Please or التسجيل to create posts and topics.

وأعدّوا للمانجاكا: "قلب سليم"!

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

"قلب سليم"

 

- لقد اكتشفت اكتشافا مذهلا لن تصدقه! أكاد لا اصدقه أنا بنفسي! إنه اكتشاف خطير حقا لم يكن ليخطر ببالي أبدا!

- تبدو متحمسا جدا، فهلا هدأت قليلا حتى أفهم ما تقول؟ 

- حسنا.. ولكن عليك ان تستعد لاستقبال حقيقة صادمة جدا وأرجو أن لا تربكك كما أربكتني أنا شخصيا!

- لا تقلق فلم يعد شيء يربكني في هذه الحياة، ولكن خذ نفسا واهدأ حتى تخبرني باكتشافك الخطير ذاك!

- يا إلهي.. لا اعرف كيف يمكنني أن أهدأ بعد اكتشافي لذلك الأمر الخطير.. لا ادري ماذا اقول يا صديقي ولا من أين أبدأ.. ولكن هل لك أن تتخيل بأننا قد نكون اشرارا بكل سهولة؟!! نحن قد نكون اولئك الاشرار الحاسدين الذين كنا نخشى منهم! هل لك أن تتخيل هذا؟!!

- اللهم اجعله خيرا.. يبدو أنك بدأت تهذي.. هل اصابك مكروه لا قدر الله؟

- ألم أقل لك أنه اكتشاف خطير!! 

- حسنا حسنا.. فهمت ولكن اهدأ ارجوك، وتحدث بوضوح حتى استوعب هذا الاكتشاف الخطير!

- آآآآه يا صديقي.. لا اعرف كيف ساشرح هذا وكيف سأتحدث بهدوء بعد تلك الصدمة! تخيل انني قد اكون حاسدا شريرا؟ 

- استعغر الله العظيم، اخشى ان الشيطان يضحك عليك الان وهو يسول لك بهذه الأفكار!

- لا لا ابدا.. بل إنه اكتشاف حقيقي ولا اظن الشيطان سيفرح بوصولي لهذه الحقيقة، فهو يريدنا أن نقع بذلك الفخ حتما!

- لا إله إلا الله.. أنت تعرف أن صبري قليل وقد بدأ ينفد الان، فهلاّ استعذت بالله من الشيطان الرجيم لأفهم ماذا جرى معك تحديدا؟!

- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. حسنا أهم شيء لا تغضب واصبر عليّ قليلا ريثما التقط انفاسي.. 

- تفضل..

- هل تذكر عندما كنا ندعو الله أن يكفينا الاشرار والحاسدين؟ كيف كنت تتخيل شكلهم؟

- ماذا تقصد تحديدا؟ يعني هل ستقول لي انك كنت تتخيل لهم قرون مثلا؟

- لا لا.. لا اقصد هذا.. ولكن ما اعنيه اننا ربما لم نتخيل أنهم قد يكونوا اشخاص عاديين مثلنا تماما! يعني باختصار نحن قد نكون هؤلاء الاشرار والحاسدين!!
- نعوذ بالله أن نكون منهم..
- بالطبع انا استعيذ بالله من ذلك ايضا، ولكنني صدمت بأنه يمكننا ان نكون اشرارا وحاسدين بكل بساطة وسهولة وحتى دون أن نشعر! اخبرني ما هو تعريف الحسد؟

- تمني زوال النعمة عن الآخرين..
- بالضبط هذا هو.. وكنا نقول سابقا لماذا يوجد هناك شخص شرير يتمنى زوال النعمة عن غيره بدل أن يغبطه فقط ويكتفي بتمنى ان يحصل على واحدة مثله وحسب.. كنت ارى أن هذا وضع طبيعي وسهل، ولكن تخيل أن تكون متفوقا وناجحا ومحبوبا من الجميع لدرجة انهم يكونون على وشك تنصيبك ملكا عليهم، ثم يظهر شخص آخر فجأة فيتجه نحوه الجميع ويصبح هو محور الاهتمام كله، فكيف ستشعر وقتها؟!

- ممممم كأنك تلمح لقصة راس المنافقين عبد الله بن أبيّ بن سلول؟

- بالضبط تلك القصة مثال لما اعنيه!  وخذ مثالا آخر بسيطا من حولك.. تخيل انك كنت تبذل جهدا كبيرا للوصول لمنصب محدد في شركتك التي تعمل بها والتي تفانيت بكل جهدك لخدمتها والعمل لاجلها وكأنها ملكك الخاص، ثم ظهر شخص فجاة ولسبب ما (ليس بالضرورة ان يكون سببا ظالما) تمت توليته ذلك المنصب واصبح هو الكل بالكل كما يقال حتى نسي الجميع أمرك، فكيف سيكون شعورك؟

- .........
- الامثلة كثيرة وكلها ستجعلك تشعر إلى اي مدى يمكننا بسهولة ان نشعر بالحسد ونتمنى زوال النعمة عن الاخرين مما قد يدفعنا لسلك سبل الشر ايضا! تخيل امراة احبت رجلا وخططت لانشاء اسرة سعيدة معه، ولكن ظهرت امراة اخرى فجأة فأصبحت هي محور اهتمامه حتى تقدم لخطبتها، فكيف سيكون شعور المراة الاولى؟ 
لقد نجحت اجاثا كريستي يتصوير هذا الامر في رواية "السرو الحزين" من خلال شخصية "الينور"، والتي تجعلك ترى الى اي درج قد ننزلق في فخ الحسد والشر بسهولة!! كيف لتلك الشابة العاقلة التي احبت خطيبها من كل قلبها أن لا تتمنى اختفاء تلك الفتاة التي ظهرت فجأة لتقلب حياتها راسا على عقب، حتى وإن كان لا ذنب لها!!! 
نحن لن نعرف إذا كنا طيبين حقا ام لا، إذا لم نجد انفسنا في مثل هذه المحكات المرعبة!! ولوج دائرة الحسد والشر اسهل مما نتخيل، بل إننا كلنا قد نجد أنفسنا في تلك الدائرة إذا لم ننتبه ونحذر!!
قد نظن انفسنا طيبين وندعو على كل شرير وحاسد، ثم إذا وجدنا انفسنا في محك ما قد نجد أننا لن نختلف عن ذلك الحاسد الشرير!!! وهذا يذكرني بتلك الفتاة الثرية في رواية "بائعة الخبز" والتي بدت طيبة وهي تعطف على فتاة فقيرة وتدعمها، حتى اكتشفت ان خطيب الفتاة الفقيرة هو نفسه الشاب الذي كانت قد احبته مما جعلها تفقد توازنها وتحاول فعل اي شيء لتفرق بينهما! ورغم شعورها بنوع من تانيب الضمير بالبداية لكن تعلقها بالشاب جعلها لا تبالي بمشاعر الفتاة الفقيرة المسكينة، بعد أن تمكن الحسد منها! لقد حسدتها لانها فازت بالحب دون مقابل اما هي فكانت تتوسله بكل الطرق! ورغم ان في ذلك اهانة لها ولكرامتها لكنها رضيت بذلك بعد ان تعلقت بالشاب ولم تعد تقوى على بعده حتى اصبحت مستعدة لفعل اي شيء لتتزوجه بغض النظر عن رغبته هو!!! ربما انت من الوهلة الاولى ستقول بأنك لن تكون ذلك الطرف الثالث الشرير الذي سيفرق بين اثنين، لأنك لم تجرب شعور الوقوع في حب أحد الاطراف؛ ولكن ماذا لو وجدت نفسك مثل تلك الفتاة في رواية "موت فوق النيل" والتي افترق عنها خطيبها ليرتبط بصديقتها؟ هل كنت ستتقبل ذلك بصدر رحب دون شعور بأي رغبة في الانتقام!! وهذا يعيدني لقصة "الينور" في رواية "السرو الحزين"، والتي تعكس قصص واقعية وحقيقية، لذا لا تظن وكأنني اتحدث عن عوالم خيالية ووهمية وحسب!!
قصص كثيرة لو حاولت أن تضع نفسك محل اصحابها باسقاط حقيقي واقعي، فستريك إلى اي درجة قد يتمكن الحسد من قلبك والذي سيدفعك حتما للشر إذا لم تقاومه! لن تستطيع ان تعرف ما إذا كنت طيبا أم شريرا بدون ان تخوض محكا حقيقيا مريعا!! أفليس هذا اكتشافا خطيرا؟!!

- يبدو كذلك فعلا.. هل تصدق.. هذا جعلني أستحضر الاية (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين)، وبالتفكر بالأمر فهذا يجعلنا نفهم أن كل ما نمر به من اختبارات ومحكات في هذه الحياة إنما هو لكشف حقيقة انفسنا وخفايا قلوبنا التي ربما لم نكن نعرفها نحن عن نفسنا، لنعرف ما إن كنا نستحق دخول الجنة أم لا!

- بالضبط هذا هو (ليميز الله الخبيث من الطيب)! كل ما يجري لنا هو فتنة لاختبار صبرنا بالدرجة الاولى، وكل العلاقات البشرية التي تواجهنا ما هي إلا أحد وجوه هذا الاختبار (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون!) ، وهذا جعلني أدرك إلى أي درجة هو انجاز عظيم لو حصلنا على "قلب سليم" كما ورد في القرآن على لسان سيدنا ابراهيم (يوم لا ينفع مال ولا بنون* إلا من أتى الله بقلب سليم) !!

- نسال الله أن يرزقنا هذا "القلب السليم" ففعلا هذا يحتاج صبر وجهاد كبير، وللتو انتبهت أن هذا ما كان يفتقده ابليس وتم كشفه في أول محك حقيقي له عندما خلق الله سيدنا آدم عليه السلام!!  ونعوذ بالله من كل كبر وغل او حقد وحسد وشر، ولا حول ولا قوة إلا بالله..

- آمين.. والحمد لله أنك فهمتني وأدركت حجم هذا الامر وخطورته، لذلك خطر ببالي أن نساهم في توعية من حولنا به، فكلما كثرت القلوب السليمة معنا زادت قوتنا واصبحنا أكثر قوة في مواجهة قوى الشر، بإذن الله..
- هل لديك خطة معينة لذلك؟

- ألم تسمع عن فعالية (وأعدّوا للمانجاكا)؟ إذا نشرنا مشاركتنا ضمنها فقد تصل لآخرين، وبهذا نساهم في أن نكون جزءا من هذا الاعداد بقوة إن شاء الله..
- فكرة جيدة..

- هلم بنا إذن على بركة الله.. ونسأل الله العون والتوفيق، فلا حول ولا قوة إلا بالله..

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

وليد امعوش has reacted to this post.
وليد امعوش

 

هنا تجدون روابط لمواضيع سابقة ضمن سلسلة "نحو قلب سليم" ومن ضمنها تقارير عن رواية "السرو الحزين" و"موت فوق النيل":

https://nebrasmangaka.com/forum/topic/119/

 

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

وليد امعوش has reacted to this post.
وليد امعوش