كانت سوسن سارحة بتأملاتها في الطريق كالعادة عندما رن هاتفها باتصالٍ مفاجئ من الآنسة ناديا:
– سوسن أين أنت؟ ستحضر لجنة التقييم بعد ساعة!! فهل لوحاتك جاهزة؟؟
فوجئت سوسن بهذا الخبر فتساءلت بدهشة:
– ولكن موعدنا معهم بعد يومين.. أليس كذلك!
فجاءها صوت ناديا بنفاد صبر:
– لا يهمني مناقشة ما استجد في أمرهم الآن، ما يهمني هو أن تحضري بأقصى سرعة..
فطمأنتها سوسن:
– لا تقلقي يا آنسة فأنا بالطريق؛ دقائق وأكون عندك..
لم تكد سوسن تنهي الاتصال حتى رُوّعت بميلان حاد أفقدها توازنها لترتطم بالجانب الآخر من السيارة، إثر حادثٍ مروع في الطريق استطاع سائقها تفادي الاصطدام به في اللحظة الأخيرة.. لم يكن ارتطامها قاسيا، وإن كان مؤلما بعض الشيء، فعدّلت جلستها بسرعة قبل أن يوقف مرزوق السيارة على بعد عشرة أمتار من ذلك الحادث.. التفت إليها:
– هل أنت بخير؟
فطمأنته قائلة:
– أجل.. لماذا أوقفت السيارة!! فأمامي موعد مهم في المعهد!
غير أن مرزوق أجابها وهو ينزل من السيارة::
– سأتأكد من سلامة العجل أولا؛ فأظنه تعرض لبعض التلف ولا يمكنني المغامرة..
عندها عرفت سوسن لم نُظمت أشعارٌ على غرار: تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، ولم يكن خيار أمامها، فنزلت من السيارة هي الأخرى متجهة نحو مرزوق الذي أخذ يتفحص العجل، قائلة:
– أظن أن علي تدبر أمري، سأستقل سيارة أجرة فلا يمكنني التأخر أكثر..
غير أن مرزوق هب مذعورا:
– لا يمكنك ذلك.. سيغضب سيدي.. انتظري لحظة يا آنسة، سأتدبر الأمر بسرعة..فعودي إلى السيارة أرجوك..
فتنهدت سوسن:
– سأهاتف أيهم إذن..
وما أن رفعت ناظريها حتى فوجئت بعدد السيارات التي تجمعت حولها فيما هرع عدد من الشبان – وحتى الكهول – نحوها يعرضون المساعدة!
وكان أسرعهم شاب بدا من النوع المستهتر تماما، اقترب منها قائلا:
– سيارتي في الخدمة..
في حين تبعه ثانٍ:
– أين تريدين يا آنسة، فربما كان مقصدك في طريقي..
فيما تطوع آخر بتقديم المساعدة في إصلاح العجل، وهو يرد على الآخرين:
– لا مشكلة سيتم اصلاح العجل بسرعة فلدي خبرة في ذلك، هل أنت مستعجلة كثيرا يا آنسة!
واقترب رجل بدا في الأربعين من عمره:
– ما هذا الازدحام يا شباب لقد أزعجتم الآنسة..
والتفت نحوها باسما:
– يمكنك المجيء معي إن أردت!
غير أن رجلا آخر غامزه بقوله:
– إلى أين ستهرب بالغزال يا رجل!
شعرت سوسن بالغثيان، بل وبرغبة شديدة في التقيؤ أيضا..وهي تقف مصدومة بما تراه.. ليس لأنها المرة الأولى التي تطالعها بها العيون بهذا الشكل، بل لشيء آخر لم تستطع تفسيره، خاصة مع بساطة مظهرها في هذا اليوم تحديدا.. فرغم أنها كانت تعرف تماما مقدار الجمال الباهر الذي تتمتع به و مدى جاذبية طلتها وقوامها الممشوق الذي ما فتئ أيهم يثني على فتنته.. إلا أنها لم تتيقن من ذلك إلا هذه اللحظة بالذات، صحيح أن بعض نظرات الإعجاب كانت تزيدها ثقة في نفسها أحيانا، لكن أن تصل الأمور إلى هذا الحد، فهذا ما لا يعجبها إطلاقا!!
حتى راعها منظر شاب بدا وكأنه قد أنهى للتو محكوميته في سجون اعتى المجرمين خطورة، وهو يوقف سيارته لينزل منها محدقا فيها بنظرات أرعبتها:
– تأمرين بشيء؟
فاكتفت بابتسامة مقتضبة – حاولت أن تخفي خلفها خوفها – شاكرة الجميع بكلمة واحدة، وقد آثرت الانتظار داخل السيارة حتى تنصلح الأمور فلن يعيق وزنها سير عملية الإصلاح تلك.. تهاوت على مقعدها بعد أن أغلقت أمّان الباب، وتناولت هاتفها وقد تذكرت ما كانت تعزم القيام به، وبسرعة جاءها صوت أيهم:
– صباح الخير يا جميلتي، لقد ظننتك لاتزالين نائمة بناء على نصيحة الطبيب، ألم نطلب منك أخذ قسطا كافيا من الراحة!
فأجابته:
– لا بأس فقد شعرت بتحسن كبير..
وهمت بأن تقول له بأن بقاءه إلى جانبها ليلة أمس وتفهمه لها أثّر بشكل كبير في تحسن حالتها، غير أنها عدلت عن ذلك بقولها:
– لقد أخبرتني ناديا بأن لجنة التقييم ستحضر اليوم وعلي الحضور بسرعة.. غير أنني في ورطة الآن، فقد تعطل عجل السيارة..
فجاءها صوت أيهم بلهفة:
– وكيف حالك أنت؟ هل أصبت بأذى؟ هل أنت بخير يا حبيبتي؟
فردت عليه بنبرة تعبر عن سعادتها باهتمامه:
– لا تقلق فقد تفادينا الاصطدام بسيارتين قلبت إحداهما، و من حسن الحظ لم تكن هناك إصابات شديدة على ما يبدو.. ها هي سيارات الشرطة قد حضرت ..
فشهق أيهم:
– وأين أنت الآن!
فأجابته:
– كما قلت لك انتظر إصلاح عجل السيارة، قرب الميدان الرئيسي..
فجاءها صوته متنهدا:
– لو كان بإمكاني الحضور بسرعة لأتيت إليك، لكن للأسف سيأتي المخرج الآن للإشراف على إخراج اسطوانتي الجديدة..
فردت عليه سوسن بتفهم رغم أنها كانت تتمنى حضوره فورا:
– أقدر لك ذلك، لا مشكلة فأظن الأمور ستسير على ما يرام..
فقال لها برقة:
– إذن انتبهي لنفسك جيدا يا ملاكي فلا شك أن وقوف سيارتك أثار اهتمام العديدين..
كانت هذه الجملة بالذات هي ما تنتظره سوسن بفارغ الصبر..وبدأت نفسها تعبر عن مشاعرها باسترسال.. أنت تعرف ذلك يا أيهم إذن ولا يخفى عليك المأزق الذي أجد نفسي فيه الآن؛ فهل تدرك مدى خطورته علي!! ألن يأت اليوم الذي تقترح علي فيه حلا لهذه المشكلة تعبيرا عن اهتمامك بي وخوفك علي…! ألا ترغب بإبعادي عن هذه العيون المتوحشة ! ألا تسوؤك تلك النظرات الـ…!!…… ألا تغـــ….
لكن تساؤلاتها تلك تلاشت أدراج الرياح، لتبقى حبيسة في نفسها إلى أجل غير معلوم.. وقد تذكرت العهد الذي أخذته على نفسها هذا الصباح.. فلن تعكر مزاجها بالمزيد من هذه الأفكار ولن تتطرق لأي موضوع يفسد الود بينها وبين من تحب..
……
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم