من أكثر الاشكاليات التي تتوارد إلى الذهن بمسألة عمل الفريق، هو المثل الشائع “كثرة الطباخين تفسد الطبخة” أو ” اذا كثر الطباخون فسد المرق”، فهل هذا يعني أن العمل الفردي أفضل؟
ربما البعض يرى ذلك فعلا، خاصة إذا كانت لهم تجارب سابقة مروّعة! ولذلك نرى أن الغالبية يفضلون العمل منفردين!
وبالمقابل.. كثيرا ما نسمع أن الدول المتقدمة والمتطورة، تعتمد في مشاريعها وانجازاتها على العمل الجماعي التعاوني بشكل اساسي، بل إنهم قد يعتبرون من لا يجيد العمل ضمن فريق؛ غير مؤهل أصلا للحصول على فرص وظيفية جيدة!
فهل العمل ضمن فريق أمر جيد أم سيئ؟
وهل يمكن أن ننتج أعمال احترافية، من خلال فرق العمل الجماعية؟

قبل ذلك.. دعونا نسلط الضوء على إحدى قصص الرسوم المتحركة المدبلجة، والتي عرضت قديما على القنوات العربية..
هل هناك من يعرف الكابتن رابح؟
هل تذكرون مرحلة تكوين فريق الأجنحة؟
وهل تعرفون ما هي أصعب خطوة واجهتهم في البداية؟
تم انتقاء اعضاء فريق الاجنحة بعناية فائقة؛ فجميع أعضاء الفريق، كانوا هدّافي أفرقتهم السابقة، ومعظمهم كان كابتن فريقه أو الأكثر تميزا بين الجميع، فهل هذا وحده كان كافيا، لإعداد فريق متميز؟!
(يا حبذا لو كان بإمكانكم مشاهدة بعض المقاطع من الكابتن رابح ح 35)
إذا كان كل طباخ يقود نفسه بنفسه، ويفعل ما يمليه عليه رأسه؛
هنا قطعا ستنحرق الطبخة وتفسد المرقة!
ولكن.. إذا عمل الطباخون كفريق واحد، تحت قيادة شخص واحد، بتناغم وانسجام، فسيكونون كالجسد الواحد ذي القدرات الخارقة، بإذن الله!
هذا يقطع البصل والآخر يجهز السلطة، وذاك ينظف الدجاج، وآخر يفرم اللحم.. تحت اشراف واحد، في عمل متكامل…
بهذه الطريقة تصبح نتائج العمل الجماعي أكثر كفاءة، وأكثر فاعلية؛ وهذا ما يجب إدراكه قبل الدخول في أي فريق!

لذلك وجود قيادة واحدة، تقود تحريك الدفة نحو الهدف المنشود؛ مطلب هام جدا، ولا يتعارض مع مبدأ الاستشارة وأهمية دور ورأي كل فرد في هذا الفريق!
وفي هذا السياق؛ روي عن الحبيب صلى الله عليه وسلم قوله:

“إذا كان ثلاثةٌ في سَفَرٍ”، أي: ثلاثةٌ فأَكْثَرُ، “فليُؤمِّروا أَحَدَهم”، أي: لِيَجْعَلوا أَحَدَهم أميرًا عليهم يكونُ له اتِّخاذُ قرارِهم بَعْدَ المشورةِ معهم؛ كاخْتيارِ وَقْتِ الذَّهابِ والبَياتِ ونَحوِها من أحوالِ السَّفَرِ.
(منقول من الدرر السنية)
___

لذلك فريق العمل الذي لا يعرف أفراده اساسيات العمل الجماعي؛ هو فقط من سيفسد الطبخة!
وإذا كان وجود “قائد” مطلب هام جدا، فاتفاق أهداف أفراد الفريق، وانسجام أرواحهم؛ هو أحد المطالب الهامة والضرورية لتحقيق الاستفادة القصوى من العمل التعاوني للفريق!
وهنا سيفيدنا اقتباس ما ذكرته سابقا عن إحدى تجاربي في تكوين الفريق:

“اكتشفتُ أن المشكلة الحقيقية كانت في عدم فهمي لقاعدة العناصر.. وتحديدا.. قاعدة الزئبق الذهبية!!
الزئبق مفيد جدا في حياتنا، فهو مرن جدا ويتحول باستمرار، ولكنه لا يصلح أن يكون مع عناصر أخرى.. فإذا اجتمع مع الذهب مثلا افسده!
وفساد الذهب بسبب اجتماعه مع الزئبق ليس عيبا فيه، وليس لأن الزئبق أفضل منه واقوى، بل لأنه لا يتناسب معه بحسب قانون الطبيعة…
إنه باختصار..
قانون الأرواح، والذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم:
” الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ”

ما كان عليّ أن اجبر أحد على العمل مع أحد، إذا كان هناك بديل! التعاون لن يكون هكذا..

اردت للجميع أن يعرف بأن وصولنا لمرحلة كهذه لم تكن بالسهولة، ولكنها تستحق! لو استسلمنا أمام تلك الصعوبات كلها، ولم نراجع انفسنا ونسأل الله العون والتوفيق.. ونسأله بصدق أن يرينا الحق ويهدينا إليه؛ لقلنا إن العالم العربي لا ينجح في فريق عمل متعاون! الصعوبات لا تعني أننا لم ننجح، المشاكل والخصومات مهما كانت.. لا يجب أن تجعلنا نستسلم ونطلق أحكاما بان العرب لن ينجحوا بالعمل معا!!

شارة النهاية:
مررنا بالصعاب على الصعاب
ورب الحق يهدي للصواب
ويشرح صدرنا وينير دربا
ويرسل عونه عبر الصحاب”
______

وبهذا نختم هذه السلسلة، سائلين الله سبحانه وتعالى أن يجعل فيها الخير والفائدة، ويوفق الجميع لانتاج أعمال احترافية متقنة، تنافس الأعمال العالمية، ويكون فيها الخير للعالم أجمع، بإذن الله، منطلقين من الرسالة الخالدة:
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)
*
(وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)
*
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

قائمة مواضيع سلسلة “الوعي قبل السعي للمانجاكا”

  1. بين الثقافة العربية والمانجا اليابانية

  2. الهدف القوي

  3. الإضافات الذكية، للقصص التاريخية

  4. بين التركيز على الهدف والاستمتاع بالرحلة (ملعقة الزيت 🥄)

  5. الشخصية الآسِرة

  6. لكل مؤلف يبحث عن رسام

  7. قاعدة الزئبق الذهبية في تكوين فريق العمل

إضافة تعليق

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني *الحقول المشار لها بنجمة هي حقول إلزامية