محتوى المقالة

مقالة

احتفال الهلال الخاص

2023-03-17 - ضياء

عن القصة:

هل يمكن للشخصيات داخل أوراق المؤلفين أن تتحرر؟!!
موقف ظريف تعيشع فرح..
فما هو سر احتفال الهلال الخاص؟!

قصة قصيرة خفيفة لطيفة، تجمع بين الخيال و الكوميديا، في إطار تربوي ديني.

التصنيف: خيال/ كوميديا

أخذ يدور بالغرفة بتوتر، وهو يحدث نفسه:
– لماذا أفكاري دائما مكررة وسخيفة! متى سأصل لذلك المستوى الرائع، الذي يجعل الجماهير يتوسلون توقيعي!!! أريد قصة من تصنيف محترم.. وفخم!
وبإحباط شديد، ألقى نظرة سريعة على آخر قصة كتبها، لعله يجد فيها ما يرضي طموحه، كالغريق الذي يتشبث بالقشة، ولكن.. لا أمل!!
حدث نفسه بيأس:
– كلا.. ليس هذا ما أريده.. إنها مجرد قصة أطفال لا أكثر!!
وبغيظ وألم؛ كوّر الأوراق بين يديه بشدة، والقاها من الشباك..


**


كانت فرح -ذات السبعة أعوام- تبكي بشدة؛ عندما سقطت على رأسها كومة ورق مكوّرة، قبل أن تستقر على الرصيف، مما جعلها تجفل للحظة، فرفعت رأسها للأعلى، لترى من هو ذلك الذي تجرّأ على قطع بكاءها المقدس! غير أنها فوجئت بسماع صوت غريب قربها.. فتلفتت حولها باحثة عن مصدره؛ فإذا بالأوراق المتكورة تحاول الانبساط بشكل مريب لافت للنظر.. وما هي إلا لحظات معدودة، حتى قفز منها قزم صغير بملابس مزركشة بالأهلّة الصغيرة، وقبعة فضية لامعة على شكل هلال، وبعد أن نفض ملابسه، وعدّل هندامه، أخذ ينظر داخل الورق، وينادي:
– نجم.. هل تسمعني؟ ما الذي تفعله حتى الآن؟!!
فجاءه صوت ضعيف من الداخل:
– إنني أحاول يا هلال.. انتظر قليلاً..
فاستعجله هلال بنبرة لا تخلو من قلق:
– هيا بسرعة اخرج قبل أن تضيع مع عالم ذلك المؤلف، الذي لا يعرف قيمة الأشياء..
لكن نجم صرخ فجأة:
– ناولني يدك بسرعة يا صديقي، لقد علقت قدمي على ما يبدو..
وبكل ما أوتي هلال من قوة، أدخل يده داخل الورق، وشرع يجذب شيئاً ما بشدة، وهو يعض على اسنانه!!
بصعوبة شديدة.. تمكّن أخيرا من إخراج صديقه نجم من داخل الورق، ليقع الاثنان على الأرض وهما يلتقطان أنفاسهما اللاهثة بصعوبة.. لم يكن نجم يختلف كثيرا في مظهره عن هلال، غير أن ملابسه كانت مزركشة بالنجوم الصغيرة، وقبعته على شكل نجمة..
جلست فرح تتابع المشهد بدهشة، حتى نسيت أنها كانت تبكي!
وقبل أن يغيب القزمان عن ناظريها، لحقت بهما بفضول:
– لحظة من فضلكما.. من أنتما؟ وإلى أين انتما ذاهبان؟
فالتفت هلال نحوها، متسائلا:
– ألستِ أنت الفتاة التي كانت تبكي؟
فهزت فرح رأسها بخجل، والدموع تلتمع في عينيها:
– أجل!
فقال لها نجم:
– نحن لا نحب الأطفال المزعجين، فإذا لم يكن لديك سبب وجيه للبكاء فلن نجيب عن سؤالك..
شعرت فرح برغبة شديدة في البكاء من جديد، لكنها مسكت دموعها بصعوبة، لتقول:
– أمي لا تحبني وهي دائما تضربني بلا سبب، لذلك هربت من البيت..
فتبادل الصديقان نظرات ذات معنى، قبل أن يقول هلال:
– لا توجد أم تكره أطفالها وتضربهم بلا سبب، ولكن يبدو أن الشيطان هو من ضحك عليك وأخبرك بهذا..
فرددت فرح بتعجب:
– الشيطان!!! انا لم أقابل شيطانا من قبل!!
فقال لها نجم:
– إنه حولك دائما، ويخبرك بأشياء سيئة ومزعجة، ليجعلك تبكين..
فتلفتت فرح حولها بدهشة، قبل أن تقول:
– أين الشيطان؟ أنا لا أراه!!
فأجابها هلال موضحا:
– هذا لأنك بشريّة.. أما نحن فيمكننا رؤيتهم بسهولة.. ولكن يمكنك الشعور بهم، فإذا خطرت ببالك أفكار سيئة ومزعجة، فلا تصدقيها لأن الشيطان هو من يخبرك بها..
فقالت فرح بغضب:
– هل تعني أن الشيطان يريدني أن أبكي؟؟
فأومأ هلال ونجم برأسهما إيدابا، مما زاد غضب فرح، فقالت:
– أنا لا أحب الشيطان، ولا أريد أن اسمع كلامه، فماذا أفعل؟!
فتهلل وجه هلال، وقال مبتسما:
– أحسنت يا فرح، انت فتاة شجاعة حقا.. كل ما عليك فعله هو أن تستمعي لكلام أمك، ولا تسببي لها المتاعب في المنزل، وأيضا لا تفكري بالهرب مرة أخرى، فهذا يسعد الشيطان كثيراً، ويجعله يضحك بشدة..
فوعدتهما فرح بأن تكون عند حسن ظنهما، قائلة:
– الآن عرفت لماذا غضبت أمي، فلا شك أن الشيطان هو من أوقع الصحون من خزانة المطبخ، حتى تناثر زجاجها على الأرض، عندما صعدتُ فوق حوض غسل الأواني، لأبحث عن علبة الحلوى!
وأيضا تذكرت الآن.. لماذا بكى أخي الصغير، فالشيطان هو الذي قرصه عندما كنت أحاول الاعتناء به!
وأخذت فرح تتابع كلامها بحماسة منقطعة النظير:
– أجل اجل.. تذكرت أشياء كثيرة، لا بد أن الشيطان هو الذي فعلها.. فهو بلا شك من كسر مزهرية جدتي الأثرية عندما مررتُ قربها، وأوقع نظارة أبي على الأرض ليكسر عدستها عندما حملتها، وحطّم الطاولة عندما قفزتُ عليها، وعطّل الهاتف عندما حملته.. وأدخل عين أختي الرضيعة في يدي بينما كنت أراقبها!
وصمتت قليلا لتلتقط أنفاسها، قبل أن تقول:
– يجب أن أعود للبيت بسرعة، لأخبر أمي أن عليها ضرب الشيطان بدلاً مني، فهو سبب المشاكل..
غير أن هلال استوقفهما بتوسل، وهو يحاول تمالك نفسه حتى لا يُغمى عليه:
– لحظة يا فرح.. لحظة أرجوك.. هناك أمر هام يجب أن تفهميه جيدا..
وتابع نجم موضحاً:
– الشيطان ضعيف جداً، ولا يمكنه أن يقوم بكل تلك الأشياء الفظيعة وحده! هو فقط يشجعك على فعل ذلك، وأنت وحدك من قام بها بلا شك!!
ارتسمت الشكوك على وجه فرح، دون أن تحاول فهم ما يقولانه، فليس من السهل أن تتخلى عن فكرة وجود مخلوق آخر، يتحمل عنها مسؤولية تلك الأفعال!! ولكنها سرعان ما وجدت حل وسطي، فقالت بانفعال:
– اليس الشيطان هو من شجعني على تلك الأفعال السيئة كما تقولان؟ إذن يجب أن يأخذ عني نصف العقوبة على الأقل!! هذا ليس عدلاً!!
فطمأنها نجم باسماً:
– لا تقلقي.. فسيتم حبس الشياطين قريباً، عقابا لهم على أفعالهم السيئة طوال السنة!
فهتفت فرح بمرح وأخذت تقفز بسعادة مردد:
– رائع! رائع.. إنهم يستحقون ذلك.. أريد أن أراهم وهم محبوسون.. أريد أن أراهم.. شكلهم مضحك بلا شك..
لكنها استدركت بنبرة قلق عجيبة:
– ألن يكون هناك شياطين بعدها إلى الأبد؟!! ومن سيسبب المشاكل إذن؟؟!!!
فرد هلال بسخرية:
– لا تقلقي من هذه الناحية، ستكون هناك شياطين صغيرة مزعجة تتكفل بالمهمة، وحتى الشياطين الكبيرة لن يتم حبسهم أكثر من شهر، ثم سيستأنفون أعمالهم بعدها بسرعة!
أما نجم؛ فقد حاول أن يكون أكثر لطفا معها، قائلا:
– عليك أن تستثمري هذا الشهر في تقوية دفاعاتك، حتى تكوني مستعدة لمواجهة الشياطين بقوة بعد خروجهم من الحبس..
فقبضت فرح راحة يدها، وضمتها إلى صدرها بقوة:
– لن اسمح لهم بهزيمتي بعد الآن! فأنا أكره الاستسلام!!
ثم ابتسمت بمكر:
– إذا انتصرت عليهم فسأجعلهم يعملون تحت إمرتي..
وانفجرت ضاحكة بشكل هيستيري، فما كان من هلال إلأ أن التفت نحو نجم قائلاً:
– ماذا يا صديقي؟ هل سنتابع طريقنا ونكمل مهمتنا، أم سنعلق هنا للأبد؟!!
عندها تذكرت فرح أمرهما الغريب، فسألتهما بإلحاح:
– إلى أين انتما ذاهبان؟ لم تخبراني عنكما بعد؟!!
فأجابها نجم على أمل الإصلاح:
– نحن ذاهبون لمدينة السعادة، حيث يعيش الأقزام الطيبون، فعلينا أن نستقبل ذلك الشهر، الذي يحبس فيه الشياطين، بشكل لائق….
فما كان من فرح إلا أن توسلت إليهما بشدة:
– أرجوكما.. أريد أن اتي معكما وأراها ولو لمرة واحدة.. تبدو مدينة رائعة..
فأومأ هلال رأسه موافقاً:
– أجل.. إنها مدينة رائعة بالفعل، وتخلو من الأطفال المزعجين..
فأضاف نجم بسرعة:
– سنأخذك إليها إذا أحسنتِ التصرف، ووعدتِ بطاعة أمك وأباك..
فهتفت فرح وهي تقفز بحماسة:
– موافقة موافقة…
فقال لها نجم:
– تمسّكي بأيدينا وأغمضي عينيك..
وما أن نفّذت فرح ذلك الطلب؛ حتى شعرت بنسائم عليلة، ذات رائحة زكية تداعب وجنتيها، فيما تطاير شعرها خلفها، ولم تعد تشعر بالأرض تحت أقدامها.. وكأنها تطير!
وما هي إلا لحظات.. حتى قال نجم:
– لقد وصلنا.. يمكنك فتح عينيك الآن..
لم تصدق فرح عينيها في البداية، فأغلقتهما وفتحتهما تكرارا ومرارا حتى تأكدت مما تراه..
أكواخ جميلة مزركشة، أزهار متنوعة زاهية، أشجار خضراء مثمرة، وأنهار زرقاء صافية، وغيوم بيضاء قطنية، وشمس صفراء مشرقة، والأجمل من هذا كله.. قوس المطر بألوانه السبعة المجتمعة، والبالونات الملونة الطائرة..
فهتفت فرح بفرح:
– هذا رائع جدا.. مدينتكم رائعة.. لقد أحببتها!
فقال نجم:
– اليوم هو يوم الاستعداد لاحتفال الهلال الخاص، بمناسبة شهر حبس الشياطين..
فقالت فرح بحزن:
– ليتني أتمكن من البقاء هنا أكثر!
فرد عليها هلال:
– لا تقلقي.. يمكنك متابعة هذه الاحتفالات في منزلك ومع أهلك..
ووافقه نجم مؤكداً:
– هذا صحيح.. راقبي السماء هذه الليلة جيدا مع والديك وأسرتك، وإذا رأيتم الهلال، فاعلموا أن الشهر جاء..
بدى الرضا على وجه فرح، وشعرت بحماسة شديدة للعودة إلى منزلها وإخبار والديها بقصة احتفال الهلال، حتى يراقبوه معاً، فساعدها هلال ونجم على العودة بسرعة وهم يتمنون لها حياة هانئة سعيدة، بلا مشكلات..


**


وأنتم أصدقائي.. لا تنسوا مراقبة الهلال، فإذا رأيتموه؛ فاعلموا أن احتفالات الهلال الخاص قد بدأت بالفعل في مدينة السعادة، مع هلال ونجم.. وكل عام وأنتم بخير.. ????

***

(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) ) (البقرة)

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعا لما يحب ويرضى، فلا تنسونا من صالح دعائكم، ولكم بالمثل إن شاء الله ^_^

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

التعليقات

2

لترك تعليق، يرجى تسجيل الدخول.