تركته لأجلك

تركته لأجلك! – الحلقة 48

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

ارتمى رامز على فراشه بإرهاق بعد يوم حافل بالعمل.. إنه يومه الأول في هذه القضية فقط!!

ورغماً عنه؛ أخذ عقله يسترجع تفاصيل ما حدث بدقة..

لقد ارتكب من الأخطاء أكثر مما توقع! حتى البطاقة التي تبجح بعدم حاجته إليها؛ استخدمها من المحك الأول مع أيهم!!! ومع ذلك.. كان حظه جيداً بشكل كبير.. فهل يعقل أنها كانت مجرد “صُدف”!! حتى الطبيب الشاب الذي التقاه بسبب غفلة منه أثناء القيادة، تطابقت صفاته مع ذلك الشاب الذي كان أحد المشتبهين برأي أيهم!! بل إنه هو نفسه!! فلا يعقل أن يكون هناك تطابق كبير بين شخصين بالاسم والشكل والعمر والوظيفة، بهذه الطريقة!! ومن الغريب أنه حصل على فرصة دعوة مجانية لزيارته ذلك المساء، رغم أنه تحجج بانشغاله في البداية، لكنه وجد نفسه يهرع للقائه في النهاية!!!

بعدها تمكن من لقاء المشتبه به الآخر!

ومع ذلك.. لا يبدو على أي واحد من هذين الشابين أي معرفة بمكان سوسن، أو حتى مجرد إدراك ما حل بها!! قد ينطبق هذا على الشاب الاول أكثر، أما الثاني؛ فإنه يعتقد بأنه متلهف لمعرفة أي شيء عن سوسن أكثر منه، وإن كانت أسبابهما مختلفة!!

كل ما يأمله أن لا يكون قد أثار شكوكه في تلك الجلسة، التي تظاهر فيها أنه هاوٍ للرسم ويرغب بالاستفادة من خبراته! بل ستكون معجزة حقيقية؛ إن لم يكن سامر قد شك به أصلا!! فرغم أن هذا الاستاذ، تذرع بتعبه وارهاقه في البداية، إلا أنه وبمجرد سماعه اسم “سوسن” انقلب حاله! حتى أنه لم يستطع إخفاء لهفته لسماع أي شيء عنها، لولا أنه بيّن له بأن لوحتها الأخيرة؛ هي من أثارت اهتمامه عندما زار المعهد، وهذا ما جعله يسأل عن ما يعرفه عنها.. فما كان من سامر إلا أن أُسقط في يده بخيبة أمل واضحة!!!

أما تلك الصديقة التي يعتقد أيهم بأنها سبب تغيّر سوسن، فيبدو أنها برئية من هذه القضية تماماً!! فقد غادرت البلاد مع زوجها، ولا شيء يثير الريبة حولها!!!

ولكن ماذا عن أيهم!! لقد تعاون معه بشكلٍ كبير، حتى أنه أطلعه على الحوالة المالية، التي أودعتها سوسن في حسابه! لقد كان صريحاً بشكل كبير، ومن الواضح أن تلك الفتاة لا تزال تشغل تفكيره!! إنه بريء بلا شك على ما يبدو! صحيح أن المجرم في الروايات البوليسية؛ يكون أبعد شخص عن الشبهة، لكن هذا لا ينطبق على أيهم بالتأكيد..

وزفر رامز بضيق، وهو يقلب المعلومات في رأسه..

قد لا يكون محققاً محترفاً كما ادعت أوراقه! ولكنه بذل جهداً كبيراً للظهور بهذا المظهر الزائف.. لا شك أن قراءة الروايات البوليسية وحدها لا تكفي لاكتساب خبرة جيدة في التحقيق، فكيف إن لم يكن مهتماً بها سابقاً!! ومع ذلك فقد أقحم نفسه في هذه القضية وانتهى الأمر، ولا مجال للتراجع الآن!!

كانت الأفكار تتزاحم في رأسه..

لو أنه يفهم فقط طريقة تفكير هذه الفتاة، لتقدم عدة خطوات، بل لو أنه استطاع فقط؛ أن يفهم ما تعنيه جملتها التي اختارتها اسما للوحتها الأخيرة؛ لفهم ثلاثة أرباع قضيتها، أو لجزم على الأقل بشأن هروبها الاختياري!!

وقفز رامز من فراشه، إثر فكرة خطرت بباله، بعد أن الهبته حماساً، فابتسم لنفسه مشجعاً:

– حسنا.. قد لا أكون محققاً حقيقياً، وقد لا يهمني الحصول على رخصة العمل المزعومة؛ ولكن هدفي الحقيقي.. يستحق هذا العناء..

وبسرعة، التقط آلة التصوير الخاصة به، ليستقل سيارته نحو ذلك المحل، وهو يأمل أنه لم يُغلق أبوابه بعد!!

***

لم تدرِ سوسن كم مر عليها من وقتٍ وسط ذلك الظلام، حتى اعتادت عيناها عليه، ومع ذلك لم تتمكن من رؤية ما حولها بوضوح..

حاولت النهوض في البداية.. لكنها شعرت بثقل في رأسها، ودوار شديد أسقطها أرضاً، أدركت فيما بعد أنه من آثار المخدر الذي استنشقته، وكم شعرت بارتياح شديد عندما تحسست حجابها الذي بقي ملاصقاً لها كما عهدته آخر مرة، قبل أن تغيب عن الوعي.. مما طمأنها بأنه لم تمتد إليها يد عابث، فحمدت الله بامتنان شديد لهذا الحفظ، الذي حباها به.. بل إن فرحها بذلك أنساها لوهلة؛ وضعها الحالي!!

حتى شعرت بأن الأنوار تحيط بها من كل جانب، وكأن اسم الله “النور” أضفى ضياء على قلبها، رغم الظلام! وإذ ذاك تذكرت لوحة نور من جديد:

الله

“نور السماوات والأرض”

أليس من الغريب شعورها بهذه الأنوار، في هذا المكان المظلم؛ في حين أنها كانت تعاني من كوابيس الظلام؛ وسط منزلها المنير، وفي وضح النهار!

حقاً… الله نور السماوات والأرض، ومن لم يجعل الله له نوراً؛ فما له من نور…

ورويداً رويداً، بدأت تستعيد توازنها، وهي تسترجع تفاصيل ما علق بوعيها، قبل أن تجد نفسها على هذا الحال..

لا شك بأنها مُختَطَفة ومُحتَجَزة في هذا المكان الغريب! ولكن أين الخاطفون؟ بل أين هي الآن!!

وأسندت رأسها إلى الجدار خلفها، بعد أن تكومت في جلستها، وهي تضم ساقاها إلى جذعها، وتلفهما بذراعيها، وقد شبكت بين أصابع يديها، لتغرق في تفكير عميق، محاولة تجاهل ذلك الجو الخانق حولها..

ما الذي جرى لها؟ وماذا سيكون مصيرها؟

آخر ما كانت تتذكره من همومها، هي الكيفية التي ستواجه بها والديها بعد أن ارتدت الحجاب، لا سيما وقد كان ذلك سببا في فسخ خطوبتها من أيهم!! كان أشد ما تخشاه هو رؤية ردة فعلهما تجاه تصرفها ذاك!! أما الآن… فلم يعد لذلك معنى… فلا شك أن اختفائها سيكون فجيعة حقيقية لهما..

ودمعت عيناها إشفاقا عليهما… ترى؛ كم مر عليها من الوقت في هذا المكان!!

هل يعقل أن مرزوق خان والدها بعد أن وضع ثقته به!!

لصالح من يعمل!! لا شك أنهم أناس معارضون لنجاح والدها في الانتخابات.. وإلا فما هو التفسير الآخر لهذا التصرف، وفي هذا التوقيت بالذات!

وماذا عن أيهم؟ هل افتقدها.. وهل شعر بغيابها! هل من الممكن أن يحرك اختطافها؛ مشاعرٌ جديدة في قلبه نحوها؟؟ لا يمكنها أن تتخيل تجاهله لأمر خطير كهذا.. من يدري… ربما يعود إليها كفارس بطل، يخرجها من هذه الأزمة…

ورغماً عنها؛ وجدت نفسها تسترسل في أفكارها تلك، وصورة أيهم تلتمع في مخيلتها بأبهى حلة، حتى تمنت أن تتحول لوحتها التي رسمتها له، وهو يمتطي حصاناً أبيضاً؛ إلى حقيقة!

غير أنها شعرت بآلام شديدة في رأسها، وأرجاء جسدها، حالت بينها وبين تلك التخيلات، بعد أن شعرت بالجوع لأول مرة! فهل هذا يعني أنها قضت وقتاً طويلاً هنا، دون أن تشعر بذلك؟؟

يبدو أن الهموم الكبيرة، تتضاءل أمام حاجات البشر الفطرية، خاصة عندما تصبح الحاجة ملحة لها…

وإذ ذاك تذكرت الصلاة..

ترى.. في أي وقت من اليوم هي الآن؟ وكم صلاة فاتتها!!

آخر صلاة تذكر أنها أدتها هي صلاة الظهر، وكان ذلك بعد أن أنهت عملية التحويل المالي لحساب أيهم.. ولا شك أن صلاة العصر قد دخل وقتها على الأقل، هذا إن لم تكن في منتصف الليل!

إنها بحاجة للوضوء أولا..

وحاولت النهوض مجدداً، لتتعرف على المكان أكثر، وهي ترتكز على الجدار البارد خلفها، والذي وجدت نفسها ممددة إلى جانبه، عندما فتحت عيناها أول مرة! أحسّت بأنها في غرفة فارغة لا نوافذ لها، ولا حدود لجدرانها، سوى الجدار الذي ارتكزت إليه، لذا بدأت بالسير مستندة عليه خشية السقوط، حتى تتمكن من تحديد معالم المكان الذي وجدت نفسها فيه.. لكن قدمها تعثرت فجأة بشيء ما، أثار توجسها، فوقفت مكانها تتحسس موطن قدميها، ليقشعر جسدها بأكمله؛ بعد أن سرت فيه رعشة حادة، فارتدت يدها إلى الخلف لا إراديا بعنف؛ مما أخل بتوازنها، وأدى إلى سقوطها على الأرض بشدة، في حين انطلقت منها صرخة فزعة، سمعت بعدها أصوات أقدام تقترب من المكان بسرعة، تبعه صرير باب يُفتح، لتشعر فجأة بألمٍ حاد في عينيها، كاد أن يُعميها، بعد أن سطع المكان بضوءٍ وهّاجٍ على حين غرة، رافقه زمجرة من صوتٍ أجش، جمّد الدم في عروقها:

– لقد استيقظتِ أخيرا أيتها الحسناء إذن!

ودوت ضحكته المجلجلة، كقنبلة موقوتة تُنذر بالشر..

وقبل أن تعتاد عيناها على الضوء؛ شعرت بيدٍ غليظة تحط على كتفها، فما كان منها إلا أن انتفضت صارخة، وهي تحاول الابتعاد، والظهور بمظهر قوي متجلد:

– ما الذي تريده ياهذا؟

وقبل أن تسمع رده، سمعت صوتاً آخر يقول بحزم:

– كيف تجرؤ على مخالفة الأوامر! ألم يطلب منا السيد عدم الاقتراب من الفتاة، مهما حدث!!!

لم تكد سوسن تستمع لتلك الكلمات، حتى شعرت براحة عجيبة تسري في أوصالها، وكأنها حصلت على ضمان الأمان أخيرا، فيما سمعت رد الرجل الأول وهو يبرر تصرفه:

– لم أكن أفعل شيئاً، كل ما في الأمر أن فأر المصيدة أخاف هذه المسكينة، فذهبتُ لأطمئن على الوضع!

كانت عينا سوسن قد بدأتا تعتادا على الضياء أخيراً، فراعها مشهد الرجلين أمامها، بضخامة جسديهما، وقد أخفيا وجهيهما خلف لثام محكم، فانكمشت في مكانها وهي تحاول استطلاع المكان بسرعة، لتحدد موقعها فيه.. ومع ذلك لم يستطع عقلها استيعاب طبيعة ما تراه، فهل هي في مستودع قديم، أو حجرة صماء مهملة!! والأدهى من ذلك؛ أنه لا يوجد لها منفذ سوى الباب الذي دخل منه الرجلان، فأي مكان هذا!! غير أن قشعريرة سرت في جسدها، بعد أن وقعت عينها على الفأر الميت العالق في المصيدة، فيما كان الرجل الثاني يذكر الأول بقوله:

– كن حذرا.. فأي خطأ لن يكون في صالحنا..

***

استلقت نور على سريرها أخيراً، بعد يوم حافل بالانجازات، منذ وصولها تلك البلاد خلف البحار..

لقد أنهت الترتيبات اللازمة مع عامر ، واستقرت في شقتهما الجديدة… بينما ذهب هو لمتابعة معاملاته في المستشفى الذي قطع تلك المسافات خصيصاً من أجله..

اطمأنت على أمها، وسعدت بسماع صوتها الحاني.. غير أن هناك أمر واحد لا يزال يشغل فكرها..

تناولت هاتفها للمرة الثالثة..

لا يزال هاتف سوسن مغلق!!

ورغم أنها حاولت تهدئة نفسها، إلا أن القلق كاد أن يسيطر عليها… فالأمور لم تكن طبيعية مع سوسن في النهاية.. وقد وعدتها بأنها ستحادثها من رقمها الجديد، فور حصولها عليه!

ترى.. هل هي بخير؟؟ وماذا حدث بينها وبين أيهم!! لقد أخبرتها سوسن، بأنها ستتخذ قراراً حاسماً في هذا الموضوع، ولا تدري ما الذي حدث معها بعد ذلك..

انقبض صدر نور، وهي تتخيل حال سوسن؛ إن ما قررت الابتعاد عن أيهم، غير أنها سرعان ما استعاذت بالله من الشيطان الرجيم، ونهضت من سريرها لتتوضأ وتصلي ركعتين، توسلت إلى الله فيهما أن يحفظ سوسن من كل مكروه، ويدبر أمورها بلطفه ورحمته التي وسعت كل شيء.. ولم تنسَ الدعاء لأيهم.. فقد كانت هذه هي وصية سوسن الوحيدة!!

*******
يتبع إن شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

Tags: No tags

إضافة تعليق

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني *الحقول المشار لها بنجمة هي حقول إلزامية