استيقظت سوسن على صوت هاتفها، حتى اذا ما أجابت على رنينه المُلِح أتاها صوت أيهم بلهفة من لم يسمع صوتها لعشر سنوات:
– كيف حالك يا حبيبتي؟ هل ستذهبين إلى المعرض الدولي مباشرة كما أخبرتِني؟
فردت عليه سوسن وهي تفرك عينها بتكاسل:
– أجل لقد ذكرتني، سأذهب إليه مباشرة، إذ سيقوم العمال بنقل لوحاتي إلى هناك، وعليّ الاشراف على ترتيبها عندئذ..
فقال أيهم بلهجة لا تخلو من ضيق:
– هذا يعني إنني لن أراك في المعهد هذا اليوم!
عندها انتبهت سوسن لهذه المعلومة الخطيرة.. ايهم وسورا في المكان نفسه، وهي بعيدة عنهما!!غير أنها نفضت الفكرة من رأسها بقوة وهي تحدث نفسها:
– لا أريد أن أخوض في أي شيء قد يعكر مزاجي، أيهم خطيبي وهو يحبني كما أحبه، فلاداعي لكل تلك الوساوس..
وساعدها كلام أيهم على طرد الفكرة أكثر، بقوله:
– لن يطيب لي اليوم الدوام في ذلك المبنى، لذا سأحاول إنهاء عملي مبكرا هناك، لألحق بك في أسرع وقت..
انفرجت شفتا سوسن عن ابتسامة عذبة، وقد شعرت براحة كبيرة، غير أنها حاولت أن لا تفصح عن مكنونات نفسها في ردها عليه، فاكتفت بقولها:
– سيسرني ذلك بالتأكيد، ولكن لا تضغط على نفسك..
فجاءها صوت أيهم ليطمئنها تماما:
– أي ضغط هذا الذي تقولينه يا حبيبتي عندما يلاقي المرء حبيبه!!
انتهت المكالمة ووقفت سوسن أمام المرآة وهي تسوي شعرها بيديها قبل أن تستحم، ومئات الأفكار تدور في رأسها جراء ما حدث ليلة الأمس:
– الاشارة واضحة على ما يبدو.. ولكن كيف لي أن اتبعها!! اليوم هو أول ايام المعرض الذي طالما حلمت بالمشاركة فيه، وعلي أن أكون صافية الذهن.. ولكن.. ماذا عن الاشارة!!!
وتنهدت:
– ترى ما رأي نور بهذه الفكرة؟؟ “الاشارة” هل تؤمن بها؟؟ ربما علي أن اسألها عن ذلك، فقد تفيدني بشيء..
ونظرت نحو اللوحة المعلقة فرددت:
– يا الله!! ماذا عساي أن أفعل الآن!!!
واتجهت نحو خزانة ملابسها تتأملها بنظرة يائسة، غير أنها لم تجد شيئا يوافق ما تفكر فيه، فالتفتت إلى سريرها وتناولت غطاءً خفيفا من فوقه قامت بثنيه، ثم وضعته على رأسها كما تفعل المحجبات عادة، وتأملت نفسها في المرآة قليلا:
– هل عليّ أن أبدو هكذا!!
وقبل أن تستطرد في أفكارها أكثر، انتبهت لصوت المنبه الذي لفت نظرها لضرورة الاستعجال، فهي لم تستحم بعد وستحتاج بعض الوقت لتجفيف شعرها وتصفيفه، بالاضافة لارتداء الملابس المناسبة التي لم تستقر على اختيارها بعد!!
***
حاولت سوسن أن تبدو أكثر اتزانا وهي تصعد الدرج بسرعة، لا سيما وهي ترتدي ثيابا رسمية جدا، استطاعت العثور عليها بصعوبة من بين أغراضها القديمة، قميص أبيض ذو ياقة عالية وأكمام طويلة، وتنورة سوداء تصل الى منتصف ساقها، وحذاء أسود ذو كعب متوسط، ورغم أنها حرصت أشد الحرص على الظهور بمظهر عادي غير ملفت، إذ اكتفت بربط شعرها إلى الخلف، ولم ترتدي أي نوع من مجوهراتها المعتادة، إلا أن العيون لاحقتها وهي تدلف إلى قاعة المعرض الكبيرة، حيث كان المكان يكتظ بالعاملين والمنظمين وغيرهم، فحاولت تجاهلهم رغم استيائها الشديد، إلا أن أحدهم بدا مصرا أكثر من غيره، فلم يكتف بالتهامس مع رفيقه وهو يشير اليها بعينيه عندما مرت من قربه، بل لحقها معترضا طريقها قبل أن تدخل، وهو يمد يده ليسلم عليها بجرأة:
– أنت الفنانة سوسن؟ اليس كذلك؟ يسعدني أن التقيك يا آنسة..
حملقت فيه سوسن بضع لحظات بدهشة، قبل أن تمد يدها مجاملة:
– عفوا من معي؟
فابتسم الرجل:
– لست مشهورا ومهما مثلك، فأنا مجرد زائر انتظر الافتتاح الرسمي للمعرض..
وغمزها بعينه ضاحكا:
– لقد لفتتني الاعلانات عنه..
لم تفهم سوسن سببا لغمزته تلك، ولم يتركها الرجل لتفهم، إذ سرعان ما أخرج بطاقة من جيبه ناولها اياها بابتسامة جَذِلة:
– اسمي سمير، وهذه بطاقتي الشخصية، إن احتجت أي شيء فلا تترددي..
لم ترغب سوسن بتناول أي شيء منه، لكنها لم تجد بدا من فعل ذلك، مكتفية بابتسامة مقتضبة، تمنت لو يفهم هذا الرجل من خلالها كم هي مستاءة من تصرفه، ومن لطف الله بها أن الحراس على الباب كانوا يمنعون دخول أي شخص ليس له عمل رسمي قبل الافتتاح، وإلا لما توانى ذاك الرجل عن اللحاق بها..
وما أن أغلق الباب الكهربائي خلفها، حتى تنفست الصعداء وهي تتجه نحو الصالة الرئيسة، ولم يكن يخطر ببالها أن ما قابلته للتو في الخارج؛ ما هو إلا جزء يسير مما سيواجهها في الداخل..
……
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
إضافة تعليق