وقفت سوسن على بعد خطوتين من واجهة العرض حيث وُضعت لوحاتها، غير مصدقة أذنيها وهي تستمع لحديث دار بين سامر وسيدة محجبة كانت تتكلم بعصبية:
– هذا ليس عدلا يا أستاذ سامر، أقدر كونك المشرف العام على تنظيم المعرض، ولكن لا يمكن للوحات تلك الفتاة أن تحتل هذه الواجهة الأمامية، وهناك من هم أقدر منها من الفنانين!!
فيرد عليها سامر بجدية:
– هل تنكرين أنها جميلة!!
فزمّت السيدة شفتيها معلقة بازدراء:
– تقصد اللوحات أم هي؟؟
احمر وجه سامر وشعر بارتباك مفاجئ، وهو يرد يتوتر ملحوظ:
– ما الذي تقصدينه يا سعاد؟؟ انني أتكلم عن اللوحات بالطبع!!
غير أن السيدة لمحت سوسن، فأشارت اليها بكلام لا يخلو من ضيق:
– يبدو أنها جاءت.. متأخرة كعادة هؤلاء الفتيات اللامباليات، لعلهن يلفتن المزيد من الانظار..
لم تستطع سوسن تصديق ما سمعته بداية، وتمنت لو بامكانها الهروب من هذا المكان بأقصى سرعة، بعد أن خاب أملها بهذه السيدة المحجبة التي ذكرتها بنور في البداية!
لماذا هذه الاتهامات!! ما الذي فعلته لها ياترى!! انني حتى لم أرها إلا هذه اللحظة!!
وانتبه لها سامر فاسرع نحوها مرحبا، ليتدارك الموقف بسرعة، خشية أن تكون سوسن قد سمعت كلامهما، فيما ابتعدت سعاد بغيظ وهي تحدث نفسها بكلام لايروق لأحد بالتأكيد..
حاولت سوسن تناسي ما سمعته قبل قليل لتُجاري سامر في حديثه، حيث بدا منفعلا جدا وهو يوضح لها فكرته في تنسيق لوحاتها لتظهر بأبهى صورة، وهو يوجه تعليماته للعامل:
ضع هذه هنا.. وهذه هناك.. ارفع هذه قليلا للأعلى… جيد.. وتلك إلى اليمين لو سمحت.. أشكرك..
حتى قال ملتفتا نحو سوسن:
– ما رأيك الآن آنسة سوسن؟ هل أعجبك؟
هزت سوسن رأسها بإيماءة خفيفة، دون أن تستطيع اخفاء نظرات الحزن في عينيها، وبدت مترددة قبل أن تقول:
– اشكرك، ولكنني لا أرغب في الظهور في واجهة لا أستحقها..
فقال لها سامر بلطف وتفهم:
– أرجوك آنسة سوسن، لا تجعلي كلام الآخرين يؤثر بك هكذا، أنت فنانة موهوبة ومتميزة جدا، ومن الطبيعي أن تجدي من يحسدك..
اكتفت سوسن بابتسامة خفيفة ولم تقل شيئا، فيما تعلقت عينا سامر بها لوهلة قبل أن ينتبه لنفسه، فأسرع يقول:
– حسنا أراك فيما بعد يا آنسة، فلدي بعض الاعمال الأخرى، وأرجو أن تكوني مستعدة فلم يبق على موعد الافتتاح أكثر من ساعة..
***
لم تتوقع سوسن أن تنسجم بسرعة مع الزائرين الذين توافدوا على المعرض، وهي تشرح لهم بحماسة منقطعة النظير عن لوحاتها، كانت غارقة تماما في جوها الحالم الهادئ؛ حتى بدت لمن يراها ويسمعها كحورية خرجت من ذلك العالم الوردي لتحكي لهم عنه..
وبدا أن من يقف عندها، يجد صعوبة في الذهاب لزيارة بقية أرجاء المعرض، إذ كانت زاويتها أكثر زاوية تعج بالحركة والنشاط، ولم تكن سوسن لتركز بوجوه الحاضرين جميعا أو تنتبه لهم، غير أن رجلا بصحبة زوجته أثار انتباهها بشدة؛ وهو يصر على أن يكون قريبا منها ويبادلها الحديث بشكل مباشر، فكان يختلق أسئلة لا معنى لها ليحقق هذا الغرض، فيما كانت زوجته تشده من ذراعه، معربة عن رغبتها في زيارة ركن آخر..
كان الرجل مصرا على تجاهل زوجته بشكل غريب، حتى إذا ما تمادت في الحاحها عليه، صرخ في وجهها بعصبية:
– لن أتحرك من هنا، إذهبي وحدك إذا رغبتِ!!
شعرت سوسن بالحرج الشديد مما رأته، وتمنت لو بإمكانها فعل شيء من أجل تلك الزوجة المسكينة التي اسرعت تبتعد في هيجان شديد، فيما تابع الرجل حديثه مع سوسن وكأن شيئا لم يكن، وهو يقول لها بابتسامة متوددة:
– وماذا عن هذه اللوحة يا آنسة؟
ورغم إنه من الطبيعي أن تجيب سوسن على سؤال كهذا، لكنها شعرت في تلك اللحظة بأنها تود الصراخ في وجهه لتقول له:
– أي رجل أنت! وأي لوحة هذه التي سأحدثك عنها بهذا البرود!! ألا يوجد لديك احساس!!!
غير أن ظهور سامر في تلك اللحظة أنقذها، وهو يسرع نحوها بابتسامة ذات معنى، مشيرا اليها بطرف عينه علامة التفهم، وهو يقول لها:
– يبدو أنك أُجهدتِ من الوقوف هنا يا آنسة سوسن، تستطيعين الذهاب لأخذ استراحة قصيرة وسأتولى الشرح لهذا الرجل نيابة عنك..
فابتسمت شاكرة بامتنان شديد لم تشعر بمثله من قبل:
– شكرا لك أستاذ سامر.. شكرا لك..
وذهبت بسرعة كمن يفر من قبضة صائده، فيما تمعر وجه الرجل الذي وقف مضطرا لسماع شرح سامر..
……
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
إضافة تعليق