Please or التسجيل to create posts and topics.

من يتحمل المسؤولية؟!! نقاش فكري جاد للمهتمين الجادين فقط!

 

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 
من يتحمل المسؤولية؟!!
وما هو "الوضع الطبيعي"؟!!!
نقاش فكري جاد للمهتمين الجادين فقط!
(موضوع ليس للأطفال المرفوع عنهم القلم)!

 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
لن اطيل في المقدمات، فسأفترض أنه لن يقرأ هذا الموضوع سوى شخص بالغ عاقل جاد مهتم، مستعد لتحمل المسؤولية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لذا سأدخل في الموضوع مباشرة..
فهل أنتم مستعدون؟!
بسم الله توكلنا على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله..
***
لا يخفى على أحد ما تعانيه أمتنا (بل والعالم بأسره) من أزمات كثيرة على كافة الجوانب والأصعدة، فرديا وجماعيا، حتى أدى تراكمها إلى كل هذا التدهور الذي بالكاد سلم منه أحد!
فمن يتحمل مسؤولية ذلك كله؟!
هل كل ما نعانيه بسبب مــؤامرة خارجية؟
هل هو بسبب رؤساء واصحاب قرار ومسؤولين فاسدين دمرونا؟
هل هو بسبب امهات واباء قساة عديمو الرحمة فشلوا في تربية اولادهم واساؤا لطفولتهم البريئة أو قصروا في رعايتهم او تسلطوا عليهم فساهموا في بناء جيل فاسد او منهار ومعاق نفسيا لا يعرف كيف يتصرف؟
باختصار شديد:
هل ما يعانيه اي فرد منا؛ سببه شخص آخر يتحمل مسؤولية معاناته؟
من يتحمل المسؤولية فعليا؟!
  قبل أن اكتب اجابتي الخاصة على ذلك، لا بد من طرح مجموعة اسئلة أخرى لا تقل أهمية عن تلك الاسئلة (وتحتاج منا التفكير الجاد بشأنها) :
ما هو الوضع الطبيعي في هذه الحياة والذي من حق كل انسان ان يكون فيه؟
الأهم من ذلك.. من الذي يقرر ان هذا هو "الوضع الطبيعي"؟
وما هو اصلا الحق الطبيعي للانسان ومن الذي يقرر أن هذا حق له؟
هل "الوضع الطبيعي" في هذه الحياة أن يعيش الكل في امان وسلام وتفاهم وامان ووئام، بصحة وعافية وغنى وسعادة حيث تتحقق الامنيات والأحلام، ويتزوج الامير الاميرة ويعيشوا في سبات ونبات وينجبوا البنين والبنات؟!
هل يفترض أن هذا هو الوضع الطبيعي للحياة؟!
بلا شك ستقولون أكيد لا، وقد تظنون أنني امزح او اتهكم وابالغ، ولكن الناظر في ردود افعال الغالبية (الشباب تحديدا) ستجد وكأنهم يظنون بالفعل أن هذا هو الوضع الطبيعي للحياة، وأن ابسط حقوق أي فرد ان ياكل ويشرب وينام ويعمل في اي مجال يريده ليحصل على مال، ويتزوج من يحب وينجب ويعيش مرتاح البال!! وأي شيء يخالف نظرتهم الخيالية غير الحقيقية لهذه الحياة، تجعلهم يدخلون في دوامة المظلومية وتحميل المسؤولية للجميع إلا أنفسهم، بداية من والديهم، ثم من زملائهم (الذين يكيدون لهم) او اصدقائهم وشركائهم (الذين خانوهم او خيبوا امالهم او لم يفهموهم).. ثم من مدرائهم.. ورؤسائهم.. ثم من مؤامرة خارجية.... وهكذا!!! وبالطبع هناك من يصل به الأمر الى مرحلة الالحاد (ونسأل الله السلامة والعافية) لانه يعتقد أن ما يراه في الحياة لا يتوافق مع "الوضع الطبيعي" الذي يفترض أن تكون عليه الحياة لو كان هناك "إله"، والذي عندها سيحمله المسؤولية!!!
فما هو "الوضع الطبيعي" للحياة كما يفترض أن تكون؟
وما هو مدى معرفة الغالبية بحقيقة "الوضع الطبيعي"؟!!

من وجهة نظري أننا لو عرفنا اجابة هذا السؤال، فسنعرف بعدها مباشرة "من يتحمل المسؤولية"، ولعرفنا أين الخلل!!

***
تنويه هام جدا!

قبل أن أكمل هنا تنويه هام بأنني سأكتب وجهة نظري الخاصة حول هذا الموضوع طبعا، ولا ادعي انني املك العلم وأن كلامي هو الصواب المطلق وما سواه خطا، فما نحن إلا بشر نصيب ونخطئ وما اوتينا من العلم إلا قليلا، ولكننا نجتهد ونبذل جهدنا وندعو بصدق أن يرينا الله الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، لذلك اعتذر سلفا لو بدى في كلامي اي انتقاص من رأي أحد آخر- لا قدر الله- فما هذا إلا نقاش فكري جاد اطرح فيه وجهة نظري ورايي بكل جدية وحيادية قدر المستطاع، والذي يتضمن خلاصة التجارب التي مررت بها او كنت طرفا بها او شاهدة عليها أو سمعت عنها من معارف او ثقات، بالاضافة لطبيعة اهتماماتي وعملي الذي جعلني احتك بشدة بالعديد من الاشخاص في حالات مختلفة، اضافة لابحاثي الحثيثة وقراءاتي وتحليلاتي، ولا انسى كل من علمني وحدثني وناقشني واستفدت منه فساهم في زيادة معرفتي بفضل الله، (جزاهم الله خيرا جميعا) وأسأل الله أن يزيدني علما، فاللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما صالحا مخلصا واجعلنا ممن قلت عنهم "إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء"..

عدنا

***
بعد ذلك التنويه الهام، هنا يمكنني أن اقول من وجهة نظري بكل صراحة أن الخلل الرئيسي الذي نعاني منه (اجمالا) يكمن في "الجهل" و"الغفلة" وعدم ادراك- او نسيان- حقيقة كوننا في هذه الحياة الدنيا لاجل أداء متحان واختبار مؤقت، بعد أن تم منح كل فرد منا كافة الامكانيات لأجل ذلك، فكل شخص مستوى اختباره يتناسب مع امكانياته، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها!
وسبحان الله..  في آخر اتصال مع إحدى الصديقات الملهمات قالت لي:
إنني اؤمن أن الله أوجد كل انسان في الحياة بتوازن كامل، إذا اخذ منه شيء فقد اعطاه شيئا آخر، فقط عليه أن يبحث!
(اعجبتني جملتها تلك فأخبرتها بأنني سأسجلها عندي وها أنا انقلها لكم ^^)
وقد اعجبني قول أحد الدعاة: الله لم يُخفي عنا الحقيقة ولم يقل لنا أننا جئنا لهذه الدنيا لأجل النزهة!! نحن هنا لاجل اداء اختبار!!
أجل.. نحن لسنا في نزهة، وليس الوضع الطبيعي في هذه الدنيا أن تعيش حياتك وكأنك في نزهة أو تتوقع ذلك!!!

ومع أننا في اختبار ولسنا في نزهة؛ إلا أن الله لم يحرمنا من التمتع بما أحل لنا من الطيبات، بل ونهانا عن التشديد على انفسنا!!

(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)

والاكثر من ذلك أنه ندبنا إلى ان لا ننسى نصيبنا من الدنيا فأرشدنا للدعاء:
( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )

 
وضمن لنا أننا ما دمنا قائمين بواجباتنا، نتقيه فيما اتانا بالعمل الصالح ونحن مؤمنين مصدقين، فحتما سيرزقنا الحياة الطيبة، التي تطمئن فيها نفوسنا مهما كانت أحوالنا!
 
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
المهم أن لا ننسى الهدف والغاية من وجودنا!
لذلك عندما نكون في فترة أمن وراحة ورخاء وهناء وصحة وعافية وتفوّق واجتماع بمن نحب؛ فهذا ليس لأن هذا حق لنا أو أنه هو "الوضع الطبيعي" المفروض، ولكنها فترة ضمن فترات اختبارنا الخاص، والتي يفترض ان نؤدي فيها شكر النعمة بالطريقة الصحيحة، كما أمر الله، حتى نحقق النجاح، بإذن الله!

وعندما نكون في فترة مشقة وخوف وضيق وحرب وتشرد ومعاناة وألم وتقتير رزق، فهذا ايضا جانب آخر من اختبارنا، والذي يفترض أن نؤدي فيه الصبر على الابتلاء بالطريقة الصحيحة أيضا!!

 
وبالتأكيد الصبر لا يعني الاستسلام وعدم التحرك للعمل على التغيير، بل هي فرصة للتذكير ومراجعة النفس ومحاسبتها، فقد تكون اشارة محفزة تقتضي منا تجديد التوبة وزيادة الاستغفار ومراجعة الايمان والبر والتقوى:
 
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)
(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)

(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)

 
 
فاصل توضيحي حول اشكالية تراود البعض (للمهتمين) :
 
 
محتوى خاص

 
قد يقول قائل كيف لنا ان نعتبر بأن هذا "الضيق" هو اشارة تذكيرية لنا نحن المؤمنين في حين أننا نرى مجتمعات كافرة تنعم بالرخاء؟
الجواب ببساطة موجود في القرآن!
اولا قد يكون في تلك المجتمعات من لم تصلهم الرسالة الصحيحة بعد، وقد يكون بعضهم لا يزال على الفطرة (حتى لو كانوا في مجتمع متحضر- وقد راينا حالات لاشخاص كثر من هذه الفئة)، ومن عدل الله أنه يمنح الفرص لعباده حتى تأتيهم البينة:
(مَنِ اهْتَدى فَإنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ومَن ضَلَّ فَإنَّما يَضِلُّ عَلَيْها ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولًا)
وكما قال بعض العلماء عن أهل الفترة، هم الذين لم تصلهم الرسالة بالحجة البينة بعد، حتى ولو كانوا في وسط الحضارة!

 وقد فصل الامام الغزالي في ذلك في كتابه "فيصل التفرقة"، وهنا اقتباس لبعض ما جاء فيه:

"صنف لم يبلغهم اسم محمد -صلى الله عليه وسلم- أصلًا، فهم معذورون.

وصنف بلغهم اسم محمد -صلى الله عليه وسلم- ولم يبلغهم نعته وصفته، بل سمعوا أيضًا منذ الصبا أن كذابًا ملبسًا اسمه محمد ادعى النبوة، كما سمع صبياننا أن كذابًا يقال له: المقفع، ادعى أن الله بعثه وتحدَّى بالنبوة كاذبًا. فهؤلاء عندي في معنى الصنف الأول، فإن أولئك مع أنهم لم يسمعوا اسمه لم يسمعوا ضد أوصافه، وهؤلاء سمعوا ضد أوصافه، وهذا لا يحرك داعية النظر في الطلب. اهـ."

أما من عرف الحق وجحد به كفرا واستكبارا، وأصر على طغيانه، فهنا نفهم حاله من قول الله سبحانه:
(فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَٰبَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذْنَٰهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ)
 
وبهذا تزول الاشكالية بإذن الله، حيث فصّل الكثير من العلماء والدعاة حول هذا الامر بما يزيل اللبس فتطمئن النفس، ونسأل الله السلامة والعافية والهداية للجميع..
 

 
وما بين عموم "الشكر" و"الصبر" هناك تفصيلات كثيرة تستحق منا التأمل حتى نفهم طبيعة اختبارنا لنؤديه بشكل افضل بإحسان العمل- بإذن الله- فهناك اختبارات فردية (تخصنا وحدنا) وهناك اختبارات جماعية (نتشارك فيها مع آخرين)، وجميعها نحتاج فيها عون الله لنا، فلا حول ولا قوة لنا إلا بالله، وما التوفيق إلا من عند الله..
وهناك حالات يسقط فيها التكليف جملة وتفصيلا (وهي ثلاث حالات كما ورد في الحديث: الصغير حتى يبلغ الحلم، والنائم حتى يستيقظ والمجنون حتى يفيق)، وأجمل ما في ذلك كله أننا مهما أخفقنا واخطأنا نستطيع دوما أن نبدا من جديد ما دمنا على قيد الحياة من خلال دخول باب "التوبة"!
وأهم خطوة نخطوها نحو هذا الباب هو "الاعتراف بالخطأ" وتحمل المسؤولية!
*وهنا سأشير لجزء أعجبني جدا من الحديث الذي دار مع الصديقة الملهمة- جزاها الله خيرا- حيث لفتت انتباهي لأمر، ربما نعرفه ولكنني شعرت وكأنها أول مرة انتبه له (وهي تخبرني بما تخبر به اولادها الصغار حفظهم الله) :
ابليس الذي رفض الامتثال لأمر الله بالسجود لسيدنا آدم وارتكب الاثم، رفض أن يعترف بخطئه بل حمل مسؤولية ذلك لخالقه (حاشا لله)، كما ورد في الآيات:

(قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)
(قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِى لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)

ابليس نسب غوايته لله (حاشا لله)، فوجد لنفسه مبررا بإغواء الآخرين!!
(يعني ببساطة يمكن اعتباره أول من عاش دور المظلومية والضحية، ورفض تحمل المسؤولية، ليجد مبررا لكل افعاله الشيطانية!)

بالمقابل.. ورغم أن هذا الابليس اللعين هو من أغوى سيدنا آدم وزوجه، فوسوس لهما واقسم لهما كذبا بأنه ناصح أمين حتى ارتكبا الخطيئة، إلا أنهما لم يتذرعا بأي مبرر باعتبار نفسيهما كضحايا لمؤامرة حيكت لهما من مخلوق شرير، أو يستظلا برداء المظلومية؛ بل تحملا مسؤولية ذنبهما بالكامل واعترفا بخطئهما، دون أي تردد:
(قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

وكأن تلك الحادثة تضمنت أول درس لنا لنتعلمه خلال أدائنا فترة الاختبار في الدنيا، إلا وهو "تحمل المسؤولية" والتوقف عن التذرع بالمبررات واعتبار انفسنا ضحية!

ارسل الله الرسل على فترات مختلفة للتذكير مبشرين ومنذرين حتى لا يكون للناس حجة، وارسل معهم الدلائل والمعجزات لاثبات صدقهم، حتى ختم ذلك برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومعه الكتاب المعجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، واودع في نفوسنا الفطرة السليمة ووهبنا نعمة العقل والبصيرة (قَدْ جَآءَكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِۦ ۖ وَمَنْ عَمِىَ فَعَلَيْهَا ۚ)..
وقضى سبحانه وتعالى أمره في قوله:
(وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا)

بمجرد أن يصبح الانسان (بالغا عاقلا) يبدأ تكليفه، ويتوجب عليه تحمل المسؤولية!
و (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا)، وهكذا تتوقف كل الذرائع والأعذار والمبررات!

إذا كنت ولدت لأبوين مؤمنين مسلمين وأنت مقتنع بأن هذا هو الحق، فها هو القرآن أمامك فاقرأه وتدبره وتعلم واسأل أهل العلم!
(فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )
إذا لم تكن مقتنعا بأن هذا هو الحق.. فابحث عن الحق حتى تجده، فلديك "عقل" فاستخدمه وفكر! ابحث واقرأ وتعلم وحلل!
إذا كنت صادقا في مطلبك وبحثك، لست مكابرا ولا مغرورا ولا تهدف للانتصار لنفسك ورايك مهما كان؛ فحتما ستجد الحقيقة التي سيطمئن لها قلبك!
 
(إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)
ولأنني افترض أن غالبية من سيقرأ موضوعي هذا مؤمنين يشهدون أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ فهنا سأنتقل للبند الثاني من أمر الله والمعطوف على توحيده، إلا وهو:
الاحسان للوالدين!
ربما يتوهم البعض اننا "نطبّل" للوالدين في كثرة الحديث عنهما وعن حقوقهما، غير أنني مقتنعة بأننا لم نوفيهم أي جزء من حقهم علينا، بل وما زلت مقتنعة (كما ذكرت في نقاش سابق) بأن أكثر فئة مظلومة في مجتماعاتنا هي فئة الامهات تحديدا، وعندما أضعنا حق الأم ضاع حق الأمة!
الظروف التي تحيط بكل انسان هي جزء من اختباره، ووالداه هما خط الدفاع الأول له في مواجهة هذه الحياة، فإذا أدرك الانسان أهمية الدور الذي يؤديه والداه لأجله، وحقيقة مشاعرهما (خاصة مشاعر أمه) نحوه، مهما بدت قاسية وغير مفهومة، ومهما بدت متسلطة أو لا مبالية، إذا فهم كل ذلك.. وضع قدمه على الطريق الصحيح بإذن الله!
فبداية كل انسان عندما جاء لهذه الحياة كانت مع أمّه، فإذا فهم من كانت معه في البداية وصلح حاله معها، صلحت له بقية أموره، بإذن الله!
وحتى لا أكرر ما قلته سابقا في هذا السياق؛ سأكتفي بالاشارة للموضوع الذي نشرته على المنتدى بعنوان:
الآن فهمت!

بناء على ذلك كله فأظن أن خطوات التوعية في هذا الموضوع، والتي يتحمل مسؤوليتها كل من يريد الاصلاح والتغيير نحو الأفضل بإذن الله؛ تتلخص بالاتي:

1- المساعدة على تجاوز الاذى المترسب في النفس بسبب الوالدين..
*بالطبع لا أحد يلوم الاطفال فالقلم مرفوع عنهم ولن يحاسبهم أحد، وهذا الموضوع ليس لهم؛ بل واجبنا جميعا العمل لأجلهم، بدل الاكتفاء بالقاء اللوم على والديهم وحسب، وهم أرحم الناس بهم مهما بدى لنا في الظاهر غير ذلك، فلا أحد يعرف تفاصيل الظروف التي دفعت بالوالدين لذلك التصرف!
لا أحد يلوم الطفل إذا كره والديه أو أحدهما أو لم يشعر بما قدماه له- رغم أن من النادر ان نجد طفلا لا يحب والديه مهما بدت من قسوتهما عليه- ولكن بمجرد أن يبلغ فسيكون جزء من واجبه أن يفهم، ومن واجب كل من يرغب بالاصلاح أن يساعده على الفهم!!!
هذه اهم خطوة يجب التركيز عليها، وهو ما اطلقنا لأجله فعالية #الآن_فهمت 
 
 
 
 
فاصل: توضيح تفصيلي هام!
 

ملاحظة هامة:
تركيزنا على ضرورة فهم الابن لوالديه عندما يبدأ تكليفه؛ لا يعني أن الامهات والاباء ملائكة لا يخطئون ولم يرتكبوا اخطاء كبيرة مع ابنائهم، ولكن هل هذه الأخطاء تبرر لنا اطلاق أحكام  تصفهم بالظلم وعدم الرحمة وانهم لا يستحقوا البر، وأن الابناء هم مجرد ضحية لوالديهم؟!!
بالطبع قد يخالفني البعض الرأي، ولكن بحكم عملي واهتمامي كنت ارى إلى اي درجة نحن قد نظلم الام او الاب عندما تكون المعطيات لدينا ناقصة، وفي الوقت نفسه فهمت أكثر الحكمة من جعل الاحسان للوالدين معطوفا على توحيد الله مهما كان هؤلاء الوالدين!!! ولو تأملنا وصايا الله للانسان في القرآن فسنجدها مقترنة بالوصية بالوالدين، فهل جاء هذا بدون سبب؟! اكيد لا.. هناك حكمة عظيمة للتركيز على هذا الجانب وكأن الله ينبهنا ويشدد علينا أنه مهما بدا لكم في الظاهر من امور تبدو سيئة من الوالدين حتى لو جاهدوكم على الكفر - وهذا اسوأ شيء قد يحصل- ولكن مع ذلك انتم مأمورين بالاحسان لهما، بل وهذا مقترن بتوحيد الله مباشرة، فهل يعقل أن يجعل الله للوالدين كل هذه المنزلة ويأمرنا بالاحسان اليهما وبدون اي استثناء دون سبب وجيه؟!! سواء فهمنا الحكمة من ذلك ام لا، فنحن مأمورين بتنفيذ وصايا الله لنا إذا اردنا الفلاح طبعا، وسيكون من الرائع لو حاولنا أن نفهم الحكمة من ذلك أكثر!
لذلك نحن بحاجة للالمام بكل قضية من كل جوانبها بتكامل، ولأننا نفتقر لهذا الجانب التكاملي بين المختصين في كل الجوانب للاسف، فالافضل أن نبدأ به بأنفسنا ما دمنا نسعى للاصلاح والتغيير نحو الأفضل بإذن الله!
لذلك عندما نسمع أن هناك ام تطرد طفلها بكامل قواها العقلية واب يعتدي على بناته بشكل غير لائق، وهلم جرا.. هذه كلها امثلة موجودة وبلا شك تثير الغضب والاستياء وتجعلنا تلقائيا نتسرع في الحكم، ولكن مهلا..
ولكن لو اعدنا النظر في تلك الامثلة من جانب آخر- وهذا اجتهاد شخصي طبعا- سنجد أنه حتى اسوأ انسان في هذا الكوكب بمجرد ان يصبح (والدا- ام او اب) سنجده يحاول تقديم افضل نسخة منه لأجل اولاده، (لا يوجد احد مستعد أن يفعل ذلك من أجل الاولاد اكثر من ابائهم!) فإذا بدر من هذه الام او هذا الاب تصرف سيئ جدا وغير مقبول فهذا لانه بالاساس قد يكون شخص سيء جدا قبل أن يصبح والدا، وليس وكأنه اصبح ابا سيئا! هو سيئ من الاساس.. لم يستطع التخلص من سوئه السابق، ولكنه يبذل قصارى جهده بأفضل نسخة منه لاجل اولاده وفي ظل كل الظروف المتاحة امامه سيحاول ان يقدم افضل شيء لاولاده، واكثر من اي شخص آخر في هذا العالم!
مجرد وجود شخص يحاول كل هذه المحاولة لاجل احدهم (وهو ابنه طبعا) حتى لو فشل في تحقيق النجاح المثالي معه، وحتى لو أخطأ معه؛ الا يجعلنا هذا نعيد النظر نحوه؟! الا يجعله شخص يستحق ان يقدره هذا الابن (وهذا ما امره الله به من احسان الصحبة)، وان يكون من واجبنا ان نشرح للابن إلى اي درجة حاول هذا الوالد لاجله؟!!
لا أدري إذا وصلت فكرتي هذه، ولكنني واثقة انه مهما كانت الام (انسانة سيئة) فهي ستحرص أن تقدم لاولادها الافضل حتى آخر ذرة في قدرتها على الاحتمال، ولهذا سنجد معظم الامهات اعصابهم مشدودة لانهم يحاولون لاقصى درجة بدون ان يطلب منهم أحد ذلك، فإذا جاء من يتهمهم بانهم عديمي الرحمة (لانه لا يعرف إلى اي درجة حاولت تلك الام بذل جهدها وسط ظروف معقدة وصعبة ومتناقضة) فعندها انا ارى أن هذا من الظلم للام!
الاكتفاء بالظاهر دون التعمق بالتفاصيل والخلفيات والاسباب والدوافع وفهم الظروف كاملة سيقودنا بلا شك لنتيجة خاطئة، وبالتالي حكم خاطئ ومن ثم تقديم حل سيزيد الطين بلة!
هنا سأضرب مثال سريع (ساذكره بما علق بذاكرتي) عن احد علماء الدين الذين سمعوا بأن حاكم امر باعدام شيخ محبوس في السجن، فما كان من هذا العالم إلا أن ذهب للحاكم ليتوسط لذلك الشيخ ويذكره بالله لعل قلبه يلين، غير ان الحاكم قال له بأنه مستعد لإطلاق سراح الشيخ ولكن بشرط أن يقوم هذا العالم بجلده امام الناس!! طبعا هذا التصرف سيسيئ لعالم الدين ويظهره وكأنه من اتباع الحاكم الظالم، ولكن العالم الفقيه التقي الذي يخاف الله ولا يهمه كلام الناس وازن بين الشرور كلها فاختار اهون الشرين وهو انقاذ نفس من الاعدام حتى لو كان سيتضرر هذا الشيخ بالجلد وسيتضرر هو بالاساءة لسمعته!
وبالفعل تم تنفيذ الشرط وتحدث الناس بالسوء عن ذلك العالم دون أن يدرك أحد أنه كان سبب انقاذ الشيخ من الموت!
هذا المثال يجعلنا نرى إلى اي درجة قد نظلم أحدهم لو اكتفينا بالحكم بالظاهر، ولذلك من رحمة الله بنا أن جعل لنا في القرآن دلالة وارشادا في موضوع الوالدين تحديدا، ليقطع علينا الشك باليقين، مما يدعونا للتفكر والتأمل في هذا الموضوع بجدية!
طبعا نحن لا نلوم الاطفال الذين يكرهون اباءهم لانهم لا زالوا اطفالا، ومن واجب الجميع العمل على التعاون في احتواء هؤلاء الاطفال ومساعدتهم، ولكن المسؤولية يتحملها الكبار والبالغين والمرشدين والموجهين وكل انسان عاقل بالغ! بمجرد ان يبلغ الانسان ويصبح مكلفا، فمن واجبه أن يبدأ البحث والتفكير وتحمل مسؤولية نفسه حتى يساعده على تجاوز ذكريات الطفولة السيئة عن والديه، ويصحح لهم المفاهيم، وفي اللحظة التي يفهم ويتجاوز فيها ذلك سيتمكن من المضي قدما بشكل أفضل بإذن الله.. وهذا ما تمت معالجته في الرواية الامريكية GRAYFOX التي اشرت لها في موضوع "الآن فهمت"، كما تم معالجة ذلك ايضا في انمي (كذبتك في ابريل)، وقد أشرت له في الموضوع نفسه ايضا!

وسبحان الله.. سنجد هناك تقابل رهيب بين الانسان الملحد الجاحد الذي كره وجود الاله لأنه لا يرى رحمته ولا يستطيع تفسير وجود كل الألم والمعاناة في هذا العالم، وبين الابن الذي كره والديه لأنه لم يستطع أن يرى أي أثر للرحمة لديهما حتى قاده ذلك للعقوق، وربما (والله اعلم) لأجل ذلك عطف الله الايمان بالله وتوحيده على الاحسان للوالدين!!!
(وقضى ربك إلا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين احسانا)
سأكتفي بهذا القدر في هذا الفاصل الجانبي، ففي النهاية نحن ما زلنا نجهل الكثير ولكننا نحاول وندعو الله أن يزيدنا علما وفهما، ويلهمنا من أمرنا رشدا ويجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين وسببا لمن اهتدى
وجزاك الله خيرا من كان سببا في اثارة هذا النقاش واثرائه وأخص بالذكر الأختين راما والدكتورة سعاد في مجموعة نبراس المانجاكا، جزاهما الله خيرا،، وبإذن الله يكون هذا سببا لخير كبير، ورؤية اوضح تكون سببا في نهضة الأمة ورفعتها وإعادة الامور إلى نصابها الصحيح بإذن الله
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه
سبحانك الله وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 
 
 
2- المساعدة على رؤية فضل الوالدين وحبهما لاولادهما، وكيف أنهما بلا شك حرصا على تقديم أقصى ما كان بامكانهما لأجل اولادهم، مهما بلغ بهم السوء..
(حتى اسوأ انسان على وجه الأرض لو اصبح والدا فستجده يجاهد نفسه ويقوم بأمور لأجل اولاده لم يكن يقوم بها في وضعه الطبيعي المعتاد، وقد تم توضيح هذا في الفاصل السابق!!)
 
3- الوصول لمرحلة الاحسان، كما ورد في القرآن (وبالوالدين احسانا)
والذي بلا شك سينعكس على كافة جوانب الانسان ليكون محسنا صالحا مصلحا، وعندها يمكنه بلا شك أن يساهم في بناء جيل أفضل بإذن الله..

من وجهة نظري فإن المصلح الذي يسعى للتغيير الحقيقي نحو الأفضل؛ عليه أن ينجح في تشخيص المشكلة أولا، قبل أن يضع حلولا تزيد الطين بلة!!
وشخصيا (وهذه قناعتي ووجهة نظري) أرى أن اي تشخيص لمشاكلنا نعتمد فيه على الظاهر السطحي بدون الغوص في أعماق المشكلة؛ هو الذي أدى بنا إلى مضاعفة الاعراض الكارثية، حيث اصبحنا نعاني من اعراض خطيرة جانبية لحلول وضعت لعلاج مشاكل سطحية!
وبلا شك بعض تلك الحلول تكون ناجحة احيانا (ولكن في حدود الضرورة فقط)، أما الافراط منها وتعميمها فستؤدي لكارثة حتمية اسوأ من المشكلة الاساسية!

ولهذا سنجد أن اهتمام البعض بقضايا الاطفال والطفولة قد يجعلهم يغفلون عن أمور أخرى، فيطلقون أحكاما ظالمة على بعض الامهات (من خلال تصرفات ظاهرية)، مما يجعل تلك الأحكام تترسخ في عقول ونفوس الكثيرين حتى تتكون لديهم صورة ذهنية خاطئة عن امهاتهن، مما يكون لها تبعاتها المهلكة مستقبلا!
 
بالضبط مثل الطبيب المختص الذي يركز على علاج مرض واحد في الجسم دون أن يلم بتفاصيل حالة المريض من كافة الجوانب، فيعطيه علاجا لمرض بسيط، وهو لا يعرف أن هذا المريض يعاني من مرض آخر أشد خطورة، وسيكون لهذا العلاج أعراض جانبية تزيد خطورته اضعافا مضاعفة قد تؤدي للموت!! 
 
هذا ينطبق على مشاكل الحياة المختلفة، فعلى سبيل المثال سنجد المهتمين بالتنمية البشرية  يركزون على طموح الفرد وانجازاته الشخصية ومدى تحقيقه لذاته، الخ.. بالمقابل سنجد المهتمين بمشاكل الاسرة والاطفال يركزون فقط على توفير جو مناسب للاطفال وكيف يعيش الام والاب معا لاجل اسرة متماسكة (بغض النظر عن اي شيء آخر).. ثم سنجد المعالج النفسي من الصدمات العاطفية يركز فقط على موضوع كيف يتجاوز الانسان انكساراته الداخلية ولا يتعلق بأحد وبالتالي يحاول أن يعزز فكرة الاستغناء عن الاخرين والاكتفاء بالنفس، الخ.. في حين سنجد من يعتبر ذلك تدمير للعلاقات الزوجية، فيبدأ بتقديم وصفات تعزز لدى النساء قناعة داخليه بأنه لن يكون لها حياة ابدا بدون زوجها الذي يجب عليها ان تركز كل حياتها على كسب وده وفعل المستحيل لأجله، ولو بالتنازل عن كل حقوقها لتعيش حياة طبيعية سعيدة في ظله (ولو على حساب دينها وصحتها)، والا دمرت نفسها ومستقبلها الخ .. وهكذا.. سنجد دوما المختص الذي يركز على علاج المشكلة التي يراها أمامه فقط، فيعممها دون أن ينتبه لتبعات ذلك على الأعراض الأخرى، وهكذا يزيد الطين بلة دون أن ينتبه (وربما بحسن نية)! في حين أنه لو وُجد شخص عالم لديه اطلاع عام وشامل ودقيق بكافة تفاصيل الجوانب كلها معا، فسيعرف كيف يصل إلى أفضل وصفة تحقق التوازن! وهذا ما نفهمه مما ورد عن السلف بأن الفقيه ليس من يعرف الخير من الشر، بل هو من يعرف خير الخيرين ويميز بين الشرين فيختار أهونهما (هذه من القواعد الفقهية المعروفية، ويتم تقديرها من الفقيه العالم بحسب الزمان والمكان والظروف والأحوال) ولذلك ورد في الحديث أن من أراد الله به خيرا يفقهه في الدين! الفقه هو الفهم.. وهو شيء لا يأتي بسهولة بلا شك ومهما ظننا أننا علمنا سنظل جاهلين، لذلك ندعو بدعاء القرآن (وقل رب زني علما)..
( طبعا هنا اتحدث بشكل عام ولا اقصد احد معين)
 
قد يكتفي عامة البشر بالأخذ بالظاهر، ولكن الذي يريد أن يجد حلا جذريا لمشكلة عميقة فبالتأكيد لا يكفيه الحكم بالظاهر، بل إن الحكم بالظاهر قد يزيد الأمر تعقيدا وقد يعمينا عن الحقيقة أحيانا، وهذا يفسر سبب استمرار المشاكل والمعاناة في مجتمعاتنا!!
الأفكار الخاطئة المترسخة في داخل النفوس هي أول ما يحتاج الاصلاح، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم!
 
لذلك ما نحتاجه فعليا هو "الفهم الحقيقي" للوضع إذا كنا جادين في ايجاد حلول جذرية لمشاكلنا، وعدم الاكتفاء بما نراه بالظاهر! وحسب علمي هذا ما كان يفعله الفقهاء والقضاة الأوائل الذين كانوا يتميزون بالذكاء والحكمة والفطنة ومن اشهرهم القاضي اياس الذي اصبح مثلا بالفطنة والذكاء "فطنة القاضي اياس"! رغم أنه قاضي ويفترض ان يعتمد فقط على الادلة الظاهرية، لكن فطنته الشديدة كانت سببا في حل مشاكل معقدة جدا كان سيذهب ضحيتها المظلوم الحقيقي والذي يظنه الجميع ظالما!
 
بالنسبة لي وبعد سنوات طويلة من البحث الدقيق والتحري ومتابعة حالات كثيرة عن قرب (بمشاكل معقدة) وجدت أن أكثر فئة مظلومة في مجتمعاتنا هي فئة الامهات!! يكفي أن الغالبية لا زالوا مقتنعين بأن الامهات سبب لخراب بيوت أولادهن، ويرددون امثلة خاطئة حول ذلك، دون ادراك حقيقي لما كانت عليه تلك البيوت والظروف المحيطة بأفرادها!! لا توجد أم ستشجع ابنها او ابنتها على الطلاق بدون سبب وجيه جدا!! حتى لو بدت اسباب الأم تافهة وسخيفة من وجهة نظر ظاهرية، ولكن في حقيقتها هي اشارات وتنبيهات لمشاكل عميقة خفية قد لا ينتبه أحد لها بسهولة، وقد تؤدي لأمور كارثية إذا لم يتم اصلاحها وتداركها! وهناك حالات كثيرة أثبتت ذلك، لذا الأولى مساعدة الأزواج على مراجعة أنفسهم وعلاقتهم بما يضمن استقرار اسرتهم بإذن الله على الوجه الذي يرضي الله، بدل الاكتفاء باتهام الامهات ظلما بأنهن من يخربن البيوت، في حين أنهن ربما استنفذن كل الطرق التي بين ايديهن حتى وصلن لذلك لأجل مصلحة (ابنها/ ابنتها) قبل اي شيء آخر، مهما بدا الأمر عكس ذلك!!! وبالطبع- حتى لا يُساء الفهم- هذا لا يبرر للأمهات ظلم ازواج (بناتهن او ابنائهن)، وبالتأكيد ليست دعوة للابناء والبنات للمسارعة بالذهاب للطلاق، بل هي دعوة لاصلاح ما في انفسهم لو كانوا أهلا للمسؤولية، وجادين حقا في الحفاظ على استقرار بيوتهم، بدل الاكتفاء برمي اللوم على امهاتهم! ولو كنت سأستفيض في الحديث حول هذا الأمر فلن انتهي، حتى أنني قلت ذات مرة بأننا بسبب اضاعتنا لحق الأم وظلمها ضاع حق الأمة، ولهذا شعرت أن من الواجب ان يتصدى أحد لهذه الكارثة المجتمعية، فالظلم ظلمات يوم القيامة، وعسى الله أن يكشف الغمة عن هذه الأمة!

ماذا كان سيحدث لو أن سيدنا سليمان عليه السلام حكم بالظاهر للمرأتين اللتان اختصمتا في الطفل؟
ولنتخيل فقط إلى اي درجة عاتب الله سيدنا داوود عندما اكتفى بالحكم الظاهري بما سمعه من الاثنان اللذان تسورا المحراب فحكم لصاحب النعجة واعتبره مظلوما!!
(مثل هذه القصص تجعلنا نراجع تفكيرنا في الكثير من الأمور!)
 
حتى في روايات اجاثا كريستي سنجدها تركز على هذا الامر كثيرا!
 
وقفة مع بعض روايات اجاثا كريستي!
   

*اكثر ما يعجبني في اجاثا كريستي هو فهم الطبيعة البشرية بشكل مذهل ما شاء الله وفيها من الحكمة الكثر!! وربما لهذا كتب الله لاعمالها القبول والانتشار (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).. لو أخذنا على سبيل المثال رواية "السرو الحزين".. سنجد في هذه الرواية المتهمة تعترف بأنها مجرمة امام القاضي في المحكمة، وتكون مستعدة لقبول تنفيذ حكم الاعدام عليها وكل الادلة ضدها، شخص واحد فقط مقتنع انها بريئة وهو من تدخل لايقاف الحكم وطلب ان يمنحوه الوقت لاثبات براءتها! رواية رهييييبة جدا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، تجعلنا نعيد النظر في قضايا المظالم، فليس كل ما نراه ونسمعه في الظاهر قد يكون الحقيقة!!
 
وفي قصة الانسة ماربل "وهي إحدى الشخصيات الرئيسية في روايات اجاثا كريستي" تسلط الكاتبة الضوء على موقفها من امها عندما كانت شابة، وكيف انها بكت كثيرا وكرهت امها عندما منعتها من الزواج بالشخص الذي احبته حتى انها بللت وسادتها من كثرة الدموع، ولكنها بعد سنوات طويلة عندما رأت حال ذاك الشاب؛ حمدت ربها كثيرا انها نجت من الضياع مع شخص مثله!
 
رواية اخرى لاجاثا كريستي بعنوان "محنة البرئ" من ضمن شخصياتها الثانوية شاب يكون ناقما على امه التي تخلت عنه ورمته في دار للايتام في حين انها منشغلة بشهواتها وحياتها السيئة،.. (حتى هنا يتم نقل المشهد للقراء من زاوية الابن الذي يجعلنا نقتنع ان الام انانية لا يوجد في قلبها مثال ذرة من الرحمة) في نهاية الرواية تقوم إحدى الفتيات بمحاورة ذلك الشاب وتجعله يعيد النظر في حياته، ليعيد تفسير ما بدر من امه من زاوية اخرى!! امه لم تكن تمتلك القدرة على رعاية طفلها وكانت تمر بظروف عصيبة جدا ومن شدة خوفها على ابنها من ان تضيع حياته، عهدت به إلى دار رعاية خاصة محترمة لينشا نشأة سوية في بيئة صالحة سليمة!! بصراحة فاجأتني هذه الفكرة والتي تشبه إلى حد كبير ما ظهر في أنمي (كذبتك في ابريل) تقريبا! الاكتفاء بالتفسير الظاهري للحدث لا يجعلنا نبصر الحقيقة ونحن نعمي بصيرتنا عنها!

 

 
 
هناك مثل عامي يقول "بدعي على ابني وعلى اللي يقول امين" بمعنى أن الام احيانا في ذروة غضبها قد تدعو على ابنها (واكيد هذا تصرف غير صحيح ولكنها بشر وليست ملاك لذلك من الطبيعي أن تخطئ) ورغم ذلك كله ستغضب لو سمعت أحد يؤمّن على دعائها على ابنها لانها لا تريد ان يستجيب الله هذا الدعاء! ولو حدث ورايت ام تتمنى ان يصيب ابنها مكروها ما، فأكاد اجزم أن ذلك لاجل حمايته من مكروه اكبر واسوا (وهذا سمعته وشاهدته مع عدد من الامهات ومن خلال تجارب كثيرة!)
ربما لا يتسع المقام لسرد كل تجارب الامهات اللاتي اطلعت على ما حدث معهن، منهن امهات مطلقات.. ومنهن ارامل.. ومنهن ما يبدو عليهن اللامبالاة وعندما يراهن المرء من الوهلة الاولى سيتبادر إلى ذهنه أن هؤلاء مجرد نساء مستهترات انانيات لا يهتممن بامر اولادهن البتة!
أذكر ان احداهن (قابلتها مرة واحدة) كانت ام لستة اطفال تركتهم مع والدهم بعد طلاقها منه، ومن يراها يظنها تعيش اسعد ايام حياتها وهي تستقبل عروض الزواج وترقص في الحفلات وكأن شيئا لم يكن، ولكن بتقدير من الله حدث ان جلست معي لتحدثني بقصتها المفصلة، واخبرتني كيف يتم اتهامها من بعض الامهات الأخريات بأنها أم بلا رحمة وكيف لها أن ترمي اولادها، في حين انها قالت لهن " انتن امهات وانا ام وتعرفون كيف هو شعور الام، فإذا ظننتن انكن ارحم باولادكن مني باولادي فاتقوا الله.. لانه لا احد منكن مر بالظروف التي اجبرتني على اتخاذ تلك الخطوة"
ثم اخبرتني كيف انها آثرت أن تحرم نفسها من البقاء إلى جانب اولادها لصالحهم، لأن والدهم لديه القدرة المالية لتعليمهم في افضل المدارس وهو اب صالح لهم بغض النظر عن تعامله معها وخلافهما الذي ادى للطلاق، ولذلك تنازلت عن حقها في البقاء مع فلذات كبدها لاجل مستقبل افضل لهم، اما هي فبالكاد تتدبر امر نفسها وهي تعمل في البيوت!!!!
والله وقتها شعرت وأدركت لماذا امرنا الله ببر الوالدين واحسان صحبتهما ولماذا تم تخصيص الأم بذلك مهما فعلت، لأنه لا أحد سيعرف حقيقة شعور هذه الام تجاه اولادها سوى خالقها! (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)؟!
(والقصص الحقيقة التي اعرفها في هذا السياق كثييييرة جدا ولكن لا يتسع لها الحديث)
 
لذلك حتى ما نسمعه حول ام قتلت اولادها.. لا أحد يعلم بالضبط حقيقة ما حدث، وقد تكون تلك الام في وضع من رفع عنه القلم اصلا (رفع القلم عن المجنون) وإذا ثبت ان الام لم تكن في عقلها فهنا لا نستطيع ان نعتبر تلك الحالة دليل على قسوة الامهات لأن هذه الحالة اصلا لا يعتد بها (وقد قرات عن حالات ثبت فيها بالفعل أن الام لم تكن بعقلها وكانت تعاني من مرض واضطراب نفسي او عقلي ما، وهذا شرعا في حكم الجنون الذي رفع عنه القلم!) وطبعا لا يعني انه لا يوجد هناك اسباب اخرى تكون معظم دوافعها عادة مختلف عما يبدو، لذلك تعميم مثل هذه الحالات واعتبارها دليل على أن الام تكره اطفالها ولا ترحمهم فهذا اراه من الظلم والله اعلم!
 هنا سارفق صورة تحوي اقتباس لحالات عن امهات يعتبرن انفسهن مجرمات ويقلن كيف انهن تمنين موت اولادهن..
 
 
 
 
من خلال ذلك سنلاحظ كيف هو شعور الامهات (اللاتي يبدون قاسيات بنظر الآخرين) لدرجة انهن كن يتمنين لو حصل اولادهن على امهات افضل! مثل هذه الحالات اراها دليل على أن الحكم الظاهري على مثل هذه الامهات من خلال كلامهن وظاهرهن فقط سيؤدي لظلمهن لاحقا، وهنا نعود لرواية اجاثا كريستي "السرو الحزين" والتي اشرت لها بالفاصل السابق!
 
مثال توضيحي لمن يركز على مشكلة واحدة دون الالمام بكافة تبعاتها الأخرى (تأثير ديزني كمثال)
 
 
قبل سنوات طويلة ركزت القصص الخيالية والدراما على فكرة الامير الفارس المنقذ الذي ينقذ الفتاة الجميلة الاميرة ليعيشا بعدها بأمان وسلام، ومع تكرار هذا السيناريو (لا سيما في قصص ديزني التي غزت العالم أجمع) نشأت لدينا اجيال تظن أن هذا هو الوضع الطبيعي للحياة، واصبحت الفتيات يسرحن في الأوهام وهن ينتظرن فوارس الأحلام، حتى اصطدمن بالواقع المرير الذي اثبت أن كل ذلك ما هو إلا وهم وخيال، ليدخلن اثرها بصدمات نفسية وعاطفية وربما تدمرت حياتهن بالكامل! فظهرت مجموعة حاولت أن تعالج هذه المشكلة من خلال تقديم نموذج النقيض العكسي والذي اصبح متمثلا بفكرة (سترونج اندبندت وومن)، ليصبح متغلغلا بشكل متطرف في عقول البعض حتى وصل بهم التطرف لانكار سنة الحياة والادوار التي فطر الله الناس عليها جملة وتفصيلا، مما جعل الفئة الاولى تعود بالظهور من جديد بتطرف معاكس لتقنع المرأة بأن انوثتها في ضعفها واعتمادها على الرجل المنقذ، وكل ما عليها فعله هو الحرص على البقاء تحت ظله حتى لو تنازلت عن كل حقوقها، وهلم جرا!!!
وبين المجموعة الاولى والثانية نجد الافراط والتفريط متجليا في ابهى صوره!
ربما احيانا (وفي حالات معينة) قد نحتاج لجرعة علاج (من المجموعة الاولى) لاجل (المجموعة الثانية) او العكس، ولكن ليس وكأن ذلك هو الحل الأمثل الذي يجب الاستمرار عليه، فخير الامور الوسط!!!
كل انسان مسؤول عن نفسه والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف (سواء كان ذكر ام انثى)
وفي الوقت نفسه لا يمكن أن يستغني احد عن الآخر (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)

 
 
جميعنا في هذه الحياة (ذكورا واناثا، افرادا وجماعات) لدينا اختبارات يجب ان نؤديها بأفضل طريقة ممكنة إذا أردنا الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة!

إذا قصر أحدهم بواجه، فلا يعني هذا أن واجبنا سيسقط عنا!! وكما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله:
(لا يكُنْ أحَدُكمْ إمَّعَة، يقول: أنا مع الناس، إن أحْسنَ الناسُ أحسنتُ، وإن أساؤوا أسأتُ، ولكن وَطِّنُوا أنفسكم إن أحسنَ الناسُ أن تُحْسِنُوا، وإن أساؤوا أن لا تَظلِمُوا)

 
لأجل ذلك كله ولأننا مكلفين بالتعاون على البر والتقوى، ونتحمل مسؤولية عظيمة في مواجهة الأفكار الخاطئة والمنحرفة، التي تؤدي إلى الغرق في الوهم والغفلة، لا سيما وأن الترويج لها وتداولها منتشر في الوسائل المختلفة؛ كان لا بد لنا من بذل جهدنا في مواجهة الفكر بالفكر، فالتغيير يبدأ من الداخل والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم!!
إذا لم نغير افكارنا الخاطئة من الداخل أولا؛ فكيف نتوقع أن يغير الله حالنا؟!!
ورغم كثرة مشاكلنا التي بحاجة لإصلاح، لكن بلا شك قد تكون المشاكل مع الوالدين (وخاصة الأم) هي من تتصدر أول هذه المشاكل التي بحاجة لحل (كما ظهر في الاستطلاع الذي اجريناه على مجموعة نبراس المانجاكا)، ولأجل ذلك تم التركيز على ذلك في هذا الموضوع!
إذا كان لا يزال هناك غالبية بيننا لا زالوا مقتنعين من الداخل أن امهاتهم (وهن ارحم الخلق بهم) سبب مشكلاتهم فيستثقلون برهن، ويعتبرون أنهم قاموا بالواجب وزيادة، ثم نجد من يبرر لنفسه ذلك ومن يشجعه عليه باعتبار أن الأم هي سبب المشاكل وخراب البيوت، حتى تجرأ البعض على التشجيع بتجنب التعامل مع الام والابتعاد عنها، بدل ان يراجع نفسه ويفهمها، فيرمي اللوم على أمه وينسى نفسه!!
أفبعد ذلك كله نتوقع أن يغير الله حالنا للأفضل ونحن لم نغير كل هذه الأفكار المهلكة بداخلنا؟!!
 
كل ما يحدث للانسان يتحمل مسؤوليته بالكامل:
(وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٍۢ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍۢ)
 
 
قد لا يكون من السهل أن يرى الانسان الحقيقة بسهولة، وقد يصعب عليه تغيير ما في نفسه وهو يظن أنه على حق، خاصة إذا كان يرزخ تحت موروثات فكرية تملأ نفسه، فنجده يفسر كل شيء بما اعتاد رؤيته وتداوله، وبهذا يخفف عن نفسه ثقل تحمل المسؤولية، غافلا عن حقيقة الدنيا وسنن الله الكونية فيها!
 
ولأجل ذلك كان لا بد من التعاون على البر والتقوى:
(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)

والصبر على ملازمة الصحبة الصالحة التي تذكر بالله وترشد إليه، بعيدا عن هوى النفس:
(وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُۥ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمْرُهُۥ فُرُطًا)

 
 
 
كلنا #على_ثغرة وإذا كنا صادقين في ايجاد حلول جذرية لمشاكلنا وما تعاني منه أمتنا، ويكون لنا دور في رفع الظلم عن المستضعفين فيها، وتغيير حالها للأفضل؛ فيجب أن نبدا بأنفسنا أولا:
(إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)
 
ولهذا تم طرح هذا النقاش الجاد، عسى أن يكرمنا الله جميعا بالحياة الطيبة!

(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)

 
علما بأن "مدرسة الفروسية" ظهرت لتكون مدرسة فكرية بالدرجة الأولى، منطلقة من الرسالة الخالدة (وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين)..
والتي نسعى لاسقاطها على أرض الواقع بإذن الله، حريصين أن نمضي فيها على علم وبصيرة بإذن الله:

https://nebrasmangaka.com/forum/topic/244/

 
 
وقبل الختام.. ومع ما نراه من مآسي امتنا، سأقتبس هذا المقطع من انشودة قديمة بعنوان: "غزة الأحرار" :
"يا من حزنت لحالهم ماذا فعلت مع الأنين
أهتفت أم رسمت يداك الظلم للمستضعفين
إعلم بأن الله يعلم مابحال المسلمين
فانهض وغير ما بنفسك ذا سبيل الصادقين"
 
لا بد من أن نعمل بجد على تغيير ما بأنفسنا، ولا بد لنا من التعاون على ذلك، ولذا نرحب بكل نقاش فكري جاد، يساعد على تغيير حال أمتنا للأفضل بإذن الله، مع التأكيد على أن معظم ما ورد في الموضوع يعبر عن وجهة نظري الخاصة، فإن احسنت فمن الله وإن اسأت فمن نفسي والشيطان، ونسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، وجزى الله خيرا كل من ساهم في اثراء هذا النقاش- الذي سيسعدني ان اسمع رأيكم فيه- حتى نتعاون على البر والتقوى بإذن الله، نحقق هدفنا بأفضل وجه يرضي الله عنا ونسأل الله العون والتوفيق فلا حول ولا قوة إلا بالله..
 
(رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
 
 

بسم الله ما شاء الله علي الموضوع 

دخلته و انا كنت أظن اني ناضج، لكني أكتشفت أن كنت شبه طفل^^ لكن الحمد الله أصبحت ناضجًا بعده

زينب جلال has reacted to this post.
زينب جلال
اقتبس من عبدالله محمد في 2024-07-21, 11:10 ص

بسم الله ماشاء الله علي الموضوع 

دخلته و انا كنت أظن اني ناضج، لكني أكتشفت أن كنت شبه طفل^^ لكن الحمد الله أصبحت ناضجًا بعده

 

جزاك الله خيرا واسعدك كما اسعدتنا بمرورك واهتمامك بمشاركتنا انطباعك ونسأل الله ان يجعل في ذلك الخير والفائدة
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم