Please or التسجيل to create posts and topics.

تأثير المرشد على الناشئة! (ففيهما فجاهد!)

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

تأثير المرشد على الناشئة!

   ربما من أكثر الأمور المثيرة للجدل في الحديث عن بر الوالدين، هو مدى استحقاقية الوالدين لهذا البر، إذا كانوا هم بالاساس سبب دمار نفسية الطفل، أو انهم لا يهتمون لمصلحته بل يقدمون انفسهم عليه لاجل سعادتهم هم مضحين باطفالهم بكل انانية (كما يُقال ويُشاع!)، لدرجة أن هناك من بدأ يحاول ايجاد مبررات لاسقاط حق البر وحسن المصاحبة للوالدين، باعتبار أن في ذلك مضرة على الاولاد!!!!!!!
بالطبع لو تأملنا ايات القرآن وتدبرناها لحسم الجدل، لأن الله سبحانه وتعالى لم يترك لأي أحد ادنى عذر في عدم احسان صحبة والديه مهما كانوا، وهو يضرب لنا اقسى ما يمكن ان يصدر منهم وهو المجاهدة على الكفر- ولا يوجد ما هو أسوأ من ذلك اصلا!- ومع ذلك حث الله على احسان صحبة الوالدين حتى في تلك الحالة!
(وصاحبهما في الدنيا معروفا)

     بالمقابل.. لا أحد ينكر ان الطفل قد يكون عانى بالفعل من والديه، خاصة وأنه قد لا يكون مدركا لكل ما يدور حوله او للظروف والضغوط التي قد تكون أكبر من طاقة احتمال والديه بالاساس، ما يؤدي لاساءة تفسيره لما يبدر منهما تجاهه أحيانا، او اعتبار انهما لا يهتمان به او يكرهانه حتى، لدرجة انه قد يبدأ بالشك فيما أن كان اولئك والداه الحقيقيان ام لا! وهذا وضع طبيعي يكاد ان يمر به كل الاطفال ولا يسلم منه أحد، حتى أن "كيشيموتو" اشار لهذه الفكرة في مانجا "ناروتو غايدن" التي اصدرها بعد انتهاء سلسلة مانجا ناروتو عام 2014 او 2015 حسب ما اذكر!
وضع طبيعي جدا ان يمر الاطفال بضغوط ويتعرضون لظروف قاسية، لأن حياتنا الدنيا هي هكذا اصلا، ولسنا في الجنة!
ربما يحمّل الكثيرون مسؤولية كل ما يجري للاطفال لوالديهم، وبالاخص لأمهم، لدرجة انهم قد يقصمون ظهرها بطلبات مثالية مستحيلة لا يطيقها بشر، حتى وإن كانت قد وصلت لاقصى طاقاتها في التحمل وبذلت كل ما تستطيعه في عالم غير مثالي اصلا، وبدل ان تتلقى ادنى تقدير يتم اتهامها بالتقصير، وهذا بلا شك ظلم كبير جدا!
التعاطف مع مشكلات الاطفال، لا يعني ان نتمادى في ظلم والديهم، بل ان نقوم بدورنا في مساعدتهم، لأن كل افراد المجتمع في سفينة واحدة، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، فإذا وجدنا اي خلل وتقصير، كان دور كل مستطيع أن يقوم بدوره الصحيح في اصلاح ذلك فكلنا #على_ثغرة ومن الضروري في هذه الحالة ان يكون هذا المصلح أو ما ساطلق عليه اسم "المرشد" مدركا لأهمية وخطورة ما هو مقدم عليه، لأنه قد يكون سببا في "زيادة الطين بلة" كما يقال، إذا لم يتصرف بحكمة وعلى علم وبينة، بعيدا عن الشفقة واتباع الهوى:
(فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا)
بلا شك فإن الاحتواء واشعار الطفل بالحب والحنان من مرشده سيساعده على تقبل كلامه، ولكن التمادي في ذلك بدون توجيه حقيقي حازم عند الضرورة؛ قد يعطي نتيجة عكسية لا قدر الله!  
وحتى لا اكرر ما ذكرته سابقا حول ضرورة ان يفهم الانسان كل ما مر به في طفولته تجاه والديه تحديدا، ارجو منكم مراجعة موضوع "الان فهمت"، وهذا رابطه:
https://nebrasmangaka.com/forum/topic/243/

أما الان.. فدعونا نسلط الضوء على تأثير دور المرشد من خلال المقارنة بين موقفين متشابهين تقريبا، (من أنمين مختلفين) غير ان المرشد في كل موقف تصرف بطريقة مختلفة عن الاخر!

(  زيك ييغر X كوسي أريما)

الموقف الاول مع شخصية "أريما كوسي" من انمي "كذبتك في ابريل"
(رغم انه انمي رومانسي موسيقي لكنه عالج الفكرة بطريقة رهيبة ما شاء الله، لم اجد مثلها في كل ما اطلعت عليه- اتحدث عن وجهة نظري شخصيا- وستجدون في الحلقتين ح 12، ح 13 ما يساعدكم على فهم الفكرة)
سنجد ان البطل "كوسي أريما" عانى كثيرا من قسوة امه في طفولته، حتى ان جميع ذكرياتها المترسبة في ذهنه هي ذكريات سلبية عنها، تبدو فيها كشبح مخيف يرمقه ببرود وقسوة وربما شماتة ايضا، فقد كانت تضربه بشدة على ادنى خطأ، لدرجة انه تمنى موتها بعدما طفح الكيل ولم تنجح كل محاولاته في ارضائها..
يكبر كوسي وهو يعتقد في قرارة نفسه ان امه تكرهه، خاصة بعد موتها والذي أثر سلبيا على حياته فلم يعد يستطيع المضي قدما بشكل صحيح، حتى تظهر صديقة أمه "هيروكو" والتي ستأخذ دور "المرشد" لتبدأ حوارها معه وتصحيح كل المفاهيم الخاطئة في ذهنه عن أمه "ساكي"!

  فحتى لو كانت الام تتبع اسلوبا خاطئا بسبب ظروف او ضغوط خارجة عن ارادتها، وافقدتها تركيزها والتصرف الصحيح، فهذا لا يعني انها تكره ابنها او تتمنى له السوء او تتعمد اذيته وظلمه لاجل مصلحتها الانانية، كما يتوهم البعض! (بلا شك فإن الوالدان قد يرتكبان الاخطاء، وقد يتصرفان بطريقة فظيعة احيانا تحت الضغوط المهولة التي تقع عليهما، ولكن بالتأكيد ليس لانهما يكرهان اولادهم او يتعاملون بأنانية معهم!!)
وهكذا.. رويدا رويدا تبدأ ذكريات كوسي باسترجاع تلك اللحظات الحانية والرحيمة من أمه عليه منذ الصغر، ويبدأ باستشعار إلى اي درجة هو مرتبط بها بكل حب، مما يساعده هذا على تخطي العقبة والمضي قدما للامام!
بل حتى المشاهدين سيرون لأول مرة مشاعر أمه الحقيقية خلف الكواليس، والسبب الذي كان يدفعها للتصرف بتلك الطريقة، وهي في ظروف عصيبة جدا!

وشخصيا اعتبر مشهد كوسي وهو يتمنى لو تصل مشاعره الايجابية تجاه امه الراحلة من اكثر المشاهد المؤثرة التي رايتها، وجعلني استشعر كم هي نعمة كبيرة أن منّ الله على الابناء باستمرار اسباب البر حتى بعد وفاة والديهم، بل إن دعاء الولد الصالح لوالديه وهو من اسباب استمرار اعمالهم الصالحة في الدنيا بعد وفاتهم كما ورد، فلا يفقد الانسان بفواته أجر البر حتى آخر رمق في حياته، ولو لم يدرك والداه وهما على قيد الحياة..

 

وبلا شك.. لم يكن كوسي ليصل لذلك الشعور الايجابي تجاه امه لولا تاثير المرشدة، التي عرفت كيف تساعده على تجاوز الامر بنجاح!

بالمقابل نأتي للموقف الثاني وهو مع شخصية "زيك ييغر" من هجوم العمالقة:
(ستجدون ما يلخص الفكرة في ح15 وح 20 من الموسم الرابع)
هنا نرى شخصية "زيك ييغر" الطفل الذي كان يعاني من انشغال والديه الدائم، وافتقاده للعب معهما، كما سنرى الضغوط التي تقع عليه منهما وهما يحاولان اعداد ليكون محاربا لاجل الهدف الذي يسعون لتحقيقه..
بالنسبة لهما هما يفعلان ذلك لاجل مستقبله ومستقبل شعبهم، لكن الطفل لم يستوعب ذلك ابدا، ولسوء الحظ كان الرجل "كسافير" (الذي اعتبره "مرشده" وهو يخصص له وقتا في الاهتمام واللعب)، شخصا غلبته الشفقة والعاطفة، فاعتبر (بحسن نية) ان والديه مجرد مجرمان في حقه، وشجع الطفل على التمرد على والديه وهو يخبره بانهما لم يحباه ابدا، وقد فعلا اشياء فظيعة له!
ورغم ان ذلك "المرشد" بقي إلى جانب الطفل "زيك" حتى كبر واصبح شابا، وهو يظن انه عوضه عن حنان الاب واهتمام الوالدين؛ ولكنه لم يدرك انه ساهم في بناء شخصية غير سوية، كارهة لوالديها، ركبت بها عقد نفسية بعد ان صدقت فعلا انها مجرد ضحية للوالد!!
بالطبع تمضي الاحداث ويكتشف زيك لاحقا إلى اي درجة كان والده يحبه فعلا، فيبكي تأثرا لذلك في مشهد مؤثر وهو يشكر والده، وقد اشرت لذلك في موضوع منفصل هذا رابطه:
https://nebrasmangaka.com/forum/topic/249/

 

***

وقبل ان انتقل للفقرة الختامية،ونحن نتحدث عن تأثير المرشد؛ اشعر انه من الضروري التوقف قليلا مع شخصية "هاوك" من رواية GRAYFOX!

 

ورغم انني نشرت تقريرا مفصلا عن تلك الرواية وهذا رابطه:
https://nebrasmangaka.com/forum/topic/39/

إلا انني أرى من المفيد أن اعيد نسخ بعض الفقرات التي تلخص مدى تأثير المرشد في اصلاح الخلل بين الابناء والآباء:

 يبدأ الفصل الأول من الرواية- التي تتكون من ستين فصلٍ قصير نسبيا- بهذه العبارة على لسان البطل "زاك":

“You ain’t got right to call yourself my father no more!”

"لا يحق لك أن تُطلق على نفسك أبي بعد الآن!"
كانت تلك هي العبارة التي أطلقها في وجه أبيه أثناء مغادرته للمنزل، رغما عن جميع أفراد الأسرة، بعد ان قرر الالتحاق بالبريد السريع
Pony Express
والعمل لديهم..
امتطى حصانه، وأخذ يجري مقاوما شعور تأنيب الضمير والألم الكبير الذي يشعر به، فقد طفح به الكيل أخيرا، ولم يعد قادرا على الاحتمال أكثر!

 

وهكذا يمضي البطل في رحلة طويلة، خلال فصول الرواية- يمكنكم الاطلاع على تفاصيلها من خلال رابط التقرير في الاعلى- لكن الخلاصة انه يلتقي برجل حكيم يدعى "هاوك" يكون سببا في تغيير تفكيره جذريا عن والده، حتى ان زاك يتحدث عن ذلك في النهاية بقوله:

Instead of taking advantage of my problems with Pa, Hawk tried to help me work them out. He never tried to make himself look good in my eyes, but he always tried to make me look at Pa and myself more honestly.
(هنا "زاك" يتحدث عن "هاوك")
بدلا من أن يستغل مشاكلي مع والدي لصالحه، حاول مساعدتي على حل هذه المشاكل. لم يحاول أبدا أن يستميلني نحوه، بل كان دائما ما يحاول أن يجعلني أرى والدي ونفسي بأمانة وصدق.

 

وأخيرا يتحدث زاك عن والده وهو يشعر بالندم على ما بدر منه سابقا:

I’d been so quick to criticize him and to think he’d done me wrong in a lot of ways. But I now saw that much of what I valued about myself had come straight from him. I was more like him than I’d ever realized. He’d taught me more than I’d ever been aware.
I’d been so quick to credit Hawk for teaching me so many things- and he did.
Yet for years Pa had been quietly building into me too. …. I hadn’t let myself see how many good ways he shaped my life and who I was.
لقد كنت سريعا في انتقاده (يقصد أبيه)، والتفكير بأنه أخطأ إليّ في كثير من النواحي. ولكنني الآن أرى أن معظم ما أفتخر بوجوده في نفسي وشخصيتي؛ قادمٌ منه مباشرة! إنني أشبهه بشكل كبير أكثر مما كنت ألاحظ. لقد علمني أشياء كثيرة، لدرجة أنني لم انتبه لها!
لقد كنتُ سريعا في تقديري لـ "هاوك" لأنه علمني أشياء كثيرة، وهو بالفعل يستحق ذلك. ولكن قبل ذلك بسنوات كثيرة، كان والدي هو من ساعد في بناء شخصيتي... لكنني لم أسمح لنفسي برؤية كم ساعدي على تشكيل حياتي بشكل جيد حتى أصبحتُ على ما أنا عليه الآن!

 

وسأختم بهذا الاقتباس الذي يتحدث فيه زاك مع والده عما تعلمه من هاوك:
He told me that I’d never be a man until I learned what anger was supposed to be for. He said I’d never be a man until I learned to swallow my pride and come back and say I was sorry.
لقد أخبرني بأنني لن أصبح رجلا، حتى أتعلم لأي شيء يكون الغضب. كما قال بأنني لن أصبح رجلا، حتى أتعلم كيف أتجاوز كبريائي، وأعود لأقول معتذرا: إنني آسف..

 

*****

بالطبع لا احد يلوم الاطفال،فالمسؤولية الاكبر في تلك الفترة تقع على كل مسؤول ناضج واعي لمساعدته على تجاوز الامر ريثما تمر الأزمة، خاصة إن لم يكن باستطاعة والديه فعل ذلك لأي سبب كان! ولأجل ذلك كان من واجبنا التنويه لأهمية التركيز على دور "المرشد" في هذا الموضوع، ولعلنا نتكاتف جميعا لأجل جيل صالح قوي يحسن التعامل مع مشكلات الحياة وتجاوزها بحكمة وقوة ونجاح بإذن الله فيكون سببا في نهضة هذه الامة بإذن الله، وقد فصّلت في ذلك في موضوع سابق، هذا رابطه:
https://nebrasmangaka.com/forum/topic/268/

وكأن مساعدة الابناء المكلفين على احسان صحبة والديهم ومجاهدة انفسهم في ذلك سيكون كفيلا بإعداد جيل ناجح قوي بإذن الله، ولا افضل من أن نختم بتوجيه أفضل معلم للبشرية وهو يوجه أحد الرجال بقوله صلى الله عليه وسلم "ففيهما فجاهد"، كما ورد في الحديث:

جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، يَسْتَأْذِنُهُ في الجِهَادِ فَقالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَفِيهِما فَجَاهِدْ.

 

***

بالطبع قد يعبر هذا الموضوع عن وجهة نظري الشخصية، ولكنها ايضا مدعمة بتجارب وحوادث وشواهد كثيرة، وسيسعدني معرفة رايكم وملاحظاتكم حول هذا الامر ونسأل الله أن يلهمنا الصواب ويوفقنا جميعا لسبيل الرشاد بما يحب ويرضى..

سبحانك اللهم وبحمدك اشهد أن لا إله إلا ات استغفرك واتوب إليك

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم