ظــــــــلام في ظــــلام في ظلام يحاصرها في كل مكان.. قلبها المعذب لم يعد يرى شيئا غير الظلام، حتى لوحتها الوردية المصطبغة بألوان القرمز الأحمر والخيول البيضاء الناصعة، لم تعد ترى فيها إلا الظلام..
وحدها تلك اللوحة ذات النور المبهر بدأت ترسل أشعتها لتخترق نسيج الظلام المتين، ففتحت عينيها لتقرأ من بين خطوطها المنيرة:
الله
فاقشعر جسدها ورددت بلسانها وقلبها:
– يا الله..
وانتبهت لنفسها أخيرا، فقد كانت ممددة على سريرها حيث علّقت لوحة نور على الجدار أمامها، فيما جلست أمها عن يمينها والتي ما أن رأتها قد استيقظت حتى هتفت:
– سوسن حبيبتي، كيف أصبحت الآن؟؟
فنهضت سوسن من فراشها متسائلة:
– ماذا حدث يا أمي؟ من الذي أحضرني هنا!! هل كان ذلك حلما!
فجاءها صوت أيهم الجالس عن يسارها والذي لم تنتبه لوجود إلا حينها:
– لقد فقدتِ الوعي على ما يبدو، ومن حسن الحظ أنني رأيتك وقتها يا عزيزتي، حتى صديقتك سورا وقفت إلى جانبك..
فتنهدت سوسن بخيبة ألم:
– إذن لم يكن ذلك حلما!
فيما تابع أيهم طمأنته لها بقوله:
– ارتاحي الآن يا عزيزتي فقد قال الطبيب بأن ما أصابك كان نتيجة للإرهاق والتعب، ويبدو أن الزحام والضوضاء قد أثرا فيك.. أنت بحاجة للراحة لا أكثر فلا تجهدي نفسك يا حبيبتي..
بدت أمها مرتاحة نوعا، فنهضت قائلة بتفهم:
– كما قال لك ايهم يا حبيبتي ارتاحي ولا تجهدي نفسك..
وابتسمت غامزة لهما بعينها:
– عن إذنكما..
وبعد أن خرجت من الغرفة، جلست سوسن مسندة ظهرها لوسادةٍ أسرع أيهم بتهيأتها لها قبل أن يتناول يديها قائلا:
– سوسن.. أخبريني ما الذي يزعجك هذه الأيام!
ورغم امتنان سوسن لموقفه ذاك إلا انها احتارت في تفسيره، ألم تخبره من قبل بما يزعجها فغضب! أتراه جادا هذه المرة في معرفة ما يزعجها بحق!!
و أخيرا حزمت أمرها قائلة دون سابق انذار:
– أيهم.. دعنا نعجل في عقد زفافنا و نغادر هذه المدينة!!
بوغت أيهم بذلك القرار المفاجيء، فنظر اليها بشك:
– هل أنت على ما يرام!
وتابع بامتعاض وهو يفلت يديها:
– أكل هذا من أجل تلك المعقدة!!
فهزت رأسها بشدة:
– وما دخلها الآن!! إنـ..
وبترت عبارة كانت على وشك الدفاع بها عن موقفها أمام حقيقة بدت صادمة.. أعرف أيهم برحيل نور!! وكيف له ذلك وأنا لم أخبره… أتراها تلك الـ..
وأسقط في يدها وقد شعرت بقلبها يغوص في أعمق ما قد يصل إليه.. أيعقل أن تكون الأمور قد وصلت إلى…! إلى ماذا!! و إلى أين ستصل أكثر…!!
غير أن أيهم سرعان ما استدرك الأمر وهو ينهض من مكانه ليجلس على حافة سريرها مقتربا منها أكثر، وهو يقول لها برقة شديدة مخبئا يدها في يده:
– سوسن.. ماذا هناك يا مالكة قلبي؟
فخفضت رأسها حرجا و قد احمرت وجنتيها بعد أن خفق قلبها بشدة كادت تخلعه من مكانه.. وتبعثرت كلماتها فلاذت بالصمت قليلا إلى أن تمكنت من إعادة تجميعها، فقالت بتنهيدة مؤثرة:
– إنني جادة تماما فيما أقوله يا أيهم، لقد تعبت من هذا المكان كثيرا..
و تابعت تقول باندفاع متوتر والدموع تملأ عينيها:
– إنني أحبك يا أيهم ولا أريد أن أخسرك لأي سبب.. أريد أن أحيا حياة هادئة مستقرة معك.. لم أعد أحتمل تلك الأجواء المزعجة هنا.. أرجوك.. ألا تفهمني..!!
بدا أيهم أكثر تفهما لحالتها من قبل، فرد عليها بلهجة حانية:
– وماذا عن حلمك يا عزيزتي، أنسيت رغبتك في إقامة معرض خاص بك!! أنت تعلمين بأنك لن تجدي أفضل من هذا المكان لتحقيق ذلك..
لم تجد سوسن ما ترد به على أيهم، إذ لم يعد أمامها هدف سوى الاحتفاظ بحبها الوحيد، فيما تابع ايهم كلامه وقد بدأ يدرك تماما ما الذي أثار حفيظة خطيبته:
– كوني شجاعة يا عزيزتي ولا تتخلي عن أحلامك من أجل ما رأيتيه من تصرف أولئك الفتيات السخيفات، أنت تعرفين من قبل طبيعة حياة النجوم، هذا هو عملي…
وتابع بنبرة ذات مغزى:
– على الأقل لن تجديني مضطرا لوضع فمي على فم إحداهن، كما فعل زوج صديقتك المعقدة..
وأكمل بنبرة لا تخلو من مرح:
– كلانا يؤدي عمله.. أليس كذلك!
صعقت سوسن بذلك الكلام، وانتفضت كل خلية في جسدها.. ما هذا الكلام الـ…! ماذا تسميه..! كيف يجرؤ على قول هذا..!! أيقارن أيهم نفسه، بطبيب ينقذ حياة مريض!!
غير أن أيهم سرعان ما قال:
– المهم يا عزيزتي أن تثقي تماما بأنك وحدك في قلبي ولن أحب غيرك أبدا..
و طبع قبلة طويلة على يدها بعذوبة:
– أقسم لك على ذلك
خفق قلب سوسن من جديد فيما تدفقت الدماء في جسدها بغزارة لتترك أثرها على وجنتيها بلون الورود القرمزية الحمراء، وقد شعرت بطاقة حياة لا تنتهي نسيت معها كل شيء آخر..
لو تعرف كم أحبك يا أيهم..
……
يتبع ان شاء الله…
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
إضافة تعليق