقهر، فقد كانت أكثرهم جرأة وقوة في الشخصية، ويكاد الجميع يحسب لها ألف حساب.. كانت زعيمة بفطرتها، بل وموهوبة في السيطرة!!
يومها كانت تجمعهم لوضع خطة محكمة لمهاجمة أكثر البيوت إدقاعا بالفقر في حيهم، تعبيرا عن انتقامهم لبيع صديقتهم الصغيرة سعيدة..
سعيدة.. تلك الطفلة البريئة التي كانت تمثل دور الخادمة المطيعة لجلالتها، بصفتها الزعيمة أو الملكة الآمرة الناهية للجميع.. كان مظهرها يثير الشفقة وهي تبتعد عنهم وقد أمسكتها أمها من يدها، بعد أن قررت ارسالها لمكان يضمن لها مستقبلا أفضل، بدلا من الموت جوعا مع أسرة لم تعد تطيق البقاء في هذه الحياة القاسية.. خاصة وقد تبين جليا أن اسمها وحده لن يجلب لها السعادة ما دامت ستبقى في هذا المكان.. وهكذا اتخذت امها ذلك القرار.. باختصار.. قرار (بيعها)..
لقد بيعت (سعيدة)..!
كم كانت هذه الكلمة قاسية حتى على أطفال لا يفهمون شيئا في عالم التجارة!!
كانت المجموعة قد وقفت في المكان الذي حددته لهم (الزعيمة)، وبدأت تُملي عليهم أوامرها لتنفيذ خطتها الانتقامية، عندما لفت نظرها سيارة فارهة تقف عند بداية الزقاق المؤدي لمنزلها، كان منظرها ملفتا للانتباه بالفعل حتى أن بعض أطفال مجموعتها تجرؤا على مقاطعة حديثها الهام وهم يشيرون إلى السيارة بجلبة واضحة، حتى الزعيمة اندمجت معهم في ذلك الحديث لوهلة:
– هل رأيتم مثلها من قبل؟؟
– ربما.. ولكن ليس في هذا المكان!
– يقول أخي أن حي المدينة الشرقي يزدحم بالسيارات الفارهة من كل نوع! لو رأى هذه السيارة لعرفها بالتأكيد!
– وما أدرى أخوك بذلك!!
– ألا تعرف! إنه يعمل بتنظيف السيارات.. ولديه خبرة واسعة..
– ربما هذه واحدة منها إذن!!
– ولكن ماذا تفعل هنا؟
– هل تظن أنهم أخطئوا العنوان؟
– طبعا.. فما الذي يريده أهلها بحينا؟؟
– أو ربما جاؤا ليبحثوا عن منظف لها..
– ما رأيك يا زعيمة، من يكونون؟
وقبل أن تدلي الزعيمة برأيها حول هذا الموضوع، نزل السائق ليفتح الباب الخلفي من السيارة، فاسحا المجال لسيدته بالنزول، بدت سيدة ثرية جدا في أواسط عمرها، فتعلقت بها نظرات الأطفال وهي تعدل لف فراءٍ باهظ الثمن حول عنقها، فيما حملت حقيبة من الجلد الطبيعي، لا يملك من يراها إلا أن يُقدّر من نظرة واحدة أنها تحوي كنوز الدنيا كلها، واتجهت مباشرة نحوهم فيما تبعها اثنان من حراسها الشخصيين..
كانت لحظات مثيرة تجمد الجميع خلالها في اماكنهم دون أن ينبسوا بكلمة واحدة، حتى الزعيمة.. كانت مثلهم، وكأنهم على موعد مع ملكة من ملكات الأرض، لا يفصلهم عنها سوى بضع خطوات وئيدة من جلالتها..
حدقت بهم السيدة لوهلة بعد أن وقفت على بعد خمس خطوات منهم، فيما اختبأ معظم الأطفال خلف زعيمتهم التي وقفت بانتظار ما تريده تلك السيدة بنظرات متحدية.. اقتربت السيدة منها أكثر وقد افترت شفتاها عن ابتسامة خافتة، قبل أن تلتفت إلى حارسها الواقف عن يمينها قائلة:
– إنها جميلة، أليس كذلك؟ أظنها ستؤدي الغرض..
علا التجهم وجه الطفلة الزعيمة، ولم تنتظر سماع ما تريده تلك السيدة؛ بل بادرتها بلهجة قوية جريئة لا تناسب سنها أبدا:
– ما الذي تريدينه منا؟؟
فابتسمت السيدة برضى:
– تعجبني هذه النظرات الواثقة، هذه هي الشخصية التي تناسبني تماما!! ما اسمك يا صغيرتي؟
أجابتها الطفلة بفخر، فيما ازداد التصاق الأطفال بظهرها:
– سليمة أو الزعيمة، كلاهما سيان عندي..
هزت السيدة رأسها بتفهم، دون أن تلقي بالا لتلك اللهجة ذات الكبرياء الواضح:
– سليمة.. اسم يلائم هذا المكان فقط..
لم تفهم سليمة ما الذي عنته السيدة بقولها، فيما تابعت الأخيرة سؤالها بتودد:
– أين منزلك ايتها الزعيمة؟
أشارت سليمة بيدها إلى أحد الأبواب الكثيرة المتهالكة والملتصقة ببعضها، حتى يشك من يراها أنها تؤدي لبيوت مختلفة، ثم قالت باحتراسٍ قبل أن تلاحظ السيدة أي باب هو المقصود بالضبط:
– ولكن ماذا تريدين منا أيتها السيدة؟؟
فابتسمت السيدة:
– أريد مقابلة والدتك يا عزيزتي، لك عندي مفاجأة ستعجبك بالتأكيد..
ورغم أن كلام السيدة أثار فضول سليمة، إلا أنها تظاهرت بغير ذلك، فاكتفت بإجابة مقتضبة:
– أمي متوفية..
لم تعلق السيدة بكلمة بل اكتفت بتبادل نظرات ذات مغزى مع حارساها، ثم سألت سليمة بشفقة واضحة:
– مع من تسكنين يا صغيرتي؟
لم يرق لسليمة أسلوب السيدة وهي تخاطبها بتلك اللهجة، فأجابتها بلا مبالاة:
– مع أبي وزوجته..
فقالت السيدة وهي تحاول أن تكون أكثر تفهما لشخصيتها لعلها تستميلها إليها:
– حسنا، هلا أخذتِني إليهم؟
ظهرت علامات الشك واضحة في عيني سليمة، وبدت مترددة في الانصياع لكلام هذه المرأة الغريبة، غير أن السيدة شجعتها بقولها:
– ألا تريدين أن تصبحي ملكة!
ورغم ذكاء سليمة اللماح، الذي تضاهي به من يكبرها بعشر سنوات على الأقل، إلا أن روح الطفولة غلبتها، فلم يستغرق الأمر سوى بضع كلمات أخرى من تلك السيدة، حتى كانت سليمة قد أوصلتها إلى المنزل، فالتفتت إليها السيدة بابتسامة مشرقة:
– تستطيعين الذهاب الآن ريثما أنهي بعض الاجراءات..
لم تعرف سليمة في ذلك الوقت ما الذي دار في الداخل، ولم تكن تُدرك أنها لن تكون بحاجة لتنفيذ خطتها الانتقامية ممن تسبب في بيع سعيدة، غير أن ما حدث بعد ذلك أفهمها بأنه قد تم (بيعها) هي الأخرى!!
البؤساء.. كم هم جهلة هؤلاء الذين يظنون أنها مجرد اسم لرواية تصف حالة خاصة في فرنسا في عصر (فيكتور هوجو)..!!
أطلقت سورا تنهيدة طويلة وقد دمعت عيناها إثر تلك الذكرى المريرة في حياتها، فرغم أنها لم تكن تشعر بالانتماء لذلك البيت منذ وفاة والدتها، غير أن فكرة الاستغناء عنها بتلك البساطة سبب لها جرحا غائرا لا يندمل، بل ساهم في زرع المزيد من بذور الحقد في قلبها على هذا العالم..
وأفلتت ضحكة ساخرة من بين شفتيها:
**- يقولون اننا مسلمون.. وللفقراء حق في بيت المال وزكاة الاغنياء.. يا للسخف.. هراء فعلا..!
**
……
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

تركته لأجلك! – الحلقة 22

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

وقفت سوسن على بعد خطوتين من واجهة العرض حيث وُضعت لوحاتها، غير مصدقة أذنيها وهي تستمع لحديث دار بين سامر وسيدة محجبة كانت تتكلم بعصبية:
– هذا ليس عدلا يا أستاذ سامر، أقدر كونك المشرف العام على تنظيم المعرض، ولكن لا يمكن للوحات تلك الفتاة أن تحتل هذه الواجهة الأمامية، وهناك من هم أقدر منها من الفنانين!!
فيرد عليها سامر بجدية:
– هل تنكرين أنها جميلة!!
فزمّت السيدة شفتيها معلقة بازدراء:
– تقصد اللوحات أم هي؟؟
احمر وجه سامر وشعر بارتباك مفاجئ، وهو يرد يتوتر ملحوظ:
– ما الذي تقصدينه يا سعاد؟؟ انني أتكلم عن اللوحات بالطبع!!
غير أن السيدة لمحت سوسن، فأشارت اليها بكلام لا يخلو من ضيق:
– يبدو أنها جاءت.. متأخرة كعادة هؤلاء الفتيات اللامباليات، لعلهن يلفتن المزيد من الانظار..
لم تستطع سوسن تصديق ما سمعته بداية، وتمنت لو بامكانها الهروب من هذا المكان بأقصى سرعة، بعد أن خاب أملها بهذه السيدة المحجبة التي ذكرتها بنور في البداية!
لماذا هذه الاتهامات!! ما الذي فعلته لها ياترى!! انني حتى لم أرها إلا هذه اللحظة!!
وانتبه لها سامر فاسرع نحوها مرحبا، ليتدارك الموقف بسرعة، خشية أن تكون سوسن قد سمعت كلامهما، فيما ابتعدت سعاد بغيظ وهي تحدث نفسها بكلام لايروق لأحد بالتأكيد..
حاولت سوسن تناسي ما سمعته قبل قليل لتُجاري سامر في حديثه، حيث بدا منفعلا جدا وهو يوضح لها فكرته في تنسيق لوحاتها لتظهر بأبهى صورة، وهو يوجه تعليماته للعامل:
ضع هذه هنا.. وهذه هناك.. ارفع هذه قليلا للأعلى… جيد.. وتلك إلى اليمين لو سمحت.. أشكرك..
حتى قال ملتفتا نحو سوسن:
– ما رأيك الآن آنسة سوسن؟ هل أعجبك؟
هزت سوسن رأسها بإيماءة خفيفة، دون أن تستطيع اخفاء نظرات الحزن في عينيها، وبدت مترددة قبل أن تقول:
– اشكرك، ولكنني لا أرغب في الظهور في واجهة لا أستحقها..
فقال لها سامر بلطف وتفهم:
– أرجوك آنسة سوسن، لا تجعلي كلام الآخرين يؤثر بك هكذا، أنت فنانة موهوبة ومتميزة جدا، ومن الطبيعي أن تجدي من يحسدك..
اكتفت سوسن بابتسامة خفيفة ولم تقل شيئا، فيما تعلقت عينا سامر بها لوهلة قبل أن ينتبه لنفسه، فأسرع يقول:
– حسنا أراك فيما بعد يا آنسة، فلدي بعض الاعمال الأخرى، وأرجو أن تكوني مستعدة فلم يبق على موعد الافتتاح أكثر من ساعة..
***
لم تتوقع سوسن أن تنسجم بسرعة مع الزائرين الذين توافدوا على المعرض، وهي تشرح لهم بحماسة منقطعة النظير عن لوحاتها، كانت غارقة تماما في جوها الحالم الهادئ؛ حتى بدت لمن يراها ويسمعها كحورية خرجت من ذلك العالم الوردي لتحكي لهم عنه..
وبدا أن من يقف عندها، يجد صعوبة في الذهاب لزيارة بقية أرجاء المعرض، إذ كانت زاويتها أكثر زاوية تعج بالحركة والنشاط، ولم تكن سوسن لتركز بوجوه الحاضرين جميعا أو تنتبه لهم، غير أن رجلا بصحبة زوجته أثار انتباهها بشدة؛ وهو يصر على أن يكون قريبا منها ويبادلها الحديث بشكل مباشر، فكان يختلق أسئلة لا معنى لها ليحقق هذا الغرض، فيما كانت زوجته تشده من ذراعه، معربة عن رغبتها في زيارة ركن آخر..
كان الرجل مصرا على تجاهل زوجته بشكل غريب، حتى إذا ما تمادت في الحاحها عليه، صرخ في وجهها بعصبية:
– لن أتحرك من هنا، إذهبي وحدك إذا رغبتِ!!
شعرت سوسن بالحرج الشديد مما رأته، وتمنت لو بإمكانها فعل شيء من أجل تلك الزوجة المسكينة التي اسرعت تبتعد في هيجان شديد، فيما تابع الرجل حديثه مع سوسن وكأن شيئا لم يكن، وهو يقول لها بابتسامة متوددة:
– وماذا عن هذه اللوحة يا آنسة؟
ورغم إنه من الطبيعي أن تجيب سوسن على سؤال كهذا، لكنها شعرت في تلك اللحظة بأنها تود الصراخ في وجهه لتقول له:
– أي رجل أنت! وأي لوحة هذه التي سأحدثك عنها بهذا البرود!! ألا يوجد لديك احساس!!!
غير أن ظهور سامر في تلك اللحظة أنقذها، وهو يسرع نحوها بابتسامة ذات معنى، مشيرا اليها بطرف عينه علامة التفهم، وهو يقول لها:
– يبدو أنك أُجهدتِ من الوقوف هنا يا آنسة سوسن، تستطيعين الذهاب لأخذ استراحة قصيرة وسأتولى الشرح لهذا الرجل نيابة عنك..
فابتسمت شاكرة بامتنان شديد لم تشعر بمثله من قبل:
– شكرا لك أستاذ سامر.. شكرا لك..
وذهبت بسرعة كمن يفر من قبضة صائده، فيما تمعر وجه الرجل الذي وقف مضطرا لسماع شرح سامر..
……
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

تركته لأجلك! – الحلقة 21

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

استيقظت سوسن على صوت هاتفها، حتى اذا ما أجابت على رنينه المُلِح أتاها صوت أيهم بلهفة من لم يسمع صوتها لعشر سنوات:
– كيف حالك يا حبيبتي؟ هل ستذهبين إلى المعرض الدولي مباشرة كما أخبرتِني؟
فردت عليه سوسن وهي تفرك عينها بتكاسل:
– أجل لقد ذكرتني، سأذهب إليه مباشرة، إذ سيقوم العمال بنقل لوحاتي إلى هناك، وعليّ الاشراف على ترتيبها عندئذ..
فقال أيهم بلهجة لا تخلو من ضيق:
– هذا يعني إنني لن أراك في المعهد هذا اليوم!
عندها انتبهت سوسن لهذه المعلومة الخطيرة.. ايهم وسورا في المكان نفسه، وهي بعيدة عنهما!!غير أنها نفضت الفكرة من رأسها بقوة وهي تحدث نفسها:
– لا أريد أن أخوض في أي شيء قد يعكر مزاجي، أيهم خطيبي وهو يحبني كما أحبه، فلاداعي لكل تلك الوساوس..
وساعدها كلام أيهم على طرد الفكرة أكثر، بقوله:
– لن يطيب لي اليوم الدوام في ذلك المبنى، لذا سأحاول إنهاء عملي مبكرا هناك، لألحق بك في أسرع وقت..
انفرجت شفتا سوسن عن ابتسامة عذبة، وقد شعرت براحة كبيرة، غير أنها حاولت أن لا تفصح عن مكنونات نفسها في ردها عليه، فاكتفت بقولها:
– سيسرني ذلك بالتأكيد، ولكن لا تضغط على نفسك..
فجاءها صوت أيهم ليطمئنها تماما:
– أي ضغط هذا الذي تقولينه يا حبيبتي عندما يلاقي المرء حبيبه!!
انتهت المكالمة ووقفت سوسن أمام المرآة وهي تسوي شعرها بيديها قبل أن تستحم، ومئات الأفكار تدور في رأسها جراء ما حدث ليلة الأمس:
– الاشارة واضحة على ما يبدو.. ولكن كيف لي أن اتبعها!! اليوم هو أول ايام المعرض الذي طالما حلمت بالمشاركة فيه، وعلي أن أكون صافية الذهن.. ولكن.. ماذا عن الاشارة!!!
وتنهدت:
– ترى ما رأي نور بهذه الفكرة؟؟ “الاشارة” هل تؤمن بها؟؟ ربما علي أن اسألها عن ذلك، فقد تفيدني بشيء..
ونظرت نحو اللوحة المعلقة فرددت:
– يا الله!! ماذا عساي أن أفعل الآن!!!
واتجهت نحو خزانة ملابسها تتأملها بنظرة يائسة، غير أنها لم تجد شيئا يوافق ما تفكر فيه، فالتفتت إلى سريرها وتناولت غطاءً خفيفا من فوقه قامت بثنيه، ثم وضعته على رأسها كما تفعل المحجبات عادة، وتأملت نفسها في المرآة قليلا:
– هل عليّ أن أبدو هكذا!!
وقبل أن تستطرد في أفكارها أكثر، انتبهت لصوت المنبه الذي لفت نظرها لضرورة الاستعجال، فهي لم تستحم بعد وستحتاج بعض الوقت لتجفيف شعرها وتصفيفه، بالاضافة لارتداء الملابس المناسبة التي لم تستقر على اختيارها بعد!!
***
حاولت سوسن أن تبدو أكثر اتزانا وهي تصعد الدرج بسرعة، لا سيما وهي ترتدي ثيابا رسمية جدا، استطاعت العثور عليها بصعوبة من بين أغراضها القديمة، قميص أبيض ذو ياقة عالية وأكمام طويلة، وتنورة سوداء تصل الى منتصف ساقها، وحذاء أسود ذو كعب متوسط، ورغم أنها حرصت أشد الحرص على الظهور بمظهر عادي غير ملفت، إذ اكتفت بربط شعرها إلى الخلف، ولم ترتدي أي نوع من مجوهراتها المعتادة، إلا أن العيون لاحقتها وهي تدلف إلى قاعة المعرض الكبيرة، حيث كان المكان يكتظ بالعاملين والمنظمين وغيرهم، فحاولت تجاهلهم رغم استيائها الشديد، إلا أن أحدهم بدا مصرا أكثر من غيره، فلم يكتف بالتهامس مع رفيقه وهو يشير اليها بعينيه عندما مرت من قربه، بل لحقها معترضا طريقها قبل أن تدخل، وهو يمد يده ليسلم عليها بجرأة:
– أنت الفنانة سوسن؟ اليس كذلك؟ يسعدني أن التقيك يا آنسة..
حملقت فيه سوسن بضع لحظات بدهشة، قبل أن تمد يدها مجاملة:
– عفوا من معي؟
فابتسم الرجل:
– لست مشهورا ومهما مثلك، فأنا مجرد زائر انتظر الافتتاح الرسمي للمعرض..
وغمزها بعينه ضاحكا:
– لقد لفتتني الاعلانات عنه..
لم تفهم سوسن سببا لغمزته تلك، ولم يتركها الرجل لتفهم، إذ سرعان ما أخرج بطاقة من جيبه ناولها اياها بابتسامة جَذِلة:
– اسمي سمير، وهذه بطاقتي الشخصية، إن احتجت أي شيء فلا تترددي..
لم ترغب سوسن بتناول أي شيء منه، لكنها لم تجد بدا من فعل ذلك، مكتفية بابتسامة مقتضبة، تمنت لو يفهم هذا الرجل من خلالها كم هي مستاءة من تصرفه، ومن لطف الله بها أن الحراس على الباب كانوا يمنعون دخول أي شخص ليس له عمل رسمي قبل الافتتاح، وإلا لما توانى ذاك الرجل عن اللحاق بها..
وما أن أغلق الباب الكهربائي خلفها، حتى تنفست الصعداء وهي تتجه نحو الصالة الرئيسة، ولم يكن يخطر ببالها أن ما قابلته للتو في الخارج؛ ما هو إلا جزء يسير مما سيواجهها في الداخل..
……
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

تركته لأجلك! – الحلقة 20

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

عادت سوسن إلى غرفتها بتثاقل شديد دون أن تدري كم مر عليها من الوقت مع بهجة.. وارتمت على فراشها بتهالك.. ماهذه المصادفة العجيبة.. أهي مصادفة حقا!! أكل هذه المصادفات العجيبة الغريبة تحدث معي في يوم واحد!!..هل من رابط بينها!!.. كأن هناك من يدعوني.. يدفعني بشدة.. يضع علامات في طريقي.. يرسل لي رسالة.. لي أنا بالذات…!! أين سمعتُ شيء كهذا…!!
اشارة.. رسالة…اشارة… رسالة… وأخذت هاتين الكلمتين تترددان في ذهنها وتتعاقبان كدقات الساعة، حتى كادت أن تصاب بالصداع، فنهضت من فراشها مرة أخرى كمن تفر من أفكارها.. ولكن إلى أين!! فأخذت تذرع الغرفة جيئة وذهابا إلى أن شعرت بالدوار، فاستلقت على سريرها من جديد.. غير أنها سرعان ما هبت فجأة وهي تقفز بفرح:
– “الخيميائي”.. كيف نسيتها!!..لقد ورد ذكر شيء كهذا فيها..
وتذكرت تلك الرواية التي كانت مقررة عليهم في ايام الدراسة بصفتها إحدى أشهر الروايات العالمية التي أثارت ضجة واسعة، لقد أثارت حماستها حينها لا سيما وقد دار حولها نقاش مثير مع بقية زملائها في قاعة الدراسة وبعدها .. وحاولت أن تتذكر أين وضعت نسختها، محدثة نفسها:
– ربما في غرفة المكتبة.. ولكن .. كيف سأجدها الآن..
وارتعش جسدها قليلا.. فقد بدا لها من المخيف دخول تلك القاعة الكبيرة المليئة بالرفوف والكتب في هذا الوقت وحدها!!
غير أنها سرعان ما تذكرت هاتفها:
– يا لي من مغفلة.. كيف لم يخطر هذا ببالي من قبل!!
وتناولته بسرعة طابعة بضع كلمات لتبحث في محركات بحث الشبكة العنكبوتية:
– ترى بماذا تحدث الناس عنها.. أجل ها هي الـ..
وانتظرت قليلا ريثما فتحت على موقع محدد قرأت فيه بعض التعليقات، ثم تنقلت بين المواقع المختلفة تقرأ ما كتب فيها عن هذا الموضوع، إلى أن وصلت إلى فقرة أثارت اهتمامها بشدة:
“فلا شيء يحدث في هذه الدنيا مصادفة انما هو دليل او إشارة كما اسماها الخيميائي اذا
اخذها الانسان بجد وفعل فكره في سبب حدوثها فسوف تساعده على ايجاد دربه لتحقيق
امنياته في الحياة ولكن الكثير منا تمر عليه هذه الاشارات مرور عابر على اساس انها
صدفة ليس الا..”
……
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

تركته لأجلك! – الحلقة 19

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

فكرت سوسن مليا كمن تستعرض خطة في عقلها، قبل أن تقول لبهجة بلهجة واثقة:
– لقد أصبحت كبيرة الطهاة هنا ولك معاملة خاصة بلا شك، كما أن نعيمة يمكنها أن تقوم بمهام الطبخ في غيابك.. إنها مساعدتك و لن يصعب عليها التكفل بإدارة الأمر وحدها.. سأقنع أبي بطريقتي الخاصة فلا تشغلي بالك بذلك..
فلمعت نظرة امتنان من عيني بهجة المغرورقتين بالدموع:
– لا أعرف كيف أشكرك يا سوسن، لطالما شعرت بأنك مختلفة عن بقية الفتيات في سنك.. وقد أحببتك من كل قلبي منذ أن رأيتك.. إن فيك من طيبة القلب ونقاء السريرة ما لو وزع على الكثيرين غيرك لكفاهم.. حفظك الله من كل سوء يا ابنتي..فلا تتعبي نفسك، ويكفيني منك شعورك هذا معي..
فاحمرت وجنتا سوسن:
– لم أفعل شيئا.. فهذا أقل واجبنا نحوك فأنت طيبة جدا معنا..
وتابعت بابتسامة مشجعة:
– وقد كان لوجودك بهجة في منزلنا لا يمكننا تجاهله، أنت أمهر طاهية رأيناها، ولأطباقك مذاق خاص يضفي في قلوبنا بهجة لا تنسى.. حتى ضيوفنا يشهدون بذلك..
فابتسمت بهجة لأول مرة:
– كلامك الجميل نابع من جمال أصلك.. هذا لأنكم طيبون .. صدقا.. لقد عملت في بيوت كثيرة قبل أن آتي إلى هنا، لكنني وجدت في منزلكم من حسن التعامل ما لم أجده في بيوت بعض من يظنون التدين بأنفسهم.. هذا إلى جانب حفظكم للنعمة بشكل مميز واهتمامكم بعدم ترك بقايا طعامٍ في صحونكم..
بدت علامات التعجب على وجه سوسن، فلم يخطر ببالها قط أن هذا يعد عملا مميزا:
– أليس هذا أمر يفعله الجميع!!..لقد تعلمنا هذا منذ الصغر فهو من آداب الطعام قبل أن يكون من اللباقة والذوق، فمن العار أن يترك أحد بقايا طعام في صحنه وإلا كان دليلا على شراهته لكونه قد سكب فيه أكثر من طاقته ..!! وإن حدث هذا فيما ندر؛ فهناك سلال خاصة لبقايا الأطعمة توزع حسب تصنيفها.. الجيد منها يدفع للفقراء.. والتالف للحيوانات .. والسلال معروفة ولها علامات مميزة لا تخفى على أحد.. سلة للكلاب والقطط.. سلة للإوز والبط والطيور.. سلة للماعز والخراف.. وهكذا.. وهذا معروف لدى الجميع، حتى في المطاعم.. لم أر أحد يفعل غير ذلك.. !!!!
فأطرقت بهجة برأسها:
– لا أدري.. ربما هذا في طبقة النبلاء وحسب، فأنتِ لم ترتادي المطاعم الأخرى.. و بصراحة أنا لم أر ذلك إلا في منزلكم، وقد تفاجأت في البداية لوجود عاملة مسؤولة عن هذه السلال إضافة للعامل المسؤول عن التوصيل والتوزيع أيضا!!
عندها لمعت صورة في ذهن سوسن ظنتها مُحيت من ذاكرتها وفوجئت بها تظهر من جديد.. كان ذلك يوم أن قدمت سورا للمعهد أول مرة، والذي صادف دعوة ناديا للفتيات لمأدبة فاخرة بمناسبة حصول المعهد على جائزة التميز الأولى على مستوى البلاد، يومها.. أخذت فتاتان تتحدثان مع سوسن؛ وهن يحاولن التعرف على القادمة الجديدة من بعيد، قالت إحداهما:
– ألم تسمعي اسم عائلتها!! انها عائلة نبيلة معروفة.. ولكن هذا غريب!!
فردت عليها الثانية:
– وما الغريب في ذلك.. انظري إلى ملابسها ومظهرها.. إنهما يؤكدان ذلك..! حتى اسمها.. أظنها وُلدت في الخارج فاختار لها والداها هذا الاسم.. و هذا يحدث كثيرا بين النبلاء.. ما رأيك أنت يا سوسن؟
فأجابتها:
– وهل يفيدنا هذا بشيء!! ما يهمنا هو طريقة تعاملها معنا فقط!!
غير أن الأولى قالت- قبل أن تنسى ملاحظتها السابقة:
– لا أظنها نبيلة أصيلة.. الم تلاحظن كيف تركت بقايا طعام في صحنها! حتى أنها لم تضعه في السلة الخاصة.. لا يبدو عليها أنها ملمة بقواعد اللباقة العامة!!
لم يعجب سوسن وقتها ذلك الكلام عن القادمة الجديدة، فقالت باندفاع:
– ربما كانت شاردة الذهن.. أو مرتبكة.. ربما لم تنتبه لذلك.. لا يحق لنا الكلام عنها هكذا.. ثم أنه من غير اللباقة النظر في صحون الآخرين أيضا!!
فدافعت الفتاة عن نفسها:
– لم أكن أتعمد النظر في صحنها فهذا عيب طبعا، ولكنها كانت تجلس قربي.. وكنت أود التعرف عليها بطبيعة الحال..!
انتبهت سوسن من ذكرى ذلك اليوم على كلام بهجة وهي تتابع حديثها:
– لقد عملتُ في منزل عائلة حديثة عهد بغنى، وقد كانوا من الطبقة المتوسطة، لو رأيت مقدار الأطعمة التي كانت تُرمى في القمامة عندهم لفهمتِ قصدي.. أظنهم بفعلتهم تلك كانوا يحاولون أن يثبتوا لأنفسهم وللجميع أنهم انتقلوا من مرحلة الفقر إلى الغنى..في حين أن هناك من يشتهي لقمة..!! بل إن منهم من يتباهى بذلك، حتى غدت صورة شائعة لدى الكثيرين.. المتدينون جدا وحدهم من يرفض فعل ذلك، وبالطبع تلحقهم صفة التعقيد دائما..
والتقطت بهجة نفسا لتردف بقولها:
– لقد حاولت أن أنقل هذه الصورة الجميلة التي رأيتها عندكم لمعارفي؛ خاصة وأنكم من علية القوم، إلا أن بعضهم لم يصدقني..
لم تستوعب سوسن في البداية أن هناك من يفعل غير ما اعتادت عليه في مجتمعها، والذي ظنته من المسلمات.. ولكن أن تلاحظ كبيرة الطهاة ذلك.. فهذا دليل على أنه لم يكن أمرا عاديا بالنسبة لها..إلا أنها لم تهتم لذلك كثيرا، فقد بدأت الحياة مؤخرا تكشف لها عن جوانب كثيرة قد تكون أكثر غرابة من هذا..
بدت بهجة وقد انسجمت في الحديث مع سوسن كمن نسيت ما كان من أمر ابنتها، إلا أنها سرعان ما ذرفت دموعها مجددا وكل شيء يذكرها بها، وهي تقول بألم:
– للأسف حتى أنني لاحظت ذلك على ابنتي في زيارتي الأخيرة لهم.. لقد فوجئت بها وهي ترمي بقايا طعامها في القمامة على خلاف ما اعتدنا عليه في منزلنا.. لم تعد ابنتي التي أعرفها.. لقد تغيرت كثيرا.. غير أنني كنت اكتفي بتوجيه بعض الملاحظات لها وحسب، و لم أتوقع أن يصل بها الأمر إلى ذلك الحد..
وبدت كمن ستفقد عقلها وهي تردد بإنكار:
– من كان يتخيل هذا..ابنتي تتورط في علاقة……!!
لكنها سرعان ما هدأت، وهي تشعر بيد سوسن الحانية تربت على كتفها:
– لا تفقدي الأمل..
فقالت- وهي تجفف دموعها- بنبرة لا تخلو من حسرة:
– سامحيني فقد أزعجتك معي.. لكنه موقف صعب جدا أسأل الله أن يعينني عليه، إنها ابنتي الوحيدة و كنت قد رسمت لها مستقبلا واعدا..فقد كانت جميلة مثل الوردة…
وكانت تلك الجملة كفيلة بتذكير سوسن بما نزلت من اجله و دفع بها الى هذا المكان، فنهضت من مكانها على حين غرة، وسارت باتجاه الطاولة الزجاجية حيث وُضع المصحف.. ارتعشت يدها قليلا وهي تتناوله لتطالع فهرسه بلهفة، وقد انطبعت في ذهنها آخر كلمة من رسالة نور “الأحزاب59” ، فيما رمقتها نظرات بهجة بدهشة..
جلست سوسن على أقرب مقعد وجدته و قد اقشعر جسدها ، وارتعشت كل خلية فيه، فدمعت عيناها وهي تعيد قراءة الآية بتمعن شديد المرة تلو الأخرى:
” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴿59﴾”
بهتت سوسن بما قرأته.. !! ألهذا وُجد الحجاب إذن!! وأخذت تردد بينها وبين نفسها.. “فلا يؤذين”..!! أهذا لكل المسلمات.. يا الله!! فرغم أن بهجة كانت محجة وقد اشارت لحجاب ابنتها في معرض حديثها عنها.. لكن ذلك كان شائعا في طبقة الخدم؛ خاصة بين السيدات الكبيرات و المتوسطات في السن منهن، بل إنها لم تستغرب من تشديدها على ابنتها بضرورة التمسك به، فقد يكون هذا شائع أيضا عند الفقراء وأهل الطبقة المتوسطة.. أو المتدينون المعقدون فقط، أما غير ذلك.. فلم يكن من المألوف رؤية محجبات في الطبقات العليا من المجتمع.. ربما كانت نور هي الاستثناء الوحيد الذي قابلته في حياتها كلها، لم تلق للأمر أهمية كبيرة وقتها؛ فما كان يهمها في الآخرين دائما هو تعاملهم فقط.. ولم تكن لِتُعمل فكرها بطريقة لبس نور أو حجابها كثيرا، فربما هذا ما يفرضه التدين عليها من وجهة نظرها هي و التي يعدها من هم في طبقتها تعقيدا لا داعي له.. أما أن يكون الحجاب نداء من الله لحمايتهن من الأذى.. فهذا شيء لم يخطر ببالها قط..!!
بذلت سوسن جهدها للسيطرة على نفسها المصعوقة من هول ما اكتشفته، وهي تقترب من بهجة حاملة المصحف، وجلست قربها مشيرة بيدها.. قبل أن تسألها:
– هل سمعت بهذه الآية من قبل!
قرأت بهجة الآية لتزداد علامات التعجب على وجهها!! فما أدرى سوسن بموقع هذه الآية في القرآن..!! وهل يعقل أنها تعمدت الاستشهاد بها في هذا الظرف..!! فبحسب علمها عنهم أنهم أناس طيبون وحسب ولا علاقة لهم في أمور الدين وتشريعاته من قريب أو بعيد.. إلا بالأخلاق الحسنة وطيب المعاملة النابعة من نبل أصلهم.. أما غير ذلك…فلا!!
وفهمت سوسن ما يدور بخلد بهجة، فقالت لها موضحة:
– إنها صديقتي..ترسم لوحات من وحي آيات في القرآن، وهذه الاية أوحت لها بإحداها.. ولم أقرأها إلا الآن!!
خيمت لحظات صمت، كذبت فيها بهجة أذنيها، قبل أن تستأنف سوسن كلامها بتساؤل:
– هل الحجاب يمنع حدوث الأذى حقا!!
فقالت بهجة بثقة:
– قطعا بلا شك، فلم يفرض الله الحجاب على المسلمات عبثا.. ولكن هذا لا يعني أن جميع المحجبات سواء.. هناك عوامل أخرى أيضا، فــ….
وبترت عبارتها وقد انتبهت لنفسها.. ماذا تفعل!! إنها مجرد طاهية هنا لا أكثر.. وكلامها هذا قد يكلفها وظيفتها.. ماذا لو رأتها أم سوسن أو والدها الآن !! أيحق لها أن تعبث بأفكار ابنتهم وتملي عليها قناعاتها على هذا النحو…!! قد يكونوا لطفاء معها لكن لا أحد يضمن ردود أفعالهم إن ما تعلق الأمر بابنتهم الوحيدة المدللة..
ولم يخف على سوسن ملاحظة ذلك الارتباك في عيني بهجة وقد أدركت مغزاها، فلم تشأ إحراجها معها أكثر رغم رغبتها الشديدة في الحديث معها باستفاضة حول هذا الموضوع، فنهضت من مكانها وشدت على يديها بابتسامة مطمئنة وهي تغمزها بعينها:
– نحن لم نتكلم في شيء.. فلا تقلقي.. المهم الآن هو موضوع ابنتك..
فشدت بهجة على يدها بامتنان شديد ووقفت تحتضنها بحب:
– سأتدبر أمري يا ابنتي، فلا تشغلي بالك أرجوك.. واعتبري ما حدثتك به عن ابنتي سر بيننا.. فتكفيني مشاعرك الطيبة التي خففت عني الكثير، بعد أن كنت على وشك الانهيار.. و الحمد لله الذي أرسلك لي من حيث لا احتسب..
وابتسمت لها بتفاؤل:
– إطمئني.. أظن أنني استعدت توازني الآن بفضل الله وسأحاول التصرف بحكمة إن شاء الله..
فبادلتها سوسن الابتسام:
– أتمنى لك التوفيق..
……
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

تركته لأجلك! – الحلقة 18

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

توقفت سوسن عند الكلمة الأخيرة من رسالة نور ولبثت تفكر بها مليا “.. الأحزاب 59″، ماذا تقصد بها نور يا ترى!!
غير أنها سرعان ما ضربت جبهتها بيدها وهي تعيد قراءة الرسالة التي أرسلتها لها:
– كيف نسيت هذا !! لقد كان ردا على سؤالي.. لا شك أنها اسم السورة و رقم الآية..
عندها هبت من سريرها بحماسة، و فتحت باب غرفتها بهدوء، متجهة نحو صالة الاستقبال، وقد تذكرت أنهم يحتفظون هناك بمصحف فخم مرصع بالأصداف وقطع من الألماس والأحجار الكريمة النادرة، أهداه أحد الوجهاء لوالدها قبل عدة سنوات، ومنذ ذلك الحين وهو موضوع على طاولة العرض الزجاجية؛ حيث رُصّت التحف إلى جانب العديد من المقتنيات الثمينة الأخرى..
نزلت على الدرج بأطراف أصابعها خشية أن توقظ الآخرين، متحسسة طريقها على أنوار الثريات الخافتة المخصصة للإنارة الليلية، حتى إذا ما تجاوزت منطقة الخطر برأيها هرعت نحو جناح الاستقبال بلهفة.. وقبل أن تتقدم خطوة أخرى وهي تهم بوضع يدها على مقبض باب الصالة الذي تعجبت من كونه مغلقا على غير العادة، تراجعت خطوتين إلى الخلف بتوجس إثر سماعها صوت نشيج خافت..
من تراه هناك !! لم تكن الساعة قد تجاوزت الثانية عشر بكثير، لكن حسب علمها لا أحد يسهر حتى هذا الوقت في منزلهم إن لم تكن هناك مناسبات خاصة..! حتى الخدم، يفترض أنهم في غرفهم الآن!! ورغم طبيعتها المتخوفة إلا أن فضولها غلبها.. فلم يبدو الصوت غريبا عليها.. ولكن كيف تواجه من بالداخل، وبأي طريقة!! اقتربت من الباب أكثر والتصقت به حتى بدا الصوت مألوفا جدا لها؛ نشيج مختلط بكلمات غير مفهومة.. كأشبه ما يكون بالمناجاة.. فحزمت أمرها أخيرا.. ستدخل كمن وصلت للتو و لم تسمع شيئا، ليبدو الأمر وكأنها قد فوجئت برؤية أحد هناك، خاصة بعد أن باتت شبه متأكدة من هوية من في الداخل وشعرت ببعض القلق من أجله.. أدارت مقبض الباب لتفتحه متعمدة اصدار صوت يشير إلى دخولها.. غير أن صوت النشيج لم يتغير، فكان لا بد لها من إثارة جلبة أخرى وقد شعرت بالحرج من أن تكون كمن يتجسس على الاخرين، خاصة بعد أن وقعت عيناها على جسد الطاهية بهجة وهي في وضعية السجود، وقفت تحدق بها لبرهة على نور خافت لم يُشعل غيره، إذ لم تذكر أنها رأت أحد يصلي في منزلهم قط.. الصلاة.. متى سمعت عن هذه الكلمة آخر مرة!!! ربما في دروس الدين التي لا تكاد تُذكر من قلتها في مدرستها الخاصة بأبناء النبلاء وعلية القوم، وكأنها لم تكن تؤخذ إلا رفعا للعتب من باب الثقافة العامة!! غير أنه لولاها لما عرفت أن ما تراه أمامها الآن هي إحدى وضعيات الصلاة على الأقل..! لم يحدث أن صلت يوما في حياتها بل ولم يخطر ببالها أن تفعل ذلك.. ربما.. مرة واحدة أو مرتين.. لكن.. لا تذكر متى كان ذلك ولِمَ!!
قد يكون هذا غريبا في مجتمع عربي مسلم، لكنه مألوف جدا في مجتمعها المحيط بها.. فهم باختصار.. يحملون اسم الاسلام وحسب!!
التقت عيناها أخيرا بعيني بهجة وهي تنهض من فوق سجادتها بعد أن أتمت صلاتها بسرعة وقد انتبهت لدخول أحدهم.. و لم يخف على سوسن رؤية الارتباك في عينيها المورمتين من شدة البكاء، وهي تعتذر بقولها:
– لم أشأ إزعاج أحد فأتيت إلى هنا.. فهي شبه معزولة.. آسفة.. هل من خدمة !!
فابتسمت سوسن وهي تطمئنها بلهجة رقيقة:
– لا عليك يا عزيزتي.. فلا تكلفة بيننا ، أليس كذلك!!
واقتربت منها ممسكة بيدها، فلطالما شعرت بأن هذه الأرملة الخمسينية مختلفة عن الآخرين بحكمتها وكياستها.. بل أنها كانت تعدها احيانا في مقام والدتها:
– هل هناك ما يزعجك؟؟
وكأن بهجة لم يكن ينقصها سوى هذه الجملة لتنخرط في البكاء من جديد، ولم تستطع سوسن الاحتمال أكثر وقد بلغ بها التأثر ذروته، فشاركتها بكاءها قبل أن تعرف السبب! وبدلا من أن تقوم سوسن بالتخفيف عن بهجة، تأثرت الأخيرة لبكائها فهدّأت من نفسها لتجلسا معا على الأريكة.. قالت بهجة وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة:
– آسفة لإزعاجك معي يا صغيرتي.. ولكن..
وأخذت تنشج من جديد، فرفعت سوسن يدها لتمسح دموعها:
– أرجوك أخبريني ماذا هناك.. أعرف أن فتاة مثلي لا ترقى لأن تكون أهلا للقيام بالتخفيف عنك..
فقاطعتها بهجة:
– لا تقولي هذا يا سوسن فلطالما عددتك مثل ابنتي.. حسنا سأخبرك..
والتقطت نفسا عميقا قبل أن تقول:
– إنها ابنتي ..
ولم تستطع إتمام كلامها، وأخذت تشهق بشدة خفق لها قلب سوسن:
– تقصدين ليلى!! ماذا حدث معها.. هل هي بخير أرجوك أخبريني!!
لم تكن سوسن قد رأت ليلى ابنة بهجة سوى مرات معدودة؛ اتت بها لرؤية والدتها أثناء عملها في منزلهم خلال خمس سنوات مضت، لكنها تذكرها تماما، كانت فتاة طيبة خفيفة الظل وحلوة المعشر، تصغرها بثلاث سنوات فقط، … يا إلهي.. ماذا يمكن أن يكون قد أصابها!!
بذلت بهجة جهدا كبيرا في محاولة يائسة للسيطرة على نفسها إلى أن هدأت تماما.. فقالت بانكسار:
– لقد اتصلت بي جدتها هذا المساء لتخبرني بأنها في موقف صعب.. فقد بدأ الناس يتكلمون..!!
وصمتت قليلا قبل أن تتابع بألم لا حد له:
– لم أتخيل أن أمرا كهذا يمكن أن يحدث لابنتي وأنا الحريصة أشد الحرص على سمعتها، فلطالما لمت أمهات البنات اللاتي قد ينزلقن إلى ما يشين سمعتهن..ولم أتوقع أن أجد ابنتي واحدة منهن يوما ما!! لا أعرف إلى أين وصل الأمر بها الآن!! لقد كانت صدمة شديدة..
وأخذت تبكي بشدة والكلمات تكاد تختنق في حلقها:
– إنها مصيبة لم أحلم بحدوث مثلها.. ماذا سيقول الناس!! كان ابن خالتها على وشك خطبتها.. لكن ذلك الرجل .. آه ماذا أقول..!!
وتابعت بحرقة شديدة:
– فتاة لم تكمل العشرين بعد؛ يريدها رجل في الخمسين لنفسه لأنها أعجبته!! والله أعلم بما كان بينهما!! .. لا أعرف إن كان من حقي أن ألومه.. فماذا تتوقعين من رجل يحتك في عمله بفتاة شابة ثمان ساعات يوميا!.. ولا أعرف ماذا فعلت ابنتي.. فلم أعد أجزم بأنها كانت محتفظة بأخلاقها التي ربيتها عليها وقد تهاونت بخلع حجابها الذي طالما نبّهتها لضرورة التزامها به !!.. كنت أتحدث معها في ذلك كلما ذهبت في اجازة نهاية الاسبوع .. ولكن تبين لي أنه لم يكن يجدي ذلك كله نفعا معها.. فلم أعرف سوى اليوم بأنها كانت تخلعه من أجل العمل… وبالطبع بعد هذا كله لن أستبعد حدوث ما حدث.. لم أقصّر معها في شيء، و كان الدخل الذي أحصل عليه من عملي منذ وفاة والدها يكفيها هي وأخوها، غير أن رغبتها في الحصول على دخل اضافي تجاري به الفتيات في مثل عمرها دفعها لذلك ..
شعرت سوسن بتعاطف شديد مع الأم الملتاعة على مستقبل ابنتها، و حاولت تهدئتها بقولها:
– قد يكون ما زال بالإمكان فعل شيء.. فلا أحد يمكن أن يجبرها إن لم تكن موافقة عليه..فهل هي كذلك!..
وسكتت متأملة قليلا قبل أن تتابع:
– ربما أحبها بصدق و قد تكون احبته فعلا.. عندها سيكون زوجا صالحا لها.. فقد سمعت عن قصص كثيرة لا يكون فيها فارق السن عائقا ما دام الحب موجودا..
فنظرت إليها بهجة بخيبة أمل ثم أطرقت برأسها:
– لا ألومك عزيزتي.. فما تزالين صغيرة.. رجل متزوج ولديه ابناء، يراها أكثر مما يرى زوجته..! ماذا تتوقعين منه..! وقد بدأ الناس يتحدثون بأشياء كثيرة.. !! مهما يكن.. أنت لا تعرفين الناس يا سوسن.. إنها الطبيعة البشرية..
وأطلقت شهقة كبيرة حبست فيها بكاءها قبل أن تتابع :
– كنت أتمنى أن يعينني الله على إحسان تربيتها حتى أزوجها لرجل شريف يرعاها ويحسن عشرتها، ولم آل جهدا في ذلك منذ أن توفي زوجي تاركا لي طفلين يتيمين..
وأخذت تبكي بألم وهي تتابع بكلمات مخنوقة:
– لم أكن راضية عن عملها في ذلك الفندق، و قد حذرتها مرارا لكنها لم تستمع لنصحي، كانت واثقة من نفسها جدا ومعتدة برأيها لأبعد الحدود.. بل إنها عدّت تدخلي ذاك؛ شكا بها وبأنني غير واثقة من حسن تربيتي لها.. ولم يكن بإمكاني منعها بالقوة فأنت تعرفين الفتيات هذه الأيام..
وتنهدت قائلة:
– وماذا بوسعي أن أفعل و أنا بعيدة عنها بينما تُقيم هي وأخوها الصغير مع جدتهما العجوز..!!
وأطلقت شهقة مؤلمة:
– ماذا أقول.. لقد كنت بعيدة عنها.. ربما كان بإمكاني فعل شيء..!
وأخذت تبكي بشدة:
– أستغفر الله.. ما باليد حيلة.. لا اعتراض على حكم الله..
ووضعت وجهها بين كفيها وهي تنشج بأنفاس مكتومة:
– يارب .. يا الله .. مالي سواك .. فاغفرلي الذنب الذي أدى بي إلى هذا الحال..يا رب اغفرلي تقصيري في حقك وارفع عني هذا البلاء.. يارب استرني واستر ابنتي وبنات المسلمين..يا رب فرجها يا الله.. يا رحيم يا رحمن يا الله..
أخذت الدموع تسيل كنهرين جاريين من مقلتي سوسن.. وكلمات بهجة يتردد صداها في نفسها:
– يا الله..
وإذ ذاك تذكرت لوحة نور ذات النور الباهر.. ” الله نور السماوات والأرض”، وشعرت بقوة في جسمها، وأملا يجري في عروقها.. الظلام لن يغلب النور أبدا، فالله على كل شيء قدير، ولمعت في ذهنها فكرة، فربتت على كتف بهجة بحنان:
– أرجوك لا تفقدي الأمل.. فلم يفت الأوان بعد وربما استطعنا فعل شيء.. سأحدث أبي فـ…
فقاطعتها بهجة بفزع:
– كلا .. أرجوك.. مذا ستقولين!!.. إنها فضيحة..
غير أن سوسن طمأنتها بقولها:
– كلا لم أقصد ذلك..فلا تقلقي، وإنما فكرت بأن تحصلي على إجازة طارئة لتكوني قرب ابنتك، فلا شك أنها بحاجة لقربك الآن أكثر من أي وقت مضى..
وغمزتها باسمة:
– سيكون الأمر سهلا..
……
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم