نزلت نور من السيارة بعد أن أوقفها عامر أمام العمارة التي تقع بها شقتهم، وما أن همّت بمساعدته في حمل الحقائب، حتى أشار اليها بنبرة صارمة:
– دعيها لو سمحتِ واسبقيني الى الداخل..
نظرت اليه نور لوهلة بتعجب، مالذي أصابه! غير أنها اتجهت بهدوء نحو شقتها في الطابق الأرضي من العمارة، ومئات الأفكار تعتمل في رأسها؛ وهي تحاول ايجاد تفسير واحد لتصرفاته الغريبة تلك! آخر مرة حدثها فيها كان يبدو طبيعيا جدا، رغم انها لا تذكر تماما ما الذي دار بينهما من حديث، فقد كان فكرها مشغولا وقتها، بعد ذلك هرعت لمنزلها وشرعت بتنظيفه ونفض الغبار المتكوّم بشكل طبيعي في أي منزل هجره أصحابه لمدة شهر! فمنذ أن عادت لرؤية أمها لم تأتِ ولا مرة واحدة لمنزلها، والذي كانت قد تركته قبل ذلك عندما سافرت مع زوجها للمدينة الأخرى (مدينة سوسن كما يحلو لها أن تسميها أحيانا!!).. حاولت انجاز العمل بسرعة قبل أن تستحم وتذهب لمنزل والديّ عامر، حيث أنه من الطبيعي أن يأتي لزيارتهم أولا فور عودته للمدينة.. ساعدت والدته في اعداد مائدة الطعام، رغم أنها كانت ترغب باستقباله في المطار لا سيما وأن أخاها عرض عليها فكرة التوصيل بسيارته، إلا أن عامر أصر على المجيء بنفسه، خاصة وأنه يرغب باستئجار سيارة من هناك لتبقى معه خلال الفترة الحالية..
لا بأس هو حر فيما يفعله..
تنهدت نور وهي تسترسل بأفكارها حول ما حدث بعد ذلك..
بدت الأمور طبيعية جدا منذ وصوله منزل والديه بعد المغرب، حيث تناول الطعام وتبادل معهم أطراف الحديث بمرح كالعادة، لم يكن هناك أي شيء يثير الريبة أبدا!! غير أنه بمجرد ركوبهما السيارة، تغيّر فجأة وبشكل غريب!! بدا وجهه متجهما وهو يدخل كهف الصمت المخيف، متجاهلا وجودها تماما!! حتى عندما حاولت سؤاله؛ لم يُجِبها ولو بحرفٍ واحدة!!
استعاذت نور بالله من الشيطان الرجيم من تلك الوساوس التي بدأت تراودها، ورددت دعاء دخول المنزل، محاولة طمأنة نفسها..
حسنا ما تزال هناك أمور لا تعرفها عن شخصيته، فلم يمض على زواجهما سوى ثلاثة أشهر، وقد يكون هذا أمرا طبيعيا بالنسبة له.. لا شك أنه متعب ويحتاج للراحة، خاصة وأنه تولى مهمة إخلاء شقتهما المستأجرة في تلك المدينة وحده، إذ لن يعودوا إليها مجددا..
وأخذت تحدث نفسها بثقة:
– ربما هذا كل ما في الأمر ثم تعود الأمور إلى مجاريها بالتأكيد.. كل شيء سيكون على ما يرام.. إهدئي فقط يا نور واستعيني بالله..
وابتسمت لنفسها برضا، وهي تستنشق الرائحة المنعشة التي عطّرت بها المنزل، كل شيء يبدو لامعا وبراقا، ولا شك أن هذا الجو المريح سيعدّل مزاج عامر بالتأكيد..
غير أن نبرة صوته وهو يلقي عليها السلام عندما دخل المنزل، أثارت مخاوفها من جديد، رمقته بقلق وهو يُدخل الحقائب بصمت، فحاولت كسر ذلك الحاجز المفاجئ بينهما:
– جزاك الله خيرا، لقد أنرتَ البيت بعودتك..
ولدهشتها الشديدة أجابها بلهجة جافة، دون أن يكلّف نفسه عناء النظر اليها:
– شكرا..
لم يعد مجالا للشك، هناك خطب ما بالتأكيد!
وقبل أن تجد طريقة مناسبة لمعرفة ما يحدث، خاصة وهو يصر على تجاهلها بهذا الشكل المريب؛ اختفى في غرفة النوم ليتركها شاردة في صالة المعيشة، تؤنس الحقائب بأفكارها المتلاحقة..!
هل حدث معه شيء في رحلته! هل قابل أحدا!! هل سمع شيئا؟؟ هل….!!
وبدأت نبضات قلبها تتسارع، هل يُعقل أنه….
وقبل أن تكتمل الفكرة في ذهنها، فوجئت بسماع صوته:
– اذهبي وارتدي زيك الخاص بسرعة، سأنتظرك في صالة الاستقبال.. لا تتأخرى!
فحملقت فيه بدهشة وهي تتأمله برداء الكاراتيه خاصته، وقد ربط حزامه الاسود من الدرجة التاسعة (دان 9)، حول خاصرته بإحكام! وأمام تصلّبها؛ كرر كلامه بلهجة حادة وهو يعطيها ظهره متجها نحو الصالة:
– قلت لك اسرعي!!
عندها شعرت نور ببعض الغيظ من تصرفه، من يظن نفسه ليملي عليها الأوامر بهذه الطريقة الفوقية الفظّة! أهذا هو خُلق الرجل المسلم!!!
لكنها أقنعت نفسها أخيرا بأنه يمر بحالة طارئة، ولا داعي لإثارة المزيد من المشاكل بسبب ذلك، فاتجهت نحو خزانتها باستسلام وارتدت زيها هي الأخرى، ثم ربطت شعرها على شكل ذيل حصان، دون أن تمنع نفسها من التفكير بدافع عامر هذه المرة، والذي يبدو مختلفا تماما عن أول مباراة دارت بينهما..
كان ذلك في الأسبوع الثالث من زواجهما، بعد أن أخبرها عن رغبته في رؤية مهاراتها القتالية! لا زالت ابتسامته منطبعة في ذاكرتها عندما قال لها:
– أريد التأكد بنفسي من كفاءة فتاة حاصلة على الحزام الأسود!
عندها أخذتها الحمية، وشعرت بمسؤولية كبيرة تجاه ما هي مقدمة عليه، فأجابته بتحد واضح:
– إياك والاستخفاف بنا، سأنازلك بقوة من أجل (فتيات الكاراتيه) قاطبة، فلا تتهاون معي أبدا!
فما كان منه إلا أن أطلق ضحكة مرحة:
– حسنا هيا أريني ما لديك، ابدئي أنت الهجوم، وإن تمكنتِ من لمس رقبتي فسأعترف بك رسميا!
يومها بذلت جهدا كبيرا، لم ترضى بالهزيمة او الاستسلام، فرغم أنه الحائز على المركز الأول في البطولة الوطنية للكاراتيه، إلا أن لمس رقبته لا شيء يُذكر أمام مهاراتها الخاصة! هذا ما كانت تظنه!! وبإصرار شديد تابعت هجماتها، خاصة وأن شعورها بقلقه عليها، وخوفه من أذيتها قد أعطاها فُرُصا أكبر للفوز! صحيح أنها كانت ترغب باختبار مقدرتها الحقيقية، إلا أنها لم تستطع إنكار سعادتها باهتمامه.. أما اليوم.. فالوضع يبدو مختلفا بشكل كبير!!
لكنها طمأنت نفسها، على الأقل ما دام قد طلب منها ارتداء الزي، فهذا يعني أنهما سيخوضان مباراة ودية لا أكثر! فلو أنه ينوي ايذاءها لفعل ذلك مباشرة!!
أم أنه يحاول التغطية على أذيته لها مثلا!!
أرعبتها هذه الفكرة قليلا، لكنها سرعان ما طردتها من رأسها، فهو رجل يخاف الله قبل كل شيء!!
هذا ما أقنعت نفسها به أخيرا وهي تدخل إلى صالة الاستقبال، حيث وجدته بانتظارها بعد أن أخرج كل ما من شأنه أن يعيق نزالهما من الغرفة، مما أشعرها برهبة حقيقية، وكأنها تدلف إلى حلبة ملاكمة لتواجه مصارع غامض لا تعرف عنه شيئا!!
– تأخرتِ كثيرا..
قال جملته باقتضاب ووقف في مواجهتها علامة الاستعداد!
لأول مرة شعرت برعب حقيقي من نظراته، حتى أنها شكّت بكونه زوجها عامر الذي تعرفه، فاتخذت وضعية الاستعداد بسرعة؛ ليعاجلها بهجمته الأولى المفاجئة، والتي تمكنت من تفاديها في اللحظة الأخيرة!! لقد بدأ النزال بالفعل، وبجدية تامة!!!
***
شعرت سوسن بصداع في رأسها فاستأذنت من والديها على مائدة العشاء لتعود الى غرفتها، فيما نظرت اليها امها بقلق:
– تحتاجين لراحة حقيقية بعد هذا المعرض، لقد أجهدتِ نفسك كثيرا يا ابنتي..
وعقّب والدها:
– سمعت ان أداءك كان رائعا، كان بودي الحضور، لكنك تعرفين؛ فهذه الأيام حاسمة بالنسبة لي، أنت تقدرين ذلك بلا شك!
فابتسمت سوسن:
– بالتأكيد يا أبي، أتمنى لك التوفيق في حملتك الانتخابية المقبلة..
فاستدركت أمها قائلة:
– من الجيد أنك ذكّرتني، إذ لم أجد الوقت لاخبارك من قبل، غدا سأرافق والدك في رحلة خارج المدينة من أجل المؤتمر الصحفي، اعتني بنفسك جيدا في غيابي، لقد أوصيتُ بهجة بك، فأظنها أكثر من يفهمك في هذا المنزل..
لم يخف على سوسن نبرة اللوم في كلام والدتها، فأرخت عينيها، وهي تتمنى أن لا تكون العلاقة التي توطدت بينها وبين بهجة مؤخرا، قد أثارت حفيظة والديها، واكتفت بقولها:
– اطمئني يا أمي سأكون بخير..
وبصعوبة استطاعت الصعود إلى غرفتها، وهي تحاول أن لا تبدي لوالديها مدى انهاكها، شعرت بأنها ستستقط على الدرج لكنها تماسكت، حتى اذا ما وصلت غرفتها، رمت بجسدها على السرير بإعياء شديد..
كان يوما عصيبا!!
هذا ما استقر في ذهن سوسن كأفضل وصفٍ لهذا اليوم!! لم تستطع تصديق ما سمعته، ولا ما شاهدته! لقد كانت مزحة بالتأكيد!! أهذا ما عنته نور بتحذيرها يا ترى؟؟
حاولت أن تمد يدها نحو هاتفها لتحادث نور، لكن الارهاق سبقها وقد أخذ منها كل مأخذ، فلم تنتبه لنفسها وهي تغط بنوم عميق..
– دعيها لو سمحتِ واسبقيني الى الداخل..
نظرت اليه نور لوهلة بتعجب، مالذي أصابه! غير أنها اتجهت بهدوء نحو شقتها في الطابق الأرضي من العمارة، ومئات الأفكار تعتمل في رأسها؛ وهي تحاول ايجاد تفسير واحد لتصرفاته الغريبة تلك! آخر مرة حدثها فيها كان يبدو طبيعيا جدا، رغم انها لا تذكر تماما ما الذي دار بينهما من حديث، فقد كان فكرها مشغولا وقتها، بعد ذلك هرعت لمنزلها وشرعت بتنظيفه ونفض الغبار المتكوّم بشكل طبيعي في أي منزل هجره أصحابه لمدة شهر! فمنذ أن عادت لرؤية أمها لم تأتِ ولا مرة واحدة لمنزلها، والذي كانت قد تركته قبل ذلك عندما سافرت مع زوجها للمدينة الأخرى (مدينة سوسن كما يحلو لها أن تسميها أحيانا!!).. حاولت انجاز العمل بسرعة قبل أن تستحم وتذهب لمنزل والديّ عامر، حيث أنه من الطبيعي أن يأتي لزيارتهم أولا فور عودته للمدينة.. ساعدت والدته في اعداد مائدة الطعام، رغم أنها كانت ترغب باستقباله في المطار لا سيما وأن أخاها عرض عليها فكرة التوصيل بسيارته، إلا أن عامر أصر على المجيء بنفسه، خاصة وأنه يرغب باستئجار سيارة من هناك لتبقى معه خلال الفترة الحالية..
لا بأس هو حر فيما يفعله..
تنهدت نور وهي تسترسل بأفكارها حول ما حدث بعد ذلك..
بدت الأمور طبيعية جدا منذ وصوله منزل والديه بعد المغرب، حيث تناول الطعام وتبادل معهم أطراف الحديث بمرح كالعادة، لم يكن هناك أي شيء يثير الريبة أبدا!! غير أنه بمجرد ركوبهما السيارة، تغيّر فجأة وبشكل غريب!! بدا وجهه متجهما وهو يدخل كهف الصمت المخيف، متجاهلا وجودها تماما!! حتى عندما حاولت سؤاله؛ لم يُجِبها ولو بحرفٍ واحدة!!
استعاذت نور بالله من الشيطان الرجيم من تلك الوساوس التي بدأت تراودها، ورددت دعاء دخول المنزل، محاولة طمأنة نفسها..
حسنا ما تزال هناك أمور لا تعرفها عن شخصيته، فلم يمض على زواجهما سوى ثلاثة أشهر، وقد يكون هذا أمرا طبيعيا بالنسبة له.. لا شك أنه متعب ويحتاج للراحة، خاصة وأنه تولى مهمة إخلاء شقتهما المستأجرة في تلك المدينة وحده، إذ لن يعودوا إليها مجددا..
وأخذت تحدث نفسها بثقة:
– ربما هذا كل ما في الأمر ثم تعود الأمور إلى مجاريها بالتأكيد.. كل شيء سيكون على ما يرام.. إهدئي فقط يا نور واستعيني بالله..
وابتسمت لنفسها برضا، وهي تستنشق الرائحة المنعشة التي عطّرت بها المنزل، كل شيء يبدو لامعا وبراقا، ولا شك أن هذا الجو المريح سيعدّل مزاج عامر بالتأكيد..
غير أن نبرة صوته وهو يلقي عليها السلام عندما دخل المنزل، أثارت مخاوفها من جديد، رمقته بقلق وهو يُدخل الحقائب بصمت، فحاولت كسر ذلك الحاجز المفاجئ بينهما:
– جزاك الله خيرا، لقد أنرتَ البيت بعودتك..
ولدهشتها الشديدة أجابها بلهجة جافة، دون أن يكلّف نفسه عناء النظر اليها:
– شكرا..
لم يعد مجالا للشك، هناك خطب ما بالتأكيد!
وقبل أن تجد طريقة مناسبة لمعرفة ما يحدث، خاصة وهو يصر على تجاهلها بهذا الشكل المريب؛ اختفى في غرفة النوم ليتركها شاردة في صالة المعيشة، تؤنس الحقائب بأفكارها المتلاحقة..!
هل حدث معه شيء في رحلته! هل قابل أحدا!! هل سمع شيئا؟؟ هل….!!
وبدأت نبضات قلبها تتسارع، هل يُعقل أنه….
وقبل أن تكتمل الفكرة في ذهنها، فوجئت بسماع صوته:
– اذهبي وارتدي زيك الخاص بسرعة، سأنتظرك في صالة الاستقبال.. لا تتأخرى!
فحملقت فيه بدهشة وهي تتأمله برداء الكاراتيه خاصته، وقد ربط حزامه الاسود من الدرجة التاسعة (دان 9)، حول خاصرته بإحكام! وأمام تصلّبها؛ كرر كلامه بلهجة حادة وهو يعطيها ظهره متجها نحو الصالة:
– قلت لك اسرعي!!
عندها شعرت نور ببعض الغيظ من تصرفه، من يظن نفسه ليملي عليها الأوامر بهذه الطريقة الفوقية الفظّة! أهذا هو خُلق الرجل المسلم!!!
لكنها أقنعت نفسها أخيرا بأنه يمر بحالة طارئة، ولا داعي لإثارة المزيد من المشاكل بسبب ذلك، فاتجهت نحو خزانتها باستسلام وارتدت زيها هي الأخرى، ثم ربطت شعرها على شكل ذيل حصان، دون أن تمنع نفسها من التفكير بدافع عامر هذه المرة، والذي يبدو مختلفا تماما عن أول مباراة دارت بينهما..
كان ذلك في الأسبوع الثالث من زواجهما، بعد أن أخبرها عن رغبته في رؤية مهاراتها القتالية! لا زالت ابتسامته منطبعة في ذاكرتها عندما قال لها:
– أريد التأكد بنفسي من كفاءة فتاة حاصلة على الحزام الأسود!
عندها أخذتها الحمية، وشعرت بمسؤولية كبيرة تجاه ما هي مقدمة عليه، فأجابته بتحد واضح:
– إياك والاستخفاف بنا، سأنازلك بقوة من أجل (فتيات الكاراتيه) قاطبة، فلا تتهاون معي أبدا!
فما كان منه إلا أن أطلق ضحكة مرحة:
– حسنا هيا أريني ما لديك، ابدئي أنت الهجوم، وإن تمكنتِ من لمس رقبتي فسأعترف بك رسميا!
يومها بذلت جهدا كبيرا، لم ترضى بالهزيمة او الاستسلام، فرغم أنه الحائز على المركز الأول في البطولة الوطنية للكاراتيه، إلا أن لمس رقبته لا شيء يُذكر أمام مهاراتها الخاصة! هذا ما كانت تظنه!! وبإصرار شديد تابعت هجماتها، خاصة وأن شعورها بقلقه عليها، وخوفه من أذيتها قد أعطاها فُرُصا أكبر للفوز! صحيح أنها كانت ترغب باختبار مقدرتها الحقيقية، إلا أنها لم تستطع إنكار سعادتها باهتمامه.. أما اليوم.. فالوضع يبدو مختلفا بشكل كبير!!
لكنها طمأنت نفسها، على الأقل ما دام قد طلب منها ارتداء الزي، فهذا يعني أنهما سيخوضان مباراة ودية لا أكثر! فلو أنه ينوي ايذاءها لفعل ذلك مباشرة!!
أم أنه يحاول التغطية على أذيته لها مثلا!!
أرعبتها هذه الفكرة قليلا، لكنها سرعان ما طردتها من رأسها، فهو رجل يخاف الله قبل كل شيء!!
هذا ما أقنعت نفسها به أخيرا وهي تدخل إلى صالة الاستقبال، حيث وجدته بانتظارها بعد أن أخرج كل ما من شأنه أن يعيق نزالهما من الغرفة، مما أشعرها برهبة حقيقية، وكأنها تدلف إلى حلبة ملاكمة لتواجه مصارع غامض لا تعرف عنه شيئا!!
– تأخرتِ كثيرا..
قال جملته باقتضاب ووقف في مواجهتها علامة الاستعداد!
لأول مرة شعرت برعب حقيقي من نظراته، حتى أنها شكّت بكونه زوجها عامر الذي تعرفه، فاتخذت وضعية الاستعداد بسرعة؛ ليعاجلها بهجمته الأولى المفاجئة، والتي تمكنت من تفاديها في اللحظة الأخيرة!! لقد بدأ النزال بالفعل، وبجدية تامة!!!
***
شعرت سوسن بصداع في رأسها فاستأذنت من والديها على مائدة العشاء لتعود الى غرفتها، فيما نظرت اليها امها بقلق:
– تحتاجين لراحة حقيقية بعد هذا المعرض، لقد أجهدتِ نفسك كثيرا يا ابنتي..
وعقّب والدها:
– سمعت ان أداءك كان رائعا، كان بودي الحضور، لكنك تعرفين؛ فهذه الأيام حاسمة بالنسبة لي، أنت تقدرين ذلك بلا شك!
فابتسمت سوسن:
– بالتأكيد يا أبي، أتمنى لك التوفيق في حملتك الانتخابية المقبلة..
فاستدركت أمها قائلة:
– من الجيد أنك ذكّرتني، إذ لم أجد الوقت لاخبارك من قبل، غدا سأرافق والدك في رحلة خارج المدينة من أجل المؤتمر الصحفي، اعتني بنفسك جيدا في غيابي، لقد أوصيتُ بهجة بك، فأظنها أكثر من يفهمك في هذا المنزل..
لم يخف على سوسن نبرة اللوم في كلام والدتها، فأرخت عينيها، وهي تتمنى أن لا تكون العلاقة التي توطدت بينها وبين بهجة مؤخرا، قد أثارت حفيظة والديها، واكتفت بقولها:
– اطمئني يا أمي سأكون بخير..
وبصعوبة استطاعت الصعود إلى غرفتها، وهي تحاول أن لا تبدي لوالديها مدى انهاكها، شعرت بأنها ستستقط على الدرج لكنها تماسكت، حتى اذا ما وصلت غرفتها، رمت بجسدها على السرير بإعياء شديد..
كان يوما عصيبا!!
هذا ما استقر في ذهن سوسن كأفضل وصفٍ لهذا اليوم!! لم تستطع تصديق ما سمعته، ولا ما شاهدته! لقد كانت مزحة بالتأكيد!! أهذا ما عنته نور بتحذيرها يا ترى؟؟
حاولت أن تمد يدها نحو هاتفها لتحادث نور، لكن الارهاق سبقها وقد أخذ منها كل مأخذ، فلم تنتبه لنفسها وهي تغط بنوم عميق..
………
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
إضافة تعليق