Please or التسجيل to create posts and topics.

ألا أحدثكم عن الدناءة في أخسّ صورها؟!

 

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

***

ألا أحدثكم عن الدناءة في أخسّ صورها؟

***

قد يبدو العنوان غريبا، ولكن بكل جدية.. ألا أحدثكم عن الدناءة في أخسّ صورها؟

 

عندما لا يخجل الجبان من جبنه، ولا الضعيف من ضعفه، ولا يكتفي بذلك بل يتطاول على الشجعان الاقوياء، ليطعنهم من الوراء بينما هم منشغلين بالتقدم في معاركهم التي يخوضونها بالدماء!!

عندما لا تخجل البغيّ من فعلها، ولا تستحي من نفسها، بل تتطاول لكي تدنس ثوب الطهارة باعتباره رداءها!!

قمة الدناءة والحقارة أن لا تكتفي بالمجاهرة بذنبك، بل تسعى لتبرير ذلك، فتصوّر نفسك قديسا بكل براءة، وما أنت إلا خسيس غلبته شهواته، فألجمته بلجامها لتمتطيه كدابة ذليلة، تلهث خلف سراب لا تجد له نهاية!

 

ما كان ليلومك أحد لو اقترفت الخطيئة وارتكبت اكبر كبيرة، حتى لو ضعفت فخنت، وجبنت فكذبت، بل حتى لو غرقت في اوحال الرذيلة؛ فكلنا بشر تضعف انفسنا وقد تغلبنا شهواتنا، لكننا نستدرك ذلك فنندم ونشعر بثقل الذنب، ونتوسل كي يسدل الله علينا ستره ويقبل منا التوب، فلا نيأس ولا نستسلم ونحاول من جديد، ونحن ندرك يقينا أن الله غفور رحيم، يغفر الذنب العظيم، يعفو عن السيئات وبكرمه يبدلها إلى حسنات، لمن صدق التوبة وعزم على الثبات!

لكن أن تجاهر وتكابر، وتبرر وتفسر، وتحاول اقناعنا بأنك على صواب كحمل وديع، فتتطاول على المتقين الابرار، والمجاهدين الاحرار، والانقياء الأطهار، والمحسنين الأخيار؛  فهنا مهلا مهلا، فليس لمثلك ستر ولا غطاء، ولست ممن يستحق الرحمة ولا الرثاء، فلا شفقة عليك ولو قطّعت اشلاء، بل عليك منا أشد الدعاء، فما انت سوى نجس ورجس لنشر الوباء!

من لم يستطع الوصول إلى الفضيلة؛ فلا يظنن أن باستطاعته خفض سقفها لتطالها نفسه الذليلة!
ومن لم يرقى إلى معالى الأمور العظيمة، فلن تنخفض معاييرها لأجل رغباته السقيمة!

البر والفضيلة والمعالي، لن تنحني لاجل هوى نفس ضعيفة خسيسة لا تبالي!

 من لم يصبر على بر ابيه وأمه فهو عاق مهما برر لنفسه، ومن لم يلجم جماحه واطلق العنان لشهواته ورغباته وعاطفته، فهو فاجر فاسق مهما كان مصطلحه، ومن لم يقوَ على مواجهة عدوه فطعن شرفاء قومه، فهو خائن حقير مهما جمّل اسمه!

ومن لم ينشرح صدره بالتفاؤل واليقين والثقة بربه، فهو متشائم  أو مهتزٌ غارق في وهمه، ولسنا ممن سينخدع بقوله، أو نهتز برأيه! 

فالذليل المتعلق بدنيا فانية فجعلها أكبر همه؛ لم ولن يكون استاذا لأصحاب الهمة، أو معلّما للعظماء  كيف تكون الرحمة، مهما تظاهر بلطفه وعطفه، ودس في العسل سمّه، فلن يخفى على النجيب خبثه، ولن ينخدع اللبيب بوهمه!

ومن لم يخش ربه، فهو جاهل وإن تعاظم علمه!

نحن مع الضعيف حتى يقوى، ومع الفقير حتى يغنى، ومع المذنب حتى يتوب، ومع الجاهل حتى يتعلم، ومع الجبان حتى يتشجع، ومع الكسول حتى ينشط، ولكننا لن نكون أبدا مع من يبرر الجريمة والضعف والعهر والفسق والخيانة والانانية والكسل والتشاؤم!

نحن قوم رحماء فيما بيننا، رقيقة هي افئدتنا، وقريبة للعين دمعتنا، ولن تجدوا من هم بطيبتنا، نسعى للسلم والسلام بكل جوارحنا، ونكره القتل والدمار وننبذ أي عنف يقض مضاجعنا، نرحم صغارنا ونعطف عليهم ونوقر كبارنا ونحترمهم، ونهتم بالجميع ونعمل على حمايتهم..

ولكننا بالمقابل أشداء على من بغى علينا، أو حاول التلاعب بقيمنا وتزوير مبادئنا، عندها والله ثم والله ثم والله لن تجدوا من هم بغلظتنا، ولا أحدّ من السنتنا، فسنحولها لسيوف تقطعكم إربا وتمسح بوجوهكم أحذيتنا، وسنسخر منكم كما تسخروا منا، ومهما حاولتم فلن تلووا- بإذن الله- أذرعنا، وعندها سنرى لمن ستكون الغلبة بيننا، فإلى الله مرجعنا، وهو وحده حسبنا، وباب التوبة مفتوح لمن رجع وأناب والله غفور رحيم بنا..

 

وكم نلقى من العجب العجاب 

 يشيب لسمعه ريش الغراب

 

وحسبك بيع أمجادٍ بسـخف 

  يُرى فخراً وسيراً للسحـاب

ويُفـخر بالخسيس بلا حياءٍ 

  و يُستهزأ بأصحاب العتـاب

وليس القبح قبحاً في الغلاف

  و لكـنّ القبيح من اللبـاب

فقف يا صاحِ لا تتبع هـواكا 

ولا يَغْرُرْكَ معسـول الخطاب

وكـن كالقابضين على جمار

صبــوراً رغم حر الإلتهاب

ولا تنس الدعاء بجوف ليل

هــدانا الله دومـاً للصواب

 

 

(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَىٰ قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )

سورة الزمر

***

 

ملاحظة جانبية:
الابيات الشعرية المرفقة مع هذا الموضوع، كتبتها اول مرة قبل سنوات طويلة خلال دراستي الجامعية، لأجل قصة "الأميرة الشنعاء والأقزام السبعة"، وهذا رابطها:

https://nebrasmangaka.com/forum/topic/92/

 

ولئن كنتُ قد اعتزلت الكتابة بالاسلوب الحاد الساخر منذ زمن طويل، ولكن قلت لا باس بمشاركتكم رابط تلك القصة كنوع من التغيير، فلكل مقام مقال، ولا بد أحيانا من صفعة، تعيد البعض إلى رشده، فما يُقال في السلم لا يقال في الحرب، وحديث الرخاء والسراء يختلف عن حديث الشدة والضراء، فليس من المعقول- في هذا الوقت- أن نرى بعض الرجال يبالغون بالتباكي على الاشلاء، وينسون تقصيرهم في دحر الاعداء! وبالمقابل ليس الان الوقت المناسب للحديث عن ضعف النساء، وكأنه لا علاقة لهن بتوفير الطعام والعلاج والدواء!! لكل فرد في المعركة دوره الهام، وادوار الحروب تختلف عن ادوار السلام، فلا يفتي قاعد لمجاهد، ولا يتطاول عاجز على قائد، فكل على ثغرة، ونحن نسأل الله دوما السلامة والعافية، وفي الوقت نفسه ندعوه بالصبر والثبات إذا نادى المنادي، لمواجهة الأعادي، ونحن نعلم أن الاجل مكتوب فلن تموت نفسا قبل أن تستوفي رزقها وأجلها كاملا، وما نراه سوى أسباب، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فلا نبالغ في مشاعرنا حتى ننسى واجبنا، ولا يعني هذا ان تتحجر قلوبنا وتجف مآقينا، فلا افراط ولا تفريط وخير الأمور الوسط، وكما ذكرت في موضوع سابق:

"هناك من يتماهى مع عاطفته حتى يتحول لكتلة من العواطف لا يحكمها عقل ولا حكمة ولا تفكير، وهناك من يتجرد من كل عاطفة حتى يصبح آلة صماء جوفاء لا تحس ولا تشعر وكأن الشعور نوع من التبذير!"
وهذا رابط الموضوع كاملا:

https://nebrasmangaka.com/forum/topic/261/

 

***

  نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا ويزيدنا علما ويرزقنا الحكمة، فمن اوتي الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا..

 

(رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)

سبحانك اللهم وبحمدك اشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم