شعار نبراس

تركته لأجلك! – الحلقة 32

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

لطالما أثارت ذاكرتنا عجب الباحثين والمتأملين، خاصة وهي تتصرف كمسجلٍ دقيقٍ لأحداث جرت منذ زمن، لتعرضها عليك في وقت ما، بمجرد وجود أدنى محفز لذلك..
وهكذا.. انفصل سامر عن واقعه لبرهة من الزمن ليجد نفسه في معهد الفنون الحديث، الواقع في الطابق الرابع من مركز المعاهد الرئيسي في تلك المدينة، حيث تمكن من افتتاح معهده الخاص أخيرا..
كان فنانا بطبعه، بل مغرما بالفن وعالمه، فبرع في فرع لا يتقنه الكثيرون، الفن السريالي الحديث، ولشدة ولعه به، قرر إنشاء ذلك المعهد..
إلا أن الاحباط كان نصيبه في البداية؛ لقلة المواهب الفنية المنتسبة لمعهده، لا سيما وقد بدأ يشعر بأن معظم الفتيات اللاتي زاد عددهن مؤخرا، لم يكنّ على تلك الموهبة التي تسمح لهن بالاستمرار معه، وكأنهن ما جئن إلا لمرافقته في موعد غرامي لا يمت لعالم الفن الذي يرجوه بصلة..
حتى جاء ذلك اليوم الذي رأى فيه تلك الفتاة الملتزمة أول مرة قبل سنتين تقريبا، كان الوقت عصرا، إنه يذكر ذلك تماما، فهي مشغولة في الصباح كما أخبرته، بدت جادة جدا وهي تعرّف بنفسها وتعرض هدفها الذي ترغب في تحقيقه من خلال التحاقها بالمعهد:
“لدي أفكار أرغب في إيصالها عن طريق الفن، لذا أسعى لاتقان المهارات الرئيسية بشكل أكبر، حتى أتمكن من خدمة ديني وعقيدتي، فيرضى الله عني..”
رحب بها منذ البداية بلطفه المعهود، إذ لم يكن يمانع في التحاق أي أحد بمعهده، مهما كان فكره ومظهره، ما دام يمتلك الموهبة الفنية اللازمة..
لكنها فاقت توقعاته تماما، كانت هبة الدهر بالنسبة له، وضربة الحظ الموفقة التي طالما انتظرها، لا سيما بعد أن أعادت لمعهده نشوة الفن بلوحاتها المذهلة، كان انجازها أروع مما قد يخطر بباله، حتى أنه كان يقضي معظم وقته في مناقشة لوحاتها وكأنها الطالبة الوحيدة لديه، كان معجبا بها كتلميذة نشيطة مجتهدة، تطبق كل ما تتعلمه باهتمام وجد، لكن اعجابه ذاك لم يقف عند ذلك الحد..
ورويدا رويدا بدأ اهتمامه بها شخصيا يزيد تدريجيا، فهي إلى جانب كونها أفضل من التحق بمعهده من الناحية الفنية على الاطلاق، وأكثرهم جدية في عملها، لديها شخصية فريدة، لم يرَ مثلها بين الفتيات الذين قابلهم على الأقل! وكأي معجب، بدأ يهتم بمعرفة كل شيء عنها، من خلال أسئلة عامة يوجهها بين فترة وأخرى على أعضاء معهده، أو أوراق يدعوهم لتعبئتها بغرض إكمال التسجيل، وهدفه الوحيد هو التعرف عليها بشكل أكبر! هذا إضافة لمحاولاته الجاهدة في التركيز في أي حديث قد يدور بينها وبين إحدى الزميلات، حتى اكتملت صورتها لديه تقريبا..
إنها الفتاة الوحيدة التي لم تخالط أي شاب في المعهد، ولم تفتح لأي واحد منهم مجالا للحديث معها، إلا نادرا جدا وفي حدود الضرورة، ولولا أنه (الاستاذ) لما كلمته أيضا!! كانت فتاة ملتزمة ومثقفة لأبعد حد، ذات شخصية قوية ونافذة، في الواحد والعشرين من عمرها، طالبة جامعية في قسم الآداب، السنة الثانية في تخصص اللغة الانجليزية، من عائلة مرموقة، فوالدها رئيس شركة كبيرة ومعروفة، إضافة لكونه أحد كبار المساهمين في أول مصرف اسلامي في المدينة، لديها أخ وحيد يكبرها بثلاث سنوات..
تلك كانت أعهم المعلومات التي تمكن من معرفتها بطرق غير مباشرة، والأهم من ذلك، كانت على قدر كبير من الجاذبية، فلطالما استرق النظر اليها بل وحاول الاقتراب منها، دون أن تلحظ ذلك، بل لم يكن يشعر أنها تهتم به أصلا، فقد كان مجرد استاذ بالنسبة لها وحسب، دون أن تترك مجالا لتجاوز أي حديث معه، مما جعله يعيد النظر في فكرته عن نفسه، بعد أن كان يدرك تماما مقدار تأثيره على قلوب الفتيات، فهو الشاب الوسيم الأنيق، ذو الابتسامة الساحرة، واللطف الآسر، كانت تلك هي طبيعته اللتي لا يختلف عليها اثنان، إذ لم يكن يصطنع شيئا من ذاك، فما بال تلك الفتاة تقف أمامه كالسد المنيع، رغم أنه فتح أمامها مجالا لم يفتحه لغيرها، وأبدى بها اهتماما لم يُتَح لسواها!! ما بالها تتجاهله خلافا لبقية الفتيات اللاتي ما فتئن يحاولن استدرار عطفه واعجابه!!
ولم يعد يطيق الانتظار أكثر، خاصة وأن الإجازة تقترب دون أن تتطور العلاقة بينهما قدر أُنملة! كانت فرصة مواتية بالنسبة له، فالكل مشغول بلوحته، وهي غارقة تماما في لوحتها ومنسجمة معها لأبعد حد، ولأول مرة لم يركّز فيما ترسمه، بل كان جل اهتمامه منصب عليها شخصيا، كانت تجلس بقامتها المنتصبة أمام لوحتها كالعادة، فيما وضعت ألوانها على منصة صغيرة في الجانب الأيمن، بدت غارقة في التفكير وهي تمسك الفرشاة بيدها اليمنى، لتتخذ قرارا مناسبا بشأن الخطوة التالية، فلم تنتبه له وهو يقرّب كرسيا إلى جانبها من الناحية اليسرى، ويجلس عليه، وبحركة سريعة خاطفة وضع يمناه فوق يمناها كمن يحاول الامساك بالريشة، غير أنه ما كاد أن يلمسها حتى انتفضت من مكانها مذعورة، فنهضت وهي تسحب يدها كمن أصابه مس كهربائي، فلم يكن أمامه سوى التظاهر بأنها حركة غير متعمدة، فأخذ يغمس الريشة- بعد أن استقرت بيده- في الأوان أمامه، وهو يعلّق على رسمتها وكأن شيئا لم يكن:
– بعض اللون الأحمر القاني هنا سيعطي معنى أعمق للوحة…
لم يعرف ما الذي فكّرت به وقتها، لكنه لم يخف عليه ارتباكها الملحوظ بعد ذلك، مما جعله يوازن تصرفاته أكثر معها، حتى نجح في إعطائها شعورا يقينيا بأنها حادثة غير مقصودة أبدا، ولم تكن هي لتستغرب ذلك منه، فقد كان متحررا بطبعه، إلا أن محاولاته المتفرقة للتلميح لها أكثر من مرة؛ لم تتوقف، فقد كان يرغب بالتأكد من حقيقة مشاعرها نحوه، لا سيما وأنهما على النقيض في أمور كثيرة، باستثناء ما يتعلق بـ (الفن)!! لكنها أصبحت أكثر حذرا ولم تكن لتتيح له فرصة البقاء معها وحده، بل إنها كانت حريصة جدا على أن لا يحدث ذلك أبدا، ففي اليوم الذي تغادر فيه الفتيات باكرا؛ تسارع بحزم أغراضها حتى وإن كانت تود البقاء أكثر من أجل لوحتها!! وعندما حاول مناقشتها في بعض الامور الفنية ذات مرة، متحينا فرصة خلوّ المعهد في آخر الدوام، بدت مشتتة الذهن تماما وهي تتابع خروج الفتيات، فاعتذرت بأن لديها أمر هام، وأسرعت بالخروج قبل أن تعيد وضع أدواتها الخاصة في خزانتها على غير العادة، كمن تلوذ بالفرار!!
كان يرغب في التقرب منها أكثر، غير أن هذا بدا مستحيلا بالنسبة لها، مما أشعره بنوع من الإحباط، حتى جاءت خالته الكبرى لزيارته في المعهد على حين غرة، كان وقتها يناقشها في بعض الخطوط التي أضافتها للوحتها، فيما أخذت هي تجيبه باهتمام واضح، فقد كانت حريصة على إبراز فكرتها بالصورة المثلى، فلم ينتبه لوجود خالته إلا بعد أن عاد إلى مكتبه، حيث جلست تحدّق بها بتأمل عميق، وقبل أن يبدي اندهاشه بقدومها المفاجيء، أو يقوم بالترحيب بها بكلمات مناسبة، فاجأته بقولها:
– كنتما ثنائيا رائعا!!
يومها خفق قلبه لأول مرة، وحلّق به خياله الحالم لأبعد حدود قد يصلها، ولم تتركه خالته ليفكّر بجملتها كثيرا، إذ سرعان ما أمطرته بوابلٍ من الأسئلة:
– ما الذي تنتظره حتى الآن!! لماذا لم تتقدم لخطبة تلك الفتاة بعد؟؟ كانت فكرة صائبة أن آتي لمعهدك وأتفقّد الفتيات بنفسي، تخدعنا طوال الوقت بأنك لم تجد الفتاة المناسبة، وأمامك هذه الجوهرة!! لقد طفح الكيل معك فعلا!!!
كان صوت الخالة يعلو قليلا مع انفعالها، مما سبب بعض الحرج لسامر الذي حاول جاهدا إفهام خالته مراعاة المكان الذي تفتح فيه مواضيعها، ومن لطف الله به أن مكتبه في أول القاعة الكبيرة، ويبعد مسافة كافية لإخفاء تفاصيل حديثها عن الموجودين، هذا إن كان تركيزهم منصبا على عملهم وحسب! فيما تابعت هي حماستها في الكلام دون أن تعير ملاحظاته أدنى اهتمام:
– عليك أن تحدد الموعد المناسب لنا لزيارتهم، هل هذا مفهوم!
غير أنه حاول توضيح الأمر لها بقوله:
– إهدئي قليلا يا خالتي أرجوك، الأمور ليست كما تتخيلين، فلا يوجد شيء بيننا!!
فحدجته بنظرات نارية:
– وما الذي تنتظره من فتاة محافظة أيها الأحمق!! هل تتوقع منها أن تصارحك بمشاعرها أم ماذا!!!!!
شعر سامر وقتها بأن عليه أخذ دور المحامي الحاذق للدفاع عن نفسه أمام سيل الاتهامات المسددة نحوه بمهارة، فيما تابعت خالته كلامها:
– نصحتك بأن تلتزم بالصلاة على الأقل، لعلي أجد شيئا ذا قيمة يشفع لك عند أهلها، عندما يسألون عنك..
فلم يملك سامر نفسه من اطلاق ضحكة خافتة:
– لقد أوغلتِ بخيالك كثيرا يا خالتي، هذا يكفي أرجوك..
– بل عليك أن تفكر جيدا فيما أقوله، فقد حان الاوان لتأخذ الأمور بجدية، أم أنك تنوي البقاء عازبا لمدى الحياة!!
فتنهد سامر:
– خالتي أرجوك، لقد أصبحتُ رجلا ناضجا بما يكفي، لتكفي عن معاملتي كالأطفال، أستطيع تدبر أمري بنفسي فلا داعي لهذا كله..
فقاطعته بقولها:
– بل إن كلامك هذا لا يدل على أي نضج على الاطلاق!!
ثم سألته بنبرة جادة:
– ما اسمها الكامل؟
وكالمحاصر في مصيدة لا يمكنه الافلات منها أجابها هامسا باستسلام:
– نور عبد الكريم سالم..
فابتسمت برضى:
– حسنا..
قالت كلمتها تلك، وهي تمسك بحقيبتها استعدادا للذهاب، بعد أن وضعته بين المطرقة والسندان!!
يومها لم يغمض له جفن أبدا، هل حقا لديه الجرأة الكافية ليتقدم لها رسميا!! إنها بالفعل تحتل مساحة كبيرة من قلبه وفكره، كما لم يحدث مع أي فتاة من قبل، فهل هذا سبب كاف يدفعه للارتباط بها! الارتباط بها يعني أشياء كثيرة، أبسطها أن يقوم بتغيير نظام حياته بأكمله، فهل هو مستعد لذلك من أجلها!! لم يكن واثقا من مقدرته تلك، وهذا ما أبقاه مترددا طوال تلك الفترة من فتح أي موضوع بطابع رسمي معها، كان يرغب في التقرب منها أكثر وحسب (ليطمئن قلبه)! وها هي خالته قد نجحت مجددا في إعادته ليعيش تلك اللحظات القاسية، لحظات صراع حقيقية بين عاطفه ملتهبة تدفعه للإقدام، وعقلٍ يملي عليه الاحجام!! هل من الممكن أن يحكم على أسلوب حياته المتحرر بالاعدام، من أجل فتاة محافظة ملتزمة كـ ( نور)!! هل المشاعر وحدها تكفي!! هذا إن كانت تبادله المشاعر على الأقل!! وماذا عن الصلاة!! هل سيلتزم بها من أجلها فقط! لم يكن واثقا من شيء.. حتى غلبه النعاس أخيرا في ساعة متأخرة قبل الفجر!!
بعد ذلك اليوم، بدأت نظراته لنور تأخذ منحى آخر، لقد شعر بانجذاب كبير نحوها وبدأت فكرة خطبتها تتبلور في رأسه أكثر من ذي قبل، لا سيما وأن خالته قد وضعتها في رأس جميع أفراد العائلة تقريبا، وقامت بتحرياتها الخاصة بشأن ذلك!! لم يبق أمامهم إلا التقدم الرسمي برأيهم!! أما هو، فقد كان يود كسب المزيد من الوقت للتعرف عليها والاحتكاك بها أكثر عن كثب، إذ لم يكن يرغب بزواج تقليدي يُحرج فيه نفسه دون أي طائل برأيه!
كانت فكرة الارتباط بها تبعث في نفسه نوعا من الحبور كلما نظر إليها، دون أن تتوقف المفاجآت التي يكتشفها عنها بين الحين والآخر، ولعل من أبرزها تلك المعلومة التي أذهلته، كان ذلك عندما احتاجت إحدى زميلاتها بطاقة شحن لهاتفها بشكل طاريء، فأخبرتها نور بأنها تملك واحدة، ولأنها كانت مشغولة بلوحتها كالعادة، فقد أرشدتها لمكان وجودها في حقيبتها، وبدلا من أن تقوم الفتاة بأخذ البطاقة وحسب، صدرت منها صيحة انفعال صغيرة:
– بطاقة عضوية في نادي الكاراتيه!! ما هذه المفاجأة!! هل تتقنين فن الكاراتيه حقا يا نور!!
ولم تتوانى فتاة ثالثة عن الانضمام اليهما للمشاركة في ذلك الحديث المثير:
– لماذا لم تخبرينا من قبل!
– منذ متى وأنت تتقنين هذا الفن؟؟
– وفي أي درجة من المهارة وصلت؟؟
– هل لديك الحزام الأسود حقا!!
– نريد أن نرى مهارتك في القتال، يبدو هذا رائعا!!
وهكذا انهالت الأسئلة على نور، دون أن يُخطئ سامر التقاط الأجوبة باهتمام ليسجلها في ذاكرته، فقد كان الأمر مفاجئا له أيضا، بل ومثيرا لأبعد الحدود!! لن تتوقف هذه الفتاة عن إثارة إعجابه على ما يبدو!! ومع نهاية ذلك الحديث كانت الصورة قد اكتملت لديه حول هذا الموضوع:
– التحقت نور وهي في الخامسة من عمرها بنادي الكاراتيه الذي سجل به أخوها، فقد كانت مولعة بمرافقته وتقليده منذ الصغر، ولم يجد والداها بدا من تسجيلها معه!! حتى إذا ما بلغت العاشرة من عمرها، كانت قد قطعت شوطا كبيرا في التدريب، لتكون أصغر من يحصل على الحزام الأسود في النادي، لكنها لم تستطع الاستمرار بعد ذلك إذ كان عليها التوقف؛ فاكتفت بممارسة الرياضة لوحدها أو مع أخيها في المنزل، فلم تكن مراكز تدريب السيدات قد فُتحت بعد…
وقتها راود سامر شعور غريب بل ورغبة جامحة لرؤية تلك الفتاة المتزنة، وهي في خضم التدريب! هل هي لاعبة كاراتيه حقيقية!! سيكون ذلك مذهلا لو تمكن من رؤيتها بأم عينه! ومرت الأيام دون أن تفارق تلك الفكرة رأسه، حتى جاءت اللحظة المناسبة، والتي أعد من أجلها الكثير من الجهد والتخطيط، دون أن يفكر بعواقب ما قد يُقدم عليه..
 
………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
شعار نبراس

تركته لأجلك! – الحلقة 31

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

لم تشعر سوسن برغبة جامحة للاستزادة من علوم الدين كما شعرت ذلك اليوم، بل وكانت حماستها لمحادثة نور في أوجها خاصة بعد تلك المحاضرة، فما أن وصلت المنزل حتى أسرعت لغرفتها، وبدون تردد تناولت هاتفها لتحادثها، كانت سعيدة بسماع صوتها المبتهج مما يبشر بأن صحة والديها بخير، فدخلت معها بالحديث الذي اتصلت من أجله بسرعة..
– لقد كانت لوحاتك محل اهتمام معظم الجماهير اليوم، بعد أن ألقى الأستاذ سامر محاضرة عن الفن السريالي متخذا منها نموذجا له، وقام بإبداء آرائه الخاصة عليها، حتى أنه طلب مني- بصفتي صديقتك- مشاركته في تقديم العرض لأجيب عن تساؤلات الجمهور، كانت فرصة رائعة لنشر أفكارك النبيلة يا عزيزتي، فقد أخبرتهم بكل ما حدثتيني به، عن النية والايات القرآنية والأجواء الروحانية التي تستلهمين منها مواضيع اللوحات….
انتبهت سوسن إلى أنها تحدثت لفترة طويلة بحماسة دون أن تسمع شيئا من نور، فظنت أن الاتصال قطع بينهما بعد أن اختفى صوتها فجأة على ما يبدو، فنادتها لتتأكد:
– نور.. هل تسمعينني؟؟
أعادت جملتها مرتين قبل أن يأتيها صوت نور:
– أجل أسمعك يا عزيزتي.. جزاك الله خيرا على ما فعلتيه وجعل ذلك في موازين حسناتك..
فأشرق وجه سوسن من جديد:
– الحمد لله، في الحقيقة الشكر كله للاستاذ سامر فقد كان هذا لطف كبير منه فعلا..
وساد صمت من جديد حتى أن سوسن شكّت بوجود مشكلة في خطوط الهاتف، فنادت مرة أخرى:
– نور.. الا زلت تسمعينني؟؟
فجاءهه رد نور واهن هذه المرة:
– أجل..
عندها شعر سوسن ببعض القلق:
– هل أصابك شيء يا عزيزتي؟ هل أنت بخير؟؟
وأخيرا قالت نور:
– سوسن يا حبيبتي انتبهي لنفسك، فقد يكون الرجل اللطيف أحيانا أخطر على الفتاة من الوحش المخيف!
شعرت سوسن برعشة سرت في جسدها كتيار من الكهرباء، فسألتها بتوجس:
– تقصدين الأستاذ سامر؟؟ هل تعرفينه من قبل؟!!
غير أن نور أسرعت توضح كلامها:
– انني أتحدث بشكل عام يا سوسن ولا أقصد أحدا بعينه!
إلا أن كلامها ذلك لم يطمئن سوسن أبدا، فسألتها بقلق:
– أرجوك يا نور كوني صريحة معي، هل شعرت بشيء مما أخبرتك به يثير الشكوك؟؟
فأجابتها نور بوضوح:
– أرجو أن لا تسيئي فهمي يا سوسن، ولكن من الواضح أن هذا الاستاذ يحاول التقرب منك على ما يبدو!! لا أستطيع الجزم بذلك طبعا، ولا يوجد لدي دليل أيضا، تستطيعين أن تعتبرينه مجرد احساس لا أكثر، وبالطبع لا اتهمه بشيء استغفر الله، فقد يكون بريئا من ذلك كله، كل ما طلبته منك هو أن تنتبهي لنفسك يا عزيزتي لا أكثر!
أسقط في يد سوسن وانقبض قلبها وقد بدأت ذاكرتها تسترجع تعليقات أيهم بداية، وكلام الزوار بعد فراغ العرض نهاية:
– شكرا لكما، لقد تعلمنا الكثير عن الفن السريالي
– الشرح كان واضحا
– أبدعتما بشكل مذهل
– هل يمكنكما إعادة العرض في أوقات أخرى
– كنتما ثنائيا رائعا
-………………
فيما تابعت نور كلامها في محاولة لتلطيف الجو:
– كما قلت لك عزيزتي، كلامي كان عاما فهذا قد يحدث بين أي رجل وامرأة مهما كانت ظروفهما، انها الطبيعة البشرية التي جاءت الشريعة متوافقة معها ويحاول البعض انكارها للأسف.. بينما تجدين المنصفين حتى من غير المسلمين لا يعارضونها!! أجاثا كريستي مثلا.. كثيرا ما تجدينها تشير للطبيعة البشرية في رواياتها..
كانت ملاحظتها تلك كفيلة بلفت نظر سوسن التي سألتها باهتمام:
– هل تقرئين لها أنت أيضا!!
فابتسمت نور:
– أجل.. في الحقيقة تعجبني طريقة تفكيرها كثير، بغض النظر عن بعض الأمور التي تأتي بناء على طبيعة مجتمعها.. ورغم ذلك فهي من أكثر الكتاب الذين قرأت لهم انصافا للفطرة السوية والواقعية، ثم انها سيدة محافظة بشكل كبير.. هل تصدقين.. لقد أشارت في احدى رواياتها لضرورة تواجد الام لرعاية بناتها المراهقات اكثر من الاطفال.. مؤكدة على خطر ترك الفتيات من دون توجيه ورعاية!! ولديها افكار أشعر أحيانا أنها تستقيها استقاء مباشرا من الدين الحنيف.. خاصة فيما يتعلق بالعلاقات بين الرجال والنساء! انها الفطرة السوية، ( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله)..
عندها قالت سوسن:
– رغم انني قرأت لها كثيرا، إلا أنني لم ألاحظ أي شيء مما ذكرتيه في السابق، ما شاء الله؛ لديك قدرة على ربط الأمور ببعضها بطريقة عجيبة يا نور.. ليتني أتعلمها!!
فردت نور:
– هذا بفضل الله أولا وأخيرا، ثم إن أي شخص يزيد من ثقافته الدينية، تزيد قدرته على الملاحظة والتحليل بإذن الله، فالعلوم الدينية بوابة لفهم هذه الحياة وقراءة ما بين سطورها، ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين..
وأطلقت ضحكة مرحة:
– انني أتحدث وكأنني عالمة العصر أستغفر الله، بالطبع ما زلت في البداية وأسأل الله أن يزيدني علما..
فابتسمت سوسن لملاحظتها تلك:
– على الأقل بالنسبة لي يا نور؛ أنت عالمة العصر فعلا..
فجاءها رد نور بلهجة جادة:
– وما أدراك يا عزيزتي.. سأكررها مرارا، ليست العبرة بمن سبق، إنما العبرة بمن صدق، وأنت صادقة في مبتغاك يا سوسن بإذن الله..
فتنهدت سوسن:
– أرجو ذلك..
والتقطت نفسا قبل أن تقول:
– ليتني أتعلم كل شيء وأعرف كل شيء بسرعة لأعوّض عن تقصيري، أفلا يوجد كتاب جامع يعلمني كل شيء مرة واحدة يا نور؟؟ بالطبع بدأت أقرأ القرآن وأحاول قراءة التفسير أيضا، ولكنني..
وبترت جملتها بعد أن احتارت في اختيار التعبير المناسب، فابتسمت نور:
– أفهمك يا سوسن، ولكن لا تستعجلي، فبالتدريج تنالين كل شيء بإذن الله فالعلم والمعرفة حصيلة تراكمية، ومن عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم..
ثم استدركت فجأة:
– هل قرأت كتاب (تعريف عام بدين الاسلام) للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله؟؟ أظنه كتابا مناسبا..
فأطلقت سوسن ضحكة صغيرة:
– يكفي أن عنوانه مناسبا، فانا كحديثي العهد بالاسلام لا أعرف عنه شيئا!
فقالت نور:
– لا تستغربي إن ما قلت لك بأنني شعرت بالشيء نفسه عندما قرأت الكتاب أول مرة، لقد شعرت وقتها أنني أول مرة أعرف ما هو الاسلام حقيقة!
واستطردت متابعة:
– للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أسلوب فريد في عرض الأفكار، كتاباته تبهرني دائما، إنها من النوع السهل الممتنع الذي يأسر الألباب، ثم إنني أعده من أكثر العلماء الذين ساهموا في بناء تصوري عن هذه الحياة، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته..
فرددت سوسن بتأثر:
– رحمه الله، للأسف لم أسمع عنه من قبل وسأحاول قراءة الكتاب في أقرب فرصة إن شاء الله..
***
اليوم هو آخر أيام المعرض العالمي..
ترددت تلك الكلمات في أذنيه كوخزات إبر على غشائي طبلتيه، حتى كادتا أن تتمزقا من شدة الألم!! .. لن يراها مرة أخرى.. هذا مؤكد.. وأسوأ ما في الأمر أن هذا لن يعني لها شيئا!!
هذا ما كان يعتمل في ذهنه وهو يجر قدميه جرا لينتقل بين أرجاء المعرض كمن يودع الأطلال التي جمعته بــ سوسن..
تنهد سامر بألم:
– ما الذي أعنيه لها؟؟ مجرد أستاذ لا أكثر!!!
كان قلبه يتمزق:
– لماذا يحدث هذا لي!!! لماذا علي أن أكبت مشاعري!! فقط لو أن الظروف مختلفة.. عندها..
وجد نفسه أمام لوحات نور مرة أخرى، لماذا تصر قدميه على توجيه مسيرته إلى هناك؟؟
“كنتما ثنائيا رائعا”
وعادت به ذاكرته لعامين كاملين، يوم أن التقى نور أول مرة في معهد الفن الحديث..
 
………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
الرجل-العظيم

الرجل العظيم

عن القصة:

“شاب أسمه #هوتارو فى الـ 20 من عمره يحب فتاه أسمها #هينامى, وقام بخطبتها وكان يحبها حباً شديداً وبعد ان حددوا موعد الزواج، فجأه وصله خبر ان بعض اللصوص قامو باختطاف حبيبته .. ويبدأ هو وقتها رحلته بالبحث عن حبيبته من بلد لآخرى الخ…”

كان ذلك هو نص “★ المسابقه عن صنع قصه رومانسيه★” التي تم طرحها في إحدى مجموعات الأنمي الكبرى عام 2015، وكان من شروطها ان يكون “عدد الشخصيات التى بالقصه من 2 او 3 شخصيات كحد أقصى، ويكون افضل لو لم تكن القصه طويله كثيراً ” بناء على ذلك، وانطلاقا من الاعتقاد الراسخ بأن بامكاننا ادراج ثقافتنا العربية الاسلامية في مجال الأنمي، بما يوافق الذوق السائد للشباب؛ تم اعداد هذه القصة لتكون ردا على كل من يظن أنه لن يكون بامكاننا صناعة قصص أنمي من وحي ثقافتنا، أو أن ثقافتنا العربية قد تقيّد ابداعنا، او ستكون عائقا امامنا! وهكذا جاءت هذه القصة لتكون مثالا عمليا يقطع الشك باليقين، فتفضلوا لقراءة قصة: “الرجل العظيم”!

التصنيف: رومانسي، أكشن

أخذت السفينة تبتعد تدريجيا عن الميناء، فيما ازدحم المسافرون على واجهة السفينة المقابلة له؛ يلوحون لأهلهم وأصدقائهم في مشهد مثير، رغم كثرة تكراره!!

غير أن شاب واحد فقط وقف على الجهة الاخرى، يحدق في الافق البعيد، بعينين يشوبهما الشوق والحنين، لم يشعر بمضي الوقت وهو يقف على حالته تلك، كتمثال نُحت ليؤدي دوره في ذلك المكان، فلم ينتبه إلى صوت الربان وهو يعطي تعليماته، فقد كان غارقا تماما في عالم آخر.. عالم لم يستطع معه الشعور بما حوله، ولا مشاهدة أسراب النورس المحلقة فوقه، عوضا عن سماع أصواتها..

غير أن لفحة باردة من نسيم البحر، أثارت قشعريرة في جسده، وهي تلامس وجهه برقة، ذكرته بها، فأطلق تنهيدة طويلة:

– لقد بدأت الرحلة إذن! هينامي.. انتظريني وكوني بخير.. فأنا قادم..

وترقرقت عبرة في عينه، أثارتها أمواج من الذكريات اجتاحت مخيلته، عادت به إلى ذلك اليوم.. اليوم الذي رآها فيه أول مرة، فلم يعد يرى غيرها..

كان آنذاك فتى هادئا وخجولا في المرحلة الثانوية، يقضي معظم وقته وحيدا، حتى في أوقات الاستراحة، إذ كان يفضل الجلوس تحت شجرة لتناول شطريرته بعيدا عن ازعاج الطلبة، حتى جاء ذلك اليوم الذي لمح فيه تلك الفتاة الفاتنة، وهي تحاول التملص بلباقة من شاب حاول التقرب منها، لتنضم سريعا إلى صديقاتها، متخذة منهن درعا واقيا لها! كانت تلك هي المرة الاولى التي عرف بوجودها في مدرسته، كانت فتاة جميلة، بل فائقة الجمال، ذات شخصية آسرة ولطيفة، ورغم ذلك استطاعت أن ترسم حولها حدودا صارمة منعت المنحرفين من الاقتراب منها! لم يكن يعرف عن طبيعة ذلك الشيء الذي تحرك في قلبه تجاهها، غير أنه لم يجرؤ ولو لمرة واحدة على لفت نظرها لوجوده، ولو بحديث عابر، وآثر مراقبتها بصمت حتى بات يحفظ تحركاتها عن ظهر قلب، ولم يكن شيء يجلب له السعادة، أكثر من أن يوافق تنبؤه بتصرفاتها بما يصدر عنها فعلا، ومع ذلك بقي على مسافة كافية منها، فيما ازداد حبه لها بصمت مكبوت.. لم يدرك طبيعة ذلك الحب حتى جاء اليوم الذي سمع عددا من الطلبة في صفه يتحدثون عنها وعن الطريقة التي تمكنهم الوصول إليها خاصة وانها لم تواعد أحدا بعد، مما أشعره بغضب شديد وكأنهم يتحدثون عن ملكه الشخصي، وقتها همّ بافتعال شجار عنيف معهم لولا دخول المعلم!

عرف أنها تصغره بعام مما زاد من ألمه، إذ كان على وشك التخرج، فيما ستبقي هي سنة أخرى بعده، كان يائسا جدا ومحبطا إذ لم يجد طريقة تناسبه في الوصول إليها، لدرجة أنه بدأ بالتفكير في الاعتذار عن دخول الاختبارات أو التعمد في إهمالها ليتمكن من إعادة السنة، لولا خشيته من أن يزيد هذا من الفجوة بينهما، لا سيما وأنها فتاة مجتهدة، ولن يرضيها بالتأكيد الارتباط بفتى فاشل! كان ذلك هو الدافع الوحيد له ليتقدم نحو الامام، إلى أن حدث ما لم يكن بحسبانه، عندما ذهب لمقابلة المدير بشأن مشكلة حدثت في أوراق تخرجه، وقد فقد الامل تماما من الوصول الى الفتاة الوحيدة التي ملكت عليه فؤاده، فإذا به يراها أمامه وجها لوجه هناك!! شعر وقتها بارتباك مفاجيء كاد أن يفقده توازنه، وهم بالتراجع إلى الخلف وهو يشعر بحرج شديد إذ لم يكن يعلم أن لدى المدير زائرا آخر، غير أنه فوجيء به يناديه:

– هوتارو.. لقد جئت في وقتك يا بني..

والتفت إلى الفتاة الواقفة أمامه بأدب:

– هينامي، هذا من أفضل الطلبة في المدرسة وسيساعدك بالتأكيد على اختيار المراجع التي ستفيدك في السنة الاخيرة..

كانت تلك هي الهبة السماوية التي لم يحلم هوتارو بها أبدا، ولم يدر كيف استطاع تجاوز حرجه الشديد خلال تلك الفترة، حتى تمكن من خطبتها رسميا..

أفاق هوتارو من سيل ذكرياته على الحقيقة المرة التي يواجهها الآن! فقبض يده بشدة وهو يحترق ألما كلما تخيل ما حدث:

– لماذا هانيمي بالذات! لماذا؟؟؟؟

لقد مر أسبوع على ذلك الحادث الذي لم يستطع تصديقه بسهولة، فبعد أن حددا موعد الزفاف، هرع إلى منزلها بابتهاج شديد ليبشرها بنتيجة اختباراته الجامعية لهذه السنة، والتي أهلته للحصول على وظيفة بدوام جزئي قبل تخرجه، غير أنه فوجيء بمظهر والدتها الباكي، وهي تسوق له ذلك الخبر الصادم!!

لقد اختفت هانيمي، وعلى الأغلب أن ذلك كان اختطافا، فقد عثر أحد معارفها على بعض حاجياتها ملقاة على الارض، فيما تحدث بعض الاطفال عن رؤيتهم لرجلين أجبرا فتاة شابة على الذهب معهما!!

خرج وقتها كالمسعور يجري في الشوارع على غير هدى، وهو ينادي باسمها في كل مكان، فيما سُددت نحوه النظرات المتجهمة المستهجنة، بين مشفق ومستنكر، حتى سقط من التعب ينتحب نحيبا يائسا دون أن يدري ما الذي عليه فعله!

مرت أيام عصيبة، حاول خلالها التماسك واستعادة توازنه؛ ليستعيد حبيبته، فيما تولى والدها تبليغ السلطات والمسؤولين في البلاد عن تلك الحادثة..

أحكم هوتارو قبضته على تلك اللفافة في جيبه، وهو يحدق في البحر الممتد أمامه، مسترجعا تلك الكلمات التي ألقاها المحقق الخاص في إذنه:

– انها عصابة لها أهداف منحرفة وقد بدأت نشاطاتها بالانتشار في الاونة الاخيرة، وأظنهم سيتجهون الان نحو هذا الهدف لتسليم بضاعتهم..

وأشار بأصبعه على نقطة محددة فوق الخريطة الممتدة أمامه..

شعر هوتارو بالدم يغلي في عروقه لسماع تلك العبارة، وتلك الكلمة تحديدا!! فصرخ في وجهه بغضب:

– هينامي ليست بضاعة!! سحقا لاولئك الاوغاد سحقا لهم.. سحقا..

أخذ يردد تلك الكلمة وهو يضرب بقبضة يده اليسرى على حافة السفينة بقهر شديد، وقد استعاد كافة انفعالاته المتعلقة بذلك الموقف، وكأنه يعيشه مرة أخرى..

مرت أيامٌ عصيبة؛ حاول فيها هاتوري جاهدا السيطرة على نفسه، والتركيز على هدفه خلال تلك الرحلة الطويلة على ظهر السفينة، فانشغل بدراسة تلك اللفافة جيدا، والتي بين له فيها المحقق طبيعة ذلك المكان المجهول الذي سيزوره لأول مرة في حياته! إضافة إلى محاولته الجاهدة اتقان لغة تلك البلاد، عن طريق تلك الكتب التي ناوله إياها والد هينامي في اللحظة الاخيرة، فرغم أنه لم يخبر والدا هينامي بعزمه على السفر، إلا أنه فوجيء بوالدها يستوقفه قبل صعوده الى السفينة:

– ما الذي ستفعله وحدك يا هاتوري!! أرجوك يا بني لا تقدم على تصرف متهور، فالسلطات العليا ستتولى هذه القضية!

غير أن هوتارو أصر على موقفه:

– لا يمكنني الوقوف مكتوف اليدين بانتظارهم، سأفعل أي شيء من أجل هينامي، فثق بي أرجوك..

عندها ابتسم والدها وهو يقدم له عدة كتب:

– كنت أعلم أنك ستقول هذا، لذا أحضرت لك هذه الكتب لعلها تساعدك على تعلم لغة تلك البلاد..

***

استقرت السفينة أخيرا في ميناء تلك البلاد، وبدأ هوتارو رحلة البحث عن حبيبته دون أن يمتلك خطة واضحة المعالم لذلك، فالمكان كان غريبا جدا بالنسبة له، رغم جميع التوضيحات التي بينها المحقق في اللفافة، هذا إضافة إلى كونها بلاد واسعة مكتظة بالناس ذووي اللباس الغريب، فكان أشبه بالابرة الضائعة وسط كومة قش!

كان حب هينامي الجامح في قلبه، هو دافعه الوحيد للاستمرار في البحث عنها، فمضى في طريقه يحاول التماس الاخبار عن طريق المقاهي والمحلات، لعله يجد طرف خيط يوصله إلى مقر العصابة، فيما أخذت الايام والليالي تمضي تباعا، دون أن يصل إلى نتيجة مرضية! حتى أنهك التعب جسده، وبدأ اليأس يتسلل إلى نفسه، والقهر الشديد يعمل في قلبه عمل الخنجر، وهو يتذكر آخر تلك اللحظات السعيدة التي أمضاها مع هينامي، فيما بقيت كلماتها العذبة تتردد في أذنه:

– كم أنا سعيدة.. أخيرا سنتمكن من العيش معا تحت سقف واحد.. أحبك هوتارو..

ولم تعد قدما هوتارو تحتملان الصمود أكثر تحت ثقل همومه، وهو يرى ما آلت إليه حالهما، فلم يشعر بنفسه وهو يهوي على الارض بعد أن فقد وعيه..

***

احتاج هوتارو لعدة لحظات- بعد أن فتح عينيه- ليتذكر ما حدث معه! لقد كان آخر عهده بنفسه في أحد الشوارع، فما الذي أتى به هنا إلى هذا الفراش الوثير!!

 غير أن صوت أتى من جانبه الأيمن، لم يتركه في حيرته كثيرا، وهنو يقول له بكلمات تمكن من فهمها بصعوبة:

– الحمد لله على سلامتك، لقد كنت فاقد الوعي عندما وجدتك ممددا في الطريق، وأظنك غريب عن هذه المنطقة..

التفت هوتارو إلى محدثه، ليجد أمامه شابا وسيما قد أشرق وجهه بابتسامة حانية، رغم قوة جسده التي استطاع تمييزها من خلال عضلات ذراعيه،

ورغم شعوره بالارتياح نحوه، إلا أنه آثر الحذر مع هذا الغريب، والتزم الصمت لفترة طويلة، غير أن ذلك الشاب بادره بقوله:

– لقد كنت تهذي باسم هينامي طوال الوقت، وأظنها زوجتك التي تبحث عنها، أليس كذلك؟

فوجيء هوتارو من تلك الملاحظة السريعة، غير أن الشاب طمأنه بسرعة:

– يندر وجود الغرباء في هذا المكان، وقد خمنت من طبيعة حالتك التي وجدتك عليها، أنك كنت تبحث عن أحد ما، وعندما سمعتك تردد ذلك الاسم كثيرا خلال نومك، افترضت أنها زوجتك، هذا كل ما في الامر..

ولم ينتظر الشاب سماع رده، بل نهض من مكانه، ليحضر له طبق طعام ساخن بقوله:

– لقد طلبتُ من الطبيب المجيء للاطمئنان عليك، وقد أخبرني بأنك مرهق فقط وبحاجة إلى الراحة وتناول الطعام الجيد، وقد أعددتُ لك هذا الطبق بنفسي..

وأمام صمت هوتارو، استدرك الشاب نفسه:

– أرجو المعذرة، لقد افترضتُ جدلا أنك تفهم لغتي أليس كذلك؟

عندها أومأ هوتارو برأسه مجيبا بكلمة واحدة:

– أجل

فابتسم الشاب:

 – هذا جيد، وإلا لكنت مضطرا لمخاطبتك بلغتك رغم أنني لا أتقنها كثيرا

عندها سأله هوتارو بتعجب:

– وهل تعرف ما هي لغتي؟

فأجابه الشاب بابتسامة مرحة:

– بالتأكيد أعرف، فلدي خبرة كبيرة في تمييز الوجوه وبلادها، فهذا مجال عملي..

واستدرك قائلا بدعابة:

– بالمناسبة، ربما من الأفضل أن نبدأ حفل التعارف بيننا، ما رأيك يا صديقي؟

عندها انفرجت شفتا هوتارو عن ابتسامة صغيرة، شجعت الشاب على متابعة كلامه:

– سأعرفك بنفسي أولا، كما ترى فأنا أعيش في هذه الشقة الصغيرة لوحدي، إذ أن أهلي يقيمون في مدينة أخرى، وقد انتقلت مؤخرا بسبب طبيعة عملي، إذ أنني أعمل في مجال الترجمة وتداول العملات

فعلق هوتارو:

– هكذا إذن، هذا يفسر معرفتك بلغتي..

فابتسم الشاب مؤكدا:

– بالضبط..

ثم تابع كلامه بمرح:

– أظن أن علي أن أبدأ بالاسم أولا أليس كذلك! سأفقد أي وظيفة أتقدم إليها إن بدأت بالتعرييف بنفسي هكذا!!

فضحك هوتارو وقد بدأ يألف الشاب، وكأنه صديق قديم التقاه بعد فترة غياب طويلة، فيما تابع الشاب كلامه:

– اسمي محمد، وهو اسم مألوف جدا في بلادنا..

فأكد هوتارو كلامه:

– أجل لقد لاحظت ذلك فعلا، لقد سمعت هذا الاسم كثيرا منذ وصولي إلى هنا..

فقال محمد:

– هذا لأنه اسم رجل عظيم جدا نؤمن برسالته، غير أن القلة هم من يحفظون لهذا الاسم مكانته..

وتابع وهو يغمزه بعينه:

– وأنا أحاول أن أكون منهم..

كانت تلك البداية المشجعة، كفيلة بجعل هوتارو يتخفف قليلا من همومه، فانفرجت اساريره أخيرا، ليخبر محمد بكامل قصته، ولم يكد ينهي كلامه حتى لاحظ تغيرا كبيرا في وجه محمد، والذي استحال إلى اللون الاحمر من شدة الغضب، مما أربك هوتارو قليلا، وأثار حفيظته، فشعر ببعض القلق، وهو يحدث نفسه:

– ماذا لو كان هذا الشاب متآمرا معهم، أو فردا من تلك العصابة!!

غير أن محمد سرعان ما انتبه لذلك، فطمأنه بقوله:

– لا تقلق، فقد جئت في وقتك تماما، هذا بالفعل من حسن تقدير الله في الامور

لم يفهم هوتارو المقصود بالجملة الاخيرة، غير أن محمد تابع كلامه موضحا:

– اسمعني جيدا، فهذا سر لم أبح به لأحد من قبل.. منذ فترة وأنا أتتبع عصابة شعرتُ بنشاطاتها الخطيرة التي بدأتُ ألاحظها في بلادنا، فهي تسعى لإغواء الشباب والرجال، من أجل نهب أموالهم، فبدؤوا بإحضار الفاتنات من كل مكان، لاستغلالهن في هذا العمل الشنيع، إنها جريمة أخلاقية من كافة الجوانب لا يمكن السكوت عنها..

لم يستطع هوتارو احتمال سماع ذلك فصرخ وهو ينتفض بغضب:

– مجرمون، أوغاد، لن أسمح لهم بمس شعرة من هينامي..

فهدأه محمد بقوله:

– سأبذل جهدي لمساعدتك، ومن خلال تحرياتي السابقة عرفت أن من المشتركين في هذه الجريمة، رجل صاحب نفوذ كبير في البلاد، مما يعني صعوبة الوصول إليهم، ولكنني بالامس فقط، تمكنت من العثور على مخبئهم الذي يستقبلون به ضحاياهم الجدد..

فنهض هوتارو وقد شعر بطاقة نارية تجري في عروقه:

– خذني إلى هناك بسرعة.. أرجوك

***

 مرت اللحظات بصعوبة شديدة على نفس هوتارو، وهو يتخيل في كل لحظة ما يمكن أن يحل بهينامي، فيما كان يراقب ذلك المنزل بصمت مع محمد، والذي أرشده إلى أفضل خطة يمكن اتباعها من أجل النجاة بخطيبته…

وأخيرا استعد هوتارو لتفيذ دوره بعد أن أعطاه محمد شارة الانطلاق، فالتقط نفسا عميقا، ومشى بخطوات ثابتة نحو الباب الكبير، بلباسه الأنيق، وهو يحمل حقيبة سوداء فاخرة، من النوعية نفسها التي يحملها كبار رجال الأعمال عادة. وقف قليلا يراجع دوره بحذر؛ قبل أن يقرع الجرس، ثم انتظر لحظة أو لحظتين، حتى سمع صوت جلبة عند الباب، ليفتحه له خادم استقبال في لباس رسمي من الدرجة الاولى، وبعد أن رمقه الخادم بنظرة فاحصة سريعة، لم يشك فيها لحظة واحدة أنه رجل أعمال من الطراز الأول، سأله بأدب:

– عفوا.. هل من خدمة يا سيدي؟

تظاهر هوتارو بأنه لم يفهم لغة الرجل، فأبدى استنكارا واضحا وهو يتابع بلغته:

– أخشى أنني أخطأتُ العنوان، فقد أخبرني صديقي سيتيكاوا أن لديكم فتاة حضرت مؤخرا، وسترضيني جدا خلال فترة اقامتي القصيرة في هذه البلدة..

لم يكد الخادم يسمع اسم (سيتيكاوا) حتى أبدى اهتماما واضحا بالزائر، وهو يدعوه إلى الداخل معتذرا بلطف، وبلغة هوتارو نفسها:

– أرجو المعذرة، لم أكن أعلم أنك صديق السيد سيتيكاوا شخصيا..

قال الخادم جملته وهو يقوده إلى صالة استقبال ذات أثاث فاره جدا، وبعد أن استقر هوتارو في مقعد وثير، انحنى الخادم نحوه بأدب قبل أن يسرع بالذهاب قائلا:

– أرجو أن تمنحني بضع دقائق سيدي ريثما أعود..

ومع اختفاء الخادم؛ تنفس هوتارو الصعداء، محدثا نفسه:

– من الجيد أن معلومات محمد كانت دقيقة بهذا الشأن، أرجو أن تمر بقية الامور على خير..

أما محمد الذي كان يراقب المنزل عن كثب، تحسبا لأي طاريء، فقد أثارت انتباهه، أصواتٌ هامسة على مقربة منه، فحبس أنفاسه، وسكن في مكانه بين أغصان الشجرة الملتفة، التي اتخذ منها مكمنا له، وحاول ارخاء سمعه قدر المستطاع، حتى تمكن من تمييز بعض الكلمات بلغة اجنبية أخرى غير لغة هوتارو، فحدث نفسه، وقد استشاط غيظا، وهو يتذكر تلك اللغة::

– توقعت أن تكون عصابة متعددة الاجناس، ولكن كيف لم يخطر ببالي أن يكون هؤلاء الأوغاد ضمنهم!! ما الذي أتى بهم إلى بلادنا!! كان علي أن أعرف أن لهم يدا في هذا الأمر البغيض!!!

وحاول التركيز أكثر فأكثر، إلى أن استطاع تمييز صوتين لرجلين يدور بينهما حوار سري للغاية على ما يبدو، كان أحدهما يقول لصاحبه:

– أنت تعلم أن المال ليس هدفا رئيسا لدى قيادتنا العليا؛ لذا لا بأس من زيادة حصتنا منه؛ ما دمنا نحقق هدفهم الأساسي، ولن يلاحظ أحد أبدا عمليات الاختلاس هذه؛ فسنجريها بطريقة منظمة، وستساعدني – بخبرتك- على ذلك..

فرد عليه الاخر:

– ولكن إن كُشِف أمرنا فسنفقد ثقتهم إلى الابد، وربما نلاقي ما هو أسوأ بكثير!

فأجابه بنفاد صبر:

– لا تكن أحمقا، فنحن لسنا وحدنا في المنظمة على أية حال، وهدف القيادة اكبر بكثير من مجرد الحصول على المال كما أخبرتك، ولا أظنك تجهل حقيقة ذلك بالفعل! هل نسيت آخر لقاء لنا معهم؟ لقد كانوا سعداء جدا بالنتائج التي حصدناها، فالعديد من شباب هذه البلاد باتوا منغمسين تماما في بحار الرذيلة، ولن يعودوا للتفكير مجددا باستعادة أمجادهم السابقة، مما يعني زيادة فرص دولتنا في بسط سيطرتها عليهم، حتى لا تقوم لهم قائمة أبدا بعد ذلك..

بدا على الرجل الآخرالاقتناع بكلام رفيقه فعلا، غير أنه قال بعد فترة صمت:

– ولكن ماذا عن السيد ضرار؟ لا أظنه يقاسمهم هذه الاهداف، لا سيما وأن هذه البلاد بلاده!

فطمأنه رفيقه:

– لا تُشغل بالك بهذا الرجل الدنيء، فرغم أنه وزير كبير في هذه البلاد، إلا أن شراء سكوته- إن كَشَف أمرنا- لن يكون صعبا! وفي أسوأ الاحوال قد نضطر لرشوته ببعض المال، فهذا هو أكبر همه!

كان محمد يستمع لهما بصمت قاتل، وهو يحاول جاهدا كبت أنفاسه الغاضبة من الانفجار، غير أن بعض الاصوات المحتدة التي صدرت من جهة المنزل، أعادته إلى رشده، وقد أدرك ما حدث:

– لا شك أن هوتارو فقد السيطرة على نفسه في اللحظة الأخيرة، ولا يمكنني أن الومه!

وبسرعة عزم أمره على التدخل، وهو يرى الرجلين يهرعان ناحية المنزل..

****

لم يستطع هوتارو السكوت أكثر، بعد أن أثار ذلك الرجل حفيظته، فبدلا من أن يحضر له هينامي حسب ما هو متوقع، وجد أمامه فتاة أخرى، أحضرها الخادم معه، فيما تابع الرجل كلامه قائلا:

– أرجو المعذرة، فحتى لو كنت صديق السيد سيتيكاوا المقرب، إلا أن تلك الفتاة التي وعدك بها؛ قد حُجزت لشخص ذا نفوذ كبير ولا يمكننا تجاوزه بأي حال أبدا، مما يعني أن تلك الفتاة لن تتمكن من قضاء الليالي القادمة معك، لذا يمكنك حجزها للاسبوع القادم، وأظن أن السيد سيتيكاوا سيتفهم ذلك بلا شك! ثم إن هذه الفتاة جيدة أيضا، وسترضيك بلا شك!

كان ذلك أكثر مما يحتمل هوتارو سماعه، فانفجر غاضبا، مسددا لكمة قوية بقبضته كادت أن تستقر في وجه الرجل أمامه، غير أنه تفاداها بمهارة فائقة، فيما كان هوتارو يصرخ بغضب:

– هينامي ليست للعبث أيها الأنذال، ولن يحلم أي وغد منكم بمس شعرة منها..

وبسرعة التف هوتارو على نفسه؛ ليعاود الانقضاض على ذلك الرجل، الذي أشار لخادمه ببعض التعليمات، فانسل خارجا بسرعة، فيما اشتبك هوتارو مع الرجل الذي انضم له رجلين آخرين، وقد بدا كوحش هائج يستحيل ترويضه!

في ذلك الوقت لم يجد محمد بدا من التسلسل خلسة عبر أحد النوافذ، مستغلا تلك الجلبة في الأسفل التي أحدثها هوتارو، وأسرع نحو الطابق العلوي الذي خمن وجود هينامي فيه، وهو يدعو في سره أن يجدها بسرعة، رغم أنه لا يعرف شكلها! ولم يكن بحاجة للمزيد من التفكير، إذ لفت انتباهه رجلين يجريان بسرعة نحو غرفة محددة، قال أحدهما للآخر:

– هل أنت متأكد أن هذا هو مفتاح الغرفة؟ أخشى أن نتأخر في هذه الفتاة إلى المخبأ الاخر بسرعة، قبل أن يأتي أحد معاوني ذلك الزائر الغريب!

– اطمأن سيكون كل شيء على ما يرام، فالخادم دقيق جدا في تنفيذ مهامه، ولم يحدث أن أخطأ مرة واحدة من قبل

اختبأ محمد خلف أحد الزوايا بهدوء، منتظرا اللحظة المناسبة، حتى إذا ما دلف الرجلان عبر الباب، بعد فتحه بمفتاحه خاص، انقض عليها من الخلف بسرعة مباغتة، انقضاض الصقر على فريسته، دون أن يترك لهما فرصة التفكير بأدنى حركة للمقاومة، فعاجل الأول بضربة على رأسه أفقدته صوابه، اتبعها بركلة احترافية أسقطت الاخر أرضا، ليَسقط الرجلان فاقدي الوعي دون حراك، فيما انكمشت هينامي على نفسها في زاوية الغرفة، وقد هالها المشهد المفاجيء، وما أن وقعت عينا محمد عليها؛ حتى راعه جمالها الساحر لوهلة، غير أنه سرعان ما صرف بصره عنها، وهو يناولها رداءه الذي استخدمه للتخفي، قائلا لها بلغتها مطمئنا:

– آنسة هينامي، أرجو منك الالتحاف بهذا الرداء بسرعة، حتى نتمكن من الهرب من هنا، فخطيبك هوتارو بانتظارك..

لم تكد هينامي تسمع اسم هوتارو، حتى تهلل وجهها فرحا، فهتفت:

– هل جاء هوتارو هنا حقا! أين هو الان؟؟

غير أن محمد أدار لها ظهره قائلا:

– ستعرفين كل شيء لاحقا، فلا وقت لدينا الان، لذا أرجو منك أن تتمسكي بي جيدا، إذ أننا سنضطر للقفز من النافذة..

ودون تردد أسرعت هينامي لتنفيذ أمره، بعد أن سمعت صوت اقتراب خطوات مسرعة نحو الغرفة، فلفت ذراعيها حول رقبته من الخلف، بعد أن التحفت بردائه تماما حتى لم يعد يظهر منها شيء، فيما أسرع محمد بإحكام رباط حول وسطهما حتى بديا كجسد واحد، وهو يقول معتذرا:

– أرجو المعذرة فلا خيار آخر لدي، جميع المخارج ستكون محاصرة تماما، وهناك سبع رجال في هذا المنزل على الأقل، ولا مجال للمخاطرة..

ورغم الخوف الذي تسلل الى قلب هينامي؛ من رؤية ذلك الارتفاع تحت النافذة، إلا أن أن ثقة محمد بقدرته على فعلها، أشعرتها ببعض الطمأنينة، وفي اللحظة التي دلف فيها رجلين آخرين إلى الغرفة، كان محمد قد قفز من النافذة- دون أن يترك خلفه أدنى أثر- نحو غصن شجرة باسقة، يبعد عنه ثلاثة أمتار، والذي انحنى تحت وطأة ثقلهما المفاجيء، فانتقل منه إلى غصن آخر قبل أن ينكسر، في حركة متتالية لتوزيع الحمل، فيما كان يحاول التركيز على أفضل وضعية للهبوط، دون أن تتأذى هينمامي الملتصقة بظهره، والتي آثرت إغماض عينيها خلال تلك الوضعية الخطرة!

 وأخيرا تمكن محمد من الهبوط بسلام على قدميه، ليحل رباطه بهينامي، منطلقا معها في جري سريع، وهو يتخذ من الأشجار غطاء لهما، قبل أن يلحق بهما أحد..

أما هوتارو الذي دخل في اشتباك عنيف مع ثلاثة رجال دفعة واحدة، فقد كان على وشك السقوط أرضا أمام ضربة كادت تفقده صوابه، لولا دخول الخادم الذي صرخ معلنا:

– لقد اختفت الفتاة يا سيدي! واثنين من رجالنا فقدوا الوعي!!

فصرخ الرجل الذي بدى السيد هنا، بغضب شديد:

– إلا هذه!!!! كيف سمحتم بذلك أيها الحمقى! أين بقية الرجال؟؟؟؟

وهرع إلى الخارج بعد أن أعطى تعليماته بمحاصرة المكان، صائحا بالجميع:

– لا يمكن أن تكون قد ابتعدت كثيرا، إياكم وأن تسمحوا لها بالهرب، وإلا لقيتم حسابا عسيرا من السيد الكبير..

أما هوتارو الذي وقف مشدوها للحظات، يحاول استيعاب ما يجري، فقد  ارتكز إلى قطعة أثاث قبل أن يهوي على الأرض، إذ لم يكن ممن اعتاد الدخول في اشتباكات عنيفة مع الاخرين، ولم يكن يعرف كيف تدفقت في عروقه تلك القوة المفرطة، التي مكنته من مواجهة ثلاث رجال معا! التقط نفسا عميقا يحاول من خلاله استعادة بعض طاقته المستنزفة:

– لا شك أن محمد قد فعلها، أرجو أن تكوني بخير يا هينامي..

ولكن ماذا عليه أن يفعل الان! بالتاكيد عليه الخروج من هنا على الأقل!! لقد كان الاتفاق أن يعود هو بصحبة هينامي إلى منزل محمد، وهناك يقومان بتدبير بقية الامور، ولا شك أن محمد قد اصطحب هينامي إلى منزله الان إن نجح بالفرار، وعليه اللحاق بهما فورا..

كان ذلك هو ما دار بذهن هوتارو، وقبل أن يهم بالخروج من المنزل، اعترضه رجلان بابتسامة متشفية:

– هل تظن بأنك ستخرج من هنا بسهولة بعد كل ما حدث، عليك أن تدفع الثمن أولا أيها السيد المحترم!!

***

استطاع محمد مراوغة مطارديه، وعبور منطقة الخطر بصحبة هينامي بسلام، إلا أنه لم يتوقف أبدا، إلى أن دلف إلى منزله متنفسا الصعداء، فيما ارتمت هينامي على الأرض تلتقط أنفاسها اللاهثة بصعوبة، لكنها سرعان ما التفتت نحوه بعيون متسائلة:

– أين هوتارو؟؟؟؟

***

كان هوتارو قد استنفذ جهده كاملا، خلال محاولاته اليائسة لفك وثاقه المحكم، في تلك الغرفة المظلمة، فسكن في مكانه يلتقط أنفاسه المحطمة، ويستعرض ما حل به وبخطيبته التي أحبها من أعماق قلبه، وكان على وشك اتمام زواجه بها خلال أيام قليلة!! فتنهد بألم شديد، ومرارة البؤس تعتصر فؤاده:

– هل تمكن محمد من انقاذها فعلا!!

عندها لاحت أمامه صورة أسوأ بكثير من كل ما قد يخطر بباله، فهز رأسه بعنف يحاول طرد تلك الفكرة منه، إلا أن تلك الفكرة القاتلة أصرت على التمثل أمامه بإلحاح شديد، كخنجر مسموم اخترق قلبه:

 – ماذا لو.. لو فكّر محمد بهينامي!! إنه شاب يافع وقوي، ووسيم أيضا.. ماذا لو.. لو وجد فيها فتاته المنشودة، وهو يعلم أنني لن أتمكن من النجاة من بين يدي هؤلاء المجرمين!!!!! سيكون ذلك.. سيكون سهلا جدا بالنسبة له!!

إلا أن فكرة أخرى، أخذت تصارع تلك الأفكار باستماتة، وهو يحاول التمسك بها بيأس شديد:

– كلا.. لا يمكن لمحمد أن يفعلها أبدا، فهو يحمل اسم رجل عظيم كما أخبرني، ولا يمكن للرجل العظيم أن يخون من ائتمنه مهما حدث..

***

في ذلك الوقت كان محمد قد تمكن من تحديد وضع هوتارو، أثناء عودته لمراقبة المنزل بصمت، بعد أن طلب من هينامي انتظارهما في منزله ريثما يعودان، وكان قد طمئنها بقوله:

– هوتارو يبذل جهده من أجلك، وستجدين حقيبته في تلك الغرفة، فلا تقلقي.. قد نتأخر قليلا ولكننا بالتأكيد سنعود إن شاء الله، لذا تصرفي وكأنك في منزلك، ولا تقومي بالرد على أحد خلال فترة غيابنا..

وفي اللحظة المناسبة تماما، وخلال اقتياد الرجال لهوتارو نحو العربة لنقله إلى مكان آخر؛ باغتهم محمد بقنبلة دخانية، اربكتهم قليلا، مما أكسبه بعض الوقت لتنفيذ خطته المحكمة، والتي تعتمد بشكل كبير على الدقة وعنصر المفاجأة وسرعة التنفيذ، ولم يشعر هوتارو – الذي أعماه الدخان هو الآخر- إلا بيدين تحلان وثاقه بمهارة، لتقوده بسرعة بعد ذلك خارج المجموعة، وقبل أن يتمكن الرجال من استعادة رباطة جأشهم، وسط صراخهم وتهديدهم المتوعد، كان هوتارو قد اختفى تماما عن الانظار بصحبة محمد..

****

لم يصدق هوتارو عينيه وهو يرى هينامي أمامه، بعد تلك المحنة القاسية، وبينما غرق الاثنان في عناق طويل، تبلله الدموع، استدار محمد بتأثر شديد، لينسل خارج المنزل بهدوء، فقد كانت أمامه بعض الأمور الضرورية وعليه إنجازها بسرعة..

أخذ هوتارو يستمع باهتمام شديد لما روته له هينامي، حول ما لاقته خلال الأيام الماضية، وهو يشعر بالغيظ تارة من اولئك المجرمون، والألم تارة أخرى على فتاته الرقيقة، التي لم تعتد تلك المعاملة الوحشية، حتى إذا ما ذكرت له ما حدث معها ومع محمد، شعر بامتنان شديد نحو ذلك الشاب الشهم، خاصة وهي تعبر عن ذلك بقولها:

– لقد شعرت بأنه أخٌ حقيقي، بل لقد كان كذلك فعلا، لقد كان عفيفا لأبعد درجة، وهذا ما لم أجده في أي شاب آخر من قبل!!

  عندها انتبه هوتارو لغياب محمد، فالتفت نحو هينامي متسائلا:

– ترى أين ذهب؟؟

فهزت رأسها في حيرة:

– لا أدري، فأنا لا أعرف عنه أكثر مما حدثتك به!!

ولم يطل تساؤلهما كثيرا، إذ سرعان ما عاد محمد، وهو يحمل في إحدى يديه تذكرتي سفر، وفي اليد الأخرى سلة طعام بدى ساخنا وجاهزا للأكل، قائلا:

– أرجو المعذرة إن قطعت حديثكما، ولكن من الأفضل أن تغادرا هذه البلاد بسرعة، قبل أن يتمكن المجرمون من الوصول إليكما بطريقة أو بأخرى، وقد استطعت بفضل الله حجز تذكرتين لكما على متن السفينة التي ستغادر خلال ساعتين من الآن.. العربة جاهزة، فهل أنتما مستعدان للذهاب؟

عندها ترقرقت دمعات في عين هوتارو لم يتمكن من حبسها، وهو يشد على يد محمد بامتنان شديد:

– لا أعرف كيف سأشكرك يا صديقي، لذا أرجو أن تقبل مني على الأقل ثمن التذاكر، فهذا كثير جدا علي!

غير أن محمد غمزه باسما:

– ألم أخبرك بأنني أحمل اسم رجل عظيم!! ومن واجبي إكرام ضيفي، لذا لا داعي لشكري أبدا، بل أنا من عليه شكرك لإتاحتك هذه الفرصة لي..

***

صعد المسافرون، ورُفعت الالواح الخشبية، وانتشرت الأشرعة، وعلا صفير المدخنة، وهي تنفث أبخرتها منذرة بالرحيل، لتشق السفينة طريقها بعد ذلك، وتمخر عباب الماء..

 وقفت هينامي إلى جانب هوتارو، الذي ظل يحدق في نقطة محددة، بدأت تتلاشى عن ناظرية تديجيا مع ابتعاد السفينة، فوضعت يدها على كتفه:

– لا زلت شاردا يا هوتارو، فما الذي تفكر به يا عزيزي؟

فانتبه هوتارو إلى نفسه، والتفت إليها بابتسامة مُحِبة:

– كنت أفكر بطفلنا القادم..

فاحمرت وجنتا هينامي، وأسندت رأسها على كتفه بمحبة، فيما تابع هوتارو كلامه، وهو يحيط كتفيها بذراعه، مانعا شعرها المنسدل على ظهرها من التطاير مع لفحات النسيم العذبة:

– هل تمانعين يا حبيبتي في أن نطلق عليه اسم (محمد)؟

عندها رفعت هينامي رأسها تتأمله بدهشة، قبل أن تقول باسمة:

– هل تصدق أن هذه الفكرة قد خطرت ببالي فعلا، لولا أن الاسم سيبدو غريبا في بلادنا، ثم إننا لا نعرف الكثير عن هذا الشخص العظيم الذي اتخذه صديقك قدوة له!

فأجابها هوتارو:

– يكفي أننا التقينا برجلٍ عظيمٍ، يحاول السير على نهجه! وأريد لابننا أن يصبح رجلا عظيما..

وصمت هنيهة قبل أن يضيف:

– إن شاء الله..

فسألته هينامي بتعجب:

– ما الذي تعنيه هذه الجملة؟؟

فأجابها هوتارو وهو يتأمل أطلال الميناء أمامه:

– لا أدري، ولكن محمد كان يستخدمها كثيرا، وأظنها تجلب الحظ الجيد..

فأومأت هينامي برأسها موافقة:

– أجل تذكرت، لقد سمعته يقولها أيضا، إنها جملة تجلب الحظ الجيد بالتأكيد..

وقبل أن يضيف أي منهما كلمة أخرى، انتبها إلى عامل السفينة، الذي قدم نفسه لهما معتذرا بأدب:

– أنت السيد هوتارو أليس كذلك؟

فأومأ هوتارو برأسه إيجابا، فتابع العامل كلامه وهو يقدم له طردا مغلفا:

– لقد ترك أحدهم لك هذا قبل أن تغادر السفينة الميناء، وأرجو منك التوقيع على استلامه هنا لو سمحت..

 فتبادل هوتارو مع هينامي نظرات متسائلة، قبل أن ينفذ ما طلبه العامل منه، ثم قرأ بصوت مرتفع، ما كُتب على البطاقة الملصقة على المغلّف، لتسمعه هينامي:

” العزيزين هوتارو وهينامي..

أدعو الله أن يرزقكما الحياة السعيدة، في الدنيا والاخرة، وأهنئكما مقدما بزواجكما، راجيا أن تتقبلا هديتي لكما بهذه المناسبة، فهي تعني لي الكثير..

محمد “

وبلهفة شديدة أسرع هوتارو بفتح المغلف، ليظهر أمامه كتاب مترجم بلغته، تركزت عليه أنظاره مع هينامي، وهما يقرآن معا عنوان الكتاب:

سيرة الرجل العظيم، خاتم الأنبياء والمرسلين، وخير خلق الله أجمعين

محمد

صلى الله عليه وسلم

*******

وعلى قمة مرتفعة تطل على البحر، وقف محمد يتأمل مشهد السفينة العملاقة، وهي تتوارى خلف الأفق، بسعادة يشوبها الألم، لما آلت إليه حال بلاده، مستشعرا عِظَم المسؤولية الملقاة على عاتقه، في نشر الوعي بين شباب أمته، والتصدي لتلك المخططات الآثمة التي تستهدفهم، فدمعت عيناه، وردد قلبه:

– يارب.. لا حول ولا قوة لنا إلا بك، فاحفظ أمة حبيبك ونبيك سيدنا محمد من الشرور والفتن، ما ظهر منها وما بطن، وردنا إليك ردا جميلا، وارزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى، واجعلنا ممن تقوم على أيديهم نهضة هذه الأمة..

****
النهاية

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

شعار نبراس

تركته لأجلك! – الحلقة 30

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

– لماذا علي التظاهر بحب تلك الفتاة البغيضة التي لا أطيق سماع اسمها!! إلى متى سأبقى على هذا الحال!!! كم هذا مؤلم وقاس جدا.. سوسن … سوسن… كل ما يهمه هو سوسن… فلتذهب سوسن إلى الجحيم..!!!
– هل أنا مجرد آلة صماء بالنسبة له!! لقد ظننت أنني اقتربت منه أكثر فإذا بي اكتشف العكس تماما!! ألهذه الدرجة يحبها!!
– لم تكن تهتم به ولم تكترث لأجله مثلي فلماذا يهتم بها.. لماذا!!!!!!! ألا يدرك أنها لم تحبه ولم تهتم به إلا بعد أن أبدى اهتمامه بها!! أما أنا… فقد أحببته دون مقابل!!!
وأخذت تبكي بحرقة وهي تضرب بقبضتها على مسند سريرها، وقد نسيت العهد الذي أقسمت أن لا تنكثه، فقد كان ألمها أكبر من أن تقيده الوعود..
لم تعرف كم من الوقت مر عليها وهي على تلك الحال في غرفتها، حتى انتبهت لصوت طرقات ملحة على باب غرفتها:
– آنسة سورا.. أرجوك افتحي الباب… إنه أمر هام.. أرجوك..
جففت سورا عينيها بغيظ شديد ونهضت من مكانها بتثاقل وهي تشعر برغبة عارمة في صب جام غضبها على تلك الخادمة، فما أن فتحت الباب حتى صرخت في وجهها بعصبية لا مبرر لها:
– أهذا وقتك أيتها الحمقاء!!! لا يوجد أي أمر هام في حياتي، فلماذا هذا الازعاج!!!
غير أن الخادمة قالت بثقة:
– لديك اتصال من المدير التنفيذي لحفل النجوم، وهو ينتظرك على الهاتف..
وخلافا لتوقعات الخادمة، لم تفلح تلك الكلمات بامتصاص غضب سورا، بل قالت لها بضيق:
– ولماذا لم يتصل على هاتفي الخاص!!
عندها شعرت الخادمة بالارتباك وكأنها المسؤولة عن تصرف المدير، فقالت بتردد:
– ربما.. ربما وجد هاتفك مغلقا سيدتي..
كانت تلك الملاحظة كفيلة بتهدئة سورا لوهلة، غير أنها سرعان ما شعرت بالغيظ من جديد، وقد تذكرت ما فعلته بهاتفها بعد ذلك الاتصال الذي أثار حفيظتها من… أيهم!!
أدارت رأسها حيث ألقت بهاتفها على الأرض وهي في ذروة غضبها، يفترض به أن يكون قد تحول لهشيم تذروه الرياح إثر تلك الضربة، لولا أنه كان محفوظا بغلاف من نوع خاص..
كانت الخادمة تتابع تعبيرات وجه سورا ونظراتها باهتمام، وقد فهمت تقريبا ما حدث معها، فمزاج سيدتها العصبي لا يخفى على أحد في هذا المنزل، ولطالما اضطرت الخادمة للقيام بأعمال اضافية كجمع القطع المبعثرة من تحف فنية أو آواني زجاجية، بعد نوبة من نوبات سورا العصبية!! لكن مزاجها قد ازداد سوءا في الآونة الأخيرة بلا شك!!!
وأخيرا تكلمت الخادمة:
– عفوا سيدتي.. المدير لا يزال على الخط، هل أعتذر لــ…
فقاطعتها سورا بنفاد صبر:
– هذا ليس من شأنك..
غير أنها انتبهت لنفسها أخيرا، فاتجهت نحو الهاتف والدموع تترقرق في عينيها، إذ لم تكن عصبيتها تلك سوى وسيلتها الوحيدة التي تواري فيها ضعفها وإحباطها.. وآلامها التي تصر على البقاء..
ما فائدة خطتها الآن!! لقد خسرت الجولة قبل أن تبدأها.. لم تعد تشعر برغبة في متابعة ما أعدت نفسها من أجله.. حفل النجوم.. كان أملها الأخير.. ولم يعد سوى سراب لا أمل فيه!!
انها كالسجين الذي قضى أيامه ولياليه بالتخطيط للهروب من سجنه، فأخذ يحفر باستماتة حتى إذا ما كان قاب قوسين من تحقيق هدفه وجد باب السجن مفتوحا، ففتحه ليفاجأ بأن العالم في الخارج أسوأ الف مرة من الداخل، فلماذا يتابع الحفر!!!
ولكن لا مجال للتراجع الآن.. فقد ترتب الحفل وها هو المدير بانتظارها على خط الهاتف..!!!
***
استطاعت سوسن أخذ استراحة قصيرة هرعت فيها لغرفة استراحة السيدات، حيث المصلى الخاص بهن، وهناك أخرجت من حقيبتها ملابس الصلاة الخاصة التي تمكنت من شرائها خلسة، بعد أن عقدت العزم على أداء الصلوات في أوقاتها بدلا من قضائها بعد عودتها إلى المنزل كما فعلت في اليومين السابقين، منذ أن بدأت الصلاة..
اتجهت سوسن إلى القبلة وشرعت بأداء صلاة الظهر، وما أن سلمت من صلاتها حتى فوجئت بسعاد ترمقها بنظرات مريبة، لم تكن قد احتكت بسعاد منذ آخر مرة رأتها فيها في دورة المياه مع تلك الزوجة البائسة، ومن دون أن تعرف سببا محددا شعرت سوسن بارتباك شديد من تلك النظرات فآثرت تجاهلها، وتمنت لو أنها تتبخر بسرعة لتجد نفسها فجأة قرب لوحاتها مع أيهم، غير أن سعاد لم تشأ تفويت الفرصة، فعلقت بقولها:
– تصيدين الرجال وتصلين أيضا!! استغفر الله العظيم، ألا تعرفين أنك تسيئين للاسلام بفعلك هذا رغم أنك تؤدين الصلاة!!!
أما سوسن التي انهمكت بطي ملابس الصلاة الخاصة بها لتضعها في حقيبة يدها، فقد شعرت بثقل رهيب في ساقيها، أعجزها عن سرعة الحركة والخروج من هذا المكان، كان بودها لو تدافع عن نفسها، لكن الشلل ألجم لسانها أيضا، ماذا عساها أن تقول!! وشعرت بألم يعتصر قلبها:
– لماذا تصر على نعتي بتلك الصفة البغيضة!! يارب أنا لست كذلك وأنت تعلم..
أما سعاد الذي أغاظها تجاهل سوسن لكلامها، فقد أضافت بلهجة لا تخلو من تشفّي غريب:
– لا حاجة لله بصلاة لا تنهى عن الفحشاء والمنكر، الم تسمعي قوله تعالى (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)!!
في تلك اللحظة تدخلت سيدة مسنة- كانت تؤدي الصلاة قربهما- موجهة حديثها لسعاد مباشرة:
– وهل الصلاة التي تؤدينها يا ابنتي تحثك على جرح الآخرين بكلامك هذا!! الله أعلم بما في قلوب عباده ولم يطلب منا أن ننصّب أنفسنا حكما على عباده!!
التفتت إليها سعاد بدهشة، وهمت بأن تقول لها شيئا تراجعت عنه، لتكتفي بقولها:
– من واجبنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
فأضافت السيدة:
– بالحكمة والموعظة الحسنة، واعذريني يا ابنتي فأنا في مقام امك وأقولها لك صراحة، انتبهي لنفسك، فإنما الدين المعاملة.. هذه نصيحتي لك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
ورغم امتنان سوسن الشديد لهذه المرأة العجوز، إلا أنها لم تكن ترغب بالنظر إلى سعاد وهي في ذلك الموقف الحرج، فلم تر معالم وجهها ولم تعرف طبيعة الأثر الذي تركته تلك الكلمات عليها، خاصة وقد أسرعت بالخروج وهي تتمتم بكلمات لم تركز سوسن في سماعها، إذ كان فكرها مشغولا في أمر آخر أرقها بشدة، لولا أن العجوز بادرتها بابتسامة محببة:
– لا تهتمي لكلام الآخرين يا ابنتي، تبدين مرهفة الإحساس جدا وهذا قد يؤثر عليك مستقبلا لا قدر الله..
فوجئت سوسن من تلك الملاحظة الدقيقة رغم أنه لم يصدر منها شيئا يشير إلى حساسيتها حسب ما تذكر، فسألتها باهتمام:
– كيف لاحظت ذلك يا خالة؟؟
فابتسمت العجوز:
– خبرة الحياة يا ابنتي..
فهزت سوسن رأسها بابتسامة متفهمة، غير أن الأمر الذي كان يؤرقها؛ لم يسمح لتلك الابتسامة بأخذ مساحة كافية على شفتيها، فنظرت إلى العجوز بعينين دامعتين:
– هل حقا لا فائدة من صلاتي يا خالة!!
فوجئت العجوز لوهلة بما سمعته، إذ لم تتوقع أن يكون هذا هو أكثر ما أقلق الفتاة الواقفة أمامها، غير أنها سرعان ما أجابتها بلهجة واثقة:
– بالطبع لا يا عزيزتي، إذا قصّر الانسان في أمر من أمور دينه، فهذا لا يعني أن بقية أعماله تذهب هباء!! ولعل بابا يتركه الانسان مفتوحا بينه وبين ربه، يكون كفيلا بفتح بقية الأبواب له بإذن الله..
واستطردت العجوز بابتسامة محببة:
– لقد ورد في هذا قصة شهيرة عن الامام أحمد والسارق الذي كان يرتاد المساجد ليصلي، وعندما استنكر الامام فعله (ألا تخجل من نفسك سارق وتصلي!! )، فأجابه السارق بأن هذا هو الباب الوحيد بينه وبين الله، فلم يلبث أن رآه الامام متعلقا بأستار الكعبة معلنا توبته، ليكون من أفضل رجال زمانه بعد ذلك..
بالطبع لا أذكر التفاصيل تماما فقد سمعت هذه القصة منذ وقت طويل، وقد كبرت في السن كما تريـ..
غير أنها بترت كلامها فجأة مع شهيق سوسن التي لم تعد تقوى على الوقوف، فجلست على ركبتيها وهي تخفي وجهها بكفيها، لتنشج ببكاء يدمي القلوب، فاقتربت منها العجوز وربتت على شعرها بحنان وهي تناولها منديل:
– هوّني عليك يا ابنتي، فالله كريم..
فيما بذلت سوسن جهدها لتهدئ نفسها وتجفف دموعها بمنديل العجوز التي تابعت كلامها برقة:
– الدين جميل جدا يا عزيزتي حتى في أوامره ونواهيه، المهم أن لا تدعي كلام أمثال هؤلاء الناس ينفرونك منه..
فابتسمت سوسن وهي ترفع رأسها ناحية العجوز وقد فهمت ما ترمي اليه:
– لا تقلقي من هذه الناحية يا خالة، فلست ممن يرفض الخير مهما يكن السبب.. والحمد لله..
فبادلتها العجوز الابتسام وهي تربت على كتفها بإعجاب:
– بارك الله فيك يا ابنتي، هذا ما لاحظته فيك فعلا..
ثم استدركت متسائلة، وهي ترمق سوسن بنظرات متفحصة أثناء نهوضها عن الأرض:
– هل أنت متزوجة؟
فأومأت سوسن برأسها ايجابا:
– تستطيعين قول ذلك، فأنا مخطوبة..
هزت العجوز رأسها بتفهم:
– حفظك الله يا ابنتي فأنت تدخلين القلب بسرعة ما شاء الله، لقد أحببتك من أعماق قلبي ولو لم تكوني مخطوبة، لرشحتك لحفيدي..
احمرت وجنتا سوسن، ولم تعرف كيف تتصرف لتداري خجلها، غير أن العجوز تابعت كلامها بحماسة:
– إنه طيب جدا وقد أصر على اصطحابي إلى هذا المعرض لمعرفته بشغفي بالفن..
بالمناسبة لم أسألك عن اسمك يا ابنتي؟
– سوسن..
فهزت العجوز رأسها بإعجاب:
– اسم جميل فعلا ما شاء الله..
وهمت بإضافة شيء غير أنها اكتفت بابتسامتها المحببة:
– حسنا لن أأخرك أكثر فلا أرغب أن أكون من العجائز الثرثارات..
وأطلقت ضحكة صغيرة:
– أم أنني كذلك يا سوسن؟؟
فلم تملك سوسن أن شاركتها بابتسامة ودودة:
– بل كلامك يثلج القلب يا خالة، لقد أسعدتني فعلا.. شكرا جزيلا لك..
فابتسمت العجوز برضا وهي تهم بالخروج أيضا:
– يسرني سماع هذا منك يا ابنتي، هذا من ذوقك، على كل حال إلى أين ستذهبين الآن؟؟
فأجابتها سوسن:
– في الحقيقة سأذهب لأقف إلى جوار لوحاتي التي شاركتُ بها في المعرض..
عندها شعرت العجوز بنوع من الذنب:
– لم أكن أعرف ذلك، لا شك أنني أخرتك فاعذريني..
فطمأنتها سوسن بقولها:
– لا بأس فخطيبي يقف هناك..
فأشرق وجه العجوز من جديد:
– هذا جيد، سأطلب من حفيدي أن يأخذني إلى زاويتك، فما زلنا في بداية جولتنا، أين تقع لوحاتك؟؟
فأجابتها سوسن بترحيب:
– في الواجهة..
فيما تساءلت العجوز:
– تقصدين عند ذلك العازف المدعو أيهم على ما أظن؟؟
تدفقت الدماء في وجنتي سوسن وهي تجيب بسعادة:
– أجل.. إنه خطيبي..
عندها حملقت العجوز فيها بدهشة:
– هل ذلك العازف المشهور.. خطيبك؟؟؟
تفاجأت سوسن من ردة فعل العجوز ولم تفهم تماما ما الذي أثار دهشتها، غير أن العجوز لم تعلق بشيء بل اكتفت بابتسامة مقتضبة وهي تردد:
– حماك الله يا ابنتي من كل سوء..
***
لم تكد سوسن تصل إلى زاويتها حتى هتف بها أيهم:
– سوسن.. لقد تأخرت يا عزيزتي، قلقت عليك فعلا..
فابتسمت سوسن:
– صادفتني عجوز طيبة..
وهمت بأن تخبره بما دار بينهما من حديث، لكنها أحجمت عن ذلك، فيما علق أيهم باستياء واضح:
– تقضين الوقت مع العجائز؛ فيما كان المعجبون بانتظارك هنا!! لقد جاءت فرقتي الخاصة أيضا لأخذ الصور التذكارية معك لكنك تأخرت ولم يكن بإمكانهم الانتظار أكثر!..
تنفست سوسن الصعداء، وقد شعرت بألم ممزوح براحة عجيبة، وهي تحدث نفسها:
– يا الهي لقد صرف الله عني نظرهم.. الحمد لله.. لقد أجيبت الدعوة.. ولكن..
ولم تستطع إخفاء ذلك في نفسها أكثر، فالتفتت إلى أيهم:
– هل من أجلهم فقط؛ قلقت عليّ.. يا أيهم!!
فحملق فيها بدهشة:
– ما الذي تعنيه!!
عندها فقدت سوسن أي رغبة في الحديث:
– لا شيء..
لكن أيهم بادرها بسؤال آخر:
– هل رأيت سامر؟
فأجابت بلا مبالاة:
– لا..
فتابع أيهم بنبرة توحي بأنه يخفي في طياتها شيئا ذا مغزى:
– كان يحوم هنا، أظنه يبحث عنك.. أو يفتقدك..
انتفض جسد سوسن لتلك الملاحظة التي تعمد أيهم أن يبديها بوقع خاص، فالتفتت نحوه باستنكار:
– ما الذي تعنيه بكلامك يا أيهم!! ربما كان يريد المساعدة في الاعداد للمحاضرة التي سيلقيها بعد ساعتين!
فافترت شفتا أيهم عن ابتسامة باهتة:
– ربما..
وسرعان ما انخرط الاثنان مع الزوار وكأن شيئا لم يكن..
***
………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
شعار نبراس

تركته لأجلك! – الحلقة 29

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

صعدت سوسن إلى جانب أيهم في سيارته، بعد أن أغلق المعرض أبوابه لذلك اليوم، كانت منهكة جدا، فألقت برأسها على وسادة الكرسى، وهي تُرجعه إلى الخلف قليلا، وأغمضت عينيها..
كان يوما طويلا جدا بالنسبة لها، غير أنه كان مختلفا أيضا..
أول يوم تصلي فيه، لا يمكنها نسيان ذلك، لقد كان ولادة حقيقية بالنسبة لها، قد لا يبدو تغيرها واضحا لمن ينظر إليها، فقد ارتدت ملابسها المعتادة، ووقفت أمام لوحاتها كما كانت تفعل من قبل، وأيهم إلى جانبها كما وعدها، لكنها أصبحت فتاة أخرى من الداخل.. أو هذا ما شعرت به على الأقل..
لم تدرك سوسن كم مر عليها من الوقت وهي مسترسلة في خواطرها تلك، حتى انتبهت إلى كونها لم تسمع صوت تشغيل أيهم للسيارة، هل تراها سرحت لدرجة أنها لم تنتبه لذلك، ربما تكون قد اقتربت من البيت الآن!
وما أن فتحت عينيها حتى كادت أن تصرخ بفزع، فيما ابتسم أيهم لها وهو يضع يده على شفتها معتذرا، بعد أن كان يحدق فيها عن قرب:
– آسف يا حبيبتي لم أقصد اخافتك، لكنك كنت كالملاك النائم الذي لم استطع مقاومة النظر إليه، ولو لم تفتحي عينيك فلربما قضينا الليلة كلها هنا..
فاحمرت وجنتا سوسن وهي تضع يدها على قلبها تتحسس نبضاته، قبل أن تعدّل وضع الكرسي:
– ولكنك أفزعتني فعلا!!
فتناول أيهم يدها وطبع عليها قبلة عذبة:
– هل تكفي هذه تعبيرا عن اعتذاري لك يا سيدتي!
لم تجد سوسن ما ترد به عليه أفضل من ابتسامة انطبعت على وجهها بتلقائية، فيما تشبث أيهم بيدها وهو يقربها إليه أكثر:
– لن أتحرك قبل أن تصدري قرار عفوك رسميا!!
فضحكت سوسن وهي تسحب يدها:
– لا داعي لكل هذا يا أيهم، أنت تعلم أنني..
وصمتت بحياء، فلا شك أن أيهم متيقن تماما من مشاعرها نحوه، غير أنه أصر عليها لتكمل جملتها بقوله:
– أعلم أنك ماذا؟؟
قال جملته وهو يميل عليها أكثر، فهتفت سوسن بتوتر:
– أرجوك لا داعي لهذا فنحن ما زلنا في الشارع!!
فضحك أيهم بمرح:
– لا زلت تعملين حسابا للآخرين رغم أنك خطيبتي قانونيا!! هيا.. إذا لم تقوليها الآن، فسأضطر لـ…
فقاطعته سوسن ودقات قلبها تخفق بعنف:
– حسنا إنني .. أحبك.. أحبك ولا يمكنني أن أغضب منك.. وأنت تعرف هذا جيدا..
لم تكد تتم جملتها، حتى أرخي أيهم جسده على كرسيه، وهو يتنهد بعمق:
– ليتني أصدق هذا يا سوسن..
كانت هذه مفاجأة حقيقية لها، أيهم يشك في حقيقةٍ تجدها من المسلمات!! ما الذي حدث!! لقد كانت تظنه واثقا من حبها له بل وتعلقها الشديد به!!
فرمقته بتعجب وهي تلمح تلك التعبيرات الحزينة على وجهه لأول مرة، وبعفوية وضعت يدها على يده قائلة:
– أيهم.. لا تقل لي بأنك تشك في حبي الكبير لك!!..
وترددت قليلا قبل أن تكمل:
– أم أنك تحاول اختباري؟
فنظر إليها أيهم بنظرات جادة كمن يحاول إفهامها أمرا يعجز عن إيضاحه أكثر:
– لقد تغيرتِ كثيرا يا سوسن!
بوغتت سوسن بسماع ذلك منه، فهي تعلم أنها تغيرت من الداخل، ولكنها لم تلاحظ أي تغيرا حقيقيا على تصرفاتها من الخارج، لا زالت كما هي، بل إن قلبها لم يزل يخفق بمجرد ذكر اسمه كما كان من قبل.. لا تذكر أنها فعلت شيئا مختلفا! حتى موضوع الصلاة، لم تجد الوقت المناسب لفتح ذلك معه، رغم أنه حدثا مهما في حياتها، فما الذي لاحظه أيهم عليها!!
لم تعرف سوسن بم تجيبه، فهذا مما لم تعمل له حسابا من قبل!! وأمام صمتها ذاك، أطلق أيهم تنهيدة أطول وهو يضع يديه خلف رأسه ليسنده عليهما بتأمل عميق:
– لا يمكنك انكار ذلك يا سوسن، أليس كذلك؟ لم أعد أهمّك كالسابق..
فقالت سوسن باندفاع عفوي:
– من قال لك هذا يا أيهم!! إنك أكثر شخص أحبه في حياتي وأفكر فيه طوال الوقت، صدقني، إنك أحب إلي من نفسي..
كانت الكلمات تخرج من فمها بسلاسة ودون ترتيب، حتى أن مشاعرها تفاعلت معها تماما، فسالت دمعات ساخنة على خديها وهي تقول بصوت مخنوق:
– أنت الوحيد الذي لا يمكنني تخيّل حياتي من دونه! فدع عنك تلك الأفكار أرجوك..
اعتدل أيهم في جلسته، وتلاقت نظراتهما بصمت لوهلة، قبل أن يضع يده على خدها مجففا دموعها:
– أنت حبيبتي وسأكون لك للأبد..

***
………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
شعار نبراس

تركته لأجلك! – الحلقة 28

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

حانت اللحظة الحاسمة أخيرا في حياة سوسن؛ وهي تقف ملتحفة بغطاء سريرها مستقبلة القبلة، بعد أن اغتسلت وتوضأت، وآلاف الخواطر تمر في ذهنها كشريط ذكريات فُتح مع رفعها يديها لتكبيرة الاحرام.. كم هي نعمة عظيمة هذه الاختراعات الحديثة!! فكيف لها أن تتعلم الصلاة لو لم يكن بإمكانها تحميل ومشاهدة تلك المقاطع!
لا تدري كم من الزمن مر عليها وهي تقف رافعة يديها باتجاه القبلة، بل لقد خيّل إليها أن الزمن قد تجمد عند تلك اللحظة.. ها هي ستصلي لأول مرة في حياتها.. شعرت برهبة شديدة، بل سعادة غريبة، أو مشاعر أخرى لم تعرف ماذا تسميها، مشاعر لا تستطيع كبتها؛ فانسالت على خديها بشكل دموع..
الله أكبر..
كيف لها أن ترددها دون أن تقشعر كل خلية في جسدها!!
“الحمد لله رب العالمين”..
اللهم لك الحمد يارب، لك الحمد يارب العالمين، أن سهلت لي هذا الوقوف بين يديك..
رددتها بدموع قلبها..
“الرحمن الرحيم”..
يا أرحم الراحمين، ارحم ضعفي، ارحم حيرتي، ارحم جهلي وقلة حيلتي، ارحمني يا رحمن يا رحيم..
“مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين”
يارب يا مالك يوم الدين.. أعني على ما لا طاقة لي به..
” اهدنا الصراط المستقيم”
عندها أخذت تجهش بالبكاء وهي ترددها المرة تلو الأخرى..
اهدني يا رب العالمين.. اهدني يا رحمن يا رحيم.. اهدني يا مالك يوم الدين.. اهدني يا الله.. اهدني فقد تعبت كثيرا من هذا الضياع..
بكت سوسن كما لم تبك من قبل، رغم أنها لا تذكر أنه مر عليها وقت لم تبكٍ فيه، بعد خطبتها من أيهم!! بكت كثيرا وشعرت برغبة جامحة تحول بينها وبين رفع رأسها من أول سجدة تسجدها لله على الأرض..
***
افلتت ضحكة خافتة من فم ذلك الرجل البدين الجالس على مكتبه، وهو يتأمل شاشة للمراقبة التلفزيونية، سلطها على بقعة محددة احتشد فيها الناس دون غيرها من الأماكن، ثم التقط نفسا عميقا من سيجارته المشتعلة، وهو يشير إلى عامل المراسلة بطرف اصبعه:
– ألم تخبره؟
فأجابه العامل وهو يضع فنجان القهوة على المكتب بانكسار:
– أجل سيدي إنه قادم..
ولم يكد يتم جملته، حتى دخل سامر مسلما:
– استدعيتني أيها المدير؟
فأشار له المدير بالجلوس إلى كرسي قربه، ثم أومأ بعينه إلى الشاشة بسعادة ظاهرة:
– كانت فكرة اختيار تلك الشابة للواجهة فكرة صائبة جدا، ولكنك لم تخبرني أن النجم أيهم سيكون معها، كان علينا أن نضيف ذلك في الاعلان..
ودون أن يلحظ أثر كلماته على سامر، تابع المدير بمزيد من الرضا وقد انتفخت أوداجه:
– لن تجد أفضل من شاب وسيم، وفاتنة حسناء للترويج عن أي مكان في هذا العالم، حتى ولو كان الجحيم بعينه..
وأطلق قهقهة مجلجلة، عبّرت عن مدى نشوته بما حصل عليه من نتائج فاقت توقعاته، ثم التفت إلى سامر مضيفا:
– أريد نشر المزيد من الاعلانات التي تضم أيهم مع تلك الفاتنة فلم يبق على مـ….
لكنه بتر جملته وهو يتأمل تغير وجه سامر الملحوظ، فسأله باهتمام:
– هل أصابك شيء؟؟
أدار سامر وجهه وهو يضع يده على فمه متظاهرا بالسعال قبل أن يقول:
– لا شيء..
ولأن هذا ما كان يرغب المدير بسماعه، فقد تابع باهتمام:
– حسنا ما قولك في…
غير أن سامر لم يستطع السكوت أكثر، فقاطعه بلباقة:
– عفوا سيدي المدير، ولكنني أرى من غير اللائق استغلال الآخرين هكذا..
عندها حملق المدير فيه بعينين مفتوحتين عن آخرهما:
– ماهذا الذي تقوله يا سامر!! مالذي تقصده بكلامك!!
فأكد سامر كلامه:
– إنني أعني ما أقوله، ليس من اللائق استغلال الآخرين للترويج عما نريده، هذا رأيي..
لم يزد المدير عن الحملقة فيه بعينيه المفتوحتين، حتى إذا ما وصلتا لآخر اتساع لهما، أغمضهما بابتسامة ساخرة، دوا أن ينطق بحرف واحد، ثم رمقه بنظرة ذات مغزى معلقا:
– نسيت أنك لا زلت شابا.. ولكن لا تقل لي أنك ترغب في لعب دور الفارس الشهم الذي يسعى لحماية الحسناء الجميلة!
ولم يتمالك نفسه، فأطلق ضحكة صاخبة، قبل أن يضيف بخبث:
– في عالم المال يا بني، لا مجال للحب..
كانت تلك الكلمة كفيلة بإثارة عواطف سامر، رغم استيائه الشديد من تلك اللهجة الهازئة، فلم يستطع الجلوس أكثر، بل خرج متجاهلا كلام مديره على غير عادته..

………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
شعار نبراس

تركته لأجلك! – الحلقة 27

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

ظلام شديد حالك.. ظلام دامس.. ظلام مخيف جدا.. دوامة كبيرة، لا يمكنها الافلات منها، ولا حتى التقاط انفاسها خلالها.. ستُخنق هذه المرة لا محالة…
هبت سوسن من فراشها فزعة وهي تلتقط انفاسها المتلاحقة، وتتحسس رقبتها بقلق، كانت على وشك الانخناق فعلا!!
وأخيرا تنفست الصعداء بعد أن تبين لها أنه مجرد حلم، فتنهدت محدثة نفسها:
– لقد عاد الظلام إلى أحلامي مجددا بل وبشدة أكبر!!…. كم أنا بحاجة للنور!
وأشعلت مصباح القراءة قرب سريرها، لتجد أن الوقت لا زال باكرا، فلم يطلع الفجر بعد، وحملقت في اللوحة أمامها:
– الله نور السماوات والأرض..
فأرخت عينيها بانكسار:
– كم أشعر بالخجل منك يارب.. لقد كانت الاشارة واضحة تماما، بل أوضح من الشمس في كبد السماء! ولكن.. هذا صعب جدا.. أعلم أنه الحل الوحيد، ولكنه.. شبه مستحيل…! ليتني أعرف فقط.. متى سينتهي هذا الكابوس… يارب!!
اليوم هو ثالث أيام المعرض، ورغم ذلك شعرت بأنه قد مر عليها شهورا فيه، خاصة وقد أصبح كالكابوس الجاثم على صدرها، تتوق شوقا لليوم الذي يعلن فيه انتهاء مدته!
أخذت الفكرة تلح عليها بشدة:
– لن أذهب إلى هناك مجددا.. ربما هذا أفضل لي وللجميع… ولكن لا يمكنني ذلك الآن؛ بعد ما فعله أيهم من أجلي!!
لقد وعدها أيهم أن يكون إلى جانبها، وقد كان هذا طبيعي منه، لكن أن يأخذ إجازة خصيصا من أجلها.. فهذا ما لم يخطر ببالها قط..
وخفق قلبها بشدة لذكرى كلماته الرقيقة:
– أنت أغلى عندي من كل ما أملك.. أسطواناتي كلها يمكن تأجيلها من أجلك حبيبتي..
هذه شهامة منه حقا لا يمكن أن تنساها، فهو إلى جانب مساهمته في حمايتها بوقفته إلى جانبها في المعرض؛ قام بإدخال الطمأنينة إلى قلبها بعد أن أراحها تماما من التفكير فيما قد يحدث بينه وبين سورا في المعهد!! أو هذا ما ظنته..!
كانت خفقات قلبها تعبر بصمت عن خلجات صدرها:
– أيهم.. كم أحبك وأقدر وقفتك إلى جانبي، فهذا سيحل المشكلة مؤقتا.. لكن سامحني.. فما زلت أتعذب.. وما يعذبني أكثر أن الحل واضح، ولكن.. كيف السبيل إليه!!
وفي تلك اللحظة تنهدت بعمق:
– أين أنت يا نور!!
وعادت بذاكرتها تحاول استرجاع آخر اتصال حادثتها فيه، فلم تستطع التذكر، فقد مرت الأيام الفائتة كأنها شهور من كثرة أشغالها.. أو همومها!!
وأخذت تقلب في رسائل هاتفها، حتى إذا ما وقعت عيناها على آخر رسالة تلقتها من نور، تسارعت نبضات قلبها، وقد أعادت الرسالة إلى ذاكرتها ما حدث تلك الليلة.. يوم أن كانت تبحث عن الآية، فالتقت ببهجة!!
وانقبض صدرها بقلق:
– لم تُعد نور الاتصال بي رغم أنها وعدت بذلك في أقرب فرصة، أرجو أن تكون بخير..
وشعرت برغبة شديدة في محادثتها والاطمئنان عليها، فليس من عادة نور أن تتأخر عليها هكذا!!
وبدون تردد تناولت هاتفها وكتبت رسالة لنور، فهذا قد يريحها قليلا، ومن ثم أسندت رأسها إلى حافة سريرها الخلفية، وأغمضت عينيها..
يارب ..لا أعرف ماذا أقول لك.. ولا بماذا أدعوك.. يارب.. أنت تسمعني.. وأنت تراني.. وتعلم ما بحالي.. أليس كذلك؟؟ يارب.. لستُ مؤمنة مثل نور ولا حتى مثل بهجة.. ولا أعرف كيف أصبح مثلهما لتستجيب دعائي.. يارب .. أنا مجرد انسانة تائهة حائرة ضعيفة لا تعرف كيف تتصرف…
وانهمرت الدموع من عينيها:
– ربما أستحق ما يجري لي.. فهل ترحمني يارب وأنا بعيدة عنك؟؟
وإذ ذاك رن هاتفها، فالتقطته كمن يستيقظ من حلم عميق بعد أن انتبهت من سيل مناجاتها، فأتاها صوت نور:
– السلام عليكم سوسن ؟ هل أنت بخير؟
وبصعوبة ردت عليها وهي تحاول ايقاف سيل دموعها المنهمرة دون أن تعرف لها سببا واضحا:
– آسفة لإزعاجك الآن لم أتوقع أن تكوني مستيقظة، فأرسلت الرسالة على أن تريها عندما تستيقظين، أعتذر بشـدة إذا ما أفزعتك..
فطمأنتها نور:
– لا عليك، عادة أستيقظ في مثل هذا الوقت، فسيرفع أذان الفجر بعد قليل، المهم كيف حالك؟
فأجابيتها سوسن:
– أنا بخير عزيزتي، ولكنني قلقت عليك، كيف حال والديك؟ لقد ذكرتِ لي أن والدك كان متعبا أيضا!
شعرت سوسن بابتسامة نور الهادئة وهي تجيبها:
– الحمد لله إنه بخير الآن، واعذريني إذ لم أتمكن من الاتصال بك، فقد كان ذلك رغما عني ولم أجد الوقت المناسب لذلك، أما وقد رأيت رسالتك الآن فقد عرفت أنك مستيقظة..
وصمتت نور قليلا قبل أن تقول:
– أخبريني عنك يا سوسن، لا أظنك على ما يرام؟ آخر ما أخبرتِني به هو ترشحك للمعرض العالمي، فهل حدث جديد!
وكأن سوسن كانت تخشى سماع هذا السؤال، أو ربما كانت تنتظره، لم تعد تعرف ماذا تريد بالضبط، ربما كانت بحاجة لمن يتحدث نيابة عنها! ولم تتركها نور لصمتها كثيرا، فسألتها:
– كيف حال أيهم؟
وكعادة قلب سوسن، انطلق لينبض بأقصى سرعة فيما توردت وجنتاها..
حتى نور تدرك أن أيهم هو أكثر ما يهمني في هذه الحياة!!
غير أنها أجابتها بابتسامة مُحرَجة:
– أيهم بخير..
وأخيرا انفرجت أسارير سوسن فانطلقت تحدثها عما حدث معها بعفوية أرهقها كثرة التجمّل!
أبدت نور تفهمها التام لحالة سوسن، مما أشعرها بالارتياح فسألتها:
– هل أنا المخطئة يا نور؟ أرجوك أخبريني بصراحة، هل أنا السبب في كل ما حدث!!
صمتت نور قليلا قبل أن تجيب:
– حسنا في حالة الزوجة مثلا، لا يحق لها أن تخاطبك بذلك الأسلوب، فالذنب ليس كله ذنبك، بل يتحمل زوجها الذي أطال النظر إليك المسؤولية في ذلك أيضا، وهذا ينطبق على بقية الرجال!! فهم من جانبهم مأمورون بغض النظر.. ولكن للأسف تجدين من يضع اللوم على الفتاة وحدها، وكأنها إن لم تلتزم بأمر الله لها بالحجاب، يسقط عن الرجال وزر إطلاق البصر!! بالطبع إن قلت لك أنه لا يحق للزوجة أن تفعل ما فعلته، هذا لا يعني أنني لا أتعاطف معها فهي مسكينة.. أظنك تعرفين شعور المرأة إن ظنت أن هناك واحدة أخرى في حياة زوجها!!
كانت تلك الجملة كافية لتُشعر سوسن بوخزٍ شديد في الضمير.. فهي تعرف ذلك الشعور تماما، بل وجربته أيضا ذات يوم!! كم هذا يؤذيها!! وأخذت تلك الكلمة تتردد في أذنها (فلا يؤذين)!! فانفصلت لوهلة عن سمّاعة الهاتف تناجي ربها:
– أجل إن هذا يؤذيني كثيرا.. يؤذيني أن أكون سببا- ولو بشكل بسيط- في تعاسة امرأة أخرى، حتى وإن كان زوجها هو من يتحمل المسؤولية!!
ولكن يارب كيف السبيل إلى ذلك؟؟
عندها سألت نور:
– ما الذي تفعلينه يا نور إن استصعب عليك أمر ما، أو ضايقك شيء وأهمك؟
فجاءها جواب نور ببساطة:
– أصلي..
رددت سوسن بتؤدة:
– تصلين؟؟
فوضحت نور قولها:
– أجل يا عزيزتي، لن تجدي أفضل من الصلاة لإراحة روحك المتعبة، وإزالة همومك، هذا هو دأب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، كان إذا حزبه أمر هرع إلى الصلاة..
طال صمت سوسن فتابعت نور كلامها موضحة:
– لقد فرض الله علينا الصلاة ليضمن لأرواحنا الاتصال به خمس مرات في اليوم على الأقل، فالروح يتعبها الابتعاد عن خالقها كثيرا، وقد ترك سبحانه وتعالى لنا حرية الاتصال مفتوحة طوال الوقت، لمن شاء أن يستزيد من هذا المنبع النوارني الصافي..
كانت كلمات نور تدخل بسلاسة إلى قلب سوسن فتضيء ظلمته، حتى انشرح صدرها تماما وهي تتخذ قرارا سريعا حاسما بينها وبين نفسها:
– الصلاة.. أهذه هي الاشارة التي لم استطع قراءتها؟؟ كنت أظن أن الحجاب هو الحل الوحيد لمشكلتي، ولم يخطر ببالي أمر الصلاة! أجل إنها الطريق الأسهل للوصول لذلك الحل الأمثل..!
وابتسمت لخواطرها تلك بسعادة، فعلى الأقل هذا الأمر بينها وبين الله، ولا عقبات تقف في طريقها إليه.. كيف لم يخطر ببالها الانتباه إلى ذلك الأمر الهام من قبل!! الصلاة.. أجل.. هذه هي الاشارة..
وخطر لها أن تحادث نور في هذا الموضوع، فسألتها دون أن تنتبه إلى أنها قد حادت عن سؤالها السابق:
– هل سمعت بالـ ( الخيميائي)؟
غير أن نور سألتها مستوثقة:
– تقصدين رواية The Alchemist من تأليف Paulo Coelho أليس كذلك؟؟ لقد أهدتني اياها إحدى صديقاتي الأجنبيات، ولم أكن أتوقع وجود رواية أجنبية تظنين معها أن الكاتب مسلم كهذه الرواية!! خاصة وهو يكرر فيها المصطلح العربي (Maktoob ) بمعنى قضاء الله وقدره، إنها بالفعل من أروع الروايات التي قرأتها..
فتهلل وجه سوسن:
– أجل.. إنها هي، ما رأيك بالاشارات التي ذكرها المؤلف؟
فقالت نور:
– تعنين الـ Omens؟ انني أجدها مصداقا لقوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)، وكأن الرسول لا يقتصر على الرسل الذين بعثهم الله لهداية البشرية، وإنما أيضا على الاشارات التي يرسلها لعباده، فمن انتبه لها وأخذ بها قادته إلى الطريق الصحيح، ومن أصر على تجاهلها عامدا متعمدا، توشك أن لا تعود إليه مرة أخرى كما ذُكر في الخيميائي.. فقلبه عندها يكون قد غُطي بالران!!
وكأن نور تعمدت إثارة فضول سوسن، التي سألتها:
– الران؟؟!!!
فأجابتها نور موضحة:
– ورد في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم بما معناه أن العبد إذا أذنب ذنبا ولم يتب منه نكت في قلبه نكتة سوداء، وإذا زاد اصراره على الذنوب متجاهلا نداء نفسه اللوامة، ازدادت النكات السوداء حتى تتراكم على قلبه كالغشاوة المظلمة أو ما يُعرف بالران، عندها لا يعود القلب يعرف معروفا ولا ينكر منكرا..
اقشعر جسد سوسن لهذه المعلومة، وشعرت برجفة في يدها كادت أن تسقط الهاتف، فرددت بذعر:
– أعوذ بالله من ذلك! لم يخطر ببالي التفكير بهذا المنطق عندما قرأتها في الخيميائي!!
وصمتت سوسن قليلا قبل أن تقول:
– أجل.. تذكرت المشهد الآن، لقد قال المؤلف شيئا كهذا..
ثم علقت:
– جميل ربطك هذا بالدين يا نور، تبدو الاستشهادات حاضرة في ذهنك.. ما شاء اهتع..
وأضافت بشيء من التردد:
– لقد أشعرتِني برغبة شديدة في زيادة ثقافتي الدينية، فأظنني مقصّرة فيها كثيرا!!..
أتمنى أن أصبح مثلك..
فجاءها صوت نور:
– بإذن الله تصبحين أفضل بكثير، فليست العبرة بمن سبق، وإنما العبرة بمن صدق كما يُقال، وأنتِ يا سوسن تحملين في قلبك من الصدق والصفاء ما يندر وجوده في هذه الايام، أقولها لك صراحة ودون أي مجاملة.. ما شاء الله..
احمرت وجنتا سوسن، ولم تعرف كيف تجيبها، في حين انهمرت الدموع من عينيها تأثرا بما سمعته، وإذ ذاك انطلق أذان الفجر نديا خاشعا ليشق سكون الليل..
………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
شعار نبراس

تركته لأجلك! – الحلقة 26

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

انهمرت الدموع من عيني سورا مجددا ولكن بقهر أشد..
غير أنها سرعان ما جففتها، وهي تحدث نفسها بعزيمة (الزعيمة) التي ما فتأت تسكن داخلها:
– لن أكون ضعيفة بعد اليوم.. هذا وعد قطعته على نفسي، ولن أنكثه مرة أخرى.. فلإن وُلدتُ لأعاني ولن أحصل على ما أريده إلا بشق النفس، فليكن.. وليعلم الجميع من هي سورا..
لم تكد تتم جملتها حتى شعرت بيدٍ تمسكها لتوقفها بقوة، ولدهشتها الشديدة فوجئت بأيهم يقف إلى جوارها وهو ينظر إليها بدهشة:
– هل أنت بخير!
شعرت سورا بأن قلبها سيتوقف بلا ريب، أو أن تفكيرها بأيهم قد أثر على عقلها فبات يصوّره أمامها، فأي مصادفة هذه التي ستأتي بأيهم في هذه اللحظة بالذات!! فأغمضت عينيها وفتحتهما مجددا لتجد أيهم بشحمه ولحمه وهو يعيد عليها السؤال مرة أخرى:
– هل أنت بخير؟؟؟؟
تلفتت سورا حولها بارتباك، رغم رباطة جأشها المعتاد.. أيحدثها هي أم ماذا!! ولوهلة انتبهت أنه لا يزال ممسكا بيده، فتسارعت نبضات قلبها بعنف.. هل هذا حلم!!! لكنها تمالكت نفسها لترد عليه بصوتٍ خُنقت حروفه:
– عفوا!
فأعاد أيهم سؤاله بصيغة أخرى لعلها تفهمه:
– ألستِ صديقة سوسن! كنت أسألك إن أصابك شيء!!
كانت تلك الكلمة كفيلة بإعادتها إلى رشدها من جديد.. (سوسن)، هذا هو المهم إذن.. وتذكرت الدور الذي لعبته في آخر حفلة، صديقة سوسن، وبصعوبة حاولت السيطرة على أعصابها وهي ترد بهدوء:
– أجل.. صديقة سوسن، هل أصابها شيء؟
فأجابها أيهم وقد بدا أكثر تفهما لحالة الشرود التي تعاني منها:
– سوسن بخير فقد أوصلتها لمنزلها قبل قليل، لكنك أنتِ من كنتِ على وشك قطع الشارع دون الانتباه للسيارات المسرعة!! من حسن الحظ أنني أوقفتك في اللحظة الأخيرة، تبدين مشوشة الذهن!
عندها انتبهت سورا لنفسها فحدثتها وهي تتلفت حولها بتعجب.. يا إلهي لقد قطعت مسافة طويلة دون أن انتبه، أين أنا الآن! وما الذي أتى بي إلى هذا المكان!!
يبدو أن عقلها الباطن هو من قادها إلى هذا الحي الذي يقيم فيه أيهم، دون أن تشعر بذلك..
فشعرت بالاحراج قليلا لكونه قد رآها على تلك الحالة، لكنها سرعان ما شعرت بالامتنان لذلك الحظ الذي قرر أن يبتسم لها ولو لمرة واحدة!!
وبعد فترة صمت قالت بامتنان بالغ:
– شكرا لك، يبدو أنني سرحتُ قليلا..
فقال لها باسما:
– يبدو أن معهد الفنون له أثر كبير عليكن، فحتى سوسن أصبحت تسرح كثيرا هذه الأيام!
قاومت سورا شعورها بالغيظ الشديد.. فها هو يذكر سوسن مرة أخرى، بل وفي كل جملة يقولها.. وهدّأت نفسها:
– عليّ أن أصبر قليلا، وإلا خسرتُ كل شيء.. فلم يبق سوى عدة أيام وستنقلب الأمور لصالحي بلا ريب.. لن أسمح بإفساد خطتي المحكمة.. فهي أملي الأخير..
وكم كانت دهشتها شديدة عندما عرض عليها أيهم أن يوصلها بسيارته، وكأن الحظ أصر على أن يبدي حسن نواياه تجاهها هذه المرة، لكنها أبدت تمنّعها وهي تجيبه بابتسامة ودودة:
– شكرا لك.. ولكنني أفضل العودة وحدي، فلا أريد إزعاجك معي أكثر..
غير أنه أصر عليها بقوله:
– لا يوجد أدنى إزعاج في ذلك، يسرني أن أقدم شيئا لصديقات سوسن إكراما لها، لذا اطمئني تماما فأنا مستعد لفعل أي شيء من أجل سوسن فلا تقلقي بهذا الشأن..
ورغم أن كبرياء سورا أنِفَ من أن يستجيب لطلبٍ كهذا إكراما لغريمتها، لكن قلبها المتيم بحب أيهم أبى عليها إلا الانصياع لرغبته، لا سيما وأنها ستكون فرصة مواتية لتنعم بقربه أكثر..
وما هي إلا لحظات حتى كانت تجلس إلى جانبه.. هي وأيهم وحدهما في السيارة نفسها!!
بذلت جهدا كبيرا لتحافظ على اتزانها، خشية أن يفلت لسانها بكلام يعبر عن مكنونات قلبها، وشعرت بأنها بحاجة لرباط فولاذي لتمنع نفسها من أن تبوح له بحبها وعشقها الكبير له.. أخذت تثبّت نفسها وتذكرها.. لم يأن الآوان بعد.. سيفسد كل شيء.. اصبري يا سورا.. اصبري.. لم يبق سوى القليل فلا تستسلمي بسهولة.. كوني قوية.. بل أنت قوية فلا تضعفي الآن..
وبينما هي على تلك الحال، بوغتت بسؤال أيهم لها:
– أما زالت سوسن خاضعة لتأثير تلك الفتاة برأيك؟
ظهر الارتباك واضحا على سورا، فهي لم تكن مهيأة لسؤالٍ كهذا الآن، إضافة لكونها لم تعد تذكر تماما- خاصة وهي في هذه الحالة من تشوّش الذهن- ما الذي لفقته من كلام بحجة أنها صديقة سوسن لتفتعل محادثة خاصة على انفراد مع أيهم في تلك الحفلة.. ربما قالت له شيئا عن قلقها بشأن علاقة سوسن بنور!! لكنها لا تذكر تحديدا ماذا كان!! لقد خانتها ذاكرتها للمرة الأولى، وهي التي اعتادت على دراسة كل كلمة تقولها بل وحفظها جيدا استعدادا لما يمكن أن يحدث في المستقبل!! ألا يمكن للحظ أن يُتم معروفه حتى النهاية!!
وأمام صمتها، تراجع أيهم عن سؤاله معتذرا:
– آسف.. لم أقصد إزعاجك بسؤالي، فربما كانت سوسن قد استأمنتك على بعض أسرارها كعادة الأصدقاء، ومن غير الجدير بي أن أجبرك على البوح بذلك..
تنهدت سورا بارتياح، بل وتنفست الصعداء وهي تحدث نفسها:
– فليظن ما يريد.. هذا أفضل..
ثم قالت يتفهم:
– لا عليك.. إنني أفهم موقفك تماما.. فأنت خطيبها ومن حقك الاطمئنان عليها..
فتنهد أيهم وقد بدا الهم واضحا في نبرة صوته:
– في الحقيقة إنني قلق على سوسن.. قلق جدا…
وأوقف السيارة على جانب الطريق، محدقا النظر في عيني سورا، مستنجدا بها بنظراته القلقة، كمن يحاول إفهامها بلسان الحال، ما عجز عن التعبير عنه بلسان المقال، فيما غاص قلب سورا إلى أسفل قدميها، بعد أن تلاقت نظراتهما بعمقٍ لأول مرة…
……
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
شعار نبراس

تركته لأجلك! – الحلقة 25

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

عادت الى سورا أمواج الذكريات لتتلاطم في مخيلتها من جديد..
لم يكن لديها الكثير من الحاجيات لتصطحبها معها في ذلك الوقت، بل انه ما كان من داع لتحمل شيئا من أسمالها البالية.. فلم تأخذ سوى سلسلة نحاسية قديمة هي الذكرى الوحيدة من والدتها المتوفاة.. سارت إلى جانب السيدة رافعة رأسها بشموخ، وكأنها هي من تقود السيدة إلى وجهتها لا العكس، بعد أن أبى عليها كبرياؤها الظهور بمظهرٍ خاضعٍ ذليل كـ (سعيدة)! وبنظرات جامدة؛ ودعت رفاق الطفولة الذين وجدوا أنفسهم فجأة دون (الزعيمة)..!
قصر كبير.. غرفة مريحة وفراش وثير.. طعام وفير.. وشراب كثير.. ثياب جميلة وحقائب فاخرة وأحذية جديدة.. خدم وحشم وحرس، ودنيا مقبلة.. أمور كثيرة كانت كفيلة بأن تُنسي سليمة ست سنوات مرّت من حياتها، فسرعان ما تكيّفت مع جوّها الجديد، لا سيما وأنها قد اعتادت على أخذ دور الملكات والأميرات مع أطفال حيها الذين حاولت مسحهم تماما من ذاكرتها فيما بعد، فما هم إلا مجرد أشقياء لا فائدة تُرجى منهم! بل إنها لم تمانع أبدا بعرض السيدة التي تبنتها:
– من اليوم سيكون اسمك (سورا) فهو يليق بك أكثر..
لقد بدأت حياة جديدة بالكامل، انصهرت فيها محاولة تجاهل الحقيقة المرة بكونها دخيلة على هذا المجتمع الفاره، وليست أصيلة فيه، وكم كانت سعادتها كبيرة عندما انتقلت مع من تبنتها إلى مدينة أخرى بعيدة عن الزقاق الذي نشأت فيه، ولا يعرف فيها أحد أصولها الحقيقية..
حاولت إشباع رغباتها متجنبة كل ما قد يُذكرها بماضيها، بعد أن أدركت بذكائها الحاذق حيثيات المجتمع الراقي، فتطبعت بطباعه كأي سيدة راقية وُلدت فيه..
لم تفسح المجال لمشاعرها بالظهور ولو لمرة واحدة، خشية أن تحن لبيئتها التي قضت فيها طفولتها، فلا أحد هناك يستحق منها اهتمامها أبدا بعد أن تخلوا عنها بسهولة..! لم تذكر أنها أحبت أحد بصدق بعد ذلك ولو لمرة واحدة! حتى السيدة التي تبنتها وعاملتها كإبنة حقيقية، لم تكن علاقتها بها أكثر من علاقة (المنفعة المتبادلة) إن صح التعبير.. هذا ما كانت تراه سورا، فقد وفرت لها تلك السيدة الحياة الكريمة، كما قدمت هي لها فرصة تبني طفلة جميلة ذكية يمكنها التباهي بها أمام الآخرين، وتؤنس وحدتها وهي الأرملة الخمسينية التي لم تُنجب قط ولا يوجد لديها أقارب يُعتمد عليهم..
مغرورة ومتكبرة.. صفتان طالما سمعتهما سورا ممن حولها، وكم كان يسرها ذلك!! كان بالنسبة لها دليل نجاحها كسيدة راقية حقيقية، حتى أبناء الأثرياء أنفسهم طالما حسدوها على أمور كثيرة!
وحدها سوسن كانت غريمتها، رغم أنها لم تأبه لها كثيرا في البداية، فقد كانت مجرد زميلة التقتها في معهد الفنون الراقي..
تسارعت نبضات سورا وهي تعود بذاكرتها لذلك اليوم..
لم يكن لديها من العواطف وقتها ما يفجر مشاعرها الكامنة في أعماق قلبها، لم تذكر أنها بكت يوما لذكرى مرت بها، أو حادث آلمها.. بل لم يكن هناك ما يستحق التألم من أجله برأيها!! وحده هو.. استطاع فعل ذلك بها وأكثر!!
لقد فعل بها فعل السحر أو يزيد، لم تكن تتخيل أن تؤثر بها اسطوانته الاولى كل ذلك التأثير الرهيب.. أيُعقل أن تكون مجرد اسطوانة عادية!! لقد قلب كيانها تماما.. أحالها إلى فتاة أخرى بمشاعر جياشة، لم تكن تعرف أنها تمتلكها أبدا.. بل لم يخطر ذلك ببالها أصلا.. ولأول مرة بعد عشرين عاما مضت من عمرها؛ يخفق قلبها بالحب!!
حتى أنها لم تعد تعيش إلا على أمل اللقاء به، ولم يعد في غرفتها مساحة فارغة إلا وأثر منه عليه، صورة أو اسطوانة أو خاطرة.. هل كانت تتصور أنها ستكتب خواطر في يوما من الأيام!! لكنها كتبتها من أجله هو.. أهكذا يفعل الحب بأهله!!
لقد وجدت فيه فتى أحلامها الذي آن لها أن تتحرر من قيود جمودها لتعيش معه بشفافية وسعادة، ستفعل أي شيء من أجله.. أي شيء.. فهو كل حياتها التي ما عادت تعرف غيرها..
ألحانه.. صوته.. صورته.. كلماته.. كل شيء فيه، وأي شيء ينتمي إليه يعني لها (حياتها)..
لا تذكر كم من الليالي بكت شوقا إليه، ورغبة في القرب منه، وهي التي ما ذرفت دمعة واحدة في أحلك ظروف طفولتها القاسية!!
تنام على ألحان معزوفاته، وتحلم بصورته، وتصحو على طيفه..
تكاد تجزم يقينا أنه ما من فتاة أحبته كحبها له، وكم كانت سعادتها كبيرة عندما أعلن عن حفلته الأولى في المدينة، فبادرت بشراء أول تذكرة في المقعد الأول، ولو تُرك الأمر لاختيارها، لاشترت تذاكر القاعة كلها!!
ذهبت بصحبة زميلاتها في المعهد، إذ كانت الحفلة بعد دوامهم فيه، سارت معهم بجسدها، أما روحها.. فقد سبقتها إلى هناك منذ زمن..
يومها عرضت إحدى الفتيات على سوسن مرافقتهن، إذ لم تكن ترغب بالحضور بداية، غير أن الفتاة أصرت عليها بقولها:
– إنها الفرصة الوحيدة التي قد نخرج فيها نحن الفتيات معا، سنقضي وقتا ممتعا ومسليا بلا شك.. هيا يا سوسن لا تترددي..
لم يخطر ببال سورا وقتها أن هذه الدعوة ستقلب أحلامها رأسا على عقب..
وانهمرت الدموع غزيرة من عيني سورا وهي تسترجع أحداث ذلك اليوم الأليم..
لماذا سوسن!! لماذا تختارها يا أيهم وأنا التي أحببتك من كل قلبي!! لماذا التفتَّ اليها وأنا التي كنت مستعدة لفعل أي شيء من أجلك..
لماذا؟؟.. لمــــــاذا؟؟؟
لماذا هذا الظلم!!!!!!!!!!
لماذا يوجد من يأخذ كل شيء دون عناء أو تعب، في حين أن هناك من لا يستطيع الحصول على مايريد إلا بشق الأنفس ثم هو لا يكاد يحصل عليه!!!
ألا يكفي سوسن أن لها أسرة حقيقية ثرية تحيطها بحبها ورعايتها، ألا يكفيها حنان والدتها المتدفق وحبها الكبير لها؛ حتى جاءت لتسلبني حبي الوحيد!!!
آه يا سوسن كم أكرهك.. أكرهك بشدة يامن حطمتِ وجداني.. وزلزلتِ كياني!! أجل.. يؤسفني الاعتراف بذلك حتى أمام نفسي!!
ألا تعرف ما الذي فعلته بي يا أيهم!! لقد قتلتني، ودست على كبريائي، ومع ذلك.. لا زلت أحبك.. أي جنون هذا!!!
وانهمرت الدموع من عينيها مجددا ولكن بقهر أشد..
……
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
شعار نبراس

تركته لأجلك! – الحلقة 24

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

كانت إحدى فتيات المعهد قد أنهت تسوقها للتو؛ عندما لمحت سورا تسير مسرعة دون أن تنتبه لوجودها، مما أثار فضولها، فتبعتها منادية:**
سوووورا..
جفلت سورا فجأة قبل أن تلتفت إلى صوت مُنادِيتها:
– فاتن!! ماذا تفعلين هنا؟
فرمقتها فاتن بنظرات استفهام غريبة:
– ماذا أفعل!! وهل هذا مكان لا يُفترض بي التواجد فيه!!
ارتبكت سورا قليلا، لكنها سرعان ما استعادت ثبات شخصيتها المعتاد، ففاتن ينقصها الكثير من الذكاء لتفهم الآخرين، وأطلقت ضحكة خافتة:
– لا تحملقي بي هكذا! كنت أسألك وحسب..
فابتسمت فاتن التي كانت رغبتها لتقول ما عندها أكبر من اهتمامها بسماع المزيد من تبريرات سورا:
– أين كنت طوال هذه الفترة؟؟ لقد حاولتُ الاتصال بك مرارا لكن هاتفك كان مغلقا!! قلقت عليك كثيرا!
فقالت سورا بابتسامة مطِمئنة، وقد أدركت تماما أن لهفة فاتن عليها لايعني سوى أنها ترغب في محادثتها بأخبارٍ تجدها مثيرة:
– لكنني لم أتغيب سوى أمس، وهذا اليوم الثاني!
غير أن فاتن التي لم تكن تنتظر منها جوابا، سرعان ما شرعت بالكلام كمن يخشى أن يفوته شيء:
– اليوم لا يوجد دوام في المعهد على أية حال، لذا خرجتُ للتسوق.. تعرفين بالطبع، فاليوم هو افتتاح المعرض، وقد حضرت اللجنة الفنية أمس..
عند تلك الجملة وجدت سورا نفسها مضطرة لمقاطعة فاتن التي كانت مسترسلة بالحديث، فسألتها بدهشة:
– ولكن يُفترض بهم أن يأتوا غدا، أليس كذلك؟؟
شعرت فاتن بنوع من المتعة وهي تثير اهتمام سورا بكلامها، فقالت:
– لقد تفاجأنا بذلك بداية، ولكن كما قالت جولي، يبدو أنهم قاموا بعمل تعديلات سريعة في الجدول، بسبب موعد الانتخابات، وأظن أن مدير المعرض سيرشح نفسه للانتخابات الوزارية المقبلة، أنت تعرفين جولي.. لديها استنتاجات دائما بخصوص كل شيء! على كلٍ كان يوما مثيرا، وليتك رأيتِ وجه نيدو قبل وصول اللجنة وقد بدأت تفقد أعصابها….
كان (نيدو) هو الاسم الذي تعارفت فاتن مع بعض زميلاتها في المعهد على استخدامه لقبا للآنسة ناديا، غير ان سورا قاطعتها بلهجة صارمة:
– ألم تعرض لوحاتي؟؟
انتبهت فاتن إلى أن سورا لم تكن تستمع لما تقوله، وقد أصبح ذهنها مشغولا بفكرة واحدة، فأجابتها ببرود:
– بلى، قامت نيدو بعرضها، حتى أنها تولّت الشرح نيابة عنك، ولكن سواء أحضرتِ أم لا، كانت سوسن ستفوز بالبطاقة الوحيدة بعد ما حدث..
واستدركت بلهجة متحفزة:
– آه.. أجل نسيت أن أخبرك، يبدو ان شاب جديد على وشك الوقوع في حبالها، إنه مسؤول مهم في اللجنة الفنية، ولا أدري إلى أين وصلت به قصة الحب تلك، كان واضحا من نظراته.. وبالطبع لم يخفَ ذلك على أحد منا، تقول جولي بأن قصة حب شائكة ستقع قريبا، ولولا أنني كنتُ أنتظر الفرصة المناسبة للتسوق؛ لذهبتُ مع بقية الفتيات للمعرض لمتابعة فصول هذه القصة المثيرة..
وأطلقت ضحكة عالية، اما سورا التي تعكر مزاجها تماما، فقد حاولت جاهدة الحفاظ على رباطة جأشها وهي تسأل فاتن كمن استوعبت ما سمعته على حين غرة:
– هل قلتِ أنه قد تم افتتاح المعرض العالمي هذا اليوم؟
حملقت فاتن فيها بعينين مفتوحتين عن آخرهما، غير مصدِّقة:
– ألا تعرفين ذلك!! ولماذا أعطتنا الآنسة ناديا اليوم عطلة إذن!! ألم تلاحظي الاعلانات التي ملأتها صورة سوسن في طول المدينة وعرضها؟؟ لا أظن أنه بقي أحد لم يعرف بأن اليوم هو موعد الافتتاح، إذ لم تبقَ صحيفة ولا مجلة ولا أي وسيلة إعلامية إلا ذكرت ذلك!
عضت سورا على شفتيها غيظا، فهي لم تكن لتهتم بإعلان نُشِرت فيه صورة سوسن، كائنا ما كان ذلك الاعلان، وكأن هذا يعطيها شعورا بالرضى؛ لكونهم قد خسروا زبونة مهمة مثلها بسبب سوء استخدامهم للصورة المناسبة!!
لكن فاتن سرعان ما فهمت ما يجول بخلد سورا فغمزتها باسمة:
– على الأقل هذه فرصتك، فأيهم سيكون وحده!!
وتابعت وهي تحاول تلطيف الجو:
– هيا اعترفي.. ألم تكوني تخططين للإيقاع به؟؟
بوغتت سورا بسماع ذلك، وكاد الارتباك أن يفضحها.. هل عرف أحد بما أنوي القيام به حقا!! لكنها انتبهت إلى أن كلام فاتن لا يعدو كونه تعليقا غير مقصود لا أكثر، فابتسمت بمكر وهي تتظاهر بمجاراتها المزاح:
– ولم لا..
فقالت فاتن وقد أعجبتها الفكرة:
– حسنا، ولكن لا تنسِني من الغنيمة..
وضحكت الاثنتان بصوتٍ مرتفع، قبل أن تفترقا..
سارت سورا وحيدة باتجاه منزلها، وكلمات فاتن ترن في أذنها بانتظام، لقد خططت كثيرا، وقد كانت تستعد لخطة محكمة، دون أن تحسب حسابا لفرصة ذهبية كهذه!! فهل تتبع خطتها أم تستثمر هذه الفرصة!! خطواتها يجب أن تكون مدروسة، فلا مجال للخطأ.. وأي تهور من قبلها قد يقلب الأمور رأسا على عقب.. لقد خسرت المشاركة في المعرض العالمي، لكنه لا شيء يُذكر أمام هدفها الأكبر، هدفها الذي يستحق التضحية بكل ما تعنيه الكلمة من تضحية..
وأطلقت تنهيدة طويلة بثتها ما يختزن في صدرها من أشجان:
– الجمال الأخاذ الساحر.. لا يكفي وحده…
قالتها لنفسها وهي تشعر بأن رأسها على وشك الانفجار..
لقد قدم لها جمالها خدمة جليلة فيما مضى، لكنه ليس بالقدر المطلوب ليحقق المزيد من طموحاتها..
وعادت بذاكرتها سنوات طويلة إلى الوراء، لم تعد تهتم بذكر عددها..
طفلة صغيرة لم تتجاوز السادسة من عمرها، وإن بدت أكبر من ذلك بثلاث سنوات على الأقل، تجري حافية القدمين بحماسة وسط الزقاق في أحد الأحياء الفقيرة، وهي تقود خلفها بقية الأطفال المشاغبين، الذين انصاعوا لأوامرها كزعيمة عصابة لا تُقهر، فقد كانت أكثرهم جرأة وقوة في الشخصية، ويكاد الجميع يحسب لها ألف حساب.. كانت زعيمة بفطرتها، بل وموهوبة في السيطرة!!
يومها كانت تجمعهم لوضع خطة محكمة لمهاجمة أكثر البيوت إدقاعا بالفقر في حيهم، تعبيرا عن انتقامهم لبيع صديقتهم الصغيرة سعيدة..
سعيدة.. تلك الطفلة البريئة التي كانت تمثل دور الخادمة المطيعة لجلالتها، بصفتها الزعيمة أو الملكة الآمرة الناهية للجميع.. كان مظهرها يثير الشفقة وهي تبتعد عنهم وقد أمسكتها أمها من يدها، بعد أن قررت ارسالها لمكان يضمن لها مستقبلا أفضل، بدلا من الموت جوعا مع أسرة لم تعد تطيق البقاء في هذه الحياة القاسية.. خاصة وقد تبين جليا أن اسمها وحده لن يجلب لها السعادة ما دامت ستبقى في هذا المكان.. وهكذا اتخذت امها ذلك القرار.. باختصار.. قرار (بيعها)..
لقد بيعت (سعيدة)..!
كم كانت هذه الكلمة قاسية حتى على أطفال لا يفهمون شيئا في عالم التجارة!!
كانت المجموعة قد وقفت في المكان الذي حددته لهم (الزعيمة)، وبدأت تُملي عليهم أوامرها لتنفيذ خطتها الانتقامية، عندما لفت نظرها سيارة فارهة تقف عند بداية الزقاق المؤدي لمنزلها، كان منظرها ملفتا للانتباه بالفعل حتى أن بعض أطفال مجموعتها تجرؤا على مقاطعة حديثها الهام وهم يشيرون إلى السيارة بجلبة واضحة، حتى الزعيمة اندمجت معهم في ذلك الحديث لوهلة:
– هل رأيتم مثلها من قبل؟؟
– ربما.. ولكن ليس في هذا المكان!
– يقول أخي أن حي المدينة الشرقي يزدحم بالسيارات الفارهة من كل نوع! لو رأى هذه السيارة لعرفها بالتأكيد!
– وما أدرى أخوك بذلك!!
– ألا تعرف! إنه يعمل بتنظيف السيارات.. ولديه خبرة واسعة..
– ربما هذه واحدة منها إذن!!
– ولكن ماذا تفعل هنا؟
– هل تظن أنهم أخطئوا العنوان؟
– طبعا.. فما الذي يريده أهلها بحينا؟؟
– أو ربما جاؤا ليبحثوا عن منظف لها..
– ما رأيك يا زعيمة، من يكونون؟
وقبل أن تدلي الزعيمة برأيها حول هذا الموضوع، نزل السائق ليفتح الباب الخلفي من السيارة، فاسحا المجال لسيدته بالنزول، بدت سيدة ثرية جدا في أواسط عمرها، فتعلقت بها نظرات الأطفال وهي تعدل لف فراءٍ باهظ الثمن حول عنقها، فيما حملت حقيبة من الجلد الطبيعي، لا يملك من يراها إلا أن يُقدّر من نظرة واحدة أنها تحوي كنوز الدنيا كلها، واتجهت مباشرة نحوهم فيما تبعها اثنان من حراسها الشخصيين..
كانت لحظات مثيرة تجمد الجميع خلالها في اماكنهم دون أن ينبسوا بكلمة واحدة، حتى الزعيمة.. كانت مثلهم، وكأنهم على موعد مع ملكة من ملكات الأرض، لا يفصلهم عنها سوى بضع خطوات وئيدة من جلالتها..
حدقت بهم السيدة لوهلة بعد أن وقفت على بعد خمس خطوات منهم، فيما اختبأ معظم الأطفال خلف زعيمتهم التي وقفت بانتظار ما تريده تلك السيدة بنظرات متحدية.. اقتربت السيدة منها أكثر وقد افترت شفتاها عن ابتسامة خافتة، قبل أن تلتفت إلى حارسها الواقف عن يمينها قائلة:
– إنها جميلة، أليس كذلك؟ أظنها ستؤدي الغرض..
علا التجهم وجه الطفلة الزعيمة، ولم تنتظر سماع ما تريده تلك السيدة؛ بل بادرتها بلهجة قوية جريئة لا تناسب سنها أبدا:
– ما الذي تريدينه منا؟؟
فابتسمت السيدة برضى:
– تعجبني هذه النظرات الواثقة، هذه هي الشخصية التي تناسبني تماما!! ما اسمك يا صغيرتي؟
أجابتها الطفلة بفخر، فيما ازداد التصاق الأطفال بظهرها:
– سليمة أو الزعيمة، كلاهما سيان عندي..
هزت السيدة رأسها بتفهم، دون أن تلقي بالا لتلك اللهجة ذات الكبرياء الواضح:
– سليمة.. اسم يلائم هذا المكان فقط..
لم تفهم سليمة ما الذي عنته السيدة بقولها، فيما تابعت الأخيرة سؤالها بتودد:
– أين منزلك ايتها الزعيمة؟
أشارت سليمة بيدها إلى أحد الأبواب الكثيرة المتهالكة والملتصقة ببعضها، حتى يشك من يراها أنها تؤدي لبيوت مختلفة، ثم قالت باحتراسٍ قبل أن تلاحظ السيدة أي باب هو المقصود بالضبط:
– ولكن ماذا تريدين منا أيتها السيدة؟؟
فابتسمت السيدة:
– أريد مقابلة والدتك يا عزيزتي، لك عندي مفاجأة ستعجبك بالتأكيد..
ورغم أن كلام السيدة أثار فضول سليمة، إلا أنها تظاهرت بغير ذلك، فاكتفت بإجابة مقتضبة:
– أمي متوفية..
لم تعلق السيدة بكلمة بل اكتفت بتبادل نظرات ذات مغزى مع حارساها، ثم سألت سليمة بشفقة واضحة:
– مع من تسكنين يا صغيرتي؟
لم يرق لسليمة أسلوب السيدة وهي تخاطبها بتلك اللهجة، فأجابتها بلا مبالاة:
– مع أبي وزوجته..
فقالت السيدة وهي تحاول أن تكون أكثر تفهما لشخصيتها لعلها تستميلها إليها:
– حسنا، هلا أخذتِني إليهم؟
ظهرت علامات الشك واضحة في عيني سليمة، وبدت مترددة في الانصياع لكلام هذه المرأة الغريبة، غير أن السيدة شجعتها بقولها:
– ألا تريدين أن تصبحي ملكة!
ورغم ذكاء سليمة اللماح، الذي تضاهي به من يكبرها بعشر سنوات على الأقل، إلا أن روح الطفولة غلبتها، فلم يستغرق الأمر سوى بضع كلمات أخرى من تلك السيدة، حتى كانت سليمة قد أوصلتها إلى المنزل، فالتفتت إليها السيدة بابتسامة مشرقة:
– تستطيعين الذهاب الآن ريثما أنهي بعض الاجراءات..
لم تعرف سليمة في ذلك الوقت ما الذي دار في الداخل، ولم تكن تُدرك أنها لن تكون بحاجة لتنفيذ خطتها الانتقامية ممن تسبب في بيع سعيدة، غير أن ما حدث بعد ذلك أفهمها بأنه قد تم (بيعها) هي الأخرى!!
البؤساء.. كم هم جهلة هؤلاء الذين يظنون أنها مجرد اسم لرواية تصف حالة خاصة في فرنسا في عصر (فيكتور هوجو)..!!
أطلقت سورا تنهيدة طويلة وقد دمعت عيناها إثر تلك الذكرى المريرة في حياتها، فرغم أنها لم تكن تشعر بالانتماء لذلك البيت منذ وفاة والدتها، غير أن فكرة الاستغناء عنها بتلك البساطة سبب لها جرحا غائرا لا يندمل، بل ساهم في زرع المزيد من بذور الحقد في قلبها على هذا العالم..
وأفلتت ضحكة ساخرة من بين شفتيها:
**- يقولون اننا مسلمون.. وللفقراء حق في بيت المال وزكاة الاغنياء.. يا للسخف.. هراء فعلا..!
**
……
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم