Please or التسجيل to create posts and topics.

رواية "طفولة بين النيران"

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كيف حال جميع المبدعين عساكم بخير

أود عبر نشري بعض أجزاء من روايتي "طفولة بين النيران" المشاركة بها في تحدي النشر الدوري، آملًا أن أعثر على رسام يشاركني هذا التحدي، حيث من شروط المسابقة المشاركة بثلاثة فصول على الأقل لا يقل عن عدد 16 صفحة، وتقييم جودة القصة والرسم، وآمل أن ينال ما سأنشره إعجابكم.

 

ملخص

تتعرض بلد الطفلين "غادة وجلال" للحرب منذ سنوات عديدة، إلا أن تلك المناوشات تبعد والدهما عنهما، وتدفع "غادة" للتساؤل عن ماهية الحرب، فما هي من وجهة نظرها؟ وهل ستصل لإجابة عما تبحث عنه؟

الجزء الأول

 

أقلعت طائرة من مطار لندن البريطانية منطلقة في طريقها ..محلقة في الجو .. وعلى متنها كان هناك عدد من المسافرين من بينهم مجموعة من الأطباء العرب في طريقهم إلى بلادهم ، كانت الفرحة تغمرهم  إذ إنهم سيعودون إلى أهاليهم بعد فراق سنوات طويلة قضوها في الدراسة و الجد و المثابرة، و هاهم بعد ذلك الكفاح يعودون إلى وطنهم و قد حصدوا ثمار تلك الجهود و انهوا فترة تخصصهم و دراستهم..

كان الأطباء يتحدثون فيما بينهم في سعادة كبيرة ، وكذلك الطبيبات اللواتي كن يتحدثن عن اشتياقه لبلادهن و أهلهن ،وكيف سيكون استقبالهم لهن بكل فخر..

 لكن واحدة فقط منهن كانت تجلس قرب النافذة و تتأمل منظر السماء ..صامتة..كانت مثل الأخريات مشتاقة لأهلها و وطنها و تفكر في قائلة في نفسها:

- كم اشتقتُ إليك يا وطني.. كم اشتقتُ لتلك الأرض الخضراء.. اشتقتُ لأبي و أخي و....

و بترت الشابة عبارتها و لم تستطع إكمالها، و تغيرت ملامح الفرح و الشوق على وجهها فجأة إلى ملامح حزن عميق جدا، فقالت إحدى زميلاتها للأخرى في همس:

- انظري لغادة ..تبدو حزينة..

فردت عليها زميلتها: ألا تعرفينها؟!.. إنها دائما هكذا..تحب دائما الخلوة بنفسها و بأفكارها ..دعيها ستهدأ و ستحدثنا..

فأيدتها زميلتها و مضين في حديثهن ، و لم تقطع أحدهن حبل أفكارها ، وبقيت تلك الفتاة تنظر من نافذة الطائرة تتأمل الطبيعة و تتذكر الماضي ..

ذلك الماضي الذي حمل في طياته آلاما كثيرة .. بل ذكريات حزينة..

أخذت تلك الشابة تتذكر تلك الذكريات ، وعيناها لا تكادان تفارقان منظر الطبيعة الجميل، و في نفس الوقت كانتا تتأثران كلما خطر ببالها حادث..

****

أطلت شمس الصباح على مدينة صغيرة اكتست بالمعالم العمرانية و التغيرات الحضارية، و الخضرة تحيط بها من كل جهة..

في ذلك الوقت.. كانت صفاء بصالة البيت تسرح شعر ابنتها الصغيرة غادة - ذات الست سنوات- وهي ترتدي عباءتها استعدادا للخروج معها ، فقد كانت صفاء تعمل مدرسة في إحدى المدارس الحكومية، فقالت صفاء لابنتها :

- كوني منتبهة و مجتهدة في دروسك يا غادة..

فابتسمت غادة وقالت: نعم يا أمي..

- أريد أن أكون أنا و والدك فخورين بك..

- و أين هو أبي؟.. لما لم يعد حتى الآن؟.. إني لم أره أبداً..

اعتلى الحزن وجه صفاء و هي تقول: والدك قائد في الجيش يا ابنتي فعمله كبير جدا هو و أصحابه من القادة و الجنود فهم يسهرون من أجل راحة الآخرين..

في تلك اللحظة خرج صبي - في نحو الخامسة عشرة من عمره - من غرفته و هو يرتدي ثياب المدرسة و يحمل كتبه و أغراضه بيده و يتجه نحوهما ، ثم قال: أمي .. سأخرج الآن..

فنظرت إليه صفاء و قالت: كن مجتهدا في دراستك يا جلال ، و لا تجعل رياضة الكاراتيه هذه تلهيك عن دروسك و واجباتك..

فقالت غادة في سخرية : و سيكسر زهرية أخرى..

فعقد جلال حاجبيه وقال: أ تسخرين من أخيك البطل يا غادة؟ ..سأصبح مثل أبي يوما ما..

فضحكت غادة وكانت قد انتهت والدتها من تسريح شعرها و ردت عليه و هي ترتدي حذاءها:

- البطل لا يكسر البيت..

وعادت تضحك مرة أخرى و شعر جلال بالضيق ،في حين قالت صفاء بحزم:

- أعرف انك تحب هذه الهواية ، لكن ما أريده منك ألا تجعل شيئا يلهيك عن دروسك..

فابتسم جلال وقال بثقة: اطمئني أمي..سأكون في المركز الأول هذا السنة ..

فابتسمت الأم وقالت: أرجو ذلك ..فأنت الآن القدوة لأختك فهي لا تزال في الصف الأول..

فهز جلال رأسه ثم قبل رأس أمه و هو يقول: سأنصرف الآن..

- في أمان الله يا ولدي..

ثم مسح على رأس أخته و قال: سأحضر لك مفاجأة جميلة يا غادة..

فابتسمت غادة في سعادة وقالت: حقاً..

فهز جلال رأسه وقال : لكن بشرط أن تكوني منتبهة في امتحان اليوم..

فقالت غادة: سأكون منتبهة يا أخي ..

وغادر جلال البيت ، ولم تمض لحظات حتى لحقت به والدته و غادة،  فأوصلت الأم ابنتها إلى مدرستها ، ثم اتجهت إلى مقر عملها و الذي كان في مدرسة أخرى، لتعود لاصطحابها عند الظهيرة..

هكذا عاشت تلك الطفلة الصغيرة..في أسرة صغيرة تعيش حياة متواضعة كريمة ، لم تكن تلك الصغيرة تعرف شيئا في حياتها سوى الدفء و الحنان الكبيرين من والدتها، فلم  تلح في سؤالها عن أبيها، فهي تشعر أن شيئا لا ينقصها..فلها أم حنون و أخ عطوف يساعدها في كل ما تحتاج إليه..

يتبع...

الجزء الثاني 

 

وذات يوم.. نادت الأم على ابنتها الصغيرة فأتتها على الفور حين كانت الأم في المطبخ تغسل الصحون، فقالت: ماذا تريدين يا أمي؟..

- أريدك أن تشتري  ما هو مكتوب في القائمة من بقالة الحاج يوسف و تعودين بسرعة.. فهمتي غادة ..

- نعم..

و أعطتها صفاء القائمة و النقود، و سارت غادة حتى وصلت إلى البقالة ، و سلمت على الحاج الذي ابتسم حين رآها، وقال:

- أهلا بغادتنا الصغيرة..

- أهلا بك جدي يوسف..

 كان الحاج يحب تلك الطفولة البريئة و يحب الحديث معها، ثم ذهب لإحضار ما تريده، ثم سلمها المشتريات حين قدم رجلان إلى البقالة و سلما عليه فرد السلام ،ثم قال أحدهم:

-هل سمعت عن جحافل الأعداء القادمة نحو بلادنا؟..

فقال الحاج: نعم .. لقد سمعت و رأيت ذلك في التلفاز البارحة، و رأيت الكثير من الطائرات و المقاتلات الحربية في طريقها إلينا..

فقال الرجل الآخر: لابد إنها الحرب..

فقال الحاج: أسأل الله اللطف بعباده.. الحرب مأساة.. و أرجو أن تتخذ الدولة إجراءات سريعة لصدهم..

- أرجو ذلك .. فمدينتنا قد تتعرض للهجوم أولاً..

وسارت غادة متجهة إلى منزلها، لكنها كل ما مرت على مجموعة من الرجال أو النساء وجدتهم يتحدثون عن الحرب، رنت تلك الكلمة في أذنيها طويلا و تساءلت في نفسها:

- الحرب.. ما هي؟؟.. و لماذا يتحدث الناس عنها بكل اهتمام؟..

لكنها لم تجد سؤالا لجوابها، و لما وصلت إلى المنزل سلمت أمها الأغراض ،ثم قالت:

- أمي .. أريد أن أسألك سؤالا؟..

فوضعت صفاء الأشياء التي أحضرتها ابنتها على الطاولة، ثم عادت لترتيب الصحون حين قالت: اسألي يا حبيبتي..

- ما هي الحرب؟..

فاجئ ذلك السؤال صفاء و هزَّ جسدها في خوف و أجمد الدماء في عروقها و جعل قشعريرة غريبة تسري في جسدها ، انتفض الوعاء بين يديها و كاد أن ينزلق من بينهما، ثم التفت إلى ابنتها و قالت: من أين سمعتي هذه الكلمة يا غادة؟

- سمعتها من الناس، كانوا يتحدثون عن الحرب باهتمام كبير و لم أعرف سر ذلك الاهتمام..

فربتت صفاء على كتفي ابنتها و قالت في لطف:

- غادة .. ما تزالين صغيرة على هذا.. وعندما تكبرين ستفهمين ما تريدين..

لم تقتنع غادة بما قالته أمها، و انصرفت من المطبخ، أما صفاء فقد بدا عليها القلق الكبير و أخذت تكمل عملها..

***

وفي اليوم التالي خرجت غادة لتلعب مع رفيقاتها في الحديقة ، فأخذن يلعبن ويجرين و يمرحن في سعادة وضحكاتهن الطفولية وهتافهن يملئ المكان، ثم جلسن يسترحن تحت إحدى الأشجار، و أخذن يتحدثن إلى أن قالت إحداهن :

- هل سمعتن عن الحرب التي يتحدثن عنها الناس؟

- نعم ..يقولون إنها آتية..

فسألت غادة: وما هي الحرب؟..

فقالت أخرى: لا أعرف ، و لكن قال أبي إنها شيء لا يحبه الناس..

فقالت أخرى: و أخبرني أخي إنها تسبب الدمار في كل مكان..

فدهشت غادة لذلك ثم قالت: لو كانت الحرب شيئا سيئا فلماذا يهتم بها الناس؟..

فاستغرب الفتيات قولها ، فقالت إحداهن و هي تبتسم من قول غادة:

- يبدو إنك لا تشاهدين الأخبار بالتلفاز يا غادة، إن الحرب معركة بين طرفين ..أحدهما يكون المنتصر و يفرض على المهزوم ما يريد و قد يدمر بلاد الطرف الآخر إن أراد ذلك..

فوجئت الصغيرات لذلك و انتابهن الخوف، أما غادة فلم تفهم شيئا لأنها تعتقد إن سكان مدينتها لا يهتمون إلا بما يسعدهم..

و حين حل المساء عادت غادة إلى المنزل عاد ذلك السؤال من جديد يرن في أذنيها و هي ترغب في نسيانه ، فلم تجد بداً من سؤال أخيها جلال، فاتجهت إلى غرفته و طرقت الباب ثم دخلت بعد أن سمح لها بالدخول فوجدته مشغولا بكتابة وظائفه المدرسية ، فقالت غادة:

- هل استطيع التحدث إليك يا جلال أم إنك مشغول؟

فالتفت جلال إليها و قال: تفضلي يا أختي.. هل تريدينني أن أساعدك في واجبك؟.

فاقتربت غادة منه و قالت:

- لا .. بل أردتُ أن أتحدث إليك بشأن الأمر الذي يشغل سكان مدينتنا..

- أي أمر؟.

- أمر الحرب..

- الحـــرب!!

- نعم .. إني لا أفهم..صديقاتي اتفقن على إنه شيء سيئ لا يحبه الناس، فلماذا إذن يهتم الناس بشيء لا يحبونه؟..

فكر جلال و هو لا يدري كيف يفهم أخته هذا الأمر الذي لا يمكنها فهمه ، فهي لا تزال صغيرة، فلاحظت غادة شروده الزائد و تفكيره العميق و الذي استغرق وقتا، فقالت :

- يبدو إنني أزعجتك يا جلال، لا تشغل نفسك أنا ذاهبة..

فوجئ جلال بقولها و قد قطعت حبل أفكاره، فأراد أن يوقفها لكنها كانت قد ذهبت و أغلقت الباب خلفها، فحك جلال رأسه و هو يسأل نفسه:

- ما سر اهتمامها بأمر أكبر منها؟

ثم التفت إلى دفتره و التقط قلمه و هو لا يزال يفكر في أمر أخته ثم قال:

- لن تقتنع غادة حتى تعرف ما تريده.. إني أعرفها جيدا..لكن ..كيف السبيل إلى ذلك؟

ففكر بالذهاب إلى أمه و إخبارها ، فخرج من غرفته و وجد أمه في غرفة المعيشة ترفع وسادة من على الأرض كأنها ترتب الغرفة ، فأراد الدخول لكن سمع صوتها تبكي ، فوقف مكانه وسمعها تقول:

- لم أكن أرغب في أن تسمع غادة شيئا عن الحرب..هذه الحرب اللعينة أبعدتك عني سنوات..حتى ابنتك.. لم تتمكن من رؤيتها سوى في أيامها الأولى .. لم أسمح لها أو لجلال بأن يشاهدا على شاشة التلفاز أي شيء يتعلق بها ، لكن غادة فاجأتني بذكرها.. يا إلهي.. لطفك و رحمتك..

فعندما رأى جلال أمه في تلك الحالة انسحب و رق لحال أمه و عاد له الشوق لرؤية والده..

يتبع...

 

الجزء الثالث 

مرت عدة أيام و لم تعد غادة سؤالها على أمها أو أخيها، فارتاحت صفاء لذلك مع إن ذلك الخبر واقع فعلا، فكان القلق ينتابها بين الحين و الآخر خوفا على زوجها، أما جلال فلم يرتح لسكوت أخته، فهو يعرفها جيدا خاصة في الأمور التي تبدو لغزا لها..

وفي المساء حين كانت الأسرة الصغيرة مجتمعة لتناول العشاء، طُرق باب المنزل، فوجئت صفاء ..من يطرق الباب في هذا الوقت، فقال جلال:

- سأنظر من الطارق يا أمي..

فأشارت إليه صفاء و قالت:

- ابقي حيث أنت ..أنا سأفتح الباب..

ونهضت صفاء و فتحت الباب وجلال و غادة ينظران من عند باب الصالة ليعرفا من الطارق ، فكان شاب يرتدي بذلة عسكرية، فوجئت صفاء حين رأته و قالت له:

- خيرا أيها الجندي..

- هذه الرسالة لكِ سيدتي.. أستأذنك..

قالها و ناولها الرسالة ثم انصرف من فوره، فأغلقت صفاء الباب و هي في حالة قلق و خوف كبيرين جعل يديها ترتجفان، فاقترب جلال و غادة منها ، فقال جلال:

- أهي من أبي؟..

فردت صفاء في توتر: أظنها منه..

ثم جلست صفاء على أقرب كرسي لها و أخذت تقرأ الرسالة لوحدها..

( عزيزتي الغالية أم جلال.. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.. لا أستطيع أن أطيل في حديثي .. الأعداء قريبون جدا من حدود بلادنا، و لم أستطع القدوم لأراك و أرى ولديّ لما نعده من استعدادٍ لدحرهم ،فأرجو أن تسامحيني و أن تدعي لنا بالتوفيق والنصر ،و أن تهتمي بنفسك و أولادنا ..الله وحده يعلم كم اشتقت إلى رؤيتكم و رؤية غادة التي بدت في مخيلتي جميلة الوجه كأمها.. أترككم في رعاية الله..)

حين كانت صفاء تقرأ الرسالة، قالت غادة لأخيها:

- لماذا لم يعد أبي؟..أريد أن أراه؟..

فرد جلال عليها قائلا:

- لقد طالت غيبته هذه المرة ..سنوات طويلة مضت حتى إني أشعر بأني لا أذكر ملامح وجهه تماما..

في تلك اللحظة كانت صفاء قد انتهت من قراءة الرسالة فطوتها و وجمت للحظات قبل أن يقول جلال:

- هل أبي بخير يا أمي؟..

فنظرت إليه و قالت : نعم ..ولكنه لن يزورنا هذه المرة لانشغاله..

- لقد اشتقت إليه كثيرا، ففي المرات السابقة كان يزورنا شهرا ثم يغيب طويلا، أما هذه المرة فقد طالت غيبته إلى درجة إني لا أذكر ملامح وجهه..

فعقدت صفاء حاجبيها و قالت في عصبية:

- أهذا الكلام يصدر منك يا جلال؟.. صحيح أن والدك غاب عنا طويلا و لكن لا تقل ذلك أبدا ..مفهوم..

فاعتذر جلال لأمه، فسألت غادة: و ما سبب انشغاله؟..

- إنها الحرب يا ابنتي.. إنها قادمة.. وبإذن الله سينتصرون على الأعداء..

قالت صفاء تلك الكلمات و لم تستطع إخماد القلق الذي اجتاح صدرها، فالحرب لا تؤمن عواقبها ثم أخذت الأم الأطباق بعد العشاء إلى المطبخ ، بينما بدت الحيرة على وجه غادة، ثم أوى كل منهم إلى فراشه، وعندما استرخى رأس غادة الصغير على الوسادة خطر ببالها قول أمها..

..إنها الحرب يا ابنتي.. إنها قادمة..

فكرت غادة في نفسها قائلة.. ترى .. كيف يكون شكلها؟.. و لماذا يقولون عنها سيئة؟.

ثم هدأت للحظات قبل أن تكمل حديثها..مادام أبي منشغلا بها فلابد إنها ليست سيئة..

فابتسمت غادة لنفسها ابتسامة كبيرة وهي تضيف:

- إذن ..أتمنى أن تأتي..

و استرخى جفناها في وداعة..

يتبع...