تركته لأجلك

تركته لأجلك! – الحلقة 49

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

أنهى عامر توقيع كافة الاوراق المطلوب منه توقيعها، ليباشر عمله صباح الغد في المستشفى، وكان على وشك المغادرة؛ عندما تقدم منه طبيب عربي حياه معرفاً بنفسه، رغم أن بطاقته الشخصية المعلقة على صدره تكاد تفي بالغرض:

– الطبيب سائد سمعان.. مرحبا بك..

فصافحه عامر بابتسامة ودودة:

– عامر عرفان.. تشرفت بمعرفتك..

فأطلق سائد ضحكة خفيفة، وشت عن روحه المرحة:

– سمعان وعرفان، يبدو أن هناك انسجام بين أسمائنا، رغم أن مظهرنا يبدو مختلفا بشكل كبير..

قال جملته الأخيرة، وهو يشير إلى لحية عامر.. فبادله الأخير الابتسام بقوله:

– الظواهر لا شيء أمام البواطن… فالقلوب السليمة هي الأهم من ذلك كله.. ونسأل الله أن يجعلنا جميعا من أهل هذه القلوب..

عندها قال سائد، وهو يغمز عامر بنظرة ذات معنى:

– أنت تتكلم مثل هدى تماماً، يبدو أنك ستنضم لفريق تلك الطبيبة المتزمتة.. من يدري.. ربما تكونان ثنائياً منسجماً في النهاية.. خاصة وأنها لم تعثر على فارس أحلامها بعد!

فقاطعه عامر بأدب:

– إنني متزوج..

فضحك سائد، وهو يربت على كتفيه بمرح:

– لا بأس.. إذا لم تعجبك فكرة الصداقة؛ فيمكنك اتخاذها زوجة ثانية، فهذا يوافق هواكم أكثر أيها المتدينون..

استاء عامر بشدة من ذلك الرجل، الذي يحاول أن يجعل من التدين لعبة مسلية، ويحاول صنع أحداثٍ لها على مزاجه!!!!

ولم يخفَ على سائد ملاحظة ذلك الانزعاج المرتسم بوضوح على وجه عامر، فقال ملاطفا:

– لا تأخذ الامور بجدية يا عامر.. ألا تحتمل المزاح يا رجل!

فنظر إليه عامر بنظرات جادة ذات معنى:

– هذا من الأمور الثلاثة التي لا تحتمل المزاح..

**

كانت هدى على وشك أخذ غفوة قصيرة- في غرفة الطبيبات المناوبات في المستشفى- عندما دخلت زميلتها “ليزا” بحماسة مفاجئة:

– لقد انضم إلينا طبيب عربي شاب، ويبدو أنه من النوع الذي حدثتِني عنه!!! لا أصدق هذا… لقد جاء فعلا.. لقد أحضره الله يا هدى… لقد أحضره الله بلا شك!!!

ورغم النعاس الذي كان يسيطر على هدى قبل لحظات، إلا أنه تبخر تماماً مع تلك الكلمات المباغتة، لا سيما وهي تسمع ليزا تهتف باسم “الله” لأول مرة على ذلك النحو!

شعرت بأن ليزا تكاد تطير من الانفعال، دون أن تستوعب ما الذي حدث بالضبط!! حتى أدركت أخيراً ما ترمي إليه، بعد أن تذكرت آخر حوار دار بينهما في عطلة الاسبوع الماضي!!

عندها…شعرت بأن وجهها يتلون بالتناوب بين الاصفرار والاحمرار!!! دون أن تحدد الغلبة لمن في النهاية!

لم تتخيل أن تجري الأمور على هذا الشكل أمام ليزا!! فرغم أنها كانت قد أخذت عهداً على نفسها أن لا تتحدث عن الاسلام بلسانها في مكان العمل، إلا أن ليزا أجبرتها على ذلك أخيراً، فكان لا بد لها من الخروج معها في يوم عطلة…

أما قبل ذلك، فكانت تكتفي بتقديم نموذج عملي عن الاسلام، من خلال أخلاقها وتعاملها وانضباطها واتقانها لعملها، لدرجة أنها نجحت في أن تبرهن لرؤسائها بأن أدائها للصلاة لا يؤثر على أدائها لواجباتها في المستشفى على أكمل وجه، بل إنه يحسن من فاعلية هذا الأداء، حتى أن المشرف المباشر على تدريبها أعجبته الفكرة، ورأى أنها أشبه ما تكون برياضة روحية، تزوّد الانسان بطاقة ايجابية! فكان يقترح على من يصيبه الخمول والارهاق من طلبته؛ ممارسة هذه الرياضة، متخذا من هدى قدوة في ذلك!! غير أن ليزا- زميلة هدى في سنوات الاختصاص الطبي- أثار اهتمامها بشكل أكبر؛ تحفظ هدى في تعاملها مع الرجال، إضافة لحجابها الذي تراه خسارة حقيقية لهذه الشابة، والتي يمكن أن تكون بدونه في عداد الحسناوات الفاتنات!!! والادهى والامر من ذلك برأيها؛ أنها تجاوزت الخامسة والعشرين من عمرها، أو ربما شارفت على الثلاثين وأكثر؛ دون أن يكون لها حبيب أو حتى صديق واحد على الأقل!! وليتها بعد ذلك كله سيدة متزوجة!!!!!!! تلك الأسباب كلها مجتمعة؛ جعلت هدى بالنسبة لليزا حالة- بل ظاهرة- تستحق الدراسة!!!! وكان سؤالها الأول الذي تبادر إلى ذهنها:

– هل الاسلام يحرم المرأة من السعادة!!!! وإذا كان كذلك؛ فما الذي يُجبر هدى على التمسك به حتى الآن!!!

خاصة وأنها رأت سائد – الطبيب العربي والمسلم الوحيد في هذا المستشفى- يتصرف مثل بقية رجال بلدها بحرية تامة، بل إنه عرض عليها شخصيا أن تخرج معه في موعد!!! ولم تشعر بأنه يحرم نفسه من أي شيء يشتهيه!

وإذ ذاك؛ كان لا بد لهدى أن توضح لليزا الأمور بشكل أفضل، فاتفقتا على الخروج معا في أول عطلة لهما، وهذا ما حدث…

وبعد حديث مطوّل؛ حاولت فيه هدى أن تقدم صورة شاملة عن مقاصد الشريعة الاسلامية، والتي من خلالها يضمن الناس سعادتهم في الدارين، قالت ليزا بنفاد صبر:

– المهم ما الذي ستفعلينه إن لم تجدي رجلاً مسلماً ذو خُلُق ودين كما تقولين! فإذا كان “سائد” وهو مسلم مثلك، لا يمثل الصورة الصحيحة للرجل المسلم، ولا ترغبين بالارتباط بأمثاله، فهل ستبقين عزباء طوال حياتك!!!

همت هدى أن ترد عليها بعفوية “هذه ليست مشكلة بالنسبة لي”، لكنها تذكرت بأن إجاباتها محسوبة عليها، بصفتها المسلمة الوحيدة، التي تعرفها ليزا حتى الان، فقالت بروية:

– صحيح أن الزواج أمر هام في ديننا، بل إنه نصف الدين، ولكن المسلم لا يتعامل مع هذه القضية بشكل منفصل عن بقية القضايا، فديننا دين متكامل وشامل، ونحن نؤمن أن الله على كل شيء قدير، وأن ما يكتبه لنا هو الخير دائماً، كل ما علينا فعله، هو أن نحسن التعامل مع الخيارات المتاحة أمامنا، فإذا لم يقدّر الله للفتاة الزواج بالطريقة التي يرتضيها لها، والتي تضمن سعادتها، فهذا بلا شك.. لحكمة فيها خير لها، وهذا بالطبع لا يعني أن تصاب تلك الفتاة بالاحباط واليأس والاستسلام، بل إن بإمكانها الدعاء، والطلب من الله أن يسهل لها ما تتمنى من أي أمر، وهي توقن تماماً أنه على كل شيء قدير، بل إننا نحن العرب لدينا قناعة تامة مفادها؛ أن الزواج بالذات “قسمة ونصيب”، ولكننا وبصفتنا مسلمون، نؤمن أننا مخيّرون في قراراتنا، لذا علينا أن نحسن الاختيار من البداية..

وبالطبع.. وجدت هدى نفسها مضطرة لتوضيح معنى هاتين الكلمتين لليزا، التي لا زالت غير مقتنعة بما سمعته.. فقالت بضيق، وهي لا تزال مصرة على أن تعود إلى نقطة البداية:

– لا أفهم هذا المنطق حتى الآن! أنت في بلد غير بلدك والدين هنا غير دينك، وترفضين الارتباط برجل لا يحمل معتقدك! وقد أخبرتيني ذات مرة؛ أن لديك ظروف خاصة تمنعك من العودة إلى بلادك، فكيف ستتزوجين في النهاية!!!!!

فأجابتها هدى وهي تشعر بأنها تلف في دائرة مغلقة:

– ربما لا تفهمين ما أعنيه الآن، ولكنني على يقين تام بأن الله إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون، وهو قادر على أن يُحضر الرجل المناسب في الوقت المناسب..

ومع تلك الجملة؛ انتبهت هدى من ذكريات تلك الجلسة مع ليزا- والتي مرت في ذهنها كلمح البصر- فخفق قلبها بشدة:

– هل تراه الرجل المناسب حقا!!!

*******
يتبع إن شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

Tags: No tags

إضافة تعليق

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني *الحقول المشار لها بنجمة هي حقول إلزامية