Please or التسجيل to create posts and topics.

الأم النرجسية.. الأب النرجسي!

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

الأم النرجسية.. الأب النرجسي!

 

 

بعد أن طرحنا عدة مواضيع ضمن فعالية #على_ثغرة ومن أبرزها حملتنا لبر الوالدين تحت شعار #ففيهما_فجاهد، والتي تجدون تفاصيلها هنا:

https://nebrasmangaka.com/forum/topic/210/

كان من آخر المواضيع المتعلقة بتلك الحملة موضوع هام بعنوان "الآن فهمت" وهذا رابطه:
https://nebrasmangaka.com/forum/topic/243/

والذي اقمنا له فعالية خاصة (يمكنكم المشاركة بها متى ما أحببتم) عبر هذا الرابط:

https://nebrasmangaka.com/forum/topic/252/

 

وبينما دارت نقاشات عديدة حول ذلك، ما بين مؤيد او معارض ومعترض باعتبار أن ذلك قد يسبب ضغطا اضافيا على الابناء خاصة اولئك الذين يعانون من اباء او امهات بشخصيات غير سوية او سامة كالنرجسية وغيرها؛ كان لا بد لنا من تسليط الضوء على هذا الموضوع بشكل خاص..
علما بأن نيتي في البداية كانت طرحه كمنشور نقاشي للاعضاء على مجموعة نبراس المانجاكا تحت هاشتاغ #قضية_ونقاش_للمانجاكا، ولكن للاسف سياسة الفيسبوك لم تسمح بنشره- وقدر الله وما شاء فعل- ومن هنا تم نقله للمنتدى مباشرة مع اجراء بعض التعدسيلات البيسة التي تناسب ذلك، مع التأكيد انه سيكون موضوعا قابلا للنقاش.. فلا تترددوا بابداء وجهة نظركم مهما كانت، ونسأل الله أن يلهمنا الصواب دوما، ويوفقنا لما يحب ويرضى..
والآن اترككم مع الموضوع:

الأم النرجسية.. الأب النرجسي!

ربما لا يخفى عليكم انتشار هذه الموجة التي تتحدث عن نرجسية الاباء والأمهات ومدى خطورتهم على الابناء باعتبارهم شخصيات سامة او سيكوباثية او او.. لدرجة تحذير الابناء من والديهم (النرجسيين او ما شابه) للحفاظ على سلامتهم النفسية!
ومع ازدياد تأثير هذه الموجة، بدأ غالبية الابناء يشعرون أن والديهم أو أحدهما هو شخصية نرجسية فعلا، بناء على ما يرونه من تشابه بين صفاتهم والصفات المتداولة للشخصيات النرجسية!!
ومن هنا ظهرت قضية جديدة تتعلق بمفاهيم البر والعقوق وايجاد المبررات للابناء الذين يعانون من نرجسية والديهم، باعتبار أنهم مجرد ضحايا، وهكذا..
وهنا شعرت أنه يجب أن تكون لنا وقفة، خاصة بعد الحملة التي اطلقناها لبر الوالدين #ففيهما_فجاهد !!
سأطرح عليكم وجهة نظري (من ناحية منطقية كما اراها) وبعدها سيهمني أن استمع لوجهات نظركم باعتبار أن هذا الموضوع موضوع نقاشي..
بالنسبة لي.. فأنا مقتنعة تماما 100% أن الشخص الذي ينجح ببر والديه حتى يصل لدرجة ارضائهم (بما يرضي الله طبعا) فهو شخص لن يعجزه أن يتعامل مع أي مشكلة في حياته مهما كانت، وستهون أمامه كل العقبات بإذن الله، وبالتالي فهو بالتأكيد سيكون شخصية ناجحة تماما لأنه حرفيا يمتلك كل الصفات والمهارات والمقومات التي تؤهله لذلك!

ويمكن تفسير ذلك منطقيا كالتالي:
طبيعة الحياة لا تخلو من مشكلات، بل هي اصلا قائمة على المشكلات التي تحتاج حل، ومن خلالها يتطور الانسان ويتقدم ويمضي قدما.. ولو نظرنا في كل مشكلات الحياة لوجدنا انها لا تخلو من مواجهة علاقات ضارة او مؤلمة سواء في العمل او الحياة الاجتماعية، او مشاكل معقدة تحتاج صبر وطول نفس، او فشل في تحقيق شيء معين قد يسبب الاحباط وربما يؤدي للاستسلام، او عدم تقدير من مدراء او مسؤولين، او التعرض للظلم أو الخيانة وخيبات الأمل... الخ
كل مشاكل الحياة لو نظرنا لها بعين فاحصة، سنجد أنها حتما ستسبب دمار نفسي لأي شخص إذا لم يفهم ويتعلم ويتدرب على طريقة التعامل مع الحياة ومشكلاتها اجمالا، ولذلك من رحمة الله بنا أن وهبنا فرصة ذهبية لخوض تدريب وإعداد مكثف لمواجهة الحياة، من خلال وصيته لنا بالاحسان للوالدين!
أجل يا سادة.. من يخوض تجربة البر والاحسان للوالدين وينجح في ذلك حتى يرضيهما بما يرضي الله؛ فتأكدوا أنه سيكون بامكانه مواجهة اي مشكلة في حياته مهما كانت، لأنه بالاساس قد وطّن نفسه ودربها واكتسب كل المهارات اللازمة للتعامل مع اي مشكلة!
بالمقابل.. ماذا عن شخص شعر أن والديه شخصيات نرجسية، (ولنقل انهما كذلك فعلا) وهكذا قرر ان يجد لنفسه مبررا ومخرجا من عدم ضرورة برهما وارضائهما حتى يحافظ على سلامه النفسي بحسب ما يسمع.. ومن ثم خاض غمار الحياة بكل ما فيها، فكيف تتوقعون أنه سيواجه مشكلاتها؟
مذا لو ظهر له اشخاص نرجسيين في عمله الذي هو مصدر رزقه وكان مديره والمسؤول عن عمله نرجسيا؟
كيف سيتعامل معه؟
هل سيكتفي بالهرب مجددا من مواجهة المشكلة ومن ثم قد لا يجد عملا آخر؟
ماذا لو أنه واجه في كل مكان يذهب له اشخاص نرجسيين، اين سيذهب؟
ماذا لو اكتشف بعد حين انه ارتبط بشخص نرجسي أو وقع في حبه؟
والأكثر من ذلك.. ماذا لو انجب اطفالا وتبين لاحقا أنهم نرجسيين؟
هل سيتبرّأ منهم مثلا؟؟

علما.. بأن من يعاني من نرجسية والديه (بحسب وصفه) فليتأكد أنه لن يجد أي شخص نرجسي أحنّ عليه وأرحم به من والديه النرجسيين!!! باختصار سيجد ان والده او والدته (لو كانا نرجسيان حقا) فهما أفضل نسخة نرجسية قد يواجهها في حياته، فإذا كان لم يحتمل التعامل مع الشخص النرجسي الذي أنجبه ورحمه وأحبه وعطف عليه في صغره وتولى شؤونه حتى اشتد عوده، فهل سيقدر على التعامل مع غيره؟!!
من لا يريد أن يصبر على من أنجبه وأحسن إليه في صغره (حتى لو كان نرجسيا)، سينصدم بأن عليه أن يصبر مرغما على ما هو أسوا!!

اذا كان هناك شخص يضمن أنه لن يواجه اي شخصية نرجسية أو سامة في حياته، ولا من اولاده، وأنه لن يواجه أي مشكلة معقدة في حياته؛ فهنا قد نتفهم كل النصائح التي تتعاطف مع الابناء وتعذرهم بايجاد مبررات لهم إذا كان احد والديهم نرجسيا، ولكن مهلا.. هل هناك أحد يمكنه ضمان ذلك أصلا؟؟
ألن تكون تلك النصائح بمثابة اخراج جيل يعاني من هشاشة نفسية تتحطم امام أول محك يواجهه في الحياة، دون أن يتسلح بلقاح واقي سلفا؟

بالطبع هنا لست بصدد انكار الألم الذي قد يعانيه الابناء بسبب الآباء، ولكنني أراه ألما يجب ان يتعلم من خلاله الابن كيف يتعامل معه حتى يحول المحنة إلى منحة تساعده في دربه، بإذن الله!

وبلا شك ربما سمعتم عن قصة المزارع ودودة القز!
من الوهلة الاولى سيبدو المزارع شخصا طيبا شفيقا وهو يرى دودة القز قد بدأت بالتحول لفراشة، ولكنها لا تستطيع الخروج من شرنقتها، كانت تحاول وتحاول دون فائدة ويبدو عليها الألم بلا شك، مما جعل مزارعنا الطيب يشفق عليها، وبحسن نية فتح لها الشرنقة وخرجت، ولكن....!!!
لم تكن "دودة القز" قد أكملت تدريبها واختبارها في مواجهة المشكلات بعد، وتم اخراجها من "منزلها" قبل أن "تتعلم" كيف تتعامل مع شرنقتها؛ مما جعلها تقضي عمرها عاجزة عن الطيران، بسبب "الوهم" الذي اعترى المزارع باسم "الشفقة"!!

وهكذا أرى كل شخص يحاول ايجاد مبرر للابناء بالخروج من دائرة ابائهم والابتعاد عنهم- بغير رضى الوالدين- اشفاقا عليهم من نرجسية والديهم او ما شابه! فحتى لو كان ذلك بحسن نية ومن باب الشفقة، لكن هل يضمنون لهم كيف سيكون مستقبلهم بعد ذلك؟!!
هل هناك أحد يعلم الغيب ويعرف ما قد يواجهه هذا الابن في حياته من عقبات او علاقات؟

  قطعا لا أحد يعلم الغيب إلا الله، ولأنه وحده سبحانه وتعالى من يعلم الغيب، ويعرف ما قد يواجه هذا الابن في حياته، فهو سبحانه من سخر له هذين الوالدين واوصاه بالاحسان إليهما، ومنذ صغره وهو يهيئ له ما يساعده مستقبلا، حتى إذا ما بلغ سن التكليف لم تعد لديه حجة!

ولذلك الاكتفاء بإلقاء اللوم على الوالدين، وعدم تشجيع الابن على الاستمرار في محاولة بر والديه وكسب رضاهما، بحجة ان هذا سيؤذيه نفسيا؛ هذا سيجعل الابن يواجه الحياة بدون استعداد وقبل اكتمال جناحيه، فلا يستطيع التحليق ولا الطيران ابدا!
وربما هذا يفسر العلاقة الوثيقة بين البر والتوفيق!

***

فاصل:
بالتأكيد هذه ليست دعوة للوالدين بالقسوة على ابنائهم او عدم احسان تربيتهم والتعامل معهم بما يرضي الله، فهم محاسبين على ذلك بلا شك! علما بأنني مقتنعة بأنني من الاساس لن أكون أرحم من أي أم وأي أب بابنائهم، وهم الأحرص على تقديم الأفضل لهم، ولكنها همسة لهم بأن يستعينوا بالله لأن الامر ليس باليسير إلا على من يسّره الله له..
عدنا..

***
   لذلك بحسب ما أعتقد (والله أعلم) أن من أفضل النصائح التي يحتاجها الابناء في هذه الحالة- اقصد لو كان أحد والديهم نرجسيا او صعب المراس او سيئا وما شابه- هو تشجيعهم على عدم الاستسلام والمحاولة الجادة في كسب رضا والديهم بالاحسان إليهم بما يرضي الله، مع التأكيد أن بمقدور جميع الابناء ذلك بلا شك، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها وكلٌ مسخر لما خلق له، وبهذا نكون قد ساعدناهم على مواجهة مشاكل الحياة تلقائيا بإذن الله..

المعلم الذي يريد التفوق لتلاميذه، سيقوّي هممهم ويشحذها، ويشجعهم على حل المسائل مهما بدت صعبة ومعقدة.. سيحاول تبسيطها ويساعدهم على فهمها، حتى يعتادوا حل اي مسألة وحدهم..
أما الاستاذ الذي يكتفي بإخبار التلاميذ ان هذه المسألة فوق قدراتهم العقلية، فهنا سيكون كمن يغرس قناعة داخلية في عقولهم أنه ليس بإمكانهم حلها مهما فكروا.. وبالتالي لن يحاولوا ذلك ابدا، وسنجدهم دوما يشتكون ويتذمرون من صعوبة الاختبارات- مهما تم تبسيط الاسئلة- حتى تضمر خلايا دماغهم وقدراتهم الاستيعابية!!!

وربما نحن نرى الفرق جليا بين طريقة التعامل مع المناهج الدراسية من قبل  المعلمين، فبينما يحرص بعضهم على اعطاء المنهج كاملا بكل امانة واخلاص، ويحاول مساعدة طلابه على الفهم قدر المستطاع مهما بدى ذلك صعبا عليهم، رافضا حذف اي شيء من المنهج بحجة التبسيط عليهم، لأنه يعلم أنه سيضرهم على المدى البعيد؛ نجد بالمقابل بعض المعلمين الذين يسارعون لحذف المناهج وتبسيط الاختبارات وتسهيلها، وربما يختصرون المنهاج كلها بورقة ملخصة يحفظها الطلبة ويجيبونها، و وهو يظن انه يرحم الطلاب بفعلته هذه ولا يدري أنه يضرهم قطعا!

من الوهلة الاولى قد يبدو المعلم الذي يحذف المناهج بحجة التسهيل على الطلاب معلما متعاونا متفهما محبوبا من قبل طلبته، ولكن بعد سنوات طويلة سيظهر الفرق بين معلم لم يتساهل مع طلبته لأجل صالحهم، وبين معلم اكتفى بالتسهيل والتخفيف باسم الشفقة  حتى ينصدم طلبته مستقبلا بأنهم لا يفرقون كثيرا عن الجهلة!

 

وهذا يذكرني بمشهد في أنمي هجوم العمالقة خلال التدريبات لفيلق التدريب، وهم يخوضون تدريبات قاسية جدا، لدرجة ان بعضهم قد يلقى حتفه في ذلك! وعندما كان البعض يتذمر من قسوة التدريب قال لهم المدرب انهم اذا لم يصمدوا في التدريب وماتوا فيه فهم سيموتون على اية حال عند مواجهة اول عملاق!

تمضي الايام ويظهر جيل ينقلب على ذلك المدرب واساليب التدريبات القديمة، ويرون ان كل تلك التدريبات عبثية ولم يعد لها اي داعي.. وهكذا يتركون التدريب.. ليتفاجؤا بعد احداث لم تكن تخطر لهم ببال بظهور عمالقة من حيث لم يحتسبوا بين ظهرانيهم، وبينما يكونوا على وشك أن يلقوا حتفهم؛ يظهر مدربهم ليدافع عنهم ويشحذ هممهم مجددا.. مذكرهم بكل ما لقنهم اياه سابقا!

 

 

وكذلك من يقدم النصائح للابناء!
من يحثهم على البر ويشجعهم عليه وهو يدرك أن هذا سيكون لصالحهم قطعا ولاجل دنياهم قبل اخراهم، لا يستوي هو ومن يرى في بر الوالدين وارضائهم مجرد عبء على الابناء المساكين؛ فيضر الابن من حيث لا يدري عندما يشجعه بطريقة غير مباشرة على التهاون برضا والديه والتقصير في برهما!

لذلك قناعتي هي ان كل ابن/ ابنة يستطيع قطعا ان يكسب رضا والديه بما يرضي الله، لو بذل جهده وحاول ولم يستسلم وهو مقتنع تماما أن بمقدوره ذلك بإذن الله، فيستعين بالله ولا يعجز ويقدّم أفضل ما لديه.. وعندها فليبشر بالخير من اوسع ابوابه بإذن الله..

ولأجل مساعدة الابناء على ذلك.. كانت فعالية #الآن_فهمت ضمن حملتنا لبر الوالدين #ففيهما_فجاهد .. ونشكر كل من ساهم فيها 

وأخيرا.. سيسعدني معرفة رأيكم حول هذا الموضوع، وهل ترون كلامي هنا منطقيا وواقعيا؟ 😊

بالطبع هنا قد يظهر سؤال:
ألسنا بهذه الطريقة نشجع النرجسيين على التمادي، خاصة وأن ارضاء الشخص النرجسي لا يكون إلا بطاعته وفعل ما يريده هو فقط، ومع تشجيع الابناء على طاعة والديهم النرجسيين نكون بهذا عززنا نرجسيتهم أكثر؟

وهنا لا بد لنا من وقفات هامة!

أولا: نحن هنا لا نبرر التصرفات الخاطئة مهما كانت، وهذه ليست وكأنها دعوة للآباء والامهات بفعل ما يريدون كما يريدون بأبنائهم وكأن معهم الضوء الأخضر لذلك! بل إنني ممن يناشدون الشباب بعدم الاقبال على الزواج والانجاب قبل أن يكونوا مستعدين لذلك، ومتهيئين نفسيا وجسديا للتعامل مع مشاكل حياتهم وأطفالهم بحكمة ووعي وعلم حقيقي.. فالتربية ليست لعبة عشوائية ندخلها بدون حساب! لا بد من الاستعداد لذلك، ولأجل هذا أدعو الشباب ذكورا وإناثا بمعالجة مشاكلهم السابقة مع والديهم أولا قبل أن يفكروا بالزواج والانجاب، حتى لا تتراكم هذه المشاكل وتتفاقم أكثر فيتم توريثها لجيل جديد بشكل أسوأ لا قدر الله!! ونسأل الله السلامة والعافية وصلاح الأحوال للجميع..

ثانيا: ارضاء الوالدين لا يعني ان نفعل ما يريدون بدون تفكير او طاعتهم بشكل اعمى! لو كان الأمر كذلك لما وجّهنا القرآن لعدم طاعة الوالدين لو امرونا بالاشراك مع الله او معصيته! إذن يجب ان يستعمل الانسان عقله قبل الطاعة، وهذا لا يناقض ابدا العمل على إرضاء الوالدين بصحبتهما بالمعروف ومحاولة اقناعهما بالحكمة والتي هي أحسن، والعمل على تطوير امكانياتنا ومهاراتنا الشخصية لدرجة ان نصل لمرحلة ننجح فيها في ارضائهم بدون ان يقتضي ذلك التخلي عن رغباتنا او ما نريده!

وهنا ساقتبس كلاما ذكره أحد الشباب، وهو يجيب على سؤال:
 كيف ستنصح شاب يرغب بالزواج من فتاة يحبها، لكن امه لا تريد ذلك؟
فأجاب: المطلوب هو أن يحاول اقناع أمه فإن اقتنعت تبارك الله..
- وإذا لم تقتنع؟

- أكيد لا يمضي في الامر..

وهذا ما نحاول ايصاله للابناء.. على الشاب أن يحاول اقناع امه بكل ما يستطيع ويبذل جهده في الاقناع حتى ترضى ويتأكد من رضاها، ولكن إذا لم ينجح في ذلك فهذا يعني أنه لن يكون مؤهلا للمضي في ذلك الطريق أصلا، أو أنه لن يكون له خير فيه فيبتعد عنه ويحتسب الاجر والعوض من الله!!

ثالثا: كما ذكرت سابقا.. عندما نشجع الابناء على بر والديهم والعمل على إرضائهم في كل مناحي حياتهم، فهنا كأننا نجعل الابناء يكتسبون المهارات اللازمة للتعامل مع والديهم مهما كانت شخصياتهم، ولأن الحاجة ام الاختراع، فهذا تلقائيا سينعكس على قدراتهم في الحياة حيث سيكتسبون مهارات رهيبة في حل المشاكل والموازنة بين الامور المختلفة، وهو ما سيجعلهم شخصيات ناجحة حرفيا!

بمعنى اخر.. المجتمع ليس بحاجة لأشخاص يستسلمون بسرعة ويكتفون بالقول ان هذه المشكلة اكبر منا فلا يسعون لحلها ولا يستخدمون عقولهم ولا ذكاءهم في اختراع شيء يجعلهم يتعاملون مع المشكلة بحكمة وذكاء!

تخيلوا مثلا لو أننا اكتفينا بإخبار ابن أن والدك نرجسي.. وهو لن يتغير.. ثم صدّق هذا الابن انه مظلوم وعاجز واقتنع من اعماق نفسه أن والده النرجسي لن يتغير بل سيزداد سوءا، فهل تعتقدون أنه سيحاول ايجاد طريقة ليتعامل فيها مع والده ويحل بها مشكلته معه؟
وهل سيستخدم عقله ليجد طريقة لاقناع والده والحصول على رضاه؟؟

اكيد لا.. إذ أننا نكون دمرنا اي ابداع او تفكير او حتى محاولة لدى هذا الابن!

وعلميا هذا معروف في المسائل الحسابية والرياضية، لو أن معلما اعطى الطلاب مسألة وقال لهم عنها انها مستحيلة الحل، فغالبا لن يستطيع أحد حلها.. وقد ذكر احدهم في هذا السياق حادثة جرت مع احد الطلبة حيث كان نائما في الصف ولم يسمع كلام المعلم عن المسألة، وظن ان المكتوب هو الواجب، فنقلها وقام بحلها في المنزل وسلمها للاستاذ في اليوم التالي وهو يقول له انه استغرق يوما كاملا في حلها وهذا اقصى ما استطاع الوصول له.. فكانت دهشة المعلم شديدة لأن هذا الطالب تجاوز عدد من العلماء في حل المسألة!!!

ايضا إذا سمعتم عن تحطيم الرقم القياسي في الجري وكيف انه كان هناك اعتقاد سائد انه لا يستطيع احد الجري بسرعة تتجاوز رقم محدد.. ولكن في احدى المرات تجاوز عداء هذا الرقم ليتفاجأ الجميع بأن اكثر من سبعة في العام نفسه تجاوزوه ايضا بعد أن تحطمت خرافة المستحيل في عقولهم!!!

إذا اقنعنا انفسنا ان هناك شيء مستحيل، فنحن فقط نضع عذرا لأنفسنا لكي نستسلم ونتوقف عن المحاولة او التفكير والابتكار!
ألم يقولوا أن الحاجة ام الاختراع؟

إذا انا كنت شخص موقن بأن بر والداي وارضاءهما فيه أجر عظيم من الله، وفي الوقت نفسه لا اريد التخلي عن رغباتي المباحة.. افلا يجعلني هذا أن اخترع وافكر بطريقة اكسب بها رضا والداي مهما كانوا؟؟
اليس هذا افضل من الاستسلام والاعتقاد بأن والدي نرجسي وصعب المراس وبالتالي انا غير ملزم بإرضائه؟!!!!

اليس ها هو التوجيه الرباني لنا في القرآن؟

(وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )

يعني لو تفكرنا وتدبرنا في تلك الآية، فسنجد فيها وصف لأسوأ شخصية والدين قد تمر على الابناء (لا يوجد أسوأ من ذلك أصلا!) ومع ذلك لم يعط الله رخصة للابن او الابنة بالابتعاد عن والديه في هذه الحالة بحجة أن هذا سيضرهم! بل وجههم لضرورة مصاحبتهما معروفا مع اتباع سبيل المنيبين لله، وبهذا يحفّز لدى الابناء تفعيل قدراتهم الكامنة للموازنة بين هذين الامرين، مما يجعلهم مؤهلين للتعامل مع تحديات الحياة بشكل أفضل!
 

ومن هنا سانتقل لقصة الزوجة والحكيم والاسد باختصار:

يُحكى أن زوجة ذهبت لحكيم وهي شبه منهارة بعد أن تعبت من الحياة وهي تشكو زوجها وانه مستحيل الارضاء ويعذبها كثيرا، حتى أنهكت من هذه الحياة القاسية وتريد ان تجد حلا عند الحكيم مهما كان هذا الحل، ولو ان يقوم بعمل سحر لها ليحبها زوجها ويرحمها على الاقل!

هنا قال لها الحكيم:
يمكنني فعلا ان اعمل لك عمل مناسب ولكن المشكلة انني احتاج ثلاث شعرات من جسد الاسد، فإذا احضرتيها لي صنعت لك ما تريدين!

فقالت المراة بصدمة وقد خاب أملها:
لكن من المستحيل ان استطيع احضار شيء كهذا! كيف اقترب من الاسد!!

فقال لها الحكيم:
للأسف هذا هو الحل الوحيد..

وهكذا خرجت المرأة وغابت عنه فترة ثم عادت بعد شهر او بضعة اشهر، وهي تحمل في يدها ثلاث شعرات من الاسد واعطتهم للحكيم بابتهاج، لكي يعمل لها العمل وهي في قمة السعادة والثقة بأن مشكلتها مع زوجها سوف تحل، وهنا نظر الحكيم متفاجئا لشعرات الأسد، وسألها:
كيف استطعت احضارهم؟

فأخذت تشرح له كيف انها فكرت بطريقة تتقرب بها من الاسد بإحضار اللحوم له.. ثم أخذت فترة تراقبه من بعيد.. ويوما بعد يوم تزيد خطوات اقترابها منه حتى بدأ الاسد يستوعب انها من تحضر اللحم.. فأصبح اكثر هدوءا.. وتدريجيا وصلت للمرحلة التي استطاعت فيها لمس الاسد واحضار الشعرات!!


وهنا قال لها الحكيم:
إذا كنتِ قد استطعت ان تروضي اسدا مفترسا كاسرا وجعلتيه صديقك، افليس الاولى ان تكون لديك الاستطاعة لكي تكسبي زوجك بالطريقة نفسها؟!!

هذه القصة تلخص فكرة هامة وهي اننا عندما نحتاج شيئا ونريده بشدة ونؤمن ان هناك طريقة لذلك، فنحن سنخترع ونفعل المستحيل لتحقيقه، افليس الاولى أن نتعلم كيف نكسب والدينا (مهما كانوا) ونطور مهاراتنا لأجل ذلك؟!!!

 احيانا نتفاجأ من كمية التنازلات التي يستعد بعض الناس تقديمها من اجل ارضاء حبيب او حبيبة (ولو بالحرام) - ونسال الله العفو والعافية لنا وللجميع- وتجدهم مستعدين لسؤال اخصائيين واستشاريين ويقدمون تنازلات اذلالية يندى لها الجبين (والله لا يبتلينا ويعافينا ويعفو عنا وعن الجميع ويصلح الاحوال) أفليس الاولى ان يتم تقديم ولو جزء من هذه المحاولات والتنازلات لأجل من كانوا سببا في انجابنا ورحمونا ونحن صغارا حتى اشتد عودنا، اتباعا لوصية الله لنا بالاحسان إليهم؟!!!

أكاد اجزم أن لو كل شخص قدّم ربع المجهود (الذي قد يقدمه لرغبته او شهوته) في بر وارضاء والديه لما وجدنا اي والد غاضب على ولده ولاختفى العقوق تماما من هذا العالم وانصلح حال الجميع- بإذن الله- ولكن بلا شك فالجنة محاطة بالمكاره في حين ان النار حفت بالشهوات، ونسأل الله السلامة والعافية، والعون والتوفيق...

ولو تأملنا هذه الآية:
(وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً) 


لربما تغير تفكيرنا عن البر، باعتباره مقياس لمدى الصبر! فمن اراد ان يستسلم في ذلك وكان ممن ينفد صبره بسرعة، سينصدم في حياته بأناس يظهرون في طريقه يضطر مرغما للصبر عليهم رغما عن انفه، لا سيما إن كانوا اولاده وفلذات كبده! او قد يكتفي بالهروب مجددا حتى يصطدم بطريق مسدود، ثم لا يجد له مخرجا ما لم يتق الله ويراجع نفسه!!!!


لذلك كيف لنا ان نتوقع من الأمة ان تصبح قوية منضبطة ثابتة على الحق، ونحن نخرج جيل ضعيف مستسلم غير صبور، يفتقر للمهارات اللازمة في التعاملات والاقناع؟!!!
بر الوالدين وبذل الجهد لارضائهم بما يرضي الله هو الخطوة الأولى، إذا أردنا إعداد جيل صالح قوي بإذن الله.. 

أم اننا نريد ان نوفر للجيل بيئات مثالية خالية من التحديات ليكبروا ضعافا تكسرهم الكلمة وتعيقهم العقبة وتقصمهم خيبة الامل!!!!

نريد جيلا يتمتع بكل الصفات الصالحة الحسنة، من رحمة ووفاء وحسن خلق وصبر وعرفان بالجميل.. وكل هذا يتجلى واضحا في كل من يحرص على بر والديه وارضائهما بما يرضي الله سبحانه وتعالى..
وليس جيل اعتاد الهروب من التحديات فينشأ ناكرا للجميل، لا يحتمل التضحية، مكتفيا بعيش دور الضحية والمظلومية، متجاهلا أي معروف قدّم لهم في صغرهم؟!!

وكما قيل: لا يوجد في الحياة أصعب من بر الوالدين، ولا يوجد شيء يسهّل لك الحياة مثل بر الوالدين!


(وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ ۖ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ)

وبهذا أصل لختام هذا الموضوع- والذي أثراه أحد الأخوة جزاه الله خيرا بعد حصيلة نقاشات فكرية- فإذا كانت لديكم أي مقترحات او افكار فلا تترددوا بطرحها، ونسأل الله أن يلهمنا دوما من أمرنا رشدا، ويوفقنا لما يحب ويرضى..

ملاحظة أخيرة: 
قد يظن البعض أن طرحنا لهذا الموضوع بهذه الطريقة قد يعطي الاباء والامهات الضوء الاخضر للتمادي في التسلط على ابنائهم وعدم احسان معاملتهم- على افتراض أن هناك اباء وامهات يتعمدون أذية ابنائهم بسوء نية فعلا!- غير أننا نأمل أن تصل فكرة الموضوع بشكل صحيح لأجل حياة أفضل للجميع بإذن الله، فنحظى برضى الله علينا، ونحن نحقق أمره سبحانه وتعالى لنا بالتعاون على البر والتقوى، وما توفيقنا إلا بالله عليه نتوكل وإليه ننيب..

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا انت استغفرك وأتوب إليك

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

بحمد الله.. تم تعديل الموضوع بإضافة الفقرة الأخيرة، بداية من:

بالطبع هنا قد يظهر سؤال:
ألسنا بهذه الطريقة نشجع النرجسيين على التمادي، خاصة وأن ارضاء الشخص النرجسي لا يكون إلا بطاعته وفعل ما يريده هو فقط، ومع تشجيع الابناء على طاعة والديهم النرجسيين نكون بهذا عززنا نرجسيتهم أكثر؟

 

وبانتظار آرائكم وانطباعاتكم، سائلين الله سبحانه وتعالى أن يجعل في ذلك الخير والفائدة ^^

(رب اغفر لي ولوالدي رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

تمت اضافة ملاحظة اخيرة للموضوع، نرجو الانتباه لها:

 

ملاحظة أخيرة: 
قد يظن البعض أن طرحنا لهذا الموضوع بهذه الطريقة قد يعطي الاباء والامهات الضوء الاخضر للتمادي في التسلط على ابنائهم وعدم احسان معاملتهم- على افتراض أن هناك اباء وامهات يتعمدون أذية ابنائهم بسوء نية فعلا!- غير أننا نأمل أن تصل فكرة الموضوع بشكل صحيح لأجل حياة أفضل للجميع بإذن الله، فنحظى برضى الله علينا، ونحن نحقق أمره سبحانه وتعالى لنا بالتعاون على البر والتقوى، وما توفيقنا إلا بالله عليه نتوكل وإليه ننيب..

 

وترقبوا إن شاء الله موضوعا خاصا للاباء والامهات- بشكل عام- بعنوان:
"لا إكراه.. فالحذر الحذر "

ونسأل الله العون والتوفيق والهداية وأن يلهمنا جميعا من أمرنا رشدا..

دعواتكم
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم