تركته لأجلك! – الحلقة 38

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

قد تكون ثلاثة أشهر مدة قصيرة ليصدر أحكامه هكذا، لكنها كانت كفيلة بما يكفي لتعزيز مكانتها في قلبه.. كانت تساعده في ادخال البيانات الخاصة ببحثه، عوضا عن قيامها بطباعة التقارير له، لا سيما وأنها سريعة في ذلك اضافة الى لغتها الممتازة، بل انها أصبحت مُلمّة بشكل كبير بطبيعة تخصصه من كثرة حديثه عنه، ومع ذلك لم يذكر انها شاركته هما واحدا من همومها، حتى مجال الرسم الذي عرف من والدته عن موهبتها فيه، لم تخبره عنه مطلقا ولا عن هدفها بشأنه؛ إلا بعد أن أثار الموضوع معها.. يومها لحظ تعكر مزاجها لأول مرة، أو ربما خُيّل اليه ذلك، إذ سرعان ما أخبرته عن هدفها؛ لينسجما معا في حديث آخر عن نهضة الأمة وأهدافهما المشتركة بانشاء جيل صالح، كانت أقرب ما يكون للصديق منها للزوجة الحبيبة، وهذا أسعده كثيرا بداية، لكن الآن… أصبح يؤرقه ذلك إلى حد كبير!!
حتى أنه عندما اقترح عليها معاودة الرسم مرة أخرى في تلك المدينة، لم تكن لتبالي بإحضار لوحاتها للمنزل، هل تظنه حقا لا يهتم بها إلى هذه الدرجة!! ربما قد أدركت عدم اهتمامه بالفن، لكن هذا لا يعني انه لا يهتم برسمها هي شخصيا!!
ربما عليه توضيح هذه النقطة لها أكثر!
الهذه الدرجة يحبها! حتى مجال الرسم الذي لا باع له فيه ولا ذراع، ولا يذكر يوما انه فكر بتأمل لوحة عوضا عن رسمها، أصبح مهتما بمعرفة كل شيء عنه من أجلها!!
لقد علم بأنها توقفت عن الرسم لفترة لا بأس بها، أتراها عانت من أمر ما!!
لماذا راوده شعور بأن شرودها ذاك له علاقة بالفن!! إنها من النوع الكتوم جدا كما استنتج مؤخرا، فهل هي بحاجة لفنان مثلها ليفهمها؟؟
شعر بوخزة في صدره إثر تلك الخاطرة!! فصرفها عن رأسه بسرعة، مستعيذا بالله من شرها، فيكفيه أنه لم يستطع فعل أي شيء من قلقه عليها وتفكيره بها، عندما لم تُجِب على اتصاله بداية، بل وقد ازداد الطين بلة عندما اجابته بتلك اللهجة المصطنعة بعد ذلك، لقد شغلت عقله تماما ولم يستطع التفكير بأي شيء سواها في ذلك الوقت، وهو الذي ظن بأنه لا شيء يمكن أن يلهيهه عن عمله وبحثه، كان شغوفا بالقراءة وبالكاد يجد وقتا ليلتهم المزيد من المعلومات التي قد تساعده في بلورة فكرته البحثية، ومع ذلك لم يستطع التركيز في صفحة واحدة من انشغال عقله بها!!
لقد صدقت امه:
– لا تكن واثقا بنفسك كثيرا، فربما تجد نفسك مغرما بها أكثر من بحثك الذي تعشقه!
– اذا كان هذا ما ترينه فلا بأس! رغم انني لا أرغب بالاقدام على شيء يلهيني عن بحثي، فهدفي هو نهضة الأمة قبل أي شيء!
فما كان من امه إلا أن علقت بقولها:
– ما من إفراط إلا وسيعقبه تفريط، والقلوب بيد الله يقلبها كيفما يشاء..
وهاهو الآن يثبت ذلك عمليا!! وإلا.. فما هو التفسير المنطقي لتصرفه ذاك!!
صحيح أنها بجواره الآن، لكنه لم يستطع احتمال فكرة لامبالاتها به في ذلك الوقت، ما هو الشيء الذي يشغل تفكيرها! هل كان غضبه منها بسبب قلقه عليها، أم لأنه شعر بأنها لا تبادله ذلك الاهتمام أبدا!!
أحس برجفة خفيفة في جسده، فهو لا يريد أن ينقلب ذلك وبالا عليه، وهو الذي كان يعيب على المحبين تضييع مصالحهم! صحيح أنها زوجته، لكنها تشغل تفكيره بشكل كبير، أكبر مما يُفترض برأيه، الا يكفي في البيوت الاحترام والتفاهم، وهي لا تقصر في ذلك بشيء!! فما باله الآن يفكر في أمور كهذه لا تسمن ولا تغني من جوع! بالطبع لن يسألها ما إن كانت تحبه أم لا؛ فجوابها سيكون نعم بالتأكيد، يعرف طبيعتها جيدا، لكنه يود لو يشعر بذلك فقط!!
يارب سامحني لم أقصد أن أأذيها!!
وأخذ قلبه يدعو بخشوع وتضرع وانكسار شديد:
– يارب سامحني واغفرلي قسوتي معها، يارب لا تؤاخذني إن أخطأت وأعني على ضبط مشاعري بما يرضيك عني.. فأنت من مكّنت حبها من قلبي، وإني أسألك أن تجعله طريقا لرضاك عنا، وأعوذ بعظمتك من أن ينقلب وبالا علينا، اللهم أنت وحدك تعلم مقدار حبي لها، فلا تريني فيها مكروها أبدا، وارزقني منها ذرية صالحة تقر أعيننا، يارب احفظها لي في الدنيا واجمعني بها في الفردوس الأعلى، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، ويا مصرف القلوب اصرفها إلى طاعتك، يارب احفظ قلوبنا بتقواك وخشيتك، وأعنا على العمل معا لنهضة أمة حبيبك صلى الله عليه وسلم.. لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين..
كان عامر يجلس بهدوء وسكينة على كرسيه، وهو يضع رأسه بين ذراعيه المرتكزتين على الطاولة أمامه، عندما أحس بقدوم نور، فرفع رأسه لتقع عيناه عليها وهي تقف أمامه حاملة صحنا مجوفا، بابتسامة مرحة:
– هذه هي مفاجأتي الصغيرة لك..
فنظر إليها بتأمل، فيما تابعت هي بحماسة:
– الحلوى المثلجة بنكهة الليمون التي تحبها، لقد وجدتُ وصفتها أخيرا، وقمتُ بإعدادها لك بنفسي..
غير أن عامر استمر بالتحديق بها بنظرات أربكتها قليلا، فقالت له:
– هيا.. ألن تجربها؟
وبابتسامة هادئة نهض عامر من مكانه أخيرا، غير أنه بدلا من أن يتناول الصحن من يد نور كما توقعت، وضع يده على خدها الأيمن، مما جعلها تجفل لتلك الحركة غير المتوقعة، فأرخت رأسها، ليفاجئها بعد ذلك بتطويق خاصرتها بذراعه اليسرى، جاذبا إياها نحوه..
لم تعد نور ترى شيئا، فقد كان رأسها مستندا على صدره، فيما تسارعت نبضات قلبها وهي تستمع لحديث نبضاته، وتشعر بأنفاسه الدافئة على شعرها:
– قد أصبر على ابتعادك عني من أجل والديك، ففضلهما لا يمكنني إنكاره أو تجاهله، لكنني لن أحتمل أكثر من ذلك! لذا أرجوك.. لا تشعريني مرة أخرى بأن هناك ما هو أهم مني بالنسبة لك..
لم تصدق نور أن ما سمعته للتو كان صوت عامر، هل هي في حلم أم ماذا!! أهذا عامر حقا!! لم تتوقع أن تسمع منه ما سمعته وبتلك اللهجة المفعمة بعاطفة جياشة، قد تعجز هي نفسها عن امتلاكها!!
ماذا عليها أن تفعل في موقف كهذا!!
غير أنها انتبهت أخيرا للصحن الذي مال بين كفيها، لقد ذاب ما فيه من حرارة تلك المشاعر بلا شك..
– عامر.. لقد سُكِبَت الحلوى!!
فانتبه عامر وهو يبتعد عنها معتذرا:
– ناوليني الملعقة لو سمحت..
فنظرت اليه نور بتساؤل وهو ينحني على الأرض:
– ما الذي ستفعله؟ سأحضر لك صحن آخـر…
فقاطعها وهو يمسكها من يدها ليمنعها من الذهاب:
– سآكل هذه أولا، فقد صنعتِيها من أجلي ولن أترك منها شيئا للشيطان..
فاعترضت نور بقولها:
– ولكنها أصبحت شبه سائلة، وليست من الطعام الذي يمكنك النفخ عليه عندما يقع؟؟
غير أن عامر الذي هم بالفعل بتناول الحلوى من الأرض، فقد قال لها بثقة:
– ألم تنظفي البيت اليوم يا عزيزتي؟؟ ثم إنني لا أقوم بفعل ذلك نزولا عند حكم شرعي كما تظنين، فللمشاعر أحكام أيضا..
لم تجد نور ما ترد به عليه، وهي تتابعه بنظراتها وهو يسمى بالله شارعا بالأكل باستمتاع واضح، حتى رفع رأسه نحوها باسما:
– لذيذ جدا.. ألذ طبق حلوى آكله حتى هذه اللحظة.. جزاك الله خيرا وسلمت يداك..
فابتسمت نور بسعادة:
– الحمد لله أنه أعجبك، رغم أنني كنت أرغب بأن تأكله بشكل أفضل!!
فعلق عامر وهو يتابع الأكل بتلذذ:
– يكفيني أنك صنعتيه بيديك ومن أجلي..
فقالت نور:
– هذا من ذوقك بالطبع..
لكن عامر توقف فجأة، ورفع رأسه نحوها من جديد قبل أن يضيف:
– بل من حبي لك.. وما هذا إلا جزء يسير مما يكنه قلبي.. ولكن يبدو أن رجلا مثلي؛ عليه أن ينتظر طويلا حتى يحظى بجزء من هذه المشاعر منك!
لم تجد نور ما ترد به، وقد ألجمتها المفاجأة من طريقة تفكيره تلك، فتابع عامر كلامه بلهجة مرحة:
– لا أظن أن هناك أحد يمكن أن يتعرفك عن قرب؛ ثم لا تنفجر عواطفه بهذا الشكل!!
فلم تملك نور نفسها من إطلاق ضحكة لتلك الدعابة التي سمعتها:
– هذا ما يُخيّل إليك أنت فقط..
فرد عامر عليها بقوله :
– أرجو ذلك، فلا أظنني سأكون سعيدا لو حصل هذا مع أحد غيري..
وقبل أن يستطرد أكثر، خرجت نور من الصالة مستدركة:
– لم أشعل سخّان الماء للاستحمام بعد..
أخذ عامر يدق بالمعلقة على الأرض مفكرا، بعد أن أتقن أكل الحلوى بامتياز:
– أرجو أن لا تكون قد انزعجت من كلامي!!
إلا أنها عادت بسرعة، وهي تحمل منشفة صغيرة مبللة بالماء لتمسح الأرض، قائلة:
– هل أنت من أشعل السخّان؟ الماء ساخن، يمكنك أخذ حمام الآن فلا شك أنك متعب..
غير أن عامر أسرع بتناول المنشفة منها قائلا:
– لقد تعبتِ اليوم بالتنظيف يا نور، وجاء دوري الآن، خاصة وأنه كان خطئي..
فتظاهرت نور بالغضب وهي ترد عليه:
– وهل تعبيرك عن مشاعرك لي بتلك الطريقة يُعد خطئا!!
لم يبد على عامر أنه قد فهم ما قالته نور، فالتفت إليها متسائلا:
– هلا أعدتِ ما قلتيه رجاء؟
فاستغلت نور تلك الفرصة وشرعت بمسح الأرض قائلة:
– لقد قلت بأن ما فعلتَه لم يكن خطئا..
انتبه عامر لها بعد أن أنهت التنظيف، فأمسكها من يدها قبل أن تذهب:
– لقد ضحكتِ علي اذن، حسنا سأقوم أنا بإزالة البقع عن الملابس!!
فضحكت نور وهي تخلص يدها منه:
– لا تقلق بهذا الشأن، فأدوات التنظيف والغسّالة سيقومون بذلك على أكمل وجه، من الأفضل الآن أن تأخذ حماما ساخنا..
قالت جملتها وهي تهم بالخروج، غير أنه استوقفها بلهجة جادة:
– نور..
فالتفتت إليه بتساؤل، ليتابع قائلا:
– هل لي أن أطلب منك شيئا؟
فهزت نور رأسها إيجابا:
– بالطبع.. سأحاول فعل أي شيء على قدر استطاعتي إن شاء الله ، ماذا هناك؟
فتنهد عامر قبل أن يقول:
– هل يمكنك أن ترسمي لي لوحة؟؟
فنظرت اليه باستغراب، مما جعله يستدرك قائلا:
– لا أقصد لوحة شخصية، وانما لوحة..
وصمت قليلا قبل أن يتابع:
– …تصفين بها مشاعرك نحوي!!
حملقت فيه نور لوهلة غير مصدقة أذنيها، فسألها عامر:
– هل أزعجك طلبي؟
فهزت نور رأسها نفيا:
– لم أقصد ذلك.. ولكنني لم أكن أعلم أنك مهتم بالرسم وشاعري إلى هذه الدرجة!!
فنظر اليها بتأمل عميق:
– وهل يسوؤك هذا!!
ارتبكت نور لتلك الملاحظة واحمرت وجنتيها:
– لم أقصد هذا، كنت متفاجئة فقط!!
فما كان منه إلا أن اقترب منها، وضمها اليه بشدة:
– نور.. لا أعرف ما الذي فعلتيه حتى يضع الله لك كل هذا الحب في قلبي! قد لا تأخذين كلامي على محمل الجد، لكنني صدقا.. أحبك أكثر مما تتخيلين، حتى أنني لا أعرف أحيانا كيف أتصرف بهذا الحب!!

***
فتحت سوسن عينيها لتجد نفسها مستلقية على سريرها بملابس الخروج! كيف حدث هذا!! ما الذي فعلته آخر شيء؟ لقد أوصلها أيهم إلى المنزل بعد العشاء، ثم..
تنهدت سوسن وهي تسرترجع ذلك الموقف الذي تمنت لو أنه مجرد حلم لا أكثر، إلا أنه تمثل أمامها بوضوح، بما لا يدع مجالا للشك بكونه حقيقة لا مراء فيها..
كان سامر ينظر إليها بنظرات لا تجد لها سوى تفسير واحد، خاصة وهو يقدم لها تلك اللوحة بابتسامة لم تدع مجالا لشك في قلبها الذي تسارعت نبضاته:
– لقد أسميتها ” ملاك القلب ومالكته”..
لم تكد عيناها تقعان عليها، حتى شعرت بدوار حقيقي، وهي تجاهد لتكذيب ما تراه، ومن ثم لإنكار ما قد يُفهم من ذلك!!
– شكرا لأنكِ أريتني كيف يُرسم الجمال الحقيقي!!
كان الأمر أكثر من طاقتها فتصلّبت دون أدنى حركة من يدها، التي يفترض بها أن تتناول تلك اللوحة المقدّمة لها من سامر، حتى شفتيها انتقلت لهما عدوى التصلب المفاجئ.. لقد أصبحت أشبه ما تكون بمومياء شاحبة، لم تلبث أن فقدت توازنها!! غير أن أيهم الذي أسندها إلى صدره وهو يحيط خاصرتها بذراعه، أنقذها من السقوط المحتم في اللحظة المناسبة!!
ما الذي كانت ستفعله لو لم يأتِ أيهم!!
لقد تمكن بعدها من مداراة الموقف بدهاء، وهو يبتسم لسامر مبديا إعجابه الشديد برسمه:
– شكرا لك أستاذ سامر، بالتأكيد لن نجد أجمل من هذه اللوحة لنزين بها منزلنا أنا وسوسن!!
شعرت سوسن وقتها أنها في حلم، فقد كانت شبه غائبة عن الوعي من هول الصدمة، لم تتخيل أن ترى رسما لها بتلك الطريقة..
وردة حمراء قانية كبيرة، ألوانها أشبه بالدماء السائلة من قلب نابض، يخرج منها رسم تفصيلي يُظهر رأسها ورقبتها إلى منطقة الكتفين قريبا من الصدر بشكل عاري، فيما تطايرت خصلات من شعرها بشكل ساحر حول تاج برّاق زيّن شعرها، وكأنها حورية حسناء آية في الجمال خرجت من وردة لتتربع على عرش القلب!!
هل يُعقل أنه ظن بأنها ستسعد لذلك!! من الجيد أن أيهم أخذ اللوحة معه..
يجب أن تتخذ خطوة أكثر جرأة، لم يعد هناك مجال للتردد أكثر.. لقد بلغت الذروة في (التأذّي النفسي) ولا يمكنها احتمال المزيد، ومن دون أن تشعر؛ انهمرت الدموع غزيرة من عينيها رثاء لحالها البائس.. وأخذت تلك الكلمة ترن في أذنيها كدقات الساعة..
فلا يؤذًين.. فلا يؤذًين.. فلا يؤذًين.. فلا يؤذًين.. فلا يؤذًين.. فلا يؤذًين.. فلا يؤذًين..
غير أنها هبّت واقفة وقد تذكرت أنها نامت قبل أن تصلي العشاء، فأسرعت تنظر في ساعتها، لتتنفس الصعداء محدثة نفسها:
– الحمد لله لم يطلع الفجر بعد، ما زال أمامي ساعة ونصف على الأقل، يبدو أنني كنت متعبة جدا لأنام هكذا!! حتى أنني لم أغيّر ملابسي!!
وقبل أن تفكر بأي شيء آخر اغتسلت وصلت، وابتهلت الى الله أن يعينها على تحقيق ما تخطط له، لقد اتخذت قرارها أخيرا ولا مجال للتراجع الآن..

***

أخذت نور تمسد على شعر عامر بلطف وهي توقظه:
– السلام عليكم، سيرفع أذان الفجر بعد ربع ساعة، ألا تريد أن تصلي بي ركعتيـ…؟؟
لم تكد تتم جملتها حتى فتح عامر عينيه مرددا:
– الحمد لله الذي أحيانا بعد أن أماتنا وإليه النشور..
ثم نظر إلى المنشفة التي لفت بها شعرها المبلل متسائلا:
– ألم تنامي بعد؟؟
فأجابته نور بابتسامة رقيقة:
– لقد استيقظت قبلك بقليل فقط، فأخذتُ حماما سريعا أجدد به نشاطي، وتركت لك ماء ساخنا..
فابتسم عامر وهو يمط ذراعيه ليطرد عنه النعاس:
– جزاك الله خيرا..
وبسرعة تناول منشفته ودخل ليستحم، فيما أخذت نور تجفف شعرها، وكلمات عامر ليلة أمس ترن في أذنيها:
– لوحة تصفين بها مشاعرك نحوي…!
لم تفكر بهذا من قبل، لقد فاجأها جدا كلامه، ما هي مشاعرها تجاهه؟؟ لم تفكر بذلك من قبل بهذا الشكل! أخذت الأمور ببساطة، الزواج مودة وحب ورحمة وتفاهم وانسجام، وهما كذلك كما ترى بفضل الله، فهل يقصد عامر شيء آخر!! عندها عادت بذاكرتها لذلك اليوم الذي أخبرتها والدتها فيه عن الخطبة، عامر ضياء، لقد سمعت باسمه من قبل رغم انها لم ترى صورته، فهو معروف لكل مهتم بعالم الكاراتيه، بعد أن حاز على البطولة الوطنية، لم تتخيل أنه قريب منها لهذه الدرجة، كان هذا أكثر ما أثار حماستها نحو الخاطب الجديد بعد أن أخبرتها أمها عن خُلُقه ودينه، ورغم ذلك.. كان عليها أن تصارح نفسها بصدق، إذ كان طيف سامر يراودها بين الحين والآخر، رغم أنها تركت عالم الفن لأجله، حتى نسيت هدفها تماما بشأنه!! لم ترسم لوحة واحدة بعدها، فقد كان كل شيء يذكرها به وهي تريد أن تنسى، غير أن قدوم هذا الخاطب ذكرها به مرة أخرى، لا يمكنها قبول حياة جديدة وفي قلبها ذكرى قديمة، كان ذلك أقسى موقف مر عليها، فلم تجد سوى اللجوء إلى غرفتها، لتبكي فيها بحرقة وهي تسأل الله أن يعينها على تخطي تلك المرحلة.. الحب ليس كل شيء!
لم يكن هناك أدنى سبب لرفض عامر، وهكذا تم زواجهما وهي تشعر بأنها ارتبطت بصديقٍ متفهم، أكثر من كونه زوج، مما أشعرها بالكثير من الراحة! اهتماماتهما المشتركة في نهضة الأمة، وأبحاثه الطبية التي يسعى لانجازها؛ أثارت لديها حماسة كبيرة، فشاركته همه بكل اهتمام، خاصة وان ذلك تقاطع مع هدفها من دخولها قسم اللغة الانجليزية، لغة العلم والعصر، فرغم انها كانت من الفرع العلمي ولديها ميول لعلم الأحياء خاصة، إلا أنها بعد الاستخارة شعرت بتفضيلها لقسم اللغة الانجليزية، فبهذه الطريقة يمكنها تحقيق أهدافها الدعوية وحتى العلمية والبحثية بشكل أفضل، وها هي الأيام تزيدها قناعة بأن الله قد اختار لها الطريق الانسب لتحقيق هدفها، غير أنها لم تتوقع أن ارتباطها بعامر سيكون سببا أيضا بتخطي تلك الأزمة المهمة في حياتها..
كان ذلك عندما سألها لأول مرة عن اهتماماتها الفنية، لقد عرف عن موهبتها من أمه أوأمها بلا شك، فقد كان الفن كل اهتمامها قبل سنة ونصف من زواجهما، ورغم التوتر الذي أصابها من ذكر ذلك، إلا أنها حاولت تفادي الاشارة الى المعاناة التي تعرضت لها بسبب الفن، ومن لطف الله بها أنها نجحت في تدارك الموقف، بل وكان ذلك سببا في عودتها لعالم الفن من حيث لا تحتسب، لتنفض الغبار عن هدفها القديم..
ودمعت عيناها تأثّرا، يارب سبحانك ما أكرمك، أعطيتني أكثر مما سألت، ورزقتني أكثر مما تمنيت، فلك الحمد حتى ترضى ولك الحمد اذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا..
فيارب لا تحرمني بذنوبي فضلك، واحفظ زوجي عامر من كل مكروه وارزقنا الذرية الطيبة الصالحة، واجعلنا جميعا سببا في نهضة هذه الأمة ابتغاءً لمرضاتك، وقرة عين لحبيبك صلى الله عليه وسلم..
وإذ ذاك تذكرت صديقتها سوسن في دعائها:
– يارب اسعد قلبها وتول أمرها واكفها ما أهمها، يارب اصرف عنها شر كل ذي شر واحفظها بحفظك، واهدها لما فيه خير دينها ودنياها..
حتى انتبهت على صوت عامر، الذي ألقى عليها التحية بعد أن ارتدى ملابسه وجفف شعره ومشطه بسرعة:
– لم يبق سوى بضع دقائق لصلاة الفجر، هل أنت جاهزة؟
فنهضت نور وهي تربط شعرها إلى الخلف:
– أجل..
وارتدت ملابس الصلاة لتقف خلفه باتجاه القبلة، فيما كبر هو آمّا بها لصلاة ركعتي القيام..
لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يقومان فيها الليل جماعة، لكن وقعها على قلبها كان مختلفا.. خاصة وهي تستمع لترتيله لآيات من سورة الفرقان بصوته الرخيم:
– (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما)..

***

أرجع أيهم رأسه للخلف وهو يرتكز على مسند المقعد الخشبي الذي جلس عليه في الحديقة، لم يعد يطيق الانتظار أكثر، ستوشك الشمس على المغيب..
– ترى ما هي المفاجأة التي أعدتها لي سوسن!!
وترائى أمامه مشهد سامر وهو يتناول اللوحة منه، لا شك أنه متيّم…..
لكن حبل أفكاره قُطع فجأة، إثر شعوره بيدين ناعمتين، تُغمضان عينيه من الخلف، فأمسك بهما وضمهما إليه؛ قبل أن ينهض مستديرا نحوها بسرعة ليطبع قبلة على وجهها، غير أنه تراجع عدة خطوات إلى الوراء، حتى كاد أن يتعثر على الأرض:
– ما هذا!!!!!!!!!!!!!!!
 
………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
Tags: No tags

إضافة تعليق

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني *الحقول المشار لها بنجمة هي حقول إلزامية