تركته لأجلك! – الحلقة 6

عن القصة:

رواية عاطفية متسلسلة من نوع خاص، تتحدث عن شابة حسناء ثرية وماهرة بالرسم، ترتبط بنجم مشهور بعد أن وقع في حبها من النظرة الأولى، لتبدأ بعدها حياة جديدة لم تتوقع أن تواجهها يوما ما..”

شباب وشابات تختلط مشاعرهم في هذه الرواية وتتشعب، فهل “الحب” هو السبب؟!!

التصنيف: رومانسي، دراما، غموض، سينين

لم تستطع ناديا السيطرة على انفعالها أمام لوحة نور الثانية والتي كانت على وشك الانتهاء منها مع نهاية دوام ذلك اليوم، وبدا أن اهتمام ناديا قد تحول فجأة لينصب على نور وحدها وكأنها لم تعد ترى غيرها في ذلك المعهد:
– رائع .. مدهش، لقد امسكت زمام الفن السريالي باحتراف يا نور، لا شك أن لديك خيال خصب جدا!! ثم أنه لا يوجد سوى قلة ممن يستطيعون اظهار تفاصيل دقيقة كهذه في الظلام!
أما سوسن فقد جفلت و شعرت بدوامة تكاد تفقدها الوعي للمرة الثالثة في هذا اليوم، وقد هزها مشهد اليد التي رسمتها نور وهي تنازع للخروج من بين ظلمة الأمواج المتلاطمة وسط ليل حالك تلفه الغيوم..
– ما هذا يا إلهي!! أتراها قد اطلعت على كابوس نومي فأتت لتجسده أمامي في كل لحظة!!
ظلام في ظــــلام في ظـــــــــــــلام
ولم يخف على نور ذلك الاثر الذي انطبع على وجه سوسن الجالسة قربها وقد بدأت تدرك جانبا مما يدور بخلدها، فربتت على كتفها هامسة:
– لم انتهي من لوحتي بعد يا عزيزتي، اطمئني فستكون أكثر تفاؤلا بعد قليل إن شاء الله
فنظرت اليها سوسن متسائلة:
– أهذه تجسيد لآية أخرى يا نور؟؟
فأومأت نور برأسها ايجابا:
– ” ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها!”
و كأروع لمسة ريشة من يد أعظم فنان، بزغ نور باهر من وسط تلك الظلمات، ليحيل جو اللوحة إلى معنى آخر وضحته نور بقولها:
– ” ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور!”
ولأول مرة تلاحظ سوسن وجود أيهم قبل أن يفاجئها كعادته وقد تسمرت عيناه على لوحة نور باهتمام خاص، غير أنه سرعان ما تجاهل ذلك كمن يقاوم الاستسلام لأجواء تلك اللوحة خشية أن تفسد عليه أجواءه الخاصة، فطبع قبلة على رأس سوسن هاتفا بمرح:
– هيا يا ملاكي لقد مللت الانتظار..
فما كان من نور إلا أن انسحبت من قربهما بهدوء وأدب خاصة وأن وقت الدوام قد انتهى، ولم يبق في المعهد سواها هي وفتاتين على الأكثر إضافة لسوسن وخطيبها، غير أن ايهم انتبه لها فرمقها بنظرات غريبة وهو يخاطب سوسن بصوت خفيض:
– من هذه الفتاة الغريبة؟؟ لم أتوقع أن معهدكم يستقبل أمثال هذه الأشكال!!
لم يرق لسوسن تلك اللهجة التي تحدث بها أيهم عن نور، فبدا ذلك جليا على وجهها وهي ترد عليه بقولها:
– إنها من أفضل الموجودين هنا بل وقد أصبحت أعز صديقاتي أيضا..
فحملق فيها أيهم بدهشة:
– سوسن ماذا أصابك!! هل حقا ما تقولينه!! هل هذه .. صديقتك!!
فأجابته سوسن بحدة:
– ولم لا!!
فابتسم أيهم محاولا تدارك خطأه الذي أحرجه مع خطيبته، قائلا:
– حسنا يا حبيبتي لا داعي لكل ذلك الانفعال، كنت أمزح فقط فلا تفسدي لحظات لقاءنا هذه..
وأخرج من جيبه بطاقتي دعوة قائلا:
– لقد دعينا لحضور افتتاح المتحف الوطني عصر هذا اليوم..
فنظرت اليه سوسن متسائلة؛ وقد بدأ التعب يلوح أمامها مذكرا فيما إن فكرت ببذل مجهود اضافي هذا اليوم:
– هل يتوجب علينا الحضور؟
فأجابها أيهم:
– انها فرصة لا تفوت يا عزيزتي فسيحضر كبار الشخصيات وحتى الوجهاء و الوزراء، وكما تعلمين فإدارة المتحف يهمها استقطاب كافة المشاهير والنجوم في حدث كهذا، فهذا مما يشجع الجميع على ارتياده، لا سيما وأنهم تكلفوا مبالغ باهظة من أجل انجازه..
فتنهدت سوسن موافقة:
– حسنا، ولكن ألن نذهب لتناول الغداء أولا؟؟ لقد أعدت لك بهجة طبقك المفضل.. كما أن والداي بانتظارك ..
وبحركة مفاجأة، ثبت أيهم يديه حول خاصرتيها و حملها وهو يدور بها بمرح:
– طبعا يا ملاكي..
في حين أخذت تتوسل إليه:
– كفى يا أيهم انزلني أرجوك
ولم تستطع سوسن رفع عينيها عن الأرض من شدة الحرج في حين تأبط أيهم ذراعها باسما:
– هيا بنا يا حبيبتي للمنزل، فما زال أمامنا متسع من الوقت حتى موعد الافتاح..
كانت اللحظات التي تقضيها سوسن مع خطيبها عندما يزورها في منزلها من أجمل لحظات حياتها، فلا أحد هناك ينغص عليهما جلستهما بنظرات حادة أو متلصصة، وكان أيهم يدرك ذلك جيدا غير أن طبيعة نجوميته وشهرته جعلته يعتاد البقاء تحت الأضواء دائما، مما جعله يستوحش البعد عنها..
وعلى أريكة مريحة استرخى أيهم مغمضا عينيه نصف إغماضة بعد وجبة شهية تناولها مع عائلة سوسن، فيما جلست هي قبالته تتأمل قسمات وجهه بمحبة، حتى إذا ما فتح عينيه فجأة صرفت بصرها للجانب الآخر، مما جعله يبتسم قائلا:
– أنت تحبينني يا سوسن، أليس كذلك؟؟
فاحمرت وجنتيها قبل أن تقول بلا مبالاة مصطنعة:
– وما الغريب في ذلك فأنت خطيبي!
وهمت بأن تقول شيئا بدت مترددة فيه ثم آثرت الصمت إذ لم يبد لها الجو مناسبا لذلك، فشجعها أيهم على البوح بما لديها وهو يتناول يديها ويخبؤهما بين كفيه قائلا:
– أخبريني يا سوسن، ما الذي كنت تريدين قوله.. اظنه الشيء الذي كان يزعجك في الصباح، أليس كذلك يا حبيبتي؟
تسارعت نبضات قلب سوسن بشدة، وزاد احمرار وجنتيها، فلأيهم سحر لم تستطع الفكاك من أسره حتى هذه اللحظات، لذا كلما ظنت بأنها تمتلك من القوة ما يمكنها من مواجته بما يزعجها منه، خابت ظنونها أمام سحره الآسر فتخونها الكلمات بل ولا تعد تشعر بأن لها معنى.. إنها تحبه.. بل وتعشقه بجنون.. وتتمنى لو.. لو أنها فقط.. لا تدري كيف تقولها أو تواجهه بها.. فهي لا تريد أن تفكر باقل احتمال قد يجني عليها خسارتها له..
وكم كان يسعد أيهم ذلك منها، فيقينه من حبها له وهيامها وتعلقها الشديد به كان يشعره بنشوة لا حدود لها، كيف لا وقد امتلك قلبا يتمنى الجميع أن يحظى بعطف منه!
مرت لحظات صمت قبل أن يقول أيهم وهو يحاول فك رموز الصراع المرتسم على صفحة وجهها:
– أكل ذلك يا سوسن من أجل ما أعبر به عن حبي لك أمام الآخرين؟؟ أمن أجل تلك الفتاة التي أصبحت صديقتك مؤخرا تجهمت اليوم وأنا أحملك يا حبيبتي؟
فهزت سوسن رأسها نفيا:
– لا علاقة لصديقتي تلك بالأمر، فقد قلت لك مرارا قبلها أنه لا داعي لذلك الاستعراض أمام الجميع!!
فرمقها أيهم معاتبا:
– ذلك ليس استعراضا!! أنه حبي الكبير لك وأريد من العالم كله أن يعرف ذلك..
فاستدركت سوسن معتذرة عن كلمتها قائلة:
– لم اقصد ذلك يا أيهم.. ثم إن ذلك لم يعد يهمني الآن.. انني..
وصمتت قبل أن تقول بتنهيدة بثتها آهاتها كمن يحاول ازاحة جبل ثقيل عجز عن مجرد زحزحته:
– أنت تدرك تماما مقدار حبي لك..انني يا ايهم .. انني أتعذب بحبك.. وأريد التأكد فقط..
و لم تستطع اكمال جملتها وقد أخذت تجهش بالبكاء، فنهض أيهم من مكانه وجلس إلى جانبها وهو يحيطها بذراعه:
– سوسن أخبريني.. مم تريدين التأكد يا حبيبتي، اقسم لك أنني أحبك ولن أحب أحدا سواك وسأظل أحبك حتى آخر رمق في حياتي.. فهل صدر مني ما يجعلك تشكين في ذلك؟؟
ورويد رويدا بدأت سوسن تهدأ وهي تحاول التقاط انفاسها المتلاحقة، وصورة ذلك الحفل تلوح في مخيلتها، كيف لها أن تخبره!! لقد كانت نظرات الرجال تلتهم كل جزء من جسدها دون حياء.. بل وأمام ناظري خطيبها دون أن يبدي امتعاضه من ذلك.. بل انها.. قد هيئ لها أنه مسرور بذلك أيضا فما باله لم يعترض عندما طلب أحدهم مراقصتها، لولا أنها رفضت ذلك يشدة!! كانت تريد التأكد فقط من أنها كانت واهمة وأنه ما كان ليرضى بأن يشاركه أحد في حبيبته.. ألا يغار عليها من تلك العيون النهمة!! ألا يسوؤه نظراتهم الجشعة اليها!! أليس هذا هو الحب الذي تعرفه!! لقد كانت تود التأكد فقط.. لو أنه يحبها حقا لذاتها هي، وليس لكونها مجرد دمية جميلة يتباهى بامتلاكها أمام الآخرين.. لكن.. كيف تصارحه بهذا الكلام!! وكيف تعبر له عن ما تشعر به من أسى جراء ذلك دون أن يسئ فهمها!!
وأمام الحاحه الشديد عليها نطقت أخيرا وهي تنتقي كلماتها انتقاء لتعد جملة حاولت جاهدة اخراجها بشكل طبيعي:
– لقد ساءتني نظرات الرجال كثيرا في تلك الحفلة..
وصمتت فنظر اليها ايهم متسائلا بتعجب:
– أهذا كل ما في الأمر!! إن هذا أمر طبيعي فقد كنت الأجمل والأروع بل و ملكة الحفلة كلها دون منازع!!
فقالت سوسن وهي تحاول وصف مشاعرها:
– لكنها لم تكن نظرات عادية.. شعرت بأنهم يلتهمونني التهاما رغم أن منهم من كان في عمر والدي.. وهذا لا يحتمل!!
فرد عليها ببرود:
– إن الموضوع لا يستحق كل هذا الانزعاج منك، تجاهليهم فقط و لا تلقي لهم بالا..
ورغم خيبة رجاء سوسن بذلك الرد الباهت، إلا أنها قالت بتردد:
– ألا يزعجك هذا يا أيهم!! ألا.. ألا تغار علي!!!
بوغت أيهم بذلك الكلام، فرمقها بنظرة حادة قائلا:
– لا شك أن لتلك الفتاة المعقدة يد فيما أصابك، لقد أثرت على تفكيرك بشكل لا يصدق، وإن يقيت على علاقة معها فلا أدري إلى ما ستؤول إليه الأمور بيننا!!
ونهض من مكانه تعبيرا عن احتجاجه، فأسرعت سوسن تتشبث به بتوسل:
– أيهم أرجوك لا تسئ فهمي، فلا دخل لنور بما حدثتك عنه، إنها مشاعري أنا ولا دخل لأحد بها، فلا تجعل هذا الكلام يؤثر على علاقتنا، ألست أنت من أصر على معرفة ما يضايقني؟؟
فالتفت إليها أيهم ونظر اليها بنظرة عميقة نفذت إلى مجامع قلبها لتترك أثرها المعهود فيه، ثم ضمها إلى صدره قائلا:
– دعك من هذه السخافات يا حبيبتي.. فأنا أحبك وكفى..
لم تدري سوسن كيف مرت اللحظات بعدها غير أنها ازدادت اقتناعا بصعوبة فتح موضوع كهذا مع أيهم، وآثرت التحاشي عن كل ما قد يزعجه منها، خاصة و أن هناك ألف فتاة غيرها مستعدة للتضحية بنفسها من أجله!
 
……
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
Tags: No tags

إضافة تعليق

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني *الحقول المشار لها بنجمة هي حقول إلزامية