دلف رامز مسرعاً إلى العمارة التي تحتضن شقته في دورها الثالث، وهو يحتضن ذلك المغلف الثمين بكلتا ذراعيه، وبدلا من استخدام المصعد؛ آثر صعود الدرج، كنوعٍ من الحرص على مغلفه الثمين، رغم أنه لم يجد مبرراً مقنعاً لتصرفه ذاك!!
ولم يكد يستقر على مقعد مكتبه، بعد أن أغلق باب الشقة خلفه بإحكام، حتى تناول قاطعة الأظرف من حافظة الأقلام، لتباشر عملها بفتح المغلف بحذرٍ شديد..
وما أن أفرغ محتوياته على سطح المكتب أمامه، ليبدأ دراستها بدقة؛ حتى شدّت انتباهه صور الفتاة الضائعة، وقد هاله جمالها الفاتن لوهلة! غير أنه سرعان ما وضع الصور من يده جانباً، وهو يحاول طرد فكرةٍ تسللت إلى رأسه خلسة، ملوحاً بيده في الهواء أمامه، كمن يطرد ذبابة تحوم حوله بإصرار، مذكراً نفسه:
– عليّ أن أكون مهنياً في عملي أكثر، فيكفي ما ارتكبته من خطأ فادح لهذا اليوم، وإلا.. أضعتُ هدفي الذي ناضلتُ من أجله، طوال السنوات الماضية!!
***
أغلق تامر سماعة الهاتف، وهو يتنفس الصعداء، بعد أن بذل جهداً كبيراً في محاولة طمئنة السيد كارم بخصوص ابنته، وهو يوضح له كافة الاجراءات التي اتخذها من أجل الوصول إلى مكانها في أسرع وقت ممكن، دون لفتٍ للأنظار..
أخرج السيجارة الثالثة من جيبه، ليحرق معها همومه بهذا الشأن كما أوهمته نفسه، رغم إدراكه بأنه يحرق رئتيه لا أكثر!!
نفث الدخان حوله بضيق، فما زاده ذلك إلا ضيقاً على ضيق، وهو يسترجع تلك اللحظة، التي ظهر فيها رامز أمامه أول مرة..
بدا له شاباً متحمساً، وهو يعرض عليه فكرة استخراج رخصة للعمل كمحقق خاص، عارضاً عليه خبراته السابقة في هذا المجال..
كانت أوراقه الثبوتية، وشهادات التزكية، وخبرته في تلك الدولة الاجنبية، التي يحمل اسمها على جواز سفره، لا غبار عليها، وفوق الشبهات تماماً.. غير أن المشكلة الوحيدة هي أنه لم يسبق استخراج رخصة لهذا العمل، في هذه البلاد من قبل!! بل إنه يكاد يجزم أنه لم يسبق لدولة عربية أخرى؛ أن أصدرت مثل هذا التصريح!!
محقق خاص!!! اسم لم يسمع به سوى في الروايات البوليسية!! أما في الواقع العربي تحديداً.. فهذا يبدو غريباً.. بل غريباً جداً!!
ما زال صدى كلمات رامز الحماسية في ذلك الوقت يرن في أذنيه..
فبعد أن سأله عن سبب اختياره لهذه البلد بالذات؛ ليمارس فيها هذه المهنة بالذات أيضا، أجابه بوضوح:
– كان من الممكن أن يكون اختياري لأي دولة عربية أخرى، وسيتم سؤالي هذا السؤال نفسه.. ما يهمني هو أن أثبت وجودي في دولة عربية، فأنا مهتم جداً بدراسة البيئة العربية، وقد قضيتُ سنوات لا بأس بها في الدراسة في هذا المكان، حتى أتقنتُ لهجة أهل البلد، مما جعلها أقرب البلاد العربية إلي.. ولأن التحقيق الخاص، هو هوايتي قبل أن يكون مهنتي في بلادي؛ فقد قررتُ ممارسة عملي هنا.. وهكذا أكون قد ضربتُ عصفورين بحجرٍ واحد!
ألا تقولون هذا في أمثالكم!
وقتها لم يجد تامر بداً من إبداء نوعٌ من الاهتمام بطموح هذا الشاب الاجنبي الوافد، بعد الحاحه الشديد عليه، رغم إدراكه في قرارة نفسه؛ أنه لن يقوم بعمل أي شيء لمساعدته على تحقيق رغبته.. كان وعداً أشبه بالمجاملة لا أكثر.. ولم تخفَ على ذلك الاجنبي هذه الحقيقة..
لكن القدر أبى إلا أن يقف إلى جانب ذلك الشاب المتحمس!!! لقد أعلنت الظروف العربية المحيطة ولاءها لهذا الشاب الأجنبي، كغيرها مما التصق به صفة العروبة في هذه الأيام، فأبت إلا أن تقدم له هديتها على طبقٍ من ذهب!!! حتى الظروف أصابتها عقدة “الخواجة” على ما يبدو!!
لم يصدّق تامر نفسه بداية عندما هاتفه كارم أول مرة، بخصوص اختفاء ابنته!! وهو يؤكد عليه ضرورة التحقيق السري في قضيته هذه، بل ويعرض عليه فكرة استئجار محقق خاص لهذا الغرض!!! ولولا معرفته بطبيعة كارم؛ لظن بأنه متآمرٌ مع ذلك الشاب، ليحقق له مطلبه؛ بالحصول على تصريح تحقيق خاص من النيابة العامة!!
وهكذا.. لم يجد تامر بداً من الاتصال برامز، ليشرح له القضية، ويحدد معه موعداً في منزله..
ولكن… هل هو حقاً أهلٌ للثقة كما تثبت أوراقه!!! هل تسليم هذا الرجل الاجنبي؛ قضية حساسة كهذه، يُعتبر أمرا حكيماً!! صحيح أنه يتكلم العربية بطلاقة، ولكنه أجنبي حتى النخاع، كما يبدو من أوراقه!! فهل هذا الأمر يقف ضده أم لصالحه!! أليس الاستعانة بالأجانب أفضل في جميع الأحوال!!!
هذا ما كان يأمله تامر في تلك اللحظات، عندما دخلت عليه الخادمة مسرعة، وفي يدها كوب ماء بارد، بعد سماعها لنوبة سعاله الحاد! ورغم أن سحابة الدخان الكثيفة؛ أخذت تحجب الرؤية الجيدة أمام عينيه، إلا أن آلية التدخين التي برمج عليها جسده؛ أبت التوقف عن عملها، ولو على سبيل المجاملة لذلك الجسد المرهق!!
وضعت الخادمة أمامه كوب الماء، على أمل أن يأخذ استراحة قصيرة من ذلك التعذيب، قائلة بأدب:
– هل تأمرني بشيء سيدي؟
فتناول تامر كوب الماء ليجرعه دفعة واحدة، قبل أن يقول:
– أحضري لي علبة سجائر جديدة..
***
بذل رامز جهداً كبيراً في اقناع ذلك البستاني الحارس، ليسمح له بمقابلة سيده دون جدوى..
كانت كلماته واضحة، وهو لا يكل ولا يمل من ترديدها بإصرار:
– لا يرغب السيد أيهم بمقابلة أي أحد كائن من كان!
وأخيراً قرر رامز المخاطرة، فناول البستاني ورقة صغيرة من سترته، خط عليها عدة كلمات، قدمها للبستاني بعد أن طواها جيداً، قائلاً:
– أرجو أن تقدم هذه للسيد أيهم، وأنا واثقٌ من أنه سيطلب مقابلتي حالاً، لذا أرجو أن لا تتأخر في عرضها عليه، وإلا قد تتسبب في غضبه..
فرمقه البستاني بنظراتٍ يشوبها الشك والريبة:
– إياك أن تكون هذه إحدى حيل الصحافة المقيتة!
فعاجله رامز بنبرة لا تخلو من توسل:
– لقد أقسمتُ لك بأنني لست صحفياً ولا علاقة لي بالصحافة، ولا بعالم الفن بأكمله.. الموضوع أكبر من ذلك بكثير.. صدّقني..
فتناول البستاني الورقة، تاركاً رامز واقفاً مكانه، خارج بوابة الحديقة المنزلية، التي تفصله عن المدخل اكثر من عشرين خطوة.. وقبل أن يذهب البستاني؛ قال رامز:
– لا يمكنني أن أمنعك من فتح الورقة، ولكن السيد أيهم سيفضّل أن لا تفعل ذلك، وأنا أثق بك..
لم يعلّق البستاني بشيء، بل أسرع بالالتفاف حول المنزل من داخل الحديقة، التي يقيم في زاويتها بناء خارجي صغير، خمّن رامز أنه محل إقامة هذا البستاني وزوجته، التي تعمل في تدبير منزل أيهم، كما ورد في المعلومات عنه، ولا شك أن هناك بوابة جانبية أخرى، تؤدي للمنزل، لتكون الصلة بين أيهم ومستَخدَميه..
ولم يخب ظن رامز، إذ سرعان ما أسرع البستاني نحوه، ليفتح له باب الحديقة، ويدعوه إلى الدخول من البوابة الرئيسة، معتذراً عن تركه في الخارج خلال تلك المدة:
– أنت تعلم طبيعة عملي يا سيد رامز.. فأنا بستاني وحارس في الوقت نفسه، ولا يمكنني مخالفة تعليمات السيد أيهم… خاصة وأن هناك مئات الفضوليين الذين لا يتركونه وشأنه أبداً..
فابتسم رامز وهو يتبعه بارتياح:
– لا تشغل بالك بذلك، فبالطبع إنني أتفهم أداءك لواجبك جيداً..
وما أن خطا رامز خطوتين عبر مدخل المنزل الرئيس، حتى فوجيء برؤية ذلك النجم، وقد بدا أكبر من شكله في الصور؛ بعشر سنوات على الأقل!!
وبعد أن استقر الاثنان في مجلسهما أمام بعضهما البعض؛ عاجله أيهم بالسؤال، وهو يتفحصه بعينين واهنتين:
– هل حقا أنت مبعوث من قِبَل سوسن؟
تنحنح رامز في مجلسه قليلا، قبل أن يقول:
– أرجو أن لا تغضب مني يا سيد أيهم، ولكن قضية سوسن شائكة أكثر مما تتصور، وقد جئت لأناقش معك هذه القضية، بصفتك أقرب الناس إليها..
فتنهد أيهم بألم:
– لم أعد واثقاً من هذا أيها السيد..
لكنه بتر عبارته ليقول فجأة:
– لم تخبرني بعد، عن علاقتك بسوسن؟ هل هي من أرسلتك إلي؛ لتحل هذه القضية الشائكة التي تتحدث عنها؟؟؟
فهز رامز رأسه موضحاً:
– ليس الأمر هكذا..
وصمت قبل أن يتابع، وهو يبذل جهده لانتقاء الكلمات المناسبة:
– حسناً.. هي لم ترسلني بشكل مباشر.. أو بالأحرى هي لا تعرفني أصلاً، ولا تعرف أنني أتيتُ إليك بشأنها….
فقاطعه أيهم بغضب:
– وكيف تجرؤ على استخدام تلك الحيلة الرخيصة لمقابلتي أيها الوغد!!!!
فهدّأه رامز بقوله:
– أرجو أن لا تُسيء فهمي يا سيد أيهم، فإنني أتيتُ بالفعل من قِبَل الآنسة سوسن.. يمكنك القول أنني أتيت من قِبَل قضيتها؛ لأكون أكثر دقة..
وأمام ضيق أيهم، الذي ارتسم بوضوح على ملامح وجهه، تابع رامز بسرعة:
– لن أثقل عليك وسأدخل في الموضوع مباشرة..
والتقط نفساً عميقاً قبل أن يقول بتردد، وهو يحاول استخدام أكثر العبارات تأثيراً في نفس أيهم:
– هل تعرف أن الآنسة سوسن قد اختفت بعد فسخ خطوبتكما؟
لم يخفَ على رامز رؤية علامات الدهشة الواضحة على وجه أيهم، والذي كرر كلماته بذهول:
– سوسن.. اختفت!!!! ما الذي تقصده بذلك؟؟
فقال رامز:
– أقصد ما سمعتَه مني بالضبط.. الآنسة سوسن اختفت، ولم تعد إلى منزلها منذ يومين، أي منذ فسخ الخطوبة!
فصرخ أيهم بوجهه وقد طفح به الكيل:
– هل تمزح معي أم ماذا!! ما الذي تقوله يا هذا!! وما الذي تريد الوصول إليه في النهاية؟؟ لقد هاتفني والدها بالأمس أو قبل الأمس، لا أذكر متى كان ذلك تحديداً، وكنت أظنه سيناقشني في أمر الخطوبة، غير أنه اكتفى بسؤالي عنها، ولدهشتي الشديدة؛ تفاجأ بخبر فسخ ابنته لخطوبتنا، ورغبتها بإنهاء كل شيء بيننا.. بعدها.. لم يعاود الاتصال بي مطلقاً، رغم أنني كنت أتوقع اتصاله في كل لحظة!! فما الذي تقوله أنت؟؟؟
أخذ أيهم يلتقط أنفاسه اللاهثة بصعوبة، بعد أن أفرغ ما في صدره دفعة واحدة، وأمام صمت رامز، رمقه أيهم بنظرات حادة:
– هل لي أن أعرف من تكون بالضبط؟؟
وبدلاً من أن يجيبه رامز عن سؤاله، طرح سؤالاً آخر:
– وماذا عن حجاب الآنسة؟ هل كان هو السبب في ما آلت إليه الأمور بينكما؟
شعر أيهم بصدره يغلي كالمرجل، فصرخ بوجه رامز كثور هائج وصل ذروته:
– ومن أنت لتطرح عليّ مثل هذه الأسئلة؟ لقد تجاوزت حدك يا هذا!!
وقبل أن يهم أيهم بالقيام من مجلسه، وقد بدا على وشك الاستعانة بالحارس؛ لطرد هذا المزعج من أمامه، أسرع رامز بإخراج بطاقة خاصة من جيب سترته، وضعها أمام أيهم معتذراً:
– أعتذر بشدة عن كل ما سببته لك من إزعاج يا سيد أيهم، لم أقصد إثارة غضبك، ولم أكن أرغب بإثارة مخاوفك أكثر، ولكن كما ترى..
وتابع كلامه، وهو يرى أثر البطاقة على وجه أيهم:
– لا نريد إثارة ضجة في هذا الأمر، وأنت تدرك مقدار الجلبة التي سيثيرها الاعلام والرأي العام؛ إذا ما تسرب خبر اختفاء الانسة سوسن لهم.. لذا وجدتُ أنه من الأفضل مناقشة هذه القضية معك بصمت، وأعدك أن أكون عند حسن ظنك، فأنت بلا شك لا ترغب بالوقوع في مزيد من المشاكل بسبب هذه القضية..
لاذ أيهم بالصمت، كمن سُكب على رأسه دلو من الماء البارد، فقد كان هذا آخر ما يخطر بباله..
محقق خاص مفوض من رئيس المباحث والجنايات العامة!!!
لا شك أنه يحلم!! أو ربما يهذي!!
وأمام صمت أيهم، تابع رامز كلامه:
– أعتقد أن الأمور أصبحت واضحة الان يا سيد أيهم، سوسن اختفت ولا أحد يعرف ما الذي حل بها منذ يومين، ولا يخفى عليك وضع والدها الحرج، خاصة وهو على وشك استلام مهمام رئاسة الوزارة قريباً، وأريد منك أن تخبرني بكل شيء تعرفه عما حدث معها في ذلك اليوم، فهذا قد يساعدنا… ويساعدك أيضاً..
قال كلمته الأخير، مشدداً على حروفها، بنبرة ذات مغزى.. قبل أن يقول:
– ولا داعي لأن أذكرك بضرورة المحافظة على سرية هذه الزيارة، فأنت تدرك تماماً أهمية ذلك بالنسبة للجميع، بما فيها سمعتك أيضاً..
أُسقط في يد أيهم، وقد بدا كالعصفور الجريح، الذي استسلم أخيراً ليد قانصه!
***
شعر سامر بدوار في رأسه، كاد أن يفقده توازنه، مما جعل ناديا تطلب له كوباً من الماء البارد، وهي تشير له بالجلوس قائلة:
– إنني بالفعل آسفة جداً لما حصل، ولكن لم يكن باليد حيلة.. كان هذا قرارها، ولم يكن بإمكاني منعها أو إجبارها على شيء لا تريده..
لم يصدق أذنيه في البداية.. سوسن لم تكتفي برفض دعوته القيمة، للمشاركة في المنافسة العالمية؛ بل تركت المعهد أيضاً!!
هل يعقل أنه دفعها بتهور؛ لترك عالم الفن بأكمله!! ستكون هذه خسارة فادحة.. بل مصيبية حقيقية!!!
لقد كان ينوي فتح صفحة جديدة معها، معنونة بصداقة بريئة لا أكثر، بعد أن يعتذر لها عن كل ما سببه لها من إزعاج.. أما أن تصل الأمور بها إلى هذا الحد، فهذا ما لم يكن يتوقعه منها على الاطلاق!!
شعر بألم كبير في صدره، وضغينة سوداء تجاه ذلك الشخص المدعو أيهم!! هل ستكرس حياتها من أجله، وله وحده فقط!!! هذا كثير عليه بلا شك!!!
كان غارقاً في أفكاره تلك، التي لم تترك له مجالاً لاستيعاب كلمات ناديا، مما جعلها تعيدها على مسامعه مرة أخرى، وهي تقدم له كوب الماء، الذي أحضرته العاملة:
– أستاذ سامر.. هل تسمعني؟ هل أنت بخير؟؟
فحملق فيها سامر بذهول، كمن أفاق فجأة من سكرته، قبل أن يتناول كأس الماء من يدها، مبررا موقفه:
– لقد فاجأني الخبر حقاً.. خاصة وأن هذا سيربك ترتيباتنا، التي أعددناها للمنافسة العالمية الخاصة بمحترفي الفن!
وأمام حرج ناديا الواضح، تكبّد سامر عناء الابتسام لها قائلاً:
– لم تكن غلطتك على أية حال…
ثم صافحها مجامِلاً:
– أشكرك على كل ما قدمتيه لنا حتى الان، أراك لاحقاً..
وقبل أن يهم بالمغادرة، وقعت عيناه على لوحة سوسن الأخيرة، فتوقف لبرهة، وقد سرت قشعريرة في جسده، فيما قالت ناديا موضحة:
– كنتُ سأريك إياها.. إنها لوحة سوسن الأخيرة..
فاتسعت عينا سامر بدهشة:
– منذ متى وسوسن ترسم بهذا الأسلوب!!
ولم تكد عيناه تقعان على اسم اللوحة؛ حتى شعر بالأرض تموج من تحت قدميه، فارتكز على الجدار، وقد غامت الدنيا أمام عينيه فجأة، وهو يتمتم بذهول:
– هل هذه رسالة لي يا سوسن!!
وفي محاولة يائسة للسيطرة على ما تبقى من وعيه، أسرع يودع الآنسة ناديا، مغادراً المعهد الذي كان يعني له شيئا جميلاً قبل أيام قليلة فقط!! أما الآن.. فلم يعد يلوي على شيء؛ سوى الخروج من هذا المكان بأسرع وقت ممكن، حتى أنه لم ينتبه لذلك الشاب الذي اصطدم به، وهو ينزل الدرج بسرعة، فلم يكلف نفسه عناء الاعتذار منه! وبدل أن يستقل سيارته، أخذ يسير في الطرقات على غير هدى، وهو يحدث نفسه في حالة يُرثى لها:
– يا إلهي.. هل يُعقل هذا!! هل حقا تركتِ المعهد بسببي يا سوسن!!!
لم يدرِ كم من الوقت مر عليه وهو على تلك الحالة؛ حتى أنهكه التعب، بعد أن استهلك طاقته بأكملها في المشي، فما كان منه إلا أن جلس على رصيف الشارع، الذي وجد نفسه فيه دون وعيٍ منه، ولدهشته الشديدة؛ لمح بطاقة ملقاة على الأرض أمامه، بدا منظرها غريباً عن هذا المكان شبه المهجور، فيما أخذ شعور غريب يلح عليه بشدة، فنهض من مكانه ليلتقطها، وما أن قرأ ما كُتب عليها بخط واضح “أذكار الصباح والمساء”، حتى شعر بأنه يوشك على الانهيار فعلاً.. لقد لمح هذه البطاقة بالذات مع سوسن، لا شك في هذا، فقد تعجب وقتها من أن تكون فتاة مثلها؛ مهتمة بمثل هذه الأمور!!! فما الذي أتى بهذه البطاقة هنا! وهل هي حقاً لها؛ أم انه بات مجنوناً يتوهم أن كل شيء له علاقة بها!!!!
إضافة تعليق