لم تصدق سوسن عيناها في البداية وهما تطالعان الساعة بعد أن استيقظت فجأة!! مستحيل!! لقد فاتني دوام المعهد بأكمله هذا اليوم..
وقفزت من فراشها منادية الخادمة التي هرعت نحوها بسرعة:
– لماذا تركتني نائمة حتى هذا الوقت؟؟
فأجابتها بهدوء:
– لقد حاولت ايقاظك لكنك كنت مرهقة جدا فلم تسمعيني…
و تابعث بثقة أكثر:
– ثم إن سيدتي طلبت مني أن لا أزعجك أكثر!
لم تجد سوسن بدا من الرضى بالواقع الذي وجدت نفسها فيه، فتناولت هاتفها لعلها تجد اتصالا من أيهم، ولخيبة أملها الكبيرة.. لم تجد شيئا!! وحدها نور اتصلت.. ومن ثم أرسلت رسالة لتطمئن عليها..
فاستلقت سوسن على سريرها إذ كانت لا تزال متعبة.. لقد سهرت أكثر مما توقعت ليلة أمس، فقد كان من المفترض أن لا تتأخر بجولتها مع أيهم، إلا أنه بدا متحمسا كثيرا ولم تواتيها الجرأة لتطلب منه العودة بعد أن أصرت على مصاحبته.. ترى أما زال نائما هو الآخر، أم…
وخفق قلبها خشية أن يكون قد ذهب للمعهد لرؤيتها، فتكون فرصة مواتية لسورا للحديث معه والايقاع به.. ولا تدري ماذا أيضا، عندها ستكون كمن أضاعت جهدها ليلة الأمس سدى..
يا إلهي.. لماذا يحدث كل هذا لي!! ألا يمكنني الاطمئنان قليلا!!
وبعد تردد تناولت هاتفها ضاغطة زر الاتصال على رقم أيهم، وقبل أن تسمع رنين الهاتف قطعت الاتصال..محادثة نفسها:
– يفترض به أن يكون هو من يحادثني و يطمئن علي أولا!!.. أم أنه لم ينتبه لغيابي حتى هذه اللحظة! … أم أنه انشغل مع تلك الفتاة الـ..!! فنسي وجودي… ما الذي يفعله الآن!!
وشعرت بصداع رهيب وأبشع الاحتمالات مأساوية ترتسم في خاطرها حتى استسلمت لها تماما، ولم تستطع الانتظار أكثر، فعزمت أمرها وضغظت زر الهاتف منتظرة رده بنفاد صبر، حتى جاءها صوته أخيرا:
– سوسن حبيبتي، لقد كنت على وشك الاتصال بك الآن!! هل أنت بخير؟؟
شعرت سوسن ببعض الغيظ، وتمنت لو أنها انتظرت قليلا.. ربما.. أو من يدري..هل كان صادقا حقا في كلامه!! وأمام صمتها جاءها صوته مجددا:
– ألو.. سوسن.. هل تسمعينني؟؟
فردت بصوت واهن أرهقه عناء التفكير:
– أجل أسمعك.. أنا بخير.. ماذا عنك أنت؟
فرد قائلا:
– كنت مشغولا من الصباح للإعداد لحفة الغد التي سنحييها في قاعة المدينة ، ولم أعرف إلا للتو من زميلاتك أنك لم تحضري هذا اليوم..
شعرت سوسن بغصة، لقد ذهب إلى المعهد إذن!! ما الذي يفعله حتى هذه اللحظة هناك!! لا شك انها فرصة سورا ….
غير أن صوته قطع عليها الاسترسال في أفكارها مجددا:
– سوسن.. أما زلت على خط الهاتف معي؟؟
فأجابته باقتضاب:
– أجل..
فتابع كلامه وهو يهم بإنهاء المكالمة:
– لا تبدين على ما يرام، سأمر للإطمئنان عليك بنفسي فهذا أفضل..
تنهدت سوسن وهي تضع الهاتف من يدها مسندة رأسها إلى وسادتها:
– قد أكون واهمة فقط.. ولكن لماذا يحدث كل هذا لي!! ألأنني أحبه فقط!! أهذا حال المحبين كلهم؟؟ أهذه هي طبيعة الحب أم ماذا!! أهي الغيرة !!!!!
وأمام ذلك السؤال الصريح لم تجد سوسن بدا من الاعتراف أمام نفسها، بأنها كانت غيورة فعلا، غير أن ذلك مهّد لسؤال جديد حول طبيعة غيرتها، أهي غيرة طبيعية بين المحبين!! أم أنه القلق من خسران من تحب!! لو كانت غيرة الحب الطبيعية فما بالها لا تراها عند أيهم!!
وعند تلك النقطة تحديدا لاحت لها علامة خطر تحذرها من الاقتراب أكثر نحو تساؤل كهذا.. فصرفت تفكيرها عن ذلك المنعطف حالا، ليطرق اسم نور ذهنها فجأة، لقد رأتها بالأمس مع زوجها، بدا ودودا معها وهو يحادثها، أكان يشكرها فقط لمساعدته في أداء مهمته، أم كان حديثا عابرا.. أم…..
لكنها سرعان ما أنّبت نفسها على ذلك الخوض في أمرهما :
– فليكن من أمرهما ما يكون، فما شأني أنا!
ولمعت في ذهنها فكرة، قد تلقي نور بعد الضوء على أسئلتها المحيرة، فتناولت هاتفها ضاغطة على رقم نور بثقة، لا سيما وأنها قد وجدت اتصالا سابقا منها، وبذلك لن تكون متطفلة عليها بعد نهاية الدوام..
وبلهفة جاءها صوت نور:
– كيف حالك يا سوسن لقد قلقنا عليك اليوم، خاصة وأنك لم تنوهي لغيابك مسبقا!
فابتسمت سوسن:
– كنت مرهقة قليلا فلم اصحو من نومي إلا قبل قليل!
فردت نور:
– الحمد لله ، كنت أود الاطمئنان عليك فقط، فقد كنتِ مهتمة بإنهاء لوحتك قبل نهاية الاسبوع، وإن شاء الله تتمكني من انجازها غدا..
فشكرتها سوسن بامتنان:
– شكرا لاهتمامك يا نور..
وهمت بأن تسألها عن مجيء أيهم هذا اليوم، غير أنها تراجعت، ما عساها تقول لها!!
وأمام ترددها انتبهت نور، فبادرتها بالسؤال:
– هل هناك شيء يمكنني مساعدتك به يا سوسن ؟ إنني بالخدمة يا عزيزتي فلا تترددي..
فأجابتها سوسن إجابة لم تتجاوز حدود حنجرتها:
– لو تعلمين يا نور ما الذي أريده!! انني أريد مساعدتك في كل شيء، ولكن كيف لي أن أعبر عن هذا!! إنني تائهة.. محتارة.. قلقة.. غارقة في الظلام حتى النخاع..
غير أنها اكتفت بقولها:
– شكرا لك يا عزيزتي..
واستدركت متسائلة:
– بالمناسبة.. ما هي لوحتك الجديدة يا ترى؟
فأجابتها نور بابتسامة استطاعت سوسن رؤية اشراقتها عبر الخطوط بمخيلتها:
– سترينها غدا إن شاء الله، لقد رسمتها هذه المرة أكثر إشراقا من السابق وأتمنى أن تعجبك، فاهتمي بنفسك جيدا، ولا تشغليها بما يقلقها ويعكر مزاجها..
كان لتلك الكلمات وقعا غريبا على نفس سوسن:
– أتراها تعرف ما بي من قلق وحيرة!
فرددت سوسن بدهشة:
– نور..!!؟؟
ثم صمتت باترة جملتها بعد أن كان بودها أن تطرح عليها ولو سؤالا واحدا، ما الذي يعنيه الحب لها؟؟ بدا سؤالا صعبا.. أو ربما بدون مناسبة، فحثتها نور على الكلام:
– إنني أسمعك يا سوسن، هل هناك ما يشغل بالك؟؟..
وكمن يحاول اصطياد حوت عنيد، يرفض الانصياع لجذب صياده له، أفلتت سوسن صنارتها بعد أن ضاعت الكلمات منها، فتراجعت عن كلامها، قائلة:
– لا شيء يا نور، أراك غدا..
لم تعرف سوسن كم من الوقت قضت سارحة في فراشها، وهي تصول وتجول مع أفكارها، ما الذي يحدث لي.. إلى متى سأظل عديمة الفائدة هكذا!!
وتذكرت نفسها قبل سنوات قليلة، فتاة واثقة بنفسها قوية الشخصية جذابة ومحبوبة من الجميع، بل والأهم من ذلك.. كانت حرة.. لا شيء يقلقها ولا هم يشغل بالها! فما الذي تغير بعد ذلك!! لقد أحبت أيهم من أول لقاء جمعهما، رغم أنها لم تكن من أشد معجبيه من قبل… ويبدو أنها أسرته فورا بجاذبيتها وجمالها قبل أن تشعر بتعلقها به، كان ذلك يوم حضورها إحدى حفلاته مع صديقاتها كنوع من التغيير لا أكثر، حتى إذا ما ذهبن لمحاولة الحصول على توقيعه رافقتهن دون ان يخطر ببالها انها ستكون لحظة حاسمة في حياتها، فما أن وقعت عينا أيهم عليها ذلك اليوم حتى شعرت بمعنى الحب أول مرة، ورغم أنها كذبت نفسها بداية إلا أن اهتمامه بها دون غيرها ترك أثره الكبير في نفسها، وكيف لها أن تتجاهل ذلك وهو النجم المشهور الذي تتحطم على أعتابه كرامة آلاف المعجبات! فلم تملك إلا أن تحبه، ثم مرت الأحداث بسرعة بعدها، وكم كانت سعادتها كبيرة يوم أن تقدم لخطبتها، لقد شعرت بأنها امتلكت الدنيا وما فيها وهي تنعم بحب من أحبت وبقربه واهتمامه.. حتى أنها لم تنتبه للمكائد المحيطة بها.. و رويدا رويدا بدأ حب أيهم لها يأخذ منحى روتينيا، فيما بدأت هي تزداد قلقا من الأجواء المحيطة بهما.. حتى عالم الفن الذي تحبه.. عالمها الخاص الذي تنسى فيه نفسها، بدأت تفقد اهتمامها به مؤخرا من أجل التفكير في… أيهـــــــم..
ولم تعد تحتمل أكثر، فنظرت إلى عقارب الساعة بتوتر :
– مرت قرابة الساعتين على هذه الحال ولم يأت أيهم بعد! لقد وعدني بأنه سيمر علي..
انتظرت وانتظرت دون أن تفعل شيئا.. حتى مل الانتظار منها، وأخيرا نهضت من فراشها لتبدل ثيابها، فلم يعد أمامها مجال للإنتظار أكثر، إذ كانت تود لو يرى أيهم مقدار الحيرة التي تشعر بها وهي لا تزال على فراشها منذ أن حادثته ، لعله يساعدها على الخروج منها..
ودق جرس الباب معلنا وصول الضيف الموعود بعد أن فقدت سوسن حماستها لاستقباله، فنزلت الدرج بهدوء باتجاه صالة الاستقبال، حيث جلس أيهم بانتظارها..
بدا لقاؤهما غريبا جدا، باهتا وباردا على غير ما خططت سوسن له، واستطاعت أن تلاحظ بصعوبة أن أيهم كان يحاول اصطناع ابتسامة ترحيبية ليلقاها بها، جلست قبالته و خيم الصمت عليهما.. وكأن كل واحد منهما كان محتارا في كيفية البوح بما يخفيه عن صاحبه، ولم تجد سوسن بدا من المبادرة بعد أن طال الصمت أكثر مما ينبغي:
– أيهم.. هل هناك شيء؟ تبدو على غير الصورة التي حادثتني بها ظهر هذا اليوم!
فنظر إليها أيهم مغيرا دفة الحديث:
– يبدو وجهك شاحبا يا سوسن، هل أنت مريضة أم أن هناك ما يضايقك؟
لم تجد سوسن ما تجيبه به وهي تستعرض ما حدث في المرة السابقة، ليس من الحكمة مصارحته بما تشعر به تماما، ولم يتركها أيهم لتفكر بانتقاء جوابها كثيرا؛ بل أخرج من جيبه ورقة مطوية ناولها لها بوجه متجهم قائلا:
– إذن أنت توافقين على هذا الكلام!!
فتناولت الورقة من يده وفتحتها بيد مرتعشة لتقرأ ما طُبع فيها:
” إتق الله أيها الفاسق الضال الغافل.. إنك وأمثالك حطب جهنم وبئس المصير.. إنك تتحمل وزرك ووزر خطيبيتك التي تقف عثرة في طريق هدايتها.. فإن لم ترغب في التوبة فابتعد عنها لــ…..”
سقطت الورقة من يد سوسن وهي تطلق صرخة مكتومة:
– ما هذا!!!! من الذي أعطاك اياها!!
……
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
إضافة تعليق