
مسارات تنقل المنتدى - أنت هنا:منتدى نبراس المانجاكامنتدى المؤلفين و الكتّاب: قصص و رواياتولتنظر نفس ما قدمت لغد!
Please تسجيل الدخول or التسجيل to create posts and topics.
ولتنظر نفس ما قدمت لغد!
#1 · 2025-10-23, 11:14 م
اقتبس من زينب جلال في 2025-10-23, 11:14 مبسم الله الرحمن الرحيموالصلاة والسلام على أشف الانبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعينولتنظر نفس ما قدمت لغد!لقد مر الوقت سريعا، وها أنا آتيه اليوم فردا!نهضتُ بعد أن فتحت عيناي وانا انفض التراب عن جسدي، في اجواء يغلب علها الفزع والذهول!ما لي ارى اولئك الاثنان الذان لم اعرفهما سابقا إلا هائمان ببعضهما البعض، وقد كانا مستعدان لفعل أي شيء لكي يبقيا معا، ولو على حساب كل شيء وأي شيء، فما بالهما الان يفران من بعضهما البعض وكأن بينهما عداوة، وكل منهما يقول: نفسي نفسي!!الكل يجري ويفر من أقرب احبته اليه، وكأن الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد!
ماذا عني أنا؟رغم هول المشهد وغرابته، ورغم أنني كنت وحيدة في ذلك الجو الغريب، لكنه بدا مألوفا لي ولم اتفاجأ منه، فقد قرأت عن ذلك سابقا بالتفصيل، وكنت ارجو أن اكون قد أعددت عدتي له كما يجب، ومع ذلك شعرت بخوف شديد، ومن هذا الذي قد لا يخاف في مثل هذا الموقف؟!
لقد فات الأوان عن تدارك أي شيء أو اصلاح أي شيء، ولا زالت هذه هي البداية فقط، فلم يبدأ الحساب بعد!انني اسير مع الجموع نحو ذلك الموقف الرهيب، الذي بدا وكأنه معروف للجميع، فلا نحتاج أن يرشدنا اليه أحد!اللهم عفوك ورحمتك، ستُنشر الصحف ولا أدري بأي يد سأوتى كتابي! سيوضع الميزان وسينادى علينا جميعا فردا فردا، وسيأتي دوري حتما لكي اقف على رؤوس الخلائق، فاللهم سترك!الشمس حارقة والعطش شديد والوقوف والانتظار طويل، ألا من مكان أحتمي بظله؟ الا من شربة ماء تروي هذا الظمأ؟
نظرت حولي وقد تذكرت الحوض، ذلك المكان الذي طالما تخيلته، فهرعت إليه لعلى أحظى بشربة من ذلك الماء الذي وصف بأنه اشد بياضا من اللبن، واحلى من العسل، فما اشد حاجتي لهذه الشربة الآن، والأهم من ذلك لعلي القى ملهمي ومعلمي الذي ما فتأت اذكره واصلي عليه، لطالما كنت اترقب هذه اللحظة، فهل يا تراه سيستقبلني؟!
خفق قلبي بشدة، إنه هو بلا ريب، وقد رأيت الناس تمشي نحوه زمرا زمرا وكلهم يريد أن يشرب من حوضه، وهو يردد بلهفة:
- أمتي.. أمتي..كان البعض يتجهون نحوه زمرا فيسقيهم، في حين حيل بينه وبين آخرين فيرجعون على أعقابهم، وهو يتطلع نحوهم لعله ينجح بسقيهم:
"اي ربي مني ومن أمتي"
فيأتيه الجواب الحاسم:
"لا تدري ما فعلوا بعدك"!شعرت بالقلق مجددا:
ماذا عني أنا؟!!ألم أكن قد أعددت العدة لأجل هذه اللحظة وهذا اللقاء؟ ما بالي افقد ثقتي فجأة!يارب.. هل لا زالت الدعوات تستجاب لو دعوتك ورجوتك الان؟ أم قد فات الأوان على كل شيء؟!!تشجعت وتقدمت لأتفاجا بزمرة كبيرة تتبعني وتمشي خلفي، بعضهم كنت أعرفهم وبعضهم لا أذكر أنني رايتهم أو سمعت عنهم طوال حياتي، ومع ذلك بدوا وكأنهم يعرفونني جيدا، بل ويشجعونني لأحث الخطا وامضي قدما!وهنا تذكرت ذلك المشهد الذي طالما تخيلته سابقا، لا شك أنهم هم.. أجل.. انهم هم بلا شك! لقد أخذت عهدا على نفسي وقتها أن افعل ما بوسعي لأجل الامة التي طالما احبها الحبيب صلى الله عليه وسلم، الأمة التي عمل من أجلها ودعى لها وبكى عليها، لم يترك جهدا إلا وبذله، ولا تضحية إلا قدمها، لقد أحبنا بصدق واراد ان يكون سببا في نجاتنا، إذ كان هذا أكبر همه، وكنت اتمنى ان اكون سببا في ادخال السرور لقلبه، لتقر عينه وهو يراني قد ساهمت أيضا في انقاذ امته.. لأجل هذه اللحظة عملت كثيرا واجتهدت بكل ما اوتيت من قوة، لأجل ذلك كانت مدرسة الفروسية!
وكل اولئك.. لا شك أنهم ممن كانت لهم نبراسا فأرشدتهم، وأخذت بيدهم، جيلا بعد جيل، فلم ينسوا الجميل، وها نحن معا سنشرب من الحوض بإذن الله شربة هنيئة لا نظما بعدها أبدا، من يد رسولنا الحبيب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولعل الله يظلنا جميعا بعدها تحت ظل عرشه، ففينا الشباب الصالحون الذين نشؤوا على طاعة الله، والعفيفون الذين عفّت انفسهم عن الحرام ولم ينساقوا تجاه الغواية بل قالوا إننا نخشى الله، فينا المعلقة قلوبهم بالمساجد، ومن اختلوا بانفسهم يذكرون الله ففاضت اعينهم، ومنا من انفق بيميه صدقة لا تعلم عنها حتى يساره.. فينا من اجتمع على حب الله واحبوا بعضهم في الله، لكم تطلعت أن يظلنا الله جميعا تحت ظل عرشه إذ لا ظل إلا ظله، وها هو يوم الحساب ما زال في أوله، ولعلنا كلنا ننجو برحمة الله ونجتاز الصراط، وندخل الجنة زمرا، حتى يكرمنا الله بقوله:"ادخلوها بسلام آمنين"كم اتطلع لهذه اللحظة بشدة، حيث يمكنني الراحة أخيرا بعدها دون خوف او قلق..أغمضت عيني وأنا أتخيل ذلك، فإذ بي انتبه على صوت أعرفه جيدا واحترمه واقدره كثيرا:- المؤمن القوي!اعدت اغماض عيناي وفتحتهما مرارا، وكأنني انتبه على واقعي فجأة وانا استمع لذلك الصوت الذي أكمل كلامه:- الشهداء سعداء عند ربهم الان، اما نحن فلا زلنا في الدنيا وامامنا عمل كثير، فشدي الهمة ولا تنسي كلامك عن المؤمن القوي حتى لا يكون مجرد شعارات ترددينها كالاناشيد، نحتاج أن ننجز ما بأيدينا الآن، أرينا ذلك بشكل عملي، فالوقت يجري بسرعة!نهضت من مقعدي وتوضأت وصليت، ورذدت الاذكار كمن يجدد شحن طاقته ليتكمن من الاستمرار..
وكالعادة لم أعرف من أين أبدأ تحديدا، فالمهام كثيرة والواجبات متراكمة، فلم أجد أفضل من تحمية خفيفة انعش بها ذاكرتي وارتب من خلالها أولوياتي..بحثت بين دفاتر مذكراتي عن الاهداف التي كنت دونتها لنفسي ذات مرة، والمهام التي يجب علي انجازها، فرغم أنني اذكرها جيدا، ولكنني شعرت بحاجة لرؤيتها! كانت الفيزياء تبكي بالزاوية كالعادة، ورغم انني كنت اطمئنها بين الحين والآخر أنني لم انساها ولم اهجرها ولن اتخلى عنها؛ لكنها تريد مني دوما اثباتا يؤكد كلامي، حتى اشعرتني انها فقدت ثقتها بي، وكأنني اكذب عليها والعياذ بالله!على كل حال ليس هذا وقتها، سأحاول أن اراضيها لاحقا إن شاء الله، فهناك ما هو أهم الان! غير أن حوارا هامسا بين اثنين استوقفني، وكأن أحدهما يشتكي للآخر وهو يحدثه عني:- بالله عليك هل هذا خط؟! أشعر وكأنني مُلئت بالطلاسم لا بالجمل والكلمات!- وما ذنبي أنا؟ هل تراني املك الارادة للاعتراض! ما أنا إلا عبد مأمور كما تعلم، ووالله لولا أن الله سلبنا ارادتنا وسخرنا لخدمتها تحت ارادتها؛ لما سكتّ عن هذه المهزلة طرفة عين! أنت لا تتخيل العار الذي اشعر به وأنا بين يديها لأخط تلك الخطوط السيئة! أكاد اجزم أنها هي بنفسها لا تستطيع قراءتها!- اتفهم شعورك يا صديقي، ولست ألومك، فهذا قدرنا وعلينا أن نرضى به، رغم أنني لا أخفيك أنني اشعر احيانا بالغيرة من دفاتر الخطاطين المحترفين المهرة، فهي تحفة فنية بجمال خطوطها وحسن تناسقها، ما شاء الله واللهم لا حسد..- الحمد لله على كل حال، على الأقل نحن أحسن حالا من غيرنا، فمن لطف الله بنا أنها لا تستخدمنا في حرام ولا معصية، ويبدو ان نيتها طيبة والحمد لله، وهذا ما يجعلني اصبر عليها واتحملها، فهذا أهون من الوقوع بيدٍ خبيثةٍ تستخدمني في الاثم والافساد والشر!- كلامك صحيح، فقد ذكرتني بذلك الكتاب الذي كان يجاورني في المحل قبل أن انتقل إلى هنا! وقتها أخبرني أنه لن يسامح صاحبه ابدا، بل سيكون خصيمه وأول من يشتكي عليه يوم القيامة لينتقم الله منه، ويحاسبه حسابا عسيرا، إنه ينتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر ليقتصّ منه، بعد أن اجبره على حمل وترويج افكاره الفاسدة السيئة المفسدة الوقحة عديمة الحياء والاخلاق!فتنهد القلم بحزن:- إذا كان ذلك كلام كتابه؛ فما بالك بشعور قلمه؟! لا شك أنه يدعو عليه ويلعنه في اليوم أكثر من الف الف مرة!لم أكد اسمع تلك الجملة حتى ارتجف جسدي وخفق قلبي، هل حقا قد تدعو أقلامي ودفاتري عليّ إذا لم احسن استخدامها؟!!يا ويلتااااه! كنت على وشك أن اشكرهم على حسن ظنهم بي، والاعتذار عما سببته لهم من ضيق وحرج، ولكن بعد سماع ذلك شعرت بأن من أهم ما يجب فعله هو أن أحاول ايجاد طريقة لتحسين خطي، والأهم من ذلك أن انتبه لنفسي وبنات أفكاري...- هل قلتِ بنات أفكارك؟! كان عليك ان تقولي وحوش افكارك، فلا أظن اولئك بنات بأي شكل من الاشكال! قال بنات قال!تلفتّ حولي لأعرف من هذا الذي يكلمني، غير أنه أكمل بسخرية:- بدل ان تبحثي عني، اذهبي وتفاهمي مع بناتك.. اقصد وحوشك، فقد طحنوا بعضهم طحنا، وهم على وشك أن يقطعوا بعضهم البعض اربا اربا! وقد يقضون على بعضهم إذا لم تتداركي الموقف بسرعة! إنهم الآن في مشاجرة عنيفه بعد أن خرجت الفكرة المجنونة عن السيطرة!ما أن سمعت اسم تلك الفكرة حتى غاص قلبي بين قدمي! كيف خرجت تلك المجنونة عن السيطرة؟!!
ألم أقم بحبسها في غياهب الجب، حتى لا تفكر بالخروج أبدا؟!!لا ينقصني المزيد من المشاكل والاتهامات بسببها، فيبدو انني غفلت عن مراقبتها، فاستغلت غيابي، وقد آن الأوان أن أجد حلا جذريا لمشكلتها، وكبح جماحها للأبد!لم أكد الملم شتات نفسي وأفهم ما يجري، حتى بدى لي أن معظم الافكار أحكمت السيطرة على تلك المجنونة، فشدوا وثاقها وكمموا فمها، وعصبوا عينيها، غير أن الفكرة العادلة كانت لا تزال تدافع عن المجنونة بقوة، وترفض معاملتها بتلك القسوة:
- دعوها تخبرنا بما لديها، فما زلنا لم نسمع كل شيء بعد وهذا ليس عدلا!فرمقتها الفكرة الصارمة بنظرة لوم:- هل الان فقط استيقظ حس العدالة لديك؟ أين كنت عندما كادت المجنونة ان تقتل السعيدة؟!فردت عليها العادلة بغضب:- هذا لأنكم لم ترغبوا بسماعها، وتركتم المجال للفكرة السعيدة تسرح وتمرح على حسابها، فكانت تلك هي النتيجة الحتمية للظلم، وأنا لن اسكت عليكم أكثر!فحاولت الفكرة العاقلة تهدئتها واقناعها أن هذا هو الحل الوحيد حاليا، ريثما تهدأ الفكرة المجنونة قليلا، فليس من المعقول اطلاقها الان، بعد أن ابرحت الفكرة السعيدة ضربا وركلا وخنقا حتى كادت أن تقضي عليها وتزهق نفسها، لولا تدخل عدد من الافكار لانقاذها!لم اعرف ما الذي حصل بالضبط، رغم أنني لا استبعد أي شيء بحسب خبرتي بتلك الفكرة المجنونة، التي كادت أن تجنني أنا شخصيا منذ أن ظهرت مؤخرا! لقد نجحتُ في حبسها آخر مرة، ولن أسمح لها بافساد مزاجي مجددا، او الاعتداء على افكاري المفضلة! من حسن الحظ أن الفكرة السعيدة تجاوزت مرحلة الخطر، وبدأت تتعافي تدريجيا، وهكذا قررت أن استرخي قليلا..أخذت الفكرة السعيدة تشرح وجهة نظرها والدموع تترقرق في عينيها، وهي تحاول مداواة جروحها، واستعادة رباطة جأشها، لتسترد ابتسامتها:- لطالما كان هدفي أن نساهم في سعادة الأسر والحد من ظاهرة الطلاق حتى انهائها تماما، من خلال نشر المحبة والوئام والتفاهم بين الازواج باعتبارهم عماد الاسرة، فبهذه الطريقة ينشا اطفال اسوياء سعداء، في ظل والدين متحابين متعاونين، يغمرهم الحب والعطف والحنان، فيعيش الجميع بأمان وسلام..كانت الافكار البريئة والجميلة والرقيقة واللطيفة يستمعون لكلمات الفكرة السعيدة وعيونهم تتلألأ بنظرات الفرح والاعجاب وهم يهتفون بحماسة تشجيعا لها، فيما تابعت الفكرة السعيدة كلامها:- يجب أن لا نسمح لأي شيء بافساد عالم الأطفال، فهم المستقبل الذي نتطلع إليه، وهكذا نصبح أمة صالحة وقوية و..- بل أمة ضعيفة غبية..
فوجئ الجميع بذلك الصوت المزلزل الذي قاطع كلام الفكرة السعيدة، وافسد عليهم ذلك الجو السعيد، لينصدموا بالفكرة المجنونة وقد نجحت بتمزيق اللاصق الذي الصق فمها بعد أن عضته باسنانها لتصرخ بتلك الكلمات المدوية!
ارتجفت الافكار الجميلة والبريئة والرقيقة واللطيفة في اماكنهم وهم يهمسون لبعضهم بخوف وقلق:- يجب ان يسيطروا على تلك المجنونة قبل ان تخرب بيوتنا وبيوت العالم..حتى الفكرة الغبية لم تجرؤ على الرد عليها، او الدفاع عن كرامتها، في حين اسرعت الافكار الحازمة والصارمة والتقليدية للمبادرة بتكميم فم الفكرة المجنونة مجددا، مع احكام وثاقها بشدة، والتأكد من عصب عينيها بالاضافة لاغلاق اذنيها أيضا.. حتى لا يتركون لها متنفسا!وبينما تابعت الفكرة السعيدة كلامها وسط تصفيق واعجاب الحاضرين، إذ شعر الجميع بحرارة تصببّ على إثرها عرقهم! فرغم انهم على مشارف فصل الشتاء، والجو بارد أصلا، غير أن الحرارة أخذت ترتفع باطراد وكأن هناك نار مضرمة تزداد اشتعالا لا يُعرف مصدرها، حتى صرخت إحدى الافكار، وهي تشير باصبعها نحو الفكرة المجنونة بفزع:
- يا الهي.. انظروا الى تلك المجنونة يبدو أنها تحولت لقنبلة موقوتة، بل بركان هائج على وشك الانفجار!كان منظر الفكرة المجنونة مرعبا حقا، فرغم السلاسل والاغلال التي تقيدها وتكمم فمها وتعصب عينيها بل وتغلق اذنيها، إلا أنها بدت ككرة عملاقة ملتهبة تتمدد بغليان مرعب يقاوم كل تلك السلاسل والقيود التي تحيط بها، فيما انبعثت الطاقة منها- مع زيادة حرارتها- كاشعاع جسم اسود ينذر بالاقتراب من الكارثة فوق البنفسجية، حيث يكون الاشعاع ذا قدرة لا نهائية، بحسب وصف علماء الفيزياء!فما كان من الفكرة الذكية إلا أن أسرعت نحوها لعلها تنجح بتدارك الأمر قبل أن يتم القضاء عليهم جميعا دفعة واحدة! وبهدوء وحذر اقتربت منها رغم الحرارة الشديدة:
- هدئي من روعك رجاء.. سانزع اللاصق عن فمك لتفضفي عن نفسك قليلا ونفهم ماذا حدث معك..فصرخت بها الفكرة السعيدة محذرة:- هل جننت أنت ايضا؟ ستقتلنا جميعا إذا فعلت!فردت عليها الفكرة الذكية:
- بل سيقتلنا تجاهلها وارغامها على السكوت أكثر، سنستمع لما تقوله ثم نتصرف، فلسنا اغبياء لكي...فقاطعتها الفكرة الغبية بغضب:- إذا رايتموني اسكت على الاهانة مرة، فلا يعني انني سأسكت كل مرة، لذا احترمي نفسك ايتها الذكية، وإلا فانا مستعدة للقتال معك الان حتى نعرف من هي الاقوى!فتنهدت الفكرة الذكية باحباط، وهي تحدث نفسها:
- هذا ما كان ينقصنا، وكأن هذا وقتها الان، نحن على وشك أن نهلك كلنا معا بالانفجار وهذه الغبية تريد القتال! لا مجال لمجادلتها لذا ساختصر الموضوع معها كالعادة..والتفتت نحو الفكرة الغبية معتذرة:- اعتذر بشدة.. لم اكن أقصد الاساءة، فأنت اقوى مني بلا شك، المهم دعونا نركز على ايجاد حل قبل فوات الاوان!وبحذر شديد استطاعت الفكرة الذكية تحرير فم الفكرة المجنونة، والتي سرعان ما انطلقت تتحدث بانفعال:- قد تظنون أنني مجنونة، وتصفونني بالجنون لتريحوا انفسكم من التضحية وتحمل المسؤولية، فإذا كنتم ترون أن هذا العالم عاقلا فإنني اتشرف بجنوني، كما تسمونه، بل اذكركم أنكم لم تروا شيئا منه بعد! انني احذركم فقط.. فاتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد.. يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من اتى الله بقلب سليم.. يوم يفر المرء من اخيه وامه وابيه وصاحبته وبنيه، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه.. يوم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه، وصاحبته وأخيه، وفصيلته التي تؤويه.. ومن في الارض جميع ثم ينجيه..
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ)لذلك عندما اقول لكم أن حفظ الدين والقيم والثبات على الحق لدى الفرد أهم من حفظ الاسرة، وأن الطلاق ليس هو أكبر مشكلة؛ فهذا لا يعني أنني ادعو لهدم الاسرة ولا خرابها كما تتهمني الفكرة السعيدة، فلست ممن يخبب امراة على زوجها ولا رجل على امراته، ولكن هذا لا يعني أن نغمض أعيننا على فساد بعض الاسر ونجمّلها بحجة حفظها!فهل سيدنا موسى عليه السلام هو من (خرب) بيت السيدة آسيا امراة فرعون؟ألم تكن تعيش حياة مرفهة منعمة في ظل زوج غني كريم يحبها ويحترمها ويحقق لها كل ما تريد ولم يقصر معها في شيء، حتى أنه تنازل لاجلها وسمح لها بتبني ذلك الطفل الذي كان يشكل تهديدا له؟!لقد كانت حياتها مع زوجها منعمة هانئة حتى بعث الله سيدنا موسى عليه السلام فآمنت به وبدعوته وكفرت بزوجها وملته، فكانت النتيجة ان (خربت بيتها) كما قد يُقال، في حين أنه كان بامكانها أن تجاري زوجها، لتحفظ بيتها، وتكمل حياتها بهدوء معه، لتحفظ الحب والعشرة، وتقول أنه لا حول لها ولا قوة! اليس هذا ما تريدونه؟! لكنها لم تفعل ذلك، بل ضربت بالعشرة والحب عرض الحائط، ولم تجعل أيا من ذلك يثنيها عن العودة للحق والثبات عليه، ولو كانت حياتها الثمن!فهل هي اخطأت عندما آثرت بيتا في الجنة على بيت فاسد في الدنيا؟!اليست بفعلتها تلك استحقت أن تكون مثلا للذين آمنوا، يخلد ذكرها بالقرآن العظيم لتكون قدوة لمن يأتي بعدها، فتظل دعوتها محفوظة عبر الاجيال، نتعلم من خلالها أن لا شيء في الدنيا يستحق أن نؤثره على الجنة؟!
(رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله..)فمن هذا الذي قال أن حفظ الاسرة والحب والعشرة والوئام بين الزوجين له الاولوية القصوى ولو على حساب الدين ورضا الله؟لو كان كذلك.. لما امر الرسول- صلى الله عليه وسلم- ابنته السيدة زينب رضي الله عنها بفراق زوجها، الذي احبته واحبها واكرمها واحسن عشرتها ولم يؤذها قط؛ فقط لأنه لم يسلم!حفظ الدين ورضا الله هو الاولوية التي يجب أن نركز عليها، فأي ام هذه التي ستنشئ جيلا صالحا إذا رآها اولادها تسكت على المنكر والفحش الظاهر من زوجها، بل وتسايره حتى تنساق معه بمنكراته وفحشه، بحجة الحفاظ على الاسرة؟!وأي اب هذا الذي سيكون قدوة صالحة لابنائه إذا رأوه يتغاضى عن الفحش والمنكرات في بيته، ويساير زوجه على ذلك دون أن يكلف نفسه عناء تحمل مسؤولية الاصلاح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، بحجة عدم خراب بيته!!من قال بأن مصلحة الاولاد تكمن في وجودهم ضمن نطاق اسرة مترابطة ولو على حساب الخلق والدين والقيم!!أي مصلحة هذه بالضبط؟!هل هي المصلحة التي ستضمن لهم دنياهم وتضيع آخرتهم؟!!الام التي ايقنت ان زوجها سيفسد اولاده بارتكاب المنكرات امامهم، وليس بمقدورها فعل شيء لتغيير ذلك او انكاره، بل وقد تخشى على ثباتها أيضا؛ فانسحابها افضل إن كان بمقدورها ذلك، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فهي إذا لم تنجح باخذ اولادها بعيدا لتربيتهم تربية صالحة ريثما يبلغون ويتحملوت مسؤولية انفسهم، فهي على الاقل لم تجعلهم يشاهدونها وهي تشارك اباهم بالمنكر، وستكون فرصة لهم حتى يفكروا ولا يعتادوا المنكر باعتباره شيء عادي!والكلام نفسه ينطبق على الاب الذي...غير ان الفكرة السعيدة قاطعتها بانفعال وعصبية، إذ لم تعد تحتمل السكوت أكثر:- على هذا المعدل لن يبقى زوجين تحت سقف واحد بسبب جنونك! لا اسيئ الظن بك ولكن الا تلاحظين أنك بكلامك هذا ستشجعين على التفكك الاسري أكثر؟! الا يكفي ما نراه من ارتفاع نسب الطلاق والمشاكل الاسرية في المحاكم وضياع الاطفال وتشتتهم...فردت عليها الفكرة المجنونة بقولها:- هذا لان اغلبهم لم يكونوا يفعلون ذلك لاجل الله، او ابتغاء مرضاته، بل لاجل انفسهم وقد رايت ذلك بعيني، فلا تعممي لتثبتي وجهة نظرك..فقالت لها الفكرة السعيدة:- إذن لا تعممي أنت أيضا، لأن من الضروي أن نحث الزوجين على التفاهم والتعايش وحتى التنازل لتستقر الحياة، فلا شيء كامل..- التنازل لا يكون على حساب الدين والثوابت والحرام والحلال، ولا أحد ينكر أن التنازلات ضرورية أحيانا فيما يتعلق بحقوق الشخص نفسه، ولكن ليس في حدود الله وحرماته والصواب والخطأ!وتابعت الفكرة المجنونة كلامها بانفعال كمن تفرغ كل ما في جعبتها دفعة واحدة حتى لا يوقفها أحد:- تجدين منهم من لا تهتز له شعرة في جسده لانتهاك حرمات الله، ثم يغضبون اذا ما تم انتهاك حقوقهم او التقصير معهم او عدم تقديرهم!فتاة اغضبت والديها لاجل ان ترتبط بمن تحب، ثم خلعت حجابها ارضاء له، وشاركته سهراته في مشاهدة المنكرات بحجة التفاهم معه، ولم يكن لديها اي مشكلة في كل ما يفعله طالما كان الحب مشتعلا ينهما ويلبي سقف طموحاتها، ولكن عندما شعرت أنه لم يعد يحبها، او خَفَتَ حبه في قلبها لاي سبب كان؛ قامت قيامتها لتطالب بالطلاق بحجة الخيانة!!ليس وكأنها كانت تخشى من ان يحل عليهم غضب الله وهي تتعاون معه على الاثم والعدوان، أو انها غضبت لتجاوزه حدود الله بارتكاب الموبقات، بل هي فقط غضبت عندما اصبح الامر يتعلق بمصلحتها ومشاعرها الشخصية!رجل لا يبالى وهو يرى زوجته تنشر صورا بلا حياء ولا حشمة على الملأ عبر حساباتها، بحجة الحرية الشخصية وأن كل محاسب عن نفسه، بل وقد يشجعها على ذلك طالما هي لم تقصر بحقه؛ ثم لا يغضب إلا إذا اهملت شؤون المنزل وموعد طعامه! هذا ما غضب إلا لنفسه!المراة التي لا تبالي بارتكاب زوجها للفواحش وسلك سبيل الحرام، بل وقد تشجعه على ذلك حتى لا يتزوج عليها بالحلال، بحجة الحفاظ على بيتها بحسب ادعائها، دون أن يكون لديها أي مشكلة في ذلك، ثم لا تطلب الطلاق إلا إذا شعرت بتقصيره معها واهماله لها، فهذه ما فعلت ذلك لأجل الله، وشتان بين من تركت بيتها لأجل الله، ومن تركته لأجل غيره!شاب اغضب والديه حتى ارتبط بمن يهواها قلبه رغما عن انفهما، غير مبال بهما ولا بمشاعرهما ولا بتضحياتهما من أجله واهتمامهما بمصلحته، ثم عندما فقد شغفه بها وأحب غيرها، طلقها بحجة ان والديه غير راضيين عنها، وقد كذب والله!من يمسك لله ويترك لله، لا يستوي هو ومن يفعل ذلك لأجل هواه، فإنما الأعمال بالنيات، وكل انسان ادرى بنفسه ونواياه، فمن اخلص نيته لله وصدقه، فسيدافع عنه الله وينصره- ولو بعد حين- ولن يضره أحد ولو اجمعت الامة كلها على تجريمه، ومن اتبع هواه فلن ينفعه أحد ولو اجمعت الامة كلها على التبرير له، (بل الانسان على نفسه بصيرة ولو القى معاذيره)ولكل مقام مقال فلا تخلطي الاوراق ببعضها!لو أن العلاقات تبنى على تقوى الله من البداية، وتستمر على ما شرعه الله، وإذا حصلت ظروف قاهرة تمنعها من الاستمرار انتهت بما يرضى الله؛ لما حدثت كل تلك المشاكل ولا ضاع الاطفال، ومن يتق الله يجعل له مخرجا! وقد لخص الله لنا الحل بجملة واحدة:
"فامساك بمعروف او تسريح باحسان"فمن هذا الذي اقنعنا بأن الأهم هو الامساك ولو على حساب المعروف؟ومن هذا الذي جرّم التسريح ولو كان باحسان؟!من هذا الذي وضع لنا هذه المعايير؟لم ينه الله عن الطلاق بل افرد له سورة باسمه، ووضع له ضوابط ليكون باحسان وعدل، في حين نهى عن الامساك باعتداء وذلك هو الظلم!(فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)الدين واضح والايات واضحة، فلماذا نفسد سلم الاولويات؟!
هل نحن أدرى بالخلق من خالقهم؟!!هل نحن أرحم بالأطفال من بارئهم؟لم يقرن الله توحيده بشيء في كتابه العزيز كما قرنها بالاحسان إلى الوالدين (وقضى ربك الا تعبدوا إلا اياه والوالدين احسانا)فمن هذا الذي برر هجر الوالدين ومقاطعتهم بحجة عدم خراب بيت الابن او الابنة، في حين أن الله جل جلاله أمر بمصاحبتهما بالحسنى خاصة عند كبر سنهما، ولو جاهدا ابنائهم على الشرك؟! هل لكم أن تتخيلوا كيف أن الله لم يجعل مجاهدة الوالدين لاولادهما على الشرك- والذي هو اكبر الكبائر- مبررا للابناء بعقوق الاباء، فما بالكم بما هو دون ذلك!!فهل اصبح حفظ البيوت- كما يقال- اولى من توحيد الله؟!!بل كيف سينشا اطفال صالحين بارين بوالديهم، وهم يرون اباءهم يعقون اجدادهم لأجلهم؟!!فردت عليها الفكرة السعيدة:- لا أحد يقول هذا ولكن لكل مقام مقال كما قلتِ، وحاليا هناك هجمات عالمية شرسة لتفكيك الاسر المترابطة باسم الحرية، حتى اصبح الحفاظ على الاسرة تحديا حقيقيا، فإذا جاء كلامك ذاك في ظل هذا السياق سيبدو وكأنك تشاركينهم من حيث لا تدري، وعندها ستقدمين خدمة مجانية بل وعظيمة جدا لكل أعداء الامة- الذين يتربصون بها الدوائر- على طبق من ذهب!فعاجلتها الفكرة المجنونة بقولها:- هذا العالم يحكمه نظام فاسد من اساسه، لم يمر على التاريخ ما هو افسد منه ولا احقر، ولا بد من اقتلاعه من جذوره، فلا يمكن البناء على اساس فاسد مهما تم تجميل هذا البناء، لذلك بدلا من أن نظل نفكر ونتصرف في اطار ردة الفعل لنتابع البناء فوق ذلك الاساس- مما يعني الاعتراف به- حريٌ بنا التعاون على تأسيس بنياننا على اسس سليمة، لا علاقة لها باساسهم! لماذا نظل ندور في حلقة مفرغة تابعة لهم؟!! لماذا لا نكون نحن من يضع الاسس والمعايير وفق ديننا الذي هو رحمة للعالمين، بدل أن نكتفي بالاصلاح كرد فعل لافسادهم وافعالهم الاستباقية وحسب!ألم يحن الأوان لكي نكون نحن من يبادر ويقرر ويقيم ويفرض ويبلغ الرسالة فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويطبق شرع الله، لنكون بحق خير أمة أخرجت للناس! ألم يستخلفنا الله في الارض لنقوم بهذا الواجب؟!إذا لم نبني بنياننا على اساس البر والتقوى فلا خير في هذا البناء وسينهار عاجلا أم آجلا، مهما حاولنا ترقيعه!عندما كنت ادعو لعدم ظلم المرأة لم أكن نسوية ولست مع النسوية بل انني ضد الفكر النسوي جملة وتفصيلا لأنه فكر باطل من اساسه وما بني على باطل فهو باطل، حتى وإن نطق بالحق أحيانا، فحتى الشيطان يفعل ذلك!وعندما كنت انتقد التشدد الديني لم اكن علمانية، فلست علمانية ولن أكون كذلك فذاك فكر باطل من اساسه، فالاسلام منهج حياة شامل كامل، ولو تم تشويهه من بعض المتشددين او المتساهلين فهذا ليس مبررا للابتعاد عنه..وعندما دعوت لاستخدام العقل لم اقدمه على الاجماع والنقل ولا انكرت السنة ولا شككت بها، فذاك منهج باطل من اساسه، منحرف عن سبيل المؤمنين ونهجهم، الذي أمرنا الله باتباعه..وعندما نهيت عن الفوضى والخروج على الظلمة لم اكن أدعو لموافقتهم على الباطل او التطبيل والتصفيق لهموعندما شجعت على التطور والمدنية لم يكن ذلك على حساب الجهاد في سبيل الله لاعلاء كلمة الحق والتضحية..فمن قال ان المهم هو ان نعيش ولو على حساب العزة والكرامة والدين؟ألم نسمع قصة سحرة فرعون وهم يردون على تهديدات فرعون لهم بالقتل والتنكيل فقالوا: "لَا ضَيْرَ ۖ إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ"؟
الم يقولوا: "لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا"
فمن هذا الذي جعل الدنيا الفانية أهم من الآخرة الباقية؟!!ليس المهم أن نعيش بقدر ما يهم كيف نعيش، والكل سيموت ولكن ما يهمنا حقا هو أن نعرف على ماذا سنموت!أن يصبح الانتحار بديلا للانفصال او عدم النجاح بالارتباط، فهذه كارثة تدل على انحراف خطير!أن يصبح زوجين غربيين كبيرين في السن قررا الانتحار معا بعد عمر طويل تعبيرا عن حبهما ووفائهما لبعضهما البعض مثالا عن الحب والوفاء؛ لهو مثال خطير إذا تمت الاشادة به للعلاقة الناجحة!ليس المهم أن تحافظ على اسرتك او تبني اسرة أو تبقى مرتبطا بمن تحب، معبرا عن وفائك امام الناس، بقدر ما يهم أن تحافظ على دينك لأجل رب الناس، فإذا فشلت في الاولى فلا تخسر الاخرة، فالناس لن يفيدوك في النهاية، والنجاة الحقيقية وكل النجاح والفلاح في الحرص على الفوز برضا رب الناس، والفوز بالنعيم الابدي في الاخرة!عش ما شئت بصحبة من شئت ومهما ظننت أنك سعيد، فإذا لم تكن خاتمتك حسنة فلا معنى لذلك كله ولا خير فيه!لذلك قد تكون السعادة العاجلة وبالا على صاحبها إذا أعمته عن حقيقة الدنيا..وهنا تدخلت الفكرة الحزينة- التي كانت تقف وحيدة بالزاوية- لاول مرة:- هذا يعني أن وجودي قد يفيدكم..فبادرتها الفكرة السعيدة بقولها:- نعوذ بالله من الحزن، فهذا لا ينقصنا.. الفكرة المجنونة أرحم منك! المشكلة ليست في السعادة بحد ذاتها فذلك الشعور نعمة عظيمة بلا شك إذا أحسنا التعامل معه وشكرنا الله عليه ولم نجعله يعمينا عن واجباتنا او يغرقنا بالغفلة، وإلا تحولت النعمة إلى نقمة، لذلك لا تظني أن السعادة مشكلة ..فعادت الفكرة الحزينة لزاويتها بحزن، فيما كانت الفكرة المجنونة تتابع كلامها غير آبهة بهم:- وهكذا عندما شددت على ضرورة بر الوايدين وغرس ذلك في نفوس الاطفال من الصغر فهذا لا يعني ان كل ام واب هم صالحين بالضرورة او قد يحسنون التربية، بل هناك امهات واباء سيكون من الافضل ابعادهم عن تربية ابنائهم، لعلهم يجدون مكانا افضل لتربيتهم على التقوى والصلاح لينشؤوا صالحين ومن ثم يكونوا عابدين لربهم بارين بوالديدهم..حاولت الفكرة السعيدة ايقاف اندفاع الفكرة المجنونة ومقاطعتها عند ذلك الحد، إذ بدى لها ان المجنونة انجرفت كثيرا- وقد ندمت على اللحظة التي فكرت فيها أن المجنونة أرحم- ولم تعد تفكر إلا بجانب واحد خشيت أن يؤثر على مستقبل الاطفال، غير أن الفكرة المجنونة لم تترك لها فرصة المقاطعة، وهي تتابع كلامها كشلال يصعب الحد من جريانه جارفا كل ما في طريقه:- من قال أن المهم أن نركز على السعادة العاجلة حتى اصبحت النعم التي يجب ان نشعر بالامتنان لها مجرد استحقاقات لنا، واصبح تقديم رغبات النفس له الاولوية؟!
لو كان كذلك لما أُمرنا بمجاهدة انفسنا، والذي يعتبر من أعظم أنواع الجهاد! النفس هي عدو الانسان الأول التي تسوقه للشهوات والاهواء والملذات، فإذا خسر امامها فلن يصمد امام اي عدو آخر! من لا يجاهد نفسه ويمنعها على الهوى، ثم لا يجاهد في بر والديه، فكيف سيثبت في جهاد ضد عدو خارجي؟!!هل عرفتم الآن لماذا انتصر اعداؤنا علينا؟!ما يهم حقا هو معرفة "الحق" والثبات عليه مهما كانت التضحيات، فلا شيء يعلو على الحق!لو كانت الاسرة او العشيرة او الاهل أهم من الحق لما قاتل سيدنا محمد صلى الله عليه سلم قومه- الذين كفروا بدعوته- مع اهل المدينة الذين امنوا به! مهما أحب الانسان اهله وقومه وعشيرته وموطنه، فلا يجب أن يدفعه ذلك لأي فعل يخالف الحق!(إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)لو كنتم تهتمون لمصلحة الأطفال حقا، فلا تخدعوهم بتزييف الحقائق، لا تجمّلوا امامهم الدنيا وكأنها كل شيء ومنتهى الأماني، لأنكم مهما حاولتم فسيأتي الوقت الذي تكشف فيها عن حقيقتها لهم! أنتم لا تضمنون أعماركم لتظلوا الى جانبهم، ولا تعرفون ما قد يواجهكم، فالدنيا لا تستقر على حال، فمن نجى من حرب قد لا ينجو من كارثة او فيضان او زلزال، ومن نجا من الكوارث قد لا ينجوا من الامراض والحوادث، ومن نجا من ذلك كله فلن ينجوت من الموت الذي لن يستأذن أحد قبل مجيئه، ولا شيء يقف في طريقه! لذلك بدلا من أن تظنوا أن بمقدوركم حماية الاطفال من المشكلات وصدمات الحياة؛ علموهم كيف يتعاملون معها بما يرضي الله، فبدلا من أن يواجهوا ذلك دون استعداد فينهارون من صدمتهم بها، أعدّوهم جيدا لها، حتى يعرفوا أن الدنيا لا تسير على هواهم، وأنها مجرد اختبار مؤقت! على الأقل دعوهم يرونكم تتصرفون بطريقة صحيحة، فلا تتنازلوا عن حق، ولا تصفقوا لباطل لأي سبب كان، فإذا خفتم عليهم فاتقوا الله كما أمركم الله:
(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)سلحوهم بالقرآن من الصغر واغرسوه في نفوسهم، حدثوهم عن الغلام المؤمن الذي عرف الحق وثبت عليه وضحى لأجل رايته، في قصة اصحاب الاخدود!فمن هذا الذي بقول أن من فاتتهم الدراسة لعامين في ظل جهاد وكفاح وفهم حقيقي لواقع الحياة، وهم ينهلون من أعظم كتاب يتدارسونه ويحفظونه، ويطبقونه واقعا عمليا يعيشونه؛ هم اسوأ حالا ممن لا زالوا يداومون في دوامة من مناهج الغفلة؟من الذي قال أن من يخضع لبرمجة ممنهجة تعميهم عن الحقيقة وتزيدهم غفلة، هم أفضل ممن فهموا حقيقة الدنيا وتحرروا من العبودية لطواغيت هذا العالم بأسره؟!!!من قال ان اصحاب البنيان والعمران والقصور الشاهقة هم أفضل حالا ممن هدّمت منازلهم وسويت بالارض في سبيل الله؟!من الذي وضع لنا تلك المعايير ضمن ذلك الاطار الفاسد حتى أصبحنا نشعر بالنقص إذا لم نبلغها؟فإذا كانت الفوضى والخراب والدمار هي الحل الوحيد لاقتلاع ذلك الاساس الفاسد المتجذر بخبث في هذا العالم راسما لنا معاييره؛ فيا مرحبا بتلك الفوضى وليحترق الاخضر واليابس لاجل ذلك..عندها همست الفكرة العاقلة بأذن الفكرة الحكيمة على انفراد:- لا يمكننا ترك هذه المجنونة تخرج وتتصرف براحتها، فهي إن فعلت فلن تخرب البيوت وحسب، بل ستخرب العالم بأسره وترسلنا جميعا خلف الشمس..فطمأنتها الفكرة الحكيمة:- لا تقلقي.. بالتأكيد لن نطلق سراحها، ولن نعطيها الحرية المطلقة ابدا، بل ستظل تحت المراقبة، ولكن لنصبر عليها الان قليلا ريثما تفرغ ما بجعبتها حتى لا تنفجر، فهذا ما تقتضيه الحكمة الان لأجل سلامتنا جميعا، وأيضا.. لا بأس من أن نستمع لها ونستفيد منها أيضا، فلم يكذب من قال "خذ الحكمة من افواه المجانين"، ثم سأجد طريقة للتصرف والتعامل معها بحكمة، بإذن الله، فاطمئني..فيما كانت الفكرة المجنونة تتابع كلامها بحماسة:- ولِنُري العالم بأسره ما هي المعايير الحقيقية لنجاته، فلا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة!
أجل.. لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة بمنع الانفاق في سبيل الله واعلاء رايته!الا تدركون ما هي حقيقة الدنيا؟؟؟هل نحن خلقنا لنأكل ونشرب ونتزوج وننجب ونجني الاموال ونتطاول في البنيان ونتكاثر؟!!
ألم يلهنا هذا التكاثر واغفلنا عن حقيقة ما خلقنا لأجله حتى زرنا المقابر!!!!لم ينهانا الله عن التكاثر، فنحن ندعو الله بخيري الدنيا والاخرة، ولكن حذرنا من ان يلهينا ويغفلنا..نحن امرنا بخلافة الارض وعمارتها، ولكن.. ليس على حساب الآخرة والهدف الحقيقي الذي خلقنا لأجله!بل إن خلافة الارض على الوجه الذي يرضي الله عنا تقتضي منا التضحية، ولا يمكن قياس ذلك بالمعايير الفاسدة التي رفعت قيمة الحياة الدنيا الفانية القصيرة، على حساب الحياة الاخرة الابدية الخالدة!لقد نجحوا في اغراقنا بوهم المادية وحساباتها الدنيوية باعتبارها واقعا نعيشه، وما هي سوى وهم!الانسان روح وجسد، فمهما جمّلنا الجسد لن يظل حيا إذا خرجت روحه، ومهما انهك الجسد وتقطع فسيظل حيا ما دامت الروح فيه!الانسان لا يموت إذا تقطع جسده بل يموت إذا خرجت روحه! هذا هو الواقع الحقيقي الذي نجحوا في اخفائه عنا ليغرقونا في وهم المادية!الجسد المصاب يمكن علاجه وسيظل حيا ما دامت روحه فيه، أما ذاك الجسد الصحيح المليح الكامل، فلن يكون سوى جثة ميتة إذا خرجت روحه منه!الجسد بلا روح ليس له قيمة!!هذه هي المعادلة البسيطة الواضحة التي لا تخفى على عاقل ولا حتى جاهل، ورغم ذلك نجحوا باقناعنا بالعكس!!يريدون لنا أن نصبح مثلهم اجسادا ميتة مسلوبة الارادة تتحرك وفق معايير مبرمجة، وهي تظن أنها أحسنت صنعا، في حين أن جسدا هزيلا مشلولا حر الارادة كامل العزيمة لا زالت روحه القوية لم تغادر جسده لهو الحي فعلا، وما البقية الا حفنة أموات!الجسد السقيم يرجى له المعافاة إن كانت روحه لم تفارقه، ولكن كيف لنا أن نحيي جسدا سليما صحيحا إذا خرجت روحه؟!الجسد بلا روح لا معنى له فما هو إلا جثة هامدة! والكل يعرف ذلك وإلا لما دفن أحدهم ميتا!وهنا أخذت الفكرة الغبية تهمس للذكية بتعجب:
- الا تلاحظين ان المجنونة اصبحت تعيد كلامها نفسه وتكرره؟! حتى انا الغبية استوعبت ذلك، حتى اصابني الملل!! ألم يعد لديها ما تقوله سوى تكرار الكلام؟!!آثرت الذكة الصمت، فيما كانت الفكرة المجنونة تصرخ بهيستيريا وهي تتابع كلامها:- الا تدركون هذا؟!!! المادية مجرد وهمالجسد لا شيء بدون الروح! الواقع الحقيقي ليس ماديا وحسب، فكفانا وهما!!لقد خدعونا ونجحوا في اقناعنا بأن ذلك الوهم المادي هو الواقع، ولا يجب السكوت عن ذلك أكثر، فلا تعتبروا كلامي ضربا من الجنون الذي تتجاهلونه!!وهنا تدخلت الفكرة العالمة لعلها تتدارك الوضع قبل أن تخرج الفكرة المجنونة عن السيطرة أكثر:- هدئي من روعك يا عزيزتي، اتفق معك تماما، فقد أثبت العلم أيضا أن واقعنا ليس ماديا، واي شخص لديه ثقافة بسيطة في ميكانيكا الكم سيفهم ما اقصده! فبعدما كان العلماء الاوائل يظنون أن قوانين الفيزياء (الفيزياء الكلاسيكية كما عُرفت لاحقا) هي قوانين حتمية تصف الكون؛ اكتشفوا أن ذلك لم يكن سوى وهم يصف العالم المرئي الظاهري وحسب، وأن قوانين الكون على المستوى دون الذري تخضع لقوانين أكثر تعقيدا لا تكاد تدخل العقل أو المنطق، حتى أن اينشتين بنفسه كاد أن يصاب بالجنون! كانت نقلة نوعية في تاريخ الفيزياء الحديثة قلبت البديهيات والمفاهيم العلمية السائدة راسا على عقب!فمن كان يتخيل أن المراقبة والوعي يؤثر في نتائج القياس! من كان يتصور او يخطر بباله حتى أننا إذا راقبنا الالكترون فسيتصرف بطريقة مختلفة عما إذا تركناه بدون مراقبة!!فكيف عرف الالكترون أننا نراقبه أصلا؟! هل هو يفكر ولديه وعي بنا؟!لا أريد أن اطيل عليكم، لكن إذا كنتم مهتمين حقا فاقرؤوا عن تجربة الشق المزدوج، وسأكتفي بموافقة الفكرة المجنونة بكلامها الاخير، واضيف عليه:
الروح والجسد، قد يقابل الموجة والمادة، وكما تسقط القوانين الكلاسيكية أمام الواقع الكمي دون الذري؛ فمن باب أولى أن تسقد القوانين المادية عندما نتحدث عن الواقع الروحي أو الروحاني كما يسميه البعض! وهذا بلا شك يقتضي منا نشر التوعية!فتحمست الفكرة المرحة لتضيف بمرح:- بالتأكيد سنفعل ذلك ولكن عن طريق الترفيه ليكون أكثر مرحا وتأثيرا بالاجيال الناشئة بإذن الله، كما فعلت اليابان.. سننتج الانمي إن شاء الله.. وسنكون بإذن الله نبراسا لكل المانجاكا ليسيروا على هذا الدرب فننشر الوعي ونغير العالم للأفضل بإذن الله، فكما قال الداعية الياباني كيوشيرو سوغيموتو الذي انبهر باكتشافه لوجود الآخرة:
"لم أتخيل ابدا ذلك لأن الناس مشغولون جدا بهذه الدنيا"فكرة الاخرة جعلته يفهم هذه الحياة بشكل أفضل بعد أن ادرك أن لكل شخص اختباره الخاص مما جعله يعثر على اجابات منطقية لكل الاسئلة التي كانت تراوده قبل اسلامه! تخيلوا لو أننا نجحنا بانتاج أعمال تنشر هذا الوعي خاصة بين الاجيال الناشئة، فهكذا يستمتعون ويتعلمون أن الحياة رحلة لا تخلو من جمال فلا ينسوا نصيبهم منها بما يرضي الله، وأن لكل شيء حكمة فيحمدون الله على ذلك، ولكل منهم اختباره الخاص الذي هو بطله، فيبتهجوا ويتفاءلوا ويجتهدوا في ابداع قصص بطولتهم، بعد أن يدركوا أن أمر المؤمن كله خير إن اصابه ضراء صبر، فكان خير له وإن اصابته سراء شكر فكان خيرا له..فقالت الفكرة المجنونة وقد بدت أكثر هدوءا:- المهم أن لا نخضع لمعايير النظام العالمي الفاسد الذي يجب أن نسعة بجد لاقتلاعه..فضحكت الفكرة المرحة وهي تقفز بحماسة:- حتى نفعل ذلك يجب أن نجتهد ونصبر ونتدرب كثيرا حتى نصبح اقوياء كما قال الهوكاجي الاول هاشيراما سينجو فالجراء الصغيرة لا يُسمع نباحها..كنت استمع لكل تلك الافكار باهتمام، حتى انني فقدت رغبتي بإعادة تقييد الفكرة المجنونة، فما دامت هناك افكار أخرى تقوم بمراقبتها ومراجعة كلامها، فلا داعي للقلق، ومع ذلك فالحذر واجب بلا شك، وإن كان الأولى هو التركيز على ذلك الهدف!لا خيار آخر.. إذا كان لا بد لنا من اجتثاث ذلك الاساس الفاسد فلا بد لنا من قوة، نحن بحاجة للقوة بكل اشكالها والوانها، قوة العلم.. قوة المال.. قوة النفوذ والاعلام والتاثير.. والأهم من ذلك قوة الايمان والثبات على الحق، وهذا بحاجة للصبر والعمل الجاد والأخذ بكل الاسباب الممكنة والمتاحة مع الاستعانة بالله فلا حول ولا قوة لنا الا بالله..
كنت لا ازال ابحث في اوراقي عندما انتبهت لصوت انثوي رقيق يحدثني:- أود أن اشكرك حقا.. شكرا لانك قدمتني انا واسرتي نموذجا للاسرة المسلمة الصالحة، فلطالما تطلعتُ لانجاب قائد صالح كالصحابي الجليل العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه، لعلي أكون سببا في عزة أمتنا، وعودتها إلى سابق مجدها، فكما قال الفاروق رضي الله عنه "نحن قوم أعزنا الله بالاسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله"، فجزاك الله خيرا لاختياري لهذا الدور..اسعدني كلامها حقا، وقبل أن أهمّ بالرد عليها، سمعت صوت رجل يوافقها القول:
- وانا اضم صوتي لصوت زوجتي.. جزاك الله خيرا على اتاحة هذه الفرصة لنا، لنكون بحق قدوة حسنة لجيل يرى أن الاسرة السعيدة المترابطة المتحابة التي تأسست على البر والتقوى، وحرصت على تربية ابنائها تربية اسلامية صالحة؛ لن تتردد لحظة في التضحية وتقديم كل ما تملك لأجل الله، اعلاء لكلمته وعزة ونصرة لأمّة نبيه صلى الله عليه وسلم، سائلين الله أن يستجيب دعوتهم:
(رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)
لأن ما يهمهم حقا هو أن يجمعهم الله في جنة الخلد حيث السعادة الابدية التي لا شقاء بعدها في دار السلام، وحتى ذلك الحين علينا أن نفهم حقيقة هذه الدنيا ونساعد ابناءنا على فهمها، حتى تتعلق قلوبهم بخالقها وحده، فهو الحي الباقي الذي لا يموت، فلا يقطعون صلتهم به أبدا، لتكون قرة أعينهم بالصلاة، مهما واجهتهم من مصاعب وشدائد، فجزاك الله خيرا مرة أخرى أن أخذت على عاتقك كتابة قصتنا لعلها تكون نموذجا طيبا وصالحا يلهم الآخرين، بإذن الله..لا شعوريا نهضت وانا ارفع يدي اليمنى بتحية عسكرية للقائد وزوجته تقديرا واحتراما لهم:- الحمد والشكر لله أولا وأخيرا أن سهّل لي ذلك، فهذا من توفيق الله، وشكرا لكم انتم.. جزاكم الله خيرا لصبركم علي، وأعدكم أنني سأبذل جهدي لاكمال قصتكم وتقديمها بأفضل ما يمكنني بإذن الله..كانت لحظات جميلة تلك التي ظهر فيها هذين البطلين العظيمين، ذكرتني بكم تأخرت على اولئك القراء الكرام الذين ينتظرون الجزء الثاني من رواية "مدرسة الفروسية" بفارغ الصبر! اتمنى ان يكونوا لا زالوا يذكرونها بعد كل تلك السنوات، وأدعو الله ان يعينني لتخصيص وقت لذلك مهما كلّف الأمر!!وهكذا لم أعد بحاجة للبحث أكثر في اوراق مذكراتي، وانا استحضر الاية العظيمة وكانها ماثلة أمامي:
(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)وتردد في نفسي صدى ذلك الصوت الذي ما فتأ يذكّرني، وهو يشاركني العمل بفضل الله وتوفيقه:"المؤمن القوي"!أجل.. هذا ما أسعى للوصول إليه- بإذن الله وعونه وتوفيقه- باستثمار كل ما وهبني الله اياه من قدرات ومواهب وامكانيات، فلا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها، لعلي بذلك أعبر عن شكري لهذه النعمة، وأساهم في نهضة الأمة، وخير العالم أجمع بإذن الله، فإذا كانت اليابان سببا في تقديم اعمال جميلة علقت بذاكرتي وأثرت بي، فحري بي أن اقدم لها شكرا على طريقتنا لعلنا نكون سببا في تعريفهم بالآخرة واخراجهم من الظلمات إلى النور بإذن الله، فأكون ممن تقر بهم عين الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده حتى اتاه اليقين ليكون بحق رحمة للعالمين، فجزاه الله عنا خير الجزاء، وحتى ذلك اللقاء المرتقب عند الحوض بإذن الله، أدعو الله أن يمدني بقوة من عنده، فيرزقني صحة في الجسد، وبركة في الوقت، وثباتا على الحق، ويعينني على تثبيت حفظ كتابه والعمل به والتخلق بأخلاقه، لأكون من أهله، ويرزقني قلبا سليما خاشعا ولسانا ذاكرا شاكرا، ويزيدني علما، وينعم علي بالعفو والعافية، وأن يجزي خيرا من يشاركني همّ هذا المشروع، وكل من ساعد ودعم او ساند وساهم فيه بأي شكل ولو بدعوة في ظهر الغيب، بل وكل من تابعنا واستفاد وافاد، عسى الله أن يتقبل منا ويرزقنا الاخلاص في القول والعمل والنية، ويوفقنا لما يحب ويرضى..(قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)***كانت تلك هي قصتي التي يسعدني ان اشاركم بها، في موضوع المرحلة الثانية من بطولة نبراس المانجاكا في دورتها الأولى، فلعلها تكون سببا في تعاوننا على البر التقوى، فكل منا على ثغرة، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، فلا تنسوني من صالح دعائكم ولكم بالمثل إن شاء الله، حتى نلقى الله جميعا وهو راض عنا، ونلتقي بجنة الخلد حيث يكون بإمكاننا أخيرا أن ننعم براحة وسعادة ابدية نستذكر فيها كل هذه المواقف واللحظات في حياتنا الدنيا، وعندها قد نستمتع باجواء بطولة من نوع خاص نكون نحن جميعا ابطالها، بصحبة الانبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا..فحتى ذلك الحين شدوا الهمة، ومعا نحو القمة بعون الله، وتذكروا دوما الاية من سورة "الحشر":(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمينسبحانك الهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليكوصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين***
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشف الانبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ولتنظر نفس ما قدمت لغد!
لقد مر الوقت سريعا، وها أنا آتيه اليوم فردا!
نهضتُ بعد أن فتحت عيناي وانا انفض التراب عن جسدي، في اجواء يغلب علها الفزع والذهول!
ما لي ارى اولئك الاثنان الذان لم اعرفهما سابقا إلا هائمان ببعضهما البعض، وقد كانا مستعدان لفعل أي شيء لكي يبقيا معا، ولو على حساب كل شيء وأي شيء، فما بالهما الان يفران من بعضهما البعض وكأن بينهما عداوة، وكل منهما يقول: نفسي نفسي!!
الكل يجري ويفر من أقرب احبته اليه، وكأن الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد!
ماذا عني أنا؟
رغم هول المشهد وغرابته، ورغم أنني كنت وحيدة في ذلك الجو الغريب، لكنه بدا مألوفا لي ولم اتفاجأ منه، فقد قرأت عن ذلك سابقا بالتفصيل، وكنت ارجو أن اكون قد أعددت عدتي له كما يجب، ومع ذلك شعرت بخوف شديد، ومن هذا الذي قد لا يخاف في مثل هذا الموقف؟!
لقد فات الأوان عن تدارك أي شيء أو اصلاح أي شيء، ولا زالت هذه هي البداية فقط، فلم يبدأ الحساب بعد!
لقد فات الأوان عن تدارك أي شيء أو اصلاح أي شيء، ولا زالت هذه هي البداية فقط، فلم يبدأ الحساب بعد!
انني اسير مع الجموع نحو ذلك الموقف الرهيب، الذي بدا وكأنه معروف للجميع، فلا نحتاج أن يرشدنا اليه أحد!
اللهم عفوك ورحمتك، ستُنشر الصحف ولا أدري بأي يد سأوتى كتابي! سيوضع الميزان وسينادى علينا جميعا فردا فردا، وسيأتي دوري حتما لكي اقف على رؤوس الخلائق، فاللهم سترك!
الشمس حارقة والعطش شديد والوقوف والانتظار طويل، ألا من مكان أحتمي بظله؟ الا من شربة ماء تروي هذا الظمأ؟
نظرت حولي وقد تذكرت الحوض، ذلك المكان الذي طالما تخيلته، فهرعت إليه لعلى أحظى بشربة من ذلك الماء الذي وصف بأنه اشد بياضا من اللبن، واحلى من العسل، فما اشد حاجتي لهذه الشربة الآن، والأهم من ذلك لعلي القى ملهمي ومعلمي الذي ما فتأت اذكره واصلي عليه، لطالما كنت اترقب هذه اللحظة، فهل يا تراه سيستقبلني؟!
خفق قلبي بشدة، إنه هو بلا ريب، وقد رأيت الناس تمشي نحوه زمرا زمرا وكلهم يريد أن يشرب من حوضه، وهو يردد بلهفة:
- أمتي.. أمتي..
نظرت حولي وقد تذكرت الحوض، ذلك المكان الذي طالما تخيلته، فهرعت إليه لعلى أحظى بشربة من ذلك الماء الذي وصف بأنه اشد بياضا من اللبن، واحلى من العسل، فما اشد حاجتي لهذه الشربة الآن، والأهم من ذلك لعلي القى ملهمي ومعلمي الذي ما فتأت اذكره واصلي عليه، لطالما كنت اترقب هذه اللحظة، فهل يا تراه سيستقبلني؟!
خفق قلبي بشدة، إنه هو بلا ريب، وقد رأيت الناس تمشي نحوه زمرا زمرا وكلهم يريد أن يشرب من حوضه، وهو يردد بلهفة:
- أمتي.. أمتي..
كان البعض يتجهون نحوه زمرا فيسقيهم، في حين حيل بينه وبين آخرين فيرجعون على أعقابهم، وهو يتطلع نحوهم لعله ينجح بسقيهم:
"اي ربي مني ومن أمتي"
فيأتيه الجواب الحاسم:
"لا تدري ما فعلوا بعدك"!
"اي ربي مني ومن أمتي"
فيأتيه الجواب الحاسم:
"لا تدري ما فعلوا بعدك"!
شعرت بالقلق مجددا:
ماذا عني أنا؟!!
ماذا عني أنا؟!!
ألم أكن قد أعددت العدة لأجل هذه اللحظة وهذا اللقاء؟ ما بالي افقد ثقتي فجأة!
يارب.. هل لا زالت الدعوات تستجاب لو دعوتك ورجوتك الان؟ أم قد فات الأوان على كل شيء؟!!
تشجعت وتقدمت لأتفاجا بزمرة كبيرة تتبعني وتمشي خلفي، بعضهم كنت أعرفهم وبعضهم لا أذكر أنني رايتهم أو سمعت عنهم طوال حياتي، ومع ذلك بدوا وكأنهم يعرفونني جيدا، بل ويشجعونني لأحث الخطا وامضي قدما!
وهنا تذكرت ذلك المشهد الذي طالما تخيلته سابقا، لا شك أنهم هم.. أجل.. انهم هم بلا شك! لقد أخذت عهدا على نفسي وقتها أن افعل ما بوسعي لأجل الامة التي طالما احبها الحبيب صلى الله عليه وسلم، الأمة التي عمل من أجلها ودعى لها وبكى عليها، لم يترك جهدا إلا وبذله، ولا تضحية إلا قدمها، لقد أحبنا بصدق واراد ان يكون سببا في نجاتنا، إذ كان هذا أكبر همه، وكنت اتمنى ان اكون سببا في ادخال السرور لقلبه، لتقر عينه وهو يراني قد ساهمت أيضا في انقاذ امته.. لأجل هذه اللحظة عملت كثيرا واجتهدت بكل ما اوتيت من قوة، لأجل ذلك كانت مدرسة الفروسية!
وكل اولئك.. لا شك أنهم ممن كانت لهم نبراسا فأرشدتهم، وأخذت بيدهم، جيلا بعد جيل، فلم ينسوا الجميل، وها نحن معا سنشرب من الحوض بإذن الله شربة هنيئة لا نظما بعدها أبدا، من يد رسولنا الحبيب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولعل الله يظلنا جميعا بعدها تحت ظل عرشه، ففينا الشباب الصالحون الذين نشؤوا على طاعة الله، والعفيفون الذين عفّت انفسهم عن الحرام ولم ينساقوا تجاه الغواية بل قالوا إننا نخشى الله، فينا المعلقة قلوبهم بالمساجد، ومن اختلوا بانفسهم يذكرون الله ففاضت اعينهم، ومنا من انفق بيميه صدقة لا تعلم عنها حتى يساره.. فينا من اجتمع على حب الله واحبوا بعضهم في الله، لكم تطلعت أن يظلنا الله جميعا تحت ظل عرشه إذ لا ظل إلا ظله، وها هو يوم الحساب ما زال في أوله، ولعلنا كلنا ننجو برحمة الله ونجتاز الصراط، وندخل الجنة زمرا، حتى يكرمنا الله بقوله:
وكل اولئك.. لا شك أنهم ممن كانت لهم نبراسا فأرشدتهم، وأخذت بيدهم، جيلا بعد جيل، فلم ينسوا الجميل، وها نحن معا سنشرب من الحوض بإذن الله شربة هنيئة لا نظما بعدها أبدا، من يد رسولنا الحبيب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولعل الله يظلنا جميعا بعدها تحت ظل عرشه، ففينا الشباب الصالحون الذين نشؤوا على طاعة الله، والعفيفون الذين عفّت انفسهم عن الحرام ولم ينساقوا تجاه الغواية بل قالوا إننا نخشى الله، فينا المعلقة قلوبهم بالمساجد، ومن اختلوا بانفسهم يذكرون الله ففاضت اعينهم، ومنا من انفق بيميه صدقة لا تعلم عنها حتى يساره.. فينا من اجتمع على حب الله واحبوا بعضهم في الله، لكم تطلعت أن يظلنا الله جميعا تحت ظل عرشه إذ لا ظل إلا ظله، وها هو يوم الحساب ما زال في أوله، ولعلنا كلنا ننجو برحمة الله ونجتاز الصراط، وندخل الجنة زمرا، حتى يكرمنا الله بقوله:
"ادخلوها بسلام آمنين"
كم اتطلع لهذه اللحظة بشدة، حيث يمكنني الراحة أخيرا بعدها دون خوف او قلق..
أغمضت عيني وأنا أتخيل ذلك، فإذ بي انتبه على صوت أعرفه جيدا واحترمه واقدره كثيرا:
- المؤمن القوي!
اعدت اغماض عيناي وفتحتهما مرارا، وكأنني انتبه على واقعي فجأة وانا استمع لذلك الصوت الذي أكمل كلامه:
- الشهداء سعداء عند ربهم الان، اما نحن فلا زلنا في الدنيا وامامنا عمل كثير، فشدي الهمة ولا تنسي كلامك عن المؤمن القوي حتى لا يكون مجرد شعارات ترددينها كالاناشيد، نحتاج أن ننجز ما بأيدينا الآن، أرينا ذلك بشكل عملي، فالوقت يجري بسرعة!
نهضت من مقعدي وتوضأت وصليت، ورذدت الاذكار كمن يجدد شحن طاقته ليتكمن من الاستمرار..
وكالعادة لم أعرف من أين أبدأ تحديدا، فالمهام كثيرة والواجبات متراكمة، فلم أجد أفضل من تحمية خفيفة انعش بها ذاكرتي وارتب من خلالها أولوياتي..
وكالعادة لم أعرف من أين أبدأ تحديدا، فالمهام كثيرة والواجبات متراكمة، فلم أجد أفضل من تحمية خفيفة انعش بها ذاكرتي وارتب من خلالها أولوياتي..
بحثت بين دفاتر مذكراتي عن الاهداف التي كنت دونتها لنفسي ذات مرة، والمهام التي يجب علي انجازها، فرغم أنني اذكرها جيدا، ولكنني شعرت بحاجة لرؤيتها! كانت الفيزياء تبكي بالزاوية كالعادة، ورغم انني كنت اطمئنها بين الحين والآخر أنني لم انساها ولم اهجرها ولن اتخلى عنها؛ لكنها تريد مني دوما اثباتا يؤكد كلامي، حتى اشعرتني انها فقدت ثقتها بي، وكأنني اكذب عليها والعياذ بالله!
على كل حال ليس هذا وقتها، سأحاول أن اراضيها لاحقا إن شاء الله، فهناك ما هو أهم الان! غير أن حوارا هامسا بين اثنين استوقفني، وكأن أحدهما يشتكي للآخر وهو يحدثه عني:
- بالله عليك هل هذا خط؟! أشعر وكأنني مُلئت بالطلاسم لا بالجمل والكلمات!
- وما ذنبي أنا؟ هل تراني املك الارادة للاعتراض! ما أنا إلا عبد مأمور كما تعلم، ووالله لولا أن الله سلبنا ارادتنا وسخرنا لخدمتها تحت ارادتها؛ لما سكتّ عن هذه المهزلة طرفة عين! أنت لا تتخيل العار الذي اشعر به وأنا بين يديها لأخط تلك الخطوط السيئة! أكاد اجزم أنها هي بنفسها لا تستطيع قراءتها!
- اتفهم شعورك يا صديقي، ولست ألومك، فهذا قدرنا وعلينا أن نرضى به، رغم أنني لا أخفيك أنني اشعر احيانا بالغيرة من دفاتر الخطاطين المحترفين المهرة، فهي تحفة فنية بجمال خطوطها وحسن تناسقها، ما شاء الله واللهم لا حسد..
- الحمد لله على كل حال، على الأقل نحن أحسن حالا من غيرنا، فمن لطف الله بنا أنها لا تستخدمنا في حرام ولا معصية، ويبدو ان نيتها طيبة والحمد لله، وهذا ما يجعلني اصبر عليها واتحملها، فهذا أهون من الوقوع بيدٍ خبيثةٍ تستخدمني في الاثم والافساد والشر!
- كلامك صحيح، فقد ذكرتني بذلك الكتاب الذي كان يجاورني في المحل قبل أن انتقل إلى هنا! وقتها أخبرني أنه لن يسامح صاحبه ابدا، بل سيكون خصيمه وأول من يشتكي عليه يوم القيامة لينتقم الله منه، ويحاسبه حسابا عسيرا، إنه ينتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر ليقتصّ منه، بعد أن اجبره على حمل وترويج افكاره الفاسدة السيئة المفسدة الوقحة عديمة الحياء والاخلاق!
فتنهد القلم بحزن:
- إذا كان ذلك كلام كتابه؛ فما بالك بشعور قلمه؟! لا شك أنه يدعو عليه ويلعنه في اليوم أكثر من الف الف مرة!
لم أكد اسمع تلك الجملة حتى ارتجف جسدي وخفق قلبي، هل حقا قد تدعو أقلامي ودفاتري عليّ إذا لم احسن استخدامها؟!!
يا ويلتااااه! كنت على وشك أن اشكرهم على حسن ظنهم بي، والاعتذار عما سببته لهم من ضيق وحرج، ولكن بعد سماع ذلك شعرت بأن من أهم ما يجب فعله هو أن أحاول ايجاد طريقة لتحسين خطي، والأهم من ذلك أن انتبه لنفسي وبنات أفكاري...
- هل قلتِ بنات أفكارك؟! كان عليك ان تقولي وحوش افكارك، فلا أظن اولئك بنات بأي شكل من الاشكال! قال بنات قال!
تلفتّ حولي لأعرف من هذا الذي يكلمني، غير أنه أكمل بسخرية:
- بدل ان تبحثي عني، اذهبي وتفاهمي مع بناتك.. اقصد وحوشك، فقد طحنوا بعضهم طحنا، وهم على وشك أن يقطعوا بعضهم البعض اربا اربا! وقد يقضون على بعضهم إذا لم تتداركي الموقف بسرعة! إنهم الآن في مشاجرة عنيفه بعد أن خرجت الفكرة المجنونة عن السيطرة!
ما أن سمعت اسم تلك الفكرة حتى غاص قلبي بين قدمي! كيف خرجت تلك المجنونة عن السيطرة؟!!
ألم أقم بحبسها في غياهب الجب، حتى لا تفكر بالخروج أبدا؟!!
ألم أقم بحبسها في غياهب الجب، حتى لا تفكر بالخروج أبدا؟!!
لا ينقصني المزيد من المشاكل والاتهامات بسببها، فيبدو انني غفلت عن مراقبتها، فاستغلت غيابي، وقد آن الأوان أن أجد حلا جذريا لمشكلتها، وكبح جماحها للأبد!
لم أكد الملم شتات نفسي وأفهم ما يجري، حتى بدى لي أن معظم الافكار أحكمت السيطرة على تلك المجنونة، فشدوا وثاقها وكمموا فمها، وعصبوا عينيها، غير أن الفكرة العادلة كانت لا تزال تدافع عن المجنونة بقوة، وترفض معاملتها بتلك القسوة:
- دعوها تخبرنا بما لديها، فما زلنا لم نسمع كل شيء بعد وهذا ليس عدلا!
- دعوها تخبرنا بما لديها، فما زلنا لم نسمع كل شيء بعد وهذا ليس عدلا!
فرمقتها الفكرة الصارمة بنظرة لوم:
- هل الان فقط استيقظ حس العدالة لديك؟ أين كنت عندما كادت المجنونة ان تقتل السعيدة؟!
فردت عليها العادلة بغضب:
- هذا لأنكم لم ترغبوا بسماعها، وتركتم المجال للفكرة السعيدة تسرح وتمرح على حسابها، فكانت تلك هي النتيجة الحتمية للظلم، وأنا لن اسكت عليكم أكثر!
فحاولت الفكرة العاقلة تهدئتها واقناعها أن هذا هو الحل الوحيد حاليا، ريثما تهدأ الفكرة المجنونة قليلا، فليس من المعقول اطلاقها الان، بعد أن ابرحت الفكرة السعيدة ضربا وركلا وخنقا حتى كادت أن تقضي عليها وتزهق نفسها، لولا تدخل عدد من الافكار لانقاذها!
لم اعرف ما الذي حصل بالضبط، رغم أنني لا استبعد أي شيء بحسب خبرتي بتلك الفكرة المجنونة، التي كادت أن تجنني أنا شخصيا منذ أن ظهرت مؤخرا! لقد نجحتُ في حبسها آخر مرة، ولن أسمح لها بافساد مزاجي مجددا، او الاعتداء على افكاري المفضلة! من حسن الحظ أن الفكرة السعيدة تجاوزت مرحلة الخطر، وبدأت تتعافي تدريجيا، وهكذا قررت أن استرخي قليلا..
أخذت الفكرة السعيدة تشرح وجهة نظرها والدموع تترقرق في عينيها، وهي تحاول مداواة جروحها، واستعادة رباطة جأشها، لتسترد ابتسامتها:
- لطالما كان هدفي أن نساهم في سعادة الأسر والحد من ظاهرة الطلاق حتى انهائها تماما، من خلال نشر المحبة والوئام والتفاهم بين الازواج باعتبارهم عماد الاسرة، فبهذه الطريقة ينشا اطفال اسوياء سعداء، في ظل والدين متحابين متعاونين، يغمرهم الحب والعطف والحنان، فيعيش الجميع بأمان وسلام..
كانت الافكار البريئة والجميلة والرقيقة واللطيفة يستمعون لكلمات الفكرة السعيدة وعيونهم تتلألأ بنظرات الفرح والاعجاب وهم يهتفون بحماسة تشجيعا لها، فيما تابعت الفكرة السعيدة كلامها:
- يجب أن لا نسمح لأي شيء بافساد عالم الأطفال، فهم المستقبل الذي نتطلع إليه، وهكذا نصبح أمة صالحة وقوية و..
- بل أمة ضعيفة غبية..
فوجئ الجميع بذلك الصوت المزلزل الذي قاطع كلام الفكرة السعيدة، وافسد عليهم ذلك الجو السعيد، لينصدموا بالفكرة المجنونة وقد نجحت بتمزيق اللاصق الذي الصق فمها بعد أن عضته باسنانها لتصرخ بتلك الكلمات المدوية!
ارتجفت الافكار الجميلة والبريئة والرقيقة واللطيفة في اماكنهم وهم يهمسون لبعضهم بخوف وقلق:
فوجئ الجميع بذلك الصوت المزلزل الذي قاطع كلام الفكرة السعيدة، وافسد عليهم ذلك الجو السعيد، لينصدموا بالفكرة المجنونة وقد نجحت بتمزيق اللاصق الذي الصق فمها بعد أن عضته باسنانها لتصرخ بتلك الكلمات المدوية!
ارتجفت الافكار الجميلة والبريئة والرقيقة واللطيفة في اماكنهم وهم يهمسون لبعضهم بخوف وقلق:
- يجب ان يسيطروا على تلك المجنونة قبل ان تخرب بيوتنا وبيوت العالم..
حتى الفكرة الغبية لم تجرؤ على الرد عليها، او الدفاع عن كرامتها، في حين اسرعت الافكار الحازمة والصارمة والتقليدية للمبادرة بتكميم فم الفكرة المجنونة مجددا، مع احكام وثاقها بشدة، والتأكد من عصب عينيها بالاضافة لاغلاق اذنيها أيضا.. حتى لا يتركون لها متنفسا!
وبينما تابعت الفكرة السعيدة كلامها وسط تصفيق واعجاب الحاضرين، إذ شعر الجميع بحرارة تصببّ على إثرها عرقهم! فرغم انهم على مشارف فصل الشتاء، والجو بارد أصلا، غير أن الحرارة أخذت ترتفع باطراد وكأن هناك نار مضرمة تزداد اشتعالا لا يُعرف مصدرها، حتى صرخت إحدى الافكار، وهي تشير باصبعها نحو الفكرة المجنونة بفزع:
- يا الهي.. انظروا الى تلك المجنونة يبدو أنها تحولت لقنبلة موقوتة، بل بركان هائج على وشك الانفجار!
- يا الهي.. انظروا الى تلك المجنونة يبدو أنها تحولت لقنبلة موقوتة، بل بركان هائج على وشك الانفجار!
كان منظر الفكرة المجنونة مرعبا حقا، فرغم السلاسل والاغلال التي تقيدها وتكمم فمها وتعصب عينيها بل وتغلق اذنيها، إلا أنها بدت ككرة عملاقة ملتهبة تتمدد بغليان مرعب يقاوم كل تلك السلاسل والقيود التي تحيط بها، فيما انبعثت الطاقة منها- مع زيادة حرارتها- كاشعاع جسم اسود ينذر بالاقتراب من الكارثة فوق البنفسجية، حيث يكون الاشعاع ذا قدرة لا نهائية، بحسب وصف علماء الفيزياء!
فما كان من الفكرة الذكية إلا أن أسرعت نحوها لعلها تنجح بتدارك الأمر قبل أن يتم القضاء عليهم جميعا دفعة واحدة! وبهدوء وحذر اقتربت منها رغم الحرارة الشديدة:
- هدئي من روعك رجاء.. سانزع اللاصق عن فمك لتفضفي عن نفسك قليلا ونفهم ماذا حدث معك..
- هدئي من روعك رجاء.. سانزع اللاصق عن فمك لتفضفي عن نفسك قليلا ونفهم ماذا حدث معك..
فصرخت بها الفكرة السعيدة محذرة:
- هل جننت أنت ايضا؟ ستقتلنا جميعا إذا فعلت!
فردت عليها الفكرة الذكية:
- بل سيقتلنا تجاهلها وارغامها على السكوت أكثر، سنستمع لما تقوله ثم نتصرف، فلسنا اغبياء لكي...
- بل سيقتلنا تجاهلها وارغامها على السكوت أكثر، سنستمع لما تقوله ثم نتصرف، فلسنا اغبياء لكي...
فقاطعتها الفكرة الغبية بغضب:
- إذا رايتموني اسكت على الاهانة مرة، فلا يعني انني سأسكت كل مرة، لذا احترمي نفسك ايتها الذكية، وإلا فانا مستعدة للقتال معك الان حتى نعرف من هي الاقوى!
فتنهدت الفكرة الذكية باحباط، وهي تحدث نفسها:
- هذا ما كان ينقصنا، وكأن هذا وقتها الان، نحن على وشك أن نهلك كلنا معا بالانفجار وهذه الغبية تريد القتال! لا مجال لمجادلتها لذا ساختصر الموضوع معها كالعادة..
- هذا ما كان ينقصنا، وكأن هذا وقتها الان، نحن على وشك أن نهلك كلنا معا بالانفجار وهذه الغبية تريد القتال! لا مجال لمجادلتها لذا ساختصر الموضوع معها كالعادة..
والتفتت نحو الفكرة الغبية معتذرة:
- اعتذر بشدة.. لم اكن أقصد الاساءة، فأنت اقوى مني بلا شك، المهم دعونا نركز على ايجاد حل قبل فوات الاوان!
وبحذر شديد استطاعت الفكرة الذكية تحرير فم الفكرة المجنونة، والتي سرعان ما انطلقت تتحدث بانفعال:
- قد تظنون أنني مجنونة، وتصفونني بالجنون لتريحوا انفسكم من التضحية وتحمل المسؤولية، فإذا كنتم ترون أن هذا العالم عاقلا فإنني اتشرف بجنوني، كما تسمونه، بل اذكركم أنكم لم تروا شيئا منه بعد! انني احذركم فقط.. فاتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد.. يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من اتى الله بقلب سليم.. يوم يفر المرء من اخيه وامه وابيه وصاحبته وبنيه، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه.. يوم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه، وصاحبته وأخيه، وفصيلته التي تؤويه.. ومن في الارض جميع ثم ينجيه..
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ)
لذلك عندما اقول لكم أن حفظ الدين والقيم والثبات على الحق لدى الفرد أهم من حفظ الاسرة، وأن الطلاق ليس هو أكبر مشكلة؛ فهذا لا يعني أنني ادعو لهدم الاسرة ولا خرابها كما تتهمني الفكرة السعيدة، فلست ممن يخبب امراة على زوجها ولا رجل على امراته، ولكن هذا لا يعني أن نغمض أعيننا على فساد بعض الاسر ونجمّلها بحجة حفظها!
فهل سيدنا موسى عليه السلام هو من (خرب) بيت السيدة آسيا امراة فرعون؟
ألم تكن تعيش حياة مرفهة منعمة في ظل زوج غني كريم يحبها ويحترمها ويحقق لها كل ما تريد ولم يقصر معها في شيء، حتى أنه تنازل لاجلها وسمح لها بتبني ذلك الطفل الذي كان يشكل تهديدا له؟!
لقد كانت حياتها مع زوجها منعمة هانئة حتى بعث الله سيدنا موسى عليه السلام فآمنت به وبدعوته وكفرت بزوجها وملته، فكانت النتيجة ان (خربت بيتها) كما قد يُقال، في حين أنه كان بامكانها أن تجاري زوجها، لتحفظ بيتها، وتكمل حياتها بهدوء معه، لتحفظ الحب والعشرة، وتقول أنه لا حول لها ولا قوة! اليس هذا ما تريدونه؟! لكنها لم تفعل ذلك، بل ضربت بالعشرة والحب عرض الحائط، ولم تجعل أيا من ذلك يثنيها عن العودة للحق والثبات عليه، ولو كانت حياتها الثمن!
فهل هي اخطأت عندما آثرت بيتا في الجنة على بيت فاسد في الدنيا؟!
اليست بفعلتها تلك استحقت أن تكون مثلا للذين آمنوا، يخلد ذكرها بالقرآن العظيم لتكون قدوة لمن يأتي بعدها، فتظل دعوتها محفوظة عبر الاجيال، نتعلم من خلالها أن لا شيء في الدنيا يستحق أن نؤثره على الجنة؟!
(رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله..)
(رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله..)
فمن هذا الذي قال أن حفظ الاسرة والحب والعشرة والوئام بين الزوجين له الاولوية القصوى ولو على حساب الدين ورضا الله؟
لو كان كذلك.. لما امر الرسول- صلى الله عليه وسلم- ابنته السيدة زينب رضي الله عنها بفراق زوجها، الذي احبته واحبها واكرمها واحسن عشرتها ولم يؤذها قط؛ فقط لأنه لم يسلم!
حفظ الدين ورضا الله هو الاولوية التي يجب أن نركز عليها، فأي ام هذه التي ستنشئ جيلا صالحا إذا رآها اولادها تسكت على المنكر والفحش الظاهر من زوجها، بل وتسايره حتى تنساق معه بمنكراته وفحشه، بحجة الحفاظ على الاسرة؟!
وأي اب هذا الذي سيكون قدوة صالحة لابنائه إذا رأوه يتغاضى عن الفحش والمنكرات في بيته، ويساير زوجه على ذلك دون أن يكلف نفسه عناء تحمل مسؤولية الاصلاح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، بحجة عدم خراب بيته!!
من قال بأن مصلحة الاولاد تكمن في وجودهم ضمن نطاق اسرة مترابطة ولو على حساب الخلق والدين والقيم!!
أي مصلحة هذه بالضبط؟!
هل هي المصلحة التي ستضمن لهم دنياهم وتضيع آخرتهم؟!!
الام التي ايقنت ان زوجها سيفسد اولاده بارتكاب المنكرات امامهم، وليس بمقدورها فعل شيء لتغيير ذلك او انكاره، بل وقد تخشى على ثباتها أيضا؛ فانسحابها افضل إن كان بمقدورها ذلك، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فهي إذا لم تنجح باخذ اولادها بعيدا لتربيتهم تربية صالحة ريثما يبلغون ويتحملوت مسؤولية انفسهم، فهي على الاقل لم تجعلهم يشاهدونها وهي تشارك اباهم بالمنكر، وستكون فرصة لهم حتى يفكروا ولا يعتادوا المنكر باعتباره شيء عادي!
والكلام نفسه ينطبق على الاب الذي...
غير ان الفكرة السعيدة قاطعتها بانفعال وعصبية، إذ لم تعد تحتمل السكوت أكثر:
- على هذا المعدل لن يبقى زوجين تحت سقف واحد بسبب جنونك! لا اسيئ الظن بك ولكن الا تلاحظين أنك بكلامك هذا ستشجعين على التفكك الاسري أكثر؟! الا يكفي ما نراه من ارتفاع نسب الطلاق والمشاكل الاسرية في المحاكم وضياع الاطفال وتشتتهم...
فردت عليها الفكرة المجنونة بقولها:
- هذا لان اغلبهم لم يكونوا يفعلون ذلك لاجل الله، او ابتغاء مرضاته، بل لاجل انفسهم وقد رايت ذلك بعيني، فلا تعممي لتثبتي وجهة نظرك..
فقالت لها الفكرة السعيدة:
- إذن لا تعممي أنت أيضا، لأن من الضروي أن نحث الزوجين على التفاهم والتعايش وحتى التنازل لتستقر الحياة، فلا شيء كامل..
- التنازل لا يكون على حساب الدين والثوابت والحرام والحلال، ولا أحد ينكر أن التنازلات ضرورية أحيانا فيما يتعلق بحقوق الشخص نفسه، ولكن ليس في حدود الله وحرماته والصواب والخطأ!
وتابعت الفكرة المجنونة كلامها بانفعال كمن تفرغ كل ما في جعبتها دفعة واحدة حتى لا يوقفها أحد:
- تجدين منهم من لا تهتز له شعرة في جسده لانتهاك حرمات الله، ثم يغضبون اذا ما تم انتهاك حقوقهم او التقصير معهم او عدم تقديرهم!
فتاة اغضبت والديها لاجل ان ترتبط بمن تحب، ثم خلعت حجابها ارضاء له، وشاركته سهراته في مشاهدة المنكرات بحجة التفاهم معه، ولم يكن لديها اي مشكلة في كل ما يفعله طالما كان الحب مشتعلا ينهما ويلبي سقف طموحاتها، ولكن عندما شعرت أنه لم يعد يحبها، او خَفَتَ حبه في قلبها لاي سبب كان؛ قامت قيامتها لتطالب بالطلاق بحجة الخيانة!!
ليس وكأنها كانت تخشى من ان يحل عليهم غضب الله وهي تتعاون معه على الاثم والعدوان، أو انها غضبت لتجاوزه حدود الله بارتكاب الموبقات، بل هي فقط غضبت عندما اصبح الامر يتعلق بمصلحتها ومشاعرها الشخصية!
رجل لا يبالى وهو يرى زوجته تنشر صورا بلا حياء ولا حشمة على الملأ عبر حساباتها، بحجة الحرية الشخصية وأن كل محاسب عن نفسه، بل وقد يشجعها على ذلك طالما هي لم تقصر بحقه؛ ثم لا يغضب إلا إذا اهملت شؤون المنزل وموعد طعامه! هذا ما غضب إلا لنفسه!
المراة التي لا تبالي بارتكاب زوجها للفواحش وسلك سبيل الحرام، بل وقد تشجعه على ذلك حتى لا يتزوج عليها بالحلال، بحجة الحفاظ على بيتها بحسب ادعائها، دون أن يكون لديها أي مشكلة في ذلك، ثم لا تطلب الطلاق إلا إذا شعرت بتقصيره معها واهماله لها، فهذه ما فعلت ذلك لأجل الله، وشتان بين من تركت بيتها لأجل الله، ومن تركته لأجل غيره!
شاب اغضب والديه حتى ارتبط بمن يهواها قلبه رغما عن انفهما، غير مبال بهما ولا بمشاعرهما ولا بتضحياتهما من أجله واهتمامهما بمصلحته، ثم عندما فقد شغفه بها وأحب غيرها، طلقها بحجة ان والديه غير راضيين عنها، وقد كذب والله!
من يمسك لله ويترك لله، لا يستوي هو ومن يفعل ذلك لأجل هواه، فإنما الأعمال بالنيات، وكل انسان ادرى بنفسه ونواياه، فمن اخلص نيته لله وصدقه، فسيدافع عنه الله وينصره- ولو بعد حين- ولن يضره أحد ولو اجمعت الامة كلها على تجريمه، ومن اتبع هواه فلن ينفعه أحد ولو اجمعت الامة كلها على التبرير له، (بل الانسان على نفسه بصيرة ولو القى معاذيره)
ولكل مقام مقال فلا تخلطي الاوراق ببعضها!
لو أن العلاقات تبنى على تقوى الله من البداية، وتستمر على ما شرعه الله، وإذا حصلت ظروف قاهرة تمنعها من الاستمرار انتهت بما يرضى الله؛ لما حدثت كل تلك المشاكل ولا ضاع الاطفال، ومن يتق الله يجعل له مخرجا! وقد لخص الله لنا الحل بجملة واحدة:
"فامساك بمعروف او تسريح باحسان"
"فامساك بمعروف او تسريح باحسان"
فمن هذا الذي اقنعنا بأن الأهم هو الامساك ولو على حساب المعروف؟
ومن هذا الذي جرّم التسريح ولو كان باحسان؟!
من هذا الذي وضع لنا هذه المعايير؟
لم ينه الله عن الطلاق بل افرد له سورة باسمه، ووضع له ضوابط ليكون باحسان وعدل، في حين نهى عن الامساك باعتداء وذلك هو الظلم!
(فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)
الدين واضح والايات واضحة، فلماذا نفسد سلم الاولويات؟!
هل نحن أدرى بالخلق من خالقهم؟!!
هل نحن أدرى بالخلق من خالقهم؟!!
هل نحن أرحم بالأطفال من بارئهم؟
لم يقرن الله توحيده بشيء في كتابه العزيز كما قرنها بالاحسان إلى الوالدين (وقضى ربك الا تعبدوا إلا اياه والوالدين احسانا)
فمن هذا الذي برر هجر الوالدين ومقاطعتهم بحجة عدم خراب بيت الابن او الابنة، في حين أن الله جل جلاله أمر بمصاحبتهما بالحسنى خاصة عند كبر سنهما، ولو جاهدا ابنائهم على الشرك؟! هل لكم أن تتخيلوا كيف أن الله لم يجعل مجاهدة الوالدين لاولادهما على الشرك- والذي هو اكبر الكبائر- مبررا للابناء بعقوق الاباء، فما بالكم بما هو دون ذلك!!
فهل اصبح حفظ البيوت- كما يقال- اولى من توحيد الله؟!!
بل كيف سينشا اطفال صالحين بارين بوالديهم، وهم يرون اباءهم يعقون اجدادهم لأجلهم؟!!
فردت عليها الفكرة السعيدة:
- لا أحد يقول هذا ولكن لكل مقام مقال كما قلتِ، وحاليا هناك هجمات عالمية شرسة لتفكيك الاسر المترابطة باسم الحرية، حتى اصبح الحفاظ على الاسرة تحديا حقيقيا، فإذا جاء كلامك ذاك في ظل هذا السياق سيبدو وكأنك تشاركينهم من حيث لا تدري، وعندها ستقدمين خدمة مجانية بل وعظيمة جدا لكل أعداء الامة- الذين يتربصون بها الدوائر- على طبق من ذهب!
فعاجلتها الفكرة المجنونة بقولها:
- هذا العالم يحكمه نظام فاسد من اساسه، لم يمر على التاريخ ما هو افسد منه ولا احقر، ولا بد من اقتلاعه من جذوره، فلا يمكن البناء على اساس فاسد مهما تم تجميل هذا البناء، لذلك بدلا من أن نظل نفكر ونتصرف في اطار ردة الفعل لنتابع البناء فوق ذلك الاساس- مما يعني الاعتراف به- حريٌ بنا التعاون على تأسيس بنياننا على اسس سليمة، لا علاقة لها باساسهم! لماذا نظل ندور في حلقة مفرغة تابعة لهم؟!! لماذا لا نكون نحن من يضع الاسس والمعايير وفق ديننا الذي هو رحمة للعالمين، بدل أن نكتفي بالاصلاح كرد فعل لافسادهم وافعالهم الاستباقية وحسب!
ألم يحن الأوان لكي نكون نحن من يبادر ويقرر ويقيم ويفرض ويبلغ الرسالة فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويطبق شرع الله، لنكون بحق خير أمة أخرجت للناس! ألم يستخلفنا الله في الارض لنقوم بهذا الواجب؟!
إذا لم نبني بنياننا على اساس البر والتقوى فلا خير في هذا البناء وسينهار عاجلا أم آجلا، مهما حاولنا ترقيعه!
عندما كنت ادعو لعدم ظلم المرأة لم أكن نسوية ولست مع النسوية بل انني ضد الفكر النسوي جملة وتفصيلا لأنه فكر باطل من اساسه وما بني على باطل فهو باطل، حتى وإن نطق بالحق أحيانا، فحتى الشيطان يفعل ذلك!
وعندما كنت انتقد التشدد الديني لم اكن علمانية، فلست علمانية ولن أكون كذلك فذاك فكر باطل من اساسه، فالاسلام منهج حياة شامل كامل، ولو تم تشويهه من بعض المتشددين او المتساهلين فهذا ليس مبررا للابتعاد عنه..
وعندما دعوت لاستخدام العقل لم اقدمه على الاجماع والنقل ولا انكرت السنة ولا شككت بها، فذاك منهج باطل من اساسه، منحرف عن سبيل المؤمنين ونهجهم، الذي أمرنا الله باتباعه..
وعندما نهيت عن الفوضى والخروج على الظلمة لم اكن أدعو لموافقتهم على الباطل او التطبيل والتصفيق لهم
وعندما شجعت على التطور والمدنية لم يكن ذلك على حساب الجهاد في سبيل الله لاعلاء كلمة الحق والتضحية..
فمن قال ان المهم هو ان نعيش ولو على حساب العزة والكرامة والدين؟
ألم نسمع قصة سحرة فرعون وهم يردون على تهديدات فرعون لهم بالقتل والتنكيل فقالوا: "لَا ضَيْرَ ۖ إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ"؟
الم يقولوا: "لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا"
فمن هذا الذي جعل الدنيا الفانية أهم من الآخرة الباقية؟!!
الم يقولوا: "لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا"
فمن هذا الذي جعل الدنيا الفانية أهم من الآخرة الباقية؟!!
ليس المهم أن نعيش بقدر ما يهم كيف نعيش، والكل سيموت ولكن ما يهمنا حقا هو أن نعرف على ماذا سنموت!
أن يصبح الانتحار بديلا للانفصال او عدم النجاح بالارتباط، فهذه كارثة تدل على انحراف خطير!
أن يصبح زوجين غربيين كبيرين في السن قررا الانتحار معا بعد عمر طويل تعبيرا عن حبهما ووفائهما لبعضهما البعض مثالا عن الحب والوفاء؛ لهو مثال خطير إذا تمت الاشادة به للعلاقة الناجحة!
ليس المهم أن تحافظ على اسرتك او تبني اسرة أو تبقى مرتبطا بمن تحب، معبرا عن وفائك امام الناس، بقدر ما يهم أن تحافظ على دينك لأجل رب الناس، فإذا فشلت في الاولى فلا تخسر الاخرة، فالناس لن يفيدوك في النهاية، والنجاة الحقيقية وكل النجاح والفلاح في الحرص على الفوز برضا رب الناس، والفوز بالنعيم الابدي في الاخرة!
عش ما شئت بصحبة من شئت ومهما ظننت أنك سعيد، فإذا لم تكن خاتمتك حسنة فلا معنى لذلك كله ولا خير فيه!
لذلك قد تكون السعادة العاجلة وبالا على صاحبها إذا أعمته عن حقيقة الدنيا..
وهنا تدخلت الفكرة الحزينة- التي كانت تقف وحيدة بالزاوية- لاول مرة:
- هذا يعني أن وجودي قد يفيدكم..
فبادرتها الفكرة السعيدة بقولها:
- نعوذ بالله من الحزن، فهذا لا ينقصنا.. الفكرة المجنونة أرحم منك! المشكلة ليست في السعادة بحد ذاتها فذلك الشعور نعمة عظيمة بلا شك إذا أحسنا التعامل معه وشكرنا الله عليه ولم نجعله يعمينا عن واجباتنا او يغرقنا بالغفلة، وإلا تحولت النعمة إلى نقمة، لذلك لا تظني أن السعادة مشكلة ..
فعادت الفكرة الحزينة لزاويتها بحزن، فيما كانت الفكرة المجنونة تتابع كلامها غير آبهة بهم:
- وهكذا عندما شددت على ضرورة بر الوايدين وغرس ذلك في نفوس الاطفال من الصغر فهذا لا يعني ان كل ام واب هم صالحين بالضرورة او قد يحسنون التربية، بل هناك امهات واباء سيكون من الافضل ابعادهم عن تربية ابنائهم، لعلهم يجدون مكانا افضل لتربيتهم على التقوى والصلاح لينشؤوا صالحين ومن ثم يكونوا عابدين لربهم بارين بوالديدهم..
حاولت الفكرة السعيدة ايقاف اندفاع الفكرة المجنونة ومقاطعتها عند ذلك الحد، إذ بدى لها ان المجنونة انجرفت كثيرا- وقد ندمت على اللحظة التي فكرت فيها أن المجنونة أرحم- ولم تعد تفكر إلا بجانب واحد خشيت أن يؤثر على مستقبل الاطفال، غير أن الفكرة المجنونة لم تترك لها فرصة المقاطعة، وهي تتابع كلامها كشلال يصعب الحد من جريانه جارفا كل ما في طريقه:
- من قال أن المهم أن نركز على السعادة العاجلة حتى اصبحت النعم التي يجب ان نشعر بالامتنان لها مجرد استحقاقات لنا، واصبح تقديم رغبات النفس له الاولوية؟!
لو كان كذلك لما أُمرنا بمجاهدة انفسنا، والذي يعتبر من أعظم أنواع الجهاد! النفس هي عدو الانسان الأول التي تسوقه للشهوات والاهواء والملذات، فإذا خسر امامها فلن يصمد امام اي عدو آخر! من لا يجاهد نفسه ويمنعها على الهوى، ثم لا يجاهد في بر والديه، فكيف سيثبت في جهاد ضد عدو خارجي؟!!
لو كان كذلك لما أُمرنا بمجاهدة انفسنا، والذي يعتبر من أعظم أنواع الجهاد! النفس هي عدو الانسان الأول التي تسوقه للشهوات والاهواء والملذات، فإذا خسر امامها فلن يصمد امام اي عدو آخر! من لا يجاهد نفسه ويمنعها على الهوى، ثم لا يجاهد في بر والديه، فكيف سيثبت في جهاد ضد عدو خارجي؟!!
هل عرفتم الآن لماذا انتصر اعداؤنا علينا؟!
ما يهم حقا هو معرفة "الحق" والثبات عليه مهما كانت التضحيات، فلا شيء يعلو على الحق!
لو كانت الاسرة او العشيرة او الاهل أهم من الحق لما قاتل سيدنا محمد صلى الله عليه سلم قومه- الذين كفروا بدعوته- مع اهل المدينة الذين امنوا به! مهما أحب الانسان اهله وقومه وعشيرته وموطنه، فلا يجب أن يدفعه ذلك لأي فعل يخالف الحق!
(إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)
لو كنتم تهتمون لمصلحة الأطفال حقا، فلا تخدعوهم بتزييف الحقائق، لا تجمّلوا امامهم الدنيا وكأنها كل شيء ومنتهى الأماني، لأنكم مهما حاولتم فسيأتي الوقت الذي تكشف فيها عن حقيقتها لهم! أنتم لا تضمنون أعماركم لتظلوا الى جانبهم، ولا تعرفون ما قد يواجهكم، فالدنيا لا تستقر على حال، فمن نجى من حرب قد لا ينجو من كارثة او فيضان او زلزال، ومن نجا من الكوارث قد لا ينجوا من الامراض والحوادث، ومن نجا من ذلك كله فلن ينجوت من الموت الذي لن يستأذن أحد قبل مجيئه، ولا شيء يقف في طريقه! لذلك بدلا من أن تظنوا أن بمقدوركم حماية الاطفال من المشكلات وصدمات الحياة؛ علموهم كيف يتعاملون معها بما يرضي الله، فبدلا من أن يواجهوا ذلك دون استعداد فينهارون من صدمتهم بها، أعدّوهم جيدا لها، حتى يعرفوا أن الدنيا لا تسير على هواهم، وأنها مجرد اختبار مؤقت! على الأقل دعوهم يرونكم تتصرفون بطريقة صحيحة، فلا تتنازلوا عن حق، ولا تصفقوا لباطل لأي سبب كان، فإذا خفتم عليهم فاتقوا الله كما أمركم الله:
(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)
(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)
سلحوهم بالقرآن من الصغر واغرسوه في نفوسهم، حدثوهم عن الغلام المؤمن الذي عرف الحق وثبت عليه وضحى لأجل رايته، في قصة اصحاب الاخدود!
فمن هذا الذي بقول أن من فاتتهم الدراسة لعامين في ظل جهاد وكفاح وفهم حقيقي لواقع الحياة، وهم ينهلون من أعظم كتاب يتدارسونه ويحفظونه، ويطبقونه واقعا عمليا يعيشونه؛ هم اسوأ حالا ممن لا زالوا يداومون في دوامة من مناهج الغفلة؟
من الذي قال أن من يخضع لبرمجة ممنهجة تعميهم عن الحقيقة وتزيدهم غفلة، هم أفضل ممن فهموا حقيقة الدنيا وتحرروا من العبودية لطواغيت هذا العالم بأسره؟!!!
من قال ان اصحاب البنيان والعمران والقصور الشاهقة هم أفضل حالا ممن هدّمت منازلهم وسويت بالارض في سبيل الله؟!
من الذي وضع لنا تلك المعايير ضمن ذلك الاطار الفاسد حتى أصبحنا نشعر بالنقص إذا لم نبلغها؟
فإذا كانت الفوضى والخراب والدمار هي الحل الوحيد لاقتلاع ذلك الاساس الفاسد المتجذر بخبث في هذا العالم راسما لنا معاييره؛ فيا مرحبا بتلك الفوضى وليحترق الاخضر واليابس لاجل ذلك..
عندها همست الفكرة العاقلة بأذن الفكرة الحكيمة على انفراد:
- لا يمكننا ترك هذه المجنونة تخرج وتتصرف براحتها، فهي إن فعلت فلن تخرب البيوت وحسب، بل ستخرب العالم بأسره وترسلنا جميعا خلف الشمس..
فطمأنتها الفكرة الحكيمة:
- لا تقلقي.. بالتأكيد لن نطلق سراحها، ولن نعطيها الحرية المطلقة ابدا، بل ستظل تحت المراقبة، ولكن لنصبر عليها الان قليلا ريثما تفرغ ما بجعبتها حتى لا تنفجر، فهذا ما تقتضيه الحكمة الان لأجل سلامتنا جميعا، وأيضا.. لا بأس من أن نستمع لها ونستفيد منها أيضا، فلم يكذب من قال "خذ الحكمة من افواه المجانين"، ثم سأجد طريقة للتصرف والتعامل معها بحكمة، بإذن الله، فاطمئني..
فيما كانت الفكرة المجنونة تتابع كلامها بحماسة:
- ولِنُري العالم بأسره ما هي المعايير الحقيقية لنجاته، فلا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة!
أجل.. لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة بمنع الانفاق في سبيل الله واعلاء رايته!
أجل.. لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة بمنع الانفاق في سبيل الله واعلاء رايته!
الا تدركون ما هي حقيقة الدنيا؟؟؟
هل نحن خلقنا لنأكل ونشرب ونتزوج وننجب ونجني الاموال ونتطاول في البنيان ونتكاثر؟!!
ألم يلهنا هذا التكاثر واغفلنا عن حقيقة ما خلقنا لأجله حتى زرنا المقابر!!!!
ألم يلهنا هذا التكاثر واغفلنا عن حقيقة ما خلقنا لأجله حتى زرنا المقابر!!!!
لم ينهانا الله عن التكاثر، فنحن ندعو الله بخيري الدنيا والاخرة، ولكن حذرنا من ان يلهينا ويغفلنا..
نحن امرنا بخلافة الارض وعمارتها، ولكن.. ليس على حساب الآخرة والهدف الحقيقي الذي خلقنا لأجله!
بل إن خلافة الارض على الوجه الذي يرضي الله عنا تقتضي منا التضحية، ولا يمكن قياس ذلك بالمعايير الفاسدة التي رفعت قيمة الحياة الدنيا الفانية القصيرة، على حساب الحياة الاخرة الابدية الخالدة!
لقد نجحوا في اغراقنا بوهم المادية وحساباتها الدنيوية باعتبارها واقعا نعيشه، وما هي سوى وهم!
الانسان روح وجسد، فمهما جمّلنا الجسد لن يظل حيا إذا خرجت روحه، ومهما انهك الجسد وتقطع فسيظل حيا ما دامت الروح فيه!
الانسان لا يموت إذا تقطع جسده بل يموت إذا خرجت روحه! هذا هو الواقع الحقيقي الذي نجحوا في اخفائه عنا ليغرقونا في وهم المادية!
الجسد المصاب يمكن علاجه وسيظل حيا ما دامت روحه فيه، أما ذاك الجسد الصحيح المليح الكامل، فلن يكون سوى جثة ميتة إذا خرجت روحه منه!
الجسد بلا روح ليس له قيمة!!
هذه هي المعادلة البسيطة الواضحة التي لا تخفى على عاقل ولا حتى جاهل، ورغم ذلك نجحوا باقناعنا بالعكس!!
يريدون لنا أن نصبح مثلهم اجسادا ميتة مسلوبة الارادة تتحرك وفق معايير مبرمجة، وهي تظن أنها أحسنت صنعا، في حين أن جسدا هزيلا مشلولا حر الارادة كامل العزيمة لا زالت روحه القوية لم تغادر جسده لهو الحي فعلا، وما البقية الا حفنة أموات!
الجسد السقيم يرجى له المعافاة إن كانت روحه لم تفارقه، ولكن كيف لنا أن نحيي جسدا سليما صحيحا إذا خرجت روحه؟!
الجسد بلا روح لا معنى له فما هو إلا جثة هامدة! والكل يعرف ذلك وإلا لما دفن أحدهم ميتا!
وهنا أخذت الفكرة الغبية تهمس للذكية بتعجب:
- الا تلاحظين ان المجنونة اصبحت تعيد كلامها نفسه وتكرره؟! حتى انا الغبية استوعبت ذلك، حتى اصابني الملل!! ألم يعد لديها ما تقوله سوى تكرار الكلام؟!!
- الا تلاحظين ان المجنونة اصبحت تعيد كلامها نفسه وتكرره؟! حتى انا الغبية استوعبت ذلك، حتى اصابني الملل!! ألم يعد لديها ما تقوله سوى تكرار الكلام؟!!
آثرت الذكة الصمت، فيما كانت الفكرة المجنونة تصرخ بهيستيريا وهي تتابع كلامها:
- الا تدركون هذا؟!!! المادية مجرد وهم
الجسد لا شيء بدون الروح! الواقع الحقيقي ليس ماديا وحسب، فكفانا وهما!!
لقد خدعونا ونجحوا في اقناعنا بأن ذلك الوهم المادي هو الواقع، ولا يجب السكوت عن ذلك أكثر، فلا تعتبروا كلامي ضربا من الجنون الذي تتجاهلونه!!
وهنا تدخلت الفكرة العالمة لعلها تتدارك الوضع قبل أن تخرج الفكرة المجنونة عن السيطرة أكثر:
- هدئي من روعك يا عزيزتي، اتفق معك تماما، فقد أثبت العلم أيضا أن واقعنا ليس ماديا، واي شخص لديه ثقافة بسيطة في ميكانيكا الكم سيفهم ما اقصده! فبعدما كان العلماء الاوائل يظنون أن قوانين الفيزياء (الفيزياء الكلاسيكية كما عُرفت لاحقا) هي قوانين حتمية تصف الكون؛ اكتشفوا أن ذلك لم يكن سوى وهم يصف العالم المرئي الظاهري وحسب، وأن قوانين الكون على المستوى دون الذري تخضع لقوانين أكثر تعقيدا لا تكاد تدخل العقل أو المنطق، حتى أن اينشتين بنفسه كاد أن يصاب بالجنون! كانت نقلة نوعية في تاريخ الفيزياء الحديثة قلبت البديهيات والمفاهيم العلمية السائدة راسا على عقب!
فمن كان يتخيل أن المراقبة والوعي يؤثر في نتائج القياس! من كان يتصور او يخطر بباله حتى أننا إذا راقبنا الالكترون فسيتصرف بطريقة مختلفة عما إذا تركناه بدون مراقبة!!
فكيف عرف الالكترون أننا نراقبه أصلا؟! هل هو يفكر ولديه وعي بنا؟!
لا أريد أن اطيل عليكم، لكن إذا كنتم مهتمين حقا فاقرؤوا عن تجربة الشق المزدوج، وسأكتفي بموافقة الفكرة المجنونة بكلامها الاخير، واضيف عليه:
الروح والجسد، قد يقابل الموجة والمادة، وكما تسقط القوانين الكلاسيكية أمام الواقع الكمي دون الذري؛ فمن باب أولى أن تسقد القوانين المادية عندما نتحدث عن الواقع الروحي أو الروحاني كما يسميه البعض! وهذا بلا شك يقتضي منا نشر التوعية!
الروح والجسد، قد يقابل الموجة والمادة، وكما تسقط القوانين الكلاسيكية أمام الواقع الكمي دون الذري؛ فمن باب أولى أن تسقد القوانين المادية عندما نتحدث عن الواقع الروحي أو الروحاني كما يسميه البعض! وهذا بلا شك يقتضي منا نشر التوعية!
فتحمست الفكرة المرحة لتضيف بمرح:
- بالتأكيد سنفعل ذلك ولكن عن طريق الترفيه ليكون أكثر مرحا وتأثيرا بالاجيال الناشئة بإذن الله، كما فعلت اليابان.. سننتج الانمي إن شاء الله.. وسنكون بإذن الله نبراسا لكل المانجاكا ليسيروا على هذا الدرب فننشر الوعي ونغير العالم للأفضل بإذن الله، فكما قال الداعية الياباني كيوشيرو سوغيموتو الذي انبهر باكتشافه لوجود الآخرة:
"لم أتخيل ابدا ذلك لأن الناس مشغولون جدا بهذه الدنيا"
"لم أتخيل ابدا ذلك لأن الناس مشغولون جدا بهذه الدنيا"
فكرة الاخرة جعلته يفهم هذه الحياة بشكل أفضل بعد أن ادرك أن لكل شخص اختباره الخاص مما جعله يعثر على اجابات منطقية لكل الاسئلة التي كانت تراوده قبل اسلامه! تخيلوا لو أننا نجحنا بانتاج أعمال تنشر هذا الوعي خاصة بين الاجيال الناشئة، فهكذا يستمتعون ويتعلمون أن الحياة رحلة لا تخلو من جمال فلا ينسوا نصيبهم منها بما يرضي الله، وأن لكل شيء حكمة فيحمدون الله على ذلك، ولكل منهم اختباره الخاص الذي هو بطله، فيبتهجوا ويتفاءلوا ويجتهدوا في ابداع قصص بطولتهم، بعد أن يدركوا أن أمر المؤمن كله خير إن اصابه ضراء صبر، فكان خير له وإن اصابته سراء شكر فكان خيرا له..
فقالت الفكرة المجنونة وقد بدت أكثر هدوءا:
- المهم أن لا نخضع لمعايير النظام العالمي الفاسد الذي يجب أن نسعة بجد لاقتلاعه..
فضحكت الفكرة المرحة وهي تقفز بحماسة:
- حتى نفعل ذلك يجب أن نجتهد ونصبر ونتدرب كثيرا حتى نصبح اقوياء كما قال الهوكاجي الاول هاشيراما سينجو فالجراء الصغيرة لا يُسمع نباحها..
كنت استمع لكل تلك الافكار باهتمام، حتى انني فقدت رغبتي بإعادة تقييد الفكرة المجنونة، فما دامت هناك افكار أخرى تقوم بمراقبتها ومراجعة كلامها، فلا داعي للقلق، ومع ذلك فالحذر واجب بلا شك، وإن كان الأولى هو التركيز على ذلك الهدف!
لا خيار آخر.. إذا كان لا بد لنا من اجتثاث ذلك الاساس الفاسد فلا بد لنا من قوة، نحن بحاجة للقوة بكل اشكالها والوانها، قوة العلم.. قوة المال.. قوة النفوذ والاعلام والتاثير.. والأهم من ذلك قوة الايمان والثبات على الحق، وهذا بحاجة للصبر والعمل الجاد والأخذ بكل الاسباب الممكنة والمتاحة مع الاستعانة بالله فلا حول ولا قوة لنا الا بالله..
كنت لا ازال ابحث في اوراقي عندما انتبهت لصوت انثوي رقيق يحدثني:
كنت لا ازال ابحث في اوراقي عندما انتبهت لصوت انثوي رقيق يحدثني:
- أود أن اشكرك حقا.. شكرا لانك قدمتني انا واسرتي نموذجا للاسرة المسلمة الصالحة، فلطالما تطلعتُ لانجاب قائد صالح كالصحابي الجليل العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه، لعلي أكون سببا في عزة أمتنا، وعودتها إلى سابق مجدها، فكما قال الفاروق رضي الله عنه "نحن قوم أعزنا الله بالاسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله"، فجزاك الله خيرا لاختياري لهذا الدور..
اسعدني كلامها حقا، وقبل أن أهمّ بالرد عليها، سمعت صوت رجل يوافقها القول:
- وانا اضم صوتي لصوت زوجتي.. جزاك الله خيرا على اتاحة هذه الفرصة لنا، لنكون بحق قدوة حسنة لجيل يرى أن الاسرة السعيدة المترابطة المتحابة التي تأسست على البر والتقوى، وحرصت على تربية ابنائها تربية اسلامية صالحة؛ لن تتردد لحظة في التضحية وتقديم كل ما تملك لأجل الله، اعلاء لكلمته وعزة ونصرة لأمّة نبيه صلى الله عليه وسلم، سائلين الله أن يستجيب دعوتهم:
(رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)
لأن ما يهمهم حقا هو أن يجمعهم الله في جنة الخلد حيث السعادة الابدية التي لا شقاء بعدها في دار السلام، وحتى ذلك الحين علينا أن نفهم حقيقة هذه الدنيا ونساعد ابناءنا على فهمها، حتى تتعلق قلوبهم بخالقها وحده، فهو الحي الباقي الذي لا يموت، فلا يقطعون صلتهم به أبدا، لتكون قرة أعينهم بالصلاة، مهما واجهتهم من مصاعب وشدائد، فجزاك الله خيرا مرة أخرى أن أخذت على عاتقك كتابة قصتنا لعلها تكون نموذجا طيبا وصالحا يلهم الآخرين، بإذن الله..
- وانا اضم صوتي لصوت زوجتي.. جزاك الله خيرا على اتاحة هذه الفرصة لنا، لنكون بحق قدوة حسنة لجيل يرى أن الاسرة السعيدة المترابطة المتحابة التي تأسست على البر والتقوى، وحرصت على تربية ابنائها تربية اسلامية صالحة؛ لن تتردد لحظة في التضحية وتقديم كل ما تملك لأجل الله، اعلاء لكلمته وعزة ونصرة لأمّة نبيه صلى الله عليه وسلم، سائلين الله أن يستجيب دعوتهم:
(رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)
لأن ما يهمهم حقا هو أن يجمعهم الله في جنة الخلد حيث السعادة الابدية التي لا شقاء بعدها في دار السلام، وحتى ذلك الحين علينا أن نفهم حقيقة هذه الدنيا ونساعد ابناءنا على فهمها، حتى تتعلق قلوبهم بخالقها وحده، فهو الحي الباقي الذي لا يموت، فلا يقطعون صلتهم به أبدا، لتكون قرة أعينهم بالصلاة، مهما واجهتهم من مصاعب وشدائد، فجزاك الله خيرا مرة أخرى أن أخذت على عاتقك كتابة قصتنا لعلها تكون نموذجا طيبا وصالحا يلهم الآخرين، بإذن الله..
لا شعوريا نهضت وانا ارفع يدي اليمنى بتحية عسكرية للقائد وزوجته تقديرا واحتراما لهم:
- الحمد والشكر لله أولا وأخيرا أن سهّل لي ذلك، فهذا من توفيق الله، وشكرا لكم انتم.. جزاكم الله خيرا لصبركم علي، وأعدكم أنني سأبذل جهدي لاكمال قصتكم وتقديمها بأفضل ما يمكنني بإذن الله..
كانت لحظات جميلة تلك التي ظهر فيها هذين البطلين العظيمين، ذكرتني بكم تأخرت على اولئك القراء الكرام الذين ينتظرون الجزء الثاني من رواية "مدرسة الفروسية" بفارغ الصبر! اتمنى ان يكونوا لا زالوا يذكرونها بعد كل تلك السنوات، وأدعو الله ان يعينني لتخصيص وقت لذلك مهما كلّف الأمر!!
وهكذا لم أعد بحاجة للبحث أكثر في اوراق مذكراتي، وانا استحضر الاية العظيمة وكانها ماثلة أمامي:
(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)
(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)
وتردد في نفسي صدى ذلك الصوت الذي ما فتأ يذكّرني، وهو يشاركني العمل بفضل الله وتوفيقه:
"المؤمن القوي"!
أجل.. هذا ما أسعى للوصول إليه- بإذن الله وعونه وتوفيقه- باستثمار كل ما وهبني الله اياه من قدرات ومواهب وامكانيات، فلا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها، لعلي بذلك أعبر عن شكري لهذه النعمة، وأساهم في نهضة الأمة، وخير العالم أجمع بإذن الله، فإذا كانت اليابان سببا في تقديم اعمال جميلة علقت بذاكرتي وأثرت بي، فحري بي أن اقدم لها شكرا على طريقتنا لعلنا نكون سببا في تعريفهم بالآخرة واخراجهم من الظلمات إلى النور بإذن الله، فأكون ممن تقر بهم عين الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده حتى اتاه اليقين ليكون بحق رحمة للعالمين، فجزاه الله عنا خير الجزاء، وحتى ذلك اللقاء المرتقب عند الحوض بإذن الله، أدعو الله أن يمدني بقوة من عنده، فيرزقني صحة في الجسد، وبركة في الوقت، وثباتا على الحق، ويعينني على تثبيت حفظ كتابه والعمل به والتخلق بأخلاقه، لأكون من أهله، ويرزقني قلبا سليما خاشعا ولسانا ذاكرا شاكرا، ويزيدني علما، وينعم علي بالعفو والعافية، وأن يجزي خيرا من يشاركني همّ هذا المشروع، وكل من ساعد ودعم او ساند وساهم فيه بأي شكل ولو بدعوة في ظهر الغيب، بل وكل من تابعنا واستفاد وافاد، عسى الله أن يتقبل منا ويرزقنا الاخلاص في القول والعمل والنية، ويوفقنا لما يحب ويرضى..
(قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
***
كانت تلك هي قصتي التي يسعدني ان اشاركم بها، في موضوع المرحلة الثانية من بطولة نبراس المانجاكا في دورتها الأولى، فلعلها تكون سببا في تعاوننا على البر التقوى، فكل منا على ثغرة، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، فلا تنسوني من صالح دعائكم ولكم بالمثل إن شاء الله، حتى نلقى الله جميعا وهو راض عنا، ونلتقي بجنة الخلد حيث يكون بإمكاننا أخيرا أن ننعم براحة وسعادة ابدية نستذكر فيها كل هذه المواقف واللحظات في حياتنا الدنيا، وعندها قد نستمتع باجواء بطولة من نوع خاص نكون نحن جميعا ابطالها، بصحبة الانبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا..
فحتى ذلك الحين شدوا الهمة، ومعا نحو القمة بعون الله، وتذكروا دوما الاية من سورة "الحشر":
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
سبحانك الهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
***
انقر لإبداء عدم إعجاب.0انقر لإبداء إعجاب.1
وليد امعوش has reacted to this post.
وليد امعوش
