مدير المدرسة

مدير المدرسة (بين القوة و الاحترام)!

عن القصة:

اللين و اللطف مفتاح للتعامل.. لكن ماذا لو انقلب الأمر و أبدى اللين مفعولا عكسيا؟!
مجموعة من الطلبة المشاغبين يجدون أنفسهم فجأة أمام مدير جديد! قصة واقعية، تسلط الضوء على قضية اجتماعية، وشر البلية ما يضحك!

التصنيف: مدرسي، كوميديا

انتشر الخبر كغيره من الأخبار؛ انتشار النار في الهشيم، في مدرسة صلاح الدين الثانوية للبنين!

– سيتقاعد المدير، وسيأتي مدير جديد!

– ترى كيف شكله؟ هل له عضلات؟

– يقولون أنه يحمل شهادة الدكتوراة من جامعة عريقة وراء البحار!

– سمعت أنه لديه الكثير من الأفكار الحديثة التي يسعى لتطبيقها في مدرستنا!

– هل تعتقد أنه سيكون قوياً جدا؟

– ما هي توقعاتكم.. من أقوى هذا المدير أم المدير الجديد؟

كانت الساحة تعج بالطلبة الذين اصطفوا بنظام منقطع النظير، وهم يستمعون لخطاب المدير الأخير:

– أبنائي، يا طلبة ثانوية صلاح الدين العريقة، سأترككم وكلي ثقة…..

ورغم أن عقول معظم الطلبة كانت مشغولة بتساؤلات كثيرة حول المدير الجديد؛ لكن أحدا لم ينبس ببنت شفة!!

وجاء اليوم الموعود أخيراً، ووقف المدير الجديد أمام الطلبة ببدلته الأنيقة، وابتسامته المشرقة، والقى تحية ودودة على مسامع طلبة الثانوية، معلنا عن قدوم عهد جديد، في تاريخها المجيد!

وفي إحدى الفصول، كان أحد الطلبة يزف خبراً هاماً لزملائه بحماسة منقطعة النظير:

– لقد سمعت جزءا من كلام المدير مع الاساتذة، الضرب ممنوع!

في حين دخل طالب آخر إلى الفصل وهو يهتف قائلا:

– لن تصدقوا ما حدث، لقد صافحني المدير بابتسامة عريضة!

وهنا.. أدرك الجميع تماما أنهم أمام عصر جديد بكل ما تحمل الكلمة من معاني!

لم يستغرق الأمر أكثر من سنتين على تلك الحالة؛ حتى تصدرت ثانوية صلاح الدين قائمة أسوأ المدارس في المنطقة!!

هروب من المدرسة، شجار وعصابات في كل زاوية، الأساتذة لا يمكنهم إنهاء الدروس،،،،

لقد خرج الطلبة عن السيطرة تماما!!

ذاع صيت المدرسة، واشتهرت بين طلبة المدارس الأخرى، حتى باتت وكرا للخارجين عن القانون، الذين يحرصون على ارتيادها من كل مكان!! وإذ ذاك وصل خبرها إلى وزارة التربية والتعليم!

***

التفت عدد من طلبة (الصف العاشر شعبة د)، نحو بسام- المشهور بعضلاته المفتولة- وهو يخبرهم عن آخر بطولاته التي تصدى بها لزعيم صفوف الثاني عشر، في حين كان أستاذ الأحياء يحاول جاهداً أن يطلب منهم الهدوء بشتى الوسائل والطرق؛ حتى يتمكن من إنهاء الدرس دون جدوى، إلى أن أعلن الجرس نهاية الحصة، ليريح ذلك الاستاذ- حديث التخرج، ضعيف البنية- من معاناته اليومية!!

كان بعض الطلبة لا يزالون يستعرضون بعض الحركات القتالية، رغم أن استاذ اللغة العربية دخل إلى الفصل ليعلن بداية الحصة التالية!!

حاول ذلك الاستاذ- الذي كان رجلاً طيبا كبيرا في السن نوعا ما- أن يرفع نبرة صوته أكثر؛ حتى يُعلم الطلبة بوجوده، إلى أن بح صوته، فبدأ الدرس بصعوبة شديدة، على أن أمل أن يريح ضميره على الأقل!

وذات يوم، انتشر خبر جديد في المدرسة..

سيستقيل المدير!!

وبدأ الجميع يتساءل عن هوية المدير الجديد..

– ترى كيف سيكون شكله؟

– هل هو محترم؟

– هل تعتقدون أن المدير الجديد سيكون طيبا؟

وذات صباح، وبينما كان الطلبة يتجاهلون أوامر الأساتذة كالعادة في الانتظام بالطوابير، تقدم المدير الجديد من مكبر الصوت، وألقى التحية على المدرسة معلناً استلامه لإدارتها، وبدافع الفضول فقط، استمع له الطلاب لوهلة؛ قبل أن يتابعوا أحاديثهم المعتادة! أما في طابور الصف العاشر د – الذي نال شهرة واسعة على مستوى المدرسة بكونه حوى أكثر طلابها شغبا ورعونة- فقد كان بسّام يوزّع ابتساماته المعتادة على الجميع، وهو يقف مائلاً بجذعه العريض، في وقفة هازئة، قبل أن يضيف عدد من التعليقات الساخرة!

صمت المدير لوهلة، وأشار إليه قائلا:

– أنت هناك، من الصف العاشر د!

فأشار بسام إلى صدره بتساؤل:

– أنا؟

فأومأ المدير برأسه بالايجاب قبل أن يضف بصرامة عبر مكبر الصوت:

– أجل أنت.. تعال إلى هنا!

خيم الصمت على المدرسة وكأن على رؤوسهم الطير وهم يتابعون خطوات بسام المتجهة بثقة نحو المدير، لعل آذانهم تلتقط أول كلمة سيكلم بها المدير ذلك الزعيم القوي!

وما أن اصبح بسام على بعد خطوتين من المدير؛ حتى دوى صوت صفعة قوية استقرت على وجه بسام، ترنح جسده الضخم على إثرها باهتزاز شديد، كاد أن يطرحه أرضاً، وسط دهشة عارمة جحظت بها العيون، وتجمدت فيها العروق، وتدلت الأفواه يشهقة قوية، كادت أن تُخرج من خلالها الأرواح!

(يقول راوي القصة الأصلي أن صدى تلك الصفعة لا يزال يرن في إذنيه، حتى بعد أن أصبح جدا!!)

ولم يقطع لحظات الصمت تلك؛ سوى صوت المدير وهو يخاطب بسام بنبرة قوية:

– عد إلى مكانك الآن!

وبينما كان الأخير يجر جسده جراً إلى مكانه في الطابور، تابع المدير خطابه وسط هدوء لم تشهده ثانوية صلاح الدين منذ زمن!

لم يكد المقام يستقر بطلبة الصف العاشر د في فصلهم، بعد أن صعدت الطوابير؛ حتى تنفسوا الصعداء- وهم يظنون أنهم قد أصبحوا في مأمن الآن- واخذوا يتندرون على بسام ضاحكين:

– ما الذي دهاك يا رجل؟

– خدك متورم، هل لا زالت تؤلم؟

– لقد كان جسدك يهتز بأكمله!

– أكاد أجزم أن هذا المدير ملاكم بارع!

– لقد فاجأنا يا رجل! كنت أظنه سيتفاهم معه أولاً!

وبطبيعة الحال، لم ينتبه الطلبة لدخول استاذ اللغة العربية، الذي كان يلقي التحية على نفسه، وسط نقاشهم المثير ذاك، إلى أن لاح لهم ظل المدير الذي أقبل على حين غرة، ليقف أمام الباب، سادا الفراغ بجسده!

وكمن ضغط على زر التوقف في شاشة عرض؛ تجمد الطلبة في أماكنهم دون أدنى حركة، كأن الشلل أصابهم فجأة! حتى الشخص الذي كان فاتحا فمه بالكلام، لم يستطع إغلاقه، بعد أن فقد جسده القدرة على التجاوب مع إرادته! فبقي فمه مفتوحا، في حين تبخرت الكلمات منه، وكأن الجفاف قد حل عليه دون سابق إنذار!

اشار المدير لعدد من الطلبة بسبابته قائلا:

– أنتم.. تحركوا الآن نحو مكتبي بسرعة!

كانت تلك الاشارة كفيلة ببث الرعب في نفوسهم، فتحركوا كالآلات دون همس أو حتى نِفِس!

وأمام مكتب المدير اصطفوا كما أخبرهم، دون أن يتبادلوا كلمة واحدة، ودون أن يعرفوا ما الذي سيحل بهم بعد ذلك..

مضت الحصة تلو الحصة، وهم على حالهم، أمام مكتب المدير، فيما كان بعض الطلبة الآخرين يمرون من أمامهم ويتساؤلون عن السبب الذي أوقفهم هنك، أو عن المصير المظلم الذي ينتظرهم!

وبعد أربعة حصص من الانتظار المهين، الذي أودى بما تبقى من جلادة أعصابهم، استدعى المدير أول طالب منهم، وأغلق الباب خلفه!! ليترك البقية في حيرتهم!! ما الذي سيجري في الداخل؟!

بدت غرفة المدير لذلك الطالب- من الوهلة الأولى- اشبه بغرفة تحقيق، غير أن مشهد المدير أمامه وهو يخلع معطفه الرسمي، ويضعه بترتيب على كرسيه بهدوء، ليقف بقميصه الابيض الناصع أمامه؛ جعله يتراجع عن رأيه!! خاصة وهو يراه قد بدأ بثني كم قميصه الايمن إلى منتصف ذراعه، ومن ثم فعل الشيء نفسه بالكم الأيسر!! لقد غير الطالب رأيه بسرعة، فلم تكن تلك غرفة تحقيق أبداً، بل كانت غرفة تعذيب بمعنى الكلمة!!!

وهكذا بدأت اللكمات المتتالية تنهال عليه بلا مقدمة، ولا حتى كلمة!!

وأخيرا.. فُتح الباب أمام العيون المتوجسة المترقبة في الخارج، لتشاهد ذلك الطالب وهو يخرج في حالة مزرية، وكأن لسانه انعقد فخيم عليه صمت مطبق، في حين ارتفع صوت المدير من الداخل:

– الطالب التالي!

**

دخل استاذ اللغة العربية على فصل (الصف العاشر الشعبة د) في اليوم التالي، والقى التحية بنبرة واثقة، وهو ينقل بصره بين الطلبة بابتسامة متشفية:

– كيف حال الرجال اليوم؟

-……………………..

– هل أنتم سعداء الآن؟

ولم تكن الأفواه لتجرؤ على النطق بأكثر من همسة واحدة:

– آه..

أما استاذ الأحياء؛ فلأول مرة منذ تعيينه، تمكن من سماع صوته وهو يشرح الدرس!! بل إنه سمع وقع خطواته ايضاً، في إنجاز غير مسبوق من نوعه!

وفي غضون ثلاثة أيام فقط؛ استعادت مدرسة صلاح الدين الثانوية انضباطها القديم، ونظامها الذي اصبح مثالا يحتذى به في جميع مدارس المنطقة!

******* تمت*******

ملاحظة:

القصة الأصلية سمعتها من أحدهم، (الراوي الأصلي للقصة)، ثم خطر ببالي صياغتها في قصة قصيرة، فكانت هذه هي النتيجة!^^

فما هو رأيكم يا ترى؟

ونسأل الله الهداية والصلاح والتوفيق للجميع

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الحب-وحده-لا-يكفي

الحب وحده لا يكفي !

عن القصة:

قصة مدرسية قصيرة، تتحدث عن فتيات مراهقات مولعات بمتابعة القصص الخيالية وقراءة المانجا، يواجهن مشكلة في مفاهيم الحب والحياة.. فكيف ستتصرف المعلمة سلمى؟

التصنيف: مدرسي، شريحة من الحياة

– نغم.. نغم.. ماذا أصابك ألا تسمعينني؟؟؟ إنه وقت الاستراحة، ألن تكملي لنا القصة؟؟ ديمة وروان في الساحة ينتظرونك أيضاً..

التفتت نغم نحو صديقتها المتحمسة بعينين زائغتين، وكأنها لا تفهم ما يجري حولها، فأعادت صديقتها كلامها بإلحاح شديد:

– نغم ماذا أصابك؟؟ لا تبدين بخير أبداً!!! هل كنت منتبهة في الدرس أصلا! لا أظنك لاحظتِ أن الحصة انتهت!! نغم.. أرجوك أجيبيني ولو بكلمة واحدة على الأقل!!

وبدل سماعها إجابة نغم؛ جاءهما صوت المعلمة المناوبة، وهي تصرخ بغضب أثناء مرورها بالطابق:

–  ما الذي تفعلانه هنا!! ممنوع البقاء في الفصول خلال فترة الاستراحة، هيا انزلا للساحة بسرعة.. كم مرة علينا إعادة الكلام نفسه!!! يا لكم من جيل مزعج عديم الفهم.. عديم الفائدة.. عديم النفع…

 وبالطبع لم تستمع الفتاتان لبقية كلامها، إذ كانتا قد اختفيتا عن أنظارها في طرفة عين!

وما أن وصلتا الساحة- بعد نزولهما جرياً على الدرج- حتى وجدتا نفسيهما محاطتان بديمة وروان، وعتابهما اللاذع:

– كأننا نشتم رائحة خيانة هنا!! هل كنتِ تكملين القصة لرنيم وحدها يا نغم!!

لكن رنيم سرعان ما دفعت الشبهة عن نفسها، وهي تلتقط أنفاسها اللاهثة:

– ليتني استفيد شيئاً من خاصية وجودي معها في الفصل نفسه!! أنتم تعرفون اتفاقنا، ونغم لا تحب إعادة القصة مرتين!!

فبادرتها ديمة بالسؤال:

– لماذا تأخرتما إذن؟!! فترة الاستراحة قصيرة بما يكفي..

فزفرت رنيم باستسلام:

– لا أدري ماذا أصابها اليوم، فهي لم تتكلم معي بكلمة واحدة!

عندها التفتت روان نحو نغم قائلة:

 – هيا يا نغم ألن تكملي لنا قصة “ذات الوشاح الأزرق”؟ … نغم.. ألا تسمعيننا؟؟

تبادلت الصديقات الثلاثة النظرات وهن يحدقن بنغم، التي بدت شاردة تماماً، فألحّت عليها روان بقولها:

– أخبرينا ماذا أصابك على الأقل؟؟ هل هناك شيء يزعجك هل تريدين الذهاب للعيادة؟؟

ولم تنتظر ديمة جوابها أكثر، إذ جذبتها من يدها، قائلة:

– سآخذك للعيادة بنفسي، وضعك غير طبيعي أبداً..

لكن نغم أفلتت يدها منها بقوة:

– ألا يمكنكن تركي وشأني!! مزاجي معكر جداً، ولا أريد إيذاء أحد بكلامي.. ولكنكن مزعجات حقا!

عندها انفرجت أسارير الصديقات الثلاثة، معبرين عن ارتياحهن الشديد لسماع ذلك، فقالت روان:

– الحمد لله على الأقل سمعنا صوتك!

وتبادلت ديمة مع رنيم نظرات ذات معنى، قبل أن تقول:

– هل حدث شيء لبطل المانجا التي تتابعينها؟ أنت لم تخبرينا باسمها حتى الآن!

وأمام صمت نغم مع الكآبة التي ظللت وجهها، تم التأكد من الإجابة، فقالت رنيم:

 – نحن نعرف أنك اخفيتِ عنا اسم المانجا التي تتابعينها؛ حتى لا يحرقها أحد عليك كما حدث سابقاً، ولكن ألن تخبرينا باسمها على الأقل بعد انهائها؟ صدقيني هذا سيخفف عنك العبء، سنتناقش بالقصة و…

فقاطعتها نغم بضيق:

– لم أنهيها بعد، ولا أريد إنهائها أبداً، ولا حتى تذكر اسمها.. إنها قصة بغيضة بمعنى الكلمة!! لقد كرهت مانجا الشوجو كلها بسببها!!

فتنهدت روان:

– يبدو أن الوضع أسوأ من المرة السابقة!! على الأقل، ما هو الحدث الذي أزعجك؟ أخبرينا عنه بشكل عام بدون ذكر أسماء…

لكن نغم أجابتها ببرود:

– قلتُ لكم أنني لا أريد تذكر أي شيء عن تلك المانجا، سأحاول أن أنساها..

 فقالت ديمة بنفاد صبر:

– في هذه الحالة لماذا لا تكملين لنا قصة “ذات الوشاح الأزرق”؟؟ ليس من العدل أن تتركينا في منتصف القصة هكذا، لقد وعدتِ بإكمالها.. لا تقولي أنكِ نسيت اتفاقنا بالأمس على تناول الغداء في المطعم بعد المدرسة حتى تكملي القصة، لقد تعبتُ في الحصول على موافقة أبي من أجل ذلك..

بدا على نغم علامات تأنيب الضميرأخيراً، لكنها قالت بأسف:
– حقا أعتذر عن ذلك، بالطبع لم أنسَ موضوع المطعم وقد أخذتُ موافقة أمي وأبي أيضاً، ولكنني لم أعد مهتمة بتلك القصة، ولا أفكر بإكمال تأليفها أبداً…

لم تكد نغم تكمل جملتها حتى انفجرت ديمة بغضب:

– هذه ليست أول مرة!! لن أصدقك بعد اليوم أبداً ايتها الـ…..

غير أن روان ورنيم حاولتا التدخل بسرعة، لتهدئة الأوضاع قبل أن تلتفت الأنظار إليهم، وإلا.. فكيف سيشرحون هذا الموقف الذي لا يفهمه أحد سواهم!!

ومن لطف الله بهم أن جرس المدرسة أعلن انتهاء فترة الاستراحة، فتنفست رنيم بارتياح وهي تمسك نغم من يدها:

– علينا الاصطفاف بالطوابير بسرعة قبل أن نثير غضب المعلمات، يكفينا التوبيخ السابق،  لذا عن إذنكما سنذهب إلى طابور فصلنا..

أما روان، فقد استدركت مخاطبة ديمة:

 – كأننا نسينا تناول شطائرنا اليوم!! أرجو أن نتمكن من التركيز في بقية الحصص..
فأجابتها ديمة وهي لا تزال تتميز غيظاً:

– كله بسبب تلك الـ…..

لكن صوت إحدى المعلمات المناوبات، أعادها إلى واقعها المرير:
– هيا إلى الطوابير بسرعة.. ستبدأ الحصة الرابعة خلال خمس دقائق..
وارتفع صوت المرشدة من خلال مكبرات الصوت:

– أنتن هناك.. التزمن الطابور بسرعة.. يا فتيات كل واحدة في طابورها.. نظــــام… كل طابور بدوره .. إياكن الخروج عن المسار.. هيا بسرعة.. إلى الفصول..

وساهمت فتيات الكشافة في تنظيم سير الطوابير في الممرات، وخلال صعود الأدراج، حتى امتلأت الفصول بطالباتها، لتدخل المعلمات إلى حصصهن، وتُستأنف الدراسة كالمعتاد..

  حاولت نغم التركيز جاهدة في درس الفيزياء، لكن دون جدوى، فتمنت لو أن المعلمة سلمى لا تلاحظها وتتجاهل وجودها، لهذا اليوم على الأقل، غير أن أمنيتها تحققت بشكل عكسي.. إذ لم يكد هذا الخاطر يتبادر إلى ذهنها حتى سمعت اسمها:

– هيا يا نغم تعالي إلى اللوح، وارسمي لنا العلاقة بين “الإجهاد” و”الانفعال” مع تحديد مناطق المرونة على المخطط البياني..

 لم يكن السؤال صعباً، فهذا مراجعة سريعة للدرس الماضي، غير أن نغم شعرت بالارتباك الشديد، وهي تحاول البحث عن عذر مناسب، لتُعفى من الإجابة، ولم يخفَ على المعلمة ملاحظة ذلك، لكنها أصرّت  قائلة:

– هيا يا نغم تعالى إلى هنا بسرعة..

ثم تابعت قائلة، وهي تخاطب الطالبات:

– كما استنتجنا من قانون هوك في الحصة الفائتة، كلما زاد الاجهاد على جسم مرن، زاد انفعاله بشكل طردي، وإذا نقص الإجهاد نقص هذا الإنفعال، وهذا صحيح طالما أننا ضمن حد المرونة، أما إذا تجاوزنا حد المرونة بزيادة الإجهاد على هذا الجسم، فلن يعود إلى وضعه الطبيعي أبداً وسيفقد مرونته، وإذا زاد الإجهاد أكثر فسنصل إلى..
وسكتت المعلمة قليلاً وهي تلتفت إلى نغم، لتفسح لها المجال بالإجابة، فأجابت أخيراً:

– سنصل حد الكسر..

فأومأت المعلمة برأسها موافقة:

– ممتاز، والآن مثّلي هذا على اللوح بيانياً..
وبالفعل استطاعت نغم إتمام الرسم البياني على أفضل وجه، فيما علّقت سلمى قائلة:

– وهذا لا ينطبق على الاشياء وحسب، بل على النفوس أيضاً.. وبالطبع لكل جسم ثابت مرونة يختلف عن الآخر، بحسب طبيعة الجسم، لذلك قلنا سابقاً احذرن الوصول إلى حد المرونة مع أي أحد، حتى مع أنفسكم.. فمعظم مشكلاتنا في الحياة اننا لم نفهم “قانون هوك” بشكل جيد، لذا نتفاجأ أحياناً بأن هناك من خسر علاقته مع شخص ما، بسبب كلمة بسيطة أو فعل لا يستحق الغضب، لكن في الحقيقة أن الشخص الآخر يكون قد وصل حد المرونة بالفعل، ولم يعد يحتمل المزيد، وكما قال المثل: إنها الشعرة التي قصمت ظهر البعير..

فرفعت رنيم يدها تستأذن بالمشاركة، قبل أن تضيف:

– أو كما يقولون في المثل الشعبي يا آنسة (مش على رمانة، على قلوب ورمانة)..
فضحكت الفتيات وابتسمت سلمى:

– أجسنتِ، بالضبط هذا ما يحدث، وكلما ابتعدنا عن حد المرونة أكثر، كلما كان هذا أفضل، لنضمن لأنفسنا مساحة كافية ضمن منطقة المرونة، وهذا يذكرنا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، “الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فمن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه”، فكأن حد الحرام هو حد المرونة، وكلما ابتعدنا عن هذا الحد، كلما ضمنا لأنفسنا السلامة أكثر.. لذا هل عرفتن أهمية فهم الفيزياء في حياتكن اليومية؟ أريدكن فتيات ناضجات ناجحات دائماً، لذا تذكروا هذا القانون دائماً، ولا تنسوا إخبار الجميع به..

لم تستطع فرح منع نفسها من التعليق قائلة:

– فهمنا يا آنسة، والله فهمنا.. الفيزياء جميلة، وسنجعل الجميع يحبون الفيزياء كما تريدين..

فأفلتت ضحكة صغيرة من سلمى، ضحكت على إثرها الفتيات، لكنها سرعان ما أمسكت زمام الموقف، قائلة:

– حسنا.. نعود إلى الدرس، افتحن الكتب على قسم المسائل في آخر الوحدة، ولنبدأ بحل السؤال الخامس، فهو تطبيق مباشر على القانون…
**
دق جرس المدرسة معلناً نهاية الدوام المدرسي، وخرجت نغم برفقة رنيم من الفصل وهي تشعر ببعض الندم:

– أظن أن ديمة لا تزال غاضبة جدا مني، أخشى أنها وصلت حد المرونة بالفعل!!

فطمأنته رنيم قائلة:

– لا عليكِ، ستحل المشكلة بسرعة إذا أخبرتينا بتكملة قصة “ذات الوشاح الأزرق”، عليكِ أن تفي بوعدك..

فتنهدت نغم بألم:

– المشكلة أنني لا أستطيع، أنتن لا تفهمن هذا! لا أعرف كيف أشرح أكثر!!

عندها لمعت عينا رنيم، فهتفت- كأرخميدس عندما “وجدها”- قائلة :

– لماذا لا تخبرين المعلمة سلمى عن هذا الموضوع؟؟ أنا متأكدة انها ستساعدك في تجاوز هذه الأزمة..

فحملقت فيها نغم بذهول:

– هل أنتِ جادة؟؟ وماذا أقول لها؟؟ شرح المشكلة بحد ذاته أكبر من المشكلة نفسها!

فطمأنتها رنيم:

– أظن أن المعلمة سلمى ستفهم هذا بسرعة، فقد سمعتُ أنها تكتب قصص أيضاً، كما أنها مثلنا تتابع الأنيمي..

شهقت نغم:

– أنتِ تمزحين!! من قال لك هذا؟

فغمزتها رنيم بابتسامة ذات مغزى:

– هذا سر!

لكن نغم جذبتها من يدها:

– هيا أخبريني، لا تكوني لئيمة..

فضحكت رنيم:

– هذا هو بالضبط شعورنا عندما ترفضين إكمال القصص، اشعري معنا قليلاً..

فتوسلت إليها نغم باستعطاف شديد:

– إنني آسفة حقا، فلا تستغلي ضعفي الآن.. ألستِ أنتِ من اقترح علي الذهاب للمعلمة..

 وقبل أن ترد عليها رنيم بكلمة؛ تفاجأت الفتاتان بالمعلمة سلمى تلقي عليهما السلام، قائلة:

– ألم تعودا إلى المنزل بعد؟

 ومع هول المفاجأة؛ تلجمت ألسنتهما تماماً، حتى أنهما ردّتا السلام بتلعثم واضح، مما أثار تعجب سلمى، فسألتهما باهتمام:

– هل هناك خطب ما؟

 وبدون مقدمات؛ قالت رنيم كمن خشي فوات الفرصة:

– في الحقيقة آنسة سلمى، نغم لديها موضوع ترغب باستشارتك فيه..

فالتفتت سلمى نحو نغم، التي ألجمتها الصدمة:

– حسناً يا نغم، هل تحبين التحدث في الموضوع الآن؟ يمكننا الجلوس في الساحة الخارجية، سيكون لدينا بعض الوقت قبل إغلاق المدرسة، فهل لا بأس بذلك؟

فأجابتها رنيم بحماسة:

– لا بأس بذلك طبعاً، فنحن سنمر على المطعم في طريق عودتنا، وأهلنا يتوقعون تأخرنا على أي حال، لذا لا بأس بذلك أبداً يا آنسة..

**
شعرت نغم بتوتر شديد، إذ لم تعرف كيف تبدأ الموضوع، لكن رنيم تشجعت وبادرت بنفسها قائلة:

– ساخبرك القصة من البداية يا آنسة سلمى بكل صراحة، فأنا ورنيم وديمة وروان اصدقاء طفولة، ونعرف بعضنا منذ الابتدائية، كنا نتشارك الاهتمامات نفسها، خاصة متابعة الرسوم المتحركة، وقد كانت نغم أحيانا تقوم بتغيير نهايات بعض القصص التي لا تعجبنا، ثم بدأت بتأليف قصص جديدة، وكنا دائما نحب الاستماع لها ونتابعها بشغف، لكن المشكلة أنها أحيانا تمل من إكمال القصص التي تبدأها، فلا تكملها لنا، ثم تفاجئنا بقصة جديدة، ولم نكن نشعر بالضيق في البداية، إذ سرعان ما كنا ننسجم مع القصة الجديدة، وهكذا.. لكن مؤخراً بدأ هذا الموضوع يزعج بعضنا، خاصة وأنها وعدتنا بإكمال آخر قصة..

وسكتت رنيم لتفسح المجال لنغم حتى تكمل الحديث، فقالت أخيراً:

– ربما تبدو لك المشكلة سخيفة يا ىنسة سلمى ولكنني حقا لا أستطيع إكمال القصص…

فقالت سلمى بنبرة جادة:

– أولاً هذه ليست مشكلة سخيفة أبداً، بل مشكلة حقيقية، وكبيرة جداً، فالوعد وعد مهما كان، وإخلاف الوعود ليس من شيم المؤمنين!

شعرت نغم بالحرج الشديد، وحاولت الدفاع عن نفسها، لكن سلمى تابعت كلامها قائلة:

– ثانيا ليس الموضوع أنك لا تستطيعين، بل الفكرة تكمن في أنك لا تريدين ذلك، وهناك فرق كبير بين الارادة والاستطاعة، لكننا كثيراً ما نخلط بينهما، لذا علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا، ونبحث في دواخلنا جيداً عن الأسباب التي أدت بنا إلى هذه الحال..

ثم استدركت قائلة:

– هل هذا هو الموضوع الذي كان سبب شرودك في الحصة اليوم؟

فاحمرت وجنتا نغم، قبل أن تجيب:

– ربما..

لكن رنيم حثتها على الكلام قائلة:

– هناك أمر آخر يزعجها يا آنسة، فقد كان مزاجها معكرٌ منذ الصباح، قبل حدوث المشكلة، وهو السبب وراء امتناعها عن إكمال القصة لنا هذا اليوم على الأغلب، أليس كذلك يا نغم؟

شعرت نغم برغبة عارمة في قرص رنيم حتى يتورم جلدها، لكنها حاولت ضبط نفسها، ولاحظت سلمى ذلك، فابتسمت قائلة:

– لا شيء يدعو للحرج عزيزتي، فحتى أنا احياناً يتعكر مزاجي لأسباب يراها الآخرون تافهة جداً، لذا يمكنك إخباري عن أي شيء بكل راحة.. هل أفترض مثلاً أن هناك قصة لم تعجبك نهايتها مثلاً؟ إذا كانت القصة معك فأعيريني إياها أو اخبريني باسمها وسأحاول قراءتها، لنتناقش فيها فيما بعد، فهذا أفضل.

وغمزتها قائلة:

– فأنا أحب قراءة القصص أيضاً..

وهكذا.. قررت نغم أن تزيح الحمل الثقيل الجاثم على صدرها، فتكلمت أخيراً:

– في الحقيقة يا آنسة هي ليست قصة بمعنى قصة، فهي مانجا.. يعني… يعني هي تشبه…. مممم..

فأومأت سلمى برأسها لتختصر عليها الشرح:

– أجل أعرف أعرف.. فأنا اقرأ المانجا ايضا،..

تهلل وجه نغم:

– حقاً يا آنسة؟؟

فابتسمت سلمى:

– أجل، يمكنك متابعة حديثك..

فقالت نغم:

– حسناً.. في الحقيقة هي مانجا شوجو.. أنت تعرفين تصنيف الشوجو يا آنسة صحيح؟

فهزت سلمى رأسها موافقة، فيما تابعت نغم كلامها بحماسة:

– قبل فترة أنهيت مانجا رائعة من هذا التصنيف وقد أعجبتني جداً، فبحثت عن مانجا أخرى للمؤلفة تفسها، ولكنني عندمابدأتُ قراءتها صدمتُ جدا بما حدث، لم أتوقع من المؤلفة أن تفعل هذا، لقد كرهتُ البطل جدا جدا، فرغم أنه طالب ذكي ومحترم، ولديه صديقة سابقة، لكنه يبدأ بالاهتمام ببطلة القصة، لم أحب الفكرة أبداً..
وبدا التأثر واضحاً على وجه نغم وهي تتابع:

– يُفترض من القصة أن تجعلنا نتحمس لاعتراف البطل لهذه البطلة، بل إنه سيترك صديقته من أجلها…

لكن نغم بترت كلممتها فجأة، وقد انتبهت أنها تحدث معلمة! فاستدركت قائلة:

– طبعاً يا آنسة أنتِ تعرفين أن هذه القصة تعكس بيئة غير عربية، لذلك هذا الوضع مقبول لديهم، يعني هذا ليس قلة أدب عندهم، أو تصرف سيء.. حتى الأهل عندهم لا يمانعون في ذلك… ما أقصده هو أنها تعكس ثقافة مختلفة.. أقصد فكرة الاعتراف وأن تكون هناك صديقة مقربة أو صديق مقرب.. مممم.. يعني يمكنك القول أن هذا يشبه الخطبة عندنا..

فضحكت سلمى قائلة:

– أعرف أعرف، يعني مثل خطبة ران وسينشي في المحقق كونان.. لا تقلقي لن آخذ عنك فكرة سيئة أبداً..

فابتسمت نغم، وضحكت رنيم:

– ألم أقل لك أن المعلمة سلمى ستتفهم..

لكنها أغلقت فمها بسرعة من شدة الحرج، فيما تابعت نغم كلامها، بعد أن دخلت في جو التأثر من جديد:

– المشكلة يا آنسة أن صديقة البطل السابقة تعتبر شخصية ثانوية، لذلك تم تجاهلها في المانجا، رغم أنه بحسب ذكريات البطل فهو أول من اعترف لها، ورغم ترددها في البداية، ومحاوله اقناعها له بأنها مثل أخته فقط؛ إلا أنه أخبرها بأنه يحبها حقا ولن يتخلى عنها أبداً، حتى وثقت به!!

وترقرقت عينا نغم بالدموع، وهي تتابع:

– لم أستطع احتمال ذلك!! لماذا تريد المؤلفة اقناعنا بأن تصرفه صحيح؟؟؟ لماذا سمحت له بأن يحب بطلة القصة؟؟ هل لأنها بطلة القصة فقط!! حتى بطلة القصة كانت مقيتة جدا! فقد ظلت تلاحق البطل وهي تعلم أن لديه صديقة، بحجة أنها لا تريد تجاهل مشاعرها!! هذا مؤلم جدا! والأشد إيلاما من هذا كله، وحتى تريح المؤلفة ضمير البطل؛ جعلت صديقته السابقة تتفهم الأمر، بل وكأنها ترحب في الانفصال!! بالطبع هذا غير مقنع ولكنه ما تريده المؤلفة فقط..

وصمتت قليلاً قبل أن تتابع، فيما كانت سلمى تستمع لها باهتمام:

– هل تصدقي يا آنسة.. أنها أول مرة أقوم فيها بالقفز إلى الفصل الأخير وحرق القصة على نفسي! لم أحتمل الذي حدث وكنتُ أرجو أن يعود لصديقته السابقة، رغم أن رسوم الغلاف واضحة، ومع ذلك.. قفزت للفصل الأخير حتى أتاكد بنفسي!! وللأسف كان البطل والبطلة معا في نهاية سعيدة كما تريدها المؤلفة، ولكنها ليست كذلك ابداً.. فلم يعد لتلك الصديقة السابقة وجود أبدا، فقط لأنها شخصية ثانويةً!! لقد تمت خيانتها تماماً.. لم يكن ليحدث هذا لو أن تلك الصديقة السابقة هي البطلة الاساسية للقصة.. هذا فظيع جدا..

وصمتت نغم بشرود، حتى سألتها سلمى:

– أهذا كل شيء؟

فرفعت نغم عينيها لتواجه عينا معلمتها الثاقبتين:

– آسفة لقد أزعجتك بما يكفي يا آنسة وأنا أعيد وأزيد في الكلام نفسه، ولكنني متألمة جدا من تلك الفكرة، ولا أستطيع تجاهلها! لقد عكرت مزاجي تماماً، فهذا لا يُشعِر بالأمان أبداً..

فطمأنتها سلمى بابتسامة ودودة:

– أتفهم شعورك نغم، ومعك الحق في هذا، حتى أنا كانت تغيظني هذه القصص جداً، ولكن بالتفكير المنطقي في الموضوع، ما حدث هو نتيجة حتمية لمن يبني علاقاته على الحب فقط، لذلك المؤلفة لم تكن مخطئة جداً، فهذا يحدث أحيانا، وهي وصفت واقع موجود.. فلا يوجد ضمان لاستمرار الحب أبداً، القلوب متقلبة….

فاستأذنتها نغم في المقاطعة- بإشارة من يدها- قائلة:

– هذا يعني أنه لا يوجد ضمان أيضاً لاستمرار ذلك البطل وتلك البطلة  بعلاقتهما للأبد، كما توحي لنا المؤلفة في النهاية؟

فأومأت سلمى برأسها موافقة:

– كلامك صحيح، ومن يدري.. ربما يعود لصديقته السابقة بعدها.. كل شيء وارد، ولا يعني وقوف المؤلفة عند تلك النقطة أنها النهاية الواقعية فعلاً..

ورغم الارتياح الذي بدا على وجه نغم، لكنه اكفهر من جديد:

– ولكن هذا لا يُشعر بالأمان.. لا يشعر بالأمان أبداً..

فتابعت سلمى كلامها مطمئنة:

– طريق الأمان موجود دائماً لمن يرغب بعبوره، والحمد لله أننا في بيئة عربية اسلامية محافظة، لا تسمح بوجود مثل تلك العلاقات المؤلمة، ألَستِ سعيدة بأننا لا نمتلك مثل هذه الثقافة في مدارسنا؟

ورغم أن رنيم بدت سعيدة لسماع ذلك، كمن يسمع خبراً سعيداً للمرة الأولى، إلا أن نغم لم يبدُ عليها الارتياح كثيراً، إذ قالت بعد تردد:

– ولكن هذا لا ينطبق على المدارس فقط.. حتى نحن.. ربما بطريقة مختلفة، ولكن هذه المشاكل موجودة..

وسالت الدموع غزيرة على خدي نغم، دون أن تنبس ببنت شفة، فربتت سلمى على كتفيها بحنان:

– أتفهم تفاعلك مع القصص يا نغم، فهذا يحدث لي أحيانا.. ولكن أخبريني بصدق، هل هذا القصة تذكرك بشيء حدث حولك؟

وكأن ذلك السؤال كان الشرارة التي أشعلت الفتيل؛ إذ سرعان ما أجهشت نغم بالبكاء بحرارة، فيما حاولت سلمى تهدئتها:

– لا بأس عزيزتي، هذه هي الحياة، فيها دروس وعبر، ولها حكمة حتى ولو كان الحدث مؤلماً، ولكن ثقي بأن كل شيء سيكون بخير إذا أحسنا التعامل معه، وأنا استمع لك الآن، يمكنك إخباري بما تشائين..

أخذت نغم تلتقط أنفاسها بصعوبة، وهي تحاول تهدئة نفسها حتى قالت أخيراً:

– عندما كنت صغيرة، كنت ألعب دائما في منزل جيراننا، كانت جارتنا سيدة لطيفة جدا، وزوجها رجل رائع، كنتُ أحبهما كثيراً…

ولم تستطع نغم إكمال جملتها، إذ خنقتها العبرات، فيما أخفت رنيم وجهها بكفيها لتخفي دموعها المنهمرة هي الأخرى، وشعرت سلمى بأنها ستشاركهما حفلة البكاء تلك إن لم تتدارك الموقف بسرعة، فقالت:

– مهما حدث بين هذين الزوجين، فربما كان خيراً لهما، أنتِ لا تعرفينهما سوى من الظاهر..

لكن نغم قالت بصوت متهدج:

– كانا يحبان بعضهما كثيراً، جميعنا نعرف قصتهما، لقد أحب الرجل زوجته بشكل كبير، بل وقد كان مستعداً لخسارة الجميع من أجلها، لقد أحبها بصدق من أعماق قلبه، واصر على الزواج منها رغم اعتراض أمه، حتى زوجته لم تكن ستوافق على الزواج منه إلا بعد أن تأكدت من صدق حبه له، وإصراره على الارتباط بها رغم كل الظروف، لقد كانت قصتهما مضرب المثل للحب الصادق، ولكن في العام الماضي فقط، بعد أكثر من عشر سنوات على زواجهم.. لا أدري ما الذي حصل.. لقد كانت صدمة لنا جميعاً.. لقد رحلوا من المنزل فجأة، وسمعنا أن الرجل طلق زوجته ليرتبط بامرأة أخرى.. لم نتوقع أن تكون تلك هي النهاية!

   وأجهشت نغم بالبكاء مجدداً، حتى رنيم علا نحيبها هذه المرة، ودمعت عينا سلمى لمشهدهما، وهمّت بقول شيء؛ لكنها أمسكت لتترك المجال لنغم التي قالت بصوت باك:

– هذه أول مرة أتحدث فيها عن هذا الموضوع أمام أحد، حتى رنيم لم يسبق لي أن تحدثتُ معها في هذا الشأن منذ تلك الحادثة، رغم أنها جارتنا وتعرفهم جيداً، وأظنها تشعر مثلي أيضاً.. بل جميع الجيران.. كلنا نشعر هكذا ولا أحد يجرؤ على الكلام.. لقد تعبتُ يا آنسة من هذا الموضوع.. لماذا حدث هذا لهما.. لماذا.. إنهما شخصان رائعان.. ورغم كرهي للرجل في البداية، لكنني لا أنسى طيبته معي في صغري، والهدايا التي كان يتحفنا بها دائما.. لقد كان طيبا حقاً، ولا يمكنني تصديق ما حدث!!!!!!! كيف يمكننا تصديق أن رجل مثله قد تخلى عنها بعد أن وقفت إلى جانبه في أسوأ الظروف؟؟ لقد رضيت به رغم كل شيء، من أجل الحب الذي بينهما، وفي النهاية.. لا يمكنني أن أصدق ذلك أبداً.. كانت حالتها يرثى لها… لم أكن أريد تذكر هذا…

قالت جملتها الأخيرة بصعوبة، أما رنيم فقد كانت تحاول كتم أنفاسها الباكية، وهي تشهق بشدة، حتى تمكنت من التحدث، لعلها تزيح هي الأخرى ذلك الحمل الجاثم على قلبها دون أن تشعر:

– هذا صحيح يا آنسة، كل ما ذكرته نغم صحيح.. لم اتوقع أننا كتمنا كل هذا الألم في صدورنا طوال تلك المدة.. كنا نهرب من الواقع وحسب! هل تصدقي يا آنسة أن جارتنا تلك كانت تعطي دروساً عن الحب لكل الفتيات المقبلات على الزواج، بناء على طلبهن؟ لقد كانت مثلهن الأعلى في الحياة الزوجية السعيدة..

وتابعت نغم بألم:

– كيف لنا أن نشعر بالأمان بعد هذا كله يا آنسة؟؟ هل الحب مجرد كذبة خُدِعنا بها؟؟ ألا يوجد حب آمن في هذه الحياة!!

التقطت سلمى نفساً عميقاً وهي تحاول الحصول على إجابة شافية، لعلها تخفف بها عن هاتين الفتاتين هذا الألم الذي يصعب احتماله:

– هذا مؤلم جداً بلا شك، إنني أفهم هذا جيداً.. ولكن لا يوجد شيء بلا سبب، وإذا عرف السبب بطل العجب كما يقولون.. لنعد إلى بداية القصة، فرغم أنني لا أعرفهما، ولكن بحسب ما ذكرتِ يا نغم، أن أم الرجل لم تكن راضية على زواجه…

فأسرعت نغم تدافع عن الموقف قائلة:

– لم يكن الأمر كذلك بالضبط يا آنسة، فهو أعطى وعده للفتاة التي أحبها قبل أن يُخبر أمه، وكان مُصراً على الوفاء بوعده لها، وبالطبع عندما عرفت أمه بهذا؛ لم يكن أمامها سوى الرضى..

وتابعت رنيم الكلام موضحة:

 – الأم فقط لم تكن مقتنعة أن تلك الفتاة مناسبة لابنها، ولكنه أثبت لأمه أنه يحبها ولن يرضى بغيرها أبداً، ولم تحاول الأم أن تقف في طريق ابنها أمام إصراره.. صدقيني يا آنسة، ليست المسألة أن الأم لم تكن راضية، فقد تقبلتْ زوجة ابنها بعد ذلك وانتهت المشكلة، حتى أنها ماتت قبل أن تعرف ما الذي حدث مع ابنها وزوجته بوقت طويل.. ربما كانت ستُصدم هي الأخرى؛ لو عاشت لترى ذلك الطلاق بعد أكثر من عشر سنين على زواجهما!!  

هزت سلمى رأسها بتفهم، قبل أن تقول:

– الفكرة تكمن في طريقة تعاملنا مع الحب فقط، فالحب وحده لا يكفي.. إنه مثل النكهات الزكية التي تُضاف على الأطعمة، فهل يمكنكما إعداد وجبة حقيقية باستخدام النكهات فقط؟؟ أليست المكونات هي الأهم؟؟ أما إذا كانت المكونات صحيحة وكاملة، فعندها فقط ستضيف النكهات طعما ألذ واشهى للطبخ،أما الاعتماد على النكهات وحدها، في إعداد طعام جيد؛ فهذا أمر خاطيء لا يختلف عليه اثنان..

وكما ذكرتُ سابقاً، القلوب متقلبة، وما يحبه الانسان اليوم قد يكرهه غداً، والعكس صحيح، لذلك فالزواج الناجح لا يبنى على (الحب) وحده، لأن الحب متقلب ومتغير، وليست هذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها عن  قصص لأناس تزوجوا عن (حب) فقط، انتهت تجربتهم بالفشل الذريع.. لأنه لا يوجد اساس آخر لبناء حياتهم غير (الحب) وهو غير ثابت، فكيف يمكن لأشخاص أن يعلقوا حياتهم على أمر متقلب ثم يتوقعوا الاستمرار!! بينما لو كانت هناك ركائز أخرى غير (الحب) لكانت النتائج أفضل بكثير، (التفاهم، الاحترام، الكفاءة، الاهداف المشتركة، الخ) في هذه الحالة، حتى لو اختفى الحب أو تغير أو زاد أو نقص، لن تتأثر الحياة كثيرا وستستمر غالبا بإذن الله..

 ذلك الرجل، ورغم أنه رجل جيد كما تقولون، ونحن لا نريد ذكره بسوء، ولكنه أخطأ بلا شك في البداية، فقد تسرع عندما أعطى كلمته لفتاة بمجرد أن أحبها، دون أن يُلقي بالاً أمه، أو يهتم لسماع رأيها أولاً، وتلك الفتاة أيضاً اخطأت عندما وثقت به لمجرد حبه لها، دون أن تأخذ بعين الاعتبار أن شخصاً لم يقدر تضحية أمه من أجل الحب، سيسهل عليه عدم تقدير أي امرأة بعد ذلك مهما كانت؛ لو ظهر له حب جديد!

 عندما يفتر الحب- ولا بد للحب أن يفتر في بعض الفترات كما يزيد وينقص- ستظهر الحقائق واضحة، فإن لم تكن هناك ركائز قوية؛ انهار البنيان بطرفة عين!

صمتت سلمى قليلاً، فيما كانت نغم ورنيم تتابعان كلامها بانتباه، قبل أن تستأنف قائلة:

– والان لنضع مكان كلمة (الحب) كلمة (الحماسة) لعمل معين.. لو كانت الحماسة وحدها هي التي تدفعك لانتاج هذا العمل، فمن الصعب ضمان استمراره، لأن الحماسة متقلبة والنفوس تصاب بالملل.. ولكن لو كان هناك ركائز أخرى، فربما ساعدت على استمرار العمل بشكل أفضل

فلو كان لديك هدف كبير جدا لانتاج هذا العمل مثلاً، كمعالجة مشكلة كبيرة في المجتمع من أجل حياة افضل، أو ابتغاء رضى الله بهذا العمل والجزاء الاوفى منه في الاخرة، وما إلى ذلك، أمور كهذه تساعد على استمرار العمل حتى لو فقدتِ الحماسة، فبلا شك سيكون لديك دافع آخر لإكمال العمل..

ثم غزت نغم بعينها قائلة:

– وطبعا هذا العمل قد يكون تأليف قصة مثلاً..

فهتفت نغم بانفعال:

– هكذا إذن!! فهمتُ قصدك يا آنسة!!

وتابعت القول بحماسة:

– إذن سأبدأ بكتابة قصة هادفة تعالج مشكلة….

لكن سلمى استوقفتها قائلة:

– على مهلك يا نغم، عليك الوفاء بوعك أولاً وإكمال تلك القصة التي بدأتها..

فقالت رنيم بابتهاج:

– أجل.. قصة “ذات الوشاح الأزرق”، سيكون هذا رائعاً..

لكن التردد بدا واضحاً على وجه نغم، قبل أن تقول:

– ولكنها ليست قصة هادفة، إنها مجرد قصة عاطفية تشبه مانجا الشوجو..

فقرصت سلمى أذنها بدعابة قائلة:

– يمكنك إكمال القصة مع تعديل مسارها والإضافة عليها كما تريدين، فالمؤلف الحقيقي لا يعرف الاستسلام، أليس كذلك يا نغم؟

وكأن الفكرة راقت لنغم إذ سرعان ما أخرجت ورقة وقلما من حقيبتها، لتدون عليها شيئاًن  فيما تهلل وجه رنيم قائلة:

– لقد جاءتها فكرة على ما يبدو.. شكرا لك يا آنسة، أظن أن المشاكل كلها قد حُلت دفعة واحدة..

في تلك الأثناء، انتبهت سلمى لمرور المديرة التي حيتها، وهي في طريقها لعبور البوابة الخارجية:

– آنسة سلمى! أما زلتِ هنا؟ ستُغلق البوابة، ما الذي تفعله هاتين الفتاتين حتى الآن؟؟

فابتسمت سلمى مطمئنة:

– كانت هناك مشكلة في فهم بعض الدروس، وقد انتهينا الآن والحمد لله..

فضحكت المديرة:

– لا بد أنها دروس الحياة مرة أخرى.. حسناً إلى اللقاء، أراك غداً إن شاء الله، انتبهي لنفسك جيداً..

**
اقتربت رنيم ونغم من المطعم المتفق عليه، فتساءلت نغم بقلق:

– هل تعتقدين أن ديمة وروان سيكونان بانتظارنا هناك؟؟ كان يُفترض أن نلتقي عند بوابة المدرسة، لا أريد العودة قبل حل المشكلة مع ديمة!

فطمأنتها رنيم:

– ربما انتظرتا فعلاً، ولكننا تأخرنا أكثر من المعتاد، إنني واثقة من أن روان ستتصرف، ولن تدع ديمة تعود غاضبة للمنزل بعد ما حدث..

ثم ابتسمت متابعة:

– روان لن تفوت هذه الفرصة، فمن النادر أن يسمح لها والديها التأخر بعد المدرسة، وستقنع ديمة بتناول الغداء معها على الأقل!

وما أن دلفتا إلى المطعم،  وهما تقلبان ابصارهما في المكان، حتى أسرع نحوهما النادل قائلاً:

– هل تبحثان عن صديقتيكما؟ لقد قامتا بحجز طاولة في الطابق الثاني..

فابتسمت رنيم لنغم:

– ألم أقل لك.. روان ستتصرف..
وما أن صعدتا الدرج، حتى لوحت روان لهما بيدها منادية:

– نغم.. رنيم.. نحن هنا..

ثم التفتت إلى ديمة بابتسامة مرحة:

– ألم أقل لك، رنيم ستتصرف..

وبسرعة اتجهن تغم لديمة التي بدت مكفهرة الوجه قليلاً:

– ديمة حقا اعذريني، لقد أخطأتُ فعلاً وسأبذل جهدي للوفاء بوعدي هذه المرة..

فهتفت روان بفرح:

– الحمد لله وأخيراً..

وغمزت ديمة باسمة:

– هيا اعترفي.. جاء دورك..

فتنهدت ديمة وقد احمر وجهها، وهي تخرج كراسة من حقيبتها قائلة:

– حسناً وأنا أعتذر يا نغم، فقد تماديتُ في الكلام.. في الحقيقية لقد كنت متحمسة لقصة “ذات الوشاح الأزرق” كثيراً، حتى أنني جربت رسم شخصياتها بأسلوب المانجا، ولكن لا تضحكي على رسمي فلا زلتُ مبتدئة..

ولم تكد عينا نغم تقعان على الرسومات حتى عانقت ديمة بتأثر شديد:

– لا أعرف مذا أقول يا ديمة.. إنها أروع مفاجأة قد أتخيلها في حياتي.. حقا سامحيني.. أعدك أنني سأكون عند حسن ظنكم دائماً..

فيما هتفت رنيم قائلة:

– بسم الله ما شاء الله!! لم أكن أعلم أنك موهوبة يا ديمة!! أين كنتِ تخفين هذا كله طوال الوقت!! أم أن ينبوع الموهبة انفجر فجأة!!

فضحكت روان:

– الآن أصبح لدينا فريق مانجاكا متكامل، مؤلف ورسام واثنان من المساعدين..

فشاركتها رنيم الضحكة:

– أو اثنان من المشجعين، فلا أظننا نصلح للمساعدة بعد!!

فابتسمت ديمة بعد أن انقشعت الغمامة عنها:

– حسناً أيها الفريق المحترم دعونا نأكل قبل أن يبرد الطعام أكثر، بسم الله…

فيما قالت نغم بنبرتها الروائية المعروفة:

– وهكذا قررت ذات الوشاح الأزرق تناول الطعام مع رفيقاتها، قبل أن تكشف عن السر الخطير الذي بقي لأكثر من ثمانين عام طي الكتمان، في قبو القصر المهجور في جزيرة المرجان،….

**

انتهت..