الحب-وحده-لا-يكفي

الحب وحده لا يكفي !

عن القصة:

قصة مدرسية قصيرة، تتحدث عن فتيات مراهقات مولعات بمتابعة القصص الخيالية وقراءة المانجا، يواجهن مشكلة في مفاهيم الحب والحياة.. فكيف ستتصرف المعلمة سلمى؟

التصنيف: مدرسي، شريحة من الحياة

– نغم.. نغم.. ماذا أصابك ألا تسمعينني؟؟؟ إنه وقت الاستراحة، ألن تكملي لنا القصة؟؟ ديمة وروان في الساحة ينتظرونك أيضاً..

التفتت نغم نحو صديقتها المتحمسة بعينين زائغتين، وكأنها لا تفهم ما يجري حولها، فأعادت صديقتها كلامها بإلحاح شديد:

– نغم ماذا أصابك؟؟ لا تبدين بخير أبداً!!! هل كنت منتبهة في الدرس أصلا! لا أظنك لاحظتِ أن الحصة انتهت!! نغم.. أرجوك أجيبيني ولو بكلمة واحدة على الأقل!!

وبدل سماعها إجابة نغم؛ جاءهما صوت المعلمة المناوبة، وهي تصرخ بغضب أثناء مرورها بالطابق:

–  ما الذي تفعلانه هنا!! ممنوع البقاء في الفصول خلال فترة الاستراحة، هيا انزلا للساحة بسرعة.. كم مرة علينا إعادة الكلام نفسه!!! يا لكم من جيل مزعج عديم الفهم.. عديم الفائدة.. عديم النفع…

 وبالطبع لم تستمع الفتاتان لبقية كلامها، إذ كانتا قد اختفيتا عن أنظارها في طرفة عين!

وما أن وصلتا الساحة- بعد نزولهما جرياً على الدرج- حتى وجدتا نفسيهما محاطتان بديمة وروان، وعتابهما اللاذع:

– كأننا نشتم رائحة خيانة هنا!! هل كنتِ تكملين القصة لرنيم وحدها يا نغم!!

لكن رنيم سرعان ما دفعت الشبهة عن نفسها، وهي تلتقط أنفاسها اللاهثة:

– ليتني استفيد شيئاً من خاصية وجودي معها في الفصل نفسه!! أنتم تعرفون اتفاقنا، ونغم لا تحب إعادة القصة مرتين!!

فبادرتها ديمة بالسؤال:

– لماذا تأخرتما إذن؟!! فترة الاستراحة قصيرة بما يكفي..

فزفرت رنيم باستسلام:

– لا أدري ماذا أصابها اليوم، فهي لم تتكلم معي بكلمة واحدة!

عندها التفتت روان نحو نغم قائلة:

 – هيا يا نغم ألن تكملي لنا قصة “ذات الوشاح الأزرق”؟ … نغم.. ألا تسمعيننا؟؟

تبادلت الصديقات الثلاثة النظرات وهن يحدقن بنغم، التي بدت شاردة تماماً، فألحّت عليها روان بقولها:

– أخبرينا ماذا أصابك على الأقل؟؟ هل هناك شيء يزعجك هل تريدين الذهاب للعيادة؟؟

ولم تنتظر ديمة جوابها أكثر، إذ جذبتها من يدها، قائلة:

– سآخذك للعيادة بنفسي، وضعك غير طبيعي أبداً..

لكن نغم أفلتت يدها منها بقوة:

– ألا يمكنكن تركي وشأني!! مزاجي معكر جداً، ولا أريد إيذاء أحد بكلامي.. ولكنكن مزعجات حقا!

عندها انفرجت أسارير الصديقات الثلاثة، معبرين عن ارتياحهن الشديد لسماع ذلك، فقالت روان:

– الحمد لله على الأقل سمعنا صوتك!

وتبادلت ديمة مع رنيم نظرات ذات معنى، قبل أن تقول:

– هل حدث شيء لبطل المانجا التي تتابعينها؟ أنت لم تخبرينا باسمها حتى الآن!

وأمام صمت نغم مع الكآبة التي ظللت وجهها، تم التأكد من الإجابة، فقالت رنيم:

 – نحن نعرف أنك اخفيتِ عنا اسم المانجا التي تتابعينها؛ حتى لا يحرقها أحد عليك كما حدث سابقاً، ولكن ألن تخبرينا باسمها على الأقل بعد انهائها؟ صدقيني هذا سيخفف عنك العبء، سنتناقش بالقصة و…

فقاطعتها نغم بضيق:

– لم أنهيها بعد، ولا أريد إنهائها أبداً، ولا حتى تذكر اسمها.. إنها قصة بغيضة بمعنى الكلمة!! لقد كرهت مانجا الشوجو كلها بسببها!!

فتنهدت روان:

– يبدو أن الوضع أسوأ من المرة السابقة!! على الأقل، ما هو الحدث الذي أزعجك؟ أخبرينا عنه بشكل عام بدون ذكر أسماء…

لكن نغم أجابتها ببرود:

– قلتُ لكم أنني لا أريد تذكر أي شيء عن تلك المانجا، سأحاول أن أنساها..

 فقالت ديمة بنفاد صبر:

– في هذه الحالة لماذا لا تكملين لنا قصة “ذات الوشاح الأزرق”؟؟ ليس من العدل أن تتركينا في منتصف القصة هكذا، لقد وعدتِ بإكمالها.. لا تقولي أنكِ نسيت اتفاقنا بالأمس على تناول الغداء في المطعم بعد المدرسة حتى تكملي القصة، لقد تعبتُ في الحصول على موافقة أبي من أجل ذلك..

بدا على نغم علامات تأنيب الضميرأخيراً، لكنها قالت بأسف:
– حقا أعتذر عن ذلك، بالطبع لم أنسَ موضوع المطعم وقد أخذتُ موافقة أمي وأبي أيضاً، ولكنني لم أعد مهتمة بتلك القصة، ولا أفكر بإكمال تأليفها أبداً…

لم تكد نغم تكمل جملتها حتى انفجرت ديمة بغضب:

– هذه ليست أول مرة!! لن أصدقك بعد اليوم أبداً ايتها الـ…..

غير أن روان ورنيم حاولتا التدخل بسرعة، لتهدئة الأوضاع قبل أن تلتفت الأنظار إليهم، وإلا.. فكيف سيشرحون هذا الموقف الذي لا يفهمه أحد سواهم!!

ومن لطف الله بهم أن جرس المدرسة أعلن انتهاء فترة الاستراحة، فتنفست رنيم بارتياح وهي تمسك نغم من يدها:

– علينا الاصطفاف بالطوابير بسرعة قبل أن نثير غضب المعلمات، يكفينا التوبيخ السابق،  لذا عن إذنكما سنذهب إلى طابور فصلنا..

أما روان، فقد استدركت مخاطبة ديمة:

 – كأننا نسينا تناول شطائرنا اليوم!! أرجو أن نتمكن من التركيز في بقية الحصص..
فأجابتها ديمة وهي لا تزال تتميز غيظاً:

– كله بسبب تلك الـ…..

لكن صوت إحدى المعلمات المناوبات، أعادها إلى واقعها المرير:
– هيا إلى الطوابير بسرعة.. ستبدأ الحصة الرابعة خلال خمس دقائق..
وارتفع صوت المرشدة من خلال مكبرات الصوت:

– أنتن هناك.. التزمن الطابور بسرعة.. يا فتيات كل واحدة في طابورها.. نظــــام… كل طابور بدوره .. إياكن الخروج عن المسار.. هيا بسرعة.. إلى الفصول..

وساهمت فتيات الكشافة في تنظيم سير الطوابير في الممرات، وخلال صعود الأدراج، حتى امتلأت الفصول بطالباتها، لتدخل المعلمات إلى حصصهن، وتُستأنف الدراسة كالمعتاد..

  حاولت نغم التركيز جاهدة في درس الفيزياء، لكن دون جدوى، فتمنت لو أن المعلمة سلمى لا تلاحظها وتتجاهل وجودها، لهذا اليوم على الأقل، غير أن أمنيتها تحققت بشكل عكسي.. إذ لم يكد هذا الخاطر يتبادر إلى ذهنها حتى سمعت اسمها:

– هيا يا نغم تعالي إلى اللوح، وارسمي لنا العلاقة بين “الإجهاد” و”الانفعال” مع تحديد مناطق المرونة على المخطط البياني..

 لم يكن السؤال صعباً، فهذا مراجعة سريعة للدرس الماضي، غير أن نغم شعرت بالارتباك الشديد، وهي تحاول البحث عن عذر مناسب، لتُعفى من الإجابة، ولم يخفَ على المعلمة ملاحظة ذلك، لكنها أصرّت  قائلة:

– هيا يا نغم تعالى إلى هنا بسرعة..

ثم تابعت قائلة، وهي تخاطب الطالبات:

– كما استنتجنا من قانون هوك في الحصة الفائتة، كلما زاد الاجهاد على جسم مرن، زاد انفعاله بشكل طردي، وإذا نقص الإجهاد نقص هذا الإنفعال، وهذا صحيح طالما أننا ضمن حد المرونة، أما إذا تجاوزنا حد المرونة بزيادة الإجهاد على هذا الجسم، فلن يعود إلى وضعه الطبيعي أبداً وسيفقد مرونته، وإذا زاد الإجهاد أكثر فسنصل إلى..
وسكتت المعلمة قليلاً وهي تلتفت إلى نغم، لتفسح لها المجال بالإجابة، فأجابت أخيراً:

– سنصل حد الكسر..

فأومأت المعلمة برأسها موافقة:

– ممتاز، والآن مثّلي هذا على اللوح بيانياً..
وبالفعل استطاعت نغم إتمام الرسم البياني على أفضل وجه، فيما علّقت سلمى قائلة:

– وهذا لا ينطبق على الاشياء وحسب، بل على النفوس أيضاً.. وبالطبع لكل جسم ثابت مرونة يختلف عن الآخر، بحسب طبيعة الجسم، لذلك قلنا سابقاً احذرن الوصول إلى حد المرونة مع أي أحد، حتى مع أنفسكم.. فمعظم مشكلاتنا في الحياة اننا لم نفهم “قانون هوك” بشكل جيد، لذا نتفاجأ أحياناً بأن هناك من خسر علاقته مع شخص ما، بسبب كلمة بسيطة أو فعل لا يستحق الغضب، لكن في الحقيقة أن الشخص الآخر يكون قد وصل حد المرونة بالفعل، ولم يعد يحتمل المزيد، وكما قال المثل: إنها الشعرة التي قصمت ظهر البعير..

فرفعت رنيم يدها تستأذن بالمشاركة، قبل أن تضيف:

– أو كما يقولون في المثل الشعبي يا آنسة (مش على رمانة، على قلوب ورمانة)..
فضحكت الفتيات وابتسمت سلمى:

– أجسنتِ، بالضبط هذا ما يحدث، وكلما ابتعدنا عن حد المرونة أكثر، كلما كان هذا أفضل، لنضمن لأنفسنا مساحة كافية ضمن منطقة المرونة، وهذا يذكرنا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، “الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فمن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه”، فكأن حد الحرام هو حد المرونة، وكلما ابتعدنا عن هذا الحد، كلما ضمنا لأنفسنا السلامة أكثر.. لذا هل عرفتن أهمية فهم الفيزياء في حياتكن اليومية؟ أريدكن فتيات ناضجات ناجحات دائماً، لذا تذكروا هذا القانون دائماً، ولا تنسوا إخبار الجميع به..

لم تستطع فرح منع نفسها من التعليق قائلة:

– فهمنا يا آنسة، والله فهمنا.. الفيزياء جميلة، وسنجعل الجميع يحبون الفيزياء كما تريدين..

فأفلتت ضحكة صغيرة من سلمى، ضحكت على إثرها الفتيات، لكنها سرعان ما أمسكت زمام الموقف، قائلة:

– حسنا.. نعود إلى الدرس، افتحن الكتب على قسم المسائل في آخر الوحدة، ولنبدأ بحل السؤال الخامس، فهو تطبيق مباشر على القانون…
**
دق جرس المدرسة معلناً نهاية الدوام المدرسي، وخرجت نغم برفقة رنيم من الفصل وهي تشعر ببعض الندم:

– أظن أن ديمة لا تزال غاضبة جدا مني، أخشى أنها وصلت حد المرونة بالفعل!!

فطمأنته رنيم قائلة:

– لا عليكِ، ستحل المشكلة بسرعة إذا أخبرتينا بتكملة قصة “ذات الوشاح الأزرق”، عليكِ أن تفي بوعدك..

فتنهدت نغم بألم:

– المشكلة أنني لا أستطيع، أنتن لا تفهمن هذا! لا أعرف كيف أشرح أكثر!!

عندها لمعت عينا رنيم، فهتفت- كأرخميدس عندما “وجدها”- قائلة :

– لماذا لا تخبرين المعلمة سلمى عن هذا الموضوع؟؟ أنا متأكدة انها ستساعدك في تجاوز هذه الأزمة..

فحملقت فيها نغم بذهول:

– هل أنتِ جادة؟؟ وماذا أقول لها؟؟ شرح المشكلة بحد ذاته أكبر من المشكلة نفسها!

فطمأنتها رنيم:

– أظن أن المعلمة سلمى ستفهم هذا بسرعة، فقد سمعتُ أنها تكتب قصص أيضاً، كما أنها مثلنا تتابع الأنيمي..

شهقت نغم:

– أنتِ تمزحين!! من قال لك هذا؟

فغمزتها رنيم بابتسامة ذات مغزى:

– هذا سر!

لكن نغم جذبتها من يدها:

– هيا أخبريني، لا تكوني لئيمة..

فضحكت رنيم:

– هذا هو بالضبط شعورنا عندما ترفضين إكمال القصص، اشعري معنا قليلاً..

فتوسلت إليها نغم باستعطاف شديد:

– إنني آسفة حقا، فلا تستغلي ضعفي الآن.. ألستِ أنتِ من اقترح علي الذهاب للمعلمة..

 وقبل أن ترد عليها رنيم بكلمة؛ تفاجأت الفتاتان بالمعلمة سلمى تلقي عليهما السلام، قائلة:

– ألم تعودا إلى المنزل بعد؟

 ومع هول المفاجأة؛ تلجمت ألسنتهما تماماً، حتى أنهما ردّتا السلام بتلعثم واضح، مما أثار تعجب سلمى، فسألتهما باهتمام:

– هل هناك خطب ما؟

 وبدون مقدمات؛ قالت رنيم كمن خشي فوات الفرصة:

– في الحقيقة آنسة سلمى، نغم لديها موضوع ترغب باستشارتك فيه..

فالتفتت سلمى نحو نغم، التي ألجمتها الصدمة:

– حسناً يا نغم، هل تحبين التحدث في الموضوع الآن؟ يمكننا الجلوس في الساحة الخارجية، سيكون لدينا بعض الوقت قبل إغلاق المدرسة، فهل لا بأس بذلك؟

فأجابتها رنيم بحماسة:

– لا بأس بذلك طبعاً، فنحن سنمر على المطعم في طريق عودتنا، وأهلنا يتوقعون تأخرنا على أي حال، لذا لا بأس بذلك أبداً يا آنسة..

**
شعرت نغم بتوتر شديد، إذ لم تعرف كيف تبدأ الموضوع، لكن رنيم تشجعت وبادرت بنفسها قائلة:

– ساخبرك القصة من البداية يا آنسة سلمى بكل صراحة، فأنا ورنيم وديمة وروان اصدقاء طفولة، ونعرف بعضنا منذ الابتدائية، كنا نتشارك الاهتمامات نفسها، خاصة متابعة الرسوم المتحركة، وقد كانت نغم أحيانا تقوم بتغيير نهايات بعض القصص التي لا تعجبنا، ثم بدأت بتأليف قصص جديدة، وكنا دائما نحب الاستماع لها ونتابعها بشغف، لكن المشكلة أنها أحيانا تمل من إكمال القصص التي تبدأها، فلا تكملها لنا، ثم تفاجئنا بقصة جديدة، ولم نكن نشعر بالضيق في البداية، إذ سرعان ما كنا ننسجم مع القصة الجديدة، وهكذا.. لكن مؤخراً بدأ هذا الموضوع يزعج بعضنا، خاصة وأنها وعدتنا بإكمال آخر قصة..

وسكتت رنيم لتفسح المجال لنغم حتى تكمل الحديث، فقالت أخيراً:

– ربما تبدو لك المشكلة سخيفة يا ىنسة سلمى ولكنني حقا لا أستطيع إكمال القصص…

فقالت سلمى بنبرة جادة:

– أولاً هذه ليست مشكلة سخيفة أبداً، بل مشكلة حقيقية، وكبيرة جداً، فالوعد وعد مهما كان، وإخلاف الوعود ليس من شيم المؤمنين!

شعرت نغم بالحرج الشديد، وحاولت الدفاع عن نفسها، لكن سلمى تابعت كلامها قائلة:

– ثانيا ليس الموضوع أنك لا تستطيعين، بل الفكرة تكمن في أنك لا تريدين ذلك، وهناك فرق كبير بين الارادة والاستطاعة، لكننا كثيراً ما نخلط بينهما، لذا علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا، ونبحث في دواخلنا جيداً عن الأسباب التي أدت بنا إلى هذه الحال..

ثم استدركت قائلة:

– هل هذا هو الموضوع الذي كان سبب شرودك في الحصة اليوم؟

فاحمرت وجنتا نغم، قبل أن تجيب:

– ربما..

لكن رنيم حثتها على الكلام قائلة:

– هناك أمر آخر يزعجها يا آنسة، فقد كان مزاجها معكرٌ منذ الصباح، قبل حدوث المشكلة، وهو السبب وراء امتناعها عن إكمال القصة لنا هذا اليوم على الأغلب، أليس كذلك يا نغم؟

شعرت نغم برغبة عارمة في قرص رنيم حتى يتورم جلدها، لكنها حاولت ضبط نفسها، ولاحظت سلمى ذلك، فابتسمت قائلة:

– لا شيء يدعو للحرج عزيزتي، فحتى أنا احياناً يتعكر مزاجي لأسباب يراها الآخرون تافهة جداً، لذا يمكنك إخباري عن أي شيء بكل راحة.. هل أفترض مثلاً أن هناك قصة لم تعجبك نهايتها مثلاً؟ إذا كانت القصة معك فأعيريني إياها أو اخبريني باسمها وسأحاول قراءتها، لنتناقش فيها فيما بعد، فهذا أفضل.

وغمزتها قائلة:

– فأنا أحب قراءة القصص أيضاً..

وهكذا.. قررت نغم أن تزيح الحمل الثقيل الجاثم على صدرها، فتكلمت أخيراً:

– في الحقيقة يا آنسة هي ليست قصة بمعنى قصة، فهي مانجا.. يعني… يعني هي تشبه…. مممم..

فأومأت سلمى برأسها لتختصر عليها الشرح:

– أجل أعرف أعرف.. فأنا اقرأ المانجا ايضا،..

تهلل وجه نغم:

– حقاً يا آنسة؟؟

فابتسمت سلمى:

– أجل، يمكنك متابعة حديثك..

فقالت نغم:

– حسناً.. في الحقيقة هي مانجا شوجو.. أنت تعرفين تصنيف الشوجو يا آنسة صحيح؟

فهزت سلمى رأسها موافقة، فيما تابعت نغم كلامها بحماسة:

– قبل فترة أنهيت مانجا رائعة من هذا التصنيف وقد أعجبتني جداً، فبحثت عن مانجا أخرى للمؤلفة تفسها، ولكنني عندمابدأتُ قراءتها صدمتُ جدا بما حدث، لم أتوقع من المؤلفة أن تفعل هذا، لقد كرهتُ البطل جدا جدا، فرغم أنه طالب ذكي ومحترم، ولديه صديقة سابقة، لكنه يبدأ بالاهتمام ببطلة القصة، لم أحب الفكرة أبداً..
وبدا التأثر واضحاً على وجه نغم وهي تتابع:

– يُفترض من القصة أن تجعلنا نتحمس لاعتراف البطل لهذه البطلة، بل إنه سيترك صديقته من أجلها…

لكن نغم بترت كلممتها فجأة، وقد انتبهت أنها تحدث معلمة! فاستدركت قائلة:

– طبعاً يا آنسة أنتِ تعرفين أن هذه القصة تعكس بيئة غير عربية، لذلك هذا الوضع مقبول لديهم، يعني هذا ليس قلة أدب عندهم، أو تصرف سيء.. حتى الأهل عندهم لا يمانعون في ذلك… ما أقصده هو أنها تعكس ثقافة مختلفة.. أقصد فكرة الاعتراف وأن تكون هناك صديقة مقربة أو صديق مقرب.. مممم.. يعني يمكنك القول أن هذا يشبه الخطبة عندنا..

فضحكت سلمى قائلة:

– أعرف أعرف، يعني مثل خطبة ران وسينشي في المحقق كونان.. لا تقلقي لن آخذ عنك فكرة سيئة أبداً..

فابتسمت نغم، وضحكت رنيم:

– ألم أقل لك أن المعلمة سلمى ستتفهم..

لكنها أغلقت فمها بسرعة من شدة الحرج، فيما تابعت نغم كلامها، بعد أن دخلت في جو التأثر من جديد:

– المشكلة يا آنسة أن صديقة البطل السابقة تعتبر شخصية ثانوية، لذلك تم تجاهلها في المانجا، رغم أنه بحسب ذكريات البطل فهو أول من اعترف لها، ورغم ترددها في البداية، ومحاوله اقناعها له بأنها مثل أخته فقط؛ إلا أنه أخبرها بأنه يحبها حقا ولن يتخلى عنها أبداً، حتى وثقت به!!

وترقرقت عينا نغم بالدموع، وهي تتابع:

– لم أستطع احتمال ذلك!! لماذا تريد المؤلفة اقناعنا بأن تصرفه صحيح؟؟؟ لماذا سمحت له بأن يحب بطلة القصة؟؟ هل لأنها بطلة القصة فقط!! حتى بطلة القصة كانت مقيتة جدا! فقد ظلت تلاحق البطل وهي تعلم أن لديه صديقة، بحجة أنها لا تريد تجاهل مشاعرها!! هذا مؤلم جدا! والأشد إيلاما من هذا كله، وحتى تريح المؤلفة ضمير البطل؛ جعلت صديقته السابقة تتفهم الأمر، بل وكأنها ترحب في الانفصال!! بالطبع هذا غير مقنع ولكنه ما تريده المؤلفة فقط..

وصمتت قليلاً قبل أن تتابع، فيما كانت سلمى تستمع لها باهتمام:

– هل تصدقي يا آنسة.. أنها أول مرة أقوم فيها بالقفز إلى الفصل الأخير وحرق القصة على نفسي! لم أحتمل الذي حدث وكنتُ أرجو أن يعود لصديقته السابقة، رغم أن رسوم الغلاف واضحة، ومع ذلك.. قفزت للفصل الأخير حتى أتاكد بنفسي!! وللأسف كان البطل والبطلة معا في نهاية سعيدة كما تريدها المؤلفة، ولكنها ليست كذلك ابداً.. فلم يعد لتلك الصديقة السابقة وجود أبدا، فقط لأنها شخصية ثانويةً!! لقد تمت خيانتها تماماً.. لم يكن ليحدث هذا لو أن تلك الصديقة السابقة هي البطلة الاساسية للقصة.. هذا فظيع جدا..

وصمتت نغم بشرود، حتى سألتها سلمى:

– أهذا كل شيء؟

فرفعت نغم عينيها لتواجه عينا معلمتها الثاقبتين:

– آسفة لقد أزعجتك بما يكفي يا آنسة وأنا أعيد وأزيد في الكلام نفسه، ولكنني متألمة جدا من تلك الفكرة، ولا أستطيع تجاهلها! لقد عكرت مزاجي تماماً، فهذا لا يُشعِر بالأمان أبداً..

فطمأنتها سلمى بابتسامة ودودة:

– أتفهم شعورك نغم، ومعك الحق في هذا، حتى أنا كانت تغيظني هذه القصص جداً، ولكن بالتفكير المنطقي في الموضوع، ما حدث هو نتيجة حتمية لمن يبني علاقاته على الحب فقط، لذلك المؤلفة لم تكن مخطئة جداً، فهذا يحدث أحيانا، وهي وصفت واقع موجود.. فلا يوجد ضمان لاستمرار الحب أبداً، القلوب متقلبة….

فاستأذنتها نغم في المقاطعة- بإشارة من يدها- قائلة:

– هذا يعني أنه لا يوجد ضمان أيضاً لاستمرار ذلك البطل وتلك البطلة  بعلاقتهما للأبد، كما توحي لنا المؤلفة في النهاية؟

فأومأت سلمى برأسها موافقة:

– كلامك صحيح، ومن يدري.. ربما يعود لصديقته السابقة بعدها.. كل شيء وارد، ولا يعني وقوف المؤلفة عند تلك النقطة أنها النهاية الواقعية فعلاً..

ورغم الارتياح الذي بدا على وجه نغم، لكنه اكفهر من جديد:

– ولكن هذا لا يُشعر بالأمان.. لا يشعر بالأمان أبداً..

فتابعت سلمى كلامها مطمئنة:

– طريق الأمان موجود دائماً لمن يرغب بعبوره، والحمد لله أننا في بيئة عربية اسلامية محافظة، لا تسمح بوجود مثل تلك العلاقات المؤلمة، ألَستِ سعيدة بأننا لا نمتلك مثل هذه الثقافة في مدارسنا؟

ورغم أن رنيم بدت سعيدة لسماع ذلك، كمن يسمع خبراً سعيداً للمرة الأولى، إلا أن نغم لم يبدُ عليها الارتياح كثيراً، إذ قالت بعد تردد:

– ولكن هذا لا ينطبق على المدارس فقط.. حتى نحن.. ربما بطريقة مختلفة، ولكن هذه المشاكل موجودة..

وسالت الدموع غزيرة على خدي نغم، دون أن تنبس ببنت شفة، فربتت سلمى على كتفيها بحنان:

– أتفهم تفاعلك مع القصص يا نغم، فهذا يحدث لي أحيانا.. ولكن أخبريني بصدق، هل هذا القصة تذكرك بشيء حدث حولك؟

وكأن ذلك السؤال كان الشرارة التي أشعلت الفتيل؛ إذ سرعان ما أجهشت نغم بالبكاء بحرارة، فيما حاولت سلمى تهدئتها:

– لا بأس عزيزتي، هذه هي الحياة، فيها دروس وعبر، ولها حكمة حتى ولو كان الحدث مؤلماً، ولكن ثقي بأن كل شيء سيكون بخير إذا أحسنا التعامل معه، وأنا استمع لك الآن، يمكنك إخباري بما تشائين..

أخذت نغم تلتقط أنفاسها بصعوبة، وهي تحاول تهدئة نفسها حتى قالت أخيراً:

– عندما كنت صغيرة، كنت ألعب دائما في منزل جيراننا، كانت جارتنا سيدة لطيفة جدا، وزوجها رجل رائع، كنتُ أحبهما كثيراً…

ولم تستطع نغم إكمال جملتها، إذ خنقتها العبرات، فيما أخفت رنيم وجهها بكفيها لتخفي دموعها المنهمرة هي الأخرى، وشعرت سلمى بأنها ستشاركهما حفلة البكاء تلك إن لم تتدارك الموقف بسرعة، فقالت:

– مهما حدث بين هذين الزوجين، فربما كان خيراً لهما، أنتِ لا تعرفينهما سوى من الظاهر..

لكن نغم قالت بصوت متهدج:

– كانا يحبان بعضهما كثيراً، جميعنا نعرف قصتهما، لقد أحب الرجل زوجته بشكل كبير، بل وقد كان مستعداً لخسارة الجميع من أجلها، لقد أحبها بصدق من أعماق قلبه، واصر على الزواج منها رغم اعتراض أمه، حتى زوجته لم تكن ستوافق على الزواج منه إلا بعد أن تأكدت من صدق حبه له، وإصراره على الارتباط بها رغم كل الظروف، لقد كانت قصتهما مضرب المثل للحب الصادق، ولكن في العام الماضي فقط، بعد أكثر من عشر سنوات على زواجهم.. لا أدري ما الذي حصل.. لقد كانت صدمة لنا جميعاً.. لقد رحلوا من المنزل فجأة، وسمعنا أن الرجل طلق زوجته ليرتبط بامرأة أخرى.. لم نتوقع أن تكون تلك هي النهاية!

   وأجهشت نغم بالبكاء مجدداً، حتى رنيم علا نحيبها هذه المرة، ودمعت عينا سلمى لمشهدهما، وهمّت بقول شيء؛ لكنها أمسكت لتترك المجال لنغم التي قالت بصوت باك:

– هذه أول مرة أتحدث فيها عن هذا الموضوع أمام أحد، حتى رنيم لم يسبق لي أن تحدثتُ معها في هذا الشأن منذ تلك الحادثة، رغم أنها جارتنا وتعرفهم جيداً، وأظنها تشعر مثلي أيضاً.. بل جميع الجيران.. كلنا نشعر هكذا ولا أحد يجرؤ على الكلام.. لقد تعبتُ يا آنسة من هذا الموضوع.. لماذا حدث هذا لهما.. لماذا.. إنهما شخصان رائعان.. ورغم كرهي للرجل في البداية، لكنني لا أنسى طيبته معي في صغري، والهدايا التي كان يتحفنا بها دائما.. لقد كان طيبا حقاً، ولا يمكنني تصديق ما حدث!!!!!!! كيف يمكننا تصديق أن رجل مثله قد تخلى عنها بعد أن وقفت إلى جانبه في أسوأ الظروف؟؟ لقد رضيت به رغم كل شيء، من أجل الحب الذي بينهما، وفي النهاية.. لا يمكنني أن أصدق ذلك أبداً.. كانت حالتها يرثى لها… لم أكن أريد تذكر هذا…

قالت جملتها الأخيرة بصعوبة، أما رنيم فقد كانت تحاول كتم أنفاسها الباكية، وهي تشهق بشدة، حتى تمكنت من التحدث، لعلها تزيح هي الأخرى ذلك الحمل الجاثم على قلبها دون أن تشعر:

– هذا صحيح يا آنسة، كل ما ذكرته نغم صحيح.. لم اتوقع أننا كتمنا كل هذا الألم في صدورنا طوال تلك المدة.. كنا نهرب من الواقع وحسب! هل تصدقي يا آنسة أن جارتنا تلك كانت تعطي دروساً عن الحب لكل الفتيات المقبلات على الزواج، بناء على طلبهن؟ لقد كانت مثلهن الأعلى في الحياة الزوجية السعيدة..

وتابعت نغم بألم:

– كيف لنا أن نشعر بالأمان بعد هذا كله يا آنسة؟؟ هل الحب مجرد كذبة خُدِعنا بها؟؟ ألا يوجد حب آمن في هذه الحياة!!

التقطت سلمى نفساً عميقاً وهي تحاول الحصول على إجابة شافية، لعلها تخفف بها عن هاتين الفتاتين هذا الألم الذي يصعب احتماله:

– هذا مؤلم جداً بلا شك، إنني أفهم هذا جيداً.. ولكن لا يوجد شيء بلا سبب، وإذا عرف السبب بطل العجب كما يقولون.. لنعد إلى بداية القصة، فرغم أنني لا أعرفهما، ولكن بحسب ما ذكرتِ يا نغم، أن أم الرجل لم تكن راضية على زواجه…

فأسرعت نغم تدافع عن الموقف قائلة:

– لم يكن الأمر كذلك بالضبط يا آنسة، فهو أعطى وعده للفتاة التي أحبها قبل أن يُخبر أمه، وكان مُصراً على الوفاء بوعده لها، وبالطبع عندما عرفت أمه بهذا؛ لم يكن أمامها سوى الرضى..

وتابعت رنيم الكلام موضحة:

 – الأم فقط لم تكن مقتنعة أن تلك الفتاة مناسبة لابنها، ولكنه أثبت لأمه أنه يحبها ولن يرضى بغيرها أبداً، ولم تحاول الأم أن تقف في طريق ابنها أمام إصراره.. صدقيني يا آنسة، ليست المسألة أن الأم لم تكن راضية، فقد تقبلتْ زوجة ابنها بعد ذلك وانتهت المشكلة، حتى أنها ماتت قبل أن تعرف ما الذي حدث مع ابنها وزوجته بوقت طويل.. ربما كانت ستُصدم هي الأخرى؛ لو عاشت لترى ذلك الطلاق بعد أكثر من عشر سنين على زواجهما!!  

هزت سلمى رأسها بتفهم، قبل أن تقول:

– الفكرة تكمن في طريقة تعاملنا مع الحب فقط، فالحب وحده لا يكفي.. إنه مثل النكهات الزكية التي تُضاف على الأطعمة، فهل يمكنكما إعداد وجبة حقيقية باستخدام النكهات فقط؟؟ أليست المكونات هي الأهم؟؟ أما إذا كانت المكونات صحيحة وكاملة، فعندها فقط ستضيف النكهات طعما ألذ واشهى للطبخ،أما الاعتماد على النكهات وحدها، في إعداد طعام جيد؛ فهذا أمر خاطيء لا يختلف عليه اثنان..

وكما ذكرتُ سابقاً، القلوب متقلبة، وما يحبه الانسان اليوم قد يكرهه غداً، والعكس صحيح، لذلك فالزواج الناجح لا يبنى على (الحب) وحده، لأن الحب متقلب ومتغير، وليست هذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها عن  قصص لأناس تزوجوا عن (حب) فقط، انتهت تجربتهم بالفشل الذريع.. لأنه لا يوجد اساس آخر لبناء حياتهم غير (الحب) وهو غير ثابت، فكيف يمكن لأشخاص أن يعلقوا حياتهم على أمر متقلب ثم يتوقعوا الاستمرار!! بينما لو كانت هناك ركائز أخرى غير (الحب) لكانت النتائج أفضل بكثير، (التفاهم، الاحترام، الكفاءة، الاهداف المشتركة، الخ) في هذه الحالة، حتى لو اختفى الحب أو تغير أو زاد أو نقص، لن تتأثر الحياة كثيرا وستستمر غالبا بإذن الله..

 ذلك الرجل، ورغم أنه رجل جيد كما تقولون، ونحن لا نريد ذكره بسوء، ولكنه أخطأ بلا شك في البداية، فقد تسرع عندما أعطى كلمته لفتاة بمجرد أن أحبها، دون أن يُلقي بالاً أمه، أو يهتم لسماع رأيها أولاً، وتلك الفتاة أيضاً اخطأت عندما وثقت به لمجرد حبه لها، دون أن تأخذ بعين الاعتبار أن شخصاً لم يقدر تضحية أمه من أجل الحب، سيسهل عليه عدم تقدير أي امرأة بعد ذلك مهما كانت؛ لو ظهر له حب جديد!

 عندما يفتر الحب- ولا بد للحب أن يفتر في بعض الفترات كما يزيد وينقص- ستظهر الحقائق واضحة، فإن لم تكن هناك ركائز قوية؛ انهار البنيان بطرفة عين!

صمتت سلمى قليلاً، فيما كانت نغم ورنيم تتابعان كلامها بانتباه، قبل أن تستأنف قائلة:

– والان لنضع مكان كلمة (الحب) كلمة (الحماسة) لعمل معين.. لو كانت الحماسة وحدها هي التي تدفعك لانتاج هذا العمل، فمن الصعب ضمان استمراره، لأن الحماسة متقلبة والنفوس تصاب بالملل.. ولكن لو كان هناك ركائز أخرى، فربما ساعدت على استمرار العمل بشكل أفضل

فلو كان لديك هدف كبير جدا لانتاج هذا العمل مثلاً، كمعالجة مشكلة كبيرة في المجتمع من أجل حياة افضل، أو ابتغاء رضى الله بهذا العمل والجزاء الاوفى منه في الاخرة، وما إلى ذلك، أمور كهذه تساعد على استمرار العمل حتى لو فقدتِ الحماسة، فبلا شك سيكون لديك دافع آخر لإكمال العمل..

ثم غزت نغم بعينها قائلة:

– وطبعا هذا العمل قد يكون تأليف قصة مثلاً..

فهتفت نغم بانفعال:

– هكذا إذن!! فهمتُ قصدك يا آنسة!!

وتابعت القول بحماسة:

– إذن سأبدأ بكتابة قصة هادفة تعالج مشكلة….

لكن سلمى استوقفتها قائلة:

– على مهلك يا نغم، عليك الوفاء بوعك أولاً وإكمال تلك القصة التي بدأتها..

فقالت رنيم بابتهاج:

– أجل.. قصة “ذات الوشاح الأزرق”، سيكون هذا رائعاً..

لكن التردد بدا واضحاً على وجه نغم، قبل أن تقول:

– ولكنها ليست قصة هادفة، إنها مجرد قصة عاطفية تشبه مانجا الشوجو..

فقرصت سلمى أذنها بدعابة قائلة:

– يمكنك إكمال القصة مع تعديل مسارها والإضافة عليها كما تريدين، فالمؤلف الحقيقي لا يعرف الاستسلام، أليس كذلك يا نغم؟

وكأن الفكرة راقت لنغم إذ سرعان ما أخرجت ورقة وقلما من حقيبتها، لتدون عليها شيئاًن  فيما تهلل وجه رنيم قائلة:

– لقد جاءتها فكرة على ما يبدو.. شكرا لك يا آنسة، أظن أن المشاكل كلها قد حُلت دفعة واحدة..

في تلك الأثناء، انتبهت سلمى لمرور المديرة التي حيتها، وهي في طريقها لعبور البوابة الخارجية:

– آنسة سلمى! أما زلتِ هنا؟ ستُغلق البوابة، ما الذي تفعله هاتين الفتاتين حتى الآن؟؟

فابتسمت سلمى مطمئنة:

– كانت هناك مشكلة في فهم بعض الدروس، وقد انتهينا الآن والحمد لله..

فضحكت المديرة:

– لا بد أنها دروس الحياة مرة أخرى.. حسناً إلى اللقاء، أراك غداً إن شاء الله، انتبهي لنفسك جيداً..

**
اقتربت رنيم ونغم من المطعم المتفق عليه، فتساءلت نغم بقلق:

– هل تعتقدين أن ديمة وروان سيكونان بانتظارنا هناك؟؟ كان يُفترض أن نلتقي عند بوابة المدرسة، لا أريد العودة قبل حل المشكلة مع ديمة!

فطمأنتها رنيم:

– ربما انتظرتا فعلاً، ولكننا تأخرنا أكثر من المعتاد، إنني واثقة من أن روان ستتصرف، ولن تدع ديمة تعود غاضبة للمنزل بعد ما حدث..

ثم ابتسمت متابعة:

– روان لن تفوت هذه الفرصة، فمن النادر أن يسمح لها والديها التأخر بعد المدرسة، وستقنع ديمة بتناول الغداء معها على الأقل!

وما أن دلفتا إلى المطعم،  وهما تقلبان ابصارهما في المكان، حتى أسرع نحوهما النادل قائلاً:

– هل تبحثان عن صديقتيكما؟ لقد قامتا بحجز طاولة في الطابق الثاني..

فابتسمت رنيم لنغم:

– ألم أقل لك.. روان ستتصرف..
وما أن صعدتا الدرج، حتى لوحت روان لهما بيدها منادية:

– نغم.. رنيم.. نحن هنا..

ثم التفتت إلى ديمة بابتسامة مرحة:

– ألم أقل لك، رنيم ستتصرف..

وبسرعة اتجهن تغم لديمة التي بدت مكفهرة الوجه قليلاً:

– ديمة حقا اعذريني، لقد أخطأتُ فعلاً وسأبذل جهدي للوفاء بوعدي هذه المرة..

فهتفت روان بفرح:

– الحمد لله وأخيراً..

وغمزت ديمة باسمة:

– هيا اعترفي.. جاء دورك..

فتنهدت ديمة وقد احمر وجهها، وهي تخرج كراسة من حقيبتها قائلة:

– حسناً وأنا أعتذر يا نغم، فقد تماديتُ في الكلام.. في الحقيقية لقد كنت متحمسة لقصة “ذات الوشاح الأزرق” كثيراً، حتى أنني جربت رسم شخصياتها بأسلوب المانجا، ولكن لا تضحكي على رسمي فلا زلتُ مبتدئة..

ولم تكد عينا نغم تقعان على الرسومات حتى عانقت ديمة بتأثر شديد:

– لا أعرف مذا أقول يا ديمة.. إنها أروع مفاجأة قد أتخيلها في حياتي.. حقا سامحيني.. أعدك أنني سأكون عند حسن ظنكم دائماً..

فيما هتفت رنيم قائلة:

– بسم الله ما شاء الله!! لم أكن أعلم أنك موهوبة يا ديمة!! أين كنتِ تخفين هذا كله طوال الوقت!! أم أن ينبوع الموهبة انفجر فجأة!!

فضحكت روان:

– الآن أصبح لدينا فريق مانجاكا متكامل، مؤلف ورسام واثنان من المساعدين..

فشاركتها رنيم الضحكة:

– أو اثنان من المشجعين، فلا أظننا نصلح للمساعدة بعد!!

فابتسمت ديمة بعد أن انقشعت الغمامة عنها:

– حسناً أيها الفريق المحترم دعونا نأكل قبل أن يبرد الطعام أكثر، بسم الله…

فيما قالت نغم بنبرتها الروائية المعروفة:

– وهكذا قررت ذات الوشاح الأزرق تناول الطعام مع رفيقاتها، قبل أن تكشف عن السر الخطير الذي بقي لأكثر من ثمانين عام طي الكتمان، في قبو القصر المهجور في جزيرة المرجان،….

**

انتهت..

قوس-جديد

قوس جديد !

عن القصة:

فتى وفتاة شكّلا فريقا لصناعة قصة مرسومة (مانجا) منذ الصغر، غير أن المستقبل لم يكن بالحسبان..

التصنيف: رومانسي، دراما، شريحة من الحياة

     قضت زهرة- ذات التسعة عشر ربيعا- ذلك اليوم بأكمله في منزل أختها الكبرى (نورة)، لتساعدها في استقبال ضيوفها القادمين من الخارج! وبينما كانت منهمكة تماما في غسل الأواني بعد وجبة العشاء، في حين كانت السيدات يتجاذبن أطراف الحديث في الصالة؛ دخلت عليها فاتن- التي تصغرها بثلاث سنوات- وحيتها بلكنتها الأعجمية المميزة، قبل أن تطرح عليها سؤالها المباغت:

– أنت تعرفين زاهر منذ الطفولة، فهل أنتما مقربين لبعضكما البعض كثيرا؟

 ارتجفت يدا زهرة من هول الصدمة، إذ لم تكن مستعدة لمفاجأة كهذه، حتى كاد الصحن أن ينزلق من بين يديها، فيما خفق قلبها بشدة، لتعود بها الذكريات لأكثر من عقد إلى الوراء!!

كانت في السابعة عندما التقت زاهر- الذي يكبرها بعامين فقط- لأول مرة، في حفل زواج شقيقتها الكبرى نورة من شقيقه الأكبر سامر! ورغم أنهما التقيا كثيرا بعد ذلك، خاصة في المناسبات الاجتماعية التي جمعت العائلتين، والتي اكتشفا خلالها الكثير من القواسم المشتركة بينهما، بداية من الاسم وانتهاء بالأفكار المشتركة؛ إلا أنها لا تزال تذكر جيدا ذلك اليوم الذي وطد علاقتهما أكثر، ليصبغها بصبغة خاصة، ضربت جذورها عميقا في نفسيهما معاً!

حدث ذلك بعد مرور عام من لقائهما الأول، عندما وضعت أختها أول حفيد لكلا العائلتين!

لم تستطع زهرة تمالك نفسها، وهي تتأمل ذلك المخلوق الصغير حديث الولادة، الملفوف بقطعة قماش مزركشة، في حضن والدته المستندة على سريرها في غرفة المستشفى! فأخذت تتحسس اصابعه الصغيرة وتهتف بحماسة:

– أصابع صغيرة جدا!! ما شاء الله ما الطفها!! أرجوك أختي.. دعيني أحمله! أرجوك.. أرجوك..

غير أن أمها نهرتها بلطف، وهي تحاول تهدئتها:

– زهرة كوني عاقلة، من الخطر حمل الأطفال في هذا السن!

وقبل أن تعبر زهرة عن اعتراضها؛ طرق باب الغرفة، فعلقت نورة:

– لا شك أنها خالتي أم سامر..
فهرعت زهرة لفتح الباب، لتجد زاهر واقفاً إلى جانب أمه والفضول يلتمع في عينيه، فبادرته بانفعال شديد:

– إنه صغير جدا، مثل الدمية تماما، ولكن من غير المسموح حمله!

فيما نهضت أمها للترحيب بوالدة سامر، التي القت التحية ببشر واضح، وهي تضع باقة زهور كبيرة مبهجة على الطاولة:

– الحمد لله على السلامة..

قبل أن تستدرك قائلة:

– أبو سامر خارج الغرفة الآن، أين سامر وأبو هيثم؟

فأجابتها أم هيثم- والدة نورة وزهرة- وهي تحكم وضع حجابها على رأسها:

– سامحكم الله، لماذا هذه الرسميات، دعيه يدخل، فنحن عائلة وهذه ابنته وحفيده..

واستطردت موضحة:

– سامر ذهب لإحضار بعض الحاجيات ولن يتأخر، أما أبو هيثم فقد جاءه اتصال هام من العمل، وخرج قبل قليل!

وبينما كان الكبار يتحدثون؛ انشغل زاهر وزهرة بتأمل الصغير عن قرب، وكأنهم يتفحصونه تحت المجهر، وهم يطرحون عشرات الأسئلة على نورة، التي كانت تحاول مجاملتهم بابتسامتها المتفهمة بين الحين والآخر!

قال زاهر بأمل:

– ما رأيكم أن تسمونه زاهر؟ فهو يشبهني، وأنا عمه..

لكن زهرة لكزته وهي تهمس بلسان امرأة ناضجة:

– هذا عيب، سيكون اسمه على اسم جده مراد طبعا، ألا تعرف العادات والتقاليد! ثم إنني خالته أيضا!!

فضحك أبو سامر وهو يستمع لهذه الملاحظة الصادرة عن طفلة لم تتجاوز الثامنة، قبل أن يعلق باسما:

– أنا اسقط حقي في ذلك، ولوالديه حرية اختيار اسم مناسب له..

فقالت نورة بنبرة ودودة:

– لقد اتفقنا على ذلك فعلاً أنا وسامر يا عمي، وأنت الخير والبركة، ثم إن “مراد” اسم جميل..

وأردفت امها مؤكدة:

– عسى الله أن يحقق مراده، ويجعله قرة عين لنا جميعا في الدنيا والآخرة..
وأمّن الجميع على دعائها، قبل أن يرن هاتفها، فنظرت إلى الشاشة قبل أن ترد باسمة:

– إنه هيثم، لقد انتهت محاضرته على ما يبدو..

وخلال حديث أم هيثم مع ابنها؛ عاد سامر وهو يحمل بيده عدد من الأكياس، فقبّل يدا والديه، وتبادل مع الجميع الأحاديث المرحة، قبل أن تستدرك أمه وقد تذكرت شيئا:

– ألم يحن موعد النادي يا زاهر؟؟

غير أن زاهر بدى مشغولا جدا بدراسة الوليد الجديد، فأجابها بعفوية:

– يمكنني التغيب اليوم..

فتدخل سامر قائلاً:

– أليس اليوم هو موعد البطولة! ألم تكن ترفض الذهاب إلى أي مكان خلال تدريبات التايكواندو العادية، وتقول بأنها مرتين في الاسبوع فقط! فهل ستتغيب عنها بسهولة الآن؟؟

وأضافت زهرة بجدية، فيما كان زاهر يحدق بالطفل:

– لا تخف يا زاهر، فالصغير لن يطير!

ورغم ضحكات الكبار لتعليقها ذاك؛ إلا أن عينا زاهر التمعت فجأة، فالتف إليها بنظرات ذات معنى:

– ما رأيك أن تأتي معي أيضا؟ هناك الكثير من الفتيات في النادي، ولطالما أردتِ أن تشاهدي تدريباتنا هناك!

غير أن زهرة اعترضت بسرعة:

– ليس اليوم، ربما في وقت آخر..

فغمزها زاهر بمكر:

– ولماذا ليس اليوم؟ فالصغير لن يطير، كما تقولين!

عندها تدخل أبو سامر ليضع حدا لذلك الجدل:

– هيا يا زاهر، ستتأخر.. ألم تقل ان لديك اليوم مباراة هامة، سآتي معك لمشاهدتها..
واضافت أمه:

– وسآتي معك ايضا..
ثم التفتت إلى أم هيثم التي انهت المكالمة للتو، قائلة:

– ساذهب مع أبو سامر لنادي التايكواندو لتوصيل زاهر..

ورغم أن أم هيثم لم تكن قد استمعت للحوار الذي دار قبل قليل؛ إلا أنها قالت لأم سامر:

– هل بإمكانكم أن تأخذوا زهرة معكم؟ فسأكون منشغلة مع نورة خلال…

وقبل أن تكمل كلامها؛ هتف زاهر بسعادة، وهو يقفز راكلاً الهواء بقدمه، معبراً عن انتصاره:

– رااااائع!

ولم تجد زهرة بد من حضور تلك البطولة، التي لا زالت حاضرة أمام ذهنها، وكأنها تشاهدها أمام عينيها مباشرة، حتى بعد مرور تلك السنوات..

كانت زهرة مبهورة تماما برؤية تلك الحركات المذهلة، حتى أنها نسيت الطفل الصغير تماما، خلال تشجيعها لزاهر بحماسة منقطعة النظير! حتى إذا ما حاز على المركز الأول في النهاية؛ شعرت وكأنها هي من أحرزت ذلك الانتصار!

 لم تمضِ سوى أيام قليلة بعد ذلك، حتى اجتمع الاثنان مرة أخرى في بيت سامر ونورة، فاشارت زهرة إلى زاهر أن يتبعها للصالة الداخلية هامسة:

– سأريك شيئاً، ولكن عدني ان لا تضحك عليه!

وأمام رغبة زاهر العارمة بمعرفة ذلك الشيء، أكد لها باهتمام شديد:

– بالطبع لن أضحك! هل هي رسمة جديدة من رسوماتك؟

فأومأت زهرة برأسها باسمة:
– أجل، ولكنها هذه المرة مختلفة..

ثم قالت:
– أغمض عينيك أولاً!

وبعدما نفذ زاهر طلبها؛ أخرجت لوحة من تحت وسادة الكرسي- كانت قد خبأتها هناك- ثم عرضتها أمامه على بعد ذراع واحد من وجهه، قبل أن تقول:

– افتح عينيك الآن!

لم يكد نظر زاهر يقع على تلك اللوحة، التي صورت فيها زهرة إحدى المشاهد القتالية، المستلهمة من حركات التايكوندو؛ حتى هتف بتأثر شديد:

– ما شاء الله!!! مذهل جدا!! انت رائعة يا زهرة!! لقد تطور رسمك كثيرا ما شاء الله! انك محترفة بمعنى المكلمة!

وأخذ اللوحة ليتأملها بحرص شديد:

 – رائعة جدا.. مذهلة جدا.. لا أدري ماذا أقول أكثر!! كأنني اشاهد المقاتل النبيل!

ثم قال فجأة:

– زهرة!! ما رأيك أن نقوم بتأليف قصة مصورة معاً! أنا سأخبرك بأحداث القصة، وأنت ترسمينها، مثل الرسوم المتحركة!

فهتفت نورة بانفعال:

– فكرة رائعة، أنا موافقة طبعا..

ثم صمتت قليلا قبل أن تسأل:

– ماذا سيكون عنوان القصة؟ الفارس النبيل مثلا؟

فرد زاهر:

– كلا، هذا سيكون مشابه للمقاتل النبيل، ثم إن البطل لن يكون فارساً، بل لاعب تايكوندو محترف، يساعد الأخيار ويهزم الاشرار!

بدت الحماسة على وجه زهرة:

– لقد تشوقتُ فعلا لرسم القصة الآن، ولكننا بحاجة لمعرفة العنوان أولا!

خيم صمت عليهما لوهلة، قبل أن يقول زاهر:

– “البطل المغوار”.. سيكون هذا هو عنوان القصة!

فسألته زهرة:
وماذا يعني مغوار؟

فأجابها زاهر:

– يعني شجاع ولا يخاف من الأخطار!

فما كان من زهرة إلا أن ابدت إعجابها الشديد قائلة بانبهار:

– البطل المغوار، لا يخاف من الأخطار، يساعد الأخيار، ويهزم الاشرار.. إنها تبدو كنشيد جميل!

فأوضح زاهر، وهو يستعرض معلوماته الأدبية، قائلاً:

– إنها جمل قصيرة على الوزن نفسه.. وستكون هذه هي البداية.. وسيكون اسم البطل “فارس”، فما رأيك الآن؟

انتبهت زهرة من سيل ذكرياتها تلك على سؤال فاتن، الذي أعادته للمرة الثانية بطريقة أخرى، وبالحاح شديد:

– هل علاقتكما مقربة جدا إلى هذا الحد؟ من الواضح أنك تحبينه، أليس كذلك؟

شعرت زهرة بحرج شديد لسماع ذلك بشكل مباشر، فحاولت تدارك الموقف قبل ان تفلت الأمور من يدها، قائلة:

– ما الذي جعلك تقولين شيئا كهذا؟ نحن مجرد فردين من عائلتين جمعهما النسب، ولا يوجد بيننا أي شيء خاص كما تظنين، فنحن من عائلات عربية محافظة يا عزيزتي، وليس من المعتاد أن تكون هناك صداقة خاصة بين شاب وفتاة! بل إننا نعتبر هذا غير لائق في مجتمعنا!

 حتى إذا صدف والتقينا في أي مكان، فلا يوجد بيننا أي حديث خاص!

أبدت فاتن تعجبها الشديد مما سمعته، متمتمة:

– غريب!!

ثم استطردت قائلة:

– ولكنكما تذهبان للجامعة نفسها، أليس كذلك؟

فأوضحت زهرة:

– هذا لا يغير من حقيقة الأمر شيئاً، فحتى إذا التقينا لأي سبب من الاسباب، فلا يوجد بيننا أكثر من الأحاديث العامة، في حدود الضرورة فقط!

ورغم الارتياح الذي ظهر على وجه فاتن، إلا أنها تساءلت باهتمام:

– هل هذا يعني أن الفتاة التي تحدث أحد اقربائها غير المحارم؛ تعتبر فتاة غير محترمة؟

فاسرعت زهرة تنفي ذلك، قبل أن يحدث سوء فهم غير محمود العواقب:

– كلا، أنا لم أقل هذا ابدا، ولكن هناك حدود لكل شيء!

فتنهدت فاتن:

– أشعر أن هذا نوع من التعقيد الذي لا أفهمه! أنتِ تعرفين أنني سأنتقل للعيش هنا، بعد أن قرر والداي العودة لأرض الوطن! صحيح أنني سألتحق بمدرسة أجنبية، نظام التدريس فيها مشابهة لما اعتدتُ عليه، إلا أنني لا زلتُ أشعر بالغربة هنا! وقد طلبتُ من ابن خالتي زاهر أن ياخذني في جولة لجامعته، لكنه أخبرني أنه من الأفضل أن اذهب معك، فأنت في الجامعة نفسها!

خفق قلب زهرة بقوة لسماع ذلك، ولسان حالها يقول:

– هل قال زاهر ذلك حقاً!!

لكنها سرعان ما استدركت بابتسامة مرحة، لتخفي حقيقة مشاعرها:

– هذا طبيعي يا عزيزتي، فكما أخبرتك، ليس من المعتاد أن يسير شاب بصحبة فتاة هكذا؛ دون أن يثيرا حولهما الشبهات!

  **

شعرت زهرة بمسؤولية كبيرة تجاه فاتن، وكأنها أختها الصغرى التي تحتاج لرعاية حقيقية، قبل أن تغرق في مجتمع لا تعرف عنه شيئاً، خاصة وأنها وحيدة والديها! فحرصت أن تكون جولتهما الاولى ممتعة ومفيدة في الوقتِ نفسه، ولم يخفَ على زهرة الشعور ببهجة فاتن في تلك الجولة؛ مما اشعرها بالارتياح التام، لا سيما وقد انسجمتا تماما، وكأنهما تعرفان بعضهما البعض منذ فترة طويلة! غير أن هناك شيء وحيد كان يؤرق زهرة بشدة! فعلى ما يبدو؛ استطاعت فاتن كسر الحواجز بينها وبين زاهر.. بعفوية وسهولة!

بدت زهرة شاردة الذهن تماما، وهي تحدق بالطريق من خلال نافذة الحافلة، فيما كان عقلها يسترجع حديث فاتن ويحلله، بعد أن أصبح زاهر محور اهتمامها الأول والأخير! فقد أخبرتها فاتن بنبرة لا تخلو من ضيق:

– لقد قال زاهر بأن الحجاب فريضة على كل مسلمة، فهل تعتقدين أنه منزعج مني لأنني غير محجبة؟ ولكنني لا أزال في السادسة عشر من عمري فقط!

وبينما كانت زهرة تستذكر كلام فاتن ذاك بألم؛ طرق سمعها حديث دائرٌ بين فتاتين تجلسان خلفها في الحافلة:

– لا تكوني حمقاء، عليك أن تتخذي خطوة جادة حيال ذلك، حاولي أن توصلي مشاعرك إليه بأي طريقة، قبل أن تسرقه فتاة أخرى، فالفتيات جريئات هذه الأيام ولن تفيدك هذه القيم والمباديء التي تتحدثين عنها! إنه حب حياتك ومن الغباء أن تتجاهلي ذلك.. ستندمين..

عندها.. شعرت زهرة باختناق شديد، وألم حاد في صدرها، ورغبة عارمة بالبكاء، غير أنها جاهدت في كتمان ذلك كله، خشية أن تلفت أنظار الركاب نحوها، فيما رددت بصدق:

– يارب.. استودعتك قلبي، فاحفظني بحفظك، ولا تفتني في ديني..

**

دخلت زهرة إلى غرفتها- بعد أن ألقت التحية على والدتها، وتبادلت معها بضع الكلمات- ثم أخرجت صندوقاً من تحت سريرها، كانت تحتفظ فيه بحاجياتها الثمينة، وتأملت آلة التصوير القديمة، الموضوعة فيه بعناية، فيما انسالت الدموع غزيرة على وجنتيها، بعد أن هجمت عليها موجة من تلك الذكريات..

كانت متحمسة جدا لرسم مشاهد قصة “البطل المغوار” التي ألفها زاهر، لكنها شعرت بصعوبة في رسم خلفية مناسبة لأحد المشاهد، وبعد أن أخبرته بذلك؛ ما كان منه إلا أن طمأنها بقوله:

– لا تقلقي.. يمكنك تأمل الأماكن حولك، واقتباس الخلفية المناسبة مما ترينه! وسأساعدك في ذلك طبعا..

ثم أطرق رأسه وهو يتجول بالغرفة بتفكير عميق، قبل أن يفتح النافذة مشيراً إلى حديقة أحد المنازل، قائلاً:

– ما رأيك بهذه الحديقة؟

فصنعت زهرة إطارا بأصابعها الأربعة- الابهام والسبابة من كل يد- ونظرت من خلالها قائلة:

– ستكون شجرة الليمون في الزاوية اليمنى من الصفحة، يليها المنزل، في حين تغطي الساحة العشبية المقدمة، حيث يقف البطل المغوار، في مواجهة ذلك اللص..

وبدى الرضى على وجهها، فقالت بمرح:

– ممتاز.. أظن أن الخلفية اصبحت واضحة الآن! شكرا لك زاهر، سأستخدم هذه الطريقة من الآن فصاعدا، إنها تشبه النقل من الصور الفوتوغرافية!

ولم يمض على ذلك سوى يومين، حتى فاجأها زاهر بهدية مغلفة، بحجم صندوق صغير، قائلاً لها بابتسامة ودودة:

– إحزري ماذا احضرتُ لك؟

وأمام دهشتها الشديدة، أخرج لها آلة تصوير جديدة، قائلاً بابتهاج:

– ستفيدك هذه كثيرا برسم الخلفيات، فهل أعجبتك؟

أمسكت زهرة آلة التصوير بحذر، وكأنها في حلم تخشى الاستيقاظ منه:

– هل هذه لي؟

 فأومأ زاهر رأسه بالايجاب:

– أجل، الم تعجبك؟

فردت زهرة بسرعة:

– بالطبع أعجبتني، ولكن.. من أين حصلت عليها، وهل أمك تعرف عن ذلك؟ لا شك أنها باهظة الثمن!

عندها ابتسم زاهر بفخر:

– لقد اشتريتها من مدخراتي بالكامل، وأمي لم تمانع بالطبع، فهي تعرف عن مشروعنا المشترك..

كانت زهرة غارقة تماما في سيل ذكرياتها، عندما سمعت صوت طرق على الباب، فدست آلة التصوير في الصندوق بسرعة، وأدخلته تحت السرير، قبل ان تجيب بابتسامة مصطنعة:

– تفضل..

فإذا بابنة أخيها هيثم- ذات السنوات الست- تدخل مندفعة نحوها بحبور:

– عمتي عمتي.. انظري ماذا أعطتني المعلمة..

**

بدت نورة مترددة قليلاً، قبل أن تبدأ حديثها، الذي جاءت خصيصاً من أجله:

– لا أعرف ماذا أقول يا أمي، ولكنني قلقة جدا على زهرة! لقد حاولتُ التظاهر بعدم فهمي لمغزى سؤالها؛عندما حاولت ان تستشف مني علاقة زاهر بفاتن، وإن كان لا يمانع بالحديث معها بحرية!! أخشى أن تصاب بصدمة عاطفية لا قدر الله! حقا لا أدري ما الذي عليّ فعله!

لم تستطع الأم إخفاء قلقها مما سمعته، فسألتها بتوجس:

– هل قالت حماتك أي شيء بهذا الخصوص؟

فهزت نورة رأسها نفياً:

– أكاد أجزم أنها لا تحبذ ارتباط ابنها بفاتن، فلطالما لمّحت لي عن زهرة! المشكلة ليست في الحماة، بل في زاهر نفسه، فعلى ما يبدو أنه قد أصبح مهتما بالفعل بأمر فاتن، ومع ذلك لم أجرؤ على قولها لزهرة بوضوح!!

فتنهدت أمها:

– ليس بيدنا فعل شيء غير الدعاء، وأسأل الله أن يختار لأختك الخير..

**

ما أن رأى زاهر صديقه مقبلاً نحوه في المكان المتفق عليه؛ حتى هب نحوه مرحباً:

– رائد، وأخيراً.. كيف حالك يا رجل، لم أرك منذ فترة طويلة، رغم أننا في الجامعة نفسها!

فصافحه رائد بحرارة:

– الحمد لله، لقد شغلتنا الدراسة فعلاً، وبالكاد أخرج من نطاق كليتي!! ما هي أخبارك أنت، وما هو هذا الأمر الطارئ الذي استدعيتني لأجله؟

 فابتسم زاهر:

– ألا تجلس أولاً يا أخي، فأنا لم أرك منذ قرون! لقد سمعتُ أنك اصبحتَ تعمل مدربا في نادي التايكواندو بدوام جزئي، لقد أعاد هذا لي الذكريات فعلاً..

 وبعد أن تبادل الاثنان الأحاديث العامة، حث رائد صديقه على الدخول بالموضوع الرئيس قائلاً:

– أخشى أن يداهمنا الوقت دون أن نحقق الهدف الاساسي من هذا اللقاء!

فتنهد زاهر ووضع رأسه بين يديه، قبل أن يقول:

– رائد.. أريد أن أسألك سؤالاً شخصياً، ولا أريدك أن تسيء فهمي، فإجابتك هامة جدا بالنسبة لي..

والتقط نفسا قبل أن يتابع:

– هل تذكر تلك الفتاة التي كانت تشاركنا تدريبات التايكوندو عندما كنا صغاراً؟ أظنها ابنة جيرانكم، فقد كنتم تأتون وتذهبون معاً، صحيح؟

فرد رائد:

– تقصد راما؟ أجل كانت ابنة جيراننا، ماذا بشأنها؟ لقد تزوجت قبل شهرين!

لم يكد زاهر يسمع ذلك؛ حتى صرخ بانفعال:

– تزوجت!! هل أنت جاد؟؟ ولكنك كنتَ تحبها جدا! لا يمكنك إنكار هذه الحقيقة، فقد كانت واضحة كالشمس! فلماذا تركتها لغيرك؟!! لماذا يا رائد، لماذا؟؟ أنا متأكد من أنها لم تكن لترفضك أبداً!

وبدت خيبة أمل كبيرة على وجه زاهر، وهو يتابع كلامه بإحباط شديد:

– كنت أريد الاستفادة من تجربتك، فقد توقعت أنك أقدمتَ على خطبتها فعلاً، أو قرأتم الفاتحة على الأقل! لقد كنتَ أنت أول من خطر ببالي، عندما شعرتُ بشيء مشابه!

فأجابه رائد بتفهم:

– أقدر شعورك يا صديقي، كلامك صحيح، لقد أحببتها بصدق حقاً، ولكنني لستُ نادم! فلم أكن مستعدا للارتباط حتى أتقدم لخطبتها! ولم أشأ أن أعلقها بأوهام قد لا تتحقق!  كنتُ أنوي الحصول على عمل مناسب أولاً؛ لتأمين المتطلبات الاساسية، وأكون على قدر المسؤولية، وقد بدأتُ فعلاً بالعمل في دوام جزئي قبل التخرج، لتحقيق هذا الغرض، ولكن قدر الله وما شاء فعل!

فقال زاهر بضيق، وكأنه هو من فاتته تلك الفرصة:

– لو أنك لمّحت لها على الأقل بأنك تنوي خطبتها لانتظرتك بلا شك!

فاعترض رائد بقوله:

– ولماذا أعلق الفتاة؟ لماذا أسبب لها خلافاً مع أهلها؛ إن تأخرتُ عليها أو أتاها شخص مناسب خلال فترة انتظارها لي!! ليس من المروءة فعل ذلك أبداً، بل إنني اراها أنانية صرفة مني، ولن أرضى بأن أكون ذلك الوغد، الذي يتلاعب بمشاعر فتاة دون وجه حق! وكما أخبرتك، لستُ نادما على قراري البتة، فزوجها رجل فاضل كما سمعت، وهي تعيش الآن حياة مستقرة معه، وأرجو لهما السعادة من كل قلبي..

فأطرق زاهر رأسه متمتماً:

– هذه مثالية مبالغ فيها منك، ويستحيل أن أكون مثلك..

وخيّم عليهما صمت ثقيل، قطعه رائد بسؤاله:

– دعك الآن مني، فقد أخبرتك كل شيء، فماذا عنك أنت؟

فزفر زاهر بضيق:

– لا أدري ماذا أقول، فأنا في حيرة من أمري! ولن أحتمل تفويت الفرصة مثلك!

والتقط نفساً عميقا قبل أن يستأنف:

– ربما سأتمكن من إيجاد عمل مناسب بنهاية هذه السنة، فتخرجنا بات وشيكاً، ولكن المشكلة أن الفتاة لا زالت في المدرسة، ولا أدري إن كان الأهل سيتقبلون فكرة الخطوبة..

  بدت الدهشة على وجه رائد، فسأله بتعجب:

– في المدرسة؟؟ حسب ما أذكر أنها تصغرك بسنتين فقط!

فما كان من رائد إلا أن بادله نظرات الدهشة نفسها، متسائلا بتعجب:

– عمن تتحدث؟

فرد رائد:

– ألا تقصد تلك الفتاة التي كانت تشاركك مشاريعك في كتابة القصص المرسومة؟

عندها فهم زاهر قصده، فابتسم قائلاً:

– لا شك أنك تقصد زهرة، شقيقة زوجة أخي، اليس كذلك؟

فأجابه رائد:

– بالطبع، ومن غيرها؟ لقد كنتَ تتحدث دائماً عنها، وعن مشاريعكما، كما أذكر أنها كانت تأتي لتشجيعك في بطولات التايكوندو!

فتنهد زاهر:

– أجل هذا صحيح، كان ذلك في الماضي عندما كنا صغاراً، أما الآن فلا يوجد شيء مميز بيننا، إنني أتحدث الآن عن ابنة خالتي…

غير أن رائد قاطعه بانفعال مفاجيء غير متوقع:

– وماذا عن تلك القصة؟ لقد صنعتم منها عدة فصول حسبما أذكر، فهل اكملتموها؟

فضحك زاهر:

– تقصد قصة البطل المغوار؟ إنها مجرد قصة طفولية، فمن يأبه بها..

غير أن رائد تابع كلامه بجدية:

– ألم تقل ذات مرة بأن لكتابة القصص رسالة وهدف كبير؟

فحملق فيه زاهر لوهلة، قبل أن يعلق باسما:

– هل قلتُ ذلك حقا؟ يبدو أنني كنت مثالياً أيضا!

قال جملته تلك وانفجر ضاحكاً، فيما لاذ رائد بالصمت، إلى أن استأنف زاهر كلامه:

– آسف لازعاجك يا صديقي، ولكنني بالفعل لم أعد مهتما بتلك القصص، ولا اظنها مهتمة بها أيضا! فقد كبرنا..

فقاطعه رائد:

– وما أدراك أنها لم تعد مهتمة بتلك القصص؟ ثم إن الأمر لا يتعلق بالقصص وحدها، فلطالما كنتَ تتحدث عن أخلاقها وأدبها، حتى أنك بدوتَ معجباً جدا بها ذات يوم!

فتنهد زاهر:

– ربما كنتُ معجباً بها.. فهي بالفعل تكاد أن تكون فتاة مثالية من كافة الجوانب، فهي على درجة عالية من الأخلاق بشهادة الجميع، ولكنني لا أشعر نحوها بانجذاب خاص مقارنة بابنة خالتي!

فأجابه رائد بتفهم:

– هذا لأنها فتاة محافظة، فهل كنت تتوقع منها أن تُقدم على تصرفات تثير اهتمامك؛ حتى تنجذب نحوها مثلا؟

وصمت قليلاً قبل أن يتابع:

– لا أريدك أن تندم يا صديقي، أو تتسرع باتخاذ قرار غير محسوب العواقب، فنحن أصدقاء منذ زمن طويل، وأعرفك بشكل كبير، أكثر مما تتخيل!

تأثر زاهر لتلك النبرة الصادقة في لهجة صديقه، فقال بامتنان:

– أقدر اهتمامك يا صديقي العزيز، ولكن قلبي قد تعلق بالفعل بابنة خالتي، وأخشى أن افقد السيطرة على نفسي، أو ارتكب محظورا لا قدر الله، لذلك فكرتُ بأمر الخطوبة!

وبتفهّم كبير وتعاطف واضح، قال رائد:

– كان الله بعونك، ولكن ما كان عليك أن تترك نفسك حتى تصل إلى هذا الحد يا زاهر! وقدر الله وما شاء فعل!! على كل حال، من الأفضل أن تستشر والديك، فلا أظنني أمتلك النصيحة المناسبة لك، وأسأل الله لك التوفيق..

**

رأت زهرة نفسها في ثوب زفاف أبيض، وسط زغاريد العائلة وأهازيجها المبهجة، فيما همس زاهر بأذنها بحب:

– وأخيراً اجتمعنا يا حبيبتي، لطالما انتظرتُ هذه اللحظة بفارغ الصبر! يمكننا إكمال قصتنا الآن بلا قيود، فهل لا زلتِ تحتفظين بالصفحات السابقة؟

 غير أن الواقع سرعان ما تكفل بتمزيق ذلك الأمل إلى أشلاء مبعثرة؛ ليوقظها من أحلامها الوردية على صوته المرير:

“خطوبة زاهر وفاتن؛ تم إعلانها أخيرا، وسيتم تحديد موعد الاحتفال بهذه المناسبة السعيدة قريباً”!

   لم تدرِ زهرة، من أين سمعت الخبر، أو كيف عرفت عنه أول مرة ولأولى، لكنها كانت حريصة أشد الحرص أن لا يبدو عليها أدنى “تأثر” جراء ذلك! فعادت إلى منزلها، وهي تحاول السيطرة على مشاعرها، والتظاهر باللامبالاة المطلقة، فألقت التحية على والدتها بابتسامة زائفة، وهمت بالذهاب إلى غرفتها كالعادة؛ غير أن أمها استوقفتها قائلة:

– لا داعي لأن تغيري ثيابك، فقد سمعت عن افتتاح محل جديد للمشروبات المثلجة، وأريدك أن ترافقيني إليه، فوالدك سيتأخر اليوم في العمل، وستكون فرصة لتغيير الجو من أعباء المنزل!

ورغم أن زهرة لم تكن بمزاج يسمح لها بالخروج؛ لكنها لم تكن لتعارض رغبة والدتها، فوافقت قائلة:

– حسناً أمي، سأصلي العصر فقط، وسأكون مستعدة بعد ذلك، إن شاء الله..

ورغم حرص زهرة، على الظهور أمام والدتها بمظهر طبيعي؛ إلا أنها لم تكد تضع جبهتها على الأرض- في وضعية السجود- حتى سالت دموعها بغزارة، لتبلل سجادة الصلاة، وهي تبثها كل ما يعتريها من حزن وألم..

**

اختارت والدة زهرة طاولة تطل على حديقة ورد متعددة الالوان والأشكال، ثم سحبت أحد المقاعد وجلست إلى جانب زهرة أمام الطاولة، قائلة:

– سبحان الخالق! أليس المنظر بديعاً!

فابتسمت زهرة:

– بالفعل مكان رائع جدا ما شاء الله! سبحان الله!

فتحت الأم قائمة المشروبات، وأخذت تستعرضها مع زهرة بصوت عال؛ قبل أن تشير بإصبعها إلى أحدها قائلة:

– “مشروب الفانيلا المثلج بالكريمة”.. ما رأيك؟ أنتِ تحبين نكهة الفانيلا..

فعلقت زهرة وهي تتأمل القائمة:

– إنه باهظ الثمن بشكل غير معقول!

فضحكت أمها:

– دعينا الآن من التفكير بهذه الأمور المزعجة، فهذه الفرصة لن تتكرر كل يوم! كانت جدتك رحمها الله تقول “ساعة الحظ لا تفوّتها”..

  لم يستغرق إعداد الطلب وتقديمه أكثر من بضع دقائق، تبادلت خلالها الأم وابنتها ملاحظاتهما حول المكان، ولم تكد زهرة ترشف الرشفة الأولى من مشروبها؛ حتى هتفت بانتعاش:

– ما شاء الله!!!! لذيذ جدا!!

فعلقت أمها وهي ترتشف بضع رشفات من كأسها هي الأخرى:

– الحق يُقال، إنه يستحق ثمنه بجدارة!

وبينما هما كذلك، إذ قالت الأم فجأة:

– ما أخبار قصتك المرسومة؟ كنتِ تلتقطين الصور للمناظر المختلفة، من أجل رسمها، وأظن أن هذا المنظر يستحق التصوير، فما رأيك؟

فردت زهرة باقتضاب:

– صحيح إنه منظر جميل..

فعلقت أمها باهتمام:

– لم أرك ترسمين منذ فترة، ألا تنوين إكمال القصة؟

فتنهدت زهرة، وآثرت الصمت، فما كان من أمها إلا أن أخرجت ورقة وقلم من حقيبتها، وكتبت عليها قليلا؛ قبل أن تريها لزهرة، قائلة:

– ما رأيك بهذه؟ هل يمكنك ايجاد الجواب الصحيح؟

تناولت زهرة الورقة، وأخذت تتامل ما كُتب عليها بتمعن:

7) x 4 – 3)] x 2 + (3+2)]}

ثم قالت:

– الأقواس غير مغلقة، ولا يمكنني الجزم بالاجابة!

فأومأت الأم موافقة:

– هذا صحيح، ولو أدخلتِها بالآلة الحاسبة هكذا، لما أعطتك أية نتيجة!

  صمتت الأم قليلاً قبل أن تتابع:

– هذا ينطبق على حياتنا أيضا يا ابنتي، فإن قمنا بفتح الأقواس فقط دون التفكير بإغلاقها، لبقينا معلقين فقط؛ دون إحراز أي نتائج أو إنجازات تُذكر! عليك أن تغلقي الأقواس دائماً حتى تحصلي على الحل، ومن ثم سيكون بإمكانك أن تفتحي قوس جديد!

خيم صمت لوهلة، قطعته زهرة بقولها:

– أفهم ما تعنيه يا امي، ولكن لا يمكنني إكمال القصة وحدي، فقد كان زاهر..

وغصت الكلمات بحلقها، وتهدج صوتها وهي تحاول المتابعة:

– هو من يكتب القصة وأنا أرسمها وحسب!

بذلت الأم جهدا اضافيا في حبس دموعها، وحمدت الله الذي ألهمها الجلوس في ذلك الموقع إلى جانب ابنتها، بحيث لا تواجه إحداهما الأخرى، ثم قالت بهدوء:

– أنا لم أقل أن عليك اكمال القصة وكتابتها، أغلقي قوسها وحسب!

أثارت تلك الملاحظة اهتمام زهرة، فسألتها بفضول:

– وكيف أغلق قوسها؟ ماذا تقصدين يا أمي؟!

فابتسمت الأم:

– اصنعي نهاية للقصة.. ضعي خاتمة فقط!

وصمتت الأم لتترك لها مساحة للتفكير، قبل أن تُخرج من حقيبتها هدية مغلفة، ناولتها لها مشجعة:

– قد تساعدك هذه في المهمة، هيا افتحيها يا حبيبتي..

اغرورقت عينا زهرة بالدموع، وهي تشاهد آلة التصوير الحديثة، التي فاجأتها بها أمها، معلقة:

– لقد أصبحتْ آلتك السابقة قديمة، وهذه آلة رقمية مطورة، وبها مميزات كثيرة..

فما كان من زهرة إلا أن نهضت من مقعدها، وعانقتها بتاثر شديد، وهي تجهش بالبكاء، غير مبالية إن ما كان هناك أحدٌ حولهما:

– أحبك يا أمي.. لا حرمني الله منك أبدا.. وإن شاء الله أكون عند حسن ظنك دائماً..

  وانسابت الدموع غزيرة من عيني الأم وهي تحتضن فلذة كبدها، وقطعة قلبها، هامسة بحب:

– أنت فتاة طيبة يا حبيبتي، وقلبي راضٍ عنك، وأسأل الله أن يرسل لك من يستحقك ويسعدك..

ثم ربتت على كتف ابنتها برفق:

– هيا.. ألن تلتقطي صورة لهذا المنظر الجميل أمامنا؟

مسحت زهرة دموعها، وابتسمت وهي تحاول السيطرة على أنفاسها المتلاحقة أكثر:

– بالتأكيد يا أمي، ولكن قبل ذلك.. أريد أن نلتقط صورة لنا معاً..

**

وضعت زهرة هاتفها في حقيبتها، بعد أن أعلمت والدتها بأنها ستتأخر قليلاً في الجامعة.. 

كانت تشعر برغبة كبيرة في خلوة تقضيها مع الطبيعة، تفكر خلالها بهدوء وعمق، بعد أن عقدت العزم على وضع نهاية لتلك القصة، مهما كلف الأمر! شعرت بانتعاش عجيب، وهي تسير بين أشجار الصنوبر العملاقة، خاصة وقد بدأت ساحات الجامعة وطرقاتها تخلو من الطلبة، مع نهاية الدوام الرسمي..

أخذت تتأمل الأشجار والنباتات حولها، وكأنها تراها لأول مرة، رغم أنها تمر من بينها تجاه كليتها كل صباح! وإذ ذاك أخرجت آلة التصوير الجديدة، وبدأت بالتقاط الصور بسعادة غامرة، حتى عثرت على مقعد خشبي يتماشى مع أجوائها الملهمة، فاسترخت عليه- بعد أن القت حقيبتها إلى جوارها- وأسندت ظهرها ملقية برأسها إلى الخلف، متأملة أغصان الشجرة المتشابكة فوقها، فيما أرخت سمعها لأروع سيموفونية قد تسمعها في ذلك المكان، من اداء تلك العصافير الصغيرة بديعة الالوان!

وبعد أن حلقت في أجواء من السلام النفسي العجيب؛ أخرجت صفحات مرسومة من حقيبتها، وبدأت تتأملها بروية..

لقد تحسن رسمها كثيرا، مقارنة بالمرة الأولى التي بدأت فيها العمل على هذه القصة!

بذلت جهدا كبيرا في استخراج فكرة مناسبة للخاتمة، وأخذت تخط بعض الخربشات على ورقة بيضاء، أسندتها فوق تلك الصفحات المرسومة على حجرها، لكنها لم تعثر على شيء مميز! فتنهدت بضيق:

– لو أنني أعرف فقط كيف كان زاهر يحصل على الأفكار!

وما أن طرق “زاهر” ذهنها؛ حتى شعرت بوخزة ألم في صدرها، سرعان ما طردتها من رأسها بقوة، فتفلت عن يسارها ثلاثاً، مستعيذة بالله من وساوس الشيطان، مذكرة نفسها:

– لقد وعدتُ أمي.. سأضع نهاية لهذه القصة، إن شاء الله.. فيارب.. ساعدني..

ونهضت من مكانها، وأخذت تتمشى قرب المقعد جيئة وذهاباً، ثم حملت حقيبتها على كتفها، فيما أمسكت الأوراق بيدها، وأخذت تسير ببطء وسط غابة أشجار عملاقة، في الجزء الشمالي من ساحة الجامعة المترامية الأطراف..

لم تدرِ زهرة كم قطعت من مسافات؛ قبل أن يطرق سمعها نعيق الغربان.. لم تلقِ بالاً للأمر في البداية، لكنها فوجئت بها وهي تقترب منها دون خوف، محلقة فوق رأسها باهتياج، فأوجست في نفسها خيفة:

– هل يعقل انها ستهاجمني مثلا!

عندها.. حاولت أن تسرع في مشيتها، غير أن الغربان قد بدأت بشن هجومها فعلاً، فأخذت تطير نحوها من كل اتجاه، فيما حاولت زهرة خفض رأسها أثناء جريها، كلما أحسّت باقترابهم منها.. لقد شعرت بالخوف الحقيقي في هذه الجامعة، لأول مرة!

 كانت زهرة تجري بكل قوتها، وهي تلوح بالاوراق في الهواء، خافضة رأسها، لعلها تبعد الغربان عنها، فلم تنتبه للصخرة الصغيرة أمامها، فتعثرت بها لتسقط على الأرض، مرتكزة على يدها اليسرى، لعلها تحمي الاوراق التي تشبثت بها يدها اليمنى بشدة! غير أن ألم السقطة على يدها اليسرى، افقدها السيطرة على نفسها، فتبعثرت الأوراق من يدها على الأرض!!

وكأن الغربان قد تفاجأت من هذا العارض؛ فهدأت قليلاً مرتفعة في الهواء! أخرجت زهرة منديلا من حقيبتها، لتمسح الجروح على باطن كفها الأيسر، وضغطت عليه لتوقف نزف الدماء، فيما حاولت جمع الأوراق المبعثرة بسرعة، قبل أن تستأنف الغربان شن هجومها التالي! وبينما كانت تحاول الاسراع في المشي نحو بوابة الجامعة الشمالية؛ سمعت صوتاً ينادي:

– يا أختي.. يا أختي.. لحظة لو سمحت..

فتوقفت زهرة لبرهة، والتفتت إلى الخلف، لترى شاباً يسرع نحوها، وهو يشير بورقة في يده، فهرعت تتفقد أوراقها، لتكتشف  نقصان واحدة منها! حتى إذا ما اقترب منها الشاب، ناولها الورقة بأدب:

– أرجو المعذرة يا أختي، ولكنها سقطت منك..

تناولتها زهرة الورقة منه، وشكرته بامتنان شديد:

– جزاك الله خيرا..

فيما أضاف الشاب، قبل أن يتجاوزها بالمشي:

 – من الخطر السير في تلك المنطقة، أثناء خلو الجامعة من الناس، فأعشاش الغربان متمركزة فيها بكثرة!

قال جملته تلك ومضى في حال سبيله، في حين التمعت فكرة في ذهن زهرة، أعادت الحماسة إلى نفسها، فحمدت الله على سلامتها، وهي تقترب من بوابة الأمان، بعيدة عن محيط الغربان، وابتسمت لنفسها مشجعة:

– الحمد لله.. وجدتها.. وجدتها..

**

شعرت زهرة براحة كبيرة، وهي تراجع أسئلة آخر امتحان نهائي لذلك العام مع صديقاتها، بعد خروجهن من القاعة:

– الحمد لله.. المهم أن بإمكاننا الشعور بالحرية أخيرا، بعد ذلك الضغط..

فأكدت هديل كلامها:

– حقا..الحمد لله.. والآن دعونا ننسى أمر الاختبارات، ما هي خططكن لهذه الاجازة يا بنات؟

قالت بسمة:

– أظننا ستقضي الاجازة في بيت جدي في الريف..

فيما قالت نوال وهي تتثاءب واضعة يدها على فمها:

– أريد أن أنام وحسب.. كل الخطط يمكن تأجيلها بعد ذلك..

فتندرت عليها الفتيات ضاحكات:

– أحلام سعيدة، يا ملكة النوم..

ثم استدركت هديل، موجهة حديثها لزهرة:

– نسيت أن أخبرك بأنني كتبتُ فصلا جديدا للقصة..

فتساءلت بسمة بفضول:

– عن أي قصة تتحدثون؟ ما الذي تخططون له من ورائنا؟

فابتسمت زهرة:

– ليس ذنبنا أنك لم تكوني منتبهة معنا، عندما تحدثنا عن ذلك أول مرة..

فيما أوضحت نوال قائلة:

– باختصار، زهرة وهديل تعملان على قصة مشتركة عن يوميات طالبة جامعية.. هديل تكتب وزهرة ترسم، وأنا أحلم بالأفكار!

 فلم تتمالك الفتيات أنفسهن من الضحك، رغم محاولتهن الجاهدة لخفض أصواتهن قدر المستطاع..

   عانقت زهرة رفيقاتها بحرارة، قبل أن تودعهن، على أمل اللقاء بهن مجددا في العام القادم، ثم اتجهت نحو موقف حافلات منطقتها، وقبل أن تصل إلى وجهتها، استوقفها صوت ممزوج بحنين الماضي وذكرياته، تعرفه جيدا:

– زهرة.. هل لي بدقيقة من فضلك؟

  لم تصدق زهرة عينيها، وهي ترى زاهر يقف أمامها بشحمه ولحمه! كان هو بعينه، بطوله وعرضه، غير أن مسحة حزن كست ملامح وجهه بوضوح! ورغم هول المفاجاة؛ إلا أن زهرة نجحت في السيطرة على انفعالاتها؛ فقالت بنبرة حازمة:

– خير إن شاء الله؟!

فتنهد زاهر، وقال بنبرة لا تخلو من أسى:

– قد تستغربين حديثي معك الآن، ولكنني وجدتُ نفسي مضطر إليه، وأرجو أن لا أسبب لك أي إزعاج بذلك..

 والتقط نفساً قبل أن يتابع:

– لن أطيل بالمقدمات، فأنا أعلم أنك مستعجلة، ولكن.. لا أدري كيف أقولها.. اشعر أنني خدعتُ نفسي عندما قررتُ الارتباط بفاتن!

لم تعلق زهرة بشيء، وبدت لزاهر غير متأثرة بما سمعته؛ فلم يشعر بتلك الزلزلة حامية الوطيس التي هزت أرجاء جسدها! وأمام صمتها، تابع قائلاً:

– لقد مضت قرابة السنة على خطوبتنا، لم اكتشف خلالها إلا مدى تنافر شخصياتنا وتباعدها، فلا توجد بيننا أي اهتمامات أو أهداف مشتركة، أشعر وكأنني عالق مع طفلة صغيرة، طلباتها لا تنتهي!! لقد وقعتُ ضحية انبهار عابر، لا يغني عن الحقائق شيئاً، ولا أدري إن كان من الحكمة المضي قدما في علاقة كهذه!!

خيم صمت ثقيل على الاثنين للحظة، قبل أن تقول زهرة بلهجة جادة:

– فاتن فتاة طيبة، ولم يجبرك أحد عليها، وقد كنتَ تعرف مسبقاً أنها لا تزال طالبة في الثانوية، كما أنها انتقلت إلى بيئة جديدة لم تألفها من قبل! جميع الأمور كانت واضحة لك منذ البداية، فليس من العدل أن تتنصل من هذه المسؤولية بسهولة! ثم إنها ابنة خالتك، وهي وحيدة والديها، فلا تتهور بالاقدام على خطوة؛ تكون سببا في نشوب خلافات عائلية غير محمودة العواقب! لقد أحبتك ووثقت بك، فإياك أن تخذلها! عليك أن تتفهم ظروفها واحتياجاتها، ألستَ أنت الرجل الذي بيده القوامة؟ لا تظن أن هناك زواج بلا طلبات أو مسؤوليات، ويا حبذا لو التحقت بدورات تأهيل الزواج، فهذا ليس عيب أبداً..

كان زاهر يستمع إليها مطأطئاً بإنصات، وكأن على رأسه الطير، في حين ختمت زهرة كلامها بثقة:

– الزواج مسؤولية كبيرة، وميثاق غليظ، ومن الأفضل أن تستشير والديك في موضوعك هذا، وأسأل الله أن يبارك لكما ويبارك عليكما، ويجمع بينكما بخير..

وقبل أن تهم بالذهاب، استدركت قائلة:

– بالمناسبة، لقد وضعتُ خاتمة لقصة “البطل المغوار”، ونشرتها على الموقع العربي للقصص المرسومة، كما كتبتُ اسمك أيضاً لحفظ الحقوق..

  لم يستوعب زاهر ما سمعه في البداية، وقبل أن يتأكد من زهرة حول ما قالته؛ كانت قد تبخرت من أمامه كطيف عابر!

فأخرج هاتفه الذكي، وتأكد من تفعيل خاصية الاتصال بالشبكة العنكبوتية، ثم ضغط بضع كلمات في محرك البحث، قبل أن تظهر القصة أمامه! وبتصفح سريع، استرجع ذكريات تلك الأحداث التي كتبها من صميم قلبه قبل زمن! فهرع لرؤية الفصل الأخير، ضاغطاً على رابطه،  ليبدأ قراءته باهتمام شديد..

لم يكن الفصل يتجاوز بضع صفحات مرسومة بالكامل، تتخللها كلمات متفرقة، وجمل محدودة، أمكنه تلخيصها بفقرة واحدة:

“بعد أن وجد البطل المغوار نفسه محاصرا من الحيوانات المفترسة، استمات في الدفاع عن نفسه، مستخدما كافة الحركات التي تعلمها في تدريبات التايكوندو دون يأس أو استسلام.. حتى إذا ما كان على شفير الهاوية؛ ظهر فارس شجاع من العدم، فأنقذه من براثن تلك الوحوش الكاسرة، وساعده على العودة لقريته بسلام، ورغم اصاباته البليغة، التي حالت دونه ودون العودة لسابق عهده في حماية القرية، مما أشعر الأهالي بالحزن والاحباط؛ إلا أنه بقي متفائلاً متشبثاً بالأمل، فطمأنهم بلهجته الواثقة القوية:

– حتى وإن خسرتم بطلاً واحداً؛ فسيكون هنالك دائما بطلٌ مغوار..

وهكذا.. أغلق البطل المغوار قوس حياته الماضية، وبدأ حياة جديدة؛ تفرغ فيها لكتابة مذكراته، وإفادة الأجيال القادمة بخبراته..”

**

كانت زهرة على وشك الانتهاء من غسل الأواني في مطبخ أختها، بعد عزومة عائلية كبيرة، احتفالاً بقدوم المولودة الرابعة! وبينما هي تدندن بنشيد ألّفته مع هديل، ليتناسب مع قصتهما الجديدة؛ دخلت عليها فاتن وهي تحمل طفلها النائم، الذي لم يتجاوز العام بعد:

– السلام عليكم.. الله يعطيك العافية..

فردت زهرة عليها السلام باسمة:

– الله يعافيك، كيف حال مراد الصغير الآن؟

فتنهدت فاتن:

– الحمد لله حرارته انخفضت، ولكنني مضطرة لتركه هنا مع خالتي، فلدي مراجعة عند الطبيب..

فطمأنتها زهرة بثقة:

– لا تقلقي، سأكون متواجدة أيضاً، وسأنتبه له جيدا، إن شاء الله، المهم اعتني بنفسك جيداً..

فدمعت عينا فاتن بتأثر:

– حقا لا أعرف كيف أشكرك يا زهرة، لقد أثقلتُ عليك كثيرا هذه الأيام، فأمي مسافرة كما تعلمين، و..

فقاطعتها زهرة بعتاب:

– سامحك الله، لا تقولي هذا فنحن أخوات..

وقبل أن تضيف أي منهما كلمة أخرى؛ رن هاتف فاتن، فقالت:

– هذا زاهر، لا شك أنه ينتظرني في الأسفل..

فجففت زهرة يديها من الماء، ثم تناولت الصغير من أمه قائلة:

– سأضعه على السرير الآن، فكوني مطمئنة، ولا بأس عليك طهور إن شاء الله..

**

انتابت زهرة مشاعر مختلطة وهي تستمع لكلام والديها، حول ذلك الخاطب.. لم تكن تشعر بانها مستعدة بعد لخوض هذه التجربة! ولكنها لا تمتلك أي سبب واضح للرفض! فوالدها بدا مبتهجاً جداً، وهو يصفه بقوله:

– ما شاء الله، لم أتوقع أن أقابل شاب مثله في هذا العصر! إنه رجل رائد بمعنى الكلمة، خلق ودين، وأدب لم أجد له مثيلا من قبل، لقد حاولتُ التحري عنه أنا وهيثم، ولم نجد أي شائبة ضده! كما أن أبو سامر صديق قديم لوالده، وهو يعرفهم جيدا، ووصفهم بالعائلة الكريمة المحترمة..

فيما أكدت والدتها ذلك بقولها:

– لقد ارتحت لأمه أيضا، إنها صريحة مثلي، وقد تناقشنا في كل شيء، فهذه حياة وليست لعبة! أراه كنز حقيقي، وفرصة لا تعوّض، فمن النادر أن تجد شاباً مسؤولاً ومستعداً هكذا  هذه الايام، أكاد أجزم بأنه لا ينقصه شيء ما شاء الله!

عندها قال الوالد مخاطبا ابنته:

– لم يبق سوى تحديد موعد الجلسة الشرعية، وسيكون القرار النهائي لك يا ابنتي، فلا داعي للقلق..

**

كانت زهرة تشعر ببعض التوتر، وهي تهم بالدخول على ذلك الخاطب، الذي ينتظرها في صالة الاستقبال، فيما أخذت كلمات أمها تتردد في ذهنها، مطمئنة:

– اعتبريه زميل عمل، تتناقشين معه حول مشروع مستقبلي، لا أكثر ولا أقل!

التقطت زهرة نفسا عميقا، ثم دخلت الصالة وألقت السلام، وما أن وقعت عيناها على الشاب الذي نهض واقفا، ليرد عليها التحية؛ حتى شعرت بأنها تعرفه منذ زمن طويل! اختارت المقعد المقابل له، فيما ابتدر هو زمام الحديث بابتسامة ودودة، كاسراً حاجز الحرج بينهما، بقوله:

– لا أظنك تذكرينني، فلم نتقابل سوى بضع مرات في السابق، ولكنني أعرف عنك الكثير، لذا.. دعينا نتحدث كالأصدقاء، لعلنا نفتح قوس جديد..

**

***تمت بحمد الله***

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

شعار نبراس

عالم مسنّ (إعادة إخراج)

(ون شوت)

غلاف عالم مسن Remake
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
الصفحة الأخيرة

اقرأ هذه المانجا من اليمين إلى اليسار ←

الصفحة السابقة
الصفحة التالية
 
غلاف عالم مسن Remake
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
previous arrow
next arrow

عن السلسلة

البشرية تسير نحو الانقراض، منذ أربعين سنة لم يسمع بكاء الرضع ولم يولد رضيع جديد، عدد سكان العالم في انخفاض مستمر.يكافح يعقوب للبقاء لكنه سيكتشف أمراً لا يصدق.

تأليف: محمد نجيب
تصميم الشعار: نور كريم
تصميم الشخصيات: نور زيدان
رسم: أكيرا عبد الرحمن
تلوين وإخراج: شو

التصنيف : خيال علمي، شريحة من الحياة، درامي، غموض.

تم إعادة إخراج العمل و رسمه وتلوينه بعد نشره للمرة الأولى ضمن صفحات العدد الأول من مجلة نبراس المانجاكا

يمكنكم الاطلاع على العمل الأصلي من هنا


شعار نبراس

ثائر / الفصل الرابع

0 (2)
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
الصفحة الأخيرة

اقرأ هذه المانجا من اليمين إلى اليسار ←

الصفحة السابقة
الصفحة التالية
 
0 (2)
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
previous arrow
next arrow

عن السلسلة

الشاب حسام وتفاعله مع حياته اليومية ومواقف التي يعيشها والتي قد تكون عادية أحياناً و أحياناً أخرى تقوده لأحداث غير متوقعة

تأليف: أريج صالح
رسم: أريج صالح

التصنيف : شريحة من الحياة


لمعرفة المزيد حول فعالية “تحدي النشر الدوري” انتقل للرابط التالي: مسابقات وفعاليات نقابة المانجاكا العرب

ثائر


عن السلسلة

الشاب حسام وتفاعله مع حياته اليومية و المواقف التي يعيشها والتي قد تكون عادية أحياناً و أحياناً أخرى تقوده لأحداث غير متوقعة

*تمتلك السلسلة 3 فصول شاركت في الموسم الأول من تحدي النشر الدوري

تأليف: أريج صالح
رسم: أريج صالح

التصنيف : شريحة من الحياة


مانجا “ثائر” الفصل الرابع

الفصل الرابع

الفصل الخامس

الفصل السادس

الفصل السابع

الفصل الثامن

الفصل التاسع

الفصل العاشر


لمعرفة المزيد حول فعالية “تحدي النشر الدوري” انتقل للرابط التالي: مسابقات وفعاليات نقابة المانجاكا العرب

شعار نبراس

سلمى

الغلاف
_داخلية (فاتح)
1 (ملون)
1
2 (ملون)
2
3 (ملون)
3
4 (ملون)
4
الصفحة الأخيرة

اقرأ هذه المانجا من اليمين إلى اليسار ←

الصفحة السابقة
الصفحة التالية
 
الغلاف
_داخلية (فاتح)
1 (ملون)
1
2 (ملون)
2
3 (ملون)
3
4 (ملون)
4
previous arrow
next arrow

عن سلسلة “سلمى”

“سلمى” شابة طموحة حالمة، درست الفيزياء ويفترض أن تصبح معلمة، ورغم ذلك لا زالت تحب مشاهدة الرسوم المتحركة!!

سلسلة خفيفة أشبه باليوميات، نعيش فيها مع سلمى وعائلتها أجمل الأوقات..

تأليف: زينب جلال
رسوم: أمل مصطفى أبو زيد
تظليل وتلوين وتصميم: شو

تصنيف القصة: شريحة من الحياة، كوميديا.


00

لغز الكتاب المفقود/ الفصل الأول

الفصل الأول (حسناء و مكتبة لندن العملاقة)

00
0
01
02
03
04
06
07
08
الصفحة الأخيرة

اقرأ هذه المانجا من اليمين إلى اليسار ←

الصفحة السابقة
الصفحة التالية
 
00
0
01
02
03
04
06
07
08
previous arrow
next arrow

عن السلسلة

فتاة محجبة في سن العشربن اسمها “حسناء” تنتقل الى لندن من أجل فك لغز أختفاء كتاب والدها الراحل، وجمع كل ما يتعلق بوالدها من مؤلفات.

توفي والدها ولم بكمل تأليف كتابه الضخم، ولكن بعد وفاته بأعوام اختفت الأجزاء التي كان يعمل عليها..

حلم حسناء إيجاد هذه الأجزاء و جمعها و مواصلة مسيرة والدها العزيز، فهل ستنجح في ذلك..؟!

تأليف: Kay shin
رسم: Kay shin

التصنيف : شريحة من الحياة


لمعرفة المزيد حول فعالية “تحدي النشر الدوري” انتقل للرابط التالي: مسابقات وفعاليات نقابة المانجاكا العرب

شعار نبراس

فن التدريب/ الفصل الثاني


تمّ حذف هذا العمل بناء على طلب المؤلف


لمعرفة المزيد حول فعالية “تحدي النشر الدوري” انتقل للرابط التالي: مسابقات وفعاليات نقابة المانجاكا العرب

شعار نبراس

فن التدريب/ الفصل الأول


تمّ حذف هذا العمل بناء على طلب المؤلف


لمعرفة المزيد حول فعالية “تحدي النشر الدوري” انتقل للرابط التالي: مسابقات وفعاليات نقابة المانجاكا العرب

شعار نبراس

فن التدريب


عن السلسلة

فتيان يافعان يحملان مسؤلية تدريب فريق كرة قدم ، كيف سيقودان الفريق نحو النجاح؟

تأليف: أحمد
رسم: أحمد

التصنيف : شريحة من الحياة، رياضة


تم حذف فصول هذه السلسلة بناء على طلب المؤلف



لمعرفة المزيد حول فعالية “تحدي النشر الدوري” انتقل للرابط التالي: مسابقات وفعاليات نقابة المانجاكا العرب