Please or التسجيل to create posts and topics.

حرب الأقلام الضروس!

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

حرب الأقلام الضروس!
 
كان الجدال بين مازن ووائل قد بلغ ذروته في مكتب تحرير جريدة الوطن المحلية؛ عندما دخل عليهما المدير فجأة!
ورغم أن زملائهما في المكتب حاولوا تنبيههم إلى دخوله، ورد السلام على الأقل؛ إلا أن جدالهما الحاد كان اصعب من أن يتم السيطرة عليه بسهولة!! حتى اضطر منذر إلى رشق كأس مائه البارد في وجههما، مضحياً بنفسه رغم خطورة الموقف! وكما توقع تماماً؛ التفت الاثنان نحوه بغضب مشتعل، وكأن لهيب النيران يتطاير من عيونهما:
- ما الذي فعلته أيها الأحمق؟
فاكتفى منذر بالاشارة نحو الباب حيث وقف المدير مذهولاً بما يراه!! فما كان من وائل ومازن إلا أن أسرعا بالاعتدال في وقفتهما، معتذرين عما بدر منهما، ولأن الموضوع كان جاداً بالنسبة للمدير؛ فقد تم استدعاءهما إلى مكتبه فورا،ً ليفهم سبب ذلك الجدل المريع!
وخلال ربع ساعة فقط، أخذ كل من مازن ووائل مقعديهما أمام مكتب المدير، الذي طلب منهما تفسيراً واضحاً لما حدث، فبادره مازن بقوله:
- نرجو المعذرة على ما بدر منا حقاً، وشكرا لمنحنا هذه الفرصة.. في الحقيقة لا أدري كيف تطور الأمر إلى هذه الحال! كانت البداية مجرد مزحة، ثم تحولت إلى تحدي ودي بيننا.. ثم انقلب الحال فجأة إلى شجار حاد!
فالتفت المدير نحو وائل الذي كان وجهه لا يزال محمراً من شدة الغضب، لكنه ابتسم بحرج:
- بالضبط.. كما قال مازن.. لا ندري كيف تطورت الأمور إلى هذا الحد.. ولكن ماذا أقول أيها المدير..
والتقط نفساً عميقاً قبل أن يتابع:
- تخيل أن تقوم بالتأسيس لبناء محكم الأركان، ثم يأتي من يهدمه بطرفة عين، ليبدأ بالتملق بأنه قدم انجازا عظيماً، ويستحق لقب أفضل بنّاء!!
فرد عليه مازن بقوة:
- عندما تقبل الدخول بتحدي ما؛ عليك أن تقبل بنتائجه، لا أن تعلق خسارتك وفشلك بانجاز مهمتك في الوقت المحدد على الآخرين!! ثم إنك أنت من بدأ بهدم البناء الذي اسستُه بنفسي أولاً، ومع ذلك تعاملتُ معك وفق التحدي الذي اقترحته أنت! عليك الاعتراف بالهزيمة وحسب، فأنتَ لستَ نداً لي أبداً في هذا التحدي..
فأجابه وائل بغضب:
- منذ متى وكان التدمير مديحاً؟! ما أنت إلا كجندي همجي أحول من وحدة القصف العشوائي، يحمل بازوكا ويقذف في كل اتجاه مدمرا صحبه وعدوه معاً!
وقبل أن يشتعل الجدل بينهما من جديد؛ تدخل المدير معلناً عن وجوده بينهما، بقوله:
- حتى الآن لم أفهم ما الذي يجري بينكما بالضبط! ألا يمكنكما توضيح الأمر لي بدل التحدث بالالغاز، وكأنني غير موجود؟! ما هو هذا التحدي بالضبط؟
صمت الاثنان لوهلة وقد شعرا بالاحراج نوعاً ما، وحاولا تذكر نقطة البداية، حتى قال مازن أخيراً:
- أظن أن الأمر بدأ عندما اقترح وائل علينا أن نمنحه أفكاراً ليحولها إلى قصة مرسومة، في صفحة واحدة في يوم واحد!
فتساءل المدير بتعجب:
- وأين المشكلة هنا؟ هل قمتَ مثلاً بتمزيق رسمته يا مازن أم ماذا بالضبط؟
حاول مازن كتم ضحكة كادت أن تفلت منه، لذلك الاقتراح الطفولي، لكن قال بوقار مصطنع:
- كلا ليس للأمر علاقة بالرسم أبداً، فأنا لستُ رساماً كما تعلم أيها المدير، إنني كاتب وحسب!
فصرخ المدير بنفاد صبر، بعد أن كان يحاول أخذ دور الأب الحاني، الذي يحتوي موظفيه:
- كاتب أو رسام، وكأن هذا يهمني الآن! لولا أنكما من أفضل الموظفين في هذه الجريدة، لما أعرتكما اهتماماً، واكتفيتُ برميكما في الشارع وحسب! لذا بسرعة أخبراني، ما هي المشكلة بالضبط؟
تبادل وائل ومازن نظرات ذات معنى، دون أن يعثرا على جواب مناسب!! لقد نسيا من أين بدأت المشكلة وكيف تطورت!! والأهم من ذلك، لم يعرفا ما هي المشكلة أصلاً!!
وأمام صمتهما، رفع المدير سماعة هاتفه واستدعى منذر حالاً، والذي امتثل أمامه في بضع دقائق، فعاجله المدير بسؤاله:
- هلّا أخبرتني بطبيعة المشكلة التي حدثت بين هذين الاثنين بالضبط؟
ورغم دهشة منذر من طبيعة ذلك السؤال المغلف بفضول قاتل، لم يعهده بمديرهم الوقور من قبل؛ إلا أنه حاول فهم سبب انفعاله من نظراتٍ سريعة تبادلها مع مازن ووائل، فأجابه بهدوء:
- إذا كنت تقصد طبيعة التحدي الذي دار بين الاثنين، والذي أدى لخلافهما بعد ذلك، فقد كان يتمحور حول كتابة قصة في يوم واحد، والذي اقترحها مازن ليشاركه فيها كتّاب قسمنا خلال وقت الفراغ، بعد أن أنهينا عملنا في التحرير لذلك اليوم...
فاضاف مازن وقد تذكر شيئاً:
- بالطبع كان هذا بعد أن أوحى لي وائل بالفكرة، ووقتها قال لي بعد أن خسر تحديه أمام نفسه؛ بأن كتابة القصة سيكون اسهل بكثير من الرسم، ولا أنكر أن هذا الأمر استفزني طبعاً، لكنني استثمرتُ ذلك في كتابة قصتي الخاصة بالتحدي، وقد أنجزتها فعلاً في يوم!
وصمت مازن ليتيح المجال أمام وائل، ليكمل بدوره ما حدث بعد ذلك:
- لا أنكر أن مازن فاجأني بقصته بعد أن جعل إحدى شخصياتها تمثلني بطريقة مستفزة جداً، ورغم غضبي من إظهار تلك الشخصية بطريقة مشوهة؛ إلا أنني قررتُ الرد عليه بكتابة جزء ثاني لتلك القصة، وحتى ذلك الوقت كانت الأمور مستقرة بيننا..
فتدخل منذر في محاولة لتلطيف الأجواء المتوترة:
- أجل إلى هنا كان كل شيء على ما يرام، حتى أننا استمتعنا كثيراً بقراءة سجالاتهما الأدبية، التي ذكرتنا بالنقائض! خاصة وأن مازن عاجله بجزء ثالث من تلك القصة في وقت قصير! لقد كانت سلسلة لطيفة وجميلة، وقد أمتعتنا حقا، فشكرا لهما على ذلك..
غير أن وائل قاطعه بنبرة مستفّزة:
- شكرا لهذه المجاملة، ولكن لا يمكنني أن أقبل هذه النهاية الخربة! سأعيد كتابة الجزء الثالث بشكل متماسك عند أول فرصة بإذن الله! لذلك ترقبوا النسخة المصححة إن شاء الله..
تجاهل مازن تلك الإهانة، والتفت نحو المدير قائلاً:
- في الحقيقة ظننتُ أن الامر انتهى بسلام بعد كتابتي للجزء الثالث، رغم أنني تعمدتُ استفزاز وائل بذلك الجزء، لكنه لم يتحدث حول الموضوع لمدة اسبوع تقريبا، وانشغلنا جميعا خلالها بالعمل كالعادة، لكنه اليوم فاجأني بردة فعله الغاضبة والمهينة في الوقت نفسه، كما سمعتَ بنفسك أيها المدير، وهكذا جرّني معه في ذلك الجدل العقيم!
لم يخفَ على المدير ملاحظة اللكنة الغاضبة التي نطق بها مازن جملته الأخيرة، فالتفت نحو وائل الذي وضّح موقفه قائلاً:
- لم يكن لدي الوقت للرد عليه سابقاً، فأنا مشغول جدا كما تعلم! ولكنني تفاجأت فعلاً من الكارثة التي ارتكبها بحق القصة! لقد قام بتدمير جميع الأفكار الرائعة التي أنشأتُها في الجزء الثاني، حتى تحولت القصة الدرامية إلى خطبة وعظية، وراحت الأمور تنحل من تلقاء نفسها! عليه أن يعترف بأن نقطة ضعفه تكمن في تقديم العبرة والوعظ المباشر؛ على المتعة الأدبية في كتاباته، لدرجة تجعل العبرة تبدو مبتذلة ولا تصل للقارئ!
ثم التفت نحو مازن- الذي كان يجبر نفسه على الاستماع دون مقاطعة- ووجه نحوه اصبع الاتهام قائلاً بشدة:
- إذا أردتَ أن تصل العبرة للقارئ وتؤثر في نفسيته بشكل طبيعي؛ فعليك أن تتعلم كيف تجعلها تجلس في المقعد الخلفي، وليس في مقعد السائق المتلهف للظهور! أنا أرفض أن تدمر القصة بهذا الشكل، لذلك سأعيد كتابة هذا الجزء بطريقتي، من خلال ربط كل النقاط التي أسستُ لها من قبل؛ حتى تلتقي في نهاية منطقية بإذن الله..
حاول مازن السيطرة على أعصابه المشتعلة، قبل أن يقول بهدوء:
- اسمعني يا وائل، إذا كنتَ تظن أنك الشخص الوحيد المشغول هنا، فأنتَ مخطيء تماماً، ولا أريد أن ندخل بنقاش جديد حول من منا مشغولٌ أكثر من الآخر، لكنني أريدك أن تدرك بالتجربة العملية؛ أن كتابة "قصة" ليس بأسهل من رسم "رسمة"، والدليل أنك لم تستطع انجاز القصة الموعودة حتى الآن! عليك أن تدرك أن عامل "الوقت" ضمن التحدي أيضاً! فلا تتجاهل كوني رددتُ عليك بالجزء الثالث في يوم، وفق التحدي الأصلي! أما أفكارك الرائعة والمدهشة أو اياً ما كانت؛ فلا تعني شيئاً ما لم تخرج على الورق في الوقت المحدد! هذا ما يعنيه الكاتب الحقيقي!
فإياك أن تقارن بين قصة فورية كُتبت في يوم، لتتسلسل مع أفكارٍ خارجية مفاجئة؛ مع قصة تستعدّ لها في أكثر من أسبوع؛ بناء على أفكارك الداخلية المسبقة!!
شعر وائل بالدم يغلي في عروقه، وهمّ بأن يرد على مازن بحدة، غير أن الأخير عاجله بقوله:
- لو كنت أهلاً للتحدي؛ لرددتَ عليّ بجزء رابع، بدل التهرب من المواجهة الحقيقية، والاكتفاء بالعودة إلى الوراء! ألستَ أنت أول من بدأ المواجهة، وأفسد شخصية البطل في الجزء الأول من قصتي؟
لكن المدير تدخل بالسؤال- قبل أن ينتظر رداً من وائل- وقد راقه الأمر:
- دعوني استوعب الأمر أولاً، تقصدون أن مازن كتب الجزء الاول من القصة مستفزاً فيها وائل، فقام وائل بكتابة جزء ثاني رداً عليها مستفزاً فيها مازن، وبعد ذلك قام مازن بكتابة الجزء الثالث، والذي أثار غضب وائل بشدة، فأعلن بأنه سيعيد كتابته مرة أخرى، بدل كتابة جزء رابع.. اليس كذلك؟
فأومأ مازن بالايجاب، وقد التمعت عيناه بنظرة ثاقبة، موجهاً حديثه إلى وائل:
- ومع ذلك.. لا أمانع بعودتك إلى الوراء يا وائل، وتصحيح الجزء كما تريد، ولكن.. كن مستعداً لردي القادم إن شاء الله، فلن أتهاون معك بعد الآن؛ فقد بدأت حرب الأقلام الضروس، التي لن ترحم الأدعياء الضعفاء..
ومع جملته الأخيرة؛ تطايرت الستائر المعلقة على النوافذ إثر رياح قوية، عصفت بالمكان فجأة، وكأنها تشارك في دق طبول الحرب، حتى أفزعت الأوراق المستقرة؛ فتطايرت في المكان بعشوائية، لعلها تجد ملجأً آمناً يحفظ نقائها من التدنيس!
********
********
تمت
 
ملاحظة:
تم نشر تلك القصة أول مرة يوم 1 مايو 2019 م، حيث كانت مستوحاة من تحدي حقيقي بيني وبين احدهم حتى انني اقتبستُ عددا من جمله في  هذه القصة..
(أقول هذا للأمانة العلمية في النقل، وسأترك لكم تخمين اي شخصية كانت تمثلني ^^)
 
ولا انسى شكر كل من كان له دور في ذلك خاصة اولئك الذين تفاعلوا في هذه القصص الحربية إن صح التعبير 👻
فشاركونا آراءكم حولها، وما هي وجهة نظركم حول الافكار التي ناقشتها هذه القصة؟
 
وكما ذكرت ذات مرة وتحديدا يوم 22 فبراير 2020 تحت عنوان:

شجارات المانجاكا المحترمين على طريقة الأقدمين
بين سجالات الأدباء ونقائض الشعراء 😊

حيث ذكرت فيه بأننا لسنا ضد شجارات المبدعين ولا خلافاتهم، فهذه أمور طبيعية عند كافة البشر، ولكننا نريد  استثمار طاقات الغضب والخلاف؛ في تفجير الابداعات  التي تتفق مع أهدافنا المُثلى، ألم تسمعوا عن نقائض جرير والفرزدق؟؟!!

يمكنكم تقديم أعمال ادبية وفنية تعبر عن غضبكم، وانتقاداتكم، وحتى اعتراضاتكم وجدالاتكم، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن طبائع البشر تتفاوت وتختلف، والحكيم من عرف كيف ينزل الناس منازلهم، فيكسبهم ويستفيد منهم أو ويتقي شرهم، ورب كلمة لا يلقي لها المرء بالاً تهوي به في قعر جهنم سبعين خريفا، والكلمة الطيبة صدقة، وبالمقابل:
المسلم مرآة أخيه والدين النصيحة ^^
وأذكركم بأنني وإن كنت لا احب أن أكون ممن ينقدون الآخرين بقسوة؛ إلا أنني أحاول الاستفادة من الانتقاد اللاذع مهما كان، وقد نشرت قديما عن تجربتي مع النقد اللاذع التي أفادتني كثيرا بفضل الله، ونسأل الله أن يوفقنا دوما لما يحب ويرضى، ويأخذ بيدنا للبر والتقوى..
لا تنسونا من صالح دعائكم ^^
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وليد امعوش has reacted to this post.
وليد امعوش