Please or التسجيل to create posts and topics.

صراع الأفكار!!

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
 
صراع الأفكار!!
 
   فتحت راوية عينيها لتجد نفسها في عالم غريب، لم تشاهد مثله من قبل! والأدهى من ذلك أنه كان يعج بضجيج كائنات عجيبة غريبة، تتقاتل فيما بينها بشراسة دون أن تفهم سببا لذلك! ورغم أن موقف كهذا يُفترض أن يصيبها بالرعب؛ إلا أنها شعرت بالاختناق الشديد وحسب، فقد كان الازدحام شديدا بتلك الكائنات المزعجة، وخشيت أن تدوسها أقدامهم، فجاهدت لإيجاد طريق آمن للخروج، وهي تحاول تذكر الكيفية التي وصلت بها إلى مكان كهذا! فآخر شيء تذكره هو صداع شديد ثم لا تدري ما حدث بعد ذلك!
وبينما كانت تحاول التسلل بهدوء لعلها تعثر على طريقة تعود فيها إلى عالمها؛ انتبهت تلك الكائنات لوجودها فجأ،؛ فإذا بهم يتدافعون مسرعين نحوها وهم يصرخون بكلمات غير مفهومة، وقبل أن تفلح راوية بالهرب؛ وجدت نفسها محاصرة من كل مكان، بضجيج يصم الآذان، فكل واحد من تلك الكائنات يريد الحديث معها، ويعارك بشدة من أجل الوصول إليها قبل غيره؛ حتى كادت أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، تحت هجومهم الشرس، لقد خنقوها بالفعل ولم تعد تقوى على التنفس! فما كان منها إلا صرخت بصوت مستميت، لم تعرف من أين خرج بالضبط:
- هذا يكفي! سأموت!! لقد ختقتموني!
فما كان من تلك الكائنات إلا أن هدأت فجأة، وكأن على رؤوسهم الطير، وابتعدوا عنها قليلا ليتيحوا لها مجالا للتنفس!!
فتنهدت راوية بارتياح، قبل أن تقول:
- كيف سأفهم ما تريدونه مني بالضبط وأنتم جميعا تتحدثون في الوقت نفسه!! ألم يعلمكم أهاليكم الأدب؟؟
طأطأت الكائنات رأسها بخجل شديد، فابتسمت راوية لنفسها قائلة:
- هذا جيد.. يبدو أنهم محترمون نوعا ما!
ثم سألتهم:
هل لي أن أعرف أين أنا ومن انتم وماذا تريدون مني؟
فتبادلت الكائنات نظرات تعجب فيما بينها، قبل أن يحاولوا جميعا الاجابة على سؤالها في الوقت نفسه، ليعود الضجيج من جديد بشكل أسوأ من السابق، دون أن تفهم راوية شيئا مما يقولونه؛ فصرخت بهم وهي تغلق أذنيها:
- هذا يكفي أيها الحمقى! انتم حقا تحتاجون لإعادة تهذيب! كيف تتوقعون مني أن أفهم شيئا مما تقولونه وأنتم تتحدثون هكذا!!
صمتت الكائنات مرة أخرى باستياء شديد، دون أن يجرؤ أي واحد منهم على مخالفة طلبها!
كتمت راوية ضحكة كادت أن تفلت من بين شفتيها، فعلى ما يبدو أن هؤلاء الكائنات يخافون منها ويحاولون كسب مودتها، دون أن تعرف السبب! لكن الموضوع أعجبها، بعد أن شعرت بنشوة السلطة!
فتظاهرت بالحزم، قبل أن تقول بنبرة جادة:
- من أراد منكم الحديث فليرفع يده وأنا سأختار من يجيب
وبالفعل تم تنفيذ طلبها بدقة، مما أثار دهشتها، فعلى ما يبدو أن هذه الكائنات تعمل لها حسابا كبيرا بالفعل، أكبر بكثير مما كانت تتخيل، أو ربما تريد منها مصلحة معينة!
وبعد أن اختارت أحدهم، سألها بأدب شديد:
- على أي سؤال أجيبك اولاً يا سيدتي؟
فقالت له وهي تجاهد كي لا تنفجر من الضحك على تلك النبرة الخائفة من جلالتها:
- ما هذا المكان؟ وأين أنا؟
فأجابها:
- هذا رأسك وأنتِ في عقلك الآن!
فشهقت راوية بدهشة، وهي تتحسس رأسها بيديها:
- ماذا ماذا؟؟ ما هذا الهراء؟؟ ها أنا أمسك رأسي بيدي، فكيف يمكن أن أدخل إلى عقلي كما تدعي؟
وقلبت نظرها بالمكان جولها قبل أن تتابع:
- ثم إنني لا أذكر أن شكل الرأس هكذا من الداخل، ولا أظنني نسيت دروس الأحياء بعد!
فأجابها الكائن:
- أنا آسف يا سيدتي ولكن هذه هي الحقيقة، وأنتِ وحدك من يملك تفسيرا لهذا كله، ولا أظنك نسيتِ كيف كان ناروتو يدخل إلى نفسه عندما يتحدث مع الكيوبي، لذا فالوضع مماثل هنا، وهو طبيعي جدا!
لم تشأ راوية الجدال أكثر مع الكائن في هذه المسألة، فانتقلت إلى السؤال التالي:
- حسنا.. ومن أنتم بالضبط؟
فأجابها الكائن بأدب جم:
- نحن بنات افكارك يا سيدتي!
فرمقته راوية بنظرة فاحصة، من رأسه إلى أسفل قدميه، قبل أن تقول بتهكم:
- لا أذكر أن "أفكاري" تزوجت حتى تنجب البنات!
وحدثت نفسها:
- يا لهم من وحوش عجيبة!! قال بنات قال!!!
لكن الكائن قال وقد فهم ما يدور بخلدها:
- ليس بالضرورة أن يكون البنات متشابهين بطبيعة الحال يا سيدتي، فنحن بنات من نوع آخر، كبنات الريح وبنات الليل، ولا أظن هذا خافيا عليك..
فردت عليه راوية محاولة إنهاء الحديث بعد أن أصابها الملل:
- المهم.. ما الذي تريدونه مني الآن؟
فأجابها الكائن بخضوع وتوسل:
- نحن محبوسين هنا منذ فترة طويلة، وأعدادنا تتكاثر باستمرار، دون أن تسمحي لنا بالخروج!!
وكأن توسله هذا أثّر بالكائنات الأخرى- والتي كانت تستمع لحوارهم بهدوء طوال الوقت، خشية أن تُغضِب راوية، فتحكم عليها بالسجن المؤبد مدى الحياة!- فإذا بأصوات النحيب والبكاء بدأت تعلو رويدا رويدا، وأخذت نداءات الاستغاثة تتزايد:
- أرجوك أسمحي لنا بالخروج
- أنا محبوس هنا منذ خمس سنوات، ولم أر النور أبدا
- وأنا قبله بكثير، لقد كنتِ ستخرجينني العام الماضي، ولا أدري لماذا غيرتِ رأيك فجأة! هذا ظلم!!
- أظن أنني أولى واحد بالخروج من هنا، فلدي حالة طارئة جدا ولا تحتمل التأجيل!
- بل أنا أولى، فقد أصبحتُ عجوزا جدا، وأخشى أن أموت قبل أن اتنفس هواء الحرية..
- بل أنا أولى..
- لا .. قلتُ أنا..
- أنت أناني ولا تفكر إلا بنفسك.. فأنا لدي هدف كبير وأنا الأولى..
- أنت منافق.. تريد الخروج وحسب ولو على حساب الآخرين..
- كيف تجرؤ!؟
وهكذا بدؤا بالشجار من جديد، مما أصاب راوية بالصداع، فصرخت بهم قائلة:
- هدوء! كيف سأتمكن من إخراجكم وأنتم تصنعون كل هذه الفوضى؟! ألم تتعلموا النظام بعد؟
فالتزمت الكائنات الصمت بسرعة، وكل واحد منهم يأمل أن يحوز على رضى راوية!
وبينما كانت راوية تقلب بصرها بينهم، رفعت إحدى الكائنات يدها مستاذنة بالحديث، وبعد أن أذنت لها قالت:
- المشكلة يا سيدتي أنك تنسينا تماما، حتى لا يعود لنا أي أمل بالخروج، نحتاج بعض الأمل على الأقل! ضمان بسيط مثلاً!
فسألتها راوية باهتمام:
- وما هو الضمان الذي تريدونه؟
فأجابتها الفكرة الذكية:
- لو أنك تصطحبين معك مذكرة صغيرة، تدونين بها أسماءنا وحالاتنا المختلفة وتراجعينها باستمرار، ثم تضعين لنا جدولا منظما للخروج؛ لما حدثت هذه الفوضى.. ولو أنك قمتِ بتقديم فكرة على فكرة في الخروج عند حالات الطواريء؛ فلن نشعر بالاستياء؛ لأننا نعلم أنك لم تنسينا وأن دورنا سيحين يوما ما.. صدقيني يا سيدتي.. نحن صبورين جدا عليك، ولا نريد إزعاجك.. ولكننا نخشى النسيان والضياع!
 
***** تمت*****
 
*ملاحظة:
 نشرت هذه القصة اول مرة يوم 13 يونيو 2019 كنوع من التشجيع لتكون ضمن فعالية اقترحها أحد الأخوة، وقد تولت الرسامة المبدعة "ريحانة" اخراجها بشكل مانجا قصيرة، وبامكانكم قراءتها الان على موقعنا عبر الرابط:

 
ونسأل الله العون والتوفيق
وضل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم