Please or التسجيل to create posts and topics.

الأساور الذهبية!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف حالكم جميعا؟ ^^
بما انني اليوم قمت بما يشبه حملة على هذا القسم القصصي، وإمطاره بوابل من قصصي السابقة، والحمد لله؛ بقيت أمامي قصة خاصة جدة، لم انشرها إلا عبر مجموعة مغلقة؛ وقد شعرت اليوم أنه آن أوان نشرها عبر هذا المنتدى!^^

علما بأنني بدأت نشر حلقاتها أول مرة من يوم 11 اغسطس 2020م، وحتى يوم 15 اغسطس 2020م، لتأتي في مجموع أربع حلقات، وسأنقلها لكم هنا كما نشرتها أول مرة...
بسم الله..

***

تمهيد:

سأضع بين أيديكم هذه الحادثة بكلماتها المفتاحية (فتنة، ثقة، سرقة، صدمة، وعد..)
والتي سأحاول رصدها بدقة قدر الاستطاعة في قالب قصصي، فقد مرت عليها سنوات عديدة، ولكن أثرها لا يزال عالقا بذاكرتي... كيف لا؛ وهي تمس "ذكريات ذهبية" يصعب نسيانها!
فهل أنتم مستعدون؟؟ ^^
لننطلق..
3
2
1
0
**
رغم أنه من الصعب تحديد نقطة البداية، لكنني قررت أن أبدأها من البداية!^^
قبل سفري للالتحاق بالجامعة، البستني أمي أساور ذهبية، كانت لها من جدتي رحمها الله، وأوصتني بها كنوع من الاحتياط، لتكون أشبه بالخزينة الاحتياطية، فيما لو انقطعت بي السبل!
ومرت سنة تلو الأخرى، وهذه الأساور لم تفارقني اطلاقا، حتى أصبحت جزء
لا يتجزأ من جسدي!
حتى جاء ذلك اليوم..
بعد نهاية إحدى المحاضرات في القسم، قالت لي إحدى صديقاتي ناصحة:
- الا تلاحظين أنك ملفتة جدا بأساورك هذه! صوت خشخشتها في يدك، وخلال حركتك وخروجك ودخولك، وإجاباتك وتفاعلك مع الجميع! إنها أشبه بالفتنة!! ما الفرق بينها وبين الخلخال المنهي عن لبسه؟؟
كان كلامها أكثر من صفعة حقيقية أصابتني بصدمة قوية، كادت أن تفقدني صوابي!!!
انا اسبب فتنة!!!!!!!!!!!!
هذا آخر شيء أفكر فيه أو يخطر ببالي أو أريده! مستحيل!! أن تنشق الأرض وتبتلعني أهون من هذا!
___
فاصل:
إذا رأى أي واحد منكم فتاة أو شابة أو سيدة ترتدي أساور ذهبية أو أي نوع من الحلي والمجوهرات، فليس بالضرورة أنها تلفت الانتباه أو أنها ثرية وتتباهى بثرائها مثلا... قد يكون الأمر بريئا جدا!
لذلك حسن الظن واجب^^
عدنا
____
بعد كلام تلك الصديقة الصادم؛ شعرت بأزمة نفسية شديدة وقتها، ماذا علي أن أفعل؟؟
هذه الأساور ليست للفتنة إطلاقا! إنها وصية وذكرى وقيمتها كبيرة.. لقد أصبحت جزء مني!
وبعد صراعات نفسية مريرة، قررتُ خلعها احتسابا!
كل شيء إلا الفتنة!!!!
ونعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن!
وهكذا.. وضعتها في حقيبة صغيرة أحتفظ بها بأغراضي الثمينة، في خزانتي.. في غرفتي.. في السكن الداخلي التابع للجامعة.. وكان هذا أول فراق بيني وبين الأساور الذهبية!!
ومرت الأيام... واعتدت على حياتي الجديدة بدون الأساور الذهبية، التي لازمتني فترة طويلة، حتى كدت أنساها!!
وذات يوم، وبينما كنت متغيبة عن إحدى المحاضرات بسبب مرض ألمّ بي، دقت على باب الغرفة إحدى الفتيات- من عادتي أن أترك الباب مفتوحا- فرفعت صوتي:
- تفضلي..
فإذا بها "هادية" - هذا الاسم غير حقيقي.. وبقية القصة حقيقية- وهي إحدى الفتيات اللاتي يصغرنني بالسن في السكن، وكانت تقيم في الغرفة المقابلة لغرفتي..
وحتى تتخيلوا المشهد، إليكم وصف السكن..
السكن الداخلي يتكون من ثلاثة أجنحة كبيرة، في كل جناح ثلاثة طوابق، في كل طابق عشرين غرفة تقريبا، والطابق عبارة عن ممر طويل والغرف عن يمينه ويساره، وهناك قسم للمرافق العامة المشتركة..
المهم أن "هادية" كانت تقيم في الغرفة المقابلة لغرفتي، وهي فتاة ذات روح مرحة وظريفة، ولطالما قضينا أوقاتا جميلة معا مع بقية الفتيات في السكن!
بالطبع كنت أعتب عليها كثرة اللهو، واعتبرها زعيمة الشلة المشاغبة، ومع ذلك كنا أشبه بالأصدقاء..
المهم.. بعد أن تفضلت إلى غرفتي وأنا في السرير، سألتني بلهفة وقلق:
- خير إن شاء الله؟ هل أخبر المشرفة وأطلب لك سيارة الاسعاف؟ ماذا يمكنني أن أفعل لأجلك؟
طمأنتها بأنني سأتحسن لوحدي.. فهو مرض خفيف أخذت لأجله استراحة من المحاضرات، وبإذن الله اتحسن بسرعة!
ثم سألتها بدوري إذا كانت تريد شيئا، فأجابتني بعد تردد:
- في الحقيقة هناك طلب صغير، أريد شراء علبة دواء (أظن قطرات لعينها أو شيء كهذا)، ولكن أبي تأخّر عليه بالمصروف، فهل ممكن أستدين منك ثمن الدواء لآخر الشهر؟
أجبتها بكل ثقة:
- بالطبع.. هذا أقل الواجب..
ثم أشرتُ إلى الخزانة قائلة:
- اعذريني، لا استطيع القيام من السرير الآن، لذا لو سمحت ناوليني تلك الحقيبة من الرف السفلي..
وبالفعل، ذهبت هادية وفتحت الخزانة وناولتني الحقيبة، فأخرجتُ محفظتي وناولتها المبلغ الذي طلبته (ولم يكن مبلغا كبيرا على أية حال!)، ثم بعد ذلك طلبتُ منها أن تعيد الحقيبة مكانها، بعد أن شكرتني بشدة وعرضت علي كامل خدماتها لحالتي الصحية، بما في ذلك توفير وجبة ساخنة لي..
(وطبعا جميع من في السكن يعلمون بأنني لا أطبخ واعيش على الوجبات الجاهزة أو ما يرسله لي أقاربي وصديقاتي، أو إذا قامت الفتيات بمشاركتي طبخهن، في حين يسعدني أن أقوم بغسل الأواني بكل سرور ^^)
المهم..
مرت الأيام بعدها، وكل شيء بدا على ما يرام..
وذات يوم..
وبينما كنت أتفقد حقيبتي الصغيرة، افتقدت الأساور الذهبية!!!
اساوري الذهبية الثمينة اختفت وكأنها تبخرت!!!!
وليس هذا وحسب..
بل اختفت معها سلسلة ذهبية كنت اضع فيها (تعليقات) ذهبية وصلتني كهدايا متفرقة، واحدة ذكرى من جدتي، واحدة من معلمتي، الأخرى من صديقتي...الخ
لم أصدق عيناي في البداية! هذا مستحيل!!! كيف تبخرت هذه الاشياء!
بحثت مرة اخرى ونفضت الحقيبة رأسا على عقب، بحثت في كل أرجاء الخزانة.. شعرت بأن الدنيا تدور بي!!
مستحيل!!
يارب.. ماذا أفعل!!
لم يخطر ببالي ولا لحظة أنها قد تكون سرقت!
أكيد هي ضائعة في مكان ما..
كل الاحتمالات فكرت بها إلا موضوع السرقة! فمن هذا الذي سيسرقني؟؟؟
مر يوم يومان وأنا في حالة لا يعلم بها إلا الله!
تحدثت مع إحدى الأخوات المقربات أنني افتقدت اساوري.. فتفاجأت بأنها هي الأخرى افتقدت بعض أشيائها، بل وأن هناك عدد من الفتيات اشتكين من حوادث سرقة! حتى هادية قالت بأنه سرق منها أشياء!
من يمكنه أن يفعل هذا!!
الاتهام بحد ذاته قد يكون أسوأ من السرقة في بعض الأحيان!!
لا يمكنني اتهام صديقاتي.. لا يمكنني اتهام أي أحد.. ولا حتى العاملة المسؤولة عن تنظيف المرافق!
لن أطيل عليكم، ولكنها كانت من أصعب اللحظات في حياتي!
وبدأت الاتهامات بين الفتيات تزداد والكل يحذر الكل من الكل!
دعوت الله كثيرا بأن يفرج همي..
حتى رأيت حلما عجيبا.. وقد تكون رؤيا..
رأيت هادية في الحلم وأنها هي السارقة!
استخرتُ الله، وعزمت أمري...
ناديت هادية لغرفتي لأتحدث معها في موضوع خاص وأغلقت الباب بالقفل حتى لا تدخل فتاة أخرى، وجلست أنا وهي على السرير، وقلتُ لها بشكل مباشر، بعد مقدمة طويلة أخبرتها فيها أنني حلمت بها، (وانتم تعرفون مقدماتي الطويلة.. هذا اختصاصي^^) شعرتُ فيها بارتباكها الواضح:
- هادية.. أريد أن اسألك سؤالا واحدا، أجيبيني بصدق.. ووعد مني أنني لن أخبر أحد بذلك.. وأنت تعرفينني جيدا..
كنتُ أحدق مباشرة في عينيها، بكل صرامة وثقة (بدوت ظاهريا بمنتهى القوة، لكن من الداخل حالتي حالة، وأنا اقول الله يستر ماذا سيحدث بعد هذا الاتهام الصريح المباشر! ماذا لو لم تعترف! ماذا لو لم تكن هي؟! ماذا لو...!!) :
- هل انت أخذت أساوري الذهبية يا هادية؟؟
اطرقت برأسها قليلا، ثم أجابت:
- حسنا.. لن أكذب عليك.. أنا من أخذتها!
من لطف الله بي، ومن رحمته الكبيرة.. أنها اعترفت!!
وقتها شعرت بسعادة عجيبة، لدرجة أنني احتضنتها بشدة!
شكرا لك هادية! شكرا لاعترافك.. شكرا شكرا.. لن أنسى لك هذا الجميل
(كان مشهدا دراميا عاطفيا مؤثرا!^^)
ثم قلت لها:
- لو سمحت.. الاساور الذهبية ذكرى ثمينة جدا، قيمتها المعنوية أكبر بكثير من قيمتها المادية، أرجو منك أن تعيديها.. وأيضا السلسلة الذهبية... لا أريد شيء آخر (طبعا هناك نقود مفقودة لكن لا بأس)
فأجابتني بتفهم:
- سأحاول استعادتها لأجلك..
***
فما الذي حدث بعد ذلك؟؟
(علما بأنها البداية فقط والأحداث الساخنة تأتي لاحقا..!)
المهم..
كيف ستتصرفون لو كنتم مكاني؟؟
البقية في الحلقة القادمة إن شاء الله ^^
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

الأساور الذهبية- الجزء الثاني!

_________________

قبل ذلك، يجب تسليط الضوء قليلا على شخصية البطلة "هادية"، حتى تتضح الصورة أكثر!

هادية فتاة جامعية في سنتها الثانية أو الثالثة، التحقت بالسكن الداخلي للطالبات مؤخرا، وفي غضون أسابيع قليلة تمكنت من تكوين شبكة علاقات اجتماعية واسعة، فهي انسانة مرحة.. قد تبدو عفوية بشكل كبير.. وصاخبة أيضا..! وفي الوقت نفسه تشعر أنها طيبة! تبدو عليها علامات النعمة والرخاء، فهي تحب أن ترتدي الثياب الفارهة والتحلي بالزينة، ورغم أنها محجبة بشكل ظاهري، لكنها قد ترتدي أحيانا ملابس ضيقة قليلا وتخرج بها بشكل طبيعي!

تعتبر نفسها انسانة منفتحة متحررة، لديها شخصية قوية نوعا ما، قد تؤثر بها على الآخرين، حتى أنه كان يخيّل للجميع أنها زعيمة شلة المتسكعات إن صح التعبير! ومع ذلك.. تحب الاختلاط مع الفتيات الملتزمات كثيرا، وتبدي رغبة بالاستماع للنصائح بين الحين والآخر! وهذا جعلها مختلفة عن بقية الشلة المتسكعة، اللاتي ينفرن تماما ممن يظهر عليهن سيماء التدين نوعا ما!

ولطالما كانت تقول لي بمرح:

- انت تذكرينني بأمي! فأنت تبدين متدينة مثلها!!

هذا بالنسبة لهادية...
الآن يجب تسليط الضوء أيضا على ما يعرف بمصطلح "بنات المصلى" المتعارف عليه في السكن الداخلي (لأن هذا سيكون له دور في القصة أيضا!)..
بما أن سكن الطالبات الداخلي يغلق أبوابه بعد الساعة السابعة أو الثامنة مساء، فسيكون هناك وقت طويل للطالبات داخل السكن، ومن هنا ستظهر أنشطة متنوعة.. من أبرزها، أن هناك مصلّى تجتمع فيه الطالبات لصلاة العشاء جماعة، وتكون هناك طالبات مسؤولات عن تقديم دروس دينية بعد الصلاة، وأيضا.. الاجتماع لإحياء المواسم المختلفة، مثل صلاة التراويح في رمضان، والأعياد إذا وافقت وجودنا في السكن، الخ

من يهتم بالمشاركة في هذه الانشطة الدينية، والذهاب للمصلى، ويشرف على ذلك يطلق عليهم مجازا "بنات المصلى" ^^

في ذلك الوقت.. كانت "سائدة"- اسم غير حقيقي- أبرز أولئك الطالبات اللاتي يقدمن الدروس والمواعظ الدينية (هي طالبة شريعة)، كما كانت مشرفة على برنامج تحفيظ القرآن داخل السكن، وايضا كانت من تؤمّنا بالصلاة معظم الوقت (ما شاء الله عليها كانت نعم الفتاة بالفعل ولا نزكيها على الله!)

وبهذا.. ننتهي من فقرة التعريفات.. ^^
والآن نتابع القصة..

بسم الله..

____

بعد أن وعدتني هادية بأنها ستحاول ارجاع الأساور؛ أدركت أنها باعتهم! ووضعت يدي على قلبي، ولكنني لم أفقد الأمل! وحتى لا أضغط عليها واشعرها بالحرج، خاصة بعد اعترافها ذاك وانكسارها أمامي، قلت لنفسي سأمنحها فرصة...
لكن المفاجأة كانت أنه بدا لي وكأن شيئا لم يكن.. ضحكات هادية تملأ الممر كالعادة، مستمتعة في حياتها وطلعاتها ودخلاتها مع الشلة، ذاهبين لكافيه.. عائدين من مول.. بل وبدأت تتجنبني أيضا!!!!

هنا لم استطع السكوت أكثر، فسألتها باصرار:

- ماذا حدث بخصوص الأساور؟؟

فقالت لي:

- أنا لم انس الموضوع وقد وعدتك بانني سأسترجعها، لكن الرجل الذي اشتراها سافر إلى تركيا، وقد تواصلت معه وقال بأنه سيعود بعد أيام وسيحضرها و وووو.. بلا بلا بلا بلا..

(كلام طويل عريض لم يدخل العقل ولا المنطق ومع ذلك حاولت ابتلاعه!)

وطبعا كانت هادية تحرص أن لا أكلمها أمام الآخرين، لذلك كانت تتجنبني على ما يبدو!
ومع مرور الأيام ومماطلة هادية ولا مبالاتها الظاهرة، وتشعب القصص المتعلقة بالأساور، لم استطع الاحتمال اكثر! وقد شعرت وقتها بالاستغفال، خاصة بعد أن قيّدت نفسي بذلك "الوعد"!! وليس من طبعي أن اخلف وعدا قطعته على نفسي!!
لقد وعدتها ولكن هل كان ذلك الوعد حكيما!!!

اتصلت بأمي في مكالمة دولية كلفتني مصروفي تقريبا! شرحت لها كل شيء، (طبعا كنت أتمنى استرجاع الأساور بسلام.. ولكن لم يكن باليد حيلة..)
__
فما الذي حدث بعد ذلك؟
وكيف هو التصرف الصحيح في هذه الحالة؟
حتى لا أطيل عليكم.. البقية في الجزء التالي إن شاء الله 
دعواتكم
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الأساور الذهبية- الجزء الثالث!
لاساور الذهبية- الجزء الرابع والأخير!
______________________
ماذا حدث بعد أن رفضتُ الابلاغ عن سرقة اساوري، ووفيت بوعدي لهادية؟
هناك عبارة بت احفظ معناها عن ظهر قلب، لكثرة ما واجهتني وأدبتني بقسوة في مدرسة الحياة!
(من طلب رضا الله بسخط الناس رضي عنه الله وأرضى عنه الناس، ومن طلب رضا الناس بسخط الله، سخط عليه الله وأسخط عليه الناس)
والآن.. وخلال كتابتي لهذا الجزء، قررت التأكد من صحة اللفظ، فإذا به حديث ورد بهذا النص:
( مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ ، رَضِيَ الله عَنْهُ ، وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ ، سَخَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَأَسْخَطَ عليه الناس )
ومن لطف الله بي، أنني في ذلك القرار الأخير؛ حرصت بالدرجة الأولى على طلب رضا الله، بعد الاستخارة واستشارة أمي، وأظنه كان القرار الصحيح بالفعل، رغم غضب "سائدة" في البداية، وشعور الفتيات بأنني خذلتهن! وكم كان هذا مؤلما جدا بالنسبة لي، أن تجد نفسك مضطرا لاختيار ما يناسب الشخص الذي آذاك وليس الشخص الذي تحبه! (بطريقة ما الآن تذكرت ايتاتشي! ^^)
المهم، رغم ما حدث.. إلا أن قوة الصداقة انتصرت في النهاية بفضل الله ^^
سائدة وصديقاتي احترمن قراري في النهاية، وتفهمن موقفي بشدة، بل وصل درجة التقدير أيضا بفضل الله! وهكذا مرت تلك العاصفة بيني وبينهن بسلام والحمد لله، وأغلق ملف هادية والسرقة بشكل نهائي في نطاق السكن، ونسي الجميع الموضوع مع مرور الأيام!
وهكذا.. لم يبق أمامي سوى انتظار الإجازة الصيفية، لمقابلة أهل هادية كما اتفقنا.. واسترداد مبلغ الدين منهم، لأنه مبلغ كبير نسبيا، ويصعب أن توفره طالبة بشكل طبيعي (بحسب الورقة الموقعة بيني وبينها)..
وجاءت الإجازة الصيفية أخيرا..
عائلتي جاءت لقضاء الإجازة، ويفترض أن أهل هادية قد وصلوا أيضا، فلديهم منزل لقضاء الإجازة، وقد اتفقتُ مع هادية أن تقوم بترتيب موعد لنا لزيارتهم..
وهنا.. بدأت المماطلة من جديد!!
كلما اتصلت بهادية تخبرني بأن أمها مريضة.. جدتها على وشك أن تموت.. الحالة النفسية للعائلة سيئة... والدها لا أدري ماذا اصابه...
بالطبع كنت أتعاطف معها أحيانا، فلا أحد يملك سلطة على المرض إذا كان هناك مرض.. ولكن المشكلة تكمن في مدى صدق هذه الحجج!
(على الأقل حتى الآن هي ترد على الهاتف والحمد لله!)
وهنا قررت أمي أن تحادثها مباشرة:
- اسمعي هادية.. اريد أن أحدث أمك..
- أمي غير موجودة الآن ىسفة..
- ستنتهي الإجازة ونحن لم نتقابل! أنت تعرفين أنه بإمكاننا الحصول على رقم والدك من الاستعلامات.. رجاء لا تلجئينا لهذه الطريقة.. من الأفضل أن ترتبي موعد الزيارة بنفسك مباشرة، وتقومي بتهيئة والدتك بنفسك..
وهكذا.. حسم الأمر بالتهديد!
ورغم أن هادية أخذت تسألني بعدها بتوسل:
- الموضوع سيكون موضوع دَين لا أكثر، صحيح؟؟
ارجوكم.. أمي قد تصاب بجلطة.. أبي سيموت لو عرف!
لكنني هذه المرة لم أقطع أي وعد!
تم ترتيب الموعد، وأعطتنا هادية عنوان المنزل، لنكتشف أنه في أحد الأحياء الراقية والمحترمة! فذهبت أنا وأمي وحدنا ونحن نضرب الأخماس بالأسداس، ولا ندري كيف سيكون ذلك اللقاء!
(هل أتوقف هنا ونكمل في الجزء القادم؟؟^^)
حسنا حسنا.. سأكمل..
شخصيا أرغب بالانتهاء من القصة بسرعة!^^
المهم..
وصلنا العمارة المطلوبة (واضح أنها عمارة راقية أيضا!)، وصعدنا الدرج باتجاه الشقة المطلوبة.. ما شاء الله.. واضح أن المكان حديث ويدل على الرخاء!
دق الجرس.. واستقبلتنا هادية بتوتر واضح.. وقادتنا إلى غرفة الضيوف:
- أرجوكم.. الآن أمي ستأتي.. ماذا ستقولون؟؟
- سننتظر أمك ريثما تأتي..
كانت لحظات مهيبة.. كيف سيكون شكل هذه الأم؟؟
كيف ستكون ردة فعلها؟
ماذا سنقول لها بالضبط؟
هل نبوح بكل شيء؟
عشرات الأسئلة دارت في أذهاننا في تلك اللحظة، حتى دخلت الأم بوقارها الذي أدهشنا!
سيدة طيبة، وقورة رزينة، تبدو عليها سيماء الطيبة والصلاح، استقبلتنا بوجه لا يخلو من استغراب رغم أنها قامت بأصول الترحيب..
- أهلا وسهلا..
- اهلا بك.. تشرفنا بالتعرف إليك..
....
....
- فهمت من ابنتي أنها مدينة لكم بمبلغ من المال..
ناولت الأم الورقة مباشرة، بخط ابنتها..
بدى الأم وكأنها في طور صدمة، لكنها نهضت:
- لحظة.. سأحضر المبلغ..
- شكرا.. آسفين للازعاج..
....
دخلت علينا بعدها إحدى أخوات هادية (لديها أخوات صغيرات) لتقوم بالضيافة، فيما كانت هادية تحاول قدر الاستطاعة التوسل لنا بهمس، وبكل الطرق أن لا نفتح فمنا بمعلومات أكثر، وهي تخرج وتدخل ولا تستطيع الجلوس بهدوء!
كانت هناك فترة بقيت فيها مع أمي وحدنا.. سألتني:
- هل نخبر أمها بالحقيقة! ربما هذا هو الواجب!
- أنا لم أعد أعرف شيئا!
عادت أمها.. سلمتنا النقود..
.....
- ولكن.. لا أعرف لماذا تحتاج ابنتي للاستدانة! فنحن والحمد لله ميسوري الحال، ومصروف ابنتي كبير، وإذا احتاجت أي شيء فهي لا تتردد بالاتصال بنا، ووالدها يوفر لها ما تريده! هذا غريب حقا!
كان كلامها بالطبع يعكس الوضع الذي وجدناهم عليه، من الواضح أنهم ميسوري الحال ما شاء الله! ولكن.. كيف يمكن تفسير تصرفات هادية مع ذلك كله! أصبح الوضع أكثر تعقيدا!
قالت الأم:
- ما يقلقني هو ما الذي ستفعله ابنتي بمبلغ كهذا!! كيف هي هادية بالسكن؟ اجيبيني بصراحة يا زينب؟
ماذا سأقول لهذه الأم المسكينة؟
هل أقول لها أن ابنتها تعتبر قائدة شلة المتسكعات اللاتي بتباهين بمغامراتهن ومقالبهن وخرجاتهن؟
الأم تبدو متدينة ومحافظة جدا، فهل أقول لها ان ابنتها لا علاقة لها بذلك؟ بل لم تعطينا أدنى انطباع أنها نشأت في بيئة محافظة وملتزمة طوال معرفتنا بها؟!!
فعليا.. لم استطع اختيار الجملة المناسبة..
قالت أمي عندها:
- يفضل أن نتحدث على انفراد..
هنا.. شعرت الأم أننا نخفي شيئا كبيرا، فطلبت من هادية الخروج وإغلاق الباب، وهادية ترمقنا بنظرات فزعة وتلطم على وجهها، دون أن تلاحظها أمها!
وأخيرا قالت أمي وهي تحاول أن تختار طريقة مناسبة لنقل الخبر، بعد مقدمة قصيرة وهي تطلب من الأم الهدوء:
- في الحقيقة لم يكن الموضوع موضوع دين.. كانت سرقة!
في الحقيقة.. مهما كانت الطريقة التي كنا سنخبر الأم بها، فلن تكون سهلة! لكم أن تتخيلوا وقع هذه الكلمة على الأم التي لم تتقبل فكرة الدين بسهولة، فكيف وهي تسمع أنها سرقة!
شعرت وكانها فقدت توازنها وارتخت على الكرسي، فيما دارت أعينها في محجريهما، وكأنها كانت على وشك الاغماء أو الدخول في غيبوبة:
- لا إله إلا الله لا إله إلا الله! سرقة!! ابنتي سرقت!! ما هذه المصيبة؟؟؟
وانهارت الأم باكية:
- ابنتي تسرق! لماذا؟؟ مستحيل! مصيبة.. يارب ماذا أفعل! بماذا أخطأت! لقد ربيتهم تربية صحيحة.. هذه ابنتي الكبرى.. مستحيل!! كيف كيف! لا أصدق! لديها أخوات أيضا اصغر منها.. إنها الكبرى.. يا ويلي! والدها رجل محترم ويعمل في مكان مرموق، كيف سيحتمل..!
انهيار كامل بمعنى الكلمة!
وحاولت امي تهدئتها، بقولها أن الموضوع كان يمكن أن يكون أكبر من هذا، ولكن الله ستر! وأن كل بني آدم خطاء ولا يوجد بشر معصوم من الخطأ..
ثم أخبرتها بالقصة، وكيف أن الموضوع لم يصل للشرطة بفضل الله..
وهي تبكي وتردد:
- كنت أقول لزوجي إذا رأيت وسمعت عن مسلك البنات الخاطئ يارب يستر عليهم ويستر على بناتي.. يارب يستر على بنات المسلمين.. لم أتوقع أن ابنتي ستكون هكذا!
كانت مواساتنا لها لتهدئتها:
- لقد استجاب الله دعائك وستر على ابنتك.. كان لطف من الله أن لم تتدخل الشرطة، ولم يفتح أي تحقيق رسمي!
هنا.. شعرت بالفعل بلطف الله حقا ورحمته الكبيرة بهذه العائلة وبهذه الأم بالذات! هل كنتُ أعرف عندما تمسكت بوعدي لهادية- وكأن هناك قوة خارجية تجبرني على السكوت- بأن هناك "أم" في مكان ما تدعو لابنتها بالستر!!
كيف سيكون وضع هذه العائلة المحترمة لو تم سحبهم إلى الشرطة؟
إنها قوة "الدعاء" بلا شك! إنها رحمة الله ولطفه!
هدأت الأم أخيرا.. وبدأت تتقبل ما يجري تدريجيا، وفجأة، نادت ابنتها:
- هادية.. تعالى بسرعة..
دخلت هادية وأغلقت الباب، وكانت المواجهة الحاسمة بين الأم وابنتها أمامنا كما أرادت الأم، التي اعتذرت لنا بكل أنواع الاعتذارات الممكنة..
الأم تتحدث.. تواجه.. تلوم .. تؤنب.. توبخ:
- أهذه هي التربية؟
بماذا قصرنا معك؟
هل أخطأنا في شيء؟!
ما الذي جعلك تفكرين بشيء كهذا أصلا؟!
والابنة تستمع صامتة.. لا يوجد ما ترد به! فقد انكشف كل شيء!
جملة واحدة علقت بذهني بالنص لشدة تأثيرها، وجهتها الأم لهادية بشكل مباشر كسهم ناري:
- لماذا أنتِ لستِ مثل زينب؟
نحن عائلة ملتزمة متدينة وحالنا ميسور، لا أظن أنني ربيتك على شيء مختلف عن تربية زينب، فمن أين خرجت علينا بهذا؟!!! ولماذا لم تكوني مثلها؟
قد يبدو الأمر مديحا لي من الوهلة الأولى، ولكن.. إذا كانت الام تتوقع من هادية أن تكون مثلي، فهذا يعني أن هناك احتمال أن أكون مثل هادية أيضا، ولكن الله لطف بي! كان من الممكن أن تكون هادية في مكاني وأنا في مكان هادية، ولكن الله رحمني!
(لَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
هذا ما فكرت به أمي أيضا!
فالحمد لله اللطيف بنا
ستر القبيح وأظهر الحسنا
**
ما حدث بعد ذلك أن الأم طلبت مني أن أساعدها في السؤال عن طريقة سحب ملف هادية من الجامعة، بعد أن اتخذت قرارا صارما لا عودة فيه، لوضع حد تأديبي لهادية، لأجل مصلحتها في النهاية، وحتى تبعدها عن رفاق السوء، بعد أن شعرت أن استمرار هادية في الجامعة لن يساعدها على التغيير للأفضل!
لم يكن هذا سهلا.. ولكنه ضروريا!
ولا شك أن هادية كرهت اليوم الذي اعترفت لي بتلك السرقة، ولكن عسى الله أن يجعلها توبة نصوحا، وبداية حياة جديدة لها، في مكان أفضل..
**
انتهت الإجازة وعدنا لاستئناف الدراسة، والتقينا مرة أخرى نحن الفتيات في السكن من جديد.. ومرت الأيام.. والجميع يسأل.. خاصة صديقات هادية المقربات..:
- أين هادية؟ كأنها تبخرت! حتى أن رقم هاتفها خارج الخدمة! هل تركت السكن! حتى أنها لم تعد للجامعة حتى الآن! لا يمكننا التواصل معها بأية طريقة! لم أتوقع أن تقطعنا بذلك الشكل! حتى أنها لم تسلم علينا! هذا ليس طبعا تختفي بدون ولا كلمة!
ألا يعرف أحدكم شيء عنها؟
وطبعا كنت اسمع واتظاهر بأن الأمر لا يعنيني ولا أعرف عنه شيئا!
وبالفعل.. لم أعد أعرف عن هادية أي شيء، ولم اسمع أي شيء، بعد آخر تواصل بيني وبين أمها حول سحب الملف..
لقد طويت صفحة "هادية" من سكن الطالبات ومن الجامعة بأكملها!
**
مرت سنة على تلك الحادثة تقريبا.. وربما أكثر..
وذات يوم في مكة المكرمة، وبينما كنت مع العائلة لأداء العمرة، وكنت أقف مع أمي عند باب الحرم المكي "باب الفتح تحديدا"، التقينا على غير موعد بهادية مع عائلتها بأكملها امها ابوها أخواتها!!
ابتهجنا برؤيتهم.. كأصدقاء قدامى.. سلمنا عليهم سلاما سريعا.. ومضى كل واحد منا في سبيله، ليكون هذا آخر لقاء بيني وبين هادية حتى هذه اللحظة!
ونسأل الله أن يكون ذاك فتحا مبينا لنا جميعا، يتجاوز فيه عن السيئات، ويستر الزلات، ويعفو عن ما مضى وفات، ويثبتنا على الحق والهدى حتى الممات..
(ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب)
**
وهكذا.. نصل إلى نهاية هذه القصة "قصة الأساور الذهبية"، سائلة الله سبحانه وتعالى أن يجعل فيها الخير والفائدة، فلا تنسونا من صالح دعائكم 
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
 
 
 
 
Shopping Basket